![]() |
التخلف المقدس - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: التخلف المقدس (/showthread.php?tid=38511) |
RE: التخلف المقدس - أرمـانـد - 08-19-2010 الزميل العزيز بهجت أشكرك على رابط موضوع زمن المثقف الأخير وأعدك بقراءته والمشاركة فيه إذا وجدت أن لدي أفكارا قد تضيف أو تساؤلات بالنسبة لقول حضرتك اقتباس:أتمنى ألا تفقد حماسك ولا صفاء الرؤية بمرور الوقت و تشابك المواقف كما حدث لكثيرين بالفعل . هذا الأمر قد يحصل لي كثيرا لعدم اختصاصي بالشئون السياسية وعدم توافر الوقت للاطلاع بعمق على الأوضاع الفكرية السائدة بسبب الانغماس في تخصصي العلمي وهواياتي البعيدة عن السياسة. لهذا أستفيد من المفكرين من أمثال حضرتك ، وأرجو منك إذا رأيت لدي تشويشا في الرؤية أو تشابكا في المواقف أن تنبهني إلى ذلك دون مجاملة ، فأنا أهوى مراجعة أفكاري باستمرار وأكره الإيمان الأعمى وعقلية القطيع. وسوف أبقى متابعا لموضوعك ومشاركاتك وأرجو أن تتقبل خالص تحياتي ![]() RE: التخلف المقدس - ابن نجد - 08-19-2010 (08-19-2010, 01:47 AM)بهجت كتب: أعتقد يا صديقي أن أزمة العالم العربي في جوهرها هي أزمة ثقافية ، و ما المشاكل الإقتصادية و السياسية سوى مظاهر أو أعراض للمرض الثقافي لدي سؤال بسيط : من الذي خذل الجابري وابو زيد وبدوي وتشومسكي ، الخ ؛ هل هي الثقافة ام السياسة ؟ من الذي ابتكر التعذيب والسجون بعصرنا العربي المتأخر وزج بها كل اصناف التيارات والمعارضين هل هم الايديولوجيون ام السياسيون ؟ من الذي ابتكر ركوب الموجات واستغلال الافكار والاديان للوصول للحكم اليسو السياسيون ؟ لدي يقين شبه قطعي ان السياسي هو المسؤول الأول عن تخلف الاقتصاد والثقافة والفكر والصناعة والتنمية وانه راس الثعبان التي تعلم الآخرين احتذاءها كشرط وحيد وحصري للبحث عن رائحة أمل . * مثال : ماذا كان يلقب جمال عبدالناصر قبل ان ينخرط عمليا بالسياسة ؟ ![]() الم يكن اخوانيا متطرفا حتى بلقبه الشهير بـ " اسد الفلوجة " ![]() طيب سؤال آخر : من هي الفئات التي تنفذ مشاريع الغرب ببلادنا منذ سقوط الخلافة العثمانية ؟ التاريخ طويل ومعقد لكنه يرد على هذه الاطروحات المتكررة بكل سهولة ، وان كانت الاديان ذات دور وآخر بالتخلف فان المحرك والمتحكم بهذا الدور هو السياسي نفسه ، والذي يعتبر الدين اداة مهمة باي وقت لاستغلالها ، وانه رصيد مؤجل وكنز لازماته ، وشماعه لاسقاطاته ، وحصان لدعاياته وايمانه . الدين مثله مثل اي ثقافة اجتماعية يمكن تطويره ويمكن بعثرته ويمكن استغلاله فهو وسيلة لهدف ، فلنفتش عن هدف السياسي هنا قبل ان نفتري ونفتل عضلاتنا ونتكالب على المجتمع ودينه كموضة ومشروع وحيد للكتابة . ان تطوير العادات والدين والافكار هي هدف عامة الناس اما المطالبة باسقاط الاديان فقد عجز عنه امهر السياسيين وعتاة الديكتاتورية ، مع ان حذف الاديان بغمضة عين لن يحل المشاكل الاقتصادية والتنموية لان العلة تكمن بمكان آخر يعرفه الروس اكثر من سواهم . ومثقف اخوك لابطل . RE: التخلف المقدس - بهجت - 08-19-2010 " الإسلام السياسي هو أن يقود أنصاف المتعلمين أنصاف العقلاء لتدمير العلم و العقل " . المزج بين الدولة و الدين . بداية أريد أن يكون واضحا أن الفصل بين الدولة و الدين أي العلمانية لا يعني إلغاء الدين ، كما يعتقد بعض المشاركين الأفاضل من خريجي المنتديات الإسلامية . هؤلاء الزملاء يعتقدون أن نشاط الممارسات الدينية في مجتمع مثل الهند أو أمريكا دليل على غياب العلمانية ، و هذا بالطبع نوع من الجهل بطبيعة العلمانية و طبيعية تلك المجتمعات . العلمانية ليست حظر الإيمان بأي دين أو عقيدة ، بل هي التي تكفل ممارسة الأديان كلها ، وهي بالتالي التي تكفل ممارسة الإسلام في أكثر من 90 دولة يشكل المسلمون أقليات بها . العلمانية ببساطة آلية لإدارة الحياة العامة تقوم على فصل الدين عن السياسة و أن يكون الدين شأنا شخصيا . يبقى أن العلمانية هي حجر الزاوية لنموذج الدولة الوطنية الحديثة في العالم كله ، و معظم تلك الدول يقودها مؤمنون بأديان متعددة ، و غالبية الشعوب مؤمنة أيضا ، أي أن التعارض بين الدين و العلمانية هو تعارض مفتعل . التعارض التام هو بين الأصولية - التي يعبر عنها الإخوان المسلمون و تنظيم القاعدة و مثقفو المقاهي و غيرهم من الإسلاميين - و بين العلمانية . يمكننا بكل الثقة أن نؤكد أن العلمانية لم تعد خيارا ثقافيا ، بل هي إستحقاق حضاري . هي الأساس الحصري الذي تقوم عليه الحضارة المعاصرة ، و بالتالي لا توجد دولة دينية واحدة متقدمة الآن أو يمكن أن تكون كذلك في المستقبل ، و من نافلة القول أن نقول أن المجتمعات الريعية كالسعودية و دول الخليج لا يمكن وصفها بالحضارة – لا سمح الله- فالتقدم المادي يمكن استيراده لمن يمتلك ثمنه ،و لكن الحضارة شيء مختلف بالطبيعة و الممارسة . بعيدا عن أي تنظير يمكن أن نفهم الفارق النوعي بين التقدم المادي المستورد و التقدم الحضاري عندما نقارن الإمارات أو السعودية مثلآ بالنرويج أو فرنسا ، فالإنسان لا السيارة هو مستودع القيمة و معدن الحضارة . نخلص من ذلك كله إلى نتيجة منطقية تقول بأن " العلمانية هي أهم خصائص أي تطور الثقافي" ،و بالتالي فنقيضها وهو المزج بين الدين و الدولة هو " أوضح خصائص التخلف الثقافي" . فما هو حظ الثقافة الإسلامية من العلمانية ؟. لن تكون مفاجأة لأحد لو قلنا أن العداء للعلمانية و مدنية الدولة هو القاسم المشترك للثقافة الإسلامية السائدة في العالم المعاصر ، سواء الثقافة السنية أو الشيعية وسواء بين المؤسسات الدينية للدولة المسلمة أو بين جماعات المعارضة الإسلامية الجهادية و الموادعة على السواء . إن الإسلاميين لا يكتفون بتبني قيم التخلف الثقافي ، بل هم يؤصلونها لتصبح مكونا رئيسا للعقيدة الإسلامية كما يرونها و يريدونها . ما أكثر ما يتردد على مسامعنا شعارات من نوعية أن " الإسلام دين و دولة " ، هذا الشعار هو تعبير معاصر يقابله مبدأ " الحاكمية لله" الذي نادى به الخوارج ، و هو أيضا مكون أساسي للخطاب الديني لمجموعات الإسلام السياسي التي تسعى للإنقلاب على الدولة المدنية و إقامة نظاما إسلاميا بديلآ كما هو الحال في إيران و إمارتي طالبان و غزة ، كما أن هذا الخطاب المعادي للدولة المدنية نفسه جزء من الخطاب التقليدي الشائع لدى المؤسسة الدينية الرسمية ، و التي هي إحدي مؤسسات الدولة التي تعمل على هدمها ! . هذا الشعار لم يعد شعارآ سياسيا يردده البعض ،و لكنه استحال تدريجيا إلى مكون أساسي للعقيدة الإسلامية التي يمارسها مسلمو القرن 21 !.