كنت اتساءل دوماً ماذا لو اظهر الخالق نفسه وتأكدنا كلنا من وجوده بشكل لا يقبل الشك ، كنت اتساءل اي دين سيثبت ذلك الخالق صحته ؟ ، السيناريو البشري الذي سيحدث معروف فالمسلم سيهرول إلى مسجده والمسيحي إلى كنيسته واليهودي إلى صومعته والهندوسي سيذهب للتبرك لذلك الصنم براس الفيل ، وباقي الاديان سيبدؤن رحلة الصحوة والعودة إلى الهتهم ، اما الملحدين فسيقررون بالتأكيد العود إلى ديانة الاب او الام او الاسلاف ، وتكبيراً هاهنا وقرع جروس هناك وعويل هنا وبكاء هناك ، المسلم سيأتي إلى المنتديات التي تشترط وجود العقل لدخولها وسينزل الاف الموضوعات تشفي بالملحدين ، والمسيحيين سيحرقون تشارلز داوكنز تحت البيق بين اما اليهود سيحاصرون غزة ( بصراحة لا اعلم ماذا سيفعلون فلم يبقى شيئ ليفعلوه ) .
ولكن هل يعقل ان كل هذه الاديان صحيحة ؟ بالتأكيد لا ، وإن حصرنا الخيارات في الاديان السماوية فهل كلها صحيحة ؟ اتباع هذه الديانات سيجاوبون بالنفي ، هل هناك دين صحيح وحيد على وجه الارض ؟ هذا ينافي العدل المطلق للإله فوجود دين صحيح واحد ينبغي ان تقام الحجة عليه في كل إنسان ولد ومنذ مئات الالف السنين لأن اقدم دين قد لا يزيد عن 3000 سنة وقد يكون وثنياً اساساً .
الحقيقة الواقعة والتي تتجلى امام اعيننا اننا لا نعبد إلهاً ولا خالق بل نعبد الاقدار ، نعبد القدر الذي جعلنا نلد في اماكن معينة تستحوذ عليها افكار وديانة معينة ، نعبد القدر الذي جعلنا نلد في عائلة مسلمة ونصبح مسلمين او دولة مسلمة ونصبح بحكم القانون مسلمين او دولة هندوسية او سيخية او حتى دولة ملحدة ، عندما تلد في بلداً كالسعودية ستكون مسلم بالوراثة وعندما يكون قدرك في الهند ستكون هندوسي وإن ولدت في إيطاليا مثلاً فستكون مسيحي وإن اصابتك اللعنة وولدت في إسرائيل ستكون يهودي ، وحتى في مذهبك في هذا الدين يختلف بإختلاف منطقة ولادتك فانت شيعي لو ولدت في القطيف وسني لو ولدت في القصيم مثلاً داخل السعودية ، هذا القدر او الحظ بغض النظر عن من يسمونها نعمة هو إلهنا الذي نعبده والذي نؤمن به مجتمعنا الذي نشأنا فهي قد جهز لنا قوالب جاهزة للنفاذ إلى عقولنا وإدراكنا عن خالقنا وعن ديننا ، نحن كبشر لدينا الغريزة المدنية لدينا الإيمان شبه المطلق بما يؤمن به الكثيرين ( من العيب ان يسميه البعض او يدخله تحت المنطقية ) نحن بعادتنا الغريزية نسلم تسليماً كامل بما قولبنا عليه من افكار اخذناها من مجتمعنا ونسلم ايضاً بعدم صحة مخالفتها ، اصبح لدينا الإيمان الكامل بعدم معقولية اي فكرة نشاز تغرد خارج القطيع ، لهذا حبس غاليلو في منزله حتى مات لأنه عاكس التفكير البشري القائل بمركزيه الارض وقد كانت البشرية شبه جمعاء على ذلك ( فهل هذا منطق لمن يسميه منطق ) ولكن ما حدث ان غاليلو كان على حق ، هذا الامر نفسه ينطبق على ما ندين به وعلى ديانتا ومذهبنا وحتى على مدى إلتزامنا بهذا الدين او عدمه ، فلا يعقل ان تجد طفل مسيحي في عائلة مسلمة او طفل مسلم في عائلة مسيحية ، وانا اتحدث هنا عن النمط الكلاسيكي للعائلة المتدينة بغض النظر عن مدى التحضر الذي وصل إليه الفكر الديني في بعض الدول كاوربا .
بالعودة إلى افتراضنا السابق ، كل معتنق دين سيرفع راية دينه بأنه الحق الصحيح الذي نسخ كل ما سبقه وما اتى بعده ، كل متدين سيرفع راية قدره ، راية الموروث الذي ورثه عن والديه ، واما من غير دينه إلى دين آخر فسيرفع راية قدره الذي جعله يلتقي بأتباع ذلك الدين الذي اعتقنه ، لا يمكن ان نجزم ابداً بما نعرفه وما ادركناه عن هذه الديانات التي من صنع البشر ان هناك دين هو الاصح حقاً وحتى وإن كان صحيح فاتباع ذلك الدين لن يعطوك دليلاً واحد على ان مذهباً معين هو الصحيح دون سواه ، فالكل سيسرد لك حقائق دينية من كتاب تاريخي او حديث رواه ستة او سبعة اجيال متعاقبة لا تعلم من كان المخرف فيهم ومن كان السكير ، سيسردون لك كل ما يعرفونه عن دينهم ليثبتوا ان قدر ولادتهم اقصد دينهم هو الاصح ، فالاغلب في متبعي الاديان انهم يأخذون معتقدات غيرهم بنظرة وتفكير مجرد ومنطقية ويتقوفون عن ذلك عندما يصلون إلى عقائدهم .
هل تعمد الخالق في تنويع الاديان ؟
إن كان هذا صحيح ( وهو صحيح بطبيعة الواقع ) فهذا ينافي العدل والرحمة لأن محاسبة ومعاقبة إناس قدر لهم ان يكونوا على غير هذا الدين غير منطقية ومقززة ، إقامة الحجة لا تعني فقط إرسال رسل في منطقة معينة مهمل بذلك القارات الباقية والامم الباقية ولا ايضاً ما يسعى له بعض المبشريين الدينيين من الدعاء والتبشير إلى دينهم الان ، عندما نتحدث عن واقع الاديان والبشرية فنحن نتحدث عن تاريخ البشر انفسهم نتحدث عن مئات الالف السنين وعن حضارات قريبة العهد كالفايكنق وحضارات الصين والاغريق وحضارات المايا وغيرها من الحضارات القديمة ، وعن جزر واماكن نائية وغابات لا تزال حتى يومنا هذا يسكنها بشر لا يرتدون الملابس فعن اي فطرة يتحدث عنها البعض ؟ يمكننا التسليم او حتى الدوس على العقل ونقول انهم معفيين من العقاب والحساب ونحن فقط من قدر لنا ان نعيش في خضام الحروب الفكرية والدينية سنكون في قائمة المحاسبون ، هي ليست فقط تبريرات غير منطقية فحسب بل خداع للعقل .
الإنسان ومنذ غابر الازمان كان بحاجة إلى الايمان وبحاجة إلى وجود تفسيرات تريح غريزة العقل المنطقي الإستنتاجي وهي غريزة التفسير لما حوله ، هذا الإيمان تطور على مراحل عدة وبني على هذا الإيمان الاديان التي بنيت عليها الطقوس الدينية والقوانين والتشريعات ، ان الاديان من اهم الاشياء التي صنعها وقدمها العقل البشري من فرضية الخالق إلى عدة افكار وتطورات إلى اديان فقوانين ودول وحتى حضارات ، ، ومن ثم اصبح الدين قدر وهوية ، وكل دين يخدم متطلبات ومصالح الحضارة التي انبثق منها إذ لا يكاد يغادر جغرافية الارض التي يستحوذ عليها او نشاء فيها .