حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$archive_pages - Line: 2 - File: printthread.php(287) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(287) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 287 eval
/printthread.php 117 printthread_multipage
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد (/showthread.php?tid=35026)

الصفحات: 1 2 3


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - هاله - 10-25-2009

شكرا أستاذ بهجت على ردك التوضيحي و على الاشارة لذلك الشريط الذي لم أكن أعرف بوجوده -فهو غير الذي تكلمت أنا عنه- و بالطبع تسعدني قراءته.

Emrose


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - بهجت - 10-25-2009

الإسلام السياسي في خدمة الإمبريالية
سمير أمين


الحوار المتمدن - العدد: 2185 - 2008 / 2 / 8

عن الإنكليزية: محمد الجندي
جميع التيارات التي تدعي الانتماء إلى الإسلام السياسي تعلن "خصوصية الإسلام"، وفي رأيهم الإسلام لا يعرف أي فصل بين السياسة والدين، وهو أمر يفترض أنه مختلف عن المسيحية، ولا يفيد في شيء أن يذكرهم المرء، كما فعلتُ، أن ملاحظاتهم تعيد كلمة فكلمة تقريباً ما قاله الرجعيون الأوروبيون في بداية القرن التاسع عشر (مثل بونالد BONALD وميتر MAISTRE) لإدانة الفصل الذي أحدثه التنوير ENLIGHTENMENT والثورة الفرنسية في تاريخ الغرب المسيحي.
على أساس ذلك الموقف يختار كل تيار من الإسلام السياسي أن يقود معركته على أرضية الثقافة، غير أن "الثقافة" قلصت في الواقع الحالي إلى قول اصطلاحي بالانتماء إلى دين محدد. وفي الحقيقة مناضلو الإسلام السياسي لا يهتمون بمناقشة الدوغما (العقائد) التي تؤلف الدين. التأكيد الشعائري على العضوية في الجماعة هي كل ما يشغلهم.
ومثل هذه الرؤية للواقع في العالم المعاصر ليس مؤلماً فقط بسبب الفراغ الواسع الذي ينطوي عليه للفكر، وإنما أيضاً لأنه يبرر استراتيجية الإمبريالية في إحلال ما يسمى بصراع الحضارات بديلاً للصراع بين المراكز الإمبريالية والأطراف المهيمن عليها. إن التشديد الوحيد على الحضارة (الثقافة) يسمح للإسلام السياسي بأن يحذف من كل مجالات الحياة المواجهات الاجتماعية الواقعية بين الطبقات الشعبية والنظام الرأسمالي العالمي الذي يضطهدهم ويستغلهم. مناضلو الإسلام السياسي لا وجود حقيقياً لهم في المجالات التي تجري فيها صراعات اجتماعية واقعية، وقادتهم يكررون باستمرار أن مثل تلك الصراعات لا أهمية لها. الإسلاميون موجودون فقط في مجالات المدارس المفتوحة والمستوصفات الصحية، ولكن ليست هذه سوى أعمال إحسان، وسوى وسيلة للتخريب. إنها ليست وسيلة لدعم كفاح الطبقات الشعبية ضد النظام المسؤول عن فقرهم.
على أرض المسائل الاجتماعية الحقيقية يقف الإسلام السياسي في خندق الرأسمالية والإمبريالية المهيمنة، إنه يدافع عن مبدأ الطبيعة المقدسة للملكية، ويجيز عدم المساواة وكل متطلبات إعادة الإنتاج الرأسمالي، ودعم الإخوان المسلمين في البرلمان المصري للقوانين الرجعية الحديثة التي تعزز حقوق ملكية المالكين على حساب حقوق المزارعين المستأجرين (ويؤلفون أغلبية الفلاحين الصغار) ليس سوى مثال بين فئات أخرى. لا يوجد مثال ولو قانوناً رجعياً واحداً، مقراً في أي بلد إسلامي عارضته الحركات الإسلامية. زيادة على ذلك، مثل تلك القوانين تقر وتنشر بموافقة قادة النظام الإمبريالي. الإسلام السياسي ليس ضد الإمبريالية، حتى ولو ظن مناضلوه عكس ذلك ! إنه حليف ثمين للإمبريالية، وهذه تعرف ذلك، ومن السهل أن يفهم المرء والحالة هذه، أن الإسلام السياسي بقي دوماً في صف الطبقة الحاكمة السعودية والباكستانية، عدا عن ذلك كانت تلك الطبقات منذ البداية الأولى من بين أنشط المشجعين له.
البرجوازية الكومبرادورية المحلية، والأغنياء الجدد، المستفيدين من العولمة الإمبريالية الحالية يدعمون الإسلام السياسي بسخاء، وهذا تخلى عن المنظور المعادي للإمبريالية، واستبدله بالموقف "المعادي للغرب" (تقريباً "المعادي للمسيحية")، الذي لا يفعل بداهة سوى أن يقود المجتمعات ذات العلاقة إلى مأزق ولا يؤلف بالتالي عائقاً لنشر السيطرة الإمبريالية على النظام العالمي.
الإسلام السياسي ليس فقط رجعياً في بعض المسائل (ولا سيما فيما يتعلق بوضع المرأة)، وربما هو مسؤول عن التعصب المتطرف الموجه ضد المواطنين غير المسلمين (مثل الأقباط في مصر)، إنه رجعي بأساسه، ومن الواضح بالتالي أنه لا يستطيع المساهمة في التقدم في تحرير الشعب.
تطرح مع ذلك ثلاث مبررات لتشجيع الحركات الاجتماعية جملة للدخول في حوار مع حركات الإسلام السياسي، الأول هو أن الإسلام السياسي يعبئ جماهير شعبية عديدة، لا يمكن تجاهلها أو احتقارها. ثمة صور عديدة تعزز حتماً هذا الطرح، لكن يجب على المرء أن يحافظ على صفاء ذهنه، وأن يقوّم بشكل صحيح التعبئة المعنية. "النجاحات" الانتخابية، التي نظمت توضع في حجمها حالما تخضع لمزيد من التحليل الدقيق. أذكر هنا مثلاً، النسبة الكبيرة من الامتناع عن التصويت ـ أكثر من 75% ! ـ في الانتخابات المصرية. إن قوة الشارع الإسلامي هي إلى حد كبير مجرد الصورة المعكوسة لضعف اليسار المنظم، الغائب عن المجالات التي تحصل فيها الصراعات الاجتماعية الجارية.
حتى ولو قبل المرء أن الإسلام السياسي يعبئ حالياً أعداداً كبيرة، أذلك يبرر الاستنتاج أن اليسار يجب أن يحاول ضم المنظمات الإسلامية السياسية في تحالف من أجل العمل الاجتماعي أو السياسي، إذا كان الإسلام السياسي يعبئ بنجاح أعدادا كبيرة من الناس، فهذا مجرد واقع، وأي إستراتيجية سياسية فعالة يجب أن تدخل ذلك الواقع في اعتباراتها وفي مقترحاتها وفي خياراتها. أما محاولة التحالف، فليس وسيلة للتعامل مع ذلك التحدي. ويجدر التدليل أن منظمات الإسلام السياسي ـ الإخوان المسلمين بوجه خاص ـ لا يسعون إلى مثل ذلك التحالف، بل إنها ترفضه. إذا حصل أن اعتقدت بعض المنظمات اليسارية السيئة الحظ بالصدفة، أن المنظمات الإسلامية السياسية قبلتهم، فإن أول قرار تتخذه هذه بعد النجاح في الوصول إلى السلطة، يكون تصفية الحليف العبء بعنف مفرط، كما كان الأمر في إيران مع المجاهدين وفدائيي خلق.
والمبرر الثاني الذي يطرحه أنصار "الحوار" هو أن الإسلام السياسي حتى ولو كان رجعياً في الأمور الاجتماعية، فهو "معاد للإمبريالية". لقد سمعت القول، إن المقياس لذلك الذي اقترحه (وهو الدعم غير المحدود للمعارك، التي تخاض من أجل التقدم الاجتماعي) هو (أي المقياس) "اقتصادي"، ويهمل الأبعاد السياسية للتحدي الذي يواجه شعوب الجنوب. أنا لا أعتقد أن هذا الانتقاد صحيح، إذا ما أخذ في الاعتبار ما قد قلته عن الديمقراطية وعن أبعاد الردود المرغوبة للتعامل مع ذلك التحدي.
وأقبل أيضاً أن القوى الفاعلة ليست بالضرورة ثابتة في طريقتها في التعامل مع الأبعاد السياسية والاجتماعية في ردها على التحدي الذي يواجه شعوب الجنوب، وبذلك من الممكن أن يتصور المرء إسلاماً سياسياً معادياً للإمبريالية، رغم أنه رجعي على الصعيد الاجتماعي. يقفز إلى الذهن فوراً هنا إيران وحماس في فلسطين، وحزب الله في لبنان، وبعض حركات المقاومة في العراق. سوف أناقش هذه الحالات الخاصة فيما بعد. وما أخالفه هو أن الإسلام السياسي ككل هو ببساطة تامة ليس معادياً للإمبريالية، وإنما يقف إجمالاً خلف القوى المهيمنة على الصعيد العالمي.
المبرر الثالث يلفت نظر اليسار إلى ضرورة محاربة كره الإسلام، وأي يسار جدير بهذا الاسم لا يستطيع أن يتجاهل مسألة الضواحي، أي معاملة الطبقات الشعبية التي من أصل مهاجر، في عواصم الرأسمالية المتطورة المعاصرة، وتحليل ذلك التحدي والردود التي صدرت عن مختلف الجماعات (الأحزاب المهتمة ذاتها، اليسار الانتخابي الأوروبي، اليسار الراديكالي) ليس من اهتمام هذا المقال. سأكتفي بشرح وجهة نظري المبدئية: الرد التقدمي لا يمكن أن يكون مبنياً على مأسسة الطائفية communitarianism، التي هي جوهرياً وبالضرورة مرتبطة باللامساواة، وفي النهاية تنبع من الثقافة العنصرية نتيجة إيديولوجية للثقافة السياسية الرجعية للولايات المتحدة، بدأت الطائفية (المنتصرة الآن في بريطانيا العظمى) في تسميم الحياة السياسية في القارة الأوروبية. كره الإسلام Islamophobia الذي تصعده بشكل كامل قطاعات كبيرة من النخبة السياسية وأجهزة الإعلام، هو جزء من إستراتيجية لإدارة التمايز الاجتماعي لصالح رأس المال، لأن ما يفترض أنه احترام للتمايز في الواقع ليس سوى وسيلة لتعميق الانقسامات داخل الطبقات الشعبية.
• مأسسة الطائفية communitarianism نظرية سياسية مبنية على "الهويات الثقافية الجماعية" كأساس لفهم الواقع الاجتماعي الديناميكي ـ الناشر.
• مسألة ما يسمى مشكلة الجوارات (الضواحي) هي خاصة، وخلطها مع مسألة الإمبريالية (أي الإدارة الإمبريالية للعلاقات بين المراكز الإمبريالية المهيمنة والأطراف المهيمن عليها)، كما يجري أحياناً، لا يساهم في شيء في التقدم في كل من المجالين المختلفين كلياً، ذلك الخلط هو جزء من الأدوات الرجعية، ويعزز كره الإسلام، الذي بدوره يجعل من الممكن إجازة كلا الأمرين: الهجوم ضد الطبقات الشعبية في المراكز الإمبريالية، والهجوم ضد شعوب الأطراف ذات العلاقة، وهذا الخلط وكره الإسلام بدورهما يقدمان خدمة ثمينة للإسلام السياسي الرجعي، بإعطائه مصداقية لخطابه المعادي للغرب. وأقول: إن المعركتين الإيديولوجيتين الرجعيتين، اللتين يصعدهما على الترتيب اليمين العنصري في الغرب والإسلام السياسي اللذين يدعمان بعضهما البعض، في الوقت الذي يدعمان فيه الممارسات الطائفية.
الحداثة والديمقراطية والعلمانية والإسلام
الصورة التي تقدمها المناطق العربية والإسلامية عن نفسها اليوم، هي تلك التي الدين (الإسلام)، هو في الواجهة لجميع المجالات في الحياة الاجتماعية والسياسية، لدرجة يبدو فيها أن من المستغرب تصور أن يكون الأمر مختلفاً. أغلبية المراقبين الأجانب (قادة سياسيين وإعلاميين) يستنتجون أن الحداثة، بل وربما الديمقراطية، يجب أن تتكيف مع الحضور القوي للإسلام، ومع الاستبعاد الواقعي للعلمانية. إما أن تكون هذه المصالحة ممكنة ويكون من الضروري دعمها أو لا تكون، ويكون التعامل مع هذه المنطقة من العالم كما هي. أنا لا أشترك مطلقاً بذلك، بما يسمى بالرؤية الواقعية. المستقبل ـ في الأفق البعيد للاشتراكية المعولمة ـ هو لشعوب هذه المنطقة مثله للشعوب الأخرى، الديمقراطية والعلمانية. المستقبل هو ممكن في هذه المناطق مثله في مناطق أخرى، ولكن لا شيء مضموناً وأكيداً في أي مكان.
الحداثة هي شرخ في تاريخ العالم، دخلت أوروبا خلال القرن السادس عشر. الحداثة تطرح أن الكائنات الإنسانية هي المسؤولة عن تاريخها، فردياً وجماعياً، وتقطع صلتها والحالة هذه مع الإيديولوجيات، التي كانت سائدة قبل الحداثة. الحداثة إذن تجعل الديمقراطية ممكنة، وتقتضي في نفس الوقت العلمانية، بمعنى فصل الديني عن السياسي. إن الربط المعقد بين الحداثة والديمقراطية والعلمانية، الذي صيغ في عصر التنوير، ونفذته الثورة الفرنسية، كانت تقدماته وتراجعاته هي التي صاغت منذئذ العالم المعاصر، غير أن الحداثة بذاتها ليست فقط ثورة ثقافية.
لقد اشتقت معناها فقط من خلال العلاقة الوثيقة، التي كانت لها بميلاد الرأسمالية وبنموها فيما بعد، وهذه العلاقة رسمت الحدود التاريخية للحداثة "القائمة واقعياً". الصيغ الواقعية للحداثة والديمقراطية والعلمانية وجدت اليوم وجوبها ثم هي معتبرة منتجات للتاريخ الواقعي لنمو الرأسمالية. لقد أخذت شكلها من خلال الشروط الخاصة، التي يتم فيها التعبير عن سيطرة رأس المال ـ التوافقات التي تحدد مضامين الكتل المهيمنة (التي أسميها المجرى التاريخي للثقافات السياسية).
هذا التقديم المكثف لفهمي للمنهج المادي التاريخي وارد فقط لتحديد مكان مختلف الطرق في تركيب الحداثة الرأسمالية، والديمقراطية والعلمانية في إطارها النظري.
التنوير والثورة الفرنسية طرحاً نموذجياً للعلمانية الراديكالية. ملحد أو لا أدروي AGNOSTIC، جبري DEIST أو مؤمن (مسيحي في هذه الحالة)، الإنسان حرّ في الاختيار، والدولة لا تعرف شيئاً عن ذلك.
في القارة الأوروبية ـ وفي فرنسا ابتداء من عودة الملكية ـ التراجعات والتسويات التي جمعت سلطة البرجوازية مع سلطة الطبقات المسيطرة في الأنظمة ما قبل الحديثة، كانت الأساس للصيغ المخففة من العلمانية، التي فهمت على أنها تسامح، مع عدم نفي الدور الاجتماعي للكنائس من النظام السياسي. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد نتج عن مسارها التاريخي الخاص تشكيل ثقافة سياسية رجعية بأساسها، العلمانية الحقيقية فيها غير معروفة عملياً. الدين معترف به هنا كفاعل اجتماعي والعلمانية مختلطة مع تعددية الديانات الرسمية (أي دين ـ حتى المذهب ـ هو رسمي).
ثمة رباط واضح بين درجة العلمانية الراديكالية القائمة ودرجة دعم تشكيل المجتمع وفقاً للموضوع المركزي للحداثة. اليسار، سواء كان راديكالياً أو حتى معتدلاً، الذي يؤمن بجدوى السياسة في توجيه التطور الاجتماعي في اتجاهات مختارة، يدافع بقوة عن مفاهيم العلمانية، واليمين المحافظ يطرح أن يتاح للأمور التطور على مسارها الخاص، سواء كانت المسألة تتعلق بالاقتصاد أو بالسياسة، أو بالمجتمع. وفيما يتعلق بالاقتصاد الاختيار لصالح "السوق" هو بداهة لصالح الرأسمال. وفي السياسة الديمقراطية الضعيفة الشدة أصبحت القاعدة، التوريث حل محل التبديل، والمجتمع في هذا الإطار، السياسة فيه لا تحتاج العلمانية ـ "الطوائف" تعوض عن الثغرات في الدولة. السوق والديمقراطية التمثيلية يصنعان تاريخاً ويجب أن يتاح لها القيام بذلك. ففي اللحظة الحالية من تراجع اليسار، هذه الصيغة من الفكر الاجتماعي سائدة على نطاق واسع، في صياغات تعزف السلم الموسيقي من لدى تورين حتى لدى نيغري، بل الثقافة السياسية الرجعية للولايات المتحدة تذهب بعيداً في شل مسؤولية الفعل السياسي. التأكيد المتكرر بأن الله يهدي الأمة "الأمريكية، والانتماء الواسع لهذا "الإيمان"، يقلص حتى مفهوم العلمانية إلى اللاشيء، والقول إن الله يصنع التاريخ هو في الواقع إتاحة للسوق كي تصنعه.
ومن وجهة النظر هذه، أين هم شعوب منطقة الشرق الأوسط ؟ إن صورة الملتحين الذين يركعون، ومجموعات النساء المحجبات، تعطي نتائج متسرعة لشدة الانتماء الديني لدى الأفراد. "الثقافيون" الغربيون الأصدقاء، الذين ينادون بالتنوع في الأديان، نادراً ما يكتشفون العمليات التي تقوم بها السلطات، كي تقدم الصورة التي تلائمها. هنالك حتماً من هم "مجنونون بالله". هل هم نسبياً أكثر عدداً من الكاثوليك الإسبان الذين يقومون بمسيرات في الفصح ؟ أو من الحشود الواسعة التي تصغي إلى الإذاعات الإنجيلية في الولايات المتحدة ؟ ...
على أية حال؛ المنطقة لم تعطِ دوماً هذه الصورة عن ذاتها، بصرف النظر عن الفروق بين بلد وبلد، فإن منطقة كبرى يمكن تحديدها بدءاً من مراكش وحتى أفغانستان، متضمنة جميع الشعوب العربية (باستثناء شعوب شبه الجزيرة العربية)، الأتراك والإيرانيون والأفغان، وشعوب جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة، إمكانات نمو العلمانية فيها هي أبعد من أن تكون مهملة. الوضع مختلف بين الشعوب المجاورة الأخرى، عرب شبه الجزيرة وباكستان.
في هذه المنطقة الأكبر وسمت التقاليد السياسية بقوة التيارات الراديكالية للحداثة: أفكار التنوير، الثورة الفرنسية، الثورة الروسية وشيوعية الأممية الثالثة، كل ذلك كان ماثلاً في أذهان كل فرد، وكان أهم بكثير من برلمانية وستمنستر، مثلاً إن هذه التيارات المهيمنة أوحت بأغلب نماذج التحول السياسي الذي قامت به الطبقات الحاكمة، التحول الذي يمكن وصفه في بعض جوانبه بصيغ للاستبداد المتنور.