أي أنه جرى أسلمة أهم مكونات التخلف الثقافي ليصبح على درجة واحدة مع الإيمان بالله ، فكله معلوم من الدين بالضرورة ،و منكر كلاهما -الله أو إسلامية الدولة - كافر في المنظور الأصولي السائد الآن . يركز الإسلاميون على نقاط بعينها عند الترويج لهذا الشعار المدمر ، أولآ ما يدعونه خصوصية للإسلام الذي يرونه الدين الخاتم المنظم كل شؤون الدنيا و الآخرة ، و أنه في هذا يختلف عن غيره من الأديان مثل المسيحية التي هي دين بلا شريعة فتركت ما لقيصر لقيصر ، و لكن الإسلام يحتكر الآخرة و الدنيا أيضا فلا يترك شيئا لقيصر ولا غيره بل يأخذ كل شيء . ثانيا أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان و مكان ،و هم في ذلك يدمجون أيضا الفقه الإسلامي و الشريعة في كيان واحد لا يمكن تمييز ملامحه ، فالكل مقدس بما في ذلك إجتهادات لمعاصرين عرفوا أكثر ما عرفوا بالفسق و التربح من تلفيق الفتاوى لحكام الخليج . ثالثا ما يثيره المتأسلمون بأننا في آخر الزمان ،و أن الأرض ملئت جورا و آن للمؤمنين العمل على تغيير ذلك كله ، و أن يعيدوا ميزان العدل لكون مختل ،و ذلك بالعودة إلى دين الله الحق الذي فيه صلاح كل شيء . و لأن الله لا يحكم بنفسه و لكن خلال عباده المؤمنين أو الفئة الناجية ، وهم يستندون في ذلك إلى احاديث دينية منها :" إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة "(1) .هذا يؤدي إلى أن يربط المسلم الإيمان بالله بالتسليم لجماعات الإسلام السياسي لدى السنة أو الولي الفقيه لدى الشيعة . هذا الفكر الخارجي ( الحاكمية ) ليس دخيلآ على الإسلام بل هو أحد المكونات التاريخية للفكر الإسلامي ، وهو يقوى عندما تضعف الدولة و يضعف بقوتها ، و ازدهار هذا الفكر الآن دليل على ضعف و خور الدولة الوطنية الحديثة في العالم الإسلامي . يبقى أن هذا الشعار الذي جعل الإسلام لا يكتمل سوى بالدولة يحرم النبي من أن يكون كامل الإسلام ، فلم يعرف النبي الدولة مهما تساهلنا في تعريف تلك الدولة ،و كل ما كان لدى النبي في المدينة مجرد مشيخة بدائية primitive chiefdom ، ليس بها شيء من خصائص الدولة كما نفهمها الآن أو من تاريخ الحضارات القديمة . يتفق الأصوليون و أعداء الإسلام على أن النموذج الوهابي هو المعبر الحقيقي عن الدين الإسلامي ،و غير ذلك زيغ في العقيدة كما يرى الأصولي أو تجميل لها كما يرى المعادي للإسلام . كلاهما يغفل حقيقة أنه كما أن النصوص الدينية ثابتة صلدة فهي أيضا إنتقائية قابلة للتأويل ، و تبقى الثقافة السائدة هي التي تضخ الحياة في بعض النصوص ، و تحكم بالذبول و حتى البوار على بعضها الآخر ( التعطيل ) ، و تظل الثقافة جزءا لا يتجزأ من المعنى ، فهي التي تقرأ النص و تأوله وفقا لمعاييرها الخاصة . وجود نصوص دينية تدعم فكرة الحاكمية لا يعني أنها نهائية أو جديدة ،و لكن التركيز عليها و نشرها كصميم العقيدة هو العامل المستجد، وهذه كلها عمليات علاقات عامة و نشاط إعلامي مدبر مدفوع الثمن . هناك بديل و إسلامي أيضا للأصولية الإسلامية التي تدمج الدولة في الدين ، هذا البديل ليس افتراضيا ، بل بديل واقعي كان سائدا في بعض المجتمعات مثل المجتمع المصري خلال فترات طويلة من تاريخها المعاصر . عرفنا اجتهادات لشيوخ مثل محمد عبده الذي عمل على تأكيد أن الإسلام هدم السلطة الدينية و محا أثرها ، و أن الرسول كان مبلغا لا مسيطرا ، وهو يقول في مرضه الأخير . ولست أبالي أن يقال محمد أبل ، أم اكتظت عليه المآتم و لكن دين أردت صلاحه أحاذر أن تقضى عليه العمائم هذا الفهم الذي ينفي السلطة الدينية ينفي في ذات الوقت صفة الدولة الدينية . النموذج المتحرر من الإسلام أنتج أيضا الشيخ علي عبد الرازق الذي نفى أن تكون الخلافة فريضة إسلامية ، أو أن الدولة الدينية من صميم العقيدة الإسلامية ، هذه المدرسة ترى أن مواقف الرسول المدنية تصرفات جزئية ، مرتبطة بتدبير الواقع و سياسة المجتمع .،و أنها خاصة بزمانها و ظروفها و مكانها ،و أنها على سبيل الإجتهاد من النبي ،و رأيه فيها يمكن أن يخطأ و يصيب ،وهو وضع يستتبع إزالة القداسة عن الجوانب السياسية المتعلقة بإدارة الحياة و شؤون الدنيا . أما أين اختفى هذا النموذج الإسلامي المتحرر و القادر على التفاعل مع هذا العصر و ثقافته ، فيسأل عن ذلك أكثر من 100 مليار دولار تم ضخها من عوائد البترول التي تدفقت على مجتمعات فقيرة ، أيسر ما تفعله تلك المجتمعات هو أن تغير عقائدها من أجل المال . ما يجري حاليا على أوسع نطاق هو توثيق هذا الشكل من أشكال التخلف الثقافي و جعله أحد قواعد و أسس الدين الإسلامي . من أجل هذا الهدف ذي العائد المادي المرتفع ، يستحضر الفقهاء و نشطاء الإسلام السياسي النصوص الدينية التي تعزل عن تاريخيتها و سياقها و أسبابها و تعمم نصوصها كأحكام منكرها كافر ( كالعادة ) ، ثم يجري بعد ذلك توظيفها بشكل متواتر من أجل أسلمة التخلف السياسي و إفشال نموذج الدولة الوطنية في المجتمعات الإسلامية . لعل أوضح تلك المحاولات هو توظيف الآيات القرآنية الثلاث في سورة المائدة ،و التي قيلت في حق أهل الكتاب ، لتصبح الأساس في تأكيد إسلامية الدولة . إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ . ( المائدة 44 ) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) و يذهب الإسلاميون في توظيف الآيات القرآنية لخدمة مشروعهم السياسي شأوا بعيدا فهم يحرمون حتى التفكير في معارضة دعوتهم لدمج المجتمع في الدين ،و يستشهدون بآية من سورة الأحزاب نزلت في قضية طارئة لا قيمة كبيرة لها هي زواج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة ، و كان محمدا قد تبناه و صار يعرف بزيد بن محمد حتى ألغى الإسلام التبني تمهيدا لزواج محمد من زينب بنت جحش نفسها ، و الآية هي : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)" سورة الأحزاب . هذه الأقصوصة العاطفية الصغيرة جعلوا منها أساسا لحرمان أجيال المسلمين المعاصرين من الإتصال الفعال بالعصر ، بل و من نعمة التفكير الحر كلية . من يتابع العقل السياسي الإسلامي سيجد أنه يعمل بشكل متناقض مع الإتجاه العالمي ، فبينما يتجه الفكر السياسي في كل أنحاء العالم إلى مزيد من التوافق مع القيم و المعايير العلمانية ، نجد أن المسلمين يستسلمون بشكل كارثي لأكثر الأفكار الدينية و السياسية تخلفا و رجعية . فمنذ انهيار الخلافة الإسلامية في تركيا عام 1924 نجد الدعوة إلى إحياء دولة الخلافة ، و نجد محمد رشيد رضا صاحب مجلة " المنار " و نظرائه يدافعون بحماس عن الخلافة ، ورغم تأجج الروح الوطنية المصرية خلال ثورة 1919 و بعيدها ، إلا أننا نفاجئ بظهور حركة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد حسن البنا الذي كان يرى نفسه إمتدادا لرشيد رضا ، و نجده يؤكد أن " الإسلام عقيدة و عبادة ، ووطن و جنسية ، و دين و دولة ،وروحانية و مصحف و سيف " . نجد أن أوضح معالم الفكر السياسي الإسلامي الإحيائي لدى حسن البنا و غيره من قادة الإسلام السياسي ، هو اختفاء معنى المواطنة و الولاء للوطن لإحلال رابطة الديانة و الولاء للدين و ليس للأمة و الوطن . و بهذا تنهار الروح الوطنية و القومية كجاهلية منتنة ليس لها معنى بالقياس إلى رابطة الديانة ، و يصبح وطن المسلم وطنا لكل المسلمين ، بينما يكون غير المسلم غريبا في الوطن الذي عاش فيه أجداده مئات بل ألوف السنين . هذا الموقف الفكري لم يختف تماما حتى بعد الضربات القاسية التي تلقاها الإخوان المسلمين ، ففي عام 1969 أنشأ " منظمة المؤتمر الإسلامي " برعاية سعودية ، ومن اللافت أن المتأسلم محمد أنور السادات كان أول سكرتير عام لها ، لهذا يرى كثيرون أنه لم تحدث مغايرة جذرية بين مفهوم حسن البنا عن الخلافة و مفهوم مؤسسي المنظمة بما في ذلك أنور السادات الذي قاد مصر إلى التأسلم التعس . مازال خلفاء حسن البنا و كافة التنظيمات الجهادية التي تفرعت عن حركة الإخوان المسلمين يسعون إلى إقامة الدولة الدينية بديلآ عن الدولة الوطنية الحديثة التي يكفرونها ، يستوي في ذلك يوسف القرضاوي و أسامه بن لادن و محمد بديع وراشد الغنوشي و سيد قطب . يرتبط مفهوم الدولة الدينية بالتأسلم السياسي ، فلا تأسلم خارج مفهوم الدولة الدينية ،و بالتالي فكل نشاط لأسلمة الحياة السياسية هو نشاط لترسيخ التخلف الثقافي . نشاهد حاليا ما يمكن أن يكون مرحلة الظهور للإسلام السياسي ، فهذا التيار يستقوى و يتعولم و ينتشر نفوذه في معظم الأقطار الإسلامية ، و لهذا الإنتشار أسبابه العديدة و التي تضافرت لتحقيق هذا النجاح الإستثنائي ، لعل أبرزها الإرتفاع الخرافي في أسعار النفط ، مما أدى إلى تراكمات مالية هائلة لدى السعودية التي ضخت ما يعادل 100 مليار دولار لنشر الفكر الوهابي السلفي ، لا يمكننا أن نغفل أيضا الأثر المدمر لوصول السادات إلى حكم مصر و تحالفه الإنتهازي مع الإخوان المسلمين ، مما حول مصر من قاعدة للسياسات التقدمية في المنطقة إلى مركز للأصولية المتشددة لا يدانيها سوى السعودية و باكستان ، أيضا هناك الدور الأمريكي الإنتهازي المستهتر ، و الذي ظهر بوجهه القبيح في توظيف الإسلام كأداة في الصراع ضد الإتحاد السوفيتي ، أيضا التحالف الأمريكي السعودي الإسرائيلي ، الذي عمل على تدمير التجربة الناصرية في مصر و تجربة البعث في العراق ، تاركة كلا البلدين الكبيرين فريسة لأعنف درجات التعصب الإسلامي ، هذه الأسباب كلها لا يجب أن تجعلنا نغفل الفساد المتغول و الفقر نتيجة الإنفجار السكاني و فشل مشروعات التنمية كسبب مباشر لظاهرة التأسلم المنتشر الآن . (1) الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: .3242 " للموضوع بقية " RE: التخلف المقدس - مواطن مصرى - 08-20-2010 متابع ... RE: التخلف المقدس - بهجت - 08-20-2010 (08-19-2010, 05:02 AM)أرمـانـد كتب: الزميل العزيز بهجتالصديق العزيز أرماند . ![]() مرحبا بك على الدوام ، فلا يسعدني شيء سوى التحاور مع الشباب التنويري . ليس التخصص العلمي عائقا بل هو حافز ، فالأهم يا صديقي هو التفكير المنطقي و العلمي ،و ألا يخون الإنسان عقله و أن يظل متمسكا بشرفه الفكري بعيدا عن رشوة السماء ، أننا كحداثيين و عقلانيين سنكون بالقطع أقلية صغيرة في مجتمع سلفي مريض ،و لكننا أغلبية ساحقة في العالم ، نحن العلمانيون من صنع حضارة الإنسان في مراكز تلك الحضارة ، إن العلمانية هي القاطرة التي تسحب خلفها العالم كله ، بما في ذلك أولئك الأصوليين البؤساء الذين لو تركوا لحالهم لماتوا جوعا و هلكوا مرضا ، إنهم لا يفعلون شيئا سوى أن يعيقوا الحضارة التي يتطفلون عليها . لقد انتصر العقل في كل مكان ،و لن تبقى بلادنا طويلآ مستودعا للتخلف الثقافي . RE: التخلف المقدس - أرمـانـد - 08-20-2010 الزميل العزيز بهجت تحية طيبة قرأت مشاركتك الأخيرة ولدي بعض النقاط . فأنت في البداية توحد بين الأصوليين وأعداء الإسلام في الرؤية : اقتباس:اتفق الأصوليون و أعداء الإسلام على أن النموذج الوهابي هو المعبر الحقيقي عن الدين الإسلامي وبعد ذلك تذكر بعض النماذج من الإسلام