حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +---- المنتدى: تـاريخ و ميثولوجيـا (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=7) +---- الموضوع: السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" (/showthread.php?tid=33518) |
السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 09-30-2006 [SIZE=4]أساس العلاقة بين طرفي وادي النيل (مصر والســـودان) يوم كتبه المصريون بالخط الهيروغليفي عبدنا آلهة المصريين، وعبدوا آلهتنا، عبدوا (هراون)، وعبدنا (آمون رع) و(سوستريت).. وحين اختل حبل الأمن واضطربت الأمور في مصر قاومها الفراعنة السودانيون (كاشتا، وتهارقا، ونوان ميانون، والفرعونة آمون ريتس، وحتشبسوت).. وغزا شمال الوادي "الهكسوس -الرعاة-"، فذهب أبناء (مروي القديمة) لطرده، فتحقق جلاؤه عنوة. خطت سطور واحدة في لوح الأزل وحدة مصائرنا وحظوظنا في الخير والشر، فقاسم السودانيون المصريين حق الحياة من ظلم الطغاة الفاتحين. فما نزل الإستعمار بمصر من الشمال إلا وامتد منه قرن إلى السودان بالجنوب.. حملنا من نير البطالسة، وقاست (سواكن) عندما قاست (الإسكندرية) في الشمال، وشهدت (نبتة -كريمة-) من صولة الرومان والفرس ما شهدته (طيبة وممفيس)، وتناقلت مصر والسودان العادات والعبادات وضروب الثقافات والحضارات بلا حدود ولا قيود، وتبودلت عروض التجارة والبيع بلا حواجز ولا سدود. أما عن العهد المسيحي فسرعان ما رجعت صدى نواقيس الكنائس في شمال الوادي أبراج كنائسنا في ربوات (سوبا).. وعلى الرغم من أن الإسلام دخل مصر بفتوحات الجيش الإسلامي، ولم يستطع دخول السودان عنوة لضراوة وإستماتة جنود السودان جيوش الفتح الإسلامية -حتى أطلق المسلمين على جنود السودان اسم " رماة الحدق "، حتى تم الإتفاق على إتفاقية (البقط) المشهورة بين المسلمين وملوك السودان- إلا أنه بهذه الإتفاقية دنت شمس الإسلام من السطوع في السودان لما انبثق نوره من صوب مصر، فنشأت في ظلاله دويلات (دارفور) و(الفونج)، وغيرهما.. تلك الدويلات التي سبق وجودها ابتداء عصر "وادي النيل"، وأفضت إليه في جنوبه إذ لم تكن الصلة بينهما بأقوى مما كانت بين كل منها مع مصر، فقد احتربت فيما بينها وتقاطعت، ولكن كل منها ظل على علاقة وثيقة بمصر كانت كلها ترنو لمصر كمصدر للخير وكمركز للسلطان الروحي، فتتابعت قوافل التجارة ذاهبة من السودان بـ (القمح، والذهب، والتوابل، والجمال، والقطن، إلخ....) وآيبة من مصر بـ (الفول المصري، والحرير، إلخ...)، وإلى مصر ومنها.. وهاجر طلاب العلم إلى الأزهر الشريف من (الفاشر، وسنار، والأبيض)، وأنشئت الأروقة التي ظلت تحمل أسماء تلك الأقاليم.. وتبادل سلاطين تلك الدويلات مع سلاطين مصر الهدايا والمنح، وأرسلوا طائعين ( الصُرَة ) في محملٍ واحد إلى البيت "الحرام".. ومما وجب ذكره للتأكيد على عمق المشاركة التأريخية في السراء والضراء يوم جمع الإستعمار بين مصر والسودان حينما حامت الدسائس الإنجليزية بأطماعها وانتهزت فرصة احتلال مصر ووقوف البطل (أحمد عرابي) لصد الإنجليز بـ (الإسكندرية، وبورسعيد، والتل الكبير)، وما إن قعدت المقاومة في مصر إلا وانتفض السودان متجاوبا، وامتشق (الإمام المهدي) في السودان حسامه وقتل (غردون باشا)، ثم كتب إلى الخديوي يقول له: "إنك أسلمت أمة محمَـد لأعداء الله -الإنجليز-، وأحللت دمائهم وأموالهم، فجاء الإنجليز بتكبرهم وخيلائهم واعتمادهم على غير الله.".. ولما هب الشعب المصري في ثورة 1919 بقيادة (سعد زغلول باشا)زاملتها ثورة 1924 في السودان بقيادة الضابط (علي عبد اللطيف) والأستاذ (عبيد حاج الأمين) في ثورة " اللواء الأبيض "، والتي كان الشعب يؤيدها وعبر عن تأييده لها بمظاهرات كانت هتافاتها عن وحدة وادي النيل، لأنهم أحسوا أن السياسة الإستعمارية تريد أن تفصل جهاد شعبي " وادي النيل ". وفي تجاوب مثقفي السودان مع قادة ثورة يوليو من الضباط الأحرار -خصوصا اللواء "محمَـد نجيب" الذي تكالب عليه زملاؤه وأقالوه ومحوا تأريخ كل ما ينت إليه بصلة- حينما أرسلوا له من السودان بعد إقالة نجيب في 14 نوفمبر 1954 ما أرسلوا من الدعم النفسي، منها قصيدة للأستاذ/ أحمد محمد صالح إلى نجيب عبر الأستاذ/ خضر حمد -الذي اعتقله البوليس السري المصري على أساس إنه يوزع منشورات!! وخرجت الصحف بعناوينها البارزة في مصر عن ضبط وزير سوداني يحمل منشورات ضد الوضع الحالي في مصر، مما دفع الصاغ/ صلاح سالم وبعض زملاؤه من كبار الضباط الأحرار إنكار علمهم بما حصل.. تقول القصيدة -والتي هي بعنوان "إلى نجيب في عليائه":- مــا كنـت غــدارا ولا خـوانـــــا ... كلا ولـم تكن يا نجيب جبانا يـا صاحـب القلب الكبيـر تحية ... مـن أمـة أوليتهـا الإحسـانــا عـرفتك منذ صبـاك حـرا وافيـا ... فوفـت إليـك وآمنـت أيـمانــا أصبحـت بعـد القيد أبلغ حجــة ... وأعـز منزلـة وأرفـع شـأنـــا إن طـوقـوك فطالمــا طـوقتــهم ... مننا كبارا في الزمان حسانا أو قيـدوك فـقــد فككـت قيودهم ... ووهبتـهـم حـريــة وأمـانــــا لو أنصفوك جعلوك فـي آمالهم ... وتخيروك لمجدهـم عنـوانــا يــــا صانـع التـاريـخ مــن وطـنيـــــــة ... لا تعـرف الإرهـاب والـطـغـيـانــــا عمـت أيـاديــك العــروبـــة فـانمحـــت ... أحـقــادهــــــا وتكتلــت بنيـانــــــــا وذهـابـك السـيــف المظفر في الوغى ... وأقمت فـي الســلم الحجــي ميزنا شــردت فـاروقـا فـلـــم تـكـن قـاســيـا ... فـظــا وكـنــت مهـذبـــا انـســــانـــا ووقـفــت فـي الميــدان تدفــع صـادقـا ... عـن شعب مصر الكبت والحرمانا طالبـت بالشـورى وتلـك شــريعـــــــة ... يـــا ويحهـم هـل أنكـروا القـرآنـــا وأقمتـهـــا مـن أجـل مصــر وأهلهـــا ... حـربـا علـى المستعمريـن عـوانـا قالـوا أردت تـسـلطـــا وتجـبـــــــرا ... ومشيت تبغي الجاه والسلطانا كذبـوا فـعرشـك فـي القلوب مكانة ... أتـريــد مـن بعـد القلـوب مكانا كفـروا الصـنيعـة يــا نجيب أنكروا ... مـــا أقبـح الكفــران والنكرانا مـــا كنت إلا تـرجـمانــا صــادقــــا ... للشـعــب فــي آمــاله ولســانا هل تحجبون الشمس في إشراقها ... أو يطمـســون جمــالها الفتانا مــا حطمـوك وإنمــا قـد حـطمـــوا ... أمـل البــلاد وصـوتهـا الرنانا هـــذا جـــزاء المحسـنيــن وقـلمـا ... تلقـي علـى إحسانك الإحسانا هذه الكلمات لمحاربة من أراد أن يهدم الصلة الوطيدة بين وادي النيل، فلم تكن العلاقة بين شماله وجنوبه علاقت تسيد طرفا على طرف!!! لم يتسيد المصريون السودانيين، كما لم يتسيد السودانيون المصريين... على الرغم من سودانية الأسرتين الـ (24، و25) الفرعونيتين التي حكمت مصر بعد جلاء الهكسوس، ومشاركة مصر للإنجليز في إستعمار السودان... لم يكن أبدا النظر إلى هذه العلاقة كسيادة طرف على طرف، بقدر ما كان مشاركة للإسهام الفرعوني (المصري -الكوشي "السوداني") في الحضارة العالمية... وأكبر مثال (التحنيط من فراعنة مصر، واكتشاف صناعة الحديد من كوش السودان)، وهذه نقاط من محيط الإسهام السوداني-المصري عبر القرون... ودامت وحدة وادي النيل، كمدخل لوحدة الدول العربية في افريقيا، كمدخل للوحدة العربية، كمدخل للوحدة الإسلامية. ودمتـــم....... السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 09-30-2006 اقتباس:تحية طيبة ايها الزميل المحاور لك التحايا يا مولاي... أعدك بالرد السريع لمداخلتك بعد العودة للمراجع التأريخية والإطلاع على نتائج الإكتشافات الأثرية. اقتباس:معلوماتك عن فترة حكم "بعنخي" صحيحة لحد ما ... [SIZE=5]؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ اقتباس:اول مرة اسمع ان النحاس باشا من قنا !!!!!!!!!! [SIZE=4]هل نصرتني يا فتى؟؟ :lol: انت بتتكلم عن مصطفى باشا النحاس يا وضاح، وأنا أتحدث عن أسرة (النحاس)، وهي أسرة أكبر من أن تختزل في شخصية وطنية مشهورة واحدة... فلتعلم ان أسرة النحاس (أو "النحاحيس" كما يطلق عليهم) أسرة كبيرة منتشرة في أجزاء واسعة من مصر، مش كده ولا إيـــه يا وضاح؟؟!! اقتباس:كانت غلطة عندما قرر السودانيين الانفصال عنه عام 56 , فحالهم من بعد الانفصال مرير , ولا اعرف لماذا وصفت الاتحاد بينه وبين مصر "مرحلة استعمارية" فلولا محمد على باشا الكبير , لبقى السودان في نفق الجهل والعتمة . ضعف الآلة الإعلامية السودانية، وعدم معرفتها بفن (الجعجعة الإعلامية) يجعلان العديد من الناس يظنون أن السودان كان عبارة عن غابة أو واحة من الجهل؟؟؟ لا أظن أن دولة كالسودان بتأريخه الذي يمتد ل 8،750 سنة كان منتظرا لفتح محمد علي حتى يطل على المدنية؟؟!! وللأسف معروف عن المصريين جهلهم بالجغرافيا والتأريخ خصوصا بالسودان!! ولكني أعدك يا وضاح بأن اشاركك جلسات سمر عن تأريخ السودان منذ مملكة كوش وحتى الإستقلال عام 1956 ودمت يا وضاح....... السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 09-30-2006 أواوا 1850 ق.م. هو أقدم ملك كوشي معروف لنا بالاسم. عثر علماء الآثار على اسمه مكتوب بالحبر على أجزاء من تمثال فخاري مهشم لأسير مقيد. صنع المصريون التمثال فى حوالي 1850 ق.م. وهشموه عن قصد. اعتقد المصريون أنه فى حالة صنع مجسد للعدو، وكتابة اسمه عليه، ومن ثم تهشيمه، فإن ذلك سيلحق به الأذى أو يقتله عن طريق السحر. ورغم أننا لا نعلم شيئاً عن أواوا، فإنه قد سمي "حاكم كوش". لا بدَّ وأنه كان بلا شك أحد الملوك الكوشيين الأقوياء الذين حكموا فى كرمة عندما شيد المصريون قلاعهم فى النوبة السفلى. غالباً ما يكون جنود أواوا قد شنوا هجوماً على المصريين، ولذلك فقد رغبوا فى ايذائه - عن طريق السحر، طالما أنهم كانوا عاجزين عن الحاق الأذى به فعلياً. الدولة فى كوش -التأسيس-: [SIZE=4]ليس من خلاف حالياًً حول ارتباط نشوء الدولة فى كوش بعدد من العناصر السياسية والعسكرية والاقتصادية والأيديولوجية. العنصر الأيديولوجي تحديداً لن نتعرض له هنا نسبة للتعقيدات والصعوبات التى تعترضه والتى نتجت عن حقيقة أن المعلومات المتوفرة لنا فى الوقت الراهن عن مرحلة النشوء الأولى تأتى كلها من فترة أعقبت عملية التأسيس. ومن ثم يفرض علينا هذا الوضع الالتفات الى العناصر الأخرى، فى المقام الأول الاقتصادية والعسكرية. نقول أن النظرة السابقة المعبر عنها فى الكتابات الخاصة بنشوء الدولة فى كوش قد أصبحت بالية اليوم بفعل الاكتشافات الآثارية الأخيرة وبفضل العديد من الدراسات النظرية راقية المنهج.لم تعد مقبولة الفرضيَّات السابقة التى رأت فى جماعات العصر الحجرى الحديث فى كوش مجتمعات غير معقدة لم تعرف ظهور تراتب اجتماعي وبروز زعامات ذات شأن فى تسيير أمور تلك الجماعات، ذلك أن السجل الآثارى يظهر رؤية مختلفة. سبقت الإشارة الى أن مدافن الكدرو تشير الى ظهور التراتب الاجتماعي، وكذلك الحال بالنسبة لمدافن المجموعة الأولى فى الأطراف الشمالية لكوش. ومعروف الآن أن أهل المجموعة الأولى قاموا باستغلال مناجم الذهب والأحجار الثمينة فى الصحراء الشرقية وتاجروا بها مع سكان مصر العليا لتصبح تلك السلع جزءاً أساسياً فى المتاع الجنائزي فى مدافن الزعماء أشباه الملوك فى عصر ما قبل الأسرات وفى مدافن فراعنة الأسرة الأولى، الى جانب ذلك تشير الأدلة الى أن أهل المجموعة الأولى وثقوا صلاتهم بالجماعات الاثنية المماثلة الى الجنوب من الشلال الثاني فأصبحوا وسطاء فى التجارة النيلية بين مصر والمناطق الواقعة فيما وراء الشلال الثاني. باعتقادنا أن النجاحات التى حققها أهل المجموعة الأولى بفعل المتاجرة فى الذهب والأحجار الثمينة والسيطرة على التجارة الوسيطة نجم عنها تسارع عملية الفرز والتراتب الاجتماعي وهو ما تؤكد عليه المدافن الخاصة بالزعماء والتى لا تقل عن مدافن نظرائهم من حكام مصر العليا المعاصرين لهم، ومن جانب ثانٍٍ تبلور الأطماع المصرية فى السيطرة على المنطقة. فمنذ أن نجح حكام هيراكنوبولس فى توحيد شطري مصر أصبحت مسألة تأمين مصدر إمدادهم بالسلع الترفية والسيطرة على طرق التجارة النيلية مع المناطق الجنوبية شغلهم الشاغل. هكذا بدأت الحملات المصرية الى الأطراف الشمالية لكوش التى شنها الفرعونين جر و واجى. بنهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد اختفت الآثار الخاصة بالمجموعة الأولى وهو ما يشير الى هجرة الكوشيين عن المنطقة بعيداًً عن أسنة رماح الغزاة لعدة قرون لاحقة. يتوافق إختفاء آثار المجموعة الأولى فى أطراف كوش الشمالية مع الحملات العسكرية المصرية إذن. ويدل وجود الموقع المحصن المصري فى بوهين والذى يرجع تاريخه الى تلك الفترة الى أن المنطقة أصبحت واقعة تحت سيطرة الغزاة. كما وتدل العديد من المكتشفات فى صرص غرب، وكوبان، ومرجسا على نشوء معسكرات بين الشلالين الأول والثاني. ومع أن المصنوعات الفخارية تشير الى بقاء جزء من السكان من أهل المجموعة الأولى فى بوهين إلا أنه من الواضح أن الغالبية العظمى منهم صاروا يجوبون الصحراء فى الأطراف الشمالية لكوش والى الجنوب منها بقطعانهم فى نمط حياة شبه بدوى بعد أن أغلق الغزاة وادى النيل أمامهم وأعاقوا نشوء أى شكل من إستقرار الكوشيين على ضفتي النيل فى المنطقة. فى حوالي 2500 أو2400 ق.