حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$archive_pages - Line: 2 - File: printthread.php(287) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(287) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 287 eval
/printthread.php 117 printthread_multipage
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
سيرة ذاتية - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78)
+--- الموضوع: سيرة ذاتية (/showthread.php?tid=31985)

الصفحات: 1 2 3 4


سيرة ذاتية - oskar - 03-06-2005

موتى المنفى يحرسون البحر عند الظهيرة


{تحية الى محمد النصار}


1



عادوا الى البيت مجتازينَ ممرَّ أشجار طويلة

ترفرف فوق رؤوسهم طيور جائعة .

نباتاتُ الفطر السام المنتصبة في سأمها الموحش

ذابلة وغريبة مثلهم .

كيف السبيل الى إيقاد شعلتهم التي تذوي وهذه الأشجار

تطفئ قناديلها . حانية على الجذور؟

في ممر الأشجار الطويل . ريشُ نسور تهزهزه الريح وسط

الأوراق المتساقطة. ريشُ حيواتهم التي تنزف بلا انقطاع.

في قفزتهم الكبيرة الى العلو كانوا يترنحونَ في ليل الهاوية الساكن .



2



ظلالُ قبورهم التي ترتعشُ في نيران الفجر. ترفع الفهودَ من وحشتها

المعششة. من أجل الزرقة المتحصنة في الهاوية

من أجل العليقةِ المشتعلة في الرغيف.

أين يذهب الموتى في الفجر ؟

أين يتركون أشجارَهم المحملة بالطرائد الكبيرة ؟

كم من الأسرار في أحلامهم العميقة ؟

الموتى ينصتون لعري كلماتنا اللاهثة ويغلقونَ عليهم أبواب العافية.

لا تهمهم أعيادُ حصادنا

لا مجازر حروبنا

لا الطوفان.



3



ثمة أشياء نجهلها وتعرفنا:

غضبُ الصقر في عطشه

سهراتُ زيز الحصاد في الصيف الماضي

ناي الراعي الذي يحدق في الكوكب .

في كل يوم من أيامنا التي نقضيها على هذه الأرض المشؤومة

ثمة ما يبعث على اليقين بأننا سنتعرف على غريمنا النسيان.

أين نجد الآن باباً لموتنا الذي يستجمع شجاعته {وحيداً وبلا معين*}؟

لن نرفع الرأس عالياً

سنكظم غيضنا ونتقدم بخطى متثاقلة صوبَ أرض النسيان.



4





قرب ضوء نجمة. في التماعة عشب يخزن أسراره للصيف

ينهض حلم الانسان- صخرةً صلدة- ويتمطى في مروجه ليل البرد البعيد.

الانسان يجلس قرب الهاوية. حياته الفقيرة- سجن – يسند الشمسَ في نهوضها الهادئ.

لمن هذه الدمعة المحفورة

على رخام القبر؟



5



{قفير} نحل في الغابة . يعملُ ليل نهار

من أجل الانسان الساهر في اللوعة

من أجل العالم وخلاصه الموعود.

{قفير} نحل يخفي في أروقته الغريبة قناديل الأمل المضيئة كما الأعماق

لكن الرماد. رماد الانسان الصياد ومكائده في الغابة . أطفأت القناديل ورفعت

{القفير} الى الهاوية.

ليس للانسان سوى مخالب طويلة تنهش بين فخذي خطيئته.



6



ناموا في منفاهم على شاطئ البحر بانتظار سفينةٍ ما تحملهم الى أرض الوطن

الذي حلموا برؤيته دائماً. وحدها البروق المتلظية تعرف سر غيابهم وتعرف

أين علقوا جدائلهم ودموعهم المقيدة. موتى المنفى يحرسون البحر عند الظهيرة

كما يحرس الضوءُ بواباتِ البكاء.



7



طائر النورس في الماء الذي يغلي. يتبع ظلي وظلك.

أظفاره الحمرُ صاعقة بين حقول القمح.

هل تحطمت أشرعتنا؟

لماذا لم يبق من أيامنا سوى صفصافها الذاوي؟

طائرُ النورس-الأسود- ألسنة اللهب.



8



هنا الصخور شاخصة. والطبيعة بدلت ثيابها.

الملكُ يستعرض فيالقه بأبهة وكبرياء. يمد يده الى الشمس فيأسرها بكاملها

في كل صيحة من صيحاته. غابة من الندوب الغليظة. هذه الأرض. أرض

الملك. حين تنشب حرب جديدة ستضيق عليه حد اللعنة. وستنقلب عليه أرض

أخرى مزروعة بآلاف الصلبان.



9



مضى زمن طويل وهم يتلذذون في جرائمهم. عيونهم محمرة من كثرة الاعدامات.

ظلالهم الكافرة حجبت عنا الهواء والساقية. وصرخاتهم الثاقبة اقتحمت علينا

حلباتِ الليل.

دعهم. دعهم يتقدمون بوحشيتهم. سنجعلهم يرسفونَ بالأصفاد.

سننزع جلودهم ونحشوها بالقش.

وحوش تزحف صوب قداسة معابدنا

ومنابعِ أنهارنا العظيمة.



27 / 6 / 1998 مالمو- السويد

* يانيس ريتسوس

نشرت في صحيفة {القدس العربي}العدد 2979 الثلاثاء 8 ديسمبر 1998 .





أرادت القيادات العسكرية الايرانية بعد طرد قواتها من قاطعي {حاج عمران} و{سيده كان} في المعارك السابقة أن تستعيد بعض الرواقم العالية في هذين القاطعين للتأثير على سير ومجريات المعارك التي قد تحدث في جبهات أخرى من جبهات الحرب. فبعد أن تكبدت قواتنا خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات طوال الشهور الماضية بفعل القصف المستمر من مختلف المدافع والراجمات والدبابات والطائرات. اعتقد القادة الايرانيون أن الوقت قد حان لشن هجومين كبيرين ومتزامنين على هذين القاطعين. وبعد أن باشروا استعداداتهم الحربية واللوجستية واقترب موعد هجومهم ضد مواضع وحداتنا. منعت قيادة الفيلق الإجازات والمأموريات في جميع الوحدات ووصلت قاطع عمليات فيلقنا ألوية وحدات خاصة ومغاوير وألوية مشاة من ألوية احتياط القيادة العامة للقوات المسلحة. وباشرت على الفور بعمليات استطلاع واسعة في وديان وجبال {حاج عمران} و {سيده كان} استعدادا للمعارك القادمة. كما وصلت أيضا كتائب دبابات و بطريات مدفعية ثقيلة {نمساوية} . وهذه المدافع التي تصوب نحو أهدافها على شكل قوس. كانت غير موجودة عند الجانب الايراني وكانت تكبد القوات الايرانية خسائرقاسية في الأرواح. وقبل الهجوم الوشيك أغارت على مواقعنا الخلفية والمتقدمة ومواقع أسلحتنا الثقيلة عشرات الطائرات الايرانية الحربية ملحقة بنا وبأسلحتنا ومقراتنا الدمار والخراب ، وقد استطاعت وحدات مقاومة الطائرات وبطريات صواريخ سام 7 وسام 9 اسقاط العديد من هذه الطائرات فوق العديد من المدن والقصبات والنواحي والجبال والوديان وأسر طياريها. وفي هذه المرة قررت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية أن تغير خططها الحربية السابقة. التي كانت تقوم على دفع ألوية المغاوير بهجوم مقابل حين تحتل القوات الايرانية مواضع ألوية المشاة وتقوم بطردها من الهدف بعد ذلك. وقررت بدلاً من هذا السياق أن يكون مع كل لواء مشاة لواء مغاوير وسرية أو أكثر من السرايا المرتبة وأفواج من قوات الجيش الشعبي. حتى تكون هذه القوات قادرة على صد الهجوم وتحطيم زخمه مهما كانت قوته. وضمن هذا السياق صدرت إلينا الأوامر ليلة 29 / 8 بالتوجه الى جبل{كرده كو} لنكون ظهيرا للواء 39 مشاة. صعدنا الجبل ليلاً واتخذنا مواضعنا بعد أن قمنا بحفر الخنادق والشقوق والسواتر تحت القصف المدفعي الذي لا يتقطع من جانبنا ومن جانب القوات الايرانية. وفي اليوم التالي طلب من كل فوج أن يهيىء 4 من الجنود الشجعان ليقوموا بواجب الكمين في الأرض الحرام التي تفصلنا عن القوات الايرانية . اختارني من سريتي الملازم أول جاسم آمر السرية وكدت أموت من الرعب. ذلك لأنني لم أكلف من قبل بواجب الكمين. وقال لي بعد أن رآني أكاد أخرّي على نفسي من شدة الفزع :{أنت أقدم جندي في سريتي واخترتك لشجاعتك وبسالتك. اذهب نفذ الواجب وكن بطلاً}. يا إلهي.. ماذا سأفعل بالأرض الحرام؟ وكم من الوقت سأبقى قرب مواضع القوات الايرانية؟ هل سأدوس على لغم أو أقع في مصائد المغفلين ؟ كنت وأنا أسأل نفسي هذه الأسئلة أفكر في قصائدي التي دفعتها الى زاهر الجيزاني ووعدني بنشرها في مجلة{الطليعة الأدبية}. شرح لي بعض الجنود الذين كلفوا معي بالمهمة. أن هذه سياقات عادية ومن الممكن أن نطبخ الشاي اذا لم نصطدم بدورية قتالية معادية. وقالوا أن القوات الايرانية تقوم بنفس الواجب أيضاً ونحن سنكون بعيدين عنهم. انحدرنا من أعلى ربيئة فوق جبل{كرده كو} واتخذنا طريقاًَ نيسمياً باتجاه الأرض الحرام. لاشيء سوى الصمت المطبق . لا اهتزاز غصن . لا هفهفة نسمة. وحده رفيقنا عبد الأمير، حامل جهاز الارسال البالغ وزنه 13 كيلوغراما والمسمى {الراكال} يتنحنح كلما مال جهازه يميناً أو يساراً فوق ظهره. وبالنسبة لي فقد كان أشد ما يفزعني وأنا أسير مع هؤلاء الجنود الذين لا أعرفهم ولا يعرفونني.هو دوي القذائف وصواريخ الراجمات الايرانية والعراقية التي بدت لي وكأنها شهب أو نيازك تسقط على الأرض. مكثنا في الأرض الحرام من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل الى الساعة الرابعة صباحاً ثم انسحبنا باتجاه مواضعنا عبر شفرة من جهاز{الراكال} جاءت الينا من مقر اللواء. في الليلة التالية وصلتنا برقية فورية من استخبارات الفيلق تشدد على أخذ الحيطة والحذر وتعلمنا أن الهجوم الايراني ضد مواضعنا ربما سيبدأ الليلة بعد الساعة الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل. وهكذا ظلت جميع قواتنا فوق جبل{كرده كو} هذه الليلة بانتظار لحظة الهجوم المرتقب. أخيرا أشرقت الشمس ولم يحدث الهجوم. لكن سياقات القصف بدأت تتحذ وتيرة متصاعدة بعد الظهر وبدت قمة وسفوح {كرده كو} شبيهة ببركان يفور من شدة نيران القذائف الحامية. وهذا الوصف ينطبق على الجبال الأخرى مثل {حصاروست} و{كرده مند} و{أوراس} و{كوردي} و{وسكران} وبقية الجبال الأخرى في قاطع {حاج عمران}. في المساء قام العميد محمود قائد الفرقة 23 يرافقه ضباط الأركان بجولة استطلاعية سريعة شملت عدة مواضع والتقى الكثير من ضباطنا وأكد أن الهجوم سيبدأ الليلة، وطبعا كان تأكيد قائد الفرقة مبنياً على معطيات ومعلومات استخبارات الفيلق. بعد منتصف الليل اهتزت الأرض التي نقف عليها وقامت القيامة في قاطعي {حاج عمران} و{سيده كان} وبدأ الهجوم الذي حشدت له القيادات العسكرية الايرانية أفضل ما لديها من قوات. وقد استطاع لواء المشاة 39 المتمركزفي المواضع والسواتر الأمامية من ايقاف الصولة الأولى وكسر حدة زخم الهجوم بسبب وجود لوائنا وأفواج الجيش الشعبي والسرايا المرتبة التي لعبت دوراً أساسياً في منع أي التفاف أو تسلل قد تقوم به القوات المهاجمة. وبعد أكثر من ثلاث ساعات صدرت الينا الأوامر بالتقدم صوب القمة والقتال الى جانب مراتب وضباط اللواء الذي أبدى بسالة عالية على الرغم من كثرة الإصابات والخسائر الكبيرة بين صفوف مراتبه. سلكت أفواجنا الشق الطويل والوحيد الذي يوصل الى القمة. وهو شق عميق نوعاً ما تم حفره في الشهور الماضية بالمعاول و{المساحي} من قبل جنود المشاة ويستطيع أن يغطي قامة الانسان ، لكن بسبب طبيعة الأرض الجبلية فقد كانت هناك مساحات صخرية غير عميقة تجعلنا مرصودين من قبل القوات المعادية إذا نحن مشينا فيها. وأثناء تقدمنا السريع تحت القصف المدفعي باتجاه القمة في واحدة من هذه المساحات وكنا نضع مسافات بيننا. رأيت بأم عيني الجندي علي صياح ينقسم الى نصفين بفعل صاروخ قاذفة RBG7 . النصف العلوي طار في الهواء خارج الشق . والنصف السفلي ظل داخل الشق ، وعندما رأيت ما حصل لهذا الجندي التعيس . فقد تجمد الدم في عروقي من شدة الرعب ولم أستطع أن أتقدم أو أتراجع. انبطحت على الأرض كميت وبالكاد كنت التقط أنفاسي حتى أن بعض الجنود داسوا علي وكانوا يظنونني مقتولاً. بعد تقدم جميع الجنود انسللت الى الخلف منهكاً وشبه ميت من الخوف الذي كاد يوقف نبضات قلبي. أخيراً فشل الهجوم المعادي في احتلال أي جبل وتكبدت قواتنا والقوات المهاجمة الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات والتجهيزات. ومثلما فشلت القوات الايرانية في قاطع{حاج عمران} من تحقيق أي نصر. فقد فشلت في قاطع{سيده كان} أيضا ولم تحقق أية نتيجة تذكر. في المساء خف القصف على مواضع وحداتنا شيئاً فشيئاً وهنا تأكد لقيادة الفيلق وقيادة الفرقة أن الهجوم فشل تماماً في تحقيق أهدافه التي أعد لها طويلاً. في اليوم الثاني بعد الهجوم صدرت الأوامر باخلاء القتلى والجرحى ليلاً وكانت خسائر قواتنا في الأرواح لا تعد ولا تحصى. وكم أحزنتني مشاهد أولئك الجنود الشباب الذين قتلوا من القوات العراقية والايرانية و لم يأخذوا بغيتهم بعد من الحياة الكبيرة . على الرغم من مناخ الموت والدمار الذي كان يلف العالم آنذاك يبقى المشهد الأكثر قسوة هو تلك الجثث التي تقدر بالمئات من القوات الايرانية التي ظلت قرب مواضعنا ولم تخل بسبب كثافة النيران المنطلقة من مواضعنا الدفاعية المتقدمة . وسيبقى وآباء وأمهات هؤلاء الجنود يترقبون عودتهم من جبهة الحرب من دون جدوى ، مثلما حصل لآلاف العوائل العراقية . هل هذه {القادسية} تستحق أن يمجد قائدها المغوار ويثني على شجاعته وإنسانيته الشعراء الفاشست أعداء الانسان والحياة ؟