المتفق مع علمانية الدولة ، ولكن بعد أن تدرك بأنه تقريبا مختفي في الوقت الحالي ، تسعى جاهدا للبحث عنه وعن أسباب اختفائه : اقتباس:أما أين اختفى هذا النموذج الإسلامي المتحرر و القادر على التفاعل مع هذا العصر و ثقافته ، فيسأل عن ذلك أكثر من 100 مليار دولار تم ضخها من عوائد البترول التي تدفقت على مجتمعات فقيرة ، أيسر ما تفعله تلك المجتمعات هو أن تغير عقائدها من أجل المال والسبب الرئيسي في هذا الاختفاء للنموذج الإسلامي الذي تطلب عودته هو " الفقر " واستغلال هذا الفقر بواسطة دول الخليج : اقتباس:مما أدى إلى تراكمات مالية هائلة لدى السعودية التي ضخت ما يعادل 100 مليار دولار لنشر الفكر الوهابي السلفي ونتيجة هذا المشروع الخليجي هو تشويه الإسلام وانتشاره بطريقة رجعية : اقتباس:فمنذ انهيار الخلافة الإسلامية في تركيا عام 1924 نجد الدعوة إلى إحياء دولة الخلافة ، و نجد محمد رشيد رضا صاحب مجلة " المنار " و نظرائه يدافعون بحماس عن الخلافة ، ورغم تأجج الروح الوطنية المصرية خلال ثورة 1919 و بعيدها ، إلا أننا نفاجئ بظهور حركة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد حسن البنا الذي كان يرى نفسه إمتدادا لرشيد رضا أرجو أن أكون قد قرأت هذه المشاركة بشكل صحيح ومنطقي وهنا لدي عدة نقاط : 1- هل يوجد فعلا إسلام "تنويري" ؟ فمثلا لو قلنا بأن " النازيين وأعداء النازية يتفقون على أنها تنادي بسمو الجنس الآري ورغبتها المتوحشة في التوسع وابتلاع من حولها واستعبادهم في مقابل إقامة إمبراطورية عرقية دكتاتورية تمسك بزمام الحكم العالمي وترى نفسها تطبيقا للسوبرمان الذي حكمت الطبيعة له بأن يرث الأرض ومن عليها " فهل هذه رؤية خاطئة للنازية أم أنها رؤية متفقة مع الحقيقة ؟ من وجهة نظري فأن الأصوليين وأعداء الإسلام على غرار هذا المثل الذي كتبته يرون الإسلام رؤية صحيحة. 2- لو فرضنا بأن هناك نموذجا من الإسلام يمكن أن يبتعد به عن السياسة ويجعله بين المرء وربه ، فهذا للأسف الشديد أيضا سوف يتسبب في كوارث حضارية على الدولة العلمانية . * فللأسف الشديد أن النص القرآني نفسه لا يدع مجالا للتسامح في الكثير من آياته * وهو يرسخ العقد الجنسية والكبت لدى من يؤمن به مهما حاول أن يتفتح في رؤيته ، فالدين يقوم على الكبت وهذا من أكبر الأخطار على أي مجتمع متحضر * من طبيعة الإسلام أنه يجعل المسلم في عزلة نفسية عن الكفار مهما حاول التبسط معهم والتظاهر بالانفتاح على الآخر ، فهو في النهاية ينظر إلى شخص يبغضه الله دون أدنى شك ، وسوف يكون مآله إلى جهنم وبئس المصير وسوف ينظر إليه من الجنة ويراه وهو يستغيث به حتى يعطيه بعضا من الماء ويرد عليه بالرد القرآني ( إن الله حرمهما على الكافرين ) ، وهو يعلم أنه في آخر الزمان ولا محالة ستقوم حرب بينه وبين هؤلاء ولهذا فهو يعد نفسه وأطفاله إلى استخدام التقية المؤقتة حتى تأتي ساعة الصفر فيظهروا على وجههم الحقيقي. * وهذا الاتجاه النفسي داخل كل مسلم يشكل جمرة مدفونة تحت كومة من الرماد في قلبه ، ومن السهل جدا أن يتم استغلالها وإزاحة الرماد عنها والنفخ فيها لتشتعل من جديد من الشيوخ الراغبين في الوصول إلى زعامة شعبية سهلة ، وهم كثر ، ولن يتوقفوا عن الظهور طالما بقيت الجمرة موجودة وكامنة في نفسية كل مسلم لأنها تمثل بالنسبة لهم جوهرة من لم يستغلها للوصول إلى عالم الشهرة والمال والسلطة فهو أحمق ، فالكراهية الكامنة داخل صدر كل مسلم لمن يبغضه الله هي بمثابة بئر البترول الذي ينتظر من يحفره ويعبيء منه براميل الزفت لتصديرها إلى العالم. ولا يوجد أسهل من إقناعه بأن ساعة الصفر المنشودة هي اليوم وأن ما يحصل الآن هو علامة من العلامات الكبرى التي ينتظرها هو وأسرته وأصدقاءه ، وهكذا وبدون مقدمات وبطريقة صادمة للمجتمع العلماني الغير مسلم الذي يعيش معه ذلك المسلم ، يظهر الوجه الآخر فورا بطريقة تبدو مجنونة وغير مبررة للغير مسلم الذي كان يتعامل مع المسلم بطريقة حسنة النية . ولا يفيق إلا والسكين في ظهره أو الرصاصة في رأسه أو ليرى ذراته تتشتت في المكان بعد أن قرر المسلم " المسالم بالأمس " أن يضغط على زر التفجير. فهل هناك فعلا نموذج إسلامي متحضر يرتجى منه أن يبلغ بالإنسان حياة علمانية بحيث يبقى معها سليما نفسيا ؟ أنا أشك جدا في هذا الأمر ،وهذا هو النموذج الأوروبي الذي يتصاعد الآن ويتمثل في حركة : أوقفوا أسلمة أوروبا ، وحركة : أوقفوا أسلمة العالم . وهناك إعلانات تنتشر اليوم في شوارع الدول الغربية تقول : Islam Rising - BE WARE ![]() 3- هناك شيء يثير حيرتي وهو لماذا تستثمر السعودية أموالها في نشر "مذهب" ديني ولم تفعل كما فعلت الصين مثلا ، بزيادة الإنتاج والتنمية داخلها ثم غزو السوق العالمي دون اهتمام بنشر التاوية أو الشيوعية أو أفكارها التي تحتفظ بها في داخلها ؟ ألم يكن ذلك أجدى وأكثر ارتقاء بالمنطقة بدلا من تبديدها لنشر عقيدة كانت موجودة بالفعل لدى الناس ولكن فقط تختلف بأنها متشددة أكثر ؟ هل كانت هذه الخطوة محسوبة قبل ضخ هذه الأموال في سبيل ذلك الهدف أم مجرد حركة عاطفية أضاعت البلايين على دول الخليج وبددتها في الفضاء ؟ ماهو المردود النهائي الذي عاد عليها بعد ضخ هذه المليارات في سبيل هذا الهدف التافه ؟ إنهم أول من يعاني منه الآن. أم أن هناك فائدة تخفى عني ؟ 4 - أخيرا هناك ملاحظة قد لا تكون مهمة جدا ولكني بحثت عن هذا الحديث في كل مكان ولم أجده في أي كتاب : اقتباس:و أن الرسول كان مبلغا لا مسيطرا ، وهو يقول في مرضه الأخير . خالص تحياتي لك ![]() RE: التخلف المقدس - بهجت - 08-21-2010 (08-19-2010, 06:01 AM)ابن نجد كتب: ................ الزميل المحترم ابن نجد . يا صديقي .. سمك .. لبن ..تمر هندي . مزيج من هذا كله لن يصنع فكرا متماسكا . أشعر بتعب من متابعة مداخلتك ، فمن الواضح ان رسالة هذا الشريط لم تصلك حتى ترفضها أو تقبلها ، ولو جاز لي أن أعيد تدقيق مداخلنك في نقاط محددة لكانت . 