م. استعاد سكان كرمة ومن ثمَّ أهل المجموعة الثالثة سيطرتهم على الأطراف الشمالية لكوش لفترة طويلة. يبدو أن الحملات العدوانية التى شنها فراعنة المملكة القديمة والتى أدت الى إبعاد الكوشيين الشماليين عن أراضيهم قد حفزت الأخيرين على التفكير فى توحيد أنفسهم بصورة أكثر فاعلية بما يمكنهم من الوقوف فى وجه العدوان الخارجي. فإذا كان حرخوف قد تحدث عن حكام قبائل منفردة مثل حاكم يام، فان نصوص اللعنات التى ترجع الى عصر الدولة الوسطى تؤكد على استمرار مشيخات كوشية وعلى نشوء اتحادات قبلية شملت الواوات وإرتت وساتيو وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأن تلك العملية قد تكون أفضت الى تأسيس مملكة كوشية امتدت من الأطراف الحدودية الشمالية عند الشلال الأول حتى إقليم دنقلا. فالنقوش الصخرية فى الأطراف الشمالية لكوش تشهد على وجود ثلاثة حكام كوشيين: كاكارى ان، وادجاكارى سيجريستى، واييب حنترى والذين تبنوا نمطاً مصرياً فى ألقابهم ورسوماتهم. يمكن إرجاع تاريخ أولئك الحكام الى الفترة ما بين عهد منتوحتب الرابع آخر ملوك الأسرة الحاديَّة عشرة (2160–1991ق.م.) والحملات التى شنها الفرعونين أمنمحات الأول (1991-1962ق.م.) وسنوسرت الأول (1962-1928 ق.م.) من الأسرة الثانية عشرة. وتؤكد نقوش هذين الفرعونين على المقاومة الشرسة التى واجهتها جيوش الغزو. فقط بعد سلسلة من الحملات التى بدأها أمنمحات الأول وواصلها إبنه سنوسرت الأول تمكن الأخير فى العام الثامن لحكمه من استكمال فتح الأطراف الشمالية لكوش وأقام حامية عسكرية فى بوهين عند الشلال الثاني، وفرض سيطرته على كوش حتى الشلال الثالث وعلى جزيرة صاى حيث مركز مملكة شات التى تذكرها نصوص اللعنات، وأقام علاقات تجارية مع مملكة كرمة. هكذا فقط بفعل حملات متواصلة على مدى عشرين عاماً كاملة نجح المصريون أخيراً فى فرض سيطرتهم على الأطراف الشمالية لكوش. مملكة كرمة تطور الدولة فى كوش مسجل بصورة مؤكدة بنشوء مملكة كرمة. عادة ما تفترض الكتابات المتخصصة بأن الدولة الكوشية التى ازدهرت فى المرحلة الانتقالية الثانية 1785-1552 ق.م. كانت ظاهرة تعكس قدراً من "الانتهازية" وجاء امتدادها الى الأطراف الشمالية لكوش نتيجة الضعف الداخلى الذى أصاب مصر فى تلك الفترة. كان هذا بالطبع افتراضاً عاماً بشأن كوش: أصبحت كوش قوية لأن مصر كانت ضعيفة. العكس تماماً قد يكون صحيحاً. قد يكون ظهور دولة قوية فى كوش هو ما أدى الى ضعف مصر الآن فى حالة مملكة كرمة وكذلك الحال أيضاً فى نهاية المملكة المصرية الحديثة. لا نود أن نسهب فى الحديث عن كرمة وثقافتها ونحيل القارئ الذى يطمح للإلمام بالمزيد عنها الى بحثنا المنشور فى العدد الحادي عشر من مجلة اتحاد المؤرخين العرب المؤرخ العربي 1970 بعنوان "عودة الى مسألة تاريخ السودان الحضاري فى المرحلة الانتقالية الثانية". حكم مملكة كرمة ملوك أقوياء تمترسوا فيما وراء الشلال الثالث لكنهم مددوا سيطرتهم الى الأطراف الشمالية لكوش وقاموا باحتلال بعض حصون الشلال واستخدموها، كما زاولوا التجارة بعيدة المدى مع حكام الدلتا متجاوزين مصر العليا باللجوء الى الطرق الصحراوية. ورغم أنهم كانوا ملوكاً لدولة حقيقية تمتد على مسافة 800 كيلومتر على وادى النيل وبلغ عدد سكانها المأتى ألف نسمة، فانه يبدو أنهم أبقوا البنية الاجتماعية على صورتها إمارات ومشيخات تابعة لهم، وقد بقيت تلك الإمارات والمشيخات كوحدات شبه سياسية حتى أزمان الاحتلال المصري فى عصر المملكة الحديثة. وتظهر النقوش هؤلاء الحكام الكوشيين وهم يضعون التاج الأبيض (رمز مصر العليا) على روؤسهم، وهناك رسوم صخرية ومجموعة أختام تصور حكاماً كوشيين وعلى روؤسهم الريش يلبسون القراب الساتر للقضيب. بعد طرد الهكسوس من مصر تولى أحمس أمر العمليات العدوانية ضد مملكة كرمة، هكذا نقرأ فى مآثر أحمس بن أبانا: "بعد أن أجهز جلالته على ال"منتيو" فى آسيا صعد جنوباً الى خنت نفر 1977 Elnur لإبادة حاملي السهام الكوشيين. وحدثت مذبحة كبرى. وغنمت رجلين وثلاث أيدي. وكوفئت مجدداً بأن وهبت ذهباً كما وضعت امرأتان فى خدمتي كأمتين. عندئذ هبط جلالته شمالاً راضياً بما أحرزه من انتصارات فقد أخضع شعوب الشمال والجنوب". إلا أن هذه الحملة لم تكن حاسمة إذ أعقبتها ثورة حاكم كوشي باسم عاتا لكنها أخمدت حيث يذكر أحمس بن أبانا: "قدم عاتا من الجنوب فكان مقدراً له أن يُهزم فأمسك آلهة الصعيد بخناقه. والتقى به جلالته عند بلدة تنتاعا. وأسره جلالته. ووقعت جميع قواته بين يديَّ جلالته غنيمة حرب". كوش والمملكة المصرية الحديثة توفى أحمس تاركاً العرش لابنه أمنحوتب الأول الذى شن حملات مكثفة على كوش وهى حملات استمر فى تنفيذها كل من تحتمس الأول وتحتمس الثاني، إلا أن القضاء على المقاومة الكوشية فى منطقة كرمة اكتمل فقط فى فترة الحكم المشترك لتحتمس الثالث وحتشبسوت وتم تأسيس السلطة المصرية حتى الشلال الرابع فى العام الحادي والثلاثين من حكم تحتمس الثالث 1460 ق.م. ويبدو أن السيطرة المصرية على المنطقة تمَّ إنجازها أخيراً عبر تداخل عدة عناصر أهمها الفعل العسكري والتدخل السياسي. لقد أخذ تحتمس الثالث ابن ملك كرمة الى مصر رهينة، والذى يحتمل أن يكون قد أعيد لاحقاً الى كرمة ملكاً تابعاً لمصر. وفى حين أن ذلك لم يمنع ثورته فان استمرار مثل هذه السياسة والميزات الأكيدة التى قد تكون قدمتها للحكام الكوشيين، لا بدَّ أن تكون قد قادت فى نهاية الأمر الى تقبل المنطقة للسيادة المصرية. اللافت للانتباه هو تكرار حكام مصر المماليك فى القرون الوسطى لذات السياسة التى استنها تحتمس الثالث وذلك فى تعاملهم مع مملكة المقرة النوبية المسيحية كما سنبين لاحقاً. ينتهي مدى السيطرة المصرية فى كوش عند الشلال الثالث فى حين تظل المنطقة بين الشلالين الثالث والرابع مُحيَّدة دولة حاجزة قدم المصريون لحكامها الدعم العسكري. الإشراف الشكلي المصري تم من خلال موظفين مصريين سموا بمراقبي البلاد الأجنبية الجنوبية يترأسهم نائب الملك (ابن الملك فى كوش : سا- ن- سوت- ن- كاش) الذى يعين مباشرة من قبل الفرعون. ويقوم نائب الملك بدوره بتعيين نائب له فى الواوات (الأطراف الشمالية لكوش) ونائب آخر لكوش ما وراء الشلال الثاني. ويتم اختيار النائبين من بين أفراد الأسر المحلية. هكذا فان السيطرة المصرية لم تجلب الى كوش سوى أعداد محدودة من المصريين: كبار موظفي الخدمة المدنية والعسكرية والكهنة تاركة التراتب الإجتماعى الكوشي على حاله دون مساس بحيث بقيت السلطات الفعلية بأيدي الحكام الكوشيين المحليين والإداريين المحليين من أفراد النخبة الكوشية. ونعرف عن ثلاثة حكام محليين من الواوات وستة من الزعماء الكوشيين فى فترة حكم الفرعون توت عنخ امون. وتشير آثار الأسرة المحلية الحاكمة فى تح خت بالنوبة السفلى الى أن المناطق الأصلية للمشيخات الكوشية قد تمَّ تضمينها فى التنظيم التراتبى الادارى المصري. تبعية الأمراء الكوشيين لم تمنع استمرار توريث منصب الأمراء طبقا للتقاليد الكوشية المحلية. ظلت سائدة وجهة نظر تقول بالتماثل الكلى للسكان الكوشيين الى درجة التمصير التام. ويعتقد أيضا بأن التمصير، أي التثاقف بمعنى التمثل من جانب واحد...تكيف الكوشيين مع الثقافة المصرية، نتج عن ازدراء المصريين للتقاليد الكوشية والهُويَّة الاثنية. وجهة النظر البالية هذه المعبر عنها فى بعض الكتابات تقوم على أساس تحليل غير سليم للمعطيات الآثارية ، فالثقافة المادية الكوشية فى عصر المملكة المصرية الحديثة مضللة نوعاً ما ذلك أن تركيبها يعكس فى المقام الأول التكامل الاقتصادي الكوشي المصري. قامت البنية الحكومية على أساس المدن المعابد، إلا أنَّ البنية الاجتماعية وإعادة التوزيع المحلية قامت على قاعدة البنية التحتية للإمارات والمشيخات القديمة. حتى بعد انهيار الاحتلال المصري فى عهد رمسيس الحادي عشر وهجرة الموظفين المصريين الرسميين والكهنة لم تتأثر المدن المعابد ولم يهجرها سكانها. ففي حين تمت هجرة الأساسات الخاصة بالمملكة المصرية الحديثة فى سيسبى وفى عمارة غرب وعكشة فان الجزء الأعظم من المدن المعابد لم تهجر من قبل سكانها الكوشيين وظلت باقية كمواقع سكنية عامرة. فى عهد المملكة الحديثة تمت إعادة تنظيم الأطراف الشمالية لكوش الخاضعة لمصر اقتصاديا من خلال إنشاء المدن- المعابد. وقد يكون نوعاً من التبسيط، كما ألمحنا، الافتراض بأن تلك المراكز قد تم إفراغها من السكان بانتهاء المعبد كمركز إداري. انه فى حالة انتقال الوظيفة الإدارية والدينية للموقع الى مكان آخر فان توزيع الأراضي الزراعية فى كوش لا بدَّ وانه تطلب انتشارا سكانياً على امتداد المناطق المزروعة. بالتالي فانه حتى عندما انتقل مركز العبادة على سبيل المثال من فرس الى عكاشة فان الأرض لا بدَّ وقد أصبحت تابعة للعبادة الجديدة وأنها لازالت تحتاج لأن تفلح من قبل أناس يسكنون محلياً. لدى مناقشة السنوات الأخيرة للمملكة الحديثة فإننا نجد أنفسنا فى دروب شائكة. يبدو أن هناك نوع من المبالغة فى وجهة النظر التقليدية حول التفكك المصري فى عهد الرعامسة المتأخر كما تعبر عنه بعض الكتابات. فالإمبراطورية المصرية فى غرب آسيا رغم عدد من الإخفاقات فإنها ظلت قائمة حتى عهد رمسيس السادس حيث يمكن ملاحظة تدمير عنيف للمراكز المصرية.يصعب تحديد الوضع فى كوش فى الفترة التى أعقبت إنتهاء منصب نائب الملك، فالأدلة المتوفرة تشير الى انخفاض منسوب النيل وهو ما يبدو سبباً كامناً وراء إفراغ الأطراف الشمالية لكوش من السكان بنهاية الأسرة الثامنة عشرة و ما بعدها. حالياً فان فرضية التثاقف أصبحت مقبولة كتفسير لهذا الاختفاء للسكان المحليين من السجل الآثارى بدلاً عن التحدث عن التمصير الكامل. ففي الفترة المتأخرة لإدارة نائب الملك يمكن إرجاع تاريخ حاكمين كوشيين هما آرى و كتسن الذين قد يكون أحدهما استخدم كوة (على الضفة الشرقية للنيل بمواجهة دنقلا) عاصمة له. الدرجة الفعلية للتمصير يمكن الحكم عليها من خلال دراسة البقايا الجنائزية فى الأطراف الشمالية لكوش التى حللها قبل فترة سودربيرج. أشار هذا العالم الى أن محتويات المقابر اشتملت على مصنوعات مصرية أو مصنعة بأسلوب مصري فى الوقت الذى لا توجد فيه آثار للطقوس الجنائزية المصرية إذ تتغيب كلياً المسلات والتماثيل الجنائزية والجعارين، كما يتغيب أي شكل من أشكال تخليد اسم المتوفى Säve-Söderbergh,1962. كل ذلك إنما يقف شاهداً على الاحتفاظ بمعتقدات محلية. ويبدو أن المفاهيم المصرية المرتبطة بالحياة الأخرى إن كان قد تمَّ تبنيها فى كوش فإنما من قبل أعضاء النخبة من الذين نالوا تعليماً مصرياً. تظل غير واضحة درجة العلاقة بين الكوشيين والآلهة المصرية التى أقيمت لها المعابد فى كوش فى عصر المملكة المصرية الحديثة. هنا قد يكون من المهم الإشارة الى أنه قد وجدت فى كرمة، بفترة سابقة للاحتلال المصري، معابد لآلهة محلية. ويبدو أن تلك المعابد كانت قد قامت بدور مركب فى الدولة وفى الحياة الاقتصادية. أشارت أعمال التنقيب الجارية فى كرمة فى الآونة الأخيرة الى وجود مفاهيم شمسية محلية مما قد يكون عملاً يسَّر عملية استيعاب المفاهيم الدينية الشمسية المصرية Bonnet,1995. من جانب ثان يمكن الافتراض بأن المعبودات الكوشية قد تمَّ استيعابها فى المنظومة الدينية المصرية ومن ثم استمرار عبادتها بعد نهاية الاحتلال المصري بشكلها المتمصر. خلافاً لوجهات النظر السابقة فان التحليلات الحديثة للمكتشفات الآثارية تشير الى أن الاستعمار المصري فى كوش قام على قاعدة المنفعة المتبادلة وأن كوش لم تتعرض لاستغلال يفوق ما تعرضت له أية منطقة فى مصر نفسها. التدهور الملاحظ فى السجل الآثارى فى القرن الأخير للمملكة المصرية الحديثة لا يعكس أكثر من تدهور مصر نفسها. مع الضعف الذى أصاب السلطة الملكية والحكومة المركزية وأخيراً تقسيم مصر الى أقاليم تعرضت الحياة فى كوش بدورها الى تأثيرات سلبية. أصبح منصب نائب الملك بحلول الأسرة العشرين متداخلاً ليس فقط مع الوظائف العسكرية العليا بل وأيضاً مع منصب الكاهن الأعظم لآمون فى طيبة بالتالي كان لنائب الملك سلطات غير عادية. فى السنة الثانية عشرة لحكم رمسيس الحادي عشر طلب من نائب الملك فى كوش بانحسي أن يهدئ الأوضاع فى طيبة بالاستعانة بالقوات التى تحت إمرته. تطورت الحملة الى انتفاضة ضد الفرعون تمكن خلالها بانحسى من توحيد كوش مع مصر العليا تحت حكمه الشخصي، لكن فُرض على بانحسى التراجع الى كوش فى العام التاسع عشر لحكم رمسيس الحادي عشر الذى عين نائباً جديداً للملك، وقد تتبع هذا الأخير بانحسي حتى الأطراف الشمالية لكوش لكنه أخفق فى القضاء عليه حيث ظل بانحسي سيداً هناك حتى وفاته. يبدو أن الحاميات العسكرية فى كوش كان قد تم إخلاؤها حين سار بانحسي الى مصر العليا فى العام الثاني عشر لحكم رمسيس الحادي عشر. احتمال أن يكون قد تم الاحتفاظ بالحكومة فى الأطراف الشمالية لكوش إلا أنه ونتيجة للانتفاضة فقد انشطرت منطقة النيل الأوسط بكاملها عن مصر وفقدت موقعها فى نظام إعادة التوزيع المصري. كانت النتائج بعيدة المدى حيث تم استعادة احتلال الأطراف الشمالية لكوش من قبل حكام طيبة بعد وفاة بانحسي وظلت تحت السيطرة المصرية حتى القرن الثامن ق.م. وتسببت الصراعات التى دارت فى المنطقة فى انخفاض درامي لعدد السكان وفى تقلص مواقع الإقامة الى مجرد محطات عسكرية يقيم فيها مرتزقة محليون. هاجر الموظفون المصريون الرسميون والكهنة من كوش. على الأقل يمكن القول بأن هجرة المعابد المصرية لا بدَّ وأن تكون قد عرقلت الى حد ما فى البداية مجمل البنية الاقتصادية. النتيجة النهائية كانت حدوث إفقار لم يتم تجاوزه إلا فى أعقاب ظهور وحدات سياسية أكبر مجدداً. ماذا حدث بالفعل فى كوش فى القرون التالية؟ تشير معلومات مصرية متفرقة الى محاولات مجددة لاستعادة السيطرة المفقودة على كوش فيما وراء الشلال الثاني وذهبها ومصادرها الطبيعية الأخرى، ولم يتم تحقيق نجاح دائم. ويمكن أن تكون الحملات المصرية قد أدت الى استيقاظ حاسة الحماية الذاتية وطورت نزعة لتوحيد الكيانات السياسية التى ظهرت الى الوجود بنهاية الاحتلال المصري. وقادت هذه النزعة الى بروز نزاعات داخلية قادت فى نهاية المطاف الى تلاحم الدولة الكوشية.لم تعد النشاطات الزراعية بحاجة الى وجود نظام المدينة المعبد المصري بعد أن تمَّ تبنى أشكال جديدة للبنية السياسية السلطوية. لكن على كل فان السيطرة على التجارة الخارجية لا بدَّ وأن تكون قد أصبحت مركز اهتمام النخب الحاكمة. بداية كان التحكم فى السلع العابرة الى الشمال كافياً إلا أن الوصول المباشر الى المصدر قاد الى إنجاز نشاطات عسكرية باتجاه الجنوب نقول مجدداً أن العلاقة التى تعكسها كتابات المتخصصين فى الدراسات المصرية تنحصر فى إطار فرضية واهنة بأن كوش كانت قوية عندما كانت مصر ضعيفة. بعيداً عن نظرية ملئ الفراغ السياسي فإن قوة "الهامش" المتزايدة يمكن أن تكون عنصراً فى انهيار السلطة فى مصر، من ثم فإننا نشعر بميل أكثر الى فرضيَّة معاكسة ترى أن القوة المتصاعدة لمملكة كرمة هى التى أدت فى نهاية المطاف الى إنهيار سلطة المملكة المصرية الوسطى فى كوش. Осама Эль-Нур: О Древно Египтском Термине ђnt.hn.nfr.- Мероэ Проблемы Истоийи Культурных Связей Выпуск 1. T.Säve-Söderbergh: Preliminary Report on the Scandinavian Joint Expedition. Archaeological Investigations between Faras and Gamai, Jan.-March 1961.- Kush 10. Ch.Bonnet, L.Chaix, M.Honegger and C.Simon: Kerma, Les Fouilles archéologiques de Kerma (Soudan). 1993-1994 and 1994-195, Extrait de Geneve-Nouvelle Série- Tome XLIII, Geneve. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 09-30-2006 هو الملك الأول المعروف من ملوك مملكة نبتة. بعد سنوات عديدة أعقبت وفاته، تضرع الملوك الى الإله آمون بأن يهبهم عمراً مديداً وحكماً مزدهراً مثل الذى وهبه الى الارا. نعلم من النقوش أنه أصبح ملكاً بعد صراع مرير مع منافسيه، وأنه كرس نفسه لعبادة آمون. يعتقد علماء الآثاريون أن النقشين الذين تم الكشف عنهما فى معبد آمون فى كوة "الواقعة على الضفة الشرقية لمدينة دنقلا العرضي"، ينتميان الى الارا. يشير النقشان الى أنه حكم على الأقل لمدة 23 سنة. ويرى الآثاريون أنه سيطر على كامل النوبة العليا وجعل من مدينة نبتة (جبل البركل) عاصمة دينية لمملكته. مملكة نبتة:البدايات الأولى للتأسيس:- لازالت غامضة أصول العملية الفعلية التى شكلت الدولة الكوشية النبتية. يبدو أن تلك العملية كانت محلية من حيث أصولها ومن حيث مجمل مسار تطور الدولة اللاحق. وكان الكتاب الإغريق والرومان الذين كتبوا بعد هيرودوت واضحين للغاية فى تأكيدهم بأن دولة نبتة لم تكن نتاج انتقال ثقافي تأصل فى مصر. والحق أن أعضاء الأسرة النبتية قد بدأوا مشروعهم لتحويل كوش الى دولة مركزية بأزمان سابقة على اتصالهم بمصر. بعد تأسيس الدولة وفرت لهم العلاقة مع مصر أدوات ونماذج بالإضافة الى بعض الموارد التى ساعدت فى عملية بناء الدولة احتمالاً. فكما أشار الباحث المجرى لازلو توروك اختار أولئك لحكام جوانب من الديانة المصرية لاستخدامها أداة لتشكيل المجتمع الكوشي فى دولة مركزية معقدة قائمة الى حد ما على النموذج المصري Török,1994. وكما أشار كاتسنلسون فان عالم التصورات، كما يتبدى فى المعمار الجنائزي بالكرو، الذى عكسته مدافن الملوك الكوشيين يلمح الى ثقافة كوشية فى الأساس متطورة بطريقتها الخاصة لكنها استوعبت تأثيراً مصرياً حيثما كان ذلك مرغوبا للكوشيين Katsznelson,1970. كذلك فان مجمل مسار ارتقاء الدولة المتبع تشكل فى الأساس فى ظروف داخلية، حتى الديانة المصريّة كما مارستها النخبة النبتية فإنها اعتمدت على طقوس ومعتقدات محلية كوشية. لجأ الحكام الكوشيون، نتيجة تناقض الخيارات التى تتبع وراثة العرش وبفعل تنظيم القطر على أساس نظام قائم على المشيخات أو الإمارات، الى تلك الجوانب من عقيدة الملوكية المصرية التى تؤكد على الاختيار الصحيح للملوك. فى المراحل الأولى للعصر النبتي تعكس أشكال الديانة المصرية فى مدافن الكرو معتقدات كوشية محلية. خلافاً للفراعنة المصريين الذين أعلنوا دوماً أن شرعية حكمهم مستمدة من امون رع، شدد الملوك الكوشيون على تحدرهم من سلفهم العظيم الارا وهو ما يعكس أسطورة للحكم تختلف عن الأسطورة المصرية. هكذا فإن الحكام الكوشيين تبنوا أساساً أسطورياًً محلياً مختلف عن الأساس الأسطوري المصري. تشير أقدم ثلاث عشرة مدفناً فى جبانة الكرو، والخاصة بأسلاف الملك كاشتا، الى الكثير من الشبه البالغ درجة التطابق مع المدافن المميزة لملوك كرمة شكلاً ومضموناً. إنها عبارة عن تلال مستديرة لم يتم النجاح فى تحديد المدفونين بها ذلك أن تلك المدافن كانت قد تعرضت للنهب فى القدم. تتجه المقابر من الشمال الى الجنوب، الرفات التى تم الكشف عنها فى مقبرة واحدة فقط اؤرخت بحوالى 800–780 ق.م. الميلاد. تمدد الجثمان فى وضع أشبه بالنائم على جانبه الأيمن لا فى تابوت وإنما على عنقريب. كل هذا يتطابق تماماً مع العادات الجنائزية المميزة لكرمة وفى مقابر المجموعة الثالثة مع عدم وجود أية دلائل تشير الى التحنيط. لاحقاً استبدل الكوم الترابي التلي الفوقي بشكل أشبه بالمسطبة مع بقاء المقبرة (حجرة الدفن) على ما كانت عليه دون تغيير أصابها، مع ملاحظة أن تلك المساطب شيدت فى الغالب كتلال فوقية. تأتي بعد المدافن التلية الثلاث عشرة ثلاث مساطب (الكرو7 و8 و20) خاصة بالملك كاشتا واثنتين من زوجاته. المسطبتان 7 و 8 أشبه فى شكلهما وخارطتهما بالمدافن التلية السابقة، لكنهما تختلفان من حيث أن حجرة الدفن اتخذت اتجاها شرق- غرب وليس شمال- جنوب. من ثم يتكرر هذا الاتجاه المميز للمدافن المصرية فى مدافن الملوك الكوشيين. لجأ الملك بيَّا والكثيرون من خلفائه، فى سعيهم تقنين شرعيتهم لوراثة التاج المصري، الى استعادة تقاليد المملكة المصرية السالفة وشيدوا لأنفسهم أهراماً بداية فى الكرو ومن ثم فى نوري وأخيراً فى البجراوية ، لكنه تم الإقلاع عن هذا التقليد الوافد مع مرور الزمن، اذ بمجرد أن انقطعت العلاقات مع مصر قويت النزعة الى العودة مجدداً الى تقاليد الدفن الكوشية المحلية...الردميات التلية الفوقية كشواهد على قبور الملوك والأمراء والزعماء. رغم أن شكل مقبرة بيَّا قد تغير وكذلك خليفتيه شاباكا و شاباتاكا و زوجاتهم فإنهم دفنوا وفق عادات أسلافهم- على عنقريب لا فى تابوت. للأسف فإننا لا نمتلك معلومات عن كاشتا و تانوت امانى. المرة الأولى التى يظهر فيها تقليد الدفن فى تابوت كانت فى عهد تهارقا لكن ظل الدفن الشائع على عنقريب. تم الإقلاع نهائياً عن تقليد الدفن فى تابوت بمجرد انهيار مملكة مروى، وكانت عادة ما يسمى بمدافن شاتي التى لا بدَّ فيها للعبيد أن يرافقوا سيدهم الى العالم الآخر قد أطلت مجدداً بفترة قصيرة قبيل انهيار مروى. هكذا سادت فى كوش على مدى الآف السنوات طقوس محلية لدفن الموتى. تبدلت هذه الطقوس فقط فى فترة الحكام الأوائل للأسرة الخامسة والعشرين الذين فرضوا سيادتهم على مصر. إلا أن تأثير العادات المصرية لم يدم طويلاًً حيث تمَّ استبعادها عودة الى التقاليد القديمة. وبالقدر نفسه بقيت التقاليد الخاصة بوراثة العرش دون تعديل اذ استمر التعاقب على العرش من الأخ لأخيه ومن الأخير لابن أخته. كما واستمرت بقايا التنظيم الأمومي وهو ما انعكس فى التأثير الذى تمارسه الملكة الأم الكنداكة. الارا وخليفته كاشتا هما أول ملكين من ملوك نبتة تمَّ تثبيت اسميهما، لكننا لا نعرف عنهما أكثر من ذلك شيئاً. أما أسلافهما فإننا لا نعرف حتى أسماءهم حيث لم يتم العثور فى المدافن التلية وفى المساطب السابقة للملك بيَّا فى الكرو على أية نصوص أو حتى نقوش قصيرة. يظهر اسم الارا وكذلك اسم زوجته- أخته كاساكا فى مسلة ابنتهما زوجة بيَّا الأميرة تابيرى. لقبَّ الارا فى هذه المسلة بالزعيم "أورو" وهو اللقب نفسه الذى أطلقه عليه تهارقا فى مسلتين عثر عليهما فى كوة، وكان تهارقا ابن أخت الارا المبجل. بعد ذلك يُذكر الارا فى نصوص الملكين إيريكى أمانوتى 431–405 ق.م. و نستاسن 335– 310 ق.م. بوصفه ملكاً. على كل فان اسم الارا أحيط فى تلك النصوص بالخرطوش الملكى. هنا قد يثار سؤال حول الاختلاف فى لقبه خاصة وأنه تم التمييز فى مسلة بيَّا بوضوح بين ألقاب الزعيم، والحاكم، والملك. بالطبع فان إعطاء إجابة محددة فى الوقت الراهن غير ممكنة، لكن يبدو أنه خلال فترة الارا لم تكن عملية توحيد كوش قد اكتملت أو أنها كانت قد اكتملت للتو، ومن ثم لم يستطع الارا إطلاق لقب ملك على نفسه كما فعل ذلك بكل شرعية كاشتا ومن بعده بيَّا. اكتفى الارا بلقب أسلافه كما كان إبان المملكتين الوسطى والحديثة. لاحقاً ومع تثبيت الأسرة فان أحفاد الارا البعيدين أضفوا عليه شرف الملوكية مؤكدين فى الوقت نفسه إضفاء اللقب على أنفسهم مثبتين له. يصعب تحديد الامتداد الشمالي لمملكة نبته فى عهد الارا، وهناك احتمال بأن يكون جزء من النوبة السفلى، إن لم تكن كلها، تابعة له، أما حدودها الجنوبية فاحتمالاً أن تكون قد امتدت الى مروى (البجراوية) حيث وجدت مدافن تتطابق ومدافن الكرو يرجع تاريخها الى فترة الارا. قطعاً فان البطانة قد تمَّ استيعابها فى مملكة نبتة فى أيام كاشتا وبيََّا وهو ما تؤكد عليه الأسماء المروية، فقد كان اسم قائدين فى جيش بيَّا، ليميرسكنى وإريكتاكانا، كما أن محافظ مدينة طيبة المصريَّة فى فترة حكم بيََّا كان اسمه كلباسكن، وتتردد الأسماء المرَّوية بكثرة فى عهد الملك أسبالتا. وفى نقش عثر عليه فى سمنة ورد اسم ملكة كوشيَّة مبكرة هى كاديمالو (كاريمالا فى قراءة أخرى) مما يشير الى أن البطانة كانت قد أصبحت متحدة مع نبتة عبر التزاوج. وكان الباحث موركوت أشار الى أن نشوء مملكة نبتة كان نتاجاً للحرب الأهلية المندلعة بين المشيخات الكوشية المتصارعة على السلطة، ونتاجاً للتزاوج الأسري بين عدد من زعماء المشيخات المختلفة Morkot,1994 ونعتقد أن المعطيات المتوفرة حالياً تؤكد على احتواء البطانة تحت سلطة مملكة نبتة بفترة سابقة لاستيلاء نبتة على مصر. إنه ولانجاز مثل ذلك الاحتواء كان لا بدَّ من وجود إما تحالف سياسي أو تزاوج أسرى أو نشاط عسكري مكثف. لكن ما هى فوائد التوسع جنوباً؟ هل هى فقط الثروات الزراعية والرعوية الكامنة فى البطانة؟ نعتقد أنه بالإضافة الى كل ذلك فان السلع الترفية من أبنوس وعاج وجلود وما الى ذلك شكلت دوماً أهمية فى عمليات التبادل التجاري مع مصر وبقية العالم الخارجي. تشير سجلات التوسع الآشوري فى غرب آسيا الى السلع التى قدمتها مدن البحر الساحلية، من بين تلك توجد القرود وغيرها من السلع المجلوبة الغريبة، لكن الأبنوس والعاج وجلود الأفيال كانت الأهم من بينها. شهدت فترة القرن العاشر- الثامن ق.م. ازدهار صناعة العاج فى غرب آسيا فى كل المدن الفينيقية الساحلية ومدن شمال سوريا، ومعروف الآن أن الفيل السوري المحلى كان قد انقرض قبل ذلك التاريخ، ومن ثمَّ علينا أن نسأل عن مصدر ذلك العاج. تشير المادة الى أن العاج الذى صنع هناك هو من نوع الفيل الأفريقي الغابي. التجارة بين مصر ومدينة بيبلوس فى عصر الفرعونين ششنق الأول وأسركون الأول مشهودة، وكذلك فى أزمان لاحقة مع اشدود و سيدون و تير. غض النظر عما اذا كانت جلود الأفيال والعاج تجلب الى غرب آسيا عن طريق النيل الى مصر بداية أم مباشرة عبر طريق البحر الأحمر، فان المصدر كان لا بدَّ أن يكون سافانا السودان الأوسط. تثير الآثار الأشورية، التى لا تجد اهتماما فى الكتابات المتخصصة التى يسطرها علماء الدراسات المصرية المهتمين بتاريخ كوش، العديد من التساؤلات. تشير العديد من الأدلة الى الإسهام الأجنبي فى سلاح الفرسان والمركبات الحربية فى الجيش الأشورى، من بين تلك الأدلة نصوص تشير الى الجياد الكوشية كور- كو- ساسا المخصصة لجر المركبات الكبيرة، ووصفت النقوش المتأخرة تلك الجياد بأنها كبيرة الحجم. بالإضافة الى الجباد الكوشية أشارت النقوش الى عدة الجياد الكوشية، كما أشارت أيضاً لوجود الكوشيين فى البلاط الآشوري فى وقت مبكر من عهد تجلات بليسار كأخصائيين للخيول Morkot,1994. وباعتقادنا أن ربط الأدلة الكوشية بالأدلة الأشورية، والتى لن نسترسل هنا فيها، تشير الى أن الكوشيين كانوا يربون الجياد ويصدرونها، ويبدو أن إقليم دنقلا كان هو المكان الأمثل لمزاولة مثل هذا النشاط. يجب ألا ننسى أنه فى الأزمان الحديثة المبكرة كانت دنقلا مركزاً لتربية الجياد، وأن مك دنقلا دفع جزية لسلطان الفونج فى سنار جياداً. الأسرة الكوشية الخامسة والعشرون فى مصر سنحاول الآن مناقشة سيرة أسرة كوشية من الألفية المبكرة السابقة للميلاد. إنجازات واحد أو اثنين من أعضاء تلك الأسرة تمَّ ذكرها عموماً فى الأدب الخاص بالتاريخ القديم، ويمكن للقارئ المهتم بتاريخ وادى النيل أن يجد الأسماء نفسها فى الكتب الخاصة بتاريخ مصر القديم، فأسماء بيَّا، شاباكا، وشباتاكا، وتهارقا، وتانوت أماني تبدو عادية لأنهم حكموا مصر بوصفهم ملوكاً للأسرة الخامسة والعشرين حوالي 747–600 ق.م. أما أسماء أنلامانى، وأسبالتا، وإريكىأمانوتى، وهارسيوتف، ونستا سن وهم من ملوك كوش فيما بعد أزمان الأسرة الخامسة والعشرين فإنها ترتبط لدى علماء الدراسات المصرية بنقوش هيروغليفية ذات أسلوب غير عادى عدوه متوحشاً . إن تفسير ظهور الأسرة الكوشية وإنجازاتها السياسية والثقافية لازال متنوعاً فى الدراسات المتخصصة، فبعد فترة تميزت بالتقدير الحذر لما اعتقد بأنه إبداع كوشي فى الثقافة المصرية فى فترة الأسرة الخامسة والعشرين، فان كتابات حديثة عن المرحلة المتأخرة المصرية تميل الى إعادة تشكيل محددة لذلك التقدير، أو كما يقول أحد أولئك الكتاب "ان إعادة الأحياء الذى عد سابقاً ساييتى ومن ثم كوشي يمكن النظر إليه الآن بأنه بدأ فى مصر المنقسمة فى القرن الثامن قبل الميلاد" Leahy,1992 وفى حين نبدى اتفاقا مع مثل هذه العبارة، إلا أن نفياً كلياً لوجود تقاليد أو مظاهر كوشية فى ثقافة مصر فى عصر الأسرة الخامسة والعشرين يبدو غير مبرر. يظهر أن سوء الفهم الملازم لأبحاث المتخصصين فى الدراسات المصريَّة القديمة فيما يتعلق بالبينة الآثارية والوثائقية لتاريخ كوش إنما يأتى من الإهتمام غير الكافي بما هو غير مصري. فالمؤرخ المصري أكدَّ فى موسوعته لتاريخ مصر القديمة على خطل الرؤيَّة المنغلقة تلك وكتب قائلاً: "الواقع أن ملوك كوش الذين أسسوا لأنفسهم ملكاً عظيماً فى بلادهم قاموا بنهضة قومية شاملة فى مصر وكوش كان لها أثر بعيد فى إحياء وادى النيل ثانية وإعادة مجده القديم، بعد أن ظل خاملاً عدة قرون فى أعقاب سقوط الدولة الحديثة. وقد تناول هذا الإحياء النواحي الدينيَّة والاقتصادية والاجتماعية والفنية جميعاً. والواقع أن ملوك كوش الذين تتألف منهم الأسرة الخامسة والعشرين قاموا جميعاً على رأس تلك النهضة التى تعد بحق آخر محاولة فى الأزمان القديمة لاسترداد عزة مصر وكرامتها". ويستمر سليم حسن قائلاً بأن فن النحت فى عهد الملك الكوشي شاباكا "قد أخذ يزدهر بصورة جلية اذ أخذ الفنانون ينحتون التماثيل للملوك وعظماء القوم بما يحاكى الطبيعة الخالية من كل زخرف، وفى أعمار متفاوتة، فلدينا تماثيل لبعض رجال الدولة تصورهم فى الشباب والكهولة والشيخوخة بما فيهم من معايب ومحاسن سليم حسن 2000 هكذا يربط سليم حسن ظهور المدرسة الواقعية فى الفن المصري بالتأثيرات الكوشية. ونلمح هنا الى أن ظهور الواقعيَّة فى الفن لا بدَّ وأنه ارتبط بوجود قدر من الحريات الفكرية التى تتيح للفنانين التعبير بحرية ودون قيود تفرضها السلطة السياسية. تعاقب ملوك كوش إن تعاقب الملوك الكوشيين الذين أسسوا الأسرة الخامسة والعشرين فى تاريخ مصر القديمة متفق عليه الآن ولا خلاف فى ذلك، لكن لازال هناك عدم اتفاق بشأن التواريخ، الإشارة الدقيقة الوحيدة واردة فى نص فى سيرابيوم يثبت وفاة تهارقا فى السنة نفسها التى اعتلى فيها بسامتيك الأول العرش، أي سنة 636 ق.م. وبما أن تهارقا حكم على مدى 26 سنة تصبح سنة اعتلائه العرش هى 689 ق.م. حالياً يكاد معظم الباحثين يقرون الجدول التاريخي الآتي لتسلسل حكام هذه الأسرة الكوشية الذين حكموا مصر: أواخر القرن الثامن ق.م. كاشتا 751-716 بيَّا 716-701 شاباكا 701-689 شاباتاكا 689-661 تهارقا 663-600 تانوت أمانى انعكست نشاطات فراعنة الأسرة الخامسة والعشرين فى سلسلة من المصادر المتنوعة، ونعرف عنهم أكثر مما نعرف عن الملوك اللاحقين لهم، فبمقارنة نصوص شاباكا، وشابتاكا، وتهارقا، وتانوت أماني بحوليات الملوك الآشوريين وبالمقتطفات المتفرقة من الكتاب المقدس، وأيضاً ما يمكن استنباطه من الآثار المعمارية والفنية، يمكننا فى الكثير من الحالات أن نميط اللثام عن الواقع التاريخى. فلقد ظلت لوقت طويل غير واضحة سلسلة النسب لملوك الأسرة الخامسة والعشرين، ولاشك أن مثل هذه السلسلة تشكل أهمية بالنسبة لتحديد التواريخ وتواتر الأحداث وهو ما تم تحديده، ولو بصورة غير نهائية فى بعض الجزئيات . L.Török, The Emergence of the Kingdom of Kush and her Myth of the State in the First Millennium B.C.,-In: F.Geus (assembled): ‘Nubia Thirty Years Later’. Pre-publication of main papers, Society for Nubian Studies eighth Internatinal Conference, Sept,1994. Lille. И.С.Кацнельсон, Напата и Мероэ древние государства Судана. Москва R.Morkot, The Foundations of the Kushite State: a response to the paper of Laszló Török. In: F.Geus (assembled): Nubia Thirty Years Later. Society for Nubian Studies Eighth International Conference 11-17 septembre 1994, pre-publication of main papers. Lille. A.Leahy, Royal Iconography and Dynastic Change, 750-525 BC: The Blue and Cap Crowns.- Journal of Egyptian Archaeology 78. سليم حسن 2000، موسوعة مصر القديمة، الجزء الحادى عشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة . السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 شقيقاتي وأشقائي (أعضاء منتدى "نادي الفكر العربي")، لكم التحية باختلاف مناحي عروبتكم، ودياناتكم، واعتقاداتكم، ولهجاتكم، وميولكم، وقبائلكم.. أردت من خلال هذا الموضوع أن أفتتح نافذة تطلون من خلالها مكرمون على حضارة مملكة "كـــوش" السودانية، وأثرها على العالم. فبالإضافة إلى جيرتهم بالفراعنة في "مصـــر"، وتأثيرهم عليهم وتأثرهم بهم، فقد أسهموا اسهامات واضحة -قد تكون نسبت لغيرهم عنوة، ربما للجهل بها-، ولذلك فإني سأقوم -بعد استئذانكم وإدارة منتدانا- باختيار بعض أشهر ملوك وملكات مملكة "كـــوش" السودانية -حسب التسلسل الزمني والتأريخي- لهم وطرح سيرتهم وانجازاتهم يوميا!! ويعزي العديد من علماء الآثار عدم اكمال الأكتشافات الأثرية في السودان، إلى الثورات السودانية المستمرة على الإستعمار العثماني والمملوكي والإنجليزي، وطرد السودانيون للمستعمر بالعنف عبر "الثورة المهدية" من السودان عام 1887، حتى عودة الإنجليز مرة أخرى مع الجيش المصري لإحتلال السودان عام 1898، بينما كانت الأحوال في مصر هادئة -بإستثناء ثورة المناضل الكبير (أحمد عرابي) في معركة "التـــل الكبير"-، مما ترتب عليه استقرارا سياسيا ساعد على تواصل واستمرار حملات الإكتشاف الأثرية.. وأتمنى أن تعرفوا بعض تأريخ وطني، كما هو أكبر جزء من وطنكم العربي الكبير "الســـودان"... كما وسأقوم بطرح كل موضوع واستصحاب المراجع العالمية المثبتة لها حتى تستفيدوا وتتأكدوا -علميـــاً- من الروائع التاريخية... ولكم كل الحرية في المشاركة أو التعقيب أو النقاش، ولي كل الفخر بالإطلاع عليها. ودمتـــــــم....... السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 هو أقدم ملك كوشي معروف لنا بالاسم. عثر علماء الآثار على اسمه مكتوب بالحبر على أجزاء من تمثال فخاري مهشم لأسير مقيد. صنع المصريون التمثال فى حوالي 1850 ق.م. وهشموه عن قصد. اعتقد المصريون أنه فى حالة صنع مجسد للعدو، وكتابة اسمه عليه، ومن ثم تهشيمه، فإن ذلك سيلحق به الأذى أو يقتله عن طريق السحر. ورغم أننا لا نعلم شيئاً عن أواوا، فإنه قد سمي "حاكم كوش". لا بدَّ وأنه كان بلا شك أحد الملوك الكوشيين الأقوياء الذين حكموا فى كرمة عندما شيد المصريون قلاعهم فى النوبة السفلى. غالباً ما يكون جنود أواوا قد شنوا هجوماً على المصريين، ولذلك فقد رغبوا فى ايذائه - عن طريق السحر، طالما أنهم كانوا عاجزين عن الحاق الأذى به فعلياً. # الدولة فى كوش: التأسيس:- ليس من خلاف حالياًً حول ارتباط نشوء الدولة فى كوش بعدد من العناصر السياسية والعسكرية والاقتصادية والأيديولوجية. العنصر الأيديولوجي تحديداً لن نتعرض له هنا نسبة للتعقيدات والصعوبات التى تعترضه والتى نتجت عن حقيقة أن المعلومات المتوفرة لنا فى الوقت الراهن عن مرحلة النشوء الأولى تأتى كلها من فترة أعقبت عملية التأسيس. ومن ثم يفرض علينا هذا الوضع الالتفات الى العناصر الأخرى، فى المقام الأول الاقتصادية والعسكرية. نقول أن النظرة السابقة المعبر عنها فى الكتابات الخاصة بنشوء الدولة فى كوش قد أصبحت بالية اليوم بفعل الاكتشافات الآثارية الأخيرة وبفضل العديد من الدراسات النظرية راقية المنهج.لم تعد مقبولة الفرضيَّات السابقة التى رأت فى جماعات العصر الحجرى الحديث فى كوش مجتمعات غير معقدة لم تعرف ظهور تراتب اجتماعي وبروز زعامات ذات شأن فى تسيير أمور تلك الجماعات، ذلك أن السجل الآثارى يظهر رؤية مختلفة. سبقت الإشارة الى أن مدافن الكدرو تشير الى ظهور التراتب الاجتماعي، وكذلك الحال بالنسبة لمدافن المجموعة الأولى فى الأطراف الشمالية لكوش. ومعروف الآن أن أهل المجموعة الأولى قاموا باستغلال مناجم الذهب والأحجار الثمينة فى الصحراء الشرقية وتاجروا بها مع سكان مصر العليا لتصبح تلك السلع جزءاً أساسياً فى المتاع الجنائزي فى مدافن الزعماء أشباه الملوك فى عصر ما قبل الأسرات وفى مدافن فراعنة الأسرة الأولى، الى جانب ذلك تشير الأدلة الى أن أهل المجموعة الأولى وثقوا صلاتهم بالجماعات الاثنية المماثلة الى الجنوب من الشلال الثاني فأصبحوا وسطاء فى التجارة النيلية بين مصر والمناطق الواقعة فيما وراء الشلال الثاني. باعتقادنا أن النجاحات التى حققها أهل المجموعة الأولى بفعل المتاجرة فى الذهب والأحجار الثمينة والسيطرة على التجارة الوسيطة نجم عنها تسارع عملية الفرز والتراتب الاجتماعي وهو ما تؤكد عليه المدافن الخاصة بالزعماء والتى لا تقل عن مدافن نظرائهم من حكام مصر العليا المعاصرين لهم، ومن جانب ثانٍٍ تبلور الأطماع المصرية فى السيطرة على المنطقة. فمنذ أن نجح حكام هيراكنوبولس فى توحيد شطري مصر أصبحت مسألة تأمين مصدر إمدادهم بالسلع الترفية والسيطرة على طرق التجارة النيلية مع المناطق الجنوبية شغلهم الشاغل. هكذا بدأت الحملات المصرية الى الأطراف الشمالية لكوش التى شنها الفرعونين جر و واجى. بنهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد اختفت الآثار الخاصة بالمجموعة الأولى وهو ما يشير الى هجرة الكوشيين عن المنطقة بعيداًً عن أسنة رماح الغزاة لعدة قرون لاحقة. يتوافق إختفاء آثار المجموعة الأولى فى أطراف كوش الشمالية مع الحملات العسكرية المصرية إذن. ويدل وجود الموقع المحصن المصري فى بوهين والذى يرجع تاريخه الى تلك الفترة الى أن المنطقة أصبحت واقعة تحت سيطرة الغزاة. كما وتدل العديد من المكتشفات فى صرص غرب، وكوبان، ومرجسا على نشوء معسكرات بين الشلالين الأول والثاني. ومع أن المصنوعات الفخارية تشير الى بقاء جزء من السكان من أهل المجموعة الأولى فى بوهين إلا أنه من الواضح أن الغالبية العظمى منهم صاروا يجوبون الصحراء فى الأطراف الشمالية لكوش والى الجنوب منها بقطعانهم فى نمط حياة شبه بدوى بعد أن أغلق الغزاة وادى النيل أمامهم وأعاقوا نشوء أى شكل من إستقرار الكوشيين على ضفتي النيل فى المنطقة. فى حوالي 2500 أو2400 ق.م. استعاد سكان كرمة ومن ثمَّ أهل المجموعة الثالثة سيطرتهم على الأطراف الشمالية لكوش لفترة طويلة. يبدو أن الحملات العدوانية التى شنها فراعنة المملكة القديمة والتى أدت الى إبعاد الكوشيين الشماليين عن أراضيهم قد حفزت الأخيرين على التفكير فى توحيد أنفسهم بصورة أكثر فاعلية بما يمكنهم من الوقوف فى وجه العدوان الخارجي. فإذا كان حرخوف قد تحدث عن حكام قبائل منفردة مثل حاكم يام، فان نصوص اللعنات التى ترجع الى عصر الدولة الوسطى تؤكد على استمرار مشيخات كوشية وعلى نشوء اتحادات قبلية شملت الواوات وإرتت وساتيو وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأن تلك العملية قد تكون أفضت الى تأسيس مملكة كوشية امتدت من الأطراف الحدودية الشمالية عند الشلال الأول حتى إقليم دنقلا. فالنقوش الصخرية فى الأطراف الشمالية لكوش تشهد على وجود ثلاثة حكام كوشيين: كاكارى ان، وادجاكارى سيجريستى، واييب حنترى والذين تبنوا نمطاً مصرياً فى ألقابهم ورسوماتهم. يمكن إرجاع تاريخ أولئك الحكام الى الفترة ما بين عهد منتوحتب الرابع آخر ملوك الأسرة الحاديَّة عشرة (2160–1991ق.م.) والحملات التى شنها الفرعونين أمنمحات الأول (1991-1962ق.م.) وسنوسرت الأول (1962-1928 ق.م.) من الأسرة الثانية عشرة. وتؤكد نقوش هذين الفرعونين على المقاومة الشرسة التى واجهتها جيوش الغزو. فقط بعد سلسلة من الحملات التى بدأها أمنمحات الأول وواصلها إبنه سنوسرت الأول تمكن الأخير فى العام الثامن لحكمه من استكمال فتح الأطراف الشمالية لكوش وأقام حامية عسكرية فى بوهين عند الشلال الثاني، وفرض سيطرته على كوش حتى الشلال الثالث وعلى جزيرة صاى حيث مركز مملكة شات التى تذكرها نصوص اللعنات، وأقام علاقات تجارية مع مملكة كرمة. هكذا فقط بفعل حملات متواصلة على مدى عشرين عاماً كاملة نجح المصريون أخيراً فى فرض سيطرتهم على الأطراف الشمالية لكوش. # مملكـة "كــرمة":- تطور الدولة فى كوش مسجل بصورة مؤكدة بنشوء مملكة كرمة. عادة ما تفترض الكتابات المتخصصة بأن الدولة الكوشية التى ازدهرت فى المرحلة الانتقالية الثانية 1785-1552 ق.م. كانت ظاهرة تعكس قدراً من "الانتهازية" وجاء امتدادها الى الأطراف الشمالية لكوش نتيجة الضعف الداخلى الذى أصاب مصر فى تلك الفترة. كان هذا بالطبع افتراضاً عاماً بشأن كوش: أصبحت كوش قوية لأن مصر كانت ضعيفة. العكس تماماً قد يكون صحيحاً. قد يكون ظهور دولة قوية فى كوش هو ما أدى الى ضعف مصر الآن فى حالة مملكة كرمة وكذلك الحال أيضاً فى نهاية المملكة المصرية الحديثة. لا نود أن نسهب فى الحديث عن كرمة وثقافتها ونحيل القارئ الذى يطمح للإلمام بالمزيد عنها الى بحثنا المنشور فى العدد الحادي عشر من مجلة اتحاد المؤرخين العرب المؤرخ العربي 1970 بعنوان "عودة الى مسألة تاريخ السودان الحضاري فى المرحلة الانتقالية الثانية". حكم مملكة كرمة ملوك أقوياء تمترسوا فيما وراء الشلال الثالث لكنهم مددوا سيطرتهم الى الأطراف الشمالية لكوش وقاموا باحتلال بعض حصون الشلال واستخدموها، كما زاولوا التجارة بعيدة المدى مع حكام الدلتا متجاوزين مصر العليا باللجوء الى الطرق الصحراوية. ورغم أنهم كانوا ملوكاً لدولة حقيقية تمتد على مسافة 800 كيلومتر على وادى النيل وبلغ عدد سكانها المأتى ألف نسمة، فانه يبدو أنهم أبقوا البنية الاجتماعية على صورتها إمارات ومشيخات تابعة لهم، وقد بقيت تلك الإمارات والمشيخات كوحدات شبه سياسية حتى أزمان الاحتلال المصري فى عصر المملكة الحديثة. وتظهر النقوش هؤلاء الحكام الكوشيين وهم يضعون التاج الأبيض (رمز مصر العليا) على روؤسهم، وهناك رسوم صخرية ومجموعة أختام تصور حكاماً كوشيين وعلى روؤسهم الريش يلبسون القراب الساتر للقضيب. بعد طرد الهكسوس من مصر تولى أحمس أمر العمليات العدوانية ضد مملكة كرمة، هكذا نقرأ فى مآثر أحمس بن أبانا: "بعد أن أجهز جلالته على ال"منتيو" فى آسيا صعد جنوباً الى خنت نفر 1977 Elnur لإبادة حاملي السهام الكوشيين. وحدثت مذبحة كبرى. وغنمت رجلين وثلاث أيدي. وكوفئت مجدداً بأن وهبت ذهباً كما وضعت امرأتان فى خدمتي كأمتين. عندئذ هبط جلالته شمالاً راضياً بما أحرزه من انتصارات فقد أخضع شعوب الشمال والجنوب". إلا أن هذه الحملة لم تكن حاسمة إذ أعقبتها ثورة حاكم كوشي باسم عاتا لكنها أخمدت حيث يذكر أحمس بن أبانا: "قدم عاتا من الجنوب فكان مقدراً له أن يُهزم فأمسك آلهة الصعيد بخناقه. والتقى به جلالته عند بلدة تنتاعا. وأسره جلالته. ووقعت جميع قواته بين يديَّ جلالته غنيمة حرب". # كوش والمملكة المصرية الحديثة:- توفى أحمس تاركاً العرش لابنه أمنحوتب الأول الذى شن حملات مكثفة على كوش وهى حملات استمر فى تنفيذها كل من تحتمس الأول وتحتمس الثاني، إلا أن القضاء على المقاومة الكوشية فى منطقة كرمة اكتمل فقط فى فترة الحكم المشترك لتحتمس الثالث وحتشبسوت وتم تأسيس السلطة المصرية حتى الشلال الرابع فى العام الحادي والثلاثين من حكم تحتمس الثالث 1460 ق.م. ويبدو أن السيطرة المصرية على المنطقة تمَّ إنجازها أخيراً عبر تداخل عدة عناصر أهمها الفعل العسكري والتدخل السياسي. لقد أخذ تحتمس الثالث ابن ملك كرمة الى مصر رهينة، والذى يحتمل أن يكون قد أعيد لاحقاً الى كرمة ملكاً تابعاً لمصر. وفى حين أن ذلك لم يمنع ثورته فان استمرار مثل هذه السياسة والميزات الأكيدة التى قد تكون قدمتها للحكام الكوشيين، لا بدَّ أن تكون قد قادت فى نهاية الأمر الى تقبل المنطقة للسيادة المصرية. اللافت للانتباه هو تكرار حكام مصر المماليك فى القرون الوسطى لذات السياسة التى استنها تحتمس الثالث وذلك فى تعاملهم مع مملكة المقرة النوبية المسيحية كما سنبين لاحقاً. ينتهي مدى السيطرة المصرية فى كوش عند الشلال الثالث فى حين تظل المنطقة بين الشلالين الثالث والرابع مُحيَّدة دولة حاجزة قدم المصريون لحكامها الدعم العسكري. الإشراف الشكلي المصري تم من خلال موظفين مصريين سموا بمراقبي البلاد الأجنبية الجنوبية يترأسهم نائب الملك (ابن الملك فى كوش : سا- ن- سوت- ن- كاش) الذى يعين مباشرة من قبل الفرعون. ويقوم نائب الملك بدوره بتعيين نائب له فى الواوات (الأطراف الشمالية لكوش) ونائب آخر لكوش ما وراء الشلال الثاني. ويتم اختيار النائبين من بين أفراد الأسر المحلية. هكذا فان السيطرة المصرية لم تجلب الى كوش سوى أعداد محدودة من المصريين: كبار موظفي الخدمة المدنية والعسكرية والكهنة تاركة التراتب الإجتماعى الكوشي على حاله دون مساس بحيث بقيت السلطات الفعلية بأيدي الحكام الكوشيين المحليين والإداريين المحليين من أفراد النخبة الكوشية. ونعرف عن ثلاثة حكام محليين من الواوات وستة من الزعماء الكوشيين فى فترة حكم الفرعون توت عنخ امون. وتشير آثار الأسرة المحلية الحاكمة فى تح خت بالنوبة السفلى الى أن المناطق الأصلية للمشيخات الكوشية قد تمَّ تضمينها فى التنظيم التراتبى الادارى المصري. تبعية الأمراء الكوشيين لم تمنع استمرار توريث منصب الأمراء طبقا للتقاليد الكوشية المحلية. ظلت سائدة وجهة نظر تقول بالتماثل الكلى للسكان الكوشيين الى درجة التمصير التام. ويعتقد أيضا بأن التمصير، أي التثاقف بمعنى التمثل من جانب واحد...تكيف الكوشيين مع الثقافة المصرية، نتج عن ازدراء المصريين للتقاليد الكوشية والهُويَّة الاثنية. وجهة النظر البالية هذه المعبر عنها فى بعض الكتابات تقوم على أساس تحليل غير سليم للمعطيات الآثارية ، فالثقافة المادية الكوشية فى عصر المملكة المصرية الحديثة مضللة نوعاً ما ذلك أن تركيبها يعكس فى المقام الأول التكامل الاقتصادي الكوشي المصري. قامت البنية الحكومية على أساس المدن المعابد، إلا أنَّ البنية الاجتماعية وإعادة التوزيع المحلية قامت على قاعدة البنية التحتية للإمارات والمشيخات القديمة. حتى بعد انهيار الاحتلال المصري فى عهد رمسيس الحادي عشر وهجرة الموظفين المصريين الرسميين والكهنة لم تتأثر المدن المعابد ولم يهجرها سكانها. ففي حين تمت هجرة الأساسات الخاصة بالمملكة المصرية الحديثة فى سيسبى وفى عمارة غرب وعكشة فان الجزء الأعظم من المدن المعابد لم تهجر من قبل سكانها الكوشيين وظلت باقية كمواقع سكنية عامرة. فى عهد المملكة الحديثة تمت إعادة تنظيم الأطراف الشمالية لكوش الخاضعة لمصر اقتصاديا من خلال إنشاء المدن- المعابد. وقد يكون نوعاً من التبسيط، كما ألمحنا، الافتراض بأن تلك المراكز قد تم إفراغها من السكان بانتهاء المعبد كمركز إداري. انه فى حالة انتقال الوظيفة الإدارية والدينية للموقع الى مكان آخر فان توزيع الأراضي الزراعية فى كوش لا بدَّ وانه تطلب انتشارا سكانياً على امتداد المناطق المزروعة. بالتالي فانه حتى عندما انتقل مركز العبادة على سبيل المثال من فرس الى عكاشة فان الأرض لا بدَّ وقد أصبحت تابعة للعبادة الجديدة وأنها لازالت تحتاج لأن تفلح من قبل أناس يسكنون محلياً. لدى مناقشة السنوات الأخيرة للمملكة الحديثة فإننا نجد أنفسنا فى دروب شائكة. يبدو أن هناك نوع من المبالغة فى وجهة النظر التقليدية حول التفكك المصري فى عهد الرعامسة المتأخر كما تعبر عنه بعض الكتابات. فالإمبراطورية المصرية فى غرب آسيا رغم عدد من الإخفاقات فإنها ظلت قائمة حتى عهد رمسيس السادس حيث يمكن ملاحظة تدمير عنيف للمراكز المصرية.يصعب تحديد الوضع فى كوش فى الفترة التى أعقبت إنتهاء منصب نائب الملك، فالأدلة المتوفرة تشير الى انخفاض منسوب النيل وهو ما يبدو سبباً كامناً وراء إفراغ الأطراف الشمالية لكوش من السكان بنهاية الأسرة الثامنة عشرة و ما بعدها. حالياً فان فرضية التثاقف أصبحت مقبولة كتفسير لهذا الاختفاء للسكان المحليين من السجل الآثارى بدلاً عن التحدث عن التمصير الكامل. ففي الفترة المتأخرة لإدارة نائب الملك يمكن إرجاع تاريخ حاكمين كوشيين هما آرى و كتسن الذين قد يكون أحدهما استخدم كوة (على الضفة الشرقية للنيل بمواجهة دنقلا) عاصمة له. الدرجة الفعلية للتمصير يمكن الحكم عليها من خلال دراسة البقايا الجنائزية فى الأطراف الشمالية لكوش التى حللها قبل فترة سودربيرج. أشار هذا العالم الى أن محتويات المقابر اشتملت على مصنوعات مصرية أو مصنعة بأسلوب مصري فى الوقت الذى لا توجد فيه آثار للطقوس الجنائزية المصرية إذ تتغيب كلياً المسلات والتماثيل الجنائزية والجعارين، كما يتغيب أي شكل من أشكال تخليد اسم المتوفى Säve-Söderbergh,1962. كل ذلك إنما يقف شاهداً على الاحتفاظ بمعتقدات محلية. ويبدو أن المفاهيم المصرية المرتبطة بالحياة الأخرى إن كان قد تمَّ تبنيها فى كوش فإنما من قبل أعضاء النخبة من الذين نالوا تعليماً مصرياً. تظل غير واضحة درجة العلاقة بين الكوشيين والآلهة المصرية التى أقيمت لها المعابد فى كوش فى عصر المملكة المصرية الحديثة. هنا قد يكون من المهم الإشارة الى أنه قد وجدت فى كرمة، بفترة سابقة للاحتلال المصري، معابد لآلهة محلية. ويبدو أن تلك المعابد كانت قد قامت بدور مركب فى الدولة وفى الحياة الاقتصادية. أشارت أعمال التنقيب الجارية فى كرمة فى الآونة الأخيرة الى وجود مفاهيم شمسية محلية مما قد يكون عملاً يسَّر عملية استيعاب المفاهيم الدينية الشمسية المصرية Bonnet,1995. من جانب ثان يمكن الافتراض بأن المعبودات الكوشية قد تمَّ استيعابها فى المنظومة الدينية المصرية ومن ثم استمرار عبادتها بعد نهاية الاحتلال المصري بشكلها المتمصر. خلافاً لوجهات النظر السابقة فان التحليلات الحديثة للمكتشفات الآثارية تشير الى أن الاستعمار المصري فى كوش قام على قاعدة المنفعة المتبادلة وأن كوش لم تتعرض لاستغلال يفوق ما تعرضت له أية منطقة فى مصر نفسها. التدهور الملاحظ فى السجل الآثارى فى القرن الأخير للمملكة المصرية الحديثة لا يعكس أكثر من تدهور مصر نفسها. مع الضعف الذى أصاب السلطة الملكية والحكومة المركزية وأخيراً تقسيم مصر الى أقاليم تعرضت الحياة فى كوش بدورها الى تأثيرات سلبية. أصبح منصب نائب الملك بحلول الأسرة العشرين متداخلاً ليس فقط مع الوظائف العسكرية العليا بل وأيضاً مع منصب الكاهن الأعظم لآمون فى طيبة بالتالي كان لنائب الملك سلطات غير عادية. فى السنة الثانية عشرة لحكم رمسيس الحادي عشر طلب من نائب الملك فى كوش بانحسي أن يهدئ الأوضاع فى طيبة بالاستعانة بالقوات التى تحت إمرته. تطورت الحملة الى انتفاضة ضد الفرعون تمكن خلالها بانحسى من توحيد كوش مع مصر العليا تحت حكمه الشخصي، لكن فُرض على بانحسى التراجع الى كوش فى العام التاسع عشر لحكم رمسيس الحادي عشر الذى عين نائباً جديداً للملك، وقد تتبع هذا الأخير بانحسي حتى الأطراف الشمالية لكوش لكنه أخفق فى القضاء عليه حيث ظل بانحسي سيداً هناك حتى وفاته. يبدو أن الحاميات العسكرية فى كوش كان قد تم إخلاؤها حين سار بانحسي الى مصر العليا فى العام الثاني عشر لحكم رمسيس الحادي عشر. احتمال أن يكون قد تم الاحتفاظ بالحكومة فى الأطراف الشمالية لكوش إلا أنه ونتيجة للانتفاضة فقد انشطرت منطقة النيل الأوسط بكاملها عن مصر وفقدت موقعها فى نظام إعادة التوزيع المصري. كانت النتائج بعيدة المدى حيث تم استعادة احتلال الأطراف الشمالية لكوش من قبل حكام طيبة بعد وفاة بانحسي وظلت تحت السيطرة المصرية حتى القرن الثامن ق.م. وتسببت الصراعات التى دارت فى المنطقة فى انخفاض درامي لعدد السكان وفى تقلص مواقع الإقامة الى مجرد محطات عسكرية يقيم فيها مرتزقة محليون. هاجر الموظفون المصريون الرسميون والكهنة من كوش. على الأقل يمكن القول بأن هجرة المعابد المصرية لا بدَّ وأن تكون قد عرقلت الى حد ما فى البداية مجمل البنية الاقتصادية. النتيجة النهائية كانت حدوث إفقار لم يتم تجاوزه إلا فى أعقاب ظهور وحدات سياسية أكبر مجدداً. # ماذا حدث بالفعل فى كوش فى القرون التالية؟:- تشير معلومات مصرية متفرقة الى محاولات مجددة لاستعادة السيطرة المفقودة على كوش فيما وراء الشلال الثاني وذهبها ومصادرها الطبيعية الأخرى، ولم يتم تحقيق نجاح دائم. ويمكن أن تكون الحملات المصرية قد أدت الى استيقاظ حاسة الحماية الذاتية وطورت نزعة لتوحيد الكيانات السياسية التى ظهرت الى الوجود بنهاية الاحتلال المصري. وقادت هذه النزعة الى بروز نزاعات داخلية قادت فى نهاية المطاف الى تلاحم الدولة الكوشية.لم تعد النشاطات الزراعية بحاجة الى وجود نظام المدينة المعبد المصري بعد أن تمَّ تبنى أشكال جديدة للبنية السياسية السلطوية. لكن على كل فان السيطرة على التجارة الخارجية لا بدَّ وأن تكون قد أصبحت مركز اهتمام النخب الحاكمة. بداية كان التحكم فى السلع العابرة الى الشمال كافياً إلا أن الوصول المباشر الى المصدر قاد الى إنجاز نشاطات عسكرية باتجاه الجنوب نقول مجدداً أن العلاقة التى تعكسها كتابات المتخصصين فى الدراسات المصرية تنحصر فى إطار فرضية واهنة بأن كوش كانت قوية عندما كانت مصر ضعيفة. بعيداً عن نظرية ملئ الفراغ السياسي فإن قوة "الهامش" المتزايدة يمكن أن تكون عنصراً فى انهيار السلطة فى مصر، من ثم فإننا نشعر بميل أكثر الى فرضيَّة معاكسة ترى أن القوة المتصاعدة لمملكة كرمة هى التى أدت فى نهاية المطاف الى إنهيار سلطة المملكة المصرية الوسطى فى كوش. # المراجع:- Осама Эль-Нур: О Древно Египтском Термине ђnt.hn.nfr.- Мероэ Проблемы Истоийи Культурных Связей Выпуск 1. T.Säve-Söderbergh: Preliminary Report on the Scandinavian Joint Expedition. Archaeological Investigations between Faras and Gamai, Jan.-March 1961.- Kush 10. Ch.Bonnet, L.Chaix, M.Honegger and C.Simon: Kerma, Les Fouilles archéologiques de Kerma (Soudan). 1993-1994 and 1994-195, Extrait de Geneve-Nouvelle Série- Tome XLIII, Geneve. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 هو الملك الأول المعروف من ملوك مملكة نبتة. بعد سنوات عديدة أعقبت وفاته، تضرع الملوك الى الإله آمون بأن يهبهم عمراً مديداً وحكماً مزدهراً مثل الذى وهبه الى الارا. نعلم من النقوش أنه أصبح ملكاً بعد صراع مرير مع منافسيه، وأنه كرس نفسه لعبادة آمون. يعتقد علماء الآثاريون أن النقشين الذين تم الكشف عنهما فى معبد آمون فى كوة "الواقعة على الضفة الشرقية لمدينة دنقلا العرضي"، ينتميان الى الارا. يشير النقشان الى أنه حكم على الأقل لمدة 23 سنة. ويرى الآثاريون أنه سيطر على كامل النوبة العليا وجعل من مدينة نبتة (جبل البركل) عاصمة دينية لمملكته. # مملكة "نبتة": البدايات الأولى للتأسيس:- لازالت غامضة أصول العملية الفعلية التى شكلت الدولة الكوشية النبتية. يبدو أن تلك العملية كانت محلية من حيث أصولها ومن حيث مجمل مسار تطور الدولة اللاحق. وكان الكتاب الإغريق والرومان الذين كتبوا بعد هيرودوت واضحين للغاية فى تأكيدهم بأن دولة نبتة لم تكن نتاج انتقال ثقافي تأصل فى مصر. والحق أن أعضاء الأسرة النبتية قد بدأوا مشروعهم لتحويل كوش الى دولة مركزية بأزمان سابقة على اتصالهم بمصر. بعد تأسيس الدولة وفرت لهم العلاقة مع مصر أدوات ونماذج بالإضافة الى بعض الموارد التى ساعدت فى عملية بناء الدولة احتمالاً. فكما أشار الباحث المجرى لازلو توروك اختار أولئك لحكام جوانب من الديانة المصرية لاستخدامها أداة لتشكيل المجتمع الكوشي فى دولة مركزية معقدة قائمة الى حد ما على النموذج المصري Török,1994. وكما أشار كاتسنلسون فان عالم التصورات، كما يتبدى فى المعمار الجنائزي بالكرو، الذى عكسته مدافن الملوك الكوشيين يلمح الى ثقافة كوشية فى الأساس متطورة بطريقتها الخاصة لكنها استوعبت تأثيراً مصرياً حيثما كان ذلك مرغوبا للكوشيين Katsznelson,1970. كذلك فان مجمل مسار ارتقاء الدولة المتبع تشكل فى الأساس فى ظروف داخلية، حتى الديانة المصريّة كما مارستها النخبة النبتية فإنها اعتمدت على طقوس ومعتقدات محلية كوشية. لجأ الحكام الكوشيون، نتيجة تناقض الخيارات التى تتبع وراثة العرش وبفعل تنظيم القطر على أساس نظام قائم على المشيخات أو الإمارات، الى تلك الجوانب من عقيدة الملوكية المصرية التى تؤكد على الاختيار الصحيح للملوك. فى المراحل الأولى للعصر النبتي تعكس أشكال الديانة المصرية فى مدافن الكرو معتقدات كوشية محلية. خلافاً للفراعنة المصريين الذين أعلنوا دوماً أن شرعية حكمهم مستمدة من امون رع، شدد الملوك الكوشيون على تحدرهم من سلفهم العظيم الارا وهو ما يعكس أسطورة للحكم تختلف عن الأسطورة المصرية. هكذا فإن الحكام الكوشيين تبنوا أساساً أسطورياًً محلياً مختلف عن الأساس الأسطوري المصري. تشير أقدم ثلاث عشرة مدفناً فى جبانة الكرو، والخاصة بأسلاف الملك كاشتا، الى الكثير من الشبه البالغ درجة التطابق مع المدافن المميزة لملوك كرمة شكلاً ومضموناً. إنها عبارة عن تلال مستديرة لم يتم النجاح فى تحديد المدفونين بها ذلك أن تلك المدافن كانت قد تعرضت للنهب فى القدم. تتجه المقابر من الشمال الى الجنوب، الرفات التى تم الكشف عنها فى مقبرة واحدة فقط اؤرخت بحوالى 800–780 ق.م. الميلاد. تمدد الجثمان فى وضع أشبه بالنائم على جانبه الأيمن لا فى تابوت وإنما على عنقريب. كل هذا يتطابق تماماً مع العادات الجنائزية المميزة لكرمة وفى مقابر المجموعة الثالثة مع عدم وجود أية دلائل تشير الى التحنيط. لاحقاً استبدل الكوم الترابي التلي الفوقي بشكل أشبه بالمسطبة مع بقاء المقبرة (حجرة الدفن) على ما كانت عليه دون تغيير أصابها، مع ملاحظة أن تلك المساطب شيدت فى الغالب كتلال فوقية. تأتي بعد المدافن التلية الثلاث عشرة ثلاث مساطب (الكرو7 و8 و20) خاصة بالملك كاشتا واثنتين من زوجاته. المسطبتان 7 و 8 أشبه فى شكلهما وخارطتهما بالمدافن التلية السابقة، لكنهما تختلفان من حيث أن حجرة الدفن اتخذت اتجاها شرق- غرب وليس شمال- جنوب. من ثم يتكرر هذا الاتجاه المميز للمدافن المصرية فى مدافن الملوك الكوشيين. لجأ الملك بيَّا والكثيرون من خلفائه، فى سعيهم تقنين شرعيتهم لوراثة التاج المصري، الى استعادة تقاليد المملكة المصرية السالفة وشيدوا لأنفسهم أهراماً بداية فى الكرو ومن ثم فى نوري وأخيراً فى البجراوية ، لكنه تم الإقلاع عن هذا التقليد الوافد مع مرور الزمن، اذ بمجرد أن انقطعت العلاقات مع مصر قويت النزعة الى العودة مجدداً الى تقاليد الدفن الكوشية المحلية...الردميات التلية الفوقية كشواهد على قبور الملوك والأمراء والزعماء. رغم أن شكل مقبرة بيَّا قد تغير وكذلك خليفتيه شاباكا و شاباتاكا و زوجاتهم فإنهم دفنوا وفق عادات أسلافهم- على عنقريب لا فى تابوت. للأسف فإننا لا نمتلك معلومات عن كاشتا و تانوت امانى. المرة الأولى التى يظهر فيها تقليد الدفن فى تابوت كانت فى عهد تهارقا لكن ظل الدفن الشائع على عنقريب. تم الإقلاع نهائياً عن تقليد الدفن فى تابوت بمجرد انهيار مملكة مروى، وكانت عادة ما يسمى بمدافن شاتي التى لا بدَّ فيها للعبيد أن يرافقوا سيدهم الى العالم الآخر قد أطلت مجدداً بفترة قصيرة قبيل انهيار مروى. هكذا سادت فى كوش على مدى الآف السنوات طقوس محلية لدفن الموتى. تبدلت هذه الطقوس فقط فى فترة الحكام الأوائل للأسرة الخامسة والعشرين الذين فرضوا سيادتهم على مصر. إلا أن تأثير العادات المصرية لم يدم طويلاًً حيث تمَّ استبعادها عودة الى التقاليد القديمة. وبالقدر نفسه بقيت التقاليد الخاصة بوراثة العرش دون تعديل اذ استمر التعاقب على العرش من الأخ لأخيه ومن الأخير لابن أخته. كما واستمرت بقايا التنظيم الأمومي وهو ما انعكس فى التأثير الذى تمارسه الملكة الأم الكنداكة. الارا وخليفته كاشتا هما أول ملكين من ملوك نبتة تمَّ تثبيت اسميهما، لكننا لا نعرف عنهما أكثر من ذلك شيئاً. أما أسلافهما فإننا لا نعرف حتى أسماءهم حيث لم يتم العثور فى المدافن التلية وفى المساطب السابقة للملك بيَّا فى الكرو على أية نصوص أو حتى نقوش قصيرة. يظهر اسم الارا وكذلك اسم زوجته- أخته كاساكا فى مسلة ابنتهما زوجة بيَّا الأميرة تابيرى. لقبَّ الارا فى هذه المسلة بالزعيم "أورو" وهو اللقب نفسه الذى أطلقه عليه تهارقا فى مسلتين عثر عليهما فى كوة، وكان تهارقا ابن أخت الارا المبجل. بعد ذلك يُذكر الارا فى نصوص الملكين إيريكى أمانوتى 431–405 ق.م. و نستاسن 335– 310 ق.م. بوصفه ملكاً. على كل فان اسم الارا أحيط فى تلك النصوص بالخرطوش الملكى. هنا قد يثار سؤال حول الاختلاف فى لقبه خاصة وأنه تم التمييز فى مسلة بيَّا بوضوح بين ألقاب الزعيم، والحاكم، والملك. بالطبع فان إعطاء إجابة محددة فى الوقت الراهن غير ممكنة، لكن يبدو أنه خلال فترة الارا لم تكن عملية توحيد كوش قد اكتملت أو أنها كانت قد اكتملت للتو، ومن ثم لم يستطع الارا إطلاق لقب ملك على نفسه كما فعل ذلك بكل شرعية كاشتا ومن بعده بيَّا. اكتفى الارا بلقب أسلافه كما كان إبان المملكتين الوسطى والحديثة. لاحقاً ومع تثبيت الأسرة فان أحفاد الارا البعيدين أضفوا عليه شرف الملوكية مؤكدين فى الوقت نفسه إضفاء اللقب على أنفسهم مثبتين له. يصعب تحديد الامتداد الشمالي لمملكة نبته فى عهد الارا، وهناك احتمال بأن يكون جزء من النوبة السفلى، إن لم تكن كلها، تابعة له، أما حدودها الجنوبية فاحتمالاً أن تكون قد امتدت الى مروى (البجراوية) حيث وجدت مدافن تتطابق ومدافن الكرو يرجع تاريخها الى فترة الارا. قطعاً فان البطانة قد تمَّ استيعابها فى مملكة نبتة فى أيام كاشتا وبيََّا وهو ما تؤكد عليه الأسماء المروية، فقد كان اسم قائدين فى جيش بيَّا، ليميرسكنى وإريكتاكانا، كما أن محافظ مدينة طيبة المصريَّة فى فترة حكم بيََّا كان اسمه كلباسكن، وتتردد الأسماء المرَّوية بكثرة فى عهد الملك أسبالتا. وفى نقش عثر عليه فى سمنة ورد اسم ملكة كوشيَّة مبكرة هى (( كاديمالو ))* -كاريمالا فى قراءة أخرى-، مما يشير الى أن البطانة كانت قد أصبحت متحدة مع نبتة عبر التزاوج. وكان الباحث موركوت أشار الى أن نشوء مملكة نبتة كان نتاجاً للحرب الأهلية المندلعة بين المشيخات الكوشية المتصارعة على السلطة، ونتاجاً للتزاوج الأسري بين عدد من زعماء المشيخات المختلفة Morkot,1994 ونعتقد أن المعطيات المتوفرة حالياً تؤكد على احتواء البطانة تحت سلطة مملكة نبتة بفترة سابقة لاستيلاء نبتة على مصر. إنه ولانجاز مثل ذلك الاحتواء كان لا بدَّ من وجود إما تحالف سياسي أو تزاوج أسرى أو نشاط عسكري مكثف. لكن ما هى فوائد التوسع جنوباً؟ هل هى فقط الثروات الزراعية والرعوية الكامنة فى البطانة؟ نعتقد أنه بالإضافة الى كل ذلك فان السلع الترفية من أبنوس وعاج وجلود وما الى ذلك شكلت دوماً أهمية فى عمليات التبادل التجاري مع مصر وبقية العالم الخارجي. تشير سجلات التوسع الآشوري فى غرب آسيا الى السلع التى قدمتها مدن البحر الساحلية، من بين تلك توجد القرود وغيرها من السلع المجلوبة الغريبة، لكن الأبنوس والعاج وجلود الأفيال كانت الأهم من بينها. شهدت فترة القرن العاشر- الثامن ق.م. ازدهار صناعة العاج فى غرب آسيا فى كل المدن الفينيقية الساحلية ومدن شمال سوريا، ومعروف الآن أن الفيل السوري المحلى كان قد انقرض قبل ذلك التاريخ، ومن ثمَّ علينا أن نسأل عن مصدر ذلك العاج. تشير المادة الى أن العاج الذى صنع هناك هو من نوع الفيل الأفريقي الغابي. التجارة بين مصر ومدينة بيبلوس فى عصر الفرعونين ششنق الأول وأسركون الأول مشهودة، وكذلك فى أزمان لاحقة مع اشدود و سيدون و تير. غض النظر عما اذا كانت جلود الأفيال والعاج تجلب الى غرب آسيا عن طريق النيل الى مصر بداية أم مباشرة عبر طريق البحر الأحمر، فان المصدر كان لا بدَّ أن يكون سافانا السودان الأوسط. تثير الآثار الأشورية، التى لا تجد اهتماما فى الكتابات المتخصصة التى يسطرها علماء الدراسات المصرية المهتمين بتاريخ كوش، العديد من التساؤلات. تشير العديد من الأدلة الى الإسهام الأجنبي فى سلاح الفرسان والمركبات الحربية فى الجيش الأشورى، من بين تلك الأدلة نصوص تشير الى الجياد الكوشية كور- كو- ساسا المخصصة لجر المركبات الكبيرة، ووصفت النقوش المتأخرة تلك الجياد بأنها كبيرة الحجم. بالإضافة الى الجباد الكوشية أشارت النقوش الى عدة الجياد الكوشية، كما أشارت أيضاً لوجود الكوشيين فى البلاط الآشوري فى وقت مبكر من عهد تجلات بليسار كأخصائيين للخيول Morkot,1994. وباعتقادنا أن ربط الأدلة الكوشية بالأدلة الأشورية، والتى لن نسترسل هنا فيها، تشير الى أن الكوشيين كانوا يربون الجياد ويصدرونها، ويبدو أن إقليم دنقلا كان هو المكان الأمثل لمزاولة مثل هذا النشاط. يجب ألا ننسى أنه فى الأزمان الحديثة المبكرة كانت دنقلا مركزاً لتربية الجياد، وأن مك دنقلا دفع جزية لسلطان الفونج فى سنار جياداً. *(( كاديمالو )):- انظر أسفل الموضوع لمعرفة المزيد المثير عن الملكة (( كــاديمالو ))... السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 [SIZE=4]# التاريخ: القرن الثامن قبل الميلاد # موقع النقش: معبد الإله الكوشى ديدون والفرعون تحتمس الثالث. واجهة المعبد، بالقرب من المدخل فى الغرب. # ببليوغرافيا: Grapow H., 1940, 76: 24-41 ; Dunham-Janssen, 1960:10 المنظر فى يسار النقش الى اليمين: الإلهة إيزيس النص أمام إيزيس ومن فوقها (فى أربعة أعمدة، القراءة من اليسار الى اليمين)؛ (1) (بالتالى) تقول إيزيس، أم الآلهة، عين (2) رع، سيدة كل الآلهة، " أنا وضعت(3)الراحة فى قلب زوجة الملك وإبنة الملك كا(4) [ديمالو، المبرأة من الإثم]". فى مواجهة إيزيس: الملكة كاديمالو النص أمام كاديمالو وفوقها (فى عمودين، القراءة من اليمين الى اليسار): (1) زوجة الملك العظيم وبنت الملك كادي (2) مالو، المبرأة من الإثم: " صلى، وتقبلى زهرات اللوتس". النص أمام كاديمالو (عمود واحد، القراءة من اليمين الى اليسار): زوجة الملك العظيم ملك مصر العليا ومصر السفلى وابنة الملك. خلف الملك رسم لأنثى (يتجه الى اليمين): سا ودجت نب عنخ تا # النص:- (1) العام الملكى 14، >الشهر< 2 من الشتاء، اليوم 9 من الشهر. قال جلالته لزوجة الملك العظيم (و) إبنة الملك، كتيملو، المبرأة من الإثم، " إننا قد رفعنا الى أعلى، مع أننا لا نعمل ضمن خدم آمون، هناك يوجد (2) عدو، وــ لفعل شئ "طيب" (فى) العام الذى حدث لنا، آمون سببه ليحدث لهم، هناك لا...... يتسبب فى حدوثه لنا، هناك كان زعيم.... إنه..... فى حوزته، آمون يفعل ــ ــ ــ (3) الناس الذين يصطادون الطائر المائى.... انى....أقوم بأداء القداس لآمون، الواحد الذى يفعل، لم أشحذ عقلى لأتذكر الحدث الذى وقع لى فى هذا العام، عندما أومأ آمون برأسه موافقاً (عن طريق الوحى) على إعتلائى (أنا) العرش، استعيد الى الذاكرة (4)..... آبائى (الأوائل) [ــ ــ] نحن يسرعون الىَّ بعد ذلك (مرتين) أفعل ذلك فى جبال الذهب ثم أعرف فى هذا العام، أيا قوة السحر [ــ ــ] عن طريق زوجة عظيمة (5) .... ثلاثون زعيماً [ــ ــ] إنه لشئ سئ للفرعون أن ــ مع سيفه الأحدب إنتبه، فالخوف والتراجع شئ جيد، عد الى الجبهة، كل المتمردين تم دحرهم، أولئك [ــ] الذين (6) استقبلوهم، صنعهم. ثم... هذا العام فيما يخص الحدث الذى وقع لى. أما بالنسبة لآبائهم (الأوائل) الذين كانوا يهابون منا، كل متمرد (محتمل) كان هادئاً ساكناً، إنهم بخير سوياً مع زوجاتهم. (7) إنه لشئ جيد فعل الأذى ــ هو لا يعرفه؛ إنه لشئ سئ فعل الأذى ــ الناس الذين يصطادون الطائر المائى عندما يعرفون أنه سوف ــ هو الذى يعيش. أنظر، نحن ... الشر. (8) وهم لا يزالون أحياء. إنه شئ سئ فعل الخير، الظلم والكذب الإفادة التى قيلت... الحياة/القسم... أنظر، إنه لجيد لآمون... رغم أنه ليس مكانه. أما بالنسبة لمن يفعل ... مكان آخر،... حتى (9) الوقت الحالى. انها تخص الـ ــ منهم/ آبائى، أنظر، ليس جيداً أن تسوق قطيع مواشى آمون يومياً؛ (لكن) جيد أن تذبح "لـ" قطيع آمون [ــ ــ] ماكاراشا (10) كل أهل المدينة يلعنون ماكاراشا يومياً. إنه..... مثل ذلك كلياً.... إذ لم [ــ ــ] هو. الشر (11) يصل الى قلبه بالطريقة التى يصل بها الى الجيش إنه ذلك الذى يفعل الخير لكل الأرض سئ...الذى..(12).... (13).... # ملاحظة جيمس حول ترجمته للنص الى الإنجليزية James 1993:233:- الترجمة المقدمة هنا يمكن وصفها على أفضل وجه سلسلة من السرد لكلمات عسيرة مع شرح لها وتخمينات، ذلك أننى فى الحقيقة لا أفهم هذا النص. من الناحية النحوية، حسب ما أستطيع إقناع نفسى أننى نجحت فى التعرف على ترتيب كلمات الجمل، يبدو النص نموذجاً للقسم الثاني من اللغة المصريَّة (المصرية المتأخرة الى القبطية) وفق فيرنوس [انظر Vernus,1979:81-82]. فى هذا الخصوص فإن النص يتوافق مع سلسلة من النقوش النبتية المبكرة التى يصفها بريسى Priese1970:24-25 بأنها كتبت بلغة مصربة متأخرة والتى يرى أن آخرها (أي تلك النقوش) هو نقش النصر الخاص بالملك بيَّا. عندما تنشر الدراسة الإبيجرافية التى أجراها كامينوس لهذا النص فى هذا المجلد الخاص بسمنة، فإننا نتوقع أن نقف على قاعدة أكثر موثوقية يمكن على أساسها تركيب ترجمة. تعقيب لازلو توروك على النص:- النص والمنظر المرافق له قد تمَّ تركيبهما فوق منظر أصلى على واجهة المعبد الذى شيده تحتمس الثالث. ومع أن الملكة كاديمالو والملك غير المسمى فى النص لايمكن مطابقتهما بأى شخصية تاريخية مشهودة فى مصادر مستقلة، ويشير الأسلوب وتفاصيل محددة من النص الى تاريخ يرجع للمرحلة الإنتقالية الثالثة؛ ويربط الإسم المروى للملكة كدى-ملو = "السيدة الطيبة" [انظر Macadam in Dunham-Jenssen1960:10] الوثيقة بمنطقة النيل الأوسط . إرجاع تاريخ النقش للمرحلة المتأخرة أو بدقة أكثر الى فترة مابعد المملكة المصريَّة الحديثة وإرتباطه بتاريخ كوش مقبول بصورة عامة؛ لكن، نسبة لإستحالة ترجمة متماسكة، لم يقدم تفسير تاريخى [انظرGrapow1940; Morkot 1991]. يمثل المنظر،Grapow 1940 اللوحتين الثانية والثالثة، الملكة كاديمالو وأميرة أمام إيزيس. تضع الملكة غطاء رأس على هيئة نسر يعلوه قرص شمس مع أشرطة تتدلى على الظهر؛ وتلبس ثوباً مزدوجاً شفافاً بأكم قصيرة، وعقد عريض على الرقبة وأسورة. فى يدها اليمنى تمسك بصولجان [ايمات im't أو ختس hts انظر Troy1986:189ff.] وفى يدها اليسرى مدرس يدوى. مثلها مثل الأميرة من خلفها ، تلبس أيضاً حلق أذن نجمى الشكل من النوع المعروف من تصاوير الملكات الكوشيات للفترة مابعد الأسرة الخامسة والعشرين [انظرTörök 1987:nos 31,59,64f.,87a.89,109]. يحمى جسمها الإله النسر نخبت وعلى رأسه تاج آتف فارداً جناحيه فوق رأس الملكة. بين صورتى الإلهة والملكة رسمت ثلاث مناصب للقرابين وجه منصب منها للملكة وآخر نحو إيزيس (لاحظ إتجاه تدفق السائل المسكوب وكؤوس زهرة اللوتس). بالتالى، فى حين تقدم الملكة اللوتس للإلهة (انظر النص أمام شكل كاديمالو وخلفه)، فإنها أيضاً مستفيدة من القرابين. المؤشر الإيكونوجرافى الدال على كونها كانت قد توفيت فى وقت نحت رسم المنظر يدعمه نعتها بـ "ماعت هرو" أى المبرأة من الإثم. النص، الذى لازال مستعصياً أمام محاولات ترجمته بصورة متماسكة، يبدأ بتأريخه بالعام الملكى 14، الشهر الثاني للشتاء، اليوم التاسع لملك غير مسمى يشير الى نفسه بجلالته (العمود 1) وفرعون (العمود 5) ويسجل مخاطبته الموجهة الى زوجة الملك العظيم وإبنة الملك، كاديمالو. واصفاً نزاعات ذات طبيعة مبهمة مرتبطة بمتمردين، ومناجم ذهب، وقطعان مواشى آمون، يبدو أن الملك يسعى الى كسب دعم الملكة (المتوفاة)، مشيراً الى سحرها القوى (العمود 4، النهاية). قارب جرابو لغة النقش بلغة برديَّة نسيخون التى تحمل الرقم [PCairo 58032,Cat.Gen.Mus.Caire I,132] والذى نشره جن وهو عبارة عن مرسوم لآمون حاول فيه بينودجم الثاني، زوج نسيخون الذى ظل حياً، ضمان أن لا تقوم زوجته المتوفاة بإيذائه من العالم السفلى [انظر Ĉerny 1962:39,1999]. مع أن الحالتين مختلفتين، إلا أن النصين يستندان الى تفسيرات متشابهة للسحر وتعكسان ذات المفهوم الخاص بقيام المتوفى بدور الوسيط أو القوة الخطيرة فى عالم الأحياء. ومع أنه منحوت فى واجهة معبد، فإن نوع النص صروحى جزئياً. التاريخ، والأقسام القصصيَّة، والتلميحات التى تلصق الكذب بالعدو (العمود 8)، والعبارات المؤولة أخلاقياً (الأعمدة 5،7،8،9) تعكس معرفة بأنماط النقوش الملكية للمملكة المصرية الحديثة، ومع ذلك فإن تأثير النصوص السحرية جلى وواضح. ومع أن المنظر يصور الملكة كاديمالو محمية بالإلهة النسر لمصر العليا مقتنية الحقوق الملكية التقليدية المميزة لملكات المملكة الحديثة المتأخرة لابسة ثوبها بذات أسلوبهن (مثال تصوير نفرتارى مريت موت، زوجة رمسيس الثاني، فى أبى سميل Desroches-Noblecourt-Kuentz 1968,Pl.33 ؛ وفى المقبرة 66 فى وادى الملكات فى طيبة: Lange-Hirmer 1967 Pl.LVI،) ومع أن وجود الأميرة قد يكون قصد منه التعبير عن مفهوم الثنائية الانثوية [انظر Troy 1986:107ff.] إلا أن اسمها برغم ذلك لم يكتب فى خرطوش ملكى، مع أن ألقابها ملكية. تلك المفارقات تعكس بيئة دالة على أن النوبة السفلى كانت فكرياًً تحت تأثير مصر العليا بخاصة طيبة لكنها فى الوقت نفسه تشير الى العزلة. البنية التاريخية يمكن تحديدها إفتراضياً فقط. إنَّ ظهور ملك وملكة مستقلين فى النوبة السفلى أمر يمكن تصوره فى الفترة المتأخرة من حكم رمسيس الحادى عشر عندما ثار، فى العام الملكى التاسع عشر، نائب الملك فى كوش بانحسى فى العام السابع عشر ضد ملكه، وأجبر على التراجع الى النوبة السفلى [انظر Jansen-Winkeln 1992] حيث أسس حكمه الخاص. استقلال النوبة السفلى عن طيبة كان، على كل، مؤقتاً فحسب؛ وبعد وفاة بانحسى يبدو أنها أصبحت تحكم مجدداً عن طريق نواب الملك فى كوش الذين يعينهم حكام الأسرة الحادية والعشرين، والثانية والعشرين، والثالثة والعشرين [انظر :Habachi 1979]. آخر نائب للملك فى كوش، باميو، موثق فى حوالى 775-750 ق.م. Aston-Taylor 1990:147f.؛ ويمكن أن يكون منصبه قد زال كنتيجة مباشرة لظهور قوة جديدة فى النوبة . مع حلول عهد كاشتا (حوالى 760-747 ق.م.) أصبحت منطقة نبتة ومروى متحدة فى مملكة واحدة؛ وفى فترة من حكمه، غير مؤرخة تحديداًً للأسف، ظهر كاشتا فىمصر العليا وادعى الملوكية على مصر. الملكة كاديمالو، السيدة المؤصلة حسب إسمها من منطقة المتحدثين باللغة المروية فى الجنوب، يمكن أن ترتبط بالزحف الشمالى للمملكة الكوشية الوليدة التى جهزت الأرضية لظهور كاشتا فى مصر العليا. بالطبع يستحيل التقرير عما إذا كانت كاديمالو إبنة لملك كوشى وزوجة لملك كوشى آخر، وبالتالى يمكن أن تكون منتميَّة الى عائلة أحد الخلفاء المباشرين لكاشتا نفسه، أم أنها تحدرت من أسرة ملكية كوشية لكنها كانت زوجة لملك من ملوك النوبة السفلى. غض النظر عن من كان زوجاً لكاديمالو، فإن الملك غير المسمى فى نقش سمنة يدعى بأنه كان ملكاً شرعياً عن طريق وحى آمون (العمود 3) وفق دوغما الملوكية المصرية التى تم تبنيها أيضاً من قبل الأسرة الكوشية. # المراجع:- D.Dunham and J.M.A.Janssen, Second Cataract Forts, vol. 1. Semna-Kumma. Boston. H.Grapow, Die Inschrift der Königin Katimala am Tempel von Semne,- Zeitschrift für ägyptische Sprache und Altertumskunde 76. T.G.H.James, Obituary of R.A.Caminos.- Journal of Egyptian Archaeology 79. P.Vernus, Deux particularités de l’Ėgyptien de tradition: NTY IW+ PRESENT 1; WNN.F HR SDM NARRATIF. Colloques internationaux du C.N.R.S. No.595.- L’Ėgyptologie en 1979. Axes prioritaires de rechreches 1. K.H.Priese, Der Beginn der kuschitischen Herrschaft in Ägypten.- Zeitschrift für ägyptische Sprache und Altertumskunde 98. R.Morkot, The Empty Years of Nubian History. In: P.James et al.:Centuries of Darkness. A Challenge to the Conventional Chronology of Old World Archaeology. London. L.Troy, Patterns of Queenship in Ancient Egyptian Myth and History. Uppsala. L.Török, The Royal Crowns of Kush. A Study in Middle Nile Valley Regalia and Iconography in the First Millennia BC and AD. Cambridge Monographs in African Archaeology 18. Oxford. J.Černy, Egyptian Oracles. In: R.A.Parker ‘A Saite Oracle Papyrus from Thebes in the Brooklyn Museum (Papyrus Brooklyn 47.2810.3). Providence. Desroches-Kuntz 1968, Le petit temple d’Abou Simbel. Le Caire. K.Lange and M.Hirmer, Ägypten. München. K.Jansen-Winkeln,(recently, soon be named). A.Habachi, Königssohn von Kusch. Lexikon der Ägyptologie III. D.A.Aston and J.H.Taylor, The Family of Takeloth III and the "Theban" Twenty-third Dynasty, In: A.Leahy (ed.): Libya and Egypt c1300-750 BC. London. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 [CENTER][SIZE=6]الارا. بينة دالة على حكمه ALARA: EVIDENCE FOR REIGN ترجمة د. أسامة عبدالرحمن النور[/CENTER] كان الارا العضو الأول فى أسرة ملوك كوش الذى احتفظ الزمن لنا بإسمه. ذكر بداية فى نص المسلة الجنائزية للملكة تابيرى، التى كانت إبنة لها أنجبها من كاساكا. وقد زوجها لـ بيَّا. ذكر الارا مرة ثانية بوصفه أخاً لجدة تهارقا وذلك فى نقشى كوة IV السطر 16 ومابعده، وكوة VI السطر 23 ومابعده. كذلك ذكر فى مسلة إيريكى أمانوتى من النصف الثانى للقرن الخامس ق.م.(كوة IX السطر 54). ثم ذكر أخيراً، فى الثلث الأخير للقرن الرابع ق.م.، فى مسلة هورسيوتف. سلف بيَّا كان أباه كاشتا كما تشير الى ذلك مسلة تبنى نيتوكريس Caminos,1964 وألقاب أخت بيَّا وزوجته بكاستر، وهى إبنة كاشتا، أنظر عضادة الباب التى نشرها شيفر Schafer,1906 وفينيك Wenig,1990 بالتالى يكون الارا فيما هو محتمل سلفاً لكاشتا Dunham-Macadam,1949; Kitchen,1986 لقد افترض دائماً أن التوارث فى أسرة ملوك كوش كان "متلازماً"، أى أن الملك يخلفه على العرش شقيقه الأصغر ومن هذا الأخير ينتقل العرش الى إبن الأخ الأكبر وهكذا Dunham-Macadam,1949; Leclant,1979; Kitchen,1986 وعليه فقد طرحت فرضية أن الارا وكاشتا أخوان Dunham-Macadam,1949; Priese,1974; Wenig,1979 مثل هذه العلاقة ليست مشهودة مباشرة، على كل، لكن يمكن إفتراضها إذا تمكنا من مطابقة جدة تهارقا غير المسماة، أخت الارا مع أخت كاشتا وزوجته (انظر نقش ابيدوس الخاص بها والمحفوظ بمتحف الأشمولين فى أكسفورد تحت الرقم PE3922) على أية حال ماكان التوريث المتلازم هو الأسلوب الأوحد فى الأسرة الكوشية لكنه تبادل مع التوريث الأبوى لتفسيرات البينة انظر Priese,1981 حيث يقوم بإعادة تركيب نموذج من النظام الأمومى يتزوج فيه الملوك إخواتهم ويصبح أبناء الأخوات الورثة الشرعيون للعرش. ويرى موركوت Morkot,1992 أن أنظمة الحكم قائمة على التسلسل الأسرى المتعاقبة "العشيرة الأبوية" والعشيرة الأمومية"؛ فى حين يفترض لازلو توروك أن الوراثة تعاقبت بين نسل فرعين للأسرة نفسها، أى نسل بيَّا وشاباكو، كما وينشئ توروك إعادة تركيب لمفهوم الشرعية عن طريق الخط الأمومى. فى المسلة الجنائزية لتابيرى والتى نقشت خلال حكم بيَّا، كُتب إسم الارا داخل خرطوش ملكى. فى نقشيّ كوة المذكورين IV-VI ذكر الارا بوصفه "أور"(زعيم)، لكن فى الوقت نفسه كُتب إسمه داخل خرطوش ملكى مسبوقاً بلقب "سا- رع" (إبن الإله رع). تشير تلك النصوص الى طقس تكريس أخته، جدة تهارقا، الى آمون بحيث يضمن الشرعية لنسلها. رغم أنه، كما هو مشهود من إستمراريَّة الجبانة الملكيَّة فى الكرو Dunham,1955 حيث دفن الارا وخلفاؤه، لم يكن الارا الحاكم الأول فى خطه، فإن نقش تهارقا يصوره مؤسساً لأسرة الملوك الكوشيين الذين أصبحوا أيضاً حكاماً على مصر. الطقس الذى ربط به الارا أخته بآمون يشير الى توجه دينى وسياسى فى آن معاً نحو مصر، ويشير الى تأسيس نظام جديد للتوريث. كل تلك التحولات تُعلم نهاية دولة القبيلة وظهور المملكة. يأتى التحول أيضاً تعبيراً عن المنظور المزدوج فى إشارة تهارقا الى الارا فى نصى كوة، فقد نُظر اليه فى النصين من منظور رتبته الفعلية زعيماً لدولة قبيلة وفى الوقت نفسه من منظور حفيده تهارقا الذى يستمد ملوكيته من الارا ومن ثم يمنحها الخرطوش الملكى ولقب سا- رع. ذكرى الارا مؤسساً لأسرة تثار مجدداً فى النقوش الملكيَّة فى القرنين السابقين للميلاد الخامس والرابع. # المراجع:- R.A.Caminos, The Nitocris Adoption Stela.- Journal of Egyptian Archaeology 50. H.Schäfer, Die sogenannte ‘Stèle de l’excommunication’ aus Napata.- Klio 6. St.Wenig, Pabatma-Pekereslo-Pekartror. Ein Beitrag zur Frühgeschichte der Kuschiten. Meroitica 11. K.A.Kitchen, The Third Intermediate Period in Egypt (1100-650 BC.) 2nd Edition. Warminister. D.Dunham and M.F.Laming-Macadam, Names and Relationships of the Royal Family of Napata,-Journal of Egyptian Archaeology 35. J.Leclant, Kuschitenherrschaft. Lexikon der Ägyptologie III. St.Wenig1997, Kaschta.- Lexikon der Ägyptologie III. K.H.Priese, Die Statue des napatanischen Königs Aramatelqo (Amtelqa) Berlin, Ägyptisches Museum Inv.-Nr. 2249. In: Festschrift zum 150 jährigen Bestehen des Berliner Ägyptischen Museums. Berlin. K.H.Priese1981, Matrilineare Erbfolge im Reich von Napata.- Zeitschrift für ägyptische Sprache und Altertumskunde 108. R.Morkot, Kingship and kinship in the empire of Kush. Preprint of papers of 7th International Conference for Meroitic Studies, Berlin. D.Dunham, Nuri. Boston السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 اقتباس:أولا لم يقم الليبيين بغزو مصر وهزيمة شعبها كما خيل لك [SIZE=4]أراك لم تجب على سؤالي، سألتك سؤالا محددا.. إن لم يقم الليبيون بغزو مصر، فأثبت لي نسب الفرعون ( تفنخــت)!! وأنصحك أن تستند بمرجع متوافق عليه.. اقتباس:معلوماتك عن فترة حكم "بعنخي" صحيحة لحد ما... يا مولاي، معلوماتي عن \"فترة حكم ((بعنخي))\" موثوقة، بل وأذهب لأكتر من كده -محاولة لجر رجلك لتصارع مرجعي-، إن (بعنخي) هو أول من أخضع مصر ووحد وادي النيل، وحكم دولة من البحر الأبيض وحتى الحبشة (وهو ما لم يستطع أن يقوم به أحد الفراعنة المصريين)!!، ومع ذلك فإن ما دفع الكوشيون للعودة إلى عاصمتهم لم يكن المصريون!! لا، بل كان التوغل والغزو الآشوري بقيادة (آشور بن بال)!! اقتباس:اذا كان الاسكندر عامل اهل الفرس معاملة قاسية ونظر للديانة الذرداشتية على انها دين بدعة ودمر معابد النار المقدسة بجبل "سابلان" وهدم الضريح المرمري في "ناخشي –رستم" وانزل الذل لغالبية الشعوب التي اخضعها يا سيدي هل قاوم أهل مصر حينها كما قاوم الفرس؟؟!! أتحدث من منطلق تأريخي، فالمقاومة الشديدة التي لقيها الاسكندر من أهل فارس دفعته للجوء غلى العنف في قمع الثورة.. في حين نجد أن كل من أراد غزو مصر لا يجد أبدا مقاومة تذكر، ابتداءا بالهكسوس، الاسكندر، آشورنبال، بعنخي، تراهقا، مرورا بعبدالله بن أبي السرح، المماليك، الفاطميين، الانجليز -بإستثناء ثورة أحمد عرابي البطل التي أقمعت دون تحقيق هدفها-!! بل، نجد أن تحرر مصر من غزاتها دائما يهدى لهم من قبل أجانب!!! اقتباس:وما علم لدينا الا واخذناه من مصر، كما يقول افلاطون أتسمح أن تمدني بمرجع هذه المقولة؟ اقتباس:كذلك الطبقة البرجوازية الاغريقية التي تأثرت وهي في بلادها باسلوب الحياة المصري. ؟؟؟؟؟ :nocomment: ؟؟؟؟؟ اقتباس:والسودان هو امتداد طبيعي لمصر , وصدقني لان يستطيع السودان العيش بدونه او مصر العيش بغيره أتفق معك تماما، فكيف يمكن لمصر الإستغناء عن قمح السودان، ونيل السودان، وتأمين السودان لحدود مصر... يكفي أنه لولا تنازل السودان لمصر عن جزء كبير من أراضيه التي ضمتها مصر، لما رأى (الســـد العـــالي) النور!! وعلى الرغم من أن هناك اتفاقا كان بأن ينير السد العالي مصر والأردت وشمال السودان -كحق طبيعي لما تفضل به على مصر من منحها جزء كبير من أرضه-، إلا أن الإخلال من قبل المسؤولين المصريين بوعدهم لإنارة شمال السودان لم يكن عائقا أمام علاقة طرفي وادي النيل أبدا!! اقتباس:وكانت غلطة عندما قرر السودانيين الانفصال عنه عام 56 , فحالهم من بعد الانفصال مرير , ولا اعرف لماذا وصفت الاتحاد بينه وبين مصر "مرحلة استعمارية" فلولا محمد على باشا الكبير , لبقى السودان في نفق الجهل والعتمة. يا سيدي العارف لتاريخ مصر والسودان، يعلم تماما ويفهم الشخصية السودانية. قالشخصية السودانية محبة للحرية بشكل عام، ودائما ما تبدع في تنظيم الثورات لطرد مستعمرها أو قاهرها!! للتدليل:- 1) طرد الثورة المهدية للإستعمار العثماني-الانجليزي-المصري من السودان بالقوة، وتأسيس دولة مدنية وطنية مدة 11 عاما كاملا (1887-1898)، قبل عودتهم مرة أخرى في تجمع ضخم للجيش الملكي البريطاني، للأسف متحالفا مع المصري.. ومن الطبيعي أن تنهزم ثورة سلاح أبيض أمام السلاح الناري ومدفع (المكســيم)!! في حين أن الاخوة المصرييون دائما ما يوفرون الأمن والإستقرار لمن يستعمرهم!! ولا يشكلون مصدر تهديد لثورة عنف أو كفاح مسلح لمن يحكمهم.. وبالتالي فإني أتفهم تساؤلك عن رغبة السودانيون في الانفصال والتحرر!! والذي يدعو للمرارة، أن السودانيين كانوا دائما منذ هجمات (الهكسوس) في التاريخ القديم محررو مصر من محتلهم وقاهرهم... في حين أنا نجد أن الأشقاء في شمال الوادي دائما ما يعاونون من يريد الهجوم على السودان!! 2) احدى الأسباب التي دفعت بالسودانيون للتصويت ضد الوحدة مع مصر، هو ما رأوه من الكبت والدكتاتورية وعدم الوفاء الذي طبق بعد ثورة الضباط الأحرار، فما بين سجن واعتقال وتصفية، واقامة جبرية وتنحية للواء/ محمد نجيب... خشي السودانيون من أن يتم التعامل معهم بنفس الطريقة... وهم الشعب الثائر المقاوم الذي يتحول لموج هادر يزيح كل من تجبر أو قهر.. أتمنى أن تكون هذه الكللمات أجابت على بعض تساؤلاتك!! ودمتـــم....... [COLOR=Yellow] |