يتبع :





سيرة ذاتية - oskar - 03-11-2005

الفصل الرابع


معركة جبل {كرده مند} الثالثة 3 / 3 / 1987


موت يحلمُ بحرارة شمس الصيف


بعد نهاية المعارك الشرسة التي دارت في قاطعي {حاج عمران} و{سيده كان} واندحار القوات الايرانية المهاجمة ، صدرت إلينا الأوامر بالعودة الى المقرات المتقدمة بمنطقة{قصري} وقرية {دار السلام} بعد أن أخلينا القتلى والجرحى والأسلحة والتجهيزات التي تحطمت. وطلبوا ممن يريدون مأمورية لمدة 3 أيام أن يذهبوا الى مستشفى أربيل العسكري ويأخذوا جثث القتلى التي تعود لأفواجنا لتسليمها الى أهاليهم في مختلف محافظات العراق. تردد العديد من الجنود بالقبول شأنهم شأن الآخرين في بقية الوحدات العراقية الأخرى خوفاً من أن يقتلهم أهل القتلى إذ كان العديد من الجنود أثناء الحرب العراقية- الايرانية ممن ذهبوا بمأمورية لتسليم جثث جنود الى أهاليهم قد تعرضوا للقتل من قبل أهل الجندي القتيل أو لحقت بهم اصابات بالغة. ذلك أن الأهالي عندما يفتحون أبوابهم للمأمورين ، ويرون سيارة تاكسي أمام الباب تحمل تابوتاً مغطى بالعلم العراقي ، ينهارون حالاً ويصابون بالهستيريا ، وعندما يبلغ مأمور ما إحدى العائلات بأن هذه الجثة هي جثة ابنهم الذي قتل في الهجوم الفلاني. تقوم هذه العائلة بعد أن تصاب بالصدمة بالهجوم عليه حالاً بكل ما تملك من آلات حادة وعصي . فأما أن يهرب بعيداً أو أن يتعرض الى الأذى البالغ. لكن هذه المرة جاءت تعليمات جديدة توصي بأن يقوم المأمور بتسليم جثة الجندي القتيل الى المنظمة الحزبية أو مركز الشرطة في منطقة سكن القتيل ليتولى رجال الحزب والشرطة مهمة إبلاغ أهله وتسليمهم الجثة. ذهب عدد من الجنود الى مكاتب السرايا في فوجنا لاستلام مأمورياتهم وكانت معنوياتهم عالية بعد التعليمات الجديدة التي أبلغوا بها. في الأيام التي تلت انسحابنا من المعركة وذهابنا لإعادة التنظيم في منطقة{قصري} وقرية {دار السلام}. جاءت هدايا من قيادة الفرقة وقيادة الفيلق مخصصة للضباط فقط . وكانت مجموعة حية من الخراف ، فراح ضباط فوجنا وضباط الأفواج الأخرى يحتفلون عبر حفلات شواء صاخبة في انتظار صدور المراسيم الجمهورية الخاصة بمنحهم الترقيات والأوسمة والأنواط . في{أربيل} التي ذهبت اليها مع مجموعة من الجنود من دون إذن من آمر السرية بسبب منع الاجازات للاستحمام وتناول وجبة طعام حقيقية بعيداً عن مطبخ السرية وباذنجان وبيض وطماطم حانوت الفوج ، دخلت مكتباتها وكم كان سروري عظيماً عندما وجدت{زهور الشر} لبودلير صادراً بترجمة خليل خوري عن دار الشؤون الثقافية التي أغرقت المكتبات بترجمات رديئة لمجموعات ومختارات من شعر الحربين العالميتين الأولى والثانية. اشتريت نسخة من{زهور الشر} وبعد الاستحمام بحمام عمومي. ذهبت مع بقية الجنود الى أحد المطاعم لتناول كباب{أربيل} الشهير. دخلت المطعم مفرزة من انضباط الفيلق واقتادتنا الى سجن الموقع حيث مكثنا 3 ايام ، تم بعدها تسفيرنا الى وحدتنا فأمر آمر سريتنا بعد أن قدمونا اليه من دون بيريات وأنطقة حسب السياقات العسكرية الخاصة بالمعاقبين بسجننا 4 أيام لذهابنا الى{أربيل} من دون اذن وحلق رؤوسنا نمرة 4. في اليوم الأول من السجن قلت لنفسي ان قراءة بودلير في السجن بعيداً عن ساعات التدريب العنيفة والاهانات فرصة لا تعوض، لكن تبين لاحقاً أن عقوبة السجن وحدها لا تكفي. أمرونا في اليوم التالي أن نباشر التدريبات المعهودة مع بقية جنود الفوج بالإضافة الى تنظيف مراحيض السرايا 3 مرات في اليوم. نفذنا الأوامر وفي الليل جاء آمر السرية وكان الضابط الخفر للفوج في ذلك اليوم لتفقد أحوال الجنود السجناء لكنه بدلاً من تفقد أحوالنا راح يشتمنا ويوجه لنا الإهانات بسبب ذهابنا الى {أربيل} من دون إذن ، واعتدى بالضرب على الجنود مجيد عبد وباقر وزيد. لم يرد عليه أحد بالطبع لأن ملاسنة الضابط أو عدم تنفيذ أوامره كانت عقوبتها في الجيش العراقي أثناء الحرب هي تشكيل مجلس تحقيقي وارسال الجندي المخالف الى محكمة عسكرية ويكون حكم المحكمة المعتاد هو السجن لمدة 6 شهور. تقبل الجنود الاعتداء عليهم من قبل آمر السرية وقرروا بعدها أن يعاقبوه عقوبة قاسية بطرقهم الشيطانية الخاصة . وكنت كلما أواسيهم يقولون لي:{وين يروح منَا ابن القندرة هذا. راح نعاقبه عقوبة ما شايفها بحياته}. في اليوم الذي تلا اعتداء آمر السرية على هؤلاء الجنود كانت ساحة العرض الصباحي خالية منهم وقرروا أن لا ينفذوا أي أمر مهما كان. اكتفى آمر السرية بالقول:{ القشامر. آني أعلمهم. بسيطة} وتركهم نهائياً. بعد اسبوعين عندما فتحت الاجازات الدورية وحصلت على اجازتي. التقيت صدفة آمر سريتي هذا في منطقة{بغداد الجديدة} وهو يهم بدخول جامع{ الكبيسي}. حاولت أن أتحاشى اللقاء المباشر به لكنه بعد أن عبرته ناداني قائلا:{ لك قشمر نصيف. شكو عندك إهنا ؟} تجاوزته ولم أرد عليه وتمنيت في تلك اللحظة أن أمزقه أو أحرقه.

أثناء إجازتي هذه صدرت عن دار الشؤون الثقافية انطولوجيا{الموجة الجديدة} التي أعدها وقدم لها زاهر الجيزاني وسلام كاظم وضمت قصائد لـ51 شاعراً من شعراء السبعينات والثمانينات وكانت حدثاً مهما عندنا نحن المهمشين على الرغم من تجاهل النقاد لها نهائياً، ويبدو أن المقال الذي كتبه مجموعة من شعراء السبعينات وحمل عنوان {خمسون بيضة فاسدة في سلة النقد} ونشر في مجلة {ألف باء} قبل صدور الكتاب بشهور قد كسر كل أسلحة نقادنا الصدئة ولم يعد بوسعهم أن يواصلوا حربهم مع الشعر غير المعني بـ{قادسيتهم المجيدة} مع استثناء بعض النقاد الحقيقيين هنا. وكانت مناسبة هذا المقال هو أن مجلة{الوطن العربي} التي كانت تصدر من باريس. قد أجرت حوارات مطولة مع مجموعة من شعراء السبعينات. منهم خزعل الماجدي وفاروق يوسف وسلام كاظم وزاهر الجيزاني. تحدثوا فيها عن فهمهم للابداع والكتابة والحساسية الجديدة في الشعر، وابدوا آراء جريئة في ما يخص راهن الثقافة العراقية والعربية ومشروع قصيدة النثر التي كانت حلماً يداعب مخيلاتهم قبل أن يرسخها الشعراء الذين جاءوا من بعدهم من خلال جهود دؤوبة ومخلصة وصامتة في التجريب الذي استمر من عام 1980 وحتى عام 1990 من دون أن يفلحوا في نشر نتاجاتهم التي بدت غريبة آنذاك بسبب مناخ الحرب التي دمرت كل جوانب الابداع ، حتى تنبه لهم الناقد حاتم الصكر عام 1990 وكتب عنهم سلسلة مقالاته الشهيرة{شعراء الظل} والتي بيَن فيها مدى اخلاصهم لقضية الشعر بعيداً عن التنظير اللامجدي والادعاءات الفارغة بتفجير اللغة وماشابه من مصطلحات. بعد حوارات{الوطن العربي} هذه أخرج الكثير من نقادنا أسلحتهم الصدئة وراحوا يشحذونها بوجوه هؤلاء الشعراء و يكيلون لهم الاتهامات والشكوك في مشروعاتهم الكتابية، وبلغت المهزلة ذروتها عندما تطوع الناقد يوسف نمر ذياب بكتابة ونشر بيان طويل بمجلة{ألف باء} أسماه {البيان الختامي للشعر السبعيني} جامعاً فيه خلاصة آراء الكثير من النقاد المشوهة ضد شعراء السبعينات بعدما كانوا قد مهدوا الأرض لهم في البداية وفرشوها بالاعشاب والزهور. وهكذا حاول هذا الناقد الهمام {أصدرمجموعة وحيدة عام 1969 بعنوان أضغاث وسمادير. يقول في آخر قصيدة منها: فانتوم فانتوم . الظلم لا يدوم} أن يلغي بجرة قلم جيلاً شعرياً بأكمله من الذاكرة الثقافية لعراقنا المبتلى بسمومه وسموم من هم على شاكلته من أدعياء النقد لمجرد أن هؤلاء الشعراء حاولوا الاعلان عن آرائهم في مجلة تصدر خارج العراق. وبالنسبة لهؤلاء الشعراء فقد قاموا من جانبهم بالرد عليه رداً قاسياً وقد عددوا 50 نقطة وردت في البيان الموجه ضدهم اعتبروها لا تمت الى الموضوعية بصلة ونشروا معا بنفس المجلة دفاعهم الشهير{خمسون بيضة فاسدة في سلة النقد} لكن العداء ظل قائماً بين النقاد وبين المشروع السبعيني بعدما أحرقت الايدولوجيا وهشمت كل الأحلام التي نادى بها هؤلاء الشعراء حتى جاء عدي صدام حسين عام 1993 ليرأس{ التجمع الثقافي بالعراق} ويطرد الجميع شعراء ونقاداً وينصب بدلاً عنهم مجموعة من الأدباء الجدد ليتربع المدعو رعد بندر وهو شاعر عمودي عادي على كرسي محمد مهدي الجواهري . رئيساً لاتحاد الأدباء بالعراق بعدما حصل على لقب{شاعر أم المعارك} بمرسوم جمهوري نشر في الصحف العراقية من دوم أن تصدر له أية مجموعة شعرية.