كان ذلك حتماً هو الحالة في مصر محمد علي أو الخديوي إسماعيل. الكمالية في تركيا والتحديث في إيران كانا متشابهان. الشعبوية القومية في المراحل الأحدث من التاريخ تنتمي إلى نفس الأسرة من المشروعات السياسية الحداثية. أشكال النموذج عديدة (جبهة التحرير الوطني الجزائرية، البورقيبية التونسية، الناصرية المصرية، البعثية في سوريا والعراق)، ولكن كانت قيادة الحركة متشابهة. ظاهرياً التجارب المتطرفة ـ ما يسمى بالأنظمة الشيوعية في أفغانستان واليمن الجنوبي ـ كانا واقعياً غير مختلفين كثيراً. كل هذه الأنظمة أنجزت الكثير، ولهذا السبب كان لها دعم شعبي واسع، ولهذا؛ مع أنها ليست ديمقراطية حقيقية، فقد فتحت الطريق لتطور ممكن في هذا الاتجاه. في بعض الظروف، مثل تلك التي كانت في مصر من 1920 حتى 1950، جرت محاولة لتجربة ديمقراطية انتخابية، مدعومة من قيادة معتدلة معادية للإمبريالية (حزب الوفد)، ويعارضها السلطة الإمبريالية المسيطرة (بريطانيا العظمى) والحلفاء المحليون (الملكية). العلمانية التي طبقت بأشكالها المعتدلة، للعلم، لم تكن مرفوضة من الجمهور، بالعكس كان رجال الدين هم الذين كانوا معتبرين ظلاميين لدى الرأي العام، وأغلبهم كانوا كذلك.
التجارب الحداثية، من الاستبداد التنويري إلى الشعبوية القومية الراديكالية، لم تكن نتيجة الصدفة. الحركات القومية التي كانت مسيطرة في الطبقات الوسطى خلقتها، وبهذه الطريقة عبرت تلك الطبقات عن إرادتها في أن تُرى شريكاً ناضجا في العولمة، وهذه المشاريع التي يمكن وصفها بالبورجوازية الوطنية كانت حداثية، وتحمل العلمانية وتنطوي على كونها حاملاً للتطورات الديمقراطية، ولكن لأن تلك المشاريع كانت بالضبط تتعارض مع مصالح الإمبريالية المهيمنة، قامت هذه بمحاربتها من دون هوادة، وبشكل كامل، وجندت القوى الظلامية المنحدرة من أجل ذلك الهدف.
تاريخ القرن الماضي على يد البريطانيين والملكية لسد الطريق على الوفد الديمقراطي والعلماني، والعودة الجماعية من المنفى السعودي بعد وفاة عبد الناصر، المرتبة من قبل المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A. والسادات، هي أيضاً معروفة جيداً. ونحن كلنا نعرف تاريخ طالبان التي شكلتها المخابرات المركزية في باكستان، لكي تحارب "الشيوعيين" الذين فتحوا المدارس لكل إنسان، للصبيان والبنات. ومعروف أيضاً جيداً أن الإسرائيليين دعموا حماس في البداية لإضعاف التيارات الديمقراطية والعلمانية في المقاومة الفلسطينية.
إن الإسلام السياسي كان يمكن أن يجد صعوبة أكبر بكثير في اجتياز حدود العربية السعودية وباكستان، لولا دعم الولايات المتحدة المستمر، القوي الحازم. المجتمع العربي السعودي لم يكن قد خرج من التقاليد عندما اكتشف البترول تحت ترابه، والتحالف بين الإمبريالية والطبقة الحاكمة التقليدية، الذي تم فوراً، أبرم بين الشريكين وأعطى حقاً جديداً بالحياة للإسلام السياسي الوهابي، ومن جهتهم نجح البريطانيون في شق الوحدة الهندية بإقناع القادة المسلمين بإقامة دولتهم الخاصة، فوقع هؤلاء في فخ الإسلام السياسي في ولادته الأولى، ويجب التنويه أن النظرية التي منحت الشرعية لذلك ـ المنسوبة إلى المودودي ـ كانت قد صيغت بالكامل على يد المستشرقين الإنكليز في خدمة جلالته.
• أصل القوة الحالية للإسلام السياسي في إيران لا يبدو بنفس الصلة التاريخية، مع التآمر الإمبريالي لأسباب تناقش في القسم التالي ـ الناشر.
وبذلك من السهل أن يفهم المرء المبادرة التي قامت بها الولايات المتحدة لشق الجبهة المتحدة من الدول الإفريقية والآسيوية، التي أقيمت في باندونغ عام 1955، بإنشاء المؤتمر الإسلامي الذي دعت إليه مباشرة منذ العام 1957 العربية السعودية وباكستان، والإسلام السياسي دخل إلى المنطقة بهذه الطريقة.
وأقل ما يمكن استنتاجه من الملاحظات التي قدمناها، هو أن الإسلام السياسي ليس نتيجة عفوية لتعلق الشعوب ذات العلاقة بالقناعات الدينية الأصلية. إن الإسلام السياسي هو من فعل الإمبريالية الكامل مدعوماً بالطبع من قوى الرجعية الظلامية ومن الطبقات الكومبرادورية التابعة لها، وكون هذا الواقع للأمور هو أيضاً من مسؤولية القوى اليسارية، التي لا ترى ولا تعرف كيف تتعامل مع هذا التحدي، فيبقى لا جدال فيه.
المسائل المتعلقة ببلدان خط الجبهة (أفغانستان، العراق، فلسطين، إيران)
مشروع الولايات المتحدة، المدعوم لدرجات مختلفة من حلفائها الأتباع في أوروبا واليابان، هو أن تقيم سيطرة عسكرية فوق كامل الكوكب، وبهذا الهدف في الذهن اختير الشرق الأوسط منطقة ل"الضربة" الأولى لأربعة أسباب: 1 ـ إنه يضم أغزر الموارد البترولية في العالم وسيطرة الولايات المتحدة العسكرية المباشرة عليه تمنح واشنطن موقعاً متميزاً، يجعل حلفائها ـ أوروبا واليابان ـ وربما المنافسين (الصين) في وضع غير مريح بسبب الارتباط بحاجاتها من الطاقة. 2 ـ ويقع على تقاطع الطرق في العالم القديم ويجعل من الأسهل نصب تهديد عسكري دائم للصين وللهند ولروسيا. 3 ـ المنطقة تعاني فترة ضعف وتشوش، تسمح للمعتدي أن يكون واثقاً من النصر السهل، على الأقل في المرحلة الأولى. 4 ـ وجود إسرائيل في المنطقة، الحليف غير المشروط لواشنطن. هذا العدوان وضع البلدان والأمم الواقعة على خط الجبهة (أفغانستان، العراق، فلسطين، إيران) في وضع خاص بأن تكون مدمرة (الثلاثة الأولى) أو مهددة (إيران).
أفغانستان
أفغانستان شهدت أفضل فترة في تاريخها الحديث خلال ما يسمى بالجمهورية الشيوعية، كان ذلك نظام استبداد حداثي وتنويري، فتح النظام التربوي للأطفال من الجنسين. كان معادياً للظلامية، ولهذا السبب كان له دعم حاسم في المجتمع. الإصلاح الزراعي الذي قام به كان بأغلبه مجموعة من الإجراءات الهادفة لتقليص سلطات القادة القبليين وطغيانهم، ودعم الأغلبية الفلاحية ـ على الأقل ضمناً ـ كان من شأنه أن يضمن النجاح المحتمل لهذه البداية الجيدة للتغيير، والدعاية التي نشرها الإعلام الغربي وكذلك الإسلام السياسي، والتي تصور هذه التجربة الشيوعية على أنها إلحادية وشمولية، رفضها الشعب الأفغاني. الواقع، النظام لم يكن ضعيف الشعبية، وكان يشبه نظام أتاتورك في أيامه.
وواقع أن قادة هذه التجربة في كلا التكتلين الرئيسيين (خلق وبارشام)، كانوا يصفون أنفسهم بالشيوعيين ليس مستغرباً. إن نموذج التقدم الذي أنجزته شعوب آسيا الوسطى المجاورة (رغم كل ما قيل في الموضوع، ورغم الممارسة الأوتوقراطية للنظام) بالمقارنة مع الكوارث الاجتماعية الجارية عبر الإدارة الإمبريالية البريطانية في بلدان مجاورة أخرى (ومنها الهند وباكستان)، والتي كان لها هنا وفي بلدان عديدة أخرى في المنطقة تأثير في تشجيع الوطنيين على تقويم مدى العائق، الذي تشكله الإمبريالية لأي محاولة للتحديث، والدعوة من جانب أحد التكتلين للسوفييت، كي يتدخلوا ليتخلصوا من الآخرين كان لها حتماً تأثير سلبي، وأحبطت الإمكانات من أجل مشروع حداثي قومي شعبوي.
الولايات المتحدة وحلفاؤها في الثلاثي كانوا عموماً خصوماً ألداء للحداثيين الأفغان، شيوعيين أم لا، هم الذين جندوا القوى الظلامية من الإسلام السياسي، نموذج باكستان (طالبان)، وأمراء الحرب (قادة القبائل الذين أخمدهم ما يسمى بالنظام الشيوعي)، والذين دربوهم وسلحوهم. حتى بعد الانسحاب السوفييتي برهنت حكومة نجيب الله عن قدرة على المقاومة، ربما كانت ستنتصر لولا الهجوم الباكستاني الذي أتى ليدعم طالبان، ثم هجوم قوى أمراء الحرب المعاد تشكيلها التي زادت الفوضى.
لقد سحقت أفغانستان بتدخل الولايات المتحدة وحلفائها والعملاء الإسلاميين بوجه خاص. أفغانستان لا يمكن إعادة بنائها في ظل سلطتهم المتسترة خلف مهرج لا جذور له في البلاد، أسقط بالمظلة من تكساس ترانسناشنال، التي كان موظفاً فيها. "الديمقراطية المفترضة" التي باسمها واشنطن والناتو والأمم المتحدة دعوا إلى النجدة، المطروحة لتبرير استمرار وجودهم (احتلالهم في الواقع) كانت كذبة منذ البداية، وأصبحت تهريجاً كبيراً.
ثمة حل وحيد للمشكلة الأفغانية، جميع القوى الأجنبية يجب أن تغادر البلاد، وكل القوى يجب أن تجبر على وقف وإنهاء تسليح عملائها، ولمن يعبرون بحسن نية عن خوفهم عن أن الشعب الأفغاني سوف يعاني دكتاتورية طالبان (أو أمراء الحرب)، أرد بأن الوجود الأجنبي كان حتى الآن وسيبقى دعماً لتلك الدكتاتورية! كان الشعب الأفغاني يتحرك في اتجاه مغاير ـ ربما أفضل ما يمكن ـ في وقت كان فيه الغرب مجبرا على أن يكون أقل اهتماماً بشؤونه. لقد فضل الغرب المتمدن دوماً الاستبداد الظلامي، الأقل خطراً بكثير على مصالحه، على استبداد "الشيوعيين" التنويري.
العراق
دبلوماسية الولايات المتحدة المسلحة، كان لديها دوماً هدف تدمير حرفي للعراق قبل الذرائع، التي أعطيت بزمن كبير لفعل ذلك في مناسبتين: غزو الكويت في 1990، ثم بعد 11 أيلول 2001 ـ المستغل لهذا الغرض لدى بوش مع نفاق وأكاذيب من نموذج غربلز ("إذا قلت كذبة كبيرة بشكل كافٍ وبقيت تكررها، ينتهي الشعب عملياً بأن يصدقها"). السبب لهذا الهدف هو بسيط ولا علاقة له بالخطاب، الذي يدعو إلى تحرير الشعب العراقي من دكتاتورية صدام حسين الدموية (والوصف حقيقي بشكل كافٍ). إن العراق يمتلك جزءاً كبيراً من أفضل الموارد البترولية في الكوكب.
وما هو أكثر من ذلك، نجح العراق في تدريب كادرات علمية وتقنية، كانت قادرة عبر كتلتها الحدية، أن تدعم مشروعاً قومياً غنياً ومتماسكاً، وهذا الخطر كان يجب إزالته بحرب وقائية، أعطت الولايات المتحدة لنفسها الحق بشنها متى وأنى تقرر، دون أي احترام للقانون الدولي.
وغير هذه الملاحظة الواضحة يجب فحص عدة مسائل جدية: 1 ـ كيف يمكن أن يبدو مخطط واشنطن ـ حتى لفترة تاريخية قصيرة ـ فاقع النجاح وسهلاً ؟ 2 ـ أي وضع جديد نشأ ويواجه الأمة العراقية اليوم ؟
3 ـ أي ردود يواجه بها مختلف السكان العراقيين التحدي ؟ 4 ـ أي حلول يمكن أن تطرحها القوى الديمقراطية والتقدمية العراقية والعربية والدولية ؟
إن فشل صدام حسين كان متوقعاً، والشعب الذي واجهه عدو ميزته الرئيسية تكمن في قدرته على فعل الإبادة دون عقاب بالقصف الجوي (واستخدام الأسلحة النووية يأتي)، لديه رد فعال ممكن وحيد: القيام بالمقاومة على أرضه المغزوة. نظام صدام كان مندفعاً في حذف كل وسيلة دفاع في يد شعبه عبر التدمير الكامل لأي تنظيم ولأي حزب سياسي (بدءاً من الحزب الشيوعي) صنع تاريخ العراق الحديث، ومن الجملة البعث نفسه، الذي كان أحد الفاعلين الأساسيين في ذلك التاريخ. ليس مستغرباً ضمن هذه الشروط أن يسمح الشعب العراقي بغزو بلده دون معركة، بل بعض التصرفات (مثل المشاركة في الانتخابات التي نظمها الغازي، أو انفجار القتال بين الأخوة، بين الأكراد والعرب الشيعة) تبدو إشارات على الرضى المحتمل بالهزيمة (الذي اعتمدت عليه واشنطن في حساباتها)، ولكن ما هو جدير بالتنويه هو أن المقاومة على الأرض تزداد قوة كل يوم (رغم كل الضعف الجدي، الذي ظهر لدى مختلف قوى المقاومة، التي جعلت من المستحيل إقامة نظام أذناب قادر على الحفاظ على مظاهر نظام؛ بشكل قد برهن على فشل مشروع واشنطن.
غير أن وضعاً جديداً نشأ مع الاحتلال العسكري الأجنبي. الأمة العراقية هي حقيقية في خطر. واشنطن غير قادرة على الاستمرار في السيطرة على البلاد (بشكل تنهب فيه المواد البترولية، مما يؤلف الهدف الأول)، من خلال حكومة وطنية شكلية. الطريقة الوحيدة لتتابع مشروعها هي إذن تمزيق البلد. تقسيم البلد إلى ثلاث دول على الأقل (كردية وعربية سنية وعربية شيعية) كان ربما منذ البداية هدف واشنطن، بالتحالف مع إسرائيل (الأرشيف سوف يكشف حقيقة ذلك في المستقبل).
الآن "الحرب الأهلية" هي الورقة التي تلعبها واشنطن لإعطاء الشرعية لاحتلالها. من الواضح أن الاحتلال الدائم كان ـ ويبقى ـ الهدف: فهو الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها واشنطن ضمان السيطرة على الموارد البترولية. حتما لايمكن إعطاء أي مصداقية لتصريحات واشنطن عن النيه في "سنرحل عن البلاد حالما يعاد الأمن". يجب أن يتذكر المرء أن البريطانيين لم يقولوا يوماً عن احتلالهم مصر منذ 1882، سوى أنه مؤقت (واستمر حتى 1956) وأثناء ذلك الولايات المتحدة حتما تدمر ،يوماً بعد يوم، البلاد، مدارسها، مصانعها، إمكاناتها العلمية، مستخدمة كل الوسائل ومنها الجرمية.
الرد الذي يصدر عن الشعب العراقي على التحدي ـ كما يبدو على الأقل ـ ليس على مستوى مواجهة جدية الوضع ... هذا أقل ما يمكن أن يقال. ما هي أسباب ذلك ؟ الإعلام الغربي المسيطر يكرر لدرجة القرف أن العراق هو بلد مصطنع، وأن السيطرة الاضطهادية لنظام صدام حسين "السني" على الشيعة والأكراد هو السبب في الحرب الأهلية التي لا مفر منها (والتي يمكن ردعها، ربما فقط باستمرار الاحتلال الأجنبي). المقاومة محصورة إذن بعدد قليل من الإسلاميين العنيدين الموالين لصدام في المثلث السني. لا شك أن من الصعب أن يخرز المرء مغالطات عديدة بهذا المقدار مع بعضها في خيط.
عقب الحرب العالمية الأولى لقي البريطانيون صعوبة كبرى في هزم الشعب العراقي، وبالانسجام الكامل مع تقاليدهم الإمبراطورية استورد البريطانيون ملكية وأنشأوا طبقة من الملاكين الكبار لدعم سلطتهم، وإلى جانب ذلك أعطوا وضعاً مميزاً للسنة، ولكن رغم جهودهم الكلية فشل البريطانيون. الحزب الشيوعي وحزب البعث كانا القوتين السياسيتين المنظمتين الرئيسيتين اللتين هزمتا سلطة الملكية "السنية"، التي كان يكرهها الجميع، السنة والشيعة والأكراد. والتنافس العنيف بين تلكما القوتين، الذي ملأ الفترة بين 1958 و 1963 انتهى بانتصار حزب البعث، الذي رحبت به الدول الغربية كنجدة. المشروع الشيوعي كان يحمل في طياته إمكانية التطور الديمقراطي؛ ولم يكن الأمر كذلك لدى البعث. الأخير كان قومياً وعربياً pan-arabe في المبدأ، وكان معجباً بالنموذج البروسي في بناء الوحدة الألمانية، ويجند أعضاءه من البورجوازية الصغيرة العلمانية الحداثية، المعادية لتعبيرات الدين الظلامية. وفي السلطة تطور البعث بشكل متوقع إلى دكتاتورية كانت فقط نصف معادية للإمبريالية، بمعنى أنها تعتمد على الأوضاع الدولية والظروف، والصفقة يمكن أن تقبل لدى الشريكين (السلطة البعثية في العراق والأمبريالية الولايات المتحدة المسيطرة في المنطقة).
الصفقة شجعت جنون العظمة لدى القائد، الذي تصور أن واشنطن سوف تقبل بأن تجعله الحليف الرئيسي في المنطقة، ودعم واشنطن لبغداد (البرهان على ذلك تزويده بالأسلحة الكيميائية) في الحرب الجرمية ضد إيران منذ 1980 إلى 1989، بدا وكأنه دليل على صدق تلك الحسابات. صدام لم يتصور يوماً خداع واشنطن، وأن تحديث العراق غير مقبول لدى الإمبريالية، وأن القرار بتدمير البلد قد اتخذ، ووقع صدام في الفخ المفتوح عندما أعطى له الضوء الأخضر لضم الكويت (التي كانت واقعياً أيام العثمانيين جزءاً من الولاية التي تؤلف العراق، وفصلها الإمبرياليون البريطانيون لجعلها إحدى مستعمراتها البترولية). العراق خضع بعدئذ لعشر سنوات حصار هادفة إلى استنزاف البلاد حتى آخر نقطة لتسهيل غزو القوات المسلحة الأمريكية الزاهر للفراغ الناتج.