1- أنت ترفض أن تكون هناك مشكلة ثقافية ،و أن مشاكل المنطقة نتيجة الساسة . 2- أنت ترى أن جمال عبد الناصر كان إخوانيا متطرفا ،و لهذا اسموه أسد الفلوجة !. 3- أنت ترى ان الدين وسيلة لهدف و يمكن تطويره . 4- أنت تتهمنا بأننا نفتل عضلاتنا ونفتل عضلاتنا ونتكالب على المجتمع ودينه كموضة ومشروع وحيد للكتابة. 5- ترى أن تطوير العادات والدين والافكار هي هدف عامة الناس . 6- تعتقد أن هناك من يريد اسقاط الدين ،و أن امهر السياسيين وعتاة الديكتاتورية حاولوا ذلك و فشلوا . 7- ترى ان حذف الاديان بغمضة عين لن يحل المشاكل الاقتصادية والتنموية ، و ان المشكلة تكمن بمكان يعرفه " الروس" اكثر من سواهم!. المشكلة الثقافية . أعتقد أن هناك سوء فهم للمقصود بالثقافة ،و بالتالي تنكر ان هناك مشكلة ثقافية ملحة . في عام 1952 كان هناك أكثر من 200 تعريف للثقافة حصرها الفريد كروبر و كلايد كليخوهن و كل منها يعكس نظرية مختلفة أو معايير متفاوتة لتقييم و لفهم السلوك الإنساني ، وحتى لا نغرق في التفاصيل ففي عام 2002 وصفت هيئة اليونسكو الثقافة بأنها حزمة واضحة من السمات الروحية و المادية و الفكرية و العاطفية للمجتمع أو للجماعة الإجتماعية ، وهذا يشمل بالإضافة للفن و الأدب أشياء مثل أساليب العيش المشترك و نمط الحياة ، الأنظمة القيمية ، التقاليد و المعتقدات .وعموما يمكن أن نعرف الثقافة بأنها نمط الحياة للمجتمع ككل ، و بهذا هي تشمل قواعد السلوك ، الملابس ، اللغة ، الدين ، الصيغ الكلامية ، أنظمة المعتقدات .. الخ . بينما تركز معظم التعريفات على المنتج النهائي الذي تحققه ثقافة ما مثل القيم ونوعية الحياة و الرموز و المنتجات و الفنون ، فإن دراسة الثقافة تهتم أيضا بالبحث عن الآلية التي تنتج هذه المنتجات و الموارد التي تم استخدامها لذلك . هناك عالم هو يوكول كيم يعرف الثقافة كونها " الإستخدام الكلي للموارد الطبيعية و البشرية من أجل تحقيق أهداف بعينها ، و بالتالي فالتنوع في الثقافات ينتج عندما يبحث الناس عن أهداف مختلفة ، بإستخدام أساليب مختلفة أو موارد مادية و بشرية مختلفة ، و على النقيض فالتشابه الثقافي ينتج عندما تسعى المجتمعات إلى نفس الأهداف مستخدمة ذات الوسائل و الموارد المادية و البشرية . هكذا فإن الثقافات تختلف في إهتماماتها أكثر من نوعيتها ، فكل ثقافة تقوم بتطوير و تهذيب مجموعة من الموارد البشرية و الطبيعية التي تلائم أفراد المجتمع ، و تركز المعتقدات على كيفية تحقيق النتائج و المعاني و القيم المضافة لمنتج و الأساليب و الموارد المتاحة من أجل الحصول على نواتج إيجابية و تفادي المنتجات الضارة . المكونات الأساسية للثقافة . كي نفهم الثقافة بشكل مبسط يمكن أن نراها مكونة من أربع عناصر رئيسية تنتقل من جيل لآخر عن طريق التعليم وهي : القيم و المعايير و المؤسسات و المصنوعات الفنية . 1- القيم values:تتكون من الأفكار حول الأشياء الهامة في الحياة ، وهي تقود باقي عناصر الثقافة . 2- المعايير norms: توضح ما هو متوقع من سلوك الناس في المواقف المختلفة ،و لكل ثقافة طريقتها في فرض معايرها عن طريق المحظورات و العقوبات ، و تختلف العقوبة حسب أهمية المعايير ، أما المعاير التي يفرضها المجتمع بشكل رسمي فتكون هي القوانين . 3- المؤسسات institutionsهى : هي المنشآت المجتمعية التي تنتقل خلالها القيم و المعاير . 4- المصنوعات artifacts: وهي الأشياء المادية الحضارية المستمدة من القيم و المعاير الحضارية . بشكل عام يركز علماء الآثار ,archaeologistsعلى الثقافة المادية بينما يركز علماء الأنثروبولوجيا الثقافية cultural anthropologists على الثقافة الرمزية ، بالرغم من هذا التنوع فكلا الفرعين يركزان على العلاقة بينهما ، علاوة على ذلك فعلماء الأنثروبولوجيا لا يركزون فقط على استهلاك البضائع بل على الآليات العامة التي تنتجها ، كذلك على العلاقات الإجتماعية و الممارسات التي تتجسد خلالها تلك الأشياء و العمليات . الثقافة هنا هي بمعناها الواسع ، أي الأطر و القياسات و المعتقدات التي يفكر بها الناس و نظرتهم للكون و للعالم . الفكرية المحورية التي أتبناها في كل كتاباتي تقريبا هي أن المشكلة الأساسية التي نعاني منها ،و التي انبثق عنها مختلف صور التأزمات الأخرى هي التخلف الثقافي ، هذه الفكرة سبق أن أثرتها في أكثر من شريط منها " صدمة الحداثة " ، و " زمن المثقف الأخير" و " غيبوبة المثقفين الجدد" . في هذا الشريط اعود إلى مشكلة التخلف الثقافي تحديدا ،و أضع عناصر هذا التخلف و أدرس الثقافة الإسلامية السائدة كحالة تطبيقية"case Study" عن مدى تغلغل تلك العناصر في ثقافة ما حتى تدمرها تدميرا . إني غير معني بنقد العقيدة الإسلامية و تحليلها و إطلاق أحكام دينية ، هذا كله خارج دائرة اهتمامي و حتى رغبتي ، و لكني مهتم فقط بنقد النموذج الأصولي الوهابي السائد ، ليس كعقيدة و لكن كحالة ثقافية مرضية و عملية تخريب مدبر للوعي ، و لأن الأمر جد خطير فلن توجد موائمات أو تردد في كشف الخلل و المطالبة بعلاجه . أنت تعيش ككثيرين من الشباب المسلمين تحت تأثير الفكر الوهابي و بالتالي تتشرب وهم المؤامرة التي تستهدف تدمير الإسلام . هذه " الهستيريا " التي يغرقون بها المنطقة مقصودة لذاتها لأنها أداة القوى الأصولية و الجهادية من أجل السيطرة على الجماهير التي يجري تغيبيها و تجيشها تحت وهم الدفاع عن الإسلام . لا أحد عاقل يطالب بالغاء الإسلام أو أي دين آخر ، ما نطالب به هو ما حدث في كل المجتمعات المتحضرة في العالم " فصل الدولة عن الدين " . لست أدري كيف وصلت إلى نتيجة أن تطوير العادات والدين والافكار هي هدف عامة الناس ، أين يحدث هذا ، ألا تلاحظ حقا أن ما يحدث في كثير من أقطار العالم العربي هو إنتكاسة حتى على القدر الضئيل الذي أمكن تحقيقه من التطور و الحداثة ،و ألا تدرك حقا أن السعودية هي التي تقود الحركة الظلامية في المنطقة و تغذيها بالمال و الأفكار و أيضا بفتاوى القتل . إننا نحن الذين نتصدى لآليات التظليم و استلاب الوعي بجهودنا الفردية ،و لكننا في النهاية نمثل نضال الإنسان العربي من أجل الحرية و العلم و الإستنارة و في هذا عزاء لنا . ما دخل جمال عبد الناصر في هذا الحوار الثقافي ، لست معنيا بالدفاع عنه أو غيره عندما يتعلق الأمر بعملية تنوير تاريخية ندعوا إليها و نبذل غاية جهودنا من أجلها . فليكن عبد الناصر إخواني او شيوعي هذا جزء من التاريخ ،و لكن هذا الشريط مخصص للمستقبل . RE: التخلف المقدس - مواطن مصرى - 08-21-2010 اقتباس:الأمر في المجتمعات الإسلامية أكثر تعقيدا بما لا يقارن ، فهي لا تنتج التكنولوجيا و لكنها تستهلكها ، و بالتالي فالعقلية التي تنتج قيما جديدة للتأقلم مع التكنولوجيا غير موجودة ، و هكذا تبدوا القيم العصرية كلها غريبة و نتاج مجتمعات أخرى يراها المسلم التقليدي منافسة بل و معادية ،و هكذا يصبح تقبل القيم الثقافية الجديدة قبولآ بعقائد الكفار !. هذا نجد أن القضايا التي حسمتها الحضارة مازالت موضع جدل بل صراع بين المسلمين . فالخلاف حول نقل الأعضاء و العلاج الجيني - رغم أن التكنولوجيا نفسها قد تكون متاحة - يؤدي إلى تخلف تلك المجتمعات. فكرة ان تقبل القيم الثقافية الجديدة تعنى قبولا بعقائد الكفار ، هى فكرة تجدها لدى الانماط المتخلفة تعليميا ، فبنشر العلم والمعرفة تتراجع مثل تلك الافكار وهذا الافكار موجودة فى الولايات المتحدة واسرائيل أيضا ولكن بصورة مختلفة قليلا ، فهى ليست حكرا على بعض المسلمين فقط. وكما قلت لك علاجها يكون نشر المعرفة والثقافة والاسلام يساعد فى نشر المعرفة والثقافة وليس العكس. اما الاختلاف فى بعض القضايا المحسومة حضاريا فهذا امر ليس سيئ بل هو جيد ، إنهم يسألون هل هذا حلال ام حرام ، وماذا يغضب فى هذا ، ما المشكلة فى هذا ، ما المشكلة فى ان المسلم يسأل هل هذا حلال ام حرام ؟ ألم تلاحظ يا زميل انهم يتناقشون فى امور تطورها يترتب عليه مخاطر اخلاقية ، ألم تسمع عن مدير مستشفى الامراض العقلية فى الارجنتين والذى تسبب فى قتل اكثر من الف مريض وبيع اعضائهم لمراكز طبية فى الولايات المتحدة ، وعشرات من الحالات حتى فى داخل الدول الاسلامية نفسها ، فهل ألوم المسلم ان سأل هلى هى حرام ام حلال. اقتباس:في حضارتنا المعاصرة هناك مقاييس كمية نقيس بها تقدم الثقافة في أي شعب ، هذه المقاييس سبق أن تعرضنا لها كثيرا ، مقاييس تعليمية مثل نسبة الأمية و مستوى التعليم و متوسط الإنفاق على الطالب في مراخل التعليم المختلفة و ..... الخ . هناك أيضا مقاييس ثقافية خاصة بالكتب وهي تقاس بالعدد لكل مليون نسمة مثل .. عددها الإجمالي ، و عدد العنواين الصادرة سنويا و نوعيتها ، عدد الكتب المترجمة سنويا ، عدد المكتبات العامة و حجمها و عدد الكتب بها . هناك النشاط الإليكتروني ..عدد أجهزة الكمبيوتر و عدد الويبسايتات و محتواها ... الخ . هناك عدد الفرق الموسيقية و الباليه و المسارح ودور السينما و محطات التليفزيون و شبكة الأقمار الصناعية المخصصة للأنشطة الثقافية ..... الخ . تلك كلها أنشطة ثقافية يمكن قياسها ،وهذا يحدث بالفعل و تصدر به التقارير المقارنة . كل هذه المقاييس تنهار وكل قيم تلك الحضارة تنهار عندما تتعامل بصورة مباشرة مع الانسان صاحب هذه الحضارة فى اول شجار لكما سواء منذ ان بدأ عصر البخار والثورة الصناعية مرورا بهيروشيما ، وتنظر إليه وهو يغتصب الفيتناميات والبوسنيات وتقابله وهو يقصف ابناء العراق باليورانيوم المنضب او ينتهك اعراضهم فى سجن ابى غريب. لو فعلها الوهابى لعذرته وقلت انه بدوى يعيش فى الصحراء ولكنه لا يفعلها ومن يفعلها هو من نقيس تقدمه بالويبسايتات ... اقتباس:1- المزج بين الدولة و الدين . هناك خطأ فى فهم غير المسلمين للامر ويعتقدون اننا نمزج بين الدولة والدين، لا... فالاسلام دين يدخل فى كل تفاصيل حياة الفرد منذ ان يصحو من نومه حتى ينام بل وكيف ينام ، وما الدولة إلا مجموع الافراد فى المجتمع ، فكيف يكون هناك مزج بين الدولة والدين، وبالتالى فهو لا يؤخذ كمقياس اقتباس:2- الماضوية أو الولع بالماضي و الإستغراق فيه . اعتقد ان الزميل كان مؤيدا لبعضى مدلسى النصارى فى موضوع ارض كيمت الحبيبة واقامة الصلاة حدادا على شهداء الغزو العربى ، أليس هذه ماضوية وولع بالماضى (عموما ليس هذا موضوعنا) الماضوية والولع بالماضى له اكثر من سبب وليس سبب واحد وبالتالى لا يؤخذ كمقياس فهو شئ طبيعى يفرضه الواقع الحضارى للدول الاسلامية ، فهل ينبغى لها ان تصرح للغرب بأنهم قد تفوقوا ونحن مستعدون لأن نقول لكم عن انفسنا ما يسركم ، حتى لو قلتم ان ديننا هو سبب نكستنا فيجب ان نقول لكم آمين ، ولو قلتم لنا احرقوا المصاحف فيجب ان نسرع بذلك لأننا مهزومين. الحل الامثل والتوازن يتأتى بالماضوية والولع بالماضى بدلا من الانهيار النفسى. وعلى وجه آخر نجد ان الماضوية والولع بالماضى ورجال الماضى هو جزء من ثقافة المسلم وتاريخ الاسلام منذ بدء الدعوة مطلوب من المسلم معرفته ، واصحاب الرسول هم جزء من تاريخ الاسلام .... ألخ وعلى وجه أخر نجد ان الماضوية مهمة جدا فى استنباط الفتاوى التى تتفق مع الدين فى عصرنا الحديث بالاستناد والاستدلال بما فعل السلف او بدارسة تفاسير القرآن. هل تخلت اليابان او الصين عن الماضوية والاستغراق فى الماضى، ام ان مصطلح الماضوية قد ظهر عندما امتطى صهوة الجواد العالمى دولة بلا تاريخ سوى اقل من 250 سنة؟ اقتباس:3- التمييز ضد النساء و تخفيض مرتبتهن . الاسلام لا يميز ضد النساء ولا يخفض مرتبتهن ، بل الطبيعة هى التى خفضت مرتبتهن وتكوينهم بطبيعته هو الذى جعل لهم دورا يختلف عن دور الرجل والعلاقة بين الرجل والمرآة فى الاسلام يكون الاساس فيها هو الله وليس ما تهوى الانفس، ومعظم ما قد يراه البعض مشاكل للمرآة ، فهى مشاكل شرقية وليست اسلامية. اقتباس:4 - العداء للآخر . كذبة كبيرة يطلقها النصارى عن المسلمين ولكن الواقع يثبت غير هذا ، فالعداء من الآخر هو ما يعانى منه المسلمون. ويمكن البحث عن (الاندلس – البوسنة – كنيسة الجماجم) وعندها نقرر الفارق بين المسلم وبين الآخر فى كل أوجه الانسانية. اقتباس:5 - اعتبار الحكم وظيفة إلهية . بدليل لقومناك بسيوفنا يا عمر ، كيف يكون الحكم وظيفة إلهية عندها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ او وليت عليكم ولست بأفضلكم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ اقتباس:6 - تحقير العقل و تقديس النقل . هناك خلطا كبيرا يا زميل ، متى حقر الاسلام العقل فى مجال العلم ، ام انك تقصد رفض كلام الملحدين من العلمانيين ومن شابههم والتمسك بالنصوص القرآنية والاحاديث الصحيحة تحقير العقل يتم عندما يخرج العقل عن مبادئ الشريعة الاسلامية ، ولكن لم يتم ابدا تحقير عقل يبدع علما ينفع الناس. ولكن ان يكون الدين امرا عاما لكل من هب ودب يقول ما يريد بما يخالف ثوابت الشريعة فلا يجوز طبعا. RE: التخلف المقدس - بهجت - 08-21-2010 الأخ الكريم أرماند . ![]() مداخلتك ممتازة بل رائعة و استثنائية أهنئك عليها هذا أولآ . ثانيا : هذه القضية تحديدا كانت مجال خلاف و حوار طويل بيني و بين كثير من أصدقائي اللامعين من رموز التنوير في النادي ، هنا أذكر خلافي مع وليد و فرعون مصر و نيوترال و ..... حول هذه القضية ، و بالطبع خلافي مع الأصدقاء المسيحيين ، فكلهم يرى – كما يرى كثير من المفكرين على مدار الكرة الأرضية - الإسلام غير قابل للإصلاح . هذا الرأي يعبر بدقة و صدق عن واقع الإسلام الآن ،وهو ما أراه أيضا و يراه كل إنسان صادق مع نفسه و مع القيم العليا للجنس البشري . إن ما أتحدث عنه ليس نموذجا ليبراليا من الإسلام فقط ، و لكن الليبرالية التي تعيد قراءة الأديان وفقا لأطارها و مفاهيمها . سبق أن شرحت وجهة نظري أكثر من مرة ، و لا أزعم أني أقدم تفسيرا نهائيا في هذه القضية ، بل مجرد وجهة نظر أراها وحدها تفتح بابا ولو صغيرا لإنقاذ الإسلام . عادة أضع وجهة نظري في مقولة عامة هي أن الثقافة هي التي تقرأ النص الديني ، و أن الثقافة القارئة هي جزء من معنى هذا النص . يبقى أنني أفضل أن استكمل ردي التفصيلي على مداخلتك بعد أن أمضي بالشريط إلى الأمام قليلآ ، و حتى أستطيع أن أعطي لها ما تستحق من عناية . عن عبارة اقتباس:عرفنا اجتهادات لشيوخ مثل محمد عبده الذي عمل على تأكيد أن الإسلام هدم السلطة الدينية و محا أثرها ، و أن الرسول كان مبلغا لا مسيطرا ، وهو يقول في مرضه الأخير .الضمير هو في عبارة "وهو يقول في مرضه الأخير" تعود إلى الشيخ محمد عبده و ليس محمد النبي . هذا خطأ " إنشائي " من ناحيتي فالضمير يعود على آخر اسم و بالتالي يفهم منه أنه يعود إلى الرسول ، فعذرا لأني اعتقدت ألا داعي للتكرار و أن أقول " ويقول الشيخ محمدة عبده في مرضه الأخير " رغم ان ذلك هو الأصح ، فعذرا مرة أخرى . RE: التخلف المقدس - بهجت - 08-22-2010 "Iron rusts from disuse; water loses its purity from stagnation... even so does inaction sap the vigor of the mind" Leonardo da Vinci.
" يصدأ الحديد من عدم الإستخدام ، و يفقد الماء نقائه من الركود ..كذلك يبلى الخمول توهج العقل " . ليوناردو دافنشي ..
التهوس بالماضي و الإستغراق فيه النوستالجيا Nostalgia أو الحنين إلي الماضي الذهبي ليس منزع عربي و إسلامي فقط ، و لكنها نزعة موجودة في كل الحضارات ، بما في ذلك الحضارة الغربية ، ففي مواجهة مفكرين امتدحوا تحضر أوروبا وزحفها نحو المجتمع المدني الحديث ، فإن هناك من مجد الإنسان الرعوي في علاقته المباشرة مع الطبيعة مثل جان جاك رسو صاحب العقد الاجتماعي الذي هاجم جميع الجوانب الحديثة في القرن الثامن عشر الذي عاش فيه، و تعبر فكرة الاضمحلال، ومثلها فكرة التقدم في واقع الأمر عن طبيعة ومعني الزمن، وكلتا الفكرتان أسطورتان في تاريخ الفكر الغربي ، وإن لم تحظ أسطورة الاضمحلال بنفس ما حظيت به أسطورة التقدم من اهتمام. من الناحية العاطفية تشعر كل الحضارات في الماضي أو الحاضر أن البشر ليسوا علي المستوي الذي كان عليه آباؤهم ، وهكذا يشيع الوعي بالزمن في كافة الثقافات ، منقولا ربما عن الوعي بالتغيير الجسدي الذي يعيه البشر في أنفسهم . هذا الوعي بالتحلل والطبيعة العابرة للوجود البشري ربما كانت الأساس في أسطورة " أركاديا " ، أي الجنة الرعوية الخيالية التي يستمتع فيها البشر بلا أحزان . هنا ينتهي التشابه بين موقف الثقافة الإسلامية من الماضي و غيرها من الثقافات المعاصرة ،و يقفز السؤال حول تحول "النوستالجيا" من حالة سوية وطبيعية هي في صميم النفس البشرية إلى حالة مرَضية ومعطلة لكل الطاقات والإمكانات في ثقافتنا الإسلامية . نعم.."النوستالجيا" حالة سوية وطبيعية ولكنها تحولت لدينا من نعمة إلى نقمة ، و من شعور وجداني محفوف بالأشجان ، إلى موقف عقلي هروبي و استحضار دائم للتاريخ ، هذا الإستحضار الطاغي يفقدنا القدرة على أن نعيش هذا العصر و أن نكون جزءا من الحضارة ، إننا ببلاهة نادرة المثال نتمسك بقيم ومفاهيم لم تعد صالحة لهذا الزمان ، ونفشل في تخليق وزراعة قيم الحداثة و التقدم . ما نعاني منه هو ما يمكن أن نطلق عليه "النزعة الماضوية" ،و هي الحالة التي ينغلق الوعي فيها على الماضي ، و بالتالي يصبح هذا الماضي إطارا مرجعيا أوحدآ للحكم على السلوك و الأفعال و الأفكار ، و لذلك فإن الوعي الذي تنتجه النزعة الماضوية هو وعي يتحرك في دائرة التقليد التي يرتد كل لاحق فيه إلى سابق له ، هذه النزعة الماضوية تشكل الآن مركز الثقافة الإسلامية التي لا يمكن وصفها سوى بالتخلف . هذا التخلف يعود إلى حقيقة أن الخاصية التأسيسية الأولى لثقافة التخلف هي الإنكفاء على ماض متخيل تتهوس به ولا تكف عن استعادته محاكاة و تقليدا و اتباعا ، و تبالغ في تقديسه مما يجعل منه إطارا مرجعيا لكل شيء قائم ، فيغدوا الماضي معيار القيمة الموجبة لكل ما يمكن أن يحدث في الحاضر و المستقبل ، بل أن المستقبل نفسه يصبح صورة من الماضي ، هذا الماضي الذي أصبح مرجعا بحيث يكون كل تطور حيودا عما يجب أن يكون !