كان رعد بندر وهو شاعر عمودي عادي جندياًَ في دائرة التوجيه السياسي حين قام نظام{أبو المعارك} باحتلال الكويت وبعد هزيمة النظام وتحرير الكويت عام 1991 سكت وتوارى أغلب الذين كانوا ينعقون ببطولات صدام المزعومة لخوفهم من أن نظام سيدهم سيسقط وأن الشعب العراقي سيعاقبهم مثلما عاقب الشاعر الشعبي فلاح عسكر عندما تم القاء القبض عليه أيام الانتفاضة في محافظة{بابل} واعدامه بسبب مدائحه لصدام طوال سنوات الحرب . ومن ضمن الذين تواروا ولاذوا بالصمت عبد الرزاق عبد الواحد ومحمد جميل شلش والعميد عبد الودود القيسي شاعر القوات المسلحة، والعقيد في سلاح الطيران غزاي درع الطائي وكمال الحديثي عضو مكتب الثقافة والاعلام في القيادة القومية لحزب البعث، وساجدة الموسوي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنساء العراق ، ومنذر الجبوري الرئيس السابق لتحرير مجلة{الطليعة الأدبية} وعلي الياسري ومحمد حسين آل ياسين ونعمان ماهر الكنعاني أحد الضباط الأحرار ومؤسس المكتب العسكري في سوريا الذي كان يعمل ضد حكم عبد الكريم قاسم وعشرات الشعراء غيرهم، وهنا استغل رعد بندرغياب هؤلاء الأدعياء عن اعلام النظام وراح يكتب وينشر القصائد{العصماء} التي تمجد بطولة الجنرال المهزوم صدام حسين بصحيفة{القادسية} أولاً ومن ثم بصحيفة{الجمهورية} فباقي الصحف والقنوات الاعلامية الأخرى، وبعد شهور تلقى رسالة خطية من صدام حسين يثني فيها على اخلاصه ويوضح بعض الأشياء التي وردت في إحدى قصائده و يقول :{ الابن البار رعد . شكراً للرجال الذين ظلوا أوفياء على العهد والمبادئ العظيمة . بالنسبة لقصيدتك الأخيرة فأقترح أن يكون البيت الفلاني بالصيغة كذا وكذا لأن المرحومة الوالدة كانت تصلي وكانت لا تحب الدنيا الفانية ولا تحب أن تظهر في الاعلام} ورسالة صدام هذه كانت تتكون من نصف صفحة كان رعد بندر يفتخر بها ويعلقها في مكتبه بوزارة الثقافة والاعلام عندما منحه صدام منصب مدير عام ، كما كان يعلقها في صالة شقته التي أهداها اليه سيده مع سيارة فاخرة نوع تويوتا سوبر وعطية مالية سخية، ويتذكر الكثير منا أن رعد بندر في هذه الفترة كان الوحيد الذي يصول ويجول في ساحة المديح لصدام حتى تم تعيينه عام 1992مستشاراً لوزير الثقافة والاعلام حامد يوسف حمادي الذي كان يشغل من قبل السكرتير الخاص لصدام لشؤون الأمن والمخابرات والاستخبارات . ولكي تكون له حظوة أكثرنشر عام 1992 في صحيفة {الجمهورية} قصيدة يمدح فيها {الأسد وشبله} زينتها صورة ملونة للطاغية وابنه عدي فأعطاه الإبن 10000 دينارهدية لمدحته هذه . كذلك قام وبالاشتراك مع عدنان الصائغ رئيس منتدى الأدباء الشباب بتنظيم مهرجان تهريجي في أواخرشهر نيسان عام 1992 عن ميلاد صدام المزعوم وحشدوا له كل وسائل إعلام الطاغية بعد أن أسموه مهرجان {الميلاد العظيم} وباعتباره مستشاراً لوزير الثقافة والاعلام قام أيضأ باعداد مهرجان تهريجي آخر عام 1993 أطلقتْ عليه في حينه تسمية {درع الابداع} وحضره شخصياً عدي كجزء من اعداده ليتولى الأشراف الكامل على الثقافة في العراق ..



يتبع :





سيرة ذاتية - oskar - 03-15-2005


موتٌ يحلمُ بحرارةِ شمسِ الصيف






1



قذائفُ ثقيلة / صلياتُ رصاص / خنادقُ مقصوفة / دخانٌ /غبار ملاجئ

تحترق وتتناثر في الهواء / قمل يعشش في الأجساد / ثلوج / ثلوج /

حنينات متجمدة / موت متيقظ يتربص بنا ويطلق قذائفه باتجاهنا دائما /

خطوة / خطوة تتعثر حياتك فوق الجبال الكافرة

أيها الصعلوك

الشاعرُ الغجري

هاهي أحلامك تذبلُ من شدة الدوي / الأشجار الكثيفة الظلال

والصقور الأنيسة والطبيعة بثرواتها التي لا تنتهي

والآمال / ربيعها الأبدي يحطم القشعريرة .





2



بين قبر وآخر / تنوب النملة عن الفراشة

ينوبُ الغاز عن الهواء

ينوب الميتُ عن الحي

ينوب الليل عن النهار

ينوب النشيج عن الغناء

تنوب العقربُ عن القبلة

ينوب الثعلب عن الأسد

تنوب طقطقة العظام عن الموسيقى

ينوب الخفاش عن العندليب

تنوب الصفعة عن الحلم

ينوب العظم عن الشجرة .





3



وحشةُ الجبال المهيأة للموت / والراجماتُ / والمدافع / والصواريخ /

وقصفُ الطائرات الذي لا ينقطع / ومدافع الهاون الرجيمة /

والميتاتُ التي تموتها عدة مراتٍ في اليوم / والخوفُ الذي لا يوصف

وشماتاتُ الشعراءِ / الأبواقِ الذين يتوسدونَ أذرع أبقارهم

في أسرتهم الوثيرة تحت أضواء بغداد التي تنسانا في صراعنا

ضد الموت / الموتُ الذي أعده مغول القرى المنسية /

القملُ يأكل جلدة رأسك في الملاجئ التي تقصفُ دائما .





4



هنا أصابعُ بلا خواتم

سيقانٌ من خشب

هنا بردٌ يحفر العظم

والقبورُ جائعة /

المخاوف والثلوج رابضة على أعناقنا / على احساساتنا والأصابع

والحناجرُ والعيون / هنا موتٌ يؤجل موته /

موت يحلم بحرارة شمس الصيف وأنين الجذور/

هنا القلب الأكثر رقةً هو الأسبق لاستقبال الموت /

هنا نهر الموت الكبير يجرف الضوءَ والحديقة / يجرف الغصنَ والإيماءة .



5

يا ثلج / ابن الظلمة

يا دمُ / ابن الرماد

يا رماد / ابن الحرب

من يعيد لحياتنا عافيتها القديمة ؟

من يعيد للحب ربيعَه وللميت حنينَه ؟



كم ميتة أخطأتنا ونحن ننتحب حول جثة الشمس ؟

يا ليلُ / خذ الظلمة .







22 / 3 / 1987 أربيل سيده كان



يتبع:




سيرة ذاتية - ضيف - 03-16-2005

عزيزي أوسكار
بعد التحية
قرأت بتمعن كل ماذكرته عن السيد نصيف الناصري الذي حاول أن يظهر نفسه بمظهر المعارض
علما بأنه قد مدح صدّام حسين بقصائد عديدة ولكنها لا ترقى الى مستوى الشعر ولذلك فلم يكن من شعراء الصف الاول ولذا لم يحقق شهرة أو مكاسب فانقلب الى صف العارضين ولكن بعد سقوط صدام ,شأنه في ذلك شان الكثير من المثقفين (أو أشباه المثقفين العراقيين) ويطيب لي في هذا الصدد أن أسوق مثال الدكتور هاشم العقابي الذي يملأ قناة المستقلة شتما ونقدا لصدام علما بان رسالة الدكتوراه له كانت حول الجوانب النيرة في الفكر القومي للقائد الضرورة صدام حسين.
شكرا لك على النقل ولقد استمتعت بما قرأت :97:


سيرة ذاتية - oskar - 03-18-2005

تحياتي

عزيزي ابو عمار

شكرا لك على تعقيبك ومرورك ........
ان ما ذكرته بخصوص مدح نصيف وغيره من الشعراء لصدام .... وان كان الرد يتطلب حديث طويل لانه يبدو لي انك لا تعرف الا الشيء القليل عن العراق وماذا كان يجري فيه لكن ساحاول ان اوجز لك...
وهنا نقطة الاختلاف بالفهم والتصور للامور والاساليب التي يمارسها النظام على افراد الشعب العراقي بين العرب والعراقيين لان من يرى الامور بمظاهرها غير الذي يعيش احداثها ويتعامل معها مبشرة وكما يقول المثل " الذي يعد العصي غير الذي يتلقاها " لذلك يختلف احساس من يعيش وسط المعمعة عن ذلك الذي يتفرج عليها عبر وسائل الاعلام
وهذا الفهم والتصور العربي لمجريات الوضع في العراق للاسف بعيداعن الحقيقة وموهوم جدا وقاصر لانه لا يرى منها الا شكلها الخارجي وحتى هذا المظهر الخارجي هو ايضا مشوه لانه يستخدم ويجير في كل مرة لغاية تخدم النظام على حساب الشعب ...
بصراحة حين بدأت بتدوين هذا الرد لك وجدت نفسي املئ عدة صفحات فقط لا ضعك في الصورة الحقيقية لما كان يحدث في العراق وانت وغيرك الكثير من العرب لا تعروفون عنه شيئا ... ووجدت ذلك غير مجدي الحديث عن امور انت وغيرك لا تصدقها بل رافضها قبل ان تطلع عليها لاني وجدت معظمكم لديه احكام مسبقة عبر ايمان وتعاطف يجدها مقنعة له حتى لو كانت وهمية ومبالغ بها كثيرا فمثلا يوجد الكثير من عامة الناس البسطاء والجهلة في الاردن يتصورون ان التصنيع العسكري وضع صورة صدام على القمر وتجد الكثير منهم يحلف بكل المقدسات لديه انه شاهدة صورة صدام على وجه القمر وهذه المعجزة لم تظهر الا في الاردن ولم يشاهدها غير هؤلاء الاردنيين للاسف....
اعود للموضوع لكي اوجز ما قد كتبت مطولا ومسحته... فقط لاجيبك على ما ورد في تعقيبك اعلاه ....
سيد ابو عمار
ساذكر هنا احدى ممارسات صدام ونظامه وهي بعد ان تم تنصيب صدام لنفسه رئيسا للعراق وامينا عاما لحزب البعث لقطر العراق ونائب الامين العام للحزب اصدر قانون للمادة 200 والتي تنص على كل من يوقع على محتوى مضمونها بالحكم بالاعدام اذا ما اتهم بمخالفت مضمونها والذي يوجز بالتعهدة بالانتماء لحزب البعث والعمل من اجل نصرته والابلاغ عن اي مخالفات تصدر من الاخرين ضد مسيرة الحزب والتعهد بعدم العمل والانتماء مع غير حزب البعث وتم توزيع هذه الوثيقة على كافة دوائر الدولة والمدارس والجامعات وكل من له مراجعات رسمية مع دوائر الدولة من اصحاب المهن الحرة وعلى الجميع التوقيع اجبارايا عليها ومن يرفض ذلك يطرد من وظيفته والطالب من دراسته واصحاب المهن توقف معاملاته مع الدولة يعني لا يزود بما يحتاج من بضائع لمحله او مواد خام لمصنعه الخ... ولا يقف عند هذا الحد بل يلقى القبض عليه من قبل جهات الامن وياخذ قسطا من التعذيب والاهانات ولا يخرج الا وهو موقع على هذه الوثيقة ....
هذه ممارسة واحد من الالاف الممارسات التي كان يمارسها نظام صدام تجاه افراد الشعب .. يبدو لي قد اتضح لك بعض الامر بانه ليس كل من انتمى لحزب البعث في العراق هو بعثي ومؤمن بفكر هذا الحزب وتحت طائلة هذه الوثيقة كل عراقي قد تم توقيعه عليها يكون ملزما اذا طلب منه اي مسؤول حزبي سواء كان في المنطقة السكنية او الدائرة او مكان الدراسة من اي شخص باداء مهمة او نشاط لفعاليات او مناسبة يقيمها الحزب وممكن ان يتهرب الافراد اذا كان التكليف عام لكن من الصعب الهرب او الاعتذار اذا كان التكليف بالاسم والا يا ويله من العقاب يعني مثلا لقد كان الكثير من الطلبة يهربون من التظاهرات المؤيدة للنظام التي كانت تخرج في الكثير من المناسبات وفي بعض الاحيان يصعب حتى هذا الهرب حين يطلب المسؤول من الافراد الذين تحت مسؤليته تسجيل حضورهم لديه في بداية التظاهرة وتسجيل تواجدهم بعد انتهاء التظاهرة ليعرف من هرب ليحاسب ....
في مثل هذه الاجراءات لا نستطيع ان نلوم نصيف وغيره اذا مدح صدام بشعره حين يستدعى للمشاركة في مهرجان شعري يقام لتمجيد صدام ولكن يوجد فرق كبير بمن يتطوع لتمجيد هذا القائد ومن يجبر على ذلك ...
وزيادة لمعلوماتك ان الهبات والمنح لا تمنح الا لمن يقدم ولائه وتمجيده لهذا القائد الهمام يعيني الكثير من الطلبة حرموا من تحقيق طموحهم في الدراسات العليا فقط لان عليهم مؤشر انهم غير موالين للنظام وحاكمه بدواخلهم وبدون دليل على ذلك يعني بالشبه بالرغم من توقيهم على المادة 200 واذا مارس بعض الاشخاص الانتهازية من اجل تحقيق طموحاته فهذا العار والعيب هو من يتحمل نتائجه ربما يبرر ذلك هو مع نفسه انه لم يؤذي احدا بذلك في الوقت الذي نجد هناك الكثير من كان بوقا وجاسوسا وجلادا على الناس فقط ليثبت ولائه لاسياده متطوعا بما يقوم به من اعمال حقيرة تجاه الاخرين وبالتاكيد لكل فعل وموقف قيمته وليوم في العراق بعد سقوط النظام والاوضاع الغير مستقرة والفوضى التي تحيط بكل شيء نجد الكثير يطرح نفسه بانه كان مناضلا ضد صدام والمستقبل سوف يغربل كل هؤلاء وتكشف صفحة كل فرد ويعرف من كان نظيفا ومن كان وسخا في مواقفه ....
لم اقدم نصيف على انه شاعر من الدرجة الاولى سيد ابوعمار وان كان هو شاعر افضل من الكثير فهو يستحق الاعجاب به لانه شاب مثابر دخل مدرسة محو الامية بعد عامه 15 وتعلم القراءة والكتابة ولم يقف عند هذا الحد بل اخذ ينهم بقراءة المؤلفات الادبية من شعر وقصة ورواية ونقد الى المؤلفات الفلسفية والتاريخية وحين تحاوره تجد لديه اطلاع كبير على معظم شعر الشعراء العرب وشعراء الغرب وادبائهم وفلاسفتهم القدماء والمعاصرين ولان هو يكتب الشعر وتنشر له الكثير من الصحف العربية الا يستحق مثل هذا الشخص الاعجاب والتقدير في الوقت الذي تجد الالاف من خريجي الكليات والجامعات لم يقرؤون ربع ما طالعه هذا الشخص ....
اما بخصوص ما دونه نصيف في هذه السيرة والتي اضعها انا هنا هي مذكرات لاحداث وممارسات حقيقية حدثت في العراق اثناء الحرب العراقية الايرانية عاشها وعشتها انا ايضا حينما كنت عسكريا ومقاتلا في تلك الحرب.. يطرحها نصيف يشكل جميل وممتع لمن يقرأها ويستمتع بها كعمل ادبي جيد او ضعيف ليس مهم كما يعطي فكرة ولو بسيطة عن بعض ما كان يجري بتلك الحرب من خلال معايشتهاوالتي دامت ثماني سنوات وحصدت الالاف من الشباب بالاضافة للموارد المالية والتي كان من الافضل لو استثمرت في بناء الزراعة والصناعة والمؤسسات الثقافية والصحية والتربوية الخ...
ولا تقل لي التصنيع العسكري العراقي فهو احد الامور الموهمين بها العرب كثيرا جدا جدا جدا....


شكرا لك (f)(f)




سيرة ذاتية - ضيف - 03-22-2005

الاستاذ أوسكار
شكرا لحسن ردك وادبك الجمين
أتفق معك في كثير مما ذهبت اليه
لك خالص التقدير :97:


سيرة ذاتية - oskar - 03-25-2005



حين التحقت الى وحدتي بعد أن انتهت اجازتي الدورية وكنت في كل مرة أغيب 2 أو 3 أيام بعد أن تنتهي إجازتي . قدمني رأس عرفاء سريتي زين العابدين مذنباً الى آمر السرية الملازم أول جاسم فأمر بسجني 4 أيام بسبب الغياب وتأجيل اجازتي القادمة اسبوعاً واحداً. مكثت بالسجن مدة العقوبة من دون أن يطلب مني الخروج الى التدريب وتنظيف مراحيض سرايا الفوج كما في المرة السابقة . في اليوم الثاني من سجني زارني أصدقائي الجنود زيد وباقر ومجيد عبد وراحوا يواسونني كما واسيتهم من قبل وأخبروني انهم مازالوا يفكرون في عقوبة مناسبة لآمر السرية الذي راح يتمادى في طغيانه وكانوا في أشد حالات العصبية والتذمر من تصرفات هذا الضابط الشرسة ضد مراتب السرية. اعتقدت في البداية أنهم سيقتلونه أثناء هجوم ايراني قادم أو سينصبون له كميناً عندما يذهب في إجازة ويطلقون عليه النار مثلما حصلت حوادث مماثلة في وحدات أخرى لكن اعتقادي هذا كان في غير محله فقد وجدوا أن أنسب عقوبة يعاقبونه بها من دون أن يلحقهم أي ضررهي أن يضاجعوا بغلته المخصصة لمهمات الاستطلاع الليلي التي يقوم بها أحياناً عندما يذهب في اجازته القادمة وكان العديد من الجنود يقوم بمضاجعة البغال والحمير في المناطق الجبلية أثناء الحرب مع ايران لكنهم يمتنع عن مضاجعة بغال الضباط بسبب وجود حرسهم الدائم وبسبب أن البغلة عندما تضاجع 4 مرات أو أكثر تصاب بالشبق وبحالات هيجان جنسي لا تهدئها غير المضاجعة المستمرة ومن الممكن أن تقتل أي شخص يقترب منها في هذه الحالة برفسات قوية جداً إذا لم يضاجعها، وكان البغل أو البغلة اذا تعرضا للأذى من قبل أحد ما وقتلا شخصين يتم اعدامهما وإذا {زكطت} البغلة ضابطاً ما تقوم استخبارات الفوج باجراء تحقيق حول الحادثة مع أولئك الجنود المعروفين بالقيام بهذه الأعمال وأحياناً يتم التعرف عليهم من خلال الشهود أو من خلال مرض يصابون به في عيونهم . عموماً ، نفذ هؤلاء الجنود مهمتهم بعد أن ذهب آمر السرية ليقضي إجازته ببغداد وبعد عودته بأيام وكانت بغلته شبقة جداً قامت برفسه بقوة وحطمت فكه الأيمن عندما أراد ركوبها في مهمة استطلاعية مما استدعى نقله فوراً الى وحدة الميدان الطبية المتقدمة بناحية{ديانا} ومن ثم الى مستشفى{أربيل} العسكري . حامت شكوك كثيرة حول هؤلاء الجنود الذين عاقبوا آمر السرية بسبب تذمرهم وغضبهم الدائم من تصرفاته الوقحة ضدهم وضد بقية الجنود لكن نتيجة تحقيق استخبارات الفوج لم تعثر على دليل واحد لإدانتهم وهكذا وضعوا تحت المراقبة مع جعل ملف التحقيق مفتوحاً. في اليوم التالي تم تنسيب الملازم أول غانم آمر سرية مقر الفوج آمراً لسريتنا وكان أول شيء قام به هو السماح لمجموعة كبيرة من الجنود بموافقة من آمر الفوج الذهاب الى{أربيل} لمدة 6 ساعات للاستحمام ودخول المطاعم بنماذج إجازة وقتية . كان الاستحمام يشكل مشكلة كبيرة لكل المراتب في جميع وحدات الجيش العراقي أثناء الحرب وخصوصاً لنا نحن الذين نخدم في المناطق الجبلية في فصل الشتاء . يتكون لواؤنا من 4 أفواج وكل فوج يضم 750 رجلاً ويخصص لكل سرية التي تضم 150 جندياً حمام واحد ولك أن تتخيل الزحام على الحمام بعد انتهاء أوقات التدريب في الليل عندما نعود الى المقر منهكين وجائعين ، أما في فصل الشتاء فلا أحد يستحم طوال شهر كامل غير أولئك الذين يحصلون على إذن ويذهبون الى{أربيل} بين آونة وأخرى وسعيد من يحصل على إذن . عندما حان موعد إجازتي الدورية توسلت لآمر فصيلي الملازم ثاني عباس أن يتوسط لي عند آمر السرية من أجل أن يزيل العقوبة المفروضة علي ويسمح لي أن أذهب مجازاً حسب موعد إجازتي . وافق الملازم أول غانم بشرط أن لا أغيب وهكذا حصلت على إجازتي بموعدها المحدد وذهبت الى بغداد لأفتش في مكتباتها عن العدد الجديد من مجلة{الطليعة الأدبية} الذي وجدته صادراً وفيه قصائدي التي دفعتها الى الشاعر زاهر الجيزاني. سررت كثيراً وشكرت الجيزاني عندما التقيته بمقهى{حسن عجمي} وكان سروري ليس له حدود لأنني استطعت أن أنشر في هذه المجلة المخصصة للأدب الطليعي المزعوم للمرة الثانية طوال 7 أعوام ولولا جهود زاهر الجيزاني لما استطعت النشرفيها أبداً. في اليوم الثاني من إجازتي وكان يوم أربعاء ، كانت تقام أمسية شعرية في اتحاد الأدباء مخصصة لعبد الرزاق عبد الواحد ويوسف الصائغ وسامي مهدي وحميد سعيد وعبد الأمير معلة . في المساء ذهبنا كعادتنا الى الاتحاد ليس من أجل الأمسية وانما من أجل الشرب في نادي الاتحاد وكانَ لا يُفتحُ في يوم الأربعاء إلا بعد نهاية الأمسية . ما أن دخلنا بناية الاتحاد ورأى عبد الأمير معلة- وكان يشغل منصب وكيل وزير الثقافة والاعلام ورئيس الاتحاد -جان دمومعنا حتى وقف شعر رأسه وارتعدت جميع فرائصه ، أخيراً تمالك نفسه وانفرد بجان وحياه بحفاوة بالغة وأخرج من محفظته ورقة نقدية وطلب منه أن يذهب ليكمل سكره في أحد البارات وادعى أن الأمسية ستطول وبارالاتحاد مغلق حتى نهاية الأمسية . واجهه جان بالصراخ.. زاد عبد الأمير المبلغ أكثر وجان يصرخ ويشتم أكثر من ذي قبل . دفع حميد سعيد مبلغاً مماثلاً وتوسل إليه يوسف الصائغ أن يأخذ المبلغ ويخرج وحين عرف بأنهم يستطيعون أن يأمروا موظف الاستعلامات برميه خارجاً وافق على الخروج والذهاب الى أحد البارات ليكمل سكره . بعد ساعة أقيمت الأمسية وكان أول من قرأ قصائده هو يوسف الصائغ ثم تلاه عبد الأمير معله فحميد سعيد وهنا دخل جان دمو القاعة كأي سيد مهذب . اتجهت أنظارالحضور اليه وبسبب الصمت والإنصات لحميد سعيد وهو يقرأ قصائده فقد تركوه وشأنه طالما أنه دخل مهذباً جداً ولم{ يخربط }الأمسية . بعد أن انتهى حميد من قراءته اتجهت الأنظار الى جان أكثر من المرة السابقة وحدث همس ولغط خفي لكنه ظل هادئاً وصامتاً مما شجع عريف الحفل على القيام ومناداة عبد الرزاق عبد الواحد الذي ذهب الى منصة القراءة كالطاووس وأخرج أوراقه وبدأ يقرأ :

سلاماً يا فتى الفتيان يا علماً بواديها

وهنا انتابت جان عاصفة من الضحك وراح يغني ويرقص ويعنطز ويقع على الأرض داخل القاعة الغاصة بالجمهور مما حدا بالإدارة أن تستدعي يوسف حارس بناية الاتحاد وموظف الاستعلامات ليحملا جان المستمر في نوبته الهستيرية من الضحك ويلقوا به خارجاً . بعد طرد جان منحونا استراحة لمدة 5 دقائق ريثما تهدأ الأمور قضيناها في جوٍ سوريالي من التشفي والشماتة ضد عبد الرزاق الذي بدا أشبه بفأر . وبعد لحظات هدأ الجو وواصل المتنبي قراءته:



سلاماً يافتى الفتيان يا علماً بواديها *

ويا صدام محنتها ويا صدام عاديها

ويا أزهى فوارسها ويا أمضى مواضيها

لقد جمعتْ لك الدنيا مهابة كل أهليها

فدم زهواً لحاضرنا ودم ز هواً لآتيها .