الأنظمة البعثية المتتالية، ومن الجملة الأخيرة في مرحلة انحداره تحت قيادة صدام، يمكن أن تتهم بكل شيء، ما عدا كونها حركت الفتنة بين السنة والشيعة. مَنْ إذن المسؤول عن الاصطدامات الدموية بين الطائفتين ؟ يوماً ما سوف نعرف حتماً، كيف أن المخابرات المركزية الأمريكية (والموساد دون شك) نظمت العديد من تلك المجازر، لكن من دون ذلك، صحيح أن الفراغ السياسي الذي خلفه نظام صدام، والمثال الذي قدمه عن الأساليب الانتهازية اللا مبدئية قد شجعت الطامحين بعده من كل نوع إلى السلطة، كي يتبعوا نفس الطريق، المحمي غالباً من المحتل، بل ربما أحياناً كانوا من السذاجة ليعتقدوا أن باستطاعتهم أن يكونوا في خدمة سلطة الاحتلال. الطامحون المذكورون. إن قادة دينيين (شيعة أو سنة) يفترض أنهم "وجهاء" قبليون، أو رجال أعمال فاسدون إلى درجة كبيرة، صدرتهم الولايات المتحدة، وليس لهم أي صلة بالبلاد. حتى أولئك القادة الدينيون، الذين يحترمهم المؤمنون لم يكن لهم نفوذ سياسي مقبول لدى الشعب العراقي، لولا الفراغ الذي خلفه صدام لم يكن أحد يعرف أسماءهم. هل ستكون لدى القوى السياسية الأخرى القومية وذات الشعبية الحقيقية، بل وربما ديمقراطية، وسيلة لإعادة بناء ذاتها، وهي تواجه العالم السياسي الجديد الذي خلقته إمبريالية العولمة الليبرالية ؟
كان ثمة وقت كان فيه الحزب الشيوعي العراقي البؤرة من أجل تنظيم أفضل ما يمكن أن ينتجه الشعب العراقي. كان الحزب الشيوعي موجوداً في كل زاوية من البلاد، ويسيطر على عالم المثقفين، غالباً من أصول شيعية (أنوه بالمناسبة أن الشيعة أنتجوا بالدرجة الأولى ثوريين أو رجال دين، ونادراً ما أنتجوا بيروقراطيين أو كومبرادور !).
الحزب الشيوعي كان ذا شعبية حقيقية ومعادياً للإمبريالية، ميالاً قليلاً إلى الديماغوجية، وينطوي على الديمقراطية. وبعد مجزرة الآلاف من خيرة مناضليه، وانهيار الاتحاد السوفييتي (الذي لم يكن الحزب الشيوعي العراقي مستعداً له)، وتصرف أولئك المثقفين الذين كانوا يقبلون بأن يرجعوا من المنفى في معسكر التابعين للقوات المسلحة الأمريكية، هل مقدر الآن على الحزب الشيوعي العراقي أن يغيب بشكل دائم عن التاريخ ؟ مع الأسف هذا ممكن جداً، ولكن ليس حتمياً، وأبعد من أن يكون كذلك.
المسألة الكردية حقيقية في العراق، كما في إيران وتركيا، ولكن في هذا الموضوع أيضاً يجب أن يتذكر المرء أن الدول الغربية مارست دوماً بنفاق كبير معيارين، إن قمع المطاليب الكردية لم يصل أبداً في العراق وإيران مستوى العنف المعنوي والعسكري والبوليسي، الذي قامت به أنقرة, لا إيران ولا العراق لم يذهبا بعيداً لدرجة إنكار وجود الأكراد، ومع ذلك يجب أن تسامح تركيا على كل شيء كعضو في حلف الأطلسي، منظمة للأمم الديمقراطية، كما يقول لنا الإعلام. وبين الديمقراطيين البارزين الذين أعلنهم الغرب برتغال سالازار، إحدى الأعضاء المؤسسين للأطلسي، والذين ليسوا أقل حماسة للديمقراطية هم الكولونيلات اليونانيين والجنرالات الأتراك.
في كل مرة؛ الجبهات الشعبية العراقية، التي تشكلت حول الحزب الشيوعي والبعث، في الفترات الجيدة من تاريخها المضطرب، إذا ما مارست السلطة السياسية، فإنها كانت تجد حيزاً من الاتفاق مع الأحزاب الكردية الرئيسية، وهذه كانت دوماً حليفة لها.
تطرف صدام المعادي للشيعة وللأكراد كان حتماً حقيقياً: مثلاً قصف جيش صدام لمنطقة البصرة بعد الفشل في الكويت في عام 1990، واستخدام الغاز ضد الأكراد. ذلك التطرف أتى رداً على مناورات دبلوماسية واشنطن العسكرية، التي جندت أجراء المشعوذين الشيعة والأكراد. لكن عدا ذلك يبقى ليس أقل تطرفاً جرمياً وحماقة، ما دام نجاح واشنطن في نداءاتها كان محدوداً جداً، ولكن هل يمكن انتظار أي شيء آخر من دكتاتوريين مثل صدام.
قوة المقاومة للاحتلال الأجنبي، غير المنتظرة في ظل تلك الظروف تبدو خارقة، ليس الأمر كذلك ما دام الواقع الأساسي هو أن الشعب العراقي إجمالاً (عرباً وأكراداً وسنة وشيعة) يكرهون المحتلين، ويعرفون جرائمهم اليومية (الاغتيالات، القصف، المجازر، التعذيب). بمعرفة ذلك، فإن جبهة موحدة للمقاومة القومية (سمها ما شئت) بل يمكن تخيلها تعلن عن نفسها كجبهة، رافعة الأسماء وقوائم المنظمات والأحزاب، التي تتألف منها، وبرنامجها المشترك. لكن ليس ذلك هو الحال حتى الآن، ويعود إلى جميع الأسباب الموصوفة أعلاه، ومن الجملة تدمير النسيج الاجتماعي والسياسي الناتج عن دكتاتورية صدام والاحتلال، وبصرف النظر عن الأسباب، هذا الضعف يؤلف عائقاً، ويجعل من الأسهل تقسيم السكان، وتشجيع الانتهازيين، حتى لو جعلوا عملاء، وتشويش أهداف التحرير.
من ينجح في تجاوز ذلك العائق ؟ الشيوعيون المفروض أن يكونوا أهلاً لذلك. الآن المناضلون الموجودون على الأرض يفصلون أنفسهم عن قادة الحزب الشيوعي (المعروفين وحدهم في الإعلام المسيطر) الذين، مشوشين ومرتبكين، يحاولون أن يعطوا شكل الشرعية لتحالفهم مع الحكومة العميلة، بل يزعمون أنهم يضيفون بهذا التحالف فعالية للمقاومة المسلحة، ولكن في ظل الظروف القائمة يمكن أن تقوم قوى سياسية أخرى بمبادرات حاسمة في منحى تأليف تلك الجبهة.
تبقى الحالة التي فيها مقاومة الشعب العراقي، رغم ضعفها قد أحبطت (سياسياً، إن لم يكن عسكرياً) مشروع واشنطن. وهذا بالضبط ما يزعج الأطلسيين، الحلفاء المخلصين للولايات المتحدة في الإتحاد الأوربي. إنهم يخافون اليوم فشل الولايات المتحدة، لأن هذا سوف يزيد قدرة شعوب الجنوب على إجبار رأسمال الثلاثي الإمبريالي، الدولي المعولم، على احترام أمم وشعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
المقاومة العراقية قدمت اقتراحات تجعل من الممكن التخلص من المأزق، وتساعد الولايات المتحدة على الانسحاب من الفخ. إنها تقترح: 1 ـ تشكيل سلطة إدارية دولية تؤلف بمساعدة مجلس الأمن. 2 ـ الإنهاء المباشر لأعمال المقاومة ولتدخلات قوى الاحتلال العسكرية والبوليسية. 3 ـ رحيل كل السلطات العسكرية والمدنية خلال ستة أشهر. وتفاصيل هذه المقترحات نشرت في المجلة العربية المحترمة، المستقبل العربي (كانون الثاني 2006) التي تصدر في بيروت.
والصمت المطبق الذي عارض به الإعلام الأوروبي بث تلك الرسالة هو دليل على تضامن الشركاء الإمبرياليين. القوى الأوروبية التقدمية والديمقراطية عليها واجب هو أن تفصل نفسها عن سياسة الثلاثي الإمبريالي هذه، وأن تدعم اقتراحات المقاومة العراقية، وترك الشعب العراقي يواجه خصمه وحده هو خيار غير مقبول، فهو يعزز الفكرة أن لا شيء يمكن توقعه من الغرب وشعوبه، ويشجع بالتالي التطرف غير المقبول، بل الإجرامي، في نشاطات بعض حركات المقاومة.
بمقدار ما ترحل قوات الاحتلال الأجنبية بسرعة عن البلاد، وبمقدار ما يكون دعم القوى الديمقراطية في العالم وفي أوروبا قوياً للشعب العراقي، تزداد الإمكانات بمستقبل أفضل لهذا الشعب الشهيد، وبمقدار ما يدوم الاحتلال تكون عقابيل نهايته الحتمية مظلمة.
فلسطين
الشعب الفلسطيني كان منذ إعلان بلفور خلال الحرب العالمية الأولى ضحية مشروع استعماري من سكان أجانب، احتفظوا له بمصير "الهنود الحمر"، سواء اعترفوا به أو ادعوا تجاهله، وهذا المشروع كان له دوماً دعم غير مشروط من قبل السلطة الإمبريالية في المنطقة (أمس بريطانيا العظمى واليوم الولايات المتحدة)، لأن الدولة الأجنبية في المنطقة، التي أنشأها المشروع، لا يمكن إلا أن تكون بدورها حليفاً غير مشروط في التدخلات المطلوبة لإجبار الشرق الأوسط العربي على الخضوع لهيمنة الرأسمالية الإمبريالية.
وهذا أمر بديهي لدى جميع شعوب أفريقيا وآسيا، وبالتالي هي بشكل عفوي في القارتين ملتقية على تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عنها. أما في أوروبا فـ "المسألة الفلسطينية" تسبب الانقسام، الذي سببه الالتباس الذي تتركه الإيديولوجية الصهيونية ذات الصدى الإيجابي عموماً.
اليوم أكثر من أي وقت مضى ألغيت حقوق الشعب الفلسطيني في ظرف قيام الولايات المتحدة بتنفيذ "مشروع الشرق الأوسط الكبير". ونفس الشيء حينما قبلت منظمة التحرير الفلسطينية خطتي أوسلو ومدريد وخريطة الطريق التي وضعتها واشنطن. إسرائيل هي التي تراجعت علناً عن اتفاقها، بل نفذت أيضا خطة توسعية أكثر طموحا. منظمة التحرير الفلسطينية فجرت نفسها بذلك، فالرأي العام يستطيع بحق لومها لأنها اعتقدت بسذاجة بصدق أعدائها. الدعم الذي قدمته سلطات الاحتلال في البداية على الأقل لأعدائها الإسلاميين، وانتشار الممارسات الفاسدة في الإدارة الفلسطينية (التي صمت عنها صندوق المانحين ـ البنك الدولي، أوروبا والمنظمات غير الحكومية ـ إن لم يكونوا شركاء)، كان من شأن ذلك أن يؤدي إلى انتصار حماس انتخابياً (كان ذلك متوقعاً) وهذا أصبح ذريعة إضافية، طرحت مباشرة لتبرير الانحياز غير المشروط للسياسات الإسرائيلية، ولا يهم أياً كانت.
المشروع الصهيوني الاستعماري كان دوماً خطراً، غير فلسطين، على الشعوب المجاورة. طموحاتها لضم سيناء المصرية، والضم الفعلي للجولان السورية هي دليل على ذلك. وفي مشروع الشرق الأوسط الكبير، ثمة مكان خاص محجوز لإسرائيل، أولا لاحتكارها للتجهيز العسكري النووي، ولدورها كـ "شريك لا غنى عنه" (بالذريعة الكاذبة إن إسرائيل تملك خبرة تكنولوجية، ليست في استطاعة الشعب العربي، أي عنصرية هذه ضرورية !).
لا نية هنا لتقديم تحليلات للتداخلات المعقدة بين معارك المقاومة ضد التوسع الاستعماري الصهيوني والصراعات السياسية والخيارات في لبنان وسوريا. الأنظمة البعثية في سوريا قاومت بطريقتها مطاليب السلطات الإمبريالية وإسرائيل، وكون هذه المقاومة استخدمت لتبرير الطموحات الأكثر قابلية للجدل (السيطرة على لبنان) هو حتماً لا جدال فيه. عدا ذلك، اختارت سوريا بعناية الحلفاء الأقل خطراً في لبنان. المعروف جيداً أن الحزب الشيوعي اللبناني نظم مقاومة للاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان (ومن الجملة حرف المياه). السلطات السورية واللبنانية والإيرانية تعاونت بشكل وثيق في تدمير تلك القاعدة الخطرة واستبدالها بحزب الله، واغتيال رفيق الحريري (وهي قضية ما تزال غير محلولة) أعطت بداهة القوى الإمبريالية (الولايات المتحدة ومن خلفها فرنسا) الفرصة للتدخل مع هدفين في الذهن: 1 ـ إجبار دمشق على الانحياز بشكل دائم مع الدول العربية العميلة (مصر والعربية السعودية) ـ أو إذا ما فشل ذلك، إزالة بقايا سلطة البعث المتآكلة. 2 ـ تدمير ما يبقى من قدرة على مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية (بالمطالبة بنزع سلاح حزب الله)، ويرد الخطاب حول الديمقراطية ضمن هذا الإطار، إذا كان مفيداً.
اليوم بقبول تنفيذ المشروع الإسرائيلي السائر قدماً، يتم التصديق على إلغاء الحق الأول للشعوب، حق الوجود، هذا يؤلف جريمة عظمى ضد الإنسانية، واتهام الذين يرفضون هذه الجريمة بـ "معاداة السامية" هو مجرد وسيلة للابتزاز الرهيب.
إيــران
لا نية لنا هنا في مناقشة التحليلات التي تطرحها الثورة الإسلامية، هل كانت كما طُرح بين مؤيدي الإسلام السياسي، أو أيضاً لدى المراقبين الأجانب، إعلانا ونقطة انطلاق لتغيير من شأنه أن يشمل كامل المنطقة، وربما كامل العالم الإسلامي، الذي أعيدت تسميته للمناسبة بالأمة (التي لم تكن موجودة يوماً)، أم أنها حدث منفرد بخاصة لأنه كان تركيباً وحيداً من التفسيرات للشيعة الإسلامية، وتعبيراً عن القومية الإيرانية.
من المنظور الذي يهمنا هنا، أود فقط أن أضع ملاحظتين: الأولى هي أن نظام الإسلام السياسي في إيران ليس بطبيعته غير متلائم مع انضمام البلد إلى نظام العولمة الرأسمالي، لأن النظام قائم على المبادئ الليبرالية في إدارة الاقتصاد، والثانية هي أن الأمة الإيرانية كأمة هي "أمة قوية"، أمة مكوناتها الأساسية، إذا لم تكن كل مكوناتها، في الطبقات الشعبية كما في الطبقات الحاكمة، لا تقبل انضمام بلدها إلى نظام العولمة في وضع متدن، ويوجد حتماً تناقض بين البعدين للواقع الإيراني. البعد الثاني هو المهم في توجهات سياسة طهران الخارجية، التي تحمل الدليل على الإرادة في مقاومة الإملاءات الخارجية.
إنها القومية الإيرانية ـ القوية، والتي في رأيي كانت تاريخياً إجمالاً إيجابية ـ التي تفسر نجاح تحديث الإمكانات العلمية والصناعية والتكنولوجيا والعسكرية، الذي حققه نظام الشاه، والنظام الخميني الذي خلفه. إيران هي إحدى دول الجنوب القليلة (مع الصين والهند وكوريا والبرازيل، وربما دول قليلة أخرى، ولكن ليست عديدة!)، التي لديها مشروع بورجوازي قومي، سواء كان ممكناً تحقيق ذلك المشروع على المدى البعيد أم لا (ورأيي هو لا)، فالأمر ليس نقطة اهتماماتنا. اليوم هذا المشروع موجود وقائم.
وبالضبط لأن إيران تؤلف كتلة حرجة قادرة على القيام بمحاولة لتأكيد ذاتها كشريك محترم، فإن الولايات المتحدة قررت تدمير البلد بحرب وقائية جديدة، وكما هو معروف جيداً، الصراع يجري حول الإمكانات النووية، التي تطورها إيران. لماذا لا يكون لهذا البلد الحق مثل بلدان أخرى في متابعة تلك الإمكانات، حتى أو من الجملة، تصبح دولة نووية عسكرية؟ بأي حق تستطيع الدول الإمبريالية وصيغتها الإسرائيلية أن تتبجح بضمان الاحتكار لنفسها للأسلحة ذات التدمير الشامل، هل يستطيع أحد أن يعطي أي مصداقية للخطاب الذي يقول بأن الأمم "الديمقراطية" لن تستخدم أبداً مثل تلك الأسلحة مثل "دول الشر"، بينما يعرف الجميع أن الأمم الديمقراطية المعنية مسؤولة عن أكبر أعمال الإبادة في أيامنا المعاصرة، ومنها الإبادة التي مورست ضد اليهود، وأن الولايات المتحدة قد استخدمت السلاح النووي، وما تزال اليوم ترفض الحظر العام والمطلق على استخدامه.
خـاتمـــــة
اليوم الصراعات السياسية في المنطقة تجد ثلاث مجموعات قوى تواجه بعضها البعض، تلك التي تعلن ماضيها القومي (ولكنها في الحقيقة ليست أكثر من ورثة فاسدين وخربين لبيروقراطيات الفترة القومية ـ الشعبوية، وتلك التي تعلن الإسلام السياسي، وأولئك الذين يحاولون أن ينظموا مطاليب "ديمقراطية" متفقة مع الليبرالية الاقتصادية، وتثبيت السلطة بأي من هذه القوى ليس مقبولاً ليسار يركز انتباهه على مصالح الطبقات الشعبية. الواقع أن مصالح الطبقات الكومبرادورية المتفرعة عن النظام الإمبريالي الحالي تعبر عنها الاتجاهات الثلاث. الدبلوماسية الأمريكية تبقي الحدائد الثلاثة في النار، لأنها تركز على استخدام الصراعات فيما بينها، من أجل كامل الاستفادة، وبالنسبة لليسار الذي يحاول أن يتورط في تلك الصراعات فقط من خلال التحالفات مع واحد أو آخر من الاتجاهات (مفضلو الأنظمة القائمة لتجنب الأسوأ، أي الإسلام السياسي، أو ساعياً للتحالف مع الأخير للتخلص من الأنظمة)، فإنه محكوم بالفشل. اليسار يجب أن يؤكد نفسه بخوض المعارك في المناطق التي يجد فيها مكانه الطبيعي، الدفاع عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الشعبية، وعن الديمقراطية، ولتأكيد السيادة الوطنية، وكل ذلك مترابط مع بعضه بشكل لا ينفصم.
• التحالفات التكتيكية المنبثقة عن أوضاع ملموسة هي مسألة أخرى، مثلاً العمل المشترك للحزب الشيوعي اللبناني مع حزب الله في مقاومة الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف 2006 ـ الناشر.
منطقة الشرق الأوسط الكبير اليوم هي مركزية في الصراع بين القائد الإمبريالي وشعوب العالم كله، وإحباط بناء مشروع واشنطن هو شرط لتوفير إمكانية النجاح للتقدم في أي منطقة في العالم، والفشل في ذلك يعني أن كل التقدم يبقى هشاً إلى حد كبير، هذا لا يعني أن أهمية المعارك التي تشن في مناطق أخرى من العالم، في أوروبا أو أمريكا اللاتينية، أو أي مكان آخر يجب التقليل منها. إنه يعني فقط أنها يجب أن تكون جزءاً من الأفق الشامل الذي يساهم في هزم واشنطن في المنطقة التي اختارتها من أجل ضربتها الأولى في هذا القرن.
كانون الأول/ ديسمبر 2007 ـ مجلد 59 ـ عدد 7
www.monthly review. Org/1207 amin. Htm