، و تصبح حركة التاريخ لدى المسلمين عبارة عن دائرة تعود دائما إلى نقطة البداية و تستهدفها . و الأساس الوحيد لقبول التغيير هو تشابهه مع ما حدث سابقا . ثقافة التخلف هي ثقافة " عينها في قفاها " ،لا وجود للمستقبل في تصورها ، فالتفكير في المستقبل و التخطيط له أمر غير متصور في هذا الوعي المسجون في المسار المغلق للماضي . إن الرؤية الأصولية تعتبر أن لحظة التمام والكمال حصلت في الماضي، وأنه كلما ابتعدنا عن تلك اللحظة فسدت البشرية ، وبالتالي فالتقدم بالنسبة لها يكون في العودة إلى الوراء، إلى عهد بعينه حيث الأصول الأولى للعقيدة .. إلى لحظة اللحظات. إن تعلق الأصوليين التكريسي بالماضي يجعل من باقي الأزمنة مجرد وقتا ضائعا في مسرحية أُختتمت بالفعل ، فما أهمية العرض المسرحي الذي شاهد الناس فصله الأخير ؟.هذه الرؤية تتناقض بالكلية مع ما تعلمته البشرية خلال القرن العشرين ، تعلمنا أن الكون يتطور باستمرار و أن المستقبل لا الماضي هو أفضل التاريخ ، إن الجنس البشري صار أطول عمرا و أقوى جسما و أفضل صحة و أكثر ذكاء و مقدرة و أكمل أخلاقا و سلوكا،و أهم من ذلك كله أقدر على المعرفة . إن الادعاء بأن وظيفة الجنس البشري تنحصر في محاكاة عهد بعينه ، تهدر قيمة الحياة كأعظم عطايا الإله ، إن رحلة الحياة أجل من أن تكون سبيلا لغاية مسبقة ، فما بالك أن تكون سبيلا إلى الماضي التعيس ، ثم يبقى السؤال الأهم كيف كانت لحظة الكمال تلك و كيف كانت مدينتها الفاضلة ؟. لا تنقلب المجتمعات إلى النقيض بين يوم و ليلة ،و لكنها تتطور ببطء نتيجة لتغيرات في واقعها المادي ، من الطبيعي أن الدعوة الأخلاقية السديدة و الإرشاد الروحي و تنظيم الفوضى الجنسية كلها تؤدي إلى توجيه التغيرات الكبرى والإسراع بها و لكنها لا تصنعها . لم يكن مجتمع الصحابة في مكة و المدينة و ما بينهما استثناء من القانون العام ، لهذا جاء المجتمع نسخة معدلة من المجتمع الجاهلي بكل خصائصه ،أما التطور الشامل في شكل المجتمع و علاقاته فلم يأت سوى متأخرا خلال عملية تاريخية طويلة اعتمدت بالأساس على معطيات الواقع المادي الجديد ، و لم يكن ذلك الواقع الجديد سوى محصلة لعمليات الغزو الاستيطاني التي استهدفت المجتمعات المتحضرة المجاورة ، بالقطع لم تكن كل تلك التغيرات ممكنة و بالطريقة التي تمت بها بدون الإسهام الفريد للنبي محمد و دعوته لكن ذلك لم يغير كثيرا من طبيعة مجتمع الصحابة كمجتمع صحراوي بدائي لا علاقة له باليوتوبيا ( المجتمع المثالي الفاضل ) التي يصورها الدعاة ، فاليوتوبيا هي مجرد شوق بشري إلى العدل و الكمال لم يتجسد أبدا في أي مكان و خاصة في يثرب . لن يكون حديثنا جديا لو تحدثنا عن الحياة المادية وما أبأسها لقوم يعيشون على التمر و أكل الضب و الجراد و التداوي ببول الإبل ، فحتى (السلفيون) لا يجادلون في تفاهة مثل تلك الحياة التي تتجاوزها أبعد القبائل البدائية عن العمران ، و لكن سنفترض أن المقصود باليوتوبيا هو تحديدا ما كانت عليه النظم الأخلاقية و القيم السلوكية ، حتى في هذا الجانب الأخلاقي لم يكن مجتمع الصحابة يوتوبيا مع كافة مستويات التسامح . يتغافل العقل الأصولي عن حقيقة أن مجتمع الصحابة مجرد مجتمع بشري كغيره من المجتمعات و يعتقد أنه كي نثبت النبوة للرسول محمد لابد أن نحيل الصحابة إلى ملائكة مجردين من النواقص ، فجميع الصحابة أقوياء شجعان كرماء يتميزون بالعفة و حسن الخلق ،وهذا كله يجافي الطبيعة البشرية و يناقض حتى النصوص القرآنية التي تحدثت عن كثير من نقائص الصحابة و عيوبهم بما في ذلك شيوع ظاهرة النفاق التي كانت موضوعا لكثير من الآيات. تشكلت صورة النبي محمد و أصحابه في العقل المسلم خلال أجيال طويلة و مجتمعات مختلفة في طبيعتها عن مجتمع يثرب ، و مع تقدم الزمن و ازدياد البعد الجغرافي أضيف الكثير من المعجزات و الصفات الخارقة إلى تلك الصورة وصولا إلى نوع من التجريد و القداسة حتى أصبحنا في مواجهة مجتمع أسطوري فيه من أخيلة الشعوب الإسلامية و تراثها الميثولوجي بأكثر مما فيه من التاريخ ، و هكذا عندما نضع كتب السير و المغازي في دراسة مقارنة سنجد أن معجزات النبي و مثاليات الصحابة تزداد باطراد كلما ابتعدنا عن زمن النبي بينما يقل المكون التاريخي الموضوعي ، هذه الحقيقة ستبدو أكثر جلاء لمن يشاهد برنامج معاصر مثل على خطى الحبيب لعمرو خالد و يقارنه بسيرة ابن هشام أو ما وصلنا عن سيرة ابن إسحاق . من أخطر مستتبعات النزعة الماضوية هو تقديس معارف القدماء و تحجيم دور العلم ليصبح مجرد تابع للمقولات الدينية ، فالتصور السلفي يقوم على تصور بقدم العلم ،و أن كل شيء في العالم محفوظ فيما يسمونه " اللوح المحفوظ " ، و طبقا للتصورات "المتفيقهة " فإن العلم يهبط من هذا اللوح بشكله النقي الصافي إلى صدور الأنبياء الذين ينقلونه لتابعيهم من أسيادنا المميزين الموعدين بالجنة و الدنيا ، وهؤلاء ينقلونه إلى التابعين و من ثم تابعي التابعيين ،و هكذا لجيلين أو ثلاث ثم يفسد العلم و تنتهي صلاحيته !، و بالتالي فالعلم النافع لابد أن يكون له صلة و اتصال بعلوم الأقدمين و نصوص الدين كما فهمها هؤلاء السابقون ،و بالتالي فالأسئلة المسموح بها هي تلك التي تستدعي الإجابات المحسومة سلفا ، المتكررة أبدآ ، فهي معرفة النهايات المغلقة ،و تصبح العلوم كما وصفها كاتب يوما ما بأنها أشبه بتكرار الصور في المرايا المتوازية . يقول ابن قتيبة في القرن