وحين انتهى المتنبي من مديح {فتى الفتيان} قرأ عدة قصائد أخرى من مجموعتيه القديمتين {خيمة على مشارف الأربعين} و{الخيمة الثانية} وفي النهاية غادر بناية الاتحاد الى بيته ورفض حضور الوليمة السلطانية التي أعدت للشعراء المدعووين مخذولاً. في اليوم الذي تلا الأمسية علقوا في لوحة الاعلانات قراراً صادراً من المجلس المركزي لاتحاد الأدباء ممهوراً بتوقيع عبد الأمير معلة يقضي بمنع دخول جان دمو الى بناية الاتحاد منعاً باتاً لمدة سنة كاملة ، وكان هذا القرار قد صدر ضد جان عدة مرات خلال سنوات الثمانينات .

في إجازتي هذه صدرعدد مجلة {الثقافة} التي أسسها المرحوم صلاح خالص وفيه قصيدتان لي نشرهما صديقي الشاعر جلال زنكبادي الذي كنت تعرفت عليه قبل عام ، وجلال الذي عرفته مثقفاً وشاعراً ومترجماً مبدعاً حصلت له حكاية مؤسفة في جريمة {الأنفالات} ومفادها كما أخبرني هي أنه كان قد استلف مبلغ 5000 دينار واشترى داراً بمنطقة {ديبه كه} الواقعة بين {أربيل} و{ وكركوك} وبعد قيام نظام الطاغية العنصري صدام حسين بعملياته الاجرامية التي استهدفت أخوتنا أبناء الشعب الكوردي بعد نهاية الحرب مع ايران عام 1988 وقتله آلاف المواطنين وتهجيرهم وتهديم مدنهم وقراهم والتي سأتحدث عنها بالتفصيل في فصل قادم . كانت من ضمن المدن التي هجٌر سكانها مدينة {ديبه كه} حيث يسكن صديقي جلال بداره التي اشتراها حديثاً ، وحين التقيته في الشهر الخامس من عام 1989 بأربيل وكنت خارجاً من سجن {الموقع} هناك وأعاني من عقابيل داء الجرب الذي اصبت به في السجن . سألني لماذا لم أجئ الى مقهى {حسن عجمي} خلال الشهور الماضية؟ أجبته أنني كنت هارباً من الخدمة العسكرية في الفترة الماضية والأوضاع الأمنية خطرة جداً ببغداد والتحقت في الأيام الأولى من الشهر التاسع عام 1988 بعد نهاية الحرب بموجب العفو الذي أصدره وزير الدفاع عدنان خير الله طلفاح وألغاه بعد ذلك صدام حسين وحكمت علي المحكمة الدائمية 23 في الموصل بالحبس الشديد لمدة 6 شهور واعتبار جريمة هروبي مخلة بالشرف . واساني جلال وقال لي :{ هل مازلت تخدم فوق الجبال ؟ْ} أجبته : {لا ، انتقلت وحدتي أثناء مكوثي بالسجن الى منطقة تقع بين أربيل وكركوك اسمها ديبه كه } فقال لي: { لك هذا بيتي هناك اشتريته بالدين بخمسة آلاف دينار وهجٌروني منه آني وعائلتي بدون تعويض . عير بعراضهم ولا دفعونا درهم واحد بشرفي } .

طوال العام 1987 كان الإعلام الايراني يتحدث عن {عام الحسم} وكانت القيادات العسكرية والسياسية الايرانية تصر على أن هذا العام سيشهد نهاية الحرب وانتصار القوات الايرانية ، وبسبب هذا الضجيج الاعلامي المستمر أمر صدام حسين بسبب النقص الشديد في التعبئة العسكرية بتحويل منتسبي مديرية الأمن العامة الذين تقدر أعدادهم بالآلاف في جميع محافظات العراق ضباطاً ومراتب من ملاك وزارة الداخلية الى ملاك وزارة الدفاع ، ويستبدل هؤلاء بالمواليد الجديدة التي تلتحق بالخدمة العسكرية من التكارتة والسوامرة والجبور والعزة والدليم ، أما الضباط فيتم تنسيبهم من جهاز الأمن الخاص وكان صدام قد أصدرعام 1982 قراراً مشابهاً يقضي بتحويل الدراسة الجامعية لأبناء هذه المدن والعشائرمن جميع الكليات التي يدرسون فيها الى كلية الأمن القومي والبعض الآخر طلب منهم أن يدرسوا في كلياتهم صباحاً وفي كلية الأمن القومي مساءً لإعدادهم للعمل المخابراتي في السفارات العراقية في الخارج . وعندما التحق رجال الأمن هؤلاء بألوية المشاة في جبهات الحرب وتركوا الامتيازات الاستثنائية التي كانوا ينعمون بها وكانوا مكروهين كرهاً شديداً بسبب الأعمال الاجرامية التي قاموا بها طوال فترة خدمتهم في دائرة الأمن المرعبة . فقد عانوا صعوبات جمة وحالات نفسية سيئة وأحسوا بأن سيدهم وولي نعمتهم الذي كانوا يتسابقون على اطاعة أوامره الاجرامية طاعة عمياء ضد الشعب العراقي قد تخلى عنهم واستبدلهم بأقاربه وعشيرته وووألخ . وكانت من ضمن امتيازات هؤلاء المجرمين حين يلتحقون بهذه الدائرة التي كان مجرد ذكر اسمها يجعل المواطن العراقي يشعر بالقشعريرة والخوف الشديد ، هو الدوام باللباس المدني ، كل في منطقة سكناه والحصول على قطعة أرض ومبلغ 7000 دينار لتشييدها وسيارة وراتباً ضخماً ومكافآت مالية شهرية تصرف علاوة على الراتب المحدد كرشاوى من أجل المزيد من قمع أبناء الشعب العراقي المبتلين باجرام نظام صدام حسين وحزبه الفاشستي بالاضافة الى {العيديات} التي يحصلون عليها في المناسبات {الوطنية والرسمية} التي كان النظام يبتكرها دائماً وما أكثر هذه المناسبات في سنوات الثمانينات ، ومن ضمن عملياتهم الاجرامية التي كانوا يقومون بها في كل حين هي تعقب الجنود الذين يهربون من الخدمة العسكرية والمعارضين والمتململين من السياسات العنصرية والطائفية لنظام صدام وكانوا يقومون بمداهمة البيوت المراد اقتحامها من 4 جهات وهم بكامل أسلحتهم بعد الثانية من منتصف الليل ، وكنت عندما أهرب من الخدمة العسكرية ويقودني كل ليلة صديقي كمال سبتي الذي ارتبطت به منذ عام 1980 ارتباط الفحم بالنار التي تأكله والذي تركني هروبه من العراق عام 1989 أشبه باليتيم وكسر ظهري .. مخموراً بعد منتصف الليل من مبنى اتحاد الأدباء الواقع في ساحة{ الأندلس} الى قسمه الداخلي في منطقة { الباب المعظم } ونجتاز مبنى مديرية الأمن العام الرئيسي القريب من منطقة { البتاوين} من الجهة الخلفية سيراً على الاقدام خوفاً من توقيفنا من قبل إحدى مفارز الأمن المنتشرة على طول الطريق الممتد من {ساحة الأندلس} فساحة { الطيران } فمنطقة {الكيلاني } فساحة { النهضة } فشارع { الشيخ عمر } فمنطقة { الباب المعظم } وكم أشعر برعب من هذه المفارز ومبنى مديريتهم الشبيه بقلعة من قلاع العصور الوسطى ؟

ويعرف جميع العراقيين قصصاً عن معارضين لنظام صدام ألقي القبض عليهم من قبل رجال الأمن وقد اختفوا الى الأبد بعد ان أعدموا ودفنوا في المقابر الجماعية التي حفرها النظام المقبور، وكم كان سرورنا شديداً نحن الجنود حين التحق هؤلاء بوحداتنا ولقد رأيناهم مجرد قطط مطابخ غلاظ جبناء ورعاديد لا يفهمون بالأمور العسكرية سوى استخدام المسدس الذي كانوا { يكشخون } به حين يصعدون الباصات العمومية أو حين يتنزهون في الشوارع العابقة برائحة الموت والرعب والدمار الذي خلفته أعمالهم الوحشية . ومن الأشياء التي واجهوها في وحدتي هي الاحتقار التام وعدم الاحترام ولقد تركناهم منبوذين طوال الوقت ولم نكلمهم أو نلقي عليهم التحية وكان ضباطنا يشعرون اتجاههم بنفس ما نشعر به غير أنهم لا يظهرون ذلك علانية وكان رأس عرفاء سريتنا زين العابدين التركماني يسميهم إذا حصلنا على إذن لمدة يوم أو يومين وذهبنا الى {أربيل} من أجل الاستحمام وسكرنا في الليل بفندق {كلاب الصيد} . وكان هؤلاء عندما التحقوا بملاك وزارة الدفاع ومنهم جنود وضباط صف لا يتمتعون باللياقة البدنية المطلوبة ، وعندما كانت فترات التدريب العنيف تطول وتسلق الجبال ومهمات الاستطلاع تستمر ليلاً ونهاراً بقاطعنا فقد كانوا يهربون من الخدمة العسكرية باستمرار ، وأمام وضع حرج كهذا راحت القيادة المسلحة ترسل البرقيات الفورية الكاذبة الى الوحدات العسكرية المختلفة بين آونة وأخرى تطمئن هؤلاء الرعاديد بأنهم سوف يعودون الى الخدمة بمديرية الأمن العامة مرة بعد 3 أشهر ومرة أخرى بعد 5 أشهر لكن من دون جدوى حتى انتهت الحرب وظلوا على ملاك وزارة الدفاع.






يتبع:





سيرة ذاتية - oskar - 04-02-2005

غجري



تحتَ ظلال أشجار البنايات القديمةِ المثمرة طوال العام

عيناك تدمعانِ في وهج الظهيرة ، وحبيبتك تغني بغرفة المحررين

هي في الأحجار المبعثرة من حولك ، وهي في الظلام

وهي في السواد الذي يلفك .

أنت الغجريُّ الذي لا تعرف شيئاً عن شجرة نسبك ولا الألقاب الفخمة .

ستهجر الأرض الخادعة والمرأة الخادعة

ستحفر تراباً بلون الذهب وتشمُّ عطوراً بلون الشعلة .

تعرفك الجبال والثكناتُ والأرصفة ، ويعرفك الجياع العزٌل الذين يحييون

بلا مستقبل ، لأن المتسلقين كانوا يحتشدون تحت السلالم .

كنت تحلم أن تكون حراً وطليقاً لتنام في بيت أو على مصطبة بساحة { النصر }

مع جان دمو ، كانوا يودون لو تُقتَلُ فوق جبل { كرده مند } بينما هم يأخذون

رغيفك الحار أو يتفيأون تحت ظلال موتك الباردة

لأنك لم تبحث يوماً عن مجد في الرمال ، ولا عن الطحالب في المستنقعات

ولا عن العطايا القذرة التي يحصل عليها المتسلقون ، بينما العفنُ يأكل أرواحَهم .

ها أنت في { قصروك} تنام بمخفر وتحلم بتجوالات طويلة مع انخيدوانا

وها أنت في {أربيل} تسكر بفندق {نركز}

وها أنت في {بعشيقة} تقود فصيل استطلاع عبر غابة الزيتون

وها أنت في { ديكه له } جالساً تحت ليل مقبرة . تكتب رسالة الى صديق :

- { ما الذي تفعله بنا النساء يا صديقي ؟ لسنا أولاد خنازير ولا لصوصاً

ولا تجاراً ولا ضباطاً وسقف بيتنا ليس من خشب الدولة} .

وها أنت في بغداد مع شاعرة تراها جميلة وهي قبيحة

وتتسكع مع كاظم النصار في{ الوزيرية} و{الباب الشرقي} . الجيوب فارغة

إلا من قصائد لا تُنشَر والعيونُ تدمعُ من شدة الجوع . تفكرانِ في السرقة وتحلمان

بالخبز والنبيذ والسفر .