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - بهجت - 10-28-2009

انا ماركسي ، اشتراكي ، شيوعي ، أممي
سمير أمين


الحوار المتمدن - العدد: 2635 - 2009 / 5 / 3

حوار صحافي مع المفكر الكبير سمير أمين .
..........................................................

النص الكامل لمقابلة صحفية للمفكر الكبير سمير أمين، والتي أجريت بتاريخ 22 أبريل/2009، حاوره علاء الدين محمود،
انا ماركسي ، اشتراكي ، شيوعي ، أممي

سمير أمين في الخرطوم الخبر في حد ذاته حدث كبير فالرجل مفكر يكاد يكون موسوعياً وليس فقط مختصاً في الاقتصاد وهو أيضاً المفكر الماركسي وهو ماركسي على طريقته ماركسياً نقدياً «الصحافة» حالفها الحظ في ان تجري مع سمير أمين هذا الحوار

*هل مازلت ماركسياً؟

- قطعاً، قطعاً، انا ماركسي وبالتالي اشتراكي يعني شيوعي وبالتالي أممي ، وأنا كتبت مقالاً مطولاً حول هذا الموضوع سوف ابعثه إليك، ولكن ما معنى كوني ماركسي؟ أنا انطلق من التمييز بين ماركس وبين الماركسيات التاريخية، والماركسيات التاريخية هي محاولات متتالية لفهم فكرة ماركس، هي ذات الطابع التاريخي يعني محاولات من فئات معينة من قوى سياسية معينة في ظروف موضوعية معينة، مرحلية في مرحلة معينة، وفي مناطق من المعمورة معينة أنا أرى ان كون الفرد ماركسياً معناه بالنسبة لي الانطلاق من ماركس وليس التوقف عند ماركس، يعني أنا لا اعتبر ان ماركس كتب مؤلفات تُمثل نهاية الحقيقة المطلقة أو عقيدة دينية جديدة، ماركس بدأ بالنقد، فكر ماركس هو فكر ناقد بالاساس ناقد لكل شئ، ناقد للحقيقة، للواقع الحقيقي وناقد للتصورات المختلفة عن هذا الواقع الحقيقي، يعني ماركس ناقد للماركسية لان الحقيقة الواقعية هي النظام الرأسمالي، وناقد للآيدلوجيات يعني تصورات عما هي الرأسمالية عما هو الواقع، فكر ناقد، وهذا اساس جوهري، وربما تعريف الماركسية هو تعريفها على انها فكر ناقد، فكر نقد، أولاً نقد الواقع، والواقع هو كون ان المجتمع قائم على اساس نمط الانتاج الرأسمالي وانا هنا في هذا المجال لا اميز بين ماركس عالم الاقتصاد وماركس الفيلسوف وماركس الرجل السياسي...الخ كما يفعل الكثيرون الآن للأسف .

مَن يطالبون باستعادة ماركس الفيلسوف من ماركس الآيدلوجي؟

- نعم، انا اعتقد ان ماركس شخص واحد هو ناقد واقع النظام الرأسمالي وناقد التصورات السياسية والآيدلوجية والفلسفية لهذا الواقع، وفيما يتعلق بنقد الواقع أي نقد الرأسمالية هنالك كتاب «رأس المال» ولابد من الأخذ في الاعتبار العنوان التحتي لـ «رأس المال» وهو «نقد الاقتصاد السياسي» ما معنى ذلك؟ نجد ان الكثير من الماركسيين للأسف الشديد فهموا هذا العنوان التحتي ان ماركس وضع علم الاقتصاد الصحيح في مواجهة علم الاقتصاد السابق له والذي هو جزئياً صحيح وجزئياً خطأ وهذا لم يكن غرض كارل ماركس على الاطلاق عندما كتب «رأس المال هو كتب «رأس المال» من أجل كشف التصور الخاطئ عن الواقع الحقيقي وهو الرأسمالية عند الاقتصاديين معتبراً بذلك الاقتصاد السياسي هو الآيدلوجية للرأسمالية، تصور للرأسمالية عن ما هي الرأسمالية وهو تطور خاطئ، تصور غلط، تصور عن الواقع لاعطاء شرعية لهذا الواقع يعني موقف ماركس من الرأسمالية هو موقف ناقد وليس مجرد كشف، كثير من الكتيبات الماركسية خاصة السوفيتية وخاصة تلك الكتيبات لترويج الماركسية اختصرت تحليل الرأسمالية لدى ماركس الى تحليل كشف عمليات الانتاج، نمط الانتاج الرأسمالي، وكشف سر فائض القيمة، واستغلال العمل من قبل رأس المال وبيان عملية استغلال العمل وفقط!، أبداً، ان الغرض من ماركس هو اكثر من ذلك بكثير ولا يكتفي بكشف عمليات حقيقية للتراكم الرأسمالي ومنطق التراكم الرأسمالي، والعملية التي تنتج فائض القيمة والاستغلال من خلال بيع قوة العمل.. الخ وسيطرة وتحكم رأس المال على المنظومة الانتاجية، لا، ماركس لاً يختزل في ذلك بل يسعى في الوقت نفسه الى اثبات ان هذه العملية تختفي وراء خطاب آيديولوجي هدفه اضفاء الشرعية لهذا النظام، بمعنى الاستلاب، وماركس هنا انطلق من فويرباخ، من نقد الدين، ونقد الدين عند فويرباخ ليس هو الخالق الذي خلق المخلوق بل المخلوق هو الذي خلق الخالق، يعني ان البشر يخلقون تصوراً ثم يُصنع لهذا التصور خالقاً له. هذا هو الاستلاب، فعملية الاستلاب عند ماركس هي عملية الاستلاب الاقتصادي، أو الاقتصادوي وبيان هذا الاستلاب واضح تمام الوضوح في خطاب اقتصاد الاسواق. ما هي الاسواق؟ الاسواق هي ناتج عمليات بشرية هي المجتمعات التي ابدعت وخلقت الاسواق، فالاسواق لم تنزل من السماء، لكن الاستلاب الاقتصادي ينسب الى آليات السوق نتائج مستقلة عن ممارسات البشر، هذه هي عملية الاستلاب وهذا هو الرئيس عند كارل ماركس ولذلك أنا اقول ان ماركس هو ناقد للواقع ولكنه ليس ناقداً للواقع فقط بل ايضاً ناقداً لتصور الواقع في آيدلوجية الرأسمالية .

*لكن رغم ذلك هناك من يحكم على سمير أمين بأنه خارج الدائرة الماركسية. ربما استناداً على مااعلنته أنت من نهاية النمط اللينيني الذي يقوم على الثورة باسم الاشتراكية التي تحل جميع المشاكل، ودكتاتورية البروليتاريا، وسيطرة الدولة على كل وسائل الانتاج؟

- شوف، لينين حضر ما وصفته في ندوة أمس «اتحاد المصارف» بالموجة الأولى، الأزمة الهيكلية الطويلة الأولى للرأسمالية الناضجة أنا قلت ان هذه الأزمة الطويلة بدأت في عام 1873م يعني في أيام لينين الذي كان مازال شاباً صغيراً في تلك الفترة ورأس المال واجه هذه الأزمة الأولى بمزيد من التركيز والموجة الأولى للاحتكارات التي وصفها هوبسن ولينين و هيلفنبنج كيف واجه رأس المال هذه الأزمة الأولى وربط هذا التحول في هيكل تنظيم الرأسمالية إلى وجود الاستعمار وهو وجود موزع على، دول وعلى مراكز استعمارية ليست فقط في منافسة اقتصادية بل ايضاً سياسية وعسكرية مما أدى الى الحرب العالمية الأولى، اعتقد ان تقدير لينين كان صحيحاً وسليماً في كون ان هذه الازمة لابد أن تؤدي الى حروب وثورات وهي بالفعل أدت الى حروب مثل الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وأدت بالفعل الى ثورات، الثورة الروسية، الثورة الصينية وأدت الى شبه ثورات أو نصف ثورات وهي حركات التحرر الوطني في القارة الآسيوية والافريقية فمن هذا الجانب لينين كان على صواب في رأيي لكنه كان متفائلا لانه تصور ان هذه الموجة أو هذه الأزمة الأولى ستكون نهائية أو الأزمة النهائية للرأسمالية وان الثورة التي بدأت في الحلقة الضيقة «روسيا» لتنتشر فوراً دون ان يحدد تاريخ معين ولكنها بحسب لينين ستنتشر خلال سنوات أو عقود بالكثير وتفتح المجال لمرحلة ارقى في تطور الانسانية وهي الاشتراكية. هنا التطور اثبت ان لينين كان متفائلاً وان ما حدث هو ان الرأسمالية استطاعت ان تخرج من هذه الازمة منتصرة، ولكن هل معنى ذلك ان التصور الاشتراكي كان مجرد يتوبيا يعني تصور خيالي مستحيل التنفيذ؟ لا أبداً، التفاؤل كان في ان هذه الموجة لم تكن إلا الموجة الأولى الآن نستطيع ان ندرك أسباب هذا الخطأ عند لينين وهي متمثلة في ان الثورة بدأت في الحلقة الضيقة وهي روسيا التي كانت نصف تخوم لم تكن تخوما بالمعنى الواضح للكلمة كانت نصف تخوم ثم انتشرت الى مناطق تخومية أخرى وأكثر تخومية مثل الصين ثم انتشرت بشكل نصف ثوري الى تخوم أخرى، آسيا وافريقيا ولم تنتشر هذه الثورات باسم الاشتراكية في المراكز نفسها وهنا يبرز سؤال ما هو السبب في ذلك؟ هو الاستقطاب المترتب على عملية التراكم الرأسمالي وحتى ماركس الى حد كبير لم يدرك هذا التابع الاستقطابي لعملية التراكم بدليل انه اعتبران التراكم البدائي للمرحلة الاولى وان الرأسمالية بعد ذلك تجاوزت هذه المرحلة وبالتالي ان نمط الانتاج الرأسمالي سينتشر على صعيد عالمي وفي كتابات ماركس عن ذلك هذه المسألة واضحة تمام الوضوح عندما يقول ماركس ان الهند بعد عقود ستكون القوى الرأسمالية الكبرى وستصبح بريطانيا العظمى صغيرة امام الهند الكبيرة الرأسمالية، يعني تصور انتشار الرأسمالية فورا بسرعة ونوع من تجنيس الظروف الموضوعية يعني ماركس هو نفسه لم يدرك تماما الطابع الاستقطابي لعملية التراكم الرأسمالي وايضا لينين الذي تصور ان الثورة يمكن ان تبدأ من الحلقة الضعيفة «روسيا» ولكن سوف تنتشر فورا وكان ينتظر ثورة في المانيا وفي المراكز الاوربية وهذا لم يحدث ونحن الآن امام نفس التحدي يعني الموجة الثانية القادمة نحن في نفس الموقع يعني هذا النظام الرأسمالي القائم على الاستقطاب غير مقبول في الاطراف، في التخوم لانه عاجز عن ان يقدم حلولا انسانية مقبولة سواء أكانت بالنسبة للبلاد البازغة كما يقال حاليا الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا او البلاد المهمشة كما يقال ايضا مثل بلداننا، الرأسمالية التي اسميها الرأسمالية القائمة بالفعل وليست الرأسمالية كنمط انتاج على اعلى مستوى من التجريد بل الرأسمالية الملموسة التي هي استقطابية بطبيعة عملية التراكم هذه لن تحل هذه المشاكل وبالتالي هنالك مجال لموجة ثانية من الثورات انطلاقا من الاطراف، من التخوم يعني انطلاقا مرة اخرى من آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ولكن عندما ننظر الى مجموع سكان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية نصل الى 80% من البشرية بالتالي نحن لسنا اقلية وهذا هو التحدي الحقيقي .

عندما تتحدث عن هذه المواجهة الجماعية لا تأتي على ذكر دور الحزب او الاحزاب الشيوعية؟

ـ الاحزاب الشيوعية تكونت في خلال الموجة الاولى يعني موجة القرن العشرين وفي اطار النظرة اللينينية لهذه الموجة على انها ليست الموجة الاولى ولكنها الموجة الاخيرة ايضا وبالتالي وضعت لنفسها احتمال وامكانية ثورة اشتراكية في المراكز وفي الاطراف .

اذن ترى فيها احزابا لينينية؟

ـ نعم احزاب لينينية

والآن هذا واحد من اسباب ضعفها؟

ـ نعم، وهذا واحد من اسباب ان هذه الاحزاب ليست لها وجود الآن، انتهت، وهذه الصفحة طويت ونحن الآن ندخل في موجة ثانية موجة جديدة ونواجه استعمارا ويظل الاستعمار هو المتحكم على الصعيد العالمي ونواجه هذا الاستعمار لكننا نواجه استعمارا مختلفا عن الاستعمار في الموجة الاولى فهو في الموجة الاولى كان بصياغة الجمع لم يكن هنالك الاستعمار بصيغة الجمع بل كان هنالك الاستعمار البريطاني ، البلجيكي، الامريكي، الياباني، الالماني، كانت قوى استعمارية كبرى داخلة في منافسة بينها وبين بعض وفي حروب ولكن ما نواجهه حاليا ما اسميه بالاستعمار الجماعي للثلاثية المتكونة من الولايات المتحدة واوربا واليابان لظروف جديدة، هل من الممكن انطلاقا من خطوات ثورية مثل ما حدث في امريكا اللاتينية وفي السودان خلال مد ا لحركة الشيوعية ؟ هذه لم تكن ثورة بل خطوات ثورية، ونحن سنواجه مدا آخر من الخطوات الثورية فهل من الممكن ان تكسب هذه الخطوات الثورية نوعا من القدرة على ان تبقى وتواجه التحدي وتهيئ الظروف الموضوعية لمزيد من التقدم يعني من خطوة ثورية الى خطوة اخرى؟ وهذه عملية طويلة لذلك انا انظر الى مرحلة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية ليس على انها ثورة ثم بعد الثورة بناء الاشتراكية في فترة تاريخية قصيرة بعد سنوات او عقود ليس اكثر من ذلك بل على انها سلسلة من الخطوات الثورية من الانجازات الثورية المتتالية ولكن هل من الممكن ان هذه الخطوات الثورية التي سوف تبدأ في اماكن من التخوم في آسيا وامريكا اللاتينية واتمنى افريقيا والعرب ايضا هل ممكن ان تخلق ظروفا تؤثر في المجتمع الرأسمالي في المراكز وتخلق ظروفا ايضا لخطوات ثورية هناك؟ انا من ناحيتي متفائل لانني اعتقد ان هذا النظام ليستمر لا بد ان ينفرد الشمال في التحكم على الموارد الطبيعية للكوكب كله لاستهلاكه الخاص ويمنع توصل شعوب آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ولكن عندما نبدأ نحن استخدام هذه الموارد لتقدمنا سنخلق ظروفا تفرض على شعوب المراكز ان تفكر هي الاخرى في نمط حياة وليس فقط نمط انتاج.

*إذن لم تلقِ برايتك الماركسية في الوحل كما ذهب الى ذلك احد منتقديك ولكنك وكما اعلنت انت ماركسي مختلف لا تقف عند ماركس، بل تنطلق منه؟

ـ نعم، فالماركسية لها تاريخ، وطالما ان الرأسمالية موجودة، اعتقد ان نقد الرأسمالية لا بد ان يكون موجودا واعتقد ان الماركسية بما انها الوسيلة الفاعلة لنقد الرأسمالية فلا بد ان تكون موجودة وهي فعلا موجودة .

*احد الذين يتابعون كتاباتك ويعلقون عليها يقول ان سمير امين لا يخفي حماسته للشيوعية رغم ان امين يرى ان هذه الشيوعية اصبحت سبة، او سيئة، الا ان سمير امين يدافع عنها بصلابة ويدافع ايضا عن مواقف بعض الاحزاب الشيوعية العربية ولكنك كذلك وصفت هذه الاحزاب بالضعف وهذا يقود ايضا الى سؤال ما العمل؟ خاصة وان كثيرا من الناس لا يتصور احزابا شيوعية الا على الطريقة اللينينية؟

ـ صفحة هذه الأحزاب طويت نحن الآن امام تحدٍ جديد، تصور جديد، يعني اشكال التنظيم ـ والحزب الشيوعي من بين اشكال التنظيم ـ واشكال النضال سواء كان النضال السلمي، الاضراب، المظاهرات، الانتخابات في بعض الظروف، او وسائل النضال المسلح مثل الثورة، وحرب العصابات.. الخ.. هذه الوسائل كانت متماشية مع الظروف الموضوعية للقرن العشرين، يعني انا لا اقول على الاطلاق ان هذه الاحزاب كانت خاطئة او لم تدرك ما الظروف لكن كانت متماشية مع ظروفها ولكن الظروف الآن تطورت ووصلنا الى واقع جديد ولذلك نحن لنا كشعوب وليس كمثقفين، لهذه الشعوب ان تبدع وسائل جديدة انا لا املك وصفة للشكل السليم لذلك لا اقول ان الشيوعية هي وصفة موجودة سواء كانت على النمط السوفيتي او النمط الصيني او نمط آخر ولكن اقول ان الشيوعية هي هدف انساني، يعني مجتمع انساني وهو المجتمع الارقى لتجاوز التناقضات بين الطبقات ويتجاوز استغلال العمل ويتجاوز ايضا التناقضات بين الشعوب بين القوميات في اطار اممي وهذا يمكن الا ان يكون الناتج النهائي للصراع، للنضال بالتالي هو ليس وصفة .

* الاحزاب الشيوعية او بعض الاحزاب الشيوعية رغم انها تستقطب افضل الكوادر الموجودة في المجتمع وافضل المثقفين والمبدعين الا انها تكبلهم تماما بقيود ثقيلة وبالتالي يجدون المضايقات داخل احزابهم التي تشح فيها الديمقراطية مما يجعلها طاردة لهذه الكوادر؟

ـ نعم، انا معك في هذا الحكم، للاسف بالفعل ان افضل الكوادر التي انتجتها المجتمعات العربية في العقود الاخيرة جذبها الحزب الشيوعي لذلك انا ادافع عن هذه الاحزاب لانها مثلت بالفعل طليعة المجتمعات العربية لكن ايضا كبلت هذه الكوادر وحدث ذلك تحديدا لان هذه الاحزاب الشيوعية وحتى ترضي النظم الشعبوية امتنعت عن تنظيم الجماهير الشعبية لان تنظيم الجماهير الشعبية ودفع الصراع الطبقي لم يكن مقبولا من قبل نظم الحكم

*في كتابك «الفيروس الليبرالي» اعتقد انك تأثرت كثيرا بالبيان الشيوعي خاصة في عباراتك «آفة ضربت العالم حوالى نهاية القرن العشرين لم تسبب موت جميع الناس لكن الكل اصيب انه الفيروس الليبرالي» قطعة ادبية بالفعل ولكن هل ما زال شبح ماركس قادرا على مواجهة هذا الفيروس ام ترى ان الفيروس طور من مناعته؟

ـ يرد ضاحكا: شكرا، انا صحيح تأثرت بالبيان الشيوعي وانا شايف بالتأكيد ان هذا الشبح موجود طالما ان الرأسمالية موجودة، رأسمالية تنتج مثل هذه النتائج، بمعنى تدهور ظروف المعيشة للاغلبية الكبرى وهي الطبقات الشعبية اذن طالما هذه الرأسمالية موجودة فان شبح الشيوعية سيظل موجودا .

* اذن كيف تنظر الى صيحة جاك دريد المنادية باقامة اممية جديدة في وجه تحالف مقدس يهدف الى دفن ماركس وإلى الابد؟

ـ انا بالفعل كتبت كتاب «من اجل اممية خامسة» واعتبر ان شعوب العالم في حاجة الى ذلك لان الاستعمار يستفيد من تفتت القوى الشعبية، وغياب استراتيجية مشتركة للقوى الشعبية عبر الحدود بينما يملك رأس المال استراتيجية عالمية «العولمة الرأسمالية» فلا بد للطبقات الشعبية ايضا ان يكون لها استراتيجية مشتركة وهذا هو الهدف الرئيسي لاممية خامسة .

*ايضا هنالك من يرى ان ما ارتكز عليه ماركس في اعطاء الطبقة العاملة موقفا استثنائيا في الصراع ضد البرجوازية لم يعد ممكنا الآن حيث يسود الواقع الحالي مجموعات اجتماعية غير عمالية وهذا يعني ان الفاعل المحدد للمواجهة لا يحدد مسبقا بل يخلق في الفعل والماركسية.. طبعا هذه ليست محاكمة ولكن للافادة في مواجهة تحديات العصر الراهن؟

ـ نعم، طبعا رأس المال يستغل العمل لكن استغلال العمل يتم باشكال مختلفة وباشكال عديدة وليس عبر نمط واحد لاستغلال العمل، طبعا استغلال العمل في الشكل المباشر الخاص بالطبقة العاملة في اماكن العمل الصناعي هو نموذج له لكنه ليس الشكل الوحيد لذلك لا بد من ان ننظر الى ما اسميها الطبقات الشعبية بالمعنى الواسع للكلمة يعني هذه الطبقات هي فئات مختلفة وجميع هذه الفئات خاضعة لاستغلال رأس المال ولكن باشكال مختلفة لذلك المشكلة هي اقامة تحالف هذا التحالف الذي اسميه الالتقاء مع الاعتراف واحترام التنوع .

*تحت راية محددة؟

ـ نعم

? *يعني انت تتحدث عن قدم ازمة الاقتصاد الرأسمالي ولكن من خلال الازمة الاخيرة بنى العديدون فرضيات متباينة هنالك من يراها ازمة عادية مصاحبة للنظام الرأسمالي ومنهم من ذهب مباشرة الى ان شبح ماركس يعود من جديد. وربما هم هنا استندوا الى التحليلات التي قدمها ماركس والتي تؤكد على ازدياد الحاجة الى عالم مختلف جديد تتبدل فيه العلاقات الاجتماعية وتتطور القوى البشرية بالتالي الحديث عن موت ماركس يصبح حديثا آيدولوجيا وسياسيا ؟ .

ـ ما اشرت اليه من ان الرأسمالية تصحح نفسها غير صحيحة هذه الفكرة، الرأسمالية لا تصحح اخطاءها الا اذا كانت الطبقات الشعبية تفرض ذلك عليها بالتالي نحن رأينا في اجتماع مجموعة العشرين في لندن كيف ان الاستراتيجية الوحيدة للرأسمالية كقوى قائدة هو العودة الى النظام كما كان وليس تصحيحه وبالتالي انا اقول حتى لو نجحت هذه الاستراتيجية فانها تنجح في الاجل القصير بمعنى ان تعود الى شكل النظام قبل التدهور الذي حدث في سبتمبر 2008م الا ان ذلك لن يكون حلا للازمة بل ان الازمة ستستمر تتفاقم .

*نعود الى لينين استكمالا لحديثك عنه ترى الى اي مدى قطع لينين مع ماركس خاصة وان هنالك من يظن ان لينين قدم خدمة كبيرة للرأسمالية عبر افلاس الماركسية اللينينية؟

ـ لا، لا، هذا حكم سريع جدا، لينين شخصية كبرى ولينين ادرك خلال الازمة الرأسمالية الكبرى التي تحدثت عنها كان هو الوحيد الذي ادرك ان هذا النظام لا يمكن ان يستقر وسيؤدي بالضرورة الى حرب وأدى فعلا الى الحرب العالمية الاولى ورأى فيها فرصة لانتفاضة الشعوب وتحقيق الثورات الاشتراكية، لينين ادرك ايضا ان روسيا كانت تمثل الحلقة الضعيفة في السلسلة ونجح في ذلك بمعنى انه انجز اشياء كبيرة جدا ولكن المشكلة ان لينين تصور ان الثورة تبدأ من هذه الحلقة الضعيفة «روسيا» ثم تنتشر الى المراكز المتقدمة في اوربا على الاقل وهذا لم يحدث، ثم ان التطور اللاحق لا يرجع الى لينين فلينين توفى في عام 1924 والثورة الروسية كانت لا تزال شابة واحتمال قيام ثورات في اماكن اخرى كان لا يزال موجودا .

استكمالا للحديث عن كونك لا زلت ماركسيا هل ترى امكانية لتجديد الفكر الماركسي؟

ـ ليس هنالك فقط امكانية للتجديد بل انا ارى ان الفكر الماركسي بدأ يجدد نفسه

*كيف اذن تقيم الدعوة التي تطالب بالعودة الى ماركس من اجل «ماركسية نقدية» بعد سقوط ما كان يمارس باسمه سلطويا وكآيدلوجيا؟

ـ انا اقف في صف هذه الدعوة تماما

*هنالك من يرى ان سمير امين ينزلق نحو المثالية عندما يقول بالانتقال الطويل من الرأسمالية العالمية الى الاشتراكية العالمية وغالبا ما يطرح القضايا من فوق بدءا من العلاقات السياسية التي يقررها اصحابها وليس الواقع ولهذا تراه كثيرا ليبراليا؟

ـ انا على العكس من ذلك انا انظر الى هذا الموقف «الانتقال» كانتقال طويل من الرأسمالية العالمية الى الاشتراكية العالمية ليس على انه موقف مثالي بل على العكس من ذلك موقف واقعي تماما لانه يأخذ في الاعتبار التناقضات الحقيقية التي يتسم بها النظام الرأسمالي .

*انتقدت الديمقراطية على النمط الامريكي وناديت بصراع من اجل ديمقراطية مرتبطة بالمصالح الحيوية للطبقات الاجتماعية ما هو تصورك لذلك؟

ـ شوف انا تحليلي ليس فقط لنمط الديمقراطية الامريكي ولكن لنمط الديمقراطية البرجوازية بشكل عام سواء في الولايات المتحدة او اوربا وتحليل لهذا النمط انه ديمقراطية سياسية تفصل بين استخدام الديمقراطية كاداة لادارة الشؤون السياسية بشكل منفصل عن ادارة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية المتروكة للسوق. نحن نحتاج الى نمط من الديمقراطية يجمع ولا يفصل بين ادارة السياسة والاقتصاد والمجتمع وهي الوسيلة الوحيدة للجمع بين دمقرطة المجتمع من جانب وانجاز التقدم الاجتماعي. وكذلك انا ايضا انتقد النمط السوفيتي والانماط الاخرى للشيوعية التاريخية التي انجزت بالفعل لصالح الطبقات الشعبية ولكن دون ديمقراطية اي دون ان تعطي للطبقات الشعبية الحق في تنظيم نفسها بنفسها .

*انت مدافع او ربما مبرر لوجود الانظمة الحالية السائدة في وجه الحركات الاسلامية او هكذا يراك برهان غليون في «حوار الدولة والدين» عندما رأى انك ترى في اي تغيير في الظروف الراهنة يقود الى خطى السقوط في البربرية وان الموقف الافضل هو دعم الانظمة الراهنة ؟ .

ـ بانفعال، ابدا ابدا، ابدا، وبرهان غليون غلطان خالص في تقديره ، انا بعتبر ان الاسلام السياسي من جانب والنظم القائمة كما هي في الوقت نفسه تمثل نفس المصالح الطبقية وهي مصالح البرجوازية الكمبرادورية «الحليفة للاستعمار» وبالتالي لا فرق بين النظم التي تعلن عن نفسها انها نظم غير اسلامية. نظم استبدادية من جانب، والبديل الاسلامي ليس هو العقبة الاساسية لمنع توصل الاسلام السياسي الى الحكم. نحن لا بد ان ننظر الى الصراع بين بعض النظم القائمة من جانب وإلى الاسلام السياسي من الجانب الآخر على انه مجرد صراع سياسي على السلطة ولكن بنفس القاعدة الاجتماعية

*يعني بشكل عام قدمت نقدا لجماعات الاسلام السياسي وقلت ان برنامج الاخوان المسلمين معاد في الاصل لفكرة الديمقراطية وان قبولهم للديمقراطية والانتخابات هو من قبيل العمل الدعائي ولكنك ايضا بالمقابل تدافع عن حق الاخوان المسلمين في التنظيم السياسي؟

ـ نعم، انا ادافع عن حق الجميع في تنظيم انفسهم كما ادافع ايضا عن حق الشيوعيين عن حق الطبقة العاملة وهذا ما لا يقبله الاخوان المسلمون فالاخوان المسلمون في مصر على سبيل ا لمثال لا يقبلون فكرة حق العمال في ان يكونوا نقابات حرة حقيقية مستقلة عن نظام الحكم لا يقبلون فكرة ان للفلاحين حق ان ينظموا انفسهم بانفسهم للدفاع عن مصالحهم وللحصول على الارض. الديمقراطية لا بد ان تكون للجميع ولا بد لنا من الدخول في صراع سياسي معهم، صراع سياسي وآيديولوجي وليس ان يتمتعوا هم وحدهم بهذه الحقوق دون الطبقات الشعبية فالنظر الى ايران على سبيل المثال هل يرضى النظام الايراني ان تنظم الطبقات الشعبية نفسها بنفسها؟ طبعا لا لذلك اقول ان النضال من اجل الديمقراطية في ظروف بلدان مثل مصر والسودان هو ليس فقط المطالبة بالتعددية الحزبية والانتخابات الصحيحة هذا وحده لا يكفي لا بد من جمع الطبقات الشعبية لانجاز التقدم الاجتماعي، الطبقات الشعبية تواجه تحديات معيشية يومية مثل العمل الصحة والتعليم والسكن الخ... اذن لا بد من جمع اهداف دمقرطة المجتمع بانجاز التحول الاجتماعي ولذلك نمط الديمقراطية المعروض لنا لا يجدي

*ولكنك طالبت بالغاء الجماعات الاسلامية كما قال برهان غليون عبر عملية العنف؟

ـ لا،ابدا انا لا ادعو الى استخدام العنف لانني ارى ان الوسيلة الوحيدة للتقدم ودفع التقدم في المجتمعات العربية وغيرها هو مزيد من الممارسة الديمقراطية وليس العنف .


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - بهجت - 10-28-2009

أعرض هنا مجموعة من أفكار سمير أمين ، ليس لأنني اتفق معه بل لأني اختلف معه في الكثير ،و لكني أراه يقدم نوعا من الماركسية الجديدة تعالج مشاكل الواقع المعولم في القرن 21 و ليس لمشاكل رأسمالية القرن 19 كما تفعل الماركسية الكلاسيكية ، الحوار مع سمير امين سيثري الحوار الليبرالي و يلقحه بأفكار كارل ماركس المتجددة ، هناك أيضا مساحة واسعة من الإلتقاء مع فكر سمير امين خاصة في رؤيته للماركسية كحركة منهجية ناقدة بالأساس و ليس كمنتج نهائي ، اتفق معه أيضا في الموقف من الدين ،و في رفض الحركات الدينية السياسية ، و لكني اختلف معه كلية في استبعاده للحلول التاريخية غير الماركسية و اعتبارها أدبجة الواقع إنطلاقا من الواقع .
سوف تكون لي مداخلة أوضح فيها موقفي من فكر سمير امين و اطروحاته ،و لكني بداية اريد ان اعرف بهذا الفكر و ان اترك سمير امين نفسه يعبر عنه .
شكرا لكل من يتابع هذه الموضوعات الجادة لحد الصرامة ، فرغم قلتهم هم من أتوخى .target audience.


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - بهجت - 10-28-2009

رهان الصراع الأيديولوجي : التوفيق بين الإيمان والعقل والفصل بين المجالين
سمير أمين


...........................
الحوار المتمدن - العدد: 2663 - 2009 / 5 / 31

من اليسير - نظرياً - القول بأن الله هو المشرّع الوحيد، ولكن تطبيق المبدأ يصبح عسيراً لأن العملية تتطلب التوفيق بين الإيمان والعقل. فالحياة تفرض على المجتمع، وفي كل لحظة، الإبداع من أجل مواجهة تحديات جديدة لم تتصد لها الأجيال السابقة.

ويبدو أن المسيحيين والمسلمين واليهود قد واجهوا التحدي وأوجدوا حلولاً موافقة، فلم يكن رجال الماضي ناقصين عقلانية. كلا، وبالتالي أوجدوا الوسائل التي أتاحت لهم التوفيق بين تحكم العقيدة الدينية - أياً كانت - من جانب، وتوظيف قدرات العقل من الجانب الآخر.

والغريب - الذي أود أن ألفت النظر إليه - هو أن المسلمين والمسيحيين واليهود، خلال القرون الوسطى، قد لجأوا في هذا المضمار الى مصدر مشترك، وهو مصدر غير يهودي وغير إسلامي وغير مسيحي بل... إغريقي! أقصد فلسفة أرسطو. فمن المعروف أن طلائع المفكرين في العوالم الثلاثة - إبن رشد وتوما الأكويني وميمون على سبيل المثال - قد إقترحوا حلولاً متماثلة، مضمونها هو إضفاء النسبية على النصوص والدوغما، حيث طرحوا قراءة غير نصية للنصوص. لذلك قامت مؤسسة الحكم والدين بإدانتهم ومحاربتهم بأعنف الوسائل، وهذا ينطبق بالخصوص على إبن رشد وميمون.

من كسب هذه المعارك؟ لقد أثبت التاريخ أن قوى التقدم فرضت نظرتها في نهاية المطاف في أوربا - لسبب أو لآخر - بينما قوى الرجعية إحتلت المسرح في العالم الإسلامي. ومن بين أهم ممثلي هذه القوى الأخيرة الغزالي - عدو الفلسفة والفلاسفة - الذي يعتبر إلى الآن المرجع الأعلى عند آيات الله إيران وشيوخ الأزهر وعلماء السعودية!

خطت أوربا - إنطلاقاً من عصر النهضة - خطوة إضافية في تقدم الفكر، فخرج مفكروها من إشكالية التوفيق بين الإيمان والعقل، التي تمكنوا من إنجازها خلال القرون الوسطى، ليطرحوا أسئلة جديدة.

فأصبحت مشكلة تعبئة العقل من أجل التحرر تحتل مقدمة المسرح في إهتمامات المفكرين، وثم إعلان إستقلال العقل وفصله عن الإيمان دون أن يعني ذلك إنكار وجود مجال يحكمه الإيمان، بل فقط أن هناك أسئلة غير التوفيق بين الإيمان والعقل، لا تقل أهمية. هي تلك الأسئلة الناتجة عن إحتياجات جديدة مثل : تكريس حرية الفرد، مواجهة مسؤولية المجتمع في سن القوانين التي يراها مفيدة، بعبارة أخرى صنع المستقبل.

هذا هو ما يمثل جوهر مفهوم العلمانية، بمعنى إبعاد المرجعية الدينية - أو أية مرجعية أخرى فوق المجتمع - في النقاش حول ما هو مطلوب مجتمعياً. وقد خطت في هذا السبيل بعض المجتمعات الحديثة خطوات واسعة، وبعضها الأخرى خطوات متواضعة، بحسب جذرية الثورة البرجوازية فيها. فبقدر ما كانت الثورة البرجوازية أكثر جذرية كانت إنجازات العلمانية أقوى وأوضح.

لقد تكيفت المسيحية لهذا التطور ذي البعد العميق، ومن أجل ذلك أخذت في إعادة تفسير معناها ومغزاها ودورها الإجتماعي. فتخلت عن دورها القديم في إدارة المجتمع، لصالح القيام بدور إلهام المؤمنين في جو من الحرية. بيد أن المسيحية لم تخسر من هذا التحول، قتعمق الإيمان لدى المؤمنين الذين تحولوا إلى أفراد مقتنعين بالمعنى الحقيقي للكلمة بدلاً من أن يكونوا أعضاء في مجتمع يفرض عليهم إيماناً طقوسياً.

وهكذا أصبحت المسيحية المعاصرة ديانة متحررة من الدوغما، لدى معظم المؤمنين بها على الأقل، عدا فئات صغيرة من السلفيين الذين رفضوا التكيف - نظرياً على الأقل.

مرة أخرى، ودون العودة إلى إشكالية تفسير التطور التاريخية وبيان القوى المحركة فيه، أود فقط الإشارة بعجل إلى موقفي الشخصي الذي يتلخص في النقطتين الآتيتين :

أولاً، رفض الموقف الثقافوي الذي يرى أن الثقافة - ومنها العقائد الدينية - تمثل الثابت في التاريخ، بل أرى أن العوامل الثقافية هي الأخرى قابلة للتحول والتطور، شأنها العوامل البنيائية الأخرى.

ثانياً، إن المادية التاريخية - وهو المنهج الذي أراه أكثر خصوبة من غيره - لا تفترض الإبتذال الإقتصادي القائل أن الإقتصاد يتطور من تلقاء نفسه بسبب تقدم قوى الإنتاج، وأن العوامل الأخرى، وبالأخص على المستوى الأيديولوجي الذي تنتمي إليه العقائد الدينية، لا تأثير لها أو أنها لا بد أن تتكيف تلقائياً لإحتياجات الإقتصاد.

فلا أقبل هذا التبسيط لفكر ماركس، فأطرح إشكالية التماسك بين مختلف مستويات الواقع الإجتماعي : البنية الإقتصادية والبنية السياسية والبنية الأيديولوجية. بتعبير أخر، أقول إن التماسك أمر ضروري وواقع تاريخي. فالمجتمع - أي مجتمع - متماسك الأطراف، فيما عدا خلال مراحل إنتقالية قصيرة عندما يعاني من أزمة تفكك. ولكن لكل مستوى منطق خاص به، الأمر الذي قد يؤدي إلى المنافسة بينها في تحديد الهيمنة الإجمالية.

فما هو المستوى الذي يتكيف لإحتياجات إنجاز التمسك العام؟ الإجابة يمكن تصورها في تكيف إيجابي يعمل في إتجاه إستعجال التطور، وتكيف سلبي عندما يقف البناء الأيديولوجي للمجتمع عقبة في سبيل إستمرار التطور.

لقد قامت أيديولوجيا اليهودية والإسلام على مبدأ أن الله هو السلطان الحقيقي الذي لا بد أن يحكم المجتمع. وليست الحاكمية التي يلجأ إليها الأصوليون المعاصرون سوى تكريس لهذا المبدأ بأسلوب متطرف، وإستنتاج كل ما يمكن إستنتاجه منه. كما رأينا أن النصوص التي تعتمد عليها اليهودية والإسلام تتناول مجالات الشريعة بالتفصيل، الأمر الذي دعا إلى قراءة حرفية للنصوص بل إلى التحفظ إزاء ترجمتها من لغتها الأصلية العبرية والعربية. وليس في المسيحية ما يقابل تلمود اليهود وشريعة وفقه المسلمين.

لا شك أن تعقيد الحالة اليهودية والإسلامية قد وضعت حدوداً ضيقة على الفكر الذي يسعى إلى التوفيق بين الإيمان والعقل، الأمر الذي لعب دوره في إفشال مشروع إبن رشد (المسلم) وميمون (اليهودي) في تجاوز حرفية النصوص. وهكذا إنتصر الغزالي عند المسلمين ويهودا هاليوى عند اليهود، اللذان كرسا تغليب الإيمان على العقل. وكانت هزيمة إبن رشد وميمون بمثابة طي صفحة الفلسفة غند المسلمين ويهود الشتات في دار الإسلام.

ثم جاء الإنحطاط الحضاري الذي رافقته المبالغة في الجانب الطقوسي والشكلي للممارسات الدينية. ولم تعوض حركات الصوفية عند المسلمين والقبلانية عند يهود الشتات العربي، وهي حركات إستوردت ممارساتها وأفكارها من التراث الهندي بالأساس، لم تعوض جمود الفكر الديني الذي رافق إنحطاط المجتمع.

يبدو أن المسيحية قد إتسمت بدرجة أعلى من المرونة، الأمر الذي أتاح فرصة الخروج من إطار الإشكالية القديمة المتمثلة في التوفيق بين الإيمان والعقل، لأن المسيحية لم توطن مملكة الله على الأرض، وذلك إستناداً إلى قول المسيح : (( مملكتي ليست من هذا العالم )).

معنى الرسالة هذه واضح تماماً. كأن الله أراد أن يكرس فكرة أن مصير البشرية على الأرض في أيديها، وأنه هو -الله- لن يستبدل تدخلاته بإختيارات البشر الحرة. إن هذا الفهم لرسالة المسيح قد خلق فعلاً جواً ملائماً ساعد على تبلور الفكرة التي فتحت باب المعاصرة، ألا وهي أن (( الناس صناع تاريخهم )). وأقل يمكن قوله، بهذا الصدد، هو أن هذا التأويل للميتافيزيقيا المسيحية يسّر فعلاً إنتصار الأفكار التي مهدت للمعاصرة عندما تكونت ظروف إجتماعية موضوعية عملت في إتجاهها. فالمعاصرة لم تبد بالضرورة معادية لجوهر العقيدة.

إن هذه الخصوصية المسيحية منعت تقديم حل جاهز في صورة قانون ديني وصفي، الأمر الذي يسّر عملية تبني القانون الوضعي. وربما هذه الخصوصية تقدم تفسيراً لمفارقة عجيبة ألا وهي أن مقاومة الكنيسة لفكر التنوير، رغم قوة تنظيمها، كانت مقاومة وقتية سرعان ما ضعفت وتلاشت، بينما الإتجاه السلفي في اليهودية والإسلام إنتصر في مقاومة فكر التنوير هذا، بالرغم من غياب نظام كنائسي عند المسلمين. كذلك عند اليهود منذ تحطيم معبد أورشليم وإلغاء المحكمة العليا.

على أن يهود الشتات الأوربي قد إستفادوا بدورهم من العلاقة الجديدة بين المجتمع والمسيحية في هذه القارة. هكذا سعى الحاخام موسى مندلس، في القرن 18، إلى ثورة ثقافية يهودية على نمط الثورة التي حصلت في الديانة المسيحية. فنادى بقراءة التوراة قراءة حرة، معتبراً النص مصدر إلهام أخلاقي لا غير. كما وقف الحاخام إلى جانب مفكري التنوير ورحب بفكرة العلمانية.

وهنا أود أن أشير إلى كتاب ذي أهمية حاسمة في الموضوع، ألا وهو كتاب (( اليهود تحت وطأة ثلاثة آلاف سنة )) لإسرائيل شاحاك. هذا المؤلف اليهودي يرى أن يهود الشتات الأوربي كانوا قد تحرروا من خطر الفهم الثيوقراطي للعلاقة بين الدين والدولة، بفضل وجودهم في مجتمعات علمانية تحررت من هذا الخطر. لكن أيديولوجيا الصهيونية أعادت سيادة التأويل السلفي الذي ينتقده مؤلف الكتاب، حيث يخشى أن يكون عقبة أمام المسيرة الديمقراطية في المجتمع الإسرائيلي المعاصر. فالجدل لا يزال غير محسوماً - حتى الآن - بين المتدينين والعلمانيين حول هوية دولة إسرائيل : هل هي دينية أم علمانية؟

وهذه الإشارة تنقلنا إلى الملاحظة الأخيرة ألا وهي أن الثقافة الجديدة، التي نشأت مع الحداثة، أقيمت على أساس القطيعة مع التراث الميتافيزيقي للعصور الوسطى، قطيعة تجلت في طرح أسئلة جديدة لم تعرفها الثقافة القديمة في العوالم المسيحية والإسلامية وغيرها. لكن المسيحية إستطاعت أن تتكيف لمقتضيات هذه القطيعة، وأنجزت ذلك بالفعل، بحيث أن مفكري الحداثة أصبحوا لا يعرفون أنفسهم على أساس الهوية الدينية، بل طابعهم الأساسي هو كونهم بورجوازيين أو إشتراكيين، سواء كانوا متدينين أم ملحدين. والحال أن هؤلاء إما أن يكتفوا بالحداثة التي أنشأتها الرأسمالية ويرونها نهاية التاريخ، أو يسعوا إلى تجاوز حدودها فيرون أن العالمية الرأسمالية المبتورة لا تمثل سوى مرحلة تاريخية، لا غير.


* فصل من كتاب " مناخ العصر، رؤية نقدية ".
إصدار مشترك لمؤسسة الإنتشار العربي ودار سينا للنشر.


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - بهجت - 10-30-2009

حول مفهوم القومية
سمير أمين


dflp@aloola.sy
الحوار المتمدن - العدد: 1167 - 2005 / 4 / 14
.............................

الفصل الثامن من كتاب ’’ في مواجهة أزمة عصرنا‘‘.
تأليف: د. سمير أمين.

1- لا شك أن القومية واقع له وجود حقيقي وفعّال وتعبيرات صارخة تتجّلى في جميع مستويات الحياة الإجتماعية واليومية للشعوب. فمعظم الناس يعترفون دون تردد بإنتمائهم إلى قومية ما، ويقصدون من وراء هذا الإعلان أنهم يرون أن ثمة قاسماً مشتركاً يجمعهم مع غيرهم من ((مواطنيهم)) في وحدة القومية، وذلك على الرغم من التميزات التي قد تفرّق بينهم وتقسّمهم الى مجموعات إجتماعية متميّزة، مثل الطبقة أو العقيدة أو الثقافة. وليس الحكم بصحّة أو وهمية القاسم المشترك المزعوم هو موضوع نقاشنا هنا؛ فمجرد الإقتناع بوجوده، أكان بشكل بشكل مطلق أم نسبي- أي في صورة تعترف بحدود هذه السمات المشتركة-، إنما يثبت حقيقة واقع القومية كظاهرة إجتماعية. هذا بديهي، ولكنه لا يعني على الإطلاق أن التوقف للتساؤل حول طبيعة الظاهرة القومية وحدودها وتناقضاتها غير ضروري، بل على العكس من ذلك، لا بد من نقد الميثولوجيات التي يقوم ((الوعي القومي)) عليها. لأن هذا الوعي قائم فعلاً على ميثولوجيات عنيدة تصعب إزالة النقاب عنها: منها ميثولوجيات تزعم أن القومية ((ظاهرة طبيعية))؛ بمعنى أنها تنتمي الى الطبيعة البيولوجية للإنسان، الأمر الذي يقود فوراً الى عنصرية وعرقية. هذا بينما التاريخ يثبت أن القوميات القائمة فعلاً في الساحة هي ظواهر إجتماعية تاريخية الطابع، تكونت ونمت في ظروف ملموسة معينة. وبما أن المسيرات التاريخية التي مرّت بها مختلف الشعوب متباينة، فلا بد من العودة الى تاريخ هذه المسيرات، إذ أن تباينها يفسر إختلاف مفاهيم القومية.

2- يقوم مفهوم القومية على تناقض جوهري داخلي له، شأنه في ذلك شأن جميع المفاهيم المحددة لمجموعات إنسانية. هذا التناقض يتجلّى هنا، من ناحية، بين العمومية الإنسانية؛ أي الطابع المشترك للبشر بأجمعه، سواء أكان من حيث المميزات البيولوجية والنفسية والذهنية - الأمر الذي ينكر تماماً النظريات العرقية التي تدّعي أن الخصوصيات في هذه المجالات تتفوق على ما هو عام ومشترك -، أم من حيث مغزى المشروعات المجتمعية المستقبلية، وبين الذاتية الخصوصية التي تتجلّى في واقع تاريخ المجموعات الإنسانية تجلياً واضحاً، من الناحية الثانية.

يتموضع التحدي العلمي الحقيقي في الإجابة عن هذا السؤال بالتحديد: كيف تتمفصل أبعاد الخصوصية والعمومية؟ لماذا - على صعيد التعبير الإيديولوجي للوعي الإجتماعي - يزعم البعض أن الخصوصية تنفي العمومية فيطرحون نظريات وإيديولوجيات تعطي مشروعية لهذا النظر، بينما يزعم البعض الآخر أن العمومي يفرض نفسه فرضاً - شئنا أم أبينا. إن دور التحليل العلمي هو بالتحديد قراءة نقدية للميثولوجيات والإدراكات وأساليب التفهم التي تعبّر القومية عن نفسها من خلالها، وذلك بغرض كشف سر التناقض الذي يقوم عليه مفهوم القومية.

3- إن لمفهوم عمومية البشرية نفسه تاريخاً. فالإنسانية لم تصل فوراً الى مستوى التجريد المطلوب من أجل إدراك المغزى الذي يحمله هذا المفهوم، فإنحصرت تجربة المعاش على مجموعات فئوية صغيرة نسبياً - قبائل أو إثنيات، لا تهم تسميتها - ونظر أعضاء هذه المجموعات الى أنفسهم نظرة خصوصية مطلقة، دون التوصل الى إدراك مغزى وحدة البشر.

وإستمرت الأوضاع على هذا النمط خلال عشرات ألوف السنين، ومن ملازمات هذا الوعي القاصر، المحبوس في آفاق ضّيقة، أن الآلهات التي تصورتها الحضارات في هذه العصور القديمة لم تخرج، هي الأخرى، عن آفاق محلية، فظلّت كائنات خاصة لكل قبيلة أو إثنية أو جماعة فئوية، دون أن يتوصل التصوّر الى كائن إلهي يخاطب البشرية بأكملها.

ثم جاءت أول موجة لما أُسّميه ((الثورات الثقافية لنمط الإنتاج الخراجي)) ، وظهر معها مفهوم عمومية البشرية في صورته الأولى. أقصد هنا الألفية التي تمتد من 500 ق.م الى القرن السابع الميلادي. فقد تبلورت خلال هذه المرحلة التاريخية الديانات الكبرى التي تتقاسم الإنسانية بينها الى عصرنا، وهي الديانة الزرادشتية، التي هجرت مسرح التاريخ، والبوذية والمسيحية والإسلام، كما تبلورت أيضاً خلال هذه المرحلة الفلسفات الكبرى ذات المغزى الإنساني العمومي؛ أقصد الكونفوشيوسية والهيلينية. وتتسم جميع هذه العقائد بالقول إن للبشر قدراً واحداً، ولو إنحصرت النظرة الى هذا القدر على تأويلات تخص الآخرة. هكذا تجاوز الفكر الديني والفلسفي آفاق المحلية والخصوصية.

على أن الديانات والفلسفات الجديدة ذات البعد الإنساني العمومي لم تحقق وحدة الإنسانية على صعيد الكون، فلم تسمح بذلك الظروف الموضوعية الخاصة بالمرحلة الخراجية للتاريخ. هكذا تبلورت عوالم المسيحية والإسلام والهندوكية والكونفوشيوسية. وعلى الرغم من هذا الفشل النسبي في تحقيق العولمة، أزعم أن هذا الفشل النسبي في تحقيق العولمة، أزعم أن هذه الثورة الثقافية تمثل مرحلة أولى حاسمة في تكوين مفهوم العمومية. فطرحت فكرة سابقة على أوانها، سابقة على أوانها، سابقة على نضوج الظروف التي تتيح تحقيقها، شأنها في ذلك شأن جميع الثورات الكبرى.

تمثل الثورة البرجوازية التي تفتح العصر الحديث المرحلة الثانية في هذا التطور؛ وقد طرحت مفهوماً جديداً للعمومية، أغنى مضموناً. وأزعم أن فلسفة الأنوار تمثل نقطة إنطلاق هذه الحركة التي بلغت ذروتها في الثورة الفرنسية. وفيما يخص موضوعنا مباشرة، أي موضوع القومية، فقد طرحت فلسفة الأنوار مضموناً جديداً لها.

كانت الشعوب قبل ذلك التاريخ تعيش واقعها على ضوء الوعي بالإنتماء الى إحدى الديانات أو الفلسفات الإقليمية الكبرى المذكورة أعلاه. فنستطيع أن نتحدث بالنسبة لتلك العصور، السابقة على الرأسمالية، عن أمم مسيحية وإسلامية وهندوكية وكونفوشيوسية. فقد كان لهذه الأمم وجود فعلي، وصدى حاسم في العديد من الممارسات السياسية والإيديولوجية والسلوك في الحياة اليومية، وذلك سواء أكانت المنطقة المعينة موحدة نسبياً من حيث نظام الحكم السياسي- وهذه الحالة هي الإستثناء- أم كانت متفتتة سياسياً، وهي القاعدة العامة.

جددت فلسفة الأنوار الوعي؛ كي يستجيب الإطار المجتمعي الذي أخذ في التكون في الربع الشمالي الغربي للقارة الأوربية إنطلاقاً من عصر النهضة وفتح أمريكا (القرن السادس عشر)، أي الرأسمالية بتعبير أصح. فتبلورت أولى القوميات الحديثة في هذه الأطر المناسبة لنشأة الرأسمالية، وهي إنكلترا وفرنسا بالتحديد. أقول القوميات الحديثة؛ بمعنى أنها قوميات إزدهرت في ظل إطار الدولة-الأمة البرجوازية التي لا سابق لها في التاريخ.

أضفت فلسفة الأنوار مشروعية لهذه القطيعة في التاريخ. لذلك لم تتطلع الى تكوين الدولة-الأمة البرجوازية الجديدة على أنه ناتج طبيعي للتطور، ولم تؤسس مشروعية القومية على ميثولوجيا بيولوجية مثلاً، بل اتخذت موقفاً مبدئياً معادياً تماماً، وأنمت خطاباً آخر. فأعلنت أن الدولة-المجتمع هذا هو ناتج قطيعة وانعتاق من (( الطبيعة)). فالمجتمع في منظورها ناتج ((عقد إجتماعي)) يربط الأفراد بعضهم ببعض. والعقد - كما هو معروف في القانون- هو صلة تربط أحراراً بفعل إرادتهم الحرة. فالقومية، من هذا المنظور، هي فعل عقد إجتماعي، والدولة-الأمة -القالب الذي تتكون القومية من ضمنه- لا وجود لها في غياب هذا العقد، أي دون القرار الواعي من قبل ((مواطنين))، وليست ناتج تطور (( طبيعي)) يفرض نفسه بدون عمل الوعي.

طبعاً فكرة ((العقد الإجتماعي)) هي أيضاً ميثولوجية؛ بمعنى أن ظهور العلاقات الرأسمالية هو القاعدة الموضوعية التي تكّونت الدولة -الأمة على أساسها، وأن هذه العلاقات لم تنشأ بقرار من الناس. على أن هذه الميثولوجيات الجديدة لا تمتّ للماضي بصلة، فهي تجلّ لمفاهيم جديدة رافقت نشأت الرأسمالية، مفاهيم الفردية البرجوازية وحريتها؛ أي تأكيد حقوق هذا الفرد الحر في مواجهة المجتمع وانعتاقه منه، ظهور مفهوم المواطن ليحل محل الرعايا وأهل الذمة.

تجلّت هذه المفاهيم الجديدة في الثورة الفرنسية تجلياً إيديولوجياً وسياسياً بارزاً. فالثورة الفرنسية زعمت أنها تؤسس ((أمة جديدة))، لا علاقة لها بالمرجعية البيولوجية (دم الأسلاف أو الأمة الدينية)؛ بل مرجعيتها الوحيدة هي قرار حر من المواطنين الذين يريدون العيش متضامنين في ظل قوانين يسنّونها هم دون قيد. لذلك ضمت هذه الأمة الجديدة الشعب الذي اشترك في الثورة بفئاته المختلفة الأصول، والمكونة من ناطقين باللغة الفرنسية ومن غير الناطقين بهذه اللغة على قدم المساواة، وكذلك-بالمقابل- لم تشمل هذه الأمة كل من نطق بالفرنسية ويعيش كمواطن في دولة أخرى. فهذه الأمة الجديدة هي ((أمة-مجتمع إيديولوجية الطابع))، ((أمة إختيار حر))، ((أمة مواطنين بإرادتهم)) وليست ((أمة طبيعية)) عنصرية، ليست أمة الأسلاف. لذلك ضمّت الأمة الفرنسية الجديدة فوراً يهودي فرنسا، رغم اختلافهم في الديانة؛ إذ أن الديانة لم تعد تمثل مرجعية معترفاً بها. أكثر من ذلك، ضمت الثورة في ذروتها العبيد السود الذين انتفضوا في هاييتي، وأعلنت أنهم استحقوا أن يكونوا مواطنين متساويين، بفضل انتفاضتهم، لأنهم أحرار بإرادتهم.

مفهوم العلمانية يجد مكانه في هذا الإطار الإيديولوجي. فلا تنحصر العلمانية في مبدأ استقلال القرار السياسي عن اللاهوت. فهذا المبدأ معمول به عبر التاريخ منذ أزمنة بعيدة وفي جميع المجتمعات، على الرغم من أنه، ظاهرياً، لم يكن كذلك دائماً، وعلى الرغم من إدعاء الجماعات الإسلامية أنه لا يجب أن يكون كذلك. فالدمج بين السياسة والدين يضفي طابعاً مقدساً على ممارسات يغلب فيها طابع الإنتهازية السياسية؛ وبالتالي يلقي قناعاً يحول دون شفافية القرار، ويلغي جوهر الديمقراطية. كذلك لا ينحصر مبدأ العلمانية في ممارسة التسامح وإطلاق الحريات الدينية مهما كانت.

إن مبدأ العلمانية يتجاوز كل ذلك، فهو إعلان قطيعة بالماضي والطبيعة، ويلغي المرجعية المعتمدة على السلفية، ومنها انتماء الشعب الى عقيدة دينية مشتركة. فالثورة الفرنسية أعلنت أن المسيحية هي رأي ((فلسفي)) فردي -لا أكثر- شأنها شأن أي رأي فلسفي، وليست عاملاً من عوامل البناء الإيديولوجي للمجتمع.

وعلى هذا الأساس نستطيع أن ندرك مغزى ((حق اللجوء)) المسجل في إعلان حقوق الإنسان والمواطن- ديباجة الدستور- فما معنى هذا الحق؟ إن مفاده هو أن أي انسان - بغض النظر عن أصوله ولونه وآرائه(ومنها الدينية)- إذا اراد العيش في ظل قوانين الجمهورية وأن يشترك في سنها، فله الحق بالمواطنة. فليست هذه الأمة نتاج ((خصوصية)) لها جذور طبيعية وبيولوجية وتأريخية؛ بل أمة-مجتمع تزعم أنها تجلّ لمبدأ العمومية. سنجد ظواهر متماثلة تماماً في الثورة الفرنسية. فالثورة الفرنسية نصبت نفسها نموذجاً ينبغي أن يُحتذى؛ بل اعتبرت أن ثمة قوانين موضوعية لا بد أن تؤدي الى الإحتذاء بها عالمياً. ونجد فكرة متماثلة تماماً في تجربة الثورة الروسية، فهذا شأن جميع الثورات الكبر: إنها تتخطى مقتضيات الحاضر المباشر، وتشير الى اتجاه التطور المستقبلي البعيد.

4- ولكن لا فلسفة الأنوار ولا الثورة الفرنسية، التي تمثّل أعظم تجلياتها في الواقع المجتمعي، قد حققت الهدف ذا البعد العمومي المعلن. لماذا؟ لأن النظام الرأسمالي الذي كانت هذه الإيديولوجية ملازمة له لم يتطلب ذلك؛ بل إن منطق الرأسمالية نفسه قد وضع حدوداً ضيقة لمبدأ العمومية المعلن. لقد اصطدم المشروع العمومي لفكر الأنوار والثورة الفرنسية بواقع التوسع الرأسمالي الذي حددّ مغزاه في بعدين اثنين:

يخص أول هذين البعدين ما ترتّب على اساليب انتشار الرأسمالية في أوربا نفسها. فلم تفتح الرأسمالية سبيلاً لها خارج انكلترا وفرنسا وهولندا من خلال ثورات بورجوازية؛ بل بالإعتماد على إقامة الدول الوطنية ( الدولة-الأمة ) لأوربا الحديثة. ففي ألمانيا، مثلاً، كان تكوين هذه الدولة ناتج مركّب لاستخدام القوة العسكرية لمملكة بروسيا، وانضمام ارسطوقراطيات الإمارات الألمانية لمشروع بسمارك، دون تحقيق ثورة برجوازية.

وقد انتجت هذه الظروف نتائج بالغة الأهمية من حيث مضمون الإيديولوجية السائدة في الدولة الجديدة. فالتحالف الإجتماعي الحاكم الذي فتح سبيلاً لنمو الرأسمالية أقام مشروعيته لا على قيم الديمقراطية، بل أحلّ محلها الإعتماد على القومية، علماً بأن القومية هذه لم تكن وطنية مبنية على اختيار حر (عقد اجتماعي)؛ بل أصبحت قومية تلجأ الى مرجعية عرقية، ميثولوجيا الأسلاف والدم. فهذه المرجعية هي بدورها دعوة للبحث عن جذور (حقيقية أو وهمية) في الماضي البعيد للقبائل الجرمانية. وتقيم أدبيات علم الإجتماع الألماني دليلاً واضحاً على هذا البحث؛ حيث أنها ابتدعت مصطلحاً خاصاً للإشارة الى تلك الجماعة الوهمية القديمة المزعومة ( والمصطلح الألماني هو هنا Gemeinschaft) والمعتبرة أصل القومية الألمانية الحديثة. فهذه الإيديولوجيا لم تطرح نفسها على أنها قطيعة مع الماضي، بل على أنها بعثاً له. ومما ترتّب على هذا الموقف أن هذه الإيديولوجيا نظرت الى التراث الديني الجرماني القديم على أنه عنصر من عناصر تكوين الأمة. فهي إذن إيديولوجيا عرقية ورجعية، نظرة بيولوجية للإنسان، أدت في نهاية المطاف الى الإجرام النازي، ولم تُستأصل حتى الآن من الوعي العام في ألمانيا.

إذن، فإن غياب ثورة برجوازية خارج انكلترا وفرنسا وهولندا، أدى الى إعتماد نمو الرأسمالية في أوربا الوسطى والشرقية والجنوبية على ميثولوجيا قومية مفادها أن إقامة الدولة الوطنية هي تجلّ لرغبة وطنية سابقة، مفترضاً بذلك أن الأمة قد سبقت في الوجود الدولة-الأمة. هذا بينما واقع التاريخ يثبت أن الأمة المزعومة هي الى حد كبير ناتج ممارسات الدولة. وقد أنتج هذا التشوّه الإيديولوجي القومي انفجار الإمبراطوريات المتعددة القوميات، على الرغم من أن الأطر الأوسع التي كانت تمثّلها في مجال تنظيم السلطة لم تقلّ احتمالاً وقدرة على أن تفتح سبيلاً لنمو الرأسمالية عند الأطر الأصغر التي نشأت عن تفتتها. ثم أثّر التحمس القومي على مجتمعات أوربا الغربية الديمقراطية نفسها تأثيراً ملحوظاً، خاصة وأن دول أوربا قد دخلت في تلك اللحظة مرحلة الإمبريالية واشتداد المنافسة بينها، فصار الإلتجاء الى ميثولوجيا القومية سلاحاً فعالاً في أيدي الطبقات الحاكمة من أجل تعبئة شعوبها في مشاريعها الإستعمارية.

لا ريب أن النظرية التي ترفع عنصر الإستمرار في التاريخ لدرجة تأكيد الخصوصية المطلقة لمسيرات مختلف الشعوب هي نظرية غير علمية في أساسها ينكرها واقع التحولات التي مرّت بها جميع المجتمعات عبر تاريخها. ولكن لا ريب أيضاً أن النظرية المتطرفة العكسية التي تعتبر القطيعة الثورية قطيعة تلغي تماماً الماضي (فلنضرب الماضي عرض الحائط - كما يقول النشيد الأممي) هي الأخرى قائمة على مبالغة ينكرها التطور الحقيقي للمجتمعات التي مرّت بمثل هذه التجارب. فالنظريتان ميثولوجيتان، وإسقاط تعسفي على واقع أكثر اشتباكاً. فالأمم التي تدّعي أنها أقيمت على أساس إنكار ماضيها هي في واقع أمرها لم تتخلّص منه تماماً. فمن الأصح أن نقول في هذا الصدد إنها استوعبت عناصر عديدة من ثقافتها السابقة ووظّفتها في بنيتها الجديدة. هذا الأمر واضح تماماً في حالة فرنسا التي ترجع جذور تكوينها كأمة الى مشروع ملكيتها منذ القرن الحادي عشر. بيد أن هذه التجربة تختلف عن حالة ألمانيا التي لم تحقق تكوينها كأمة إلا حديثاً وبصفة تكاد تكون فجائية، في غياب جذور تأريخية حقيقية قديمة وقوية. ففي فرنسا حدث اندماج تدريجي على مر القرون لشعوب مختلفة الأصول هجرت لغاتها فتفرنست لغوياً وثقافياً. ثم أنشأت الجمهورية نظام التعليم الحديث الذي عجّل التطور، وأكمل المشروع فخلق وحدة ثقافية- لغوية متينة فعلاً.

ثمة تشابه واضح غاية الوضوح بين هذا التاريخ الفرنسي وتاريخ انكلترا. فقد تم فعلاً اندماج شعبي اسكتلندا وويلز وانكلزتهما لدرجة ان هذين الشعبين نسيا لغتيهما الأصليتين وصارا ينطقا بالإنكليزية فقط. غير ان الثورة الإنكليزية سبقت الفرنسية بقرن ونصف، فحدثت قبل ان تنضج الظروف بالدرجة التي نجدها ناضجة في فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر. لذلك لم تكن ((القطيعة)) بالماضي في انكلترا بالقوة نفسها التي نجدها معلنة في الثورة الفرنسية. فالثورة الإنكليزية رست على حل وسط أنقذ الملكية والأرستقراطية، الأمر الذي كرس بدوره ميثولوجيا التواصل التاريخي. وفي هذا الإطار اخترعت الإيديولوجيا الإنكليزية ميثولوجيا خاصة لها فزعمت أن ديمقراطيتها وارثة تقاليد قديمة ترجع الى الوثيقة الكبرى المشهورة للقرن الثاني عشر، على الرغم من أن هذه الوثيقة هي اعلان حريات كبار الإقطاعيين إزاء سلطة الملك، وبالتالي فهي لا تمت بصلة الى الحريات البرجوازية الجديدة. وكذلك استوعبت الإيديولوجيا الإنكليزية الإصلاح البروتستانتي استيعاباً جعل منه عنصراً من عناصر التراث المزعوم الحي الى الآن.

على أن البلاد ذات التراث الديمقراطي البرجوازي تميل دائماً وتلقائياً الى تأويل مفهوم القومية تأويلاً مفتوحاً، يرحب بمبدأ اندماج عناصر جديدة وافدة، وخاصة في ظروف انفتاح البلاد على الهجرة انفتاحاً واسعاً.

كان ذلك هو وضع الولايات المتحدة وجميع بلدان أمريكا، وبعض البلاد الأخرى مثل استراليا. ولكن كان هذا هو أيضاً وضع فرنسا منذ أواخر القرن التاسع عشر، أي قبل أن تحدث حركة الهجرة على نطاق واسع في أوربا الغربية كلها خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي. فكان تكيف المجتمعات ذات التقاليد الديمقراطية الأصلية لتحدي الهجرة تكيفاً ايجابياً بشكل عام. فاستقبل الوافدون بترحاب نسبي، ولو بدرجات طبعاً. فهنا أُعتبر منح الجنسية للمهاجرين، على الأقل لجيل أولادهم، أمراً طبيعياً. وهذه هي فعلاً الممارسة السائدة في غالبية البلدان الأوربية، علماً بأن هذا الإنفتاح على مبدأ التجنيس قد ساعد بدوره على الإندماج الفعلي في القومية المحلية.

أما الولايات المتحدة، فقد اخترعت مفهوماً خاصاً لها وهو مفهوم الإلحاق بالأمة الأمريكية. ويختلف مضمون هذا الأخير عن مفهوم الإندماج الفرنسي-الإنكليزي؛ بمعنى أن الأول يعترف بديمومة التنوع في الذاتيات الثقافية للمجموعات المختلفة الأصول المكوّنة للأمة الأمريكية.

لديّ تعليق صارم في هذا الموضوع: فالرأي السائد حالياً في هذا الصدد يدافع عن الأسلوب الأمريكي، ويشيد به باسم الديمقراطية؛ فيعتبره اكثر تقدماً؛ إذ أنه يعترف بما يسمى ((الحق في الإختلاف))، هذا الحق الذي يتجاهله أصحاب منهج الإندماج. على أن التجربة تثبت أيضاً أن الإختلاف هذا - المعترف به وبمشروعيته- هو أساس لديمومة التمييز وإنكار المساواة في واقع الأمر، فالهرمية في المواقع المجتمعية والسلوكات العرقية هي أيضاً ظواهر تلازم الإعتراف ((بالحق في الإختلاف)). لعل الأفكار المسبقة الموروثة من السوابق الموروثة من السوابق العبودية هي مصدر الأسلوب الأمريكي في تناول موضوع الإختلاف. فإذا كان الحق في الإختلاف يستحق أن يُعترف به، فينبغي أيضاً الاعتراف بحق آخر موازٍ هو ((الحق في التماثل)). أعتقد أن المبالغة في اعتبار ((الإختلافات))، بل الإشادة بها، ترافق دائماً مفهوماً ضبابياً ((للثقافة)) التي تحل محل البيولوجيا في تكريس سمات ثابتة مزعومة. هذا بينما واقع التاريخ أثبت أن الثقافات مرنة، تتكيف لتغير الظروف، شأنها في ذلك شأن جميع أوجه الواقع المجتمعي.

أما البُعد الثاني الذي وضع حدوداً للعمومية البرجوازية، فهو ذلك البعد الذي يخص التوسع الرأسمالي خارج مراكزها في الأطراف الآسيوية والأفريقية. فلم يخطر ببال أصحاب الحكم الإستعماري أن يعاملوا شعوب المستعمرات معاملة أهل الوطن الأصل، أي طبقاً للقيم الديمقراطية لفلسفة الأنوار. بل وجد هؤلاء الحكام من مصلحتهم إبقاء تلك الشعوب خاضعة لتقاليدهم (غير الديمقراطية طبعاً)، وتوظيف هذه التقاليد -أكانت أصلية أم مفبركة- من أجل تكريس حكم الإستعمار. وتمثّل حالة الجزائر في هذا الشأن نموذجاً صارخاً للكيل بمكيالين. فعلى خلاف إدعاءات شائعة في صفوف الحركات الإسلامية المعاصرة؛ لم يلغ الفرنسيون الشريعة في الجزائر، بل احترموها تماماً، ومنحوا لعلماء السلفية حقوقاً واسعة في تأويل الشريعة وتنفيذها. إن الدولة الجزائرية المستقلة الحديثة هي أول نظام في البلاد تجرأ على البدء في اصلاح هذه الأوضاع، ولو بشكل هامشي وخجول، لاسيما فيما يخص حقوق المرأة. فالحركة الإسلامية تدعو هنا الى العودة لما كان معمولاً به في ظل حكم الإستعمار الفرنسي.

ولا يدهشني هذا الكيل بمكيالين، ولا هذا الطابع المبتور في ممارسة العمومية من قبل حكام المستعمرات. كلا، فالرأسمالية أنتجت الإستقطاب على صعيد عالمي؛ أي ذلك التضاد بين المراكز المتقدمة والأطراف المتخلفة. فكان لا بد أن يلازم الإستقطاب على صعيد الواقع الإجتماعي استقطاباً آخر في مجال الممارسات السياسية والتعبيرات الإيديولوجية.

هكذا تركت الرأسمالية العالمية القائمة، بالفعل، الأطراف خارج مجال العمل؛ طبقاً للقيم القائمة على مبادىء العمومية، ودعمت ((الخصوصيات)). لذلك، فقد اصطدمت حركات التحرر الوطني والإشتراكية بهذا التحدي الرئيس الناتج عن الإستقطاب: كيف يمكن التوفيق بين الأهداف العمومية والظروف الموضوعية التي تكرّس الخصوصية؟

5- تصدىّ الفكر الإشتراكي لمسألة القومية في أوربا أولاً، ثم في إطار مسألة الاستعمار خارج أوربا. وأقلّ ما يمكن قوله بهذا الصدد هو أن الفكر الإشتراكي، بجميع تعبيراته واتجاهاته، قد وضع نفسه في خط سير فلسفة الأنوار، فلم يتخلف عنها. فاليسار-تاريخياً- وبالأولى اليسار الإشتراكي، ينخرط ضمن القوى الأكثر ديمقراطية، قوى تشك، عن حق، في صدق ديمقراطية اليمين المستعد دائماً للحدّ من الحقوق المكتسبة من أجل حماية امتيازات الطبقةالمستغِّلة التي يمثلها. من جانب آخر، فقد وضعت الإشتراكية لنفسها هدفاً رئيساً هو تدعيم الوعي الطبقي، وتشجيع التضامن بين الطبقات الشعبية. فعارضت من هذا المنظورالإيديولوجية القومية ومناورات الرجعية التي وظّفت هذه الإيديولوجيا من أجل تأخيرإنضاج الوعي الطبقي.

إذن، عندما نتناول موضوع أخطاء الفكر الإشتراكي وحدوده ينبغي أن نأخذ في الإعتبار الملاحظة المبدئية المذكورة هنا. فالعديد من هذه الأخطاء ناتج عن تفاؤل مبالغ فيه فيما يخص قدرات الشعوب على أن تتحرر من الأفكار والسلوكات والتقاليد الرجعية الموروثة من الماضي.

على ضوء التأملات المذكورة هنا، سنجد أن أخطاء الحركات الإشتراكية في مسألة القومية والمستعمرات ترجع الى مبالغتها في تقدير الدور التاريخي للرأسمالية. فالاشتراكيون آمنوا في التقدم، وظنّوا أن التوسع الرأسمالي العالمي لا بد أن يلغي - ولو بالتدريج- فعل الحدودالسياسية للدول، الأمر الذي من شأنه أن يخلق شروطاً مناسبة لممارسة الصراع الطبقي على صعيد عالمي، وبالتالي انجاز ثورة اشتراكية عالمية. لذلك، ارتأى الاشتراكيون أن كل ما يدفع تقدم قوى الإنتاج الى الأمام إنما هو في آخر المطاف إيجابي تاريخياً، وأن مسؤولية اليسار هي أن يفرض إنجاز هذا التقدم بالوسائل الأكثر ديمقراطية. هكذا آثر الإشتراكيون مبدأ الإدماج في شؤون المسألة القومية، باعتماد الوسائل الديمقراطية، على الدفاع عن التنوع و((الخصوصيات)) و((الذاتيات)). فمن يبالغ في الخصوصية يكرّس آثار رجعية الماضي.

أذكر هنا هذا البُعد للفكر الاشتراكي؛ لأن الرأي السائد حالياً يدعو الى الإشادة ((بحق الإختلاف))، كما سبق أن ذكرت. لاشك أن التيارات الفكرية التي طرحت هذه المشكلة صادقة في نيّتها. ولكن لي تحفظات بشأن الاستراتيجيا المطروحة هنا، سبق أن أبديتها. أعتقد، إذن، أن هذه الآراء لا تمثل تقدماً بل ردّة وتراجعاً عن مواقف أكثر جذرية اتخذتها الاشتراكية التاريخية، وأن تبنيها من قبل حركات شعبية هو ناتج تغلغل تقاليد فكرية محافظة سائدة في مجتمعات أوربا الشمالية.

تصدى الاشتراكيون لواقع القوميات، فشيدوا المواقف التي اعتقدوها الأنسب من أجل تدعيم الوعي الطبقي. وإذا أثبت التاريخ عدم فاعلية بعض تلك المواقف؛ إلا أن هذه الخيارات صدرت عن نيّات نبيلة تستحق التقدير والإحترام، سبقت أوانها من جوانب عديدة. ويخطر ببالي هنا الموااقف التي اتخذها اشتراكيوا الإمبراطورية النمساوية-المجرية والبلشفيك. فالأولون لم يبحثوا عن وسائل لإنقاذ الإمبراطورية؛ بل سعوا الى إعادة بناء المجتمع على أسس ديمقراطية تعترف بحقوق جميع القوميات اعترافاً صادقاً وشاملاً، وذلك بغرض دفع الوعي الطبقي وضمان إطار جيوغرافي مناسب لانبساط صراع طبقي قادر على إنجاز انتصارات ذات معنى ومغزى. أما البلشفيك، وبعدهم الأممية الثالثة، فقد خطوا خطوات واسعة دفعت الأهداف الإستراتيجية الى أمام. فاعترفوا بحقوق القوميات، وعلى هذا الأساس أقاموا دولة اشتراكية متعدّدة القوميات. قطعاً إن ما فعلوه فعلاً في هذا التطلع الاستراتيجي، وما حققوه وما حدث من تشوّهات وانحرافات بل وخيانات، كل ذلك قابل للنقاش والنقد. على أن دستور الاتحاد السوفياتي، وكذلك دستور يوغسلافيا، لا يمثلان فقط وثيقتين ورقيتين، بل أيضأً تجليات تجربة معاشة، بايجابياتها وسلبياتها. ومن هذا المنظور أزعم أن البلشفيك دفعوا احترام القومية الى أقصى حدود الإحترام من حيث المبدأ، معترفين بحق الاختلاف لدرجة أنهم جمّدوا الى حد كبير تطوراً كان يُحتمل أن يلغي بعض الاختلافات.

صحيح أن النظام السوفييتي قد اتسم بهيمنة ثقافية روسية إزاء الشعوب الأخرى، ولكن الى جانب ذلك حقق النظام السوفييتي فعلاً إعادة توزيع الثروة في صالح أطراف آسيا الوسطى والقوقاز على حساب المركز الروسي؛ وهذا هو ما لم تحققه الرأسمالية العالمية أبداً بحيث أن الحديث عن ((الإمبراطورية السوفييتية)) وتشبيهها بالمنظومات الاستعمارية الرأسمالية لا يقومان على أي أساس علمي. إلاّ أن التاريخ قد أثبت أيضاً أن عامل المركزية الثقافية الروسية قد لعب دوراً سلبياً في نهاية المطاف، دوراً لم تلغه إيجابيات إعادة توزيع الثروة لصالح الأطراف.

أزعم أن الرأسمالية أثبتت أكثر من مرة أنها أقلّ احتراماً ل((حق الإختلاف))؛ لقد أنقذ السوفييت ثقافات محلية كان من شأنها أن تُمحى في فرضية سيادة الرأسمالية في المنطقة. في هذه الفرضية لكانت الرأسمالية قد قضت على كثير من ((الخصوصيات))، وذلك من خلال عمل منحة السوق.

تعطي لنا يوغسلافيا مثالاً صارخاً عن الجوانب السلبية للتجمّد الذي أنتجته ممارسات سياسية دفعت مبدأ احترام الخصوصية القومية المزعومة الى ما بعد الضروري؛ فكان ثمة نسبة متزايدة من الشباب في يوغسلافيا قد أخذوا يبتعدون عن تشديد انتمائهم للقوميات المعترف بها في الدستور، ويعلنون ((يوغسلافيتهم)) بصفتها ((أمة)) جديدة. أعتقد أن هذا التطور كان إيجابياً، وكان ينبغي تشجيعه والاعتماد عليه. إلا أن قوى الرجعية في الداخل -مسنودة من الخارج- اختارت، في مواجهة أزمة النظام، خطة أخرى تدعو الى ((إنعاش)) القوميات الى حد الشوفينية. والنتيجة بيّنة أمام أعيننا.

6- في مجال المسألة القومية اتخذت حركات التحرر الوطني موقفاً مبدئياً مفاده الدعوة الى ((وحدة الشعب)) في اطار الحدود السياسية ((للقطر)) الذي تعمل فيه، باعتبار أن هذه الوحدة تمثل ركناً أساسياً ضرورياً للتحرر. لا أشك في سلامة هذا المبدأ وفاعليته. كذلك لا خلاف حول دعوة إقامة -أو إعادة إقامة- دولة مستقلة، كبيرة أو صغيرة، قديمة الأصول أو مستحدثة، وتجاوز آفاق الإثنيات والملل والفروق اللغوية وجميع أسباب التنوع، نظراً لأن استراتيجيات الإستعمار هي بالتحديد توظيف هذا التنوع من أجل تقسيم جبهة التحرير. على أن المفاهيم التي عبأتها حركات التحرير من أجل إضفاء مشروعية على الوحدة المطلوبة، قد اختلفت بحسب الظروف الملموسة والمصالح. فاليمين المحافظ ركّز على ((الوطن)) و ((وحدته)) المزعومة أو الحقيقية، وأهمل -بل أنكر أحياناً- التنوّع الإثني واللغوي والعقائدي الديني في تشكيلة الوطن هذا. كذلك فإن القوى السلفية -التي ظلت دائماً موجودة في قلب جميع مجتمعات الأطراف- قد اعتمدت على عناصر ثقافية أو شبه ثقافية ودينية، صحيحة كانت أم وهمية وضبابية، لتدعو الى إحياء القواعد التي تستدرج مشروعيتها منها، مثل الجماعة الإسلامية أو الهندوكية على سبيل المثال. وبما أن عدداً من هذه الأوطان قد تكونت في إطار حدود سياسية مصطنعة فرضها الإستعمار؛ فإن ((القومية)) الجديدة المزعومة لم تكن متجانسة تجانساً إثنياً أو لغوياً إلا نادراً. فالقومية الجديدة ظلت تكتل شعوب واقسام شعوب مختلفة الأصول التاريخية. لا أرى مانعاً في الدعوة الى إقامة دولة موحدة على الرغم من هذه الفروقات، على شرط أن تكون الدعوة صادقة فتعترف بالتنوع ولا تنكره. في هذا الإطار الإيديولوجي يمكن تصور تواجد الشعور بالإنتماء الى ((الوطن السنغالي)) من جانب، وبالإنتماء الى الحضارة (أو الإثنية) الولوف أو المندنجو من الجانب الآخر، دون أن يكون ذلك مصدر قلق وتناقض مدمر.

كانت الإيديولوجيات اليمينية في حركات التحرير تميل تلقائياً الى التحمس بالنظريات الضبابية حول القومية، تلك النظريات التي انتشرت في بلدان أوربا خارج منطقة نفوذ فلسفة الأنوار.

سأضرب مثلاً صارخاً في رأيي هو مثل ((القوميين العرب)). هل يقف القوميون العرب على يسار أو يمين الحركة؟ ثمة إلتباس بارز في هذا الشأن. فهم واقفون على يسار الحركة بلا شك إذا أخذنا بالمعيار السياسي. فالبرجوازيات المحلية الليبرالية التي تكونت في الأطر القطرية لم تتطلع الى الوحدة العربية كعنصر ضروري من أجل إنجاز تحرير شامل وحقيقي. وإذا كانت هذه البرجوازيات قد انخرطت في اطار التوسع الرأسمالي العالمي الذي يسيطر الاستعمار عليه، فقد رضيت بوضع كومبرادوري في هذا الإطار. وظهر القوميون كحركة رفض هذا التسليم، ودفع مشروع الوحدة على صعيد العالم العربي؛ وهي دعوة تقدمية بمعنى أنها على قدر تحد العولمة. لذلك اعتبر أن القوميين العرب وقفوا سياسياً على يسار الحركة. ولكن إذا نظرنا الى المفهوم الذي قدموه من أجل إضفاء مشروعية على الوحدة العربية لإتضحت ضبابية خطابهم. فبدلاً من إعتبار مشروع الوحدة على أنه مشروع مستقبلي تفرضه تحديات العصر، نظر القوميون الى ((العروبة)) على أنها تكاد تكون ظاهرة ((طبيعية))-- فالعروبة تسيل في العروق كالدم!- هذا المفهوم البيولوجي للعروبة مماثل تماماً للمفهوم الألماني العرقي ((للجرمنة)). فهو مفهوم يميني لا يمت بصلة الى المفهوم الديمقراطي للأمة كناتج إرادة مشتركة رشيدة وحرة- العقد الإجتماعي. أركز على هذا العنصر الإرادوي؛ دون إنكار أن مشروع وحدة العالم العربي يستطيع أن يُوظّف لصالحه عناصر موجودة فعلاً في المجتمع وموروثة من الماضي. أقصد بذلك أن تواجد هذه العناصر لا ينتج الوحدة في غياب إرادة قائمة على مقتضيات العصر. لا شك أن المضمون الرجعي لطابع مفهوم القومية المعني هنا قد أدى الى نتائج سلبية في الممارسة؛ فبدلاً من إعتبار ضرورة إنجاز الوحدة من خلال نضال ديمقراطي -وهو شرط اقتناع الشعب بإيجابية المشروع- شجعت ضبابية مفهوم العروبة وهم احتمال إنجاز الوحدة ((بالقوة)) وإعطاء مشروعية لاستخدام العنف. ذلك لأن العنف هنا - في هذا المنظور للعروبة- لا يعدو كونه مجرّد تجلّ عن ((إرادة كامنة)). فإذا اعتُبرت العروبة صفة ((طبيعية)) (بيولوجياً) لأدى هذا المنهج منطقياً أيضاً الى إعتبار عناصر أخرى تدعم الوحدة المطلوبة من مكوّنات ((العروبة)). هكذا انزلق الخطاب القومي في اتجاه الخطاب الإسلاموي القائل إن (( الإسلام عنصر لا يمكن فصله عن العروبة)).

ليس الشعب العربي هو المأرب الوحيد لخطابات قومية ضبابية، فهو شأن العديد من شعوب العالم الثالث، لسبب مشترك هو غياب تأثير فلسفة الأنوار في جوهر تكوينها الفكري. فخطاب ((القومية الطورانية)) في تركيا وخطاب ((الزنوجة)) في أفريقيا لا يختلف في المنهج عن خطاب ((العروبة الطبيعية)).

على أن خطاب القومية في حركات التحرر الوطني لم ينحصر في المفهوم الضبابي المذكور هنا. فيسار الحركة، ولاسيما الأجنحة التي تأثرت بالشيوعية، استلهم مباديء فلسفة الأنوار، ضمناً على الأقل. فأشاد هذا اليسار بروح الديمقراطية في تناول مشاكل الفروقات الإثنية واللغوية والدينية، وطرح مفهوم وطنية يتخطى الاختلافات ويجمع الشعب في جبهة موحدة على الرغم من هذه الفروقات.

لم يكن شعار الوحدة التي تتخطى الذاتيات الخاصة مجرّد شعار خطابي خاوٍ من مضمون؛ بل صار في كثير من الحالات ممارسة تقدمية فعلية، لدرجة أن في هذه الحالات العديدة أصبحت الطبقة الحاكمة نفسها متعدّية الإثنية، تجمع في صفوفها عناصر من أصول متباينة دون خجل وتردد. هذا كان الوضع السائد في الهند وفي أفريقيا بشكل عام. ثم دخلت نُظم العالم الثالث في مرحلة أزمة عميقة ذات الأبعاد المتنوعة خلال عقدي السبعينات والثمانينات. وقد رافقت هذه الأزمة انهيارات في المجال الفكري وفي الممارسات السياسية، فتراجع مفهوم الوطنية المتعدّية الفروقات.

أُطروحتي في هذا المجال هي أن إنعاش هذه ((الذاتيات)) ليس ناتجاً ((طبيعياً)) يفرض نفسه فرضاً، بل هو ناتج استراتيجيات عبأتها بتعمد النخب القائدة المنعصرة بسبب تآكل المشروع البرجوازي الوطني نفسه. فالإثنية أو الشوفينية الضيقة أو الإستغلال السياسي للدين تمثّل تلك الأدوات السهلة المنال التي يمكن تعبئتها في وقت الأزمات. فليس من الحقيقي أن هذه الذاتيات تُكوّن الجانب الجوهري في واقع المجتمعات، وأن الممارسات السلطوية خلال مرحلة من الحركة الوطنية كانت قد حاولت أن تخنقها، فانفجرت من تلقاء نفسها عندما تراخى القمع. هذه الصورة للعلاقة بين العام (الوطني) والخاص (تلك الذاتيات) هي في رأيي صورة مبسّطة، بل كاذبة الى حد كبير في حالات عديدة. وبالتالي، كان ثمة احتمال وارد أن تنخرط في إطار مشروع ذي طابع عمومي أوسع، لو كانت الظروف قد سمحت بتواصل الحركة وتقدمها.

7- خلاصة استنتاجاتي في موضوع القومية تقود مرة أخرى الى مشكلة العولمة الرأسمالية: لقد تآكل بالتدريج النظام الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية حتى انهار تماماً، نتيجة فعل العولمة التي استمرت في التعمق خلال المرحلة. على أن هذا الإنهيار لم يهييء من نفسه شروط تجاوز التناقض الأساسي للرأسمالية؛ فيضل الإستقطاب محايثاً لها. وبالتالي، فإن التحدي الحقيقي الذي تتصدى الإنسانية له هو كيف القضاء على الآثار المدمرة لهذا الإستقطاب. أو بتعبير آخر، كيف يمكن تخطيّ الآفاق المحدودة للعالمية المبتورة التي أنشأتها الرأسمالية؟ وما هي وسائل دفع التقدم الى الأمام حتى تكتمل فعلاً العالمية؟ إن مواجهة هذا التحدي تمس بالضرورة مسألة القومية؛ فهي إحدى الأماكن الهامة التي ينعكس فيها التناقض بين العمومي والخصوصي. فينبغي إذن تطوير مفهوم القومية في اتجاه ديمقراطي وإنساني من أجل إنجاز التوفيق المناسب بين العام والخاص. وقد أنشأت فلسفة الأنوار التفكير والعمل في هذا الإتجاه، ثم دفعت الإشتراكية الحركة دفعاً ملحوظاً الى الأمام. والآن علينا أن نواصل المسيرة فنحقق تقدماً إضافياً لكي تتكيف إجاباتنا مع مقتضيات العصر.

على أن الأزمة العميقة التي تمر الشعوب بها في أعقاب انهيار النظام القديم تُنتج فوراً الحيرة السلبية ولا تُنتج تلقائياً رد فعل إيجابي، الأمر الذي يُفسر بدوره إحياء مفاهيم ضبابية حول ((الذاتية)) ( ومنها القومية/الإثنية البيولوجية)، والتقوقع الوهمي في أُطر ((جماعات)) عاجزة عن أن تواجه التحدي الحقيقي بفاعلية. فينبغي أن لا نضفي مشروعية على هذه التراجعات، باسم ((الحق في الإختلاف))، بل على عكس ذلك، من واجبنا تطوير إجابات أكثر إنسانية معتمدة على مبادىء العمومية، وبالتالي أيضاً أكثر فاعلية في نهاية المطاف. فإلى جانب الإعتراف بالحق في الإختلاف، لابد أيضاً من تشجيع الإعتراف بالحق الموازي في التماثل.


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - بهجت - 11-01-2009

الأصدقاء .New97
منذ فترة تراودني فكرة متهورة .. إعادة معايشة الماركسية من جديد ، و لكني لم أجد موضوعا عن الماركسية الجديدة مطروحا بشكل جذاب يحثنا على الإستجابة ، ربما لأن الماركسية نفسها في حالة هبوط و انكماش ولم يعد هناك الكثيرون الذين ينبهرون بتحليلاتها الرائعة ووعودها المتفائلة المشرقة ، وربما لم نصادف بين زملائنا ماركسيا ( ناشف ) كعادة الماركسيين القدامى ، وربما لم أقم بالبحث كما يجب .
المهم أن اسم سمير أمين كان دائما يقفز دائما أمامي كلما عاد بي الفكر للماركسية القديمة التي شغفت بها كمعظم المثقفين من جيلي ، كنت مشوقا لقراءة الأدبيات الماركسية بعد زلزال 1989 ، و كيف يتأقلم الماركسيون في مرحلة ما بعد انهيار صرح الأممية البلشفية الهائل ، و لأني ما زلت أتذكر نصيحة ماوتس تونج أنه كي تتعلم العوم عليك بالنزول فورا إلى الماء ، فقد شرعت بلا إبطاء في طرح هذا الشريط عن رجل كان يبدوا لغزا ، فهو مصري الأصل فرنسي الثقافة ماركسي العقيدة ، أيضا اقتصادي عالمي تقتبس أقواله في العالم المتقدم على نطاق واسع ، مصري عالمي لا يعرف المصريون عنه الكثير !، نعم ..لا كرامة لنبي مصري في مصر ، فالمصريون دائما يستوردون أنبيائهم ، كنت أعرف مبدئيا أني أطرح موضوعا لا شعبية له ، و لكني دائما أطرح مثل تلك الموضوعات التي لا شعبية لها ،فلا شيء يزعجني مثل الشعبية ، و لكني فوجئت بعدد القراءات التي لم أتوقع أن تزيد عن 100 أو 200 ،لهذا امتناني بلا حدود لكل من تابع هذا الشريط .
رغم هذه المقدمة فسوف أقفز لنتيجة تبدوا متناقضة ، سوف أتوقف مؤقتا عن متابعة هذا الشريط ، ببساطة لأنه أرهقني فوق ما كنت أنتظر ، فكل مقال أقرأه مرات و أعلق عليه في مذكرة خاصة ،و أعيد تجميع ملاحظاتي طبقا للموضوع ، أي دراسة كاملة لا تقل عن دراسات الأبحاث الجامعية ، كان علي أن أستحضر اللغة الماركسية برموزها و مفاتيحها ،و هي أشبه باللغات المقدسة القديمة ، حيث إساءة التعبير خيانة أممية لا تغتفر ،كما أن متابعة رجلآ بغزارة و عمق سمير امين ليس عملآ سهلآ ، يبقى انه قد غمرني شعور بالكآبة ، فالإبحار عبر فكر منهزم يلملم أشلاءه ليس عملآ يدعوا للتفاؤل .
جلست اليوم لمتابعة الشريط فداهمني سؤال ، هل هناك عائد مجزي لكل هذا الجهد الذي يعادل تحرير ساحة كاملة لمدة أسبوع !، حسنا .. لن أهجر موضوعا طرحته بكل هذا التكريس ،و لكن سمير أمين يمكن أن ينتظر بعض الوقت .
لست أدري متى أعود للشريط ؟، و لكني سأفعل بالتأكيد يوما ليس بعيدا ، فكل شريط أطرحه يورثني حبا و مسؤولية ،و انا دائم الإستجابة للحب و المسؤولية .


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - مجدي نصر - 11-12-2009

لو حقق شيطان هذه الوحدة فسأتحالف معه، قد يكون برجوازياً، رأسمالياً، اشتراكياً شيوعياً متطرفاً، إسلامياً سلفياً.. وأقول أن لا أحد من هؤلاء[b] سيحقق الوحدة العربية لأن مصالحهم مرتبطة بالقطرية، بالاندماج فى النظام الرأسمالى العالمى القائم بالفعل كما هو،
--------------------------------------------
كيف اشتراكي، وترتبط مصلحته بالاندماج في النظام الرأسمالي العالمي والقائم بالفعل وكما هو، يا دكتور سمير


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - هاله - 11-12-2009

اقتباس:كيف اشتراكي، وترتبط مصلحته بالاندماج في النظام الرأسمالي العالمي والقائم بالفعل وكما هو، يا دكتور سمير
عمن تتكلم يا زميلي أو أي طرف هو المقصود بالاشتراكي؟


RE: سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد - مجدي نصر - 11-12-2009

سمير أمين: القومية العربية وهم والإسلام السياسى استبداد
---------
إذن لا وجود للقومية العربية؟

- القومية العربية مشروع مستهدف، مشروع لابد أن نناضل من أجل إنجازه لكن هو ليس واقعاً. هناك أمثلة: من ينطق باللغة العربية الفصحى قليل، اللغات الدارجة تسود وإنكار هذا الواقع غير الواقعى. عندما ننظر إلى الاستراتيجية السياسية التى تتماشى مع هذا الخطاب السائد المبسط، عندما يشير إلى أولوية إنجاز الوحدة العربية وما عدا ذلك لا يهم أو يأتى فى مرحلة لاحقة أى يلغى صراع الطبقات، يلغى النضال من أجل الديمقراطية..

ويقول صراحة إنه حتى لو حقق شيطان هذه الوحدة فسأتحالف معه، قد يكون برجوازياً، رأسمالياً، اشتراكياً شيوعياً متطرفاً، إسلامياً سلفياً.. وأقول أن لا أحد من هؤلاء سيحقق الوحدة العربية لأن مصالحهم مرتبطة بالقطرية، بالاندماج فى النظام الرأسمالى العالمى القائم بالفعل كما هو، ولذلك جميع هؤلاء لا يتحدثون عما أتحدث عنه من احتكارات الأقلية بل يقبلها، ويقول هذا مجال آخر، [b]ولو تسمع حديث أى منهم فى مصر، السعودية، إيران سيقول أنا لست ضد التجارة. الخطاب القومى هو أيضاً يهرب من مواجهة التحديات، وبالتالى هو خطاب عاجز لا يستطيع إنجاز الهدف الذى يسعى إليه.
------------------------------------------------
هنا يا زمية هالة لا يعترض الدكتور سمير على وضع الاشتراكيين في سلة واحدة مع الرأسماليين والسلفيين، من حيث ارتباط مصالحهم مع بالقطرية، بل والاهم هنا إمكانية تعايشهم مع احتكارات الأقلية، والاندماج بالنظام الرأسمالي العالمي القائم.