{ عبثاً تحاول الاستراحة . عندما تملك الوقت ، تملك الحرية }

ها أنت في { الرفاعي } لدى قاضي التحقيق وكمجرم يضعونك رهنَ التوقيف

تفكر في امرأة تغني بغرفة المحررين :{ يا أم الرحمة هل هذه نهاية شفاعاتك ؟

هل يتوجب عليٌ أن أموت وأنا في ذروة المأساة ؟ لستِ جميلة يا شفيعتي ، لستِ

جميلة والعاشق الأكثر روعة هو الشفيع } هكذا كنت تقول لنفسك وأنت تتمزق

أنت الذي تلاحقك الأحقاد . أحقادُ الطحالب ويحاولون تهميشكَ ويطردونك من

جنتهم العفنة ، لأنك كنتَ عاشقاً وأخفيتَ عنهم قصةَ عشقك .

سلام على ليالي السجون العادلة

على التقززات

والتنكيلات

سلام على النهارات السود والسفوح .

أنت الآن في شارع { الرشيد } تضمٌد جروحَك التي تلتئمُ ولا تلتئمُ تحت ظلال

أشجار البنايات المثمرة طوال العام ، وتتأمل بذعر رجالَ الشرطة في المنعطفات

واذا كنت في بار { شريف وحداد } فانت سعيدٌ ، وعلى الطاولة زجاجات

بيرة وليمونة جافة .

أنت مذعور . ترى نفسك مشنوقاً على أيّ شيء ، وتسير عقارب ساعة { القشلة }

سيراً عكسياً وأنت تعد أعوامَك التي تذبل بسرعة .

{ لقد قمت برحلات ومررتَ بتجارب

مفرحة ومؤلمة

قبل أن تلاحظ الخداعَ والتقدم في السن .

غداً تصبح المرؤات صخراً

والزمن نسمة نائمة تهب على الغصون }

لهذا لم تقرف من الشاعر الذي كتب اسم حبيبته على زنده وارتدى أسمالاً بالية في

الهجوم على{ سيده كان } ليلة 9 / 9 / 1985 . في تلك الليلة كانت الأرضُ حمقاءَ والسماء

سافلة . شاهدتَ أحشاءَ الزهور ولا تريد نسيانَ طبعاتِ غدرها . هي الشفيعة والجريمة

المنقسمة كشجرة صبٌار. حين تفتح فمها وتتحدث . تسمع الأكاذيب في العشب .

وجهها السخام

وجهها حشرة

كانت شفاعتها فحماً راسخاً كشعلة خديعة . كنت تتمزق في عزلتك وهي تتعهر مع

أشباه رجال . كنت كنار تطاردها الأنهار ولم تقرفْ من الذي يجرعون ماء البغاء

والعجائز ذوي النظرة الخضراء الذين يعشقون الغلمان ويحرقون شفاههم في الصمت

بل سخطتَ عليهم وقلت : { نعم يا مخنثي الشفيعة . ذوي اللحم الورم والعقول القذرة

مجاري الوحل

أيها الأعداء الساهرون } .

تحت ظلال أشجار البنايات القديمة المثمرة طوال العام

عيناك تدمعان في وهج الظهيرة وحبيبتك تغني في غرفة المحررين

تألمتَ في الحب في العشرين والثلاثين من عمرك ولقد عشتَ كمجنون

وأضعتَ أيامك . انك تنظر وعيناك تسكبان الدمع الى هؤلاء الأكراد المهجرين

انهم يعشقون فضاءاتهم وتراب حقولهم والنساء يرضعن أطفالاً .

انهم يملأون بعطورهم ومواشيهم سماءَ { ديبه كه } ويأملون أن يجمعوا مالاً

في { دشت حرير }.

انك تجلس مفلساً في بار قذر بحيِّ { آزادي } تحتسي العرق مع العمال { العرق

يزيل الرائحة . رائحة الفقر ، والنقود لا رائحة لها } وفي الليل عندما تذهب الى

الثكنة وتسرق النقودَ من حقائب العرفاء وتكون في مطعم كبير. تفكر في شاعرة

تراها جميلة وهي قبيحة . { أرغب أن أموت وأنتَ مازلتَ تحبني . وأنت تراني

جميلة } كانت تقول لك ذلك قبل أن تهجرك .

إن يديها اللتين لم أرهما . قاسيتان ومشققتان

أشعر الآن بالعطف الذي لا حد له لشحوب وجهها .

تلك كانت أيام سعادتك

أيام حزنها

وأيام ترملها .

إنك عريان والبرد قادم

وأنت تفترش هذه الأرصفة المهدمة

كما تفترش حياتك .

3 / 4 / 1991 بغداد



كانت الهجومات والتعرضات في فصل الشتاء تتوقف تماماً بالقاطع الشمالي لجبهة الحرب لكن الكمائن والدوريات القتالية وسياقات القصف المدفعي تبقى مستمرة كالعادة، وكان فوجي يكلَّف أحياناً في هذا الفصل بمسك موضع دفاعي سواءً بقاطع { سيده كان } أو قاطع { حاج عمران } وفي الشهرالحادي عشرمن عام 1986 كلفنا بمسك أحد المواضع الدفاعية فوق جبل { زرار } بقاطع { سيده كان } وكانت فرصة مناسبة للقراءة على الرغم من وحشة المكان والثلوج والقمل والحراسات الليلية والقصف المستمر. وكان بعض الجنود ممن يمضون فترة طويلة فوق الجبال في الفيلق الأول والفيلق الخامس يتعرضون في الشتاء الى نوع من { الغنغرينا } بسبب الوقوف المستمرعلى الثلوج التي تتراكم باستمرار، وحين كثرت حالات بتر الأرجل للجنود المصابين في مستشفيات { أربيل } و { السليمانية } العسكرية وصلتنا في الشهر الثاني من عام 1987 برقية فورية من القائد العام للقوات المسلحة صدام حسين تقول : { تقرر اعدام المراتب الذين يقومون بنزع أربطة الأحذية من أجل الحاق الأذى بأنفسهم } وكان قائد قواتنا المزعوم بعد أن اطلٌع على تقارير مديرية الاستخبارات العسكرية الخاصة بهذه الحالات التي يتعرض لها المراتب قد اعتقد أن هؤلاء الجنود المصابين يقومون بنزع أربطة الأحذية كنوع من إيذاء النفس حتى يتم تسريحهم من الخدمة ، لكن عندما بدأت تكثر هذه الحالات بين صفوف الضباط أمر الاستخبارات باجراء تحقيق شامل حول الموضوع . بعد فترة رفعت الاستخبارات تقريرها الى صدام حسين وأوضحت فيه أن الوقوف على الثلوج طويلاً يسبب الغنغرينا خصوصاً وأن جميع الضباط والجنود يرتدون جزمات غير مبطنة وخلال 5 أيام وصلتنا في الطائرات من رومانيا جزمات مبطنة بالفرو وكانت من النوع المتين والمريح على العكس من تلك البساطيل العراقية الشبيهة بالسلاحف والتي تتمزق خلال فترة وجيزة . في هذه الفترة تم نقل آمر لوائنا العقيد عبد المحسن الذي حصل على نوطي شجاعة بعد المعركة السابقة الى لواء المشاة 98 وجاءنا آمر لواء جديد هو العقيد قوات خاصة وعضو شعبة في حزب البعث علي عبد محمد الحمادي الذي كان فظاً ووقحاً ولا يكترث لأي شيء وكان صدام حسين ساخطاً عليه منذ عام 1982 حين كان برتبة نقيب وآمر فوج قوات خاصة عندما اندحرت القوات العراقية عقب الهجوم الكبير الذي شنته القوات الايرانية عام 1982 واستعادت فيه مدينة { المحمرة } فقد اتهم صدام العديد من الضباط بالخيانة وقام باعدامهم وسخط على كثيرين غيرهم ومن ضمن هؤلاء آمر لوائنا الجديد ، الذي على الرغم من أنه كان عضو شعبة حزبية وسياقات الحزب تجعله متفرغاً للشؤون الحزبية في الجيش إلا أنه كان لا يمارس أي دور حزبي بسبب العقوبة المفروضة عليه با ستثناء الاجتماعات الاسبوعية . وبالنسبة لأولئك الضباط الذين أعدمهم صدام حسين بتهمة الخيانة فقد أصدر لاحقاً مراسيم جمهورية اعتبرهم فيها شهداء . كانت الخدمة فوق جبل { زرار} خلال ذلك الشتاء كئيبة وموحشة في الخنادق والملاجئ التي لا تدخلها الشمس وكانت معاناتنا مع القمل والبرغوث وعدم توفر فرصة للاستحمام لا تطاق ، أما سياقات القصف اليومي للمدفعية فقد تآلفنا معها منذ الاسبوع الأول لوجودنا هناك . بعد أن حصلتُ على رتبة أعلى شأني شأن جميع مراتب اللواء عقب معركة 1 / 9 / التي دارت فوق جبل { كرده كو } وأصبحتُ نائب عريف . كلفني آمر سريتي أن أكون عريف الفصيل الثالث في السرية وكنت قبلها أشغل منصب آمر حضيرة تتكون من 7 الى 10 جنود في هذا الفصيل . وكانت مهمة صعبة ذلك لأنني كنت أخرق الأوامر العسكرية باستمرار مثل الغياب المستمر على الاجازة الدورية أو الذهاب الى { أربيل } من دون إذن والمبيت في فندق ما وعدم حلاقة ذقني كل صباح كما هو متبع منذ أن تأسس الجيش العراقي عام 1921 علاوة على عدم اصطفافي في أوقات التعداد اليومي والتي تبلغ أحياناً 5 مرات في اليوم وعدم حمل الرتبة العسكرية . كانت مهمة عريف الفصيل في كل سرية هي المسؤولية التامة عن ضبط جنود الفصيل الذي يتكون من 33 الى 40 جندياً في سرايا وحدات المغاوير ويكون حلقة الوصل الأساسية بين الفصيل وآمره الذي يكون عادة برتبة ملازم ثان . وتتمثل هذه المسؤولية بضبط سلوك الجنود في الفصيل ومتابعة شؤونهم ومواعيد اجازاتهم وتعدادهم عدة مرات في اليوم وقيادتهم الى ساحات التدريب والاشراف على تجهيزاتهم وأسلحتهم وذخائرهم وطعامهم . أمام وضع كهذا لم تبق لي حيلة في الذهاب الى { أربيل } بين آونة وأخرى من أجل الاستحمام والدفء والشراب ليلاً في فندق ما لكن آمر سريتي وعدني انه سيسمح لي بالنزول الى هناك كل ليلة جمعة اذا لم يحصل شيء في الموضع الدفاعي . في ليلة 3 / 3 / 1987 وكان لواء المشاة 604 يمسك المواضع الدفاعية فوق جبل { كرده مند } في قاطع { حاج عمران } وبسبب هدوء الوضع على صعيد العمليات العسكرية ونوم أكثر مراتب وضباط اللواء في تلك الليلة الباردة برداً قارساً بينما الثلج كان ينهمر طوال الوقت ، قامت دورية قتالية ايرانية تتكون من فصيل واحد بعد أن تسللت الى الخلف بعد الساعة الثانية من منتصف الليل بالابلاغ عن نوم جنود وضباط اللواء 604 وهنا دفعت الفرقة الايرانية في هذا القاطع بلواء مغاوير واستطاع هذا اللواء خلال ساعتين قتل وأسر ثلاثة أرباع مراتب وضباط اللواء 604 . أثناء المعركة الدائرة هناك وصلتنا برقية فورية بتسليم المواضع الدفاعية فوق جبل { زرار } الى فوج مشاة من لواء 98 والتحرك فوراً الى قاطع { حاج عمران } وشن هجوم مقابل على جبل { كرده مند } مع أفواج لوائنا الأخرى التي كانت تتمركز في منطقة { قصري } وقرية { دار السلام } وناحية { ديانا }. وصلنا نقطة المثابة القريبة من فتحة { ناونده } التي ننطلق منها بغية شن الهجوم المقابل في الساعة الرابعة صباحاً وكانت الثلوج تنهمر بقوة وتكاد الرؤية أن تكون معدومة . ما أن بدأنا بتسلق الجبل البالغ ارتفاعه أكثر من 2500 متراً سيراً على الأقدام حتى كانت المدفعية والراجمات الايرانية تحصدنا من جميع الجهات وألحقت بنا خسائر جسيمة بالأرواح والمعدات ، وبسبب بطء الحركة من جراء تراكم الثلوج وعدم الرؤية وتأخرِنا في شن الصولة الأولى فقد تمكنت القوات الايرانية من حفر السواتر والملاجئ والخنادق البديلة وجاءت بقوات إضافية لتعزيز الهدف الذي احتلته ، وهكذا فشلنا في الصعود الى قمة الجبل وشنِّ الهجوم المقابل وبقينا في العراء تحت الثلوج والخوف والجوع والقصف المستمر الى منتصف ليلة اليوم التالي حيث جاءتنا أوامر من قيادة الفرقة 23 بالانسحاب الى قرية { دار السلام } وترك المدفعية والطائرات والراجمات تقوم بمهمات القصف الشديد ضد القوات الايرانية المتحصنة في ملاجئها وخنادقها البديلة . أثناء الانسحاب غير المنظم وبسبب القصف المدفعي الكثيف وتدافعنا عبر الطرق النيسمية الضيقة ونحن نحمل جثث قتلانا وجرحانا تزحلقتُ على الثلج وسقطت على صخرة فكُسِرَتْ ساقي اليمنى . أرسلت مع بقية الجنود المصابين في عجلة اسعاف الى وحدة الميدان الطبية المتقدمة بناحية { ديانا } وبعد المعالجة اللازمة منحوني 3 أيام استراحة أقضيها في وحدتي .




يتبع :





سيرة ذاتية - oskar - 04-06-2005

[SIZE=6]الفصل الخامس


معركة جبل { كرده كو } ليلة 23 / 11 / 1987
خِفّة الشّعر التي لا تُحتَمل



كان عام 1987 أكثر أعوام الحرب دموية وشراسة على صعيد الهجومات والتعرضات في جميع جبهات الحرب بسبب إصرار القيادات الايرانية على الحسم النهائي للحرب لصالحها وقامت القوات الايرانية المسلحة بالاشتراك مع عشرات الألوية من الحرس الثوري الايراني بأكبر هجومين في هذا العام على { نهر جاسم } و { بحيرة الأسماك } في القاطع الجنوبي مستهدفة تدميرقوات الفيلق السابع واحتلال محافظة { البصرة } كخطوة أولى في عملية حسم الحرب وكانت المعارك الشرسة التي دارت هناك في الشهور الأولى من عام 1987 قد ألحقت بقوات الطرفين خسائر وحشية وقاسية بالأرواح والمعدات والتجهيزات . ويبدو أن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية كانت لا تأخذ الحملات الإعلامية الضخمة التي كان يطلقها الجانب الايراني بخصوص الحسم على محمل الجد إلا حين شنّت القوات الايرانية هجوماتها في وقت واحد على قاطع { بنجوين } في الفيلق الأول وقاطع { كيلان غرب } { وسومار } في الفيلق الثاني و { نهر جاسم } و { بحيرة الأسماك } في الفيلق السابع وجبل { كرده مند } في الفيلق الخامس . أمام وضع كهذا قررت تلك القيادة أن تغير خططها الحربية واللوجستية من أجل احتواء الهجومات والتعرضات الايرانية الكبيرة ، فراحت تصدر الأوامر والبرقيات الفورية بنقل الفرق والألوية من فيلق الى فيلق ومن قاطع الى قاطع وبخاصة بعد تدمير عدد من الألوية العراقية في { نهر جاسم } بسبب شدٌة المعارك ، ولاتزال ندوب وجروح أولئك الضباط والجنود الذين اشتركوا فيها حية وطرية حتى هذه اللحظة من جراء شراستها ودمويتها . وكانت المشكلة الرئيسة التي واجهت القوات العراقية حينذاك هي النقص الشديد في التعبئة العسكرية والتفوق العددي لقوات المشاة الايرانية ، وأمام مشكلة كهذه فقد أصدرصدام حسين أمراً بسوق طلبة الكليات المختلفة الى معسكرات التدريب ليكونوا وقوداً لقادسيته التي ظنها نزهة تنتهي خلال أيام قليلة ويعود بعدها الى نوم هادئ. ومن ثم قامت القيادة العامة للقوات المسلحة بدعوة مواليد قديمة لا تصلح للخدمة العسكرية أصلاً بسبب كبر السن بعد أن أحرقت سنوات الحرب الكثير من المواليد الجديدة ، لكن الكثير من هذه المواليد لم تلتحق بالخدمة العسكرية لشدٌة المعارك وضراوتها وبسبب المشهد اليومي الرهيب للتوابيت الملفوفة بالعلم العراقي في جميع مدن العراق وقراه . ولكي تفلح خطط صدام في استدراج كبار السن هؤلاء للموت المحقق والأكيد فقد منح وزير داخليته المجرم سمير عبد الوهاب في ذلك العام صلاحيات استثنائية واسعة وطلب منه أن يقوم عبر أجهزة وزارته المختلفة بحملات دهم وتفتيش دون هوادة ، في كل أرض العراق ، عن الهاربين والمتخلفين لإرغامهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية. ومن المدن التابعة لبغداد والتي منح صدام وزير داخليته صلاحية اعدام الفارين من الخدمة فيها هي : { الثورة } و{ الشعلة } والكاظمية } و { الرحمانية } و { بغداد الجديدة } و { قنبر علي } و { الفضل }. ولقد شاهد الناس ذات مرة عملية إعدام جندي هارب من الخدمة العسكرية في { الثورة } تصدى لمفرزة شرطة حاولت إلقاء القبض عليه ، فظلت جثته مرمية على الأرض وتحت حراسة رجال الشرطة في ساحة { 55} لمدة ثلاثة أيام وكتبوا قربها: { تسبب هذا الجبان في استشهاد عدد من رجال الشرطة الأشاوس وهم يؤدون واجبهم المقدس }. وبعد أن زرع هؤلاء الأشاوس الرعب في جميع مدن العراق ضمن خطة إرهابية محكمة استمرت عدة أسابيع ، أصدر القائد المزعوم للقوات المسلحة العراقية عفواً عاماً وشاملاً عن جميع الهاربين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية ومن لم يلتحق منهم بوحدته خلال ثلاثة أيام تطبق بحقه عقوبة الإعدام فوراً أينما وجد . التحق الكثير من هؤلاء بوحداتهم وتم سوقهم الى { نهر جاسم } الذي كان مثل جهنم التي تصرخ { هل من مزيد } وظل البعض يحيا متخفياً هنا وهناك دون أي أمل بنهاية الحرب. من جانب آخر أمر صدام حسين أن تكلف أفواج { الجحوش } بمسك مواضع بعض الوحدات العسكرية التي تذهب للاشتراك في معارك القاطع الجنوبي وتترك مهمات مراباة الطرق والربايا الى قوات الجيش الشعبي غير المدربة تدريباً جيداً. وعلى الرغم من هذه الأوامر والقرارات الترقيعية التي قام بها صدام حسين لسد النقص الشديد في التعبئة العسكرية ، فقد ظلت تلك المعارك تلتهم المزيد من الضباط والجنود بسبب تكرار التعرضات والهجومات التي استمرت أسابيع عديدة.

كانت وحدتي التي دخلت التدريب الإجمالي السنوي من ضمن الوحدات المرشحة والتي تنتظر دورها في التحرك الى القاطع الجنوبي للاشتراك في معارك { نهر جاسم } ، لكن خشية قيادة الفيلق الخامس من تعرض كبير قد تقوم به القوات الايرانية ضد مواضعنا في قاطع { حاج عمران} أو قاطع { سيده كان } أجَّلَ هذا التحرك وظلت التدريبات الاجمالية العنيفة مستمرة في { قصري} و{ ديانا} وقرية نسيت اسمها تقع تحت جبل { كلاو حسن } من جهة { سيده كان }. ومن المآسي التي حدثت في وحدتي - في تلك الفترة التي أتحدث عنها- هي قصة جندي كان هارباً من الخدمة العسكرية طوال ثلاثة أعوام والتحق بوحدته في العفو ، و كان يدعى شمعون من { تلكيف } وقد بلغ به القرف من الشعارات والأناشيد المركزية التي كنٌا نرددها أثناء التدريب حداً لا يطاق ، إذ كانت الشعارات والأناشيد البائسة ، التي تأتي الى جميع الوحدات العراقية عن طريق دائرة التوجيه السياسي ، تدور حول { حيٌاك يا بو حلا } و{ طالع لك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع } و{ يا خميني وينك وينك بالحربة أقلع عينك } و{ صدام عز العرب } و{ راية الاسلام العالية } وسواها الكثير. لكي يتخلص شمعون من عذاب الخدمة العسكرية وانتظار التحرك الى { نهر جاسم } قرر أن يشتم صدام حسين أثناء التدريب ليمضي سبع سنوات سجن في سجن { أبو غريب } . كانت عقوبة شتم صدام العلني عام 1987 للجندي هي تشكيل مجلس تحقيقي في استخبارات الفوج أولاً ومن ثم في استخبارات اللواء ويرفع بعد ذلك الى استخبارات الفرقة التي ترفعه الى محكمة عسكرية خاصة ، وتقوم المحكمة بعد ذلك باصدار حكمها المقرر وهو السجن سبع سنوات حسب الفقرة كذا وكذا من قانون العقوبات العسكري الذي كان يتبدل بين الحين والحين حسب المزاج الدموي للقائد العام . وفي صباح يوم ما من ذلك العام وحين كنّا نردد الشعارات أثناء المسير في ساحة العرض الصباحي صاح شمعون بأعلى صوته منفرداً عن رهطه :{ حيٌاك يا بو خرا حيٌاك يا بو خرا }..

فانهال عليه الضباط ضرباً بالأيدي وركلاً بالأرجل فأدموه ، ثم طلبوا من جنود انضباط الفوج وضعه في السجن ليتم تسفيره الى سجن استخبارات الفرقة لتتولى أمره بعد تشكيل المجلس التحقيقي واحالته الى محكمة عسكرية . قال الملازم أول فليح ضابط استخبارات فوجنا : { راح يأكلها القشمر . سبع سنوات سجن . لكن وين ؟ ببو غريب . قشمر } . ومن المعلوم أن شتم صدام في ذلك الحين يعد جرأة ما بعدها جرأة .

بعد نهاية التدريب في ذلك اليوم دار همس كثير بين الجنود من أن شمعون سيمضي فترة سجنه بعيداً عن الحرب وربما يطلق سراحه من السجن عندما تنتهي الحرب ويعود الى أهله سالماً غانماً . ويبدو أن هذا الفعل الذي قام به الجندي شمعون للتخلص من الخدمة العسكرية قد تكرر ذلك العام في ألوية وأفواج أخرى في جبهات الحرب . ولأننا لا نقرأ { الوقائع العراقية } الصحيفة الحكومية التي تنشر القوانين والمراسيم التي كانت تصدرها الرئاسة فقد أدى تكرار الفعل نفسه من قبل الجندي راهي بعد أسبوعين إلى إعدامه في مقر اللواء. أراد راهي التخلص من الخدمة العسكرية فقام بشتم صدام حسين أثناء التدريب أيضاً – تماماً كما فعل شمعون-من أجل أن يقضي فترة العقوبة البالغة سبع سنوات في { أبو غريب } بعيداً عن الحرب . ضربه الضباط وأدموه ووضعوه في سجن الفوج بانتظار تشكيل المجلس التحقيقي بغية إرساله الى استخبارات اللواء ، وبعد أيام تم تجميع أفواج اللواء الأربعة في { دار السلام } وقامت عناصر استخبارات اللواء باطلاق النار عليه وأعدمت راهي أمام عيوننا حسب القانون الجديد الذي نشر في { الوقائع العراقية } ليكون { عبرة للذين يقومون بهذا العمل} .أما بالنسبة إلى شمعون فقد صدر بحقه حكم بالسجن سبعة أعوام من محكمة عسكرية في {الموصل} لأن الفعل الذي قام به كان سبق صدور المرسوم الجديد فذهب مخفوراً الى سجن { أبو غريب } . بعد إعدام راهي بثلاثة أيام شنّت قوة إيرانية هجوماً ليلياً على مواضع لواء المشاة 33 فوق قمة جبل { كرده كو } واحتلت القمة ، لكن الغريب أننا لم نكلَّف بالهجوم المقابل واستعادة الهدف الذي احتلته القوة الايرانية . أمرونا بالتحرك الى قاطع { سيده سيدكان } ومواصلة التدريب السنوي الإجمالي وبعد فترة التحقت بنا قوة عسكرية يقدرعدد أفرادها بأكثر من 2000 رجل وامرأة من { جيش التحرير الايراني } الذي تشرف عليه منظمة مجاهدي خلق المعارضة لنظام الحكم في ايران وواصلوا تدريباتهم في نفس القاطع بعيداً عنا . بعد نهاية التدريب الإجمالي الذي استمر ثلاثة أشهر صدرت الأوامر الى لوائنا و قوة{ جيش التحرير الايراني } في ليلة 20 / 11 / 1987 بالتحرك الى قاطع { حاج عمران } لأن الاستعدادات العسكرية الإيرانية التي رصدتها دوريات الاستطلاع العميق ومفارز استخبارات الفيلق الخامس قد اكتملت بغية شن هجوم كبير على جبل { كرده كو } . بعد ثلاثة أيام عند منتصف ليلة 23 / 11 / 1987 شنّت القوات الإيرانية تساندها المدفعية والراجمات هجوماً كبيراً على مواضع لواء المشاة 33 في ذلك الجبل وألحقت خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات واستطاعت أن تحطم اللواء بالكامل بعد أن أسرت وقتلت العديد من ضباطه ومراتبه واحتلت مواضعه خلال ساعات . قام لواؤنا بالهجوم المقابل يسانده لواء المشاة 97 وقوة { جيش التحرير الايراني } في الساعة الرابعة فجراً بغية استعادة الهدف المحتل ودارت معركة شرسة أبدت فيها القوات الايرانية في البدء شجاعة وصموداً عاليين لكنها فرّت بعد ثلاث ساعات تاركة مئات القتلى والجرحى في المواضع والخنادق والشقوق دون أن تتمكن من إخلاء خسائرها . بعد فرار القوات الإيرانية قامت قوة { جيش التحرير الايراني} لأغراض دعائية بتصوير قتلى الجانب الايراني وجرحاه بكاميرات الفيديو وعُرِضَ ما صوروه مساء ذلك اليوم في التلفاز العراقي. يظهر فيه حسب بيان رسمي رجال { جيش التحرير الايراني } ونساؤه وهم يلٌوحون بعلامات النصر ويصدون هجوماً إيرانياً كبيراً تعرضوا له على جبل { كرده كو } . أما خسائر لوائنا في هذا الهجوم فحدّث ولا حرج . بعد إخلاء القتلى والجرحى سلّمنا الهدف الذي تم تحريره الى لواء المشاة 97 بعد أن قام سلاح الهندسة التابع للفيلق الخامس بعمليات زرع الألغام وتحصين الخنادق والملاجئ التي تهدمت وتحركنا صوب المقر المتقدم في قرية { دار السلام} من أجل إعادة التنظيم وتعويض النقص في الخسائر الكبيرة أرواحاً ومعداتٍ وأسلحةً وتجهيزات . قتِلَ من سريتي آمرها الملازم أول غانم وواحد وأربعون جندياً وضابط صف وجُرحَ عشرات غيرهم بفعل القصف المدفعي الكثيف . بعد اسبوع من نهاية الهجوم التحقت بلوائنا كراديس من المواليد الجديدة التي جيء بها من معسكرات التدريب لتعويض النقص الذي حصل في ملاكات الأفواج ، وكالعادة كان أغلب هؤلاء الجنود تعوزهم الخبرة القتالية واللياقة البدنية المطلوبة للخدمة في القواطع الشمالية لجبهة الحرب . قبل الهجوم بشهور كان صدام حسين أصدر أمراً الى كافة الوحدات العسكرية في الجيش العراقي يقضي بمنع مكاتب التوجيه السياسي في تلك الوحدات شراءَ المؤلفات المنسوبة لخاله خير الله طلفاح بعد أن أغرق { جهاز اتجاهات الرأي العام } التابع لدائرة المخابرات هذه المكاتب والمكتبات في العراق بكتب تافهة القيمة الفكرية لمؤلفين وهميين لا يكونون في الحقيقة غير ضباط ذلك الجهاز المكلفين بتأليف الكتب المعبرة عن وجهات نظر السلطة في شتى القضايا و ترجمة الكتب الممنوعة وتلخيصها لأعضاء القيادتين القطرية والقومية وبقية القيادات الحزبية العليا. وكان أول كتاب أصدروه هو { الحجاج رجل الدولة المفترى عليه} أعقبته بعد ذلك كتب عن فكر ابن تيمية وابن قيم الجوزية ودراسات عن فتاويهما وحياتيهما بالإضافة الى اصدار مؤلفاتهم بكميات غير قليلة وبأسعار شبه مجانية ومؤلفات أخرى تدخل في خانة الدجل والشعوذة على شاكلة { جذور العدالة التاريخية في فكر السيد الرئيس القائد صدام حسين } و{ السوق والاستراتيجية العسكرية في فكر السيد الرئيس صدام حسين } و{ أسس المنطلقات الديمقراطية وتطبيقاتها في فكر السيد الرئيس صدام حسين } . وهذا الجهاز الذي كان يرصد آراء الناس في الشارع العراقي وطرق تفكيرهم واعتقاداتهم من أجل محاولة تغييرها فيما بعد ، كان مسؤولاً أيضاً عن اطلاق الإشاعات عن بعض الناس الذين لا ترضى عنهم السلطة ومن ضمن هؤلاء المطرب سعدي الحلي الذي بدأوا باطلاق الإشاعات عنه منذ عام 1982، بعد الهجوم الإيراني الكبير الذي تم فيه طرد القوات العراقية من مدينة { المحمرة }. كانوا يفكرون على هذا النحو : بما أن أفق الحرب مظلم وبهيم ولا علامة تلوح في الأفق تنبئ بنهاية الحرب فقد اعتقد ضباط ذلك الجهاز أن الناس كما في حروب سابقة في المنطقة والعالم سيقومون بتأليف النكات والطرائف الحربية عن صدام حسين أو عزة الدوري أو وزير الدفاع عدنان خير الله -وقد شاعت فعلاً طرائف من هذا النوع في بداية الحرب ، ومنها نكتة الفيل الذي يطيرفي إحدى جبهات الحرب فأنكر عزة الدوري طيرانه لكنه عندما أبلغوه أن صدام يقول أن الفيل يطير في الهجوم ضد القوات الايرانية تراجع وقال : { نعم هو يطير بس ناصي أو نعم هو يطير ويحط }- ولكي لا تستفحل هذه النكات وتتناسل في العراق قاموا بتأليف واطلاق عدة نكات جنسية بذيئة في المدن العراقية وفي جبهات الحرب عن سعدي الحلي ، وكانوا في كل مرة يقومون بتأليف واطلاق نكات جديدة يكون وقعها النفسي أكبر من السابق ، فقد كانوا يعتقدون من وجهة نظر مخابراتية أن النكات الجنسية تدوم فترة أطول وتتناسل بكثرة بعد إطلاقها. ولقد ظل المسكين أبو خالد يعتقد أن من قاموا باطلاق هذه النكات هم أولئك الفنانون الحاسدون له من الذين برز عليهم بسبب تميزه وفرادته في الغناء الريفي- المديني الذي أعقب مرحلة حضيري أبو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم . كان هذا في داخل العراق أما في الخارج فقد أشاعوا عام 1992 أن صديقنا الشاعر هاشم معتوق الذي هرب الى خارج العراق عام 1987 والمقيم في فنلندة منذ عام 1988 قد أصيب بمرض الايدز وكانوا يهدفون من وراء ذلك الى إلحاق الأذى النفسي بعائلته مثلما أشاعوا عني عبر السفارة العراقية في إسبانيا عام 1999- رداً على عملي في حركة {الوفاق} المعارضة لنظام صدام حين كنت بعمّان - بأنني قد فزت بجائزة أدبية تمنحها اليونسكو ومقدارها 10000 دولار وأبلغوا أمي المريضة أنني قد انغمست في تدخين الحشيش وتناول المخدرات من دون أن أفكر فيها أو أبعث لها مائة دولار من مبلغ الجائزة الكبير ومازالت علاقتي بعائلتي بسبب هذه الفرية مقطوعة تماماً . ولقد حدثني صديقي الشاعر هادي الحسيني عندما ذهب الى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين بأن أخي حميد الذي التقاه في بغداد كان غاضباً مني بعد أن صدق أمر الجائزة ، وعلى الرغم من تأكيد هادي له بأن أمر الجائزة كان كذبة وإشاعة فقد بقي مقتنعاً بخبرها هو وأمي أيضاً. بالنسبة لخير الله طلفاح الذي كان يملك { الجمعية الاستهلاكية للموظفين } في بغداد وهي واحدة من الشركات العديدة التي كان يملكها في العراق والتي كانت تجبر المواطن الذي يريد أن يشتري طبق بيض بسعر 600 فلس أن يشتري أحد أجزاء موسوعته المسماة { كنتم خير أمة } والبالغة 43 جزءاً بمبلغ ثلاثة دنانير ونصف وهذه الموسوعة العجيبة والغريبة كانت عبارة عن كشكول كبير قام بتأليفه وجمع محتوياته عدة أشخاص محسوبين على خال صدام . تتحدث الموسوعة في كل جزء منها عن الفلسفة والذرة والهندسة والميكانيك والجغرافيا والشعر والتاريخ والقومية العربية والقضاء والقدر والجن والشياطين وبقية { الكلاوات} التي يؤمن بها خير الله طلفاح ومن هذه الأجزاء جزء يحتج فيه على الله من منطلق عنصري عجيب بالقول : ( ثلاثة كان على الله أن لا يخلقهم : الفرس واليهود والذباب ) ولما امتنع الناس عن التسوق في جمعيته هذه وكسدت بضائعه . خطرت له فكرة بيع موسوعته ومؤلفاته الأخرى على مكاتب التوجيه السياسي في وحدات الجيش . ومن مؤلفاته تلك التي وصلت الى وحدتي كان كتابه { نضالي } الذي أراد أن يجاري فيه هتلر عبر كتابه المعروف { كفاحي} .



{ إني أنصح السيد فرانسوا ميتران رئيس الجمهورية الفرنسية بأن

يقرأ قراءة متأنية – ولا بأس بأن يساعده ريجيس دوبريه –

المؤلفات الكاملة للحاج خير الله طلفاح ، المنظٌر الرسمي

المعتمد في بغداد } .



سعدي يوسف من قصيدة :
اعلان سياحي عن حاج عمران }



يتبع:




سيرة ذاتية - oskar - 04-14-2005



كانت مكاتب التوجيه السياسي تتسلم الكتب والكراريس من دائرتي { التوجيه السياسي} و{الإعلام العسكري} و{مدرسة الإعداد الحزبي} في القيادة القومية منذ بداية الحرب ضمن خطة مركزية موحدة . وكانت أغلب هذه الكتب والكراريس تتحدث عن فكر حزب البعث في العراق ونضاله المحموم في تدبير الانقلابات العسكرية ، إضافة الى خطب صدام حسين المملة والمكررة . ويتم التثقيف الحزبي العقائدي للضباط والمراتب بفكر الحزب والخطب فينسونهما حال نهاية الاجتماع الحزبي الاسبوعي بسرعة عجيبة اللهٌم إلا أولئك {الرفاق} الذين سدّت الثقافة الحزبية البعثية جميع مسامات جلودهم وجعلتهم يصدقون دائماً عبقرية البعث ومؤسسه ميشيل عفلق ونائب الأمين العام صدام حسين . كان السبب الرئيس لمنع شراء كتب خير الله طلفاح حسب الأمر الذي أصدره صدام هو أنها تتعارض وفكر البعث بسبب غيبياتها وشعوذتها وطبعاً كان صدام لا يريد أن ينافسه أحد في مضمار الثقافة والتأليف في وحدات الجيش . وكانت تصل الى جميع الوحدات العسكرية في الجيش آنذاك مجلة { الثورة العربية} التي تصٌدرها شهرياً {مدرسة الاعداد الحزبي} ويرأس تحريرها موسى العبيدي من دون أن يظهر اسمه عليها وموسى هذا الذي توفي بعد ذلك كان حين ينطح كل ليلة قارورة عرق كاملة في نادي اتحاد الأدباء يحدثنا عن { رسالة الأمة العربية} التي لم أفهم منها حتى هذه اللحظة شيئاً . ومن حسن حظي وحظ الكثيرين من الجنود أن القيادة القطرية لحزب لبعث اتخذت في الشهر التاسع من عام 1987 قراراً حزبياً يقضي بطرد جميع المراتب الذين هربوا من الخدمة العسكرية مرتين أو أكثر من الحزب وهكذا طردت من الحزب بدرجة { نصير} بعد أن أجبرت على الانضمام اليه عام 1979 حين دخلت الجيش لإداء الخدمة العسكرية الإلزامية بدرجة { مؤيد} فتخلصت إلى الأبد من تلك الاجتماعات الاسبوعية المملة التي كان يفرض فيها علينا التثقيف الحزبي بترهات ميشيل عفلق وصدام حسين وموضوعات { الثورة العربية} الفاشية التي كان يكتبها دائماً اللبناني الياس فرح والفلسطيني ناصيف عواد والسوداني بدر الدين مدثر واليمني قاسم سلاّم والسوري شبلي العيسمي عن النهوض العربي والحضارة العربية والوجود العربي والدم العربي والدور العربي والكفاح العربي والاستقلال العربي والتحرر العربي والحلم العربي والطموح العربي بينما يقوم حزبهم في كل حين بقتل المواطن العراقي العربي والكردي والتركماني والأرمني والآشوري والكلداني بطرق وأساليب لم تعرفها الأنظمة الفاشية التي ظهرت في بلدان أخرى من العالم . وما زلت أرثي لأولئك (الرفاق) الذين كانوا يرأسون الاتحادات والمنتديات الأدبية والجمعيات الثقافية لنظام صدام ، والذين ظلوا مخلصين جداً لأفكار حزب البعث حتى وهم يغادرون العراق ، كما كنت أرثي لهم وهم يذهبون كل اسبوع الى الاجتماع بطارق عزيز في ( مكتب الثقافة والاعلام ) بالقيادة القومية للحزب ليعطيهم التعليمات والأوامر التي كانوا يديرون بموجبها المهرجانات الشعرية والفعاليات الثقافية في عراق الطاغية صدام .



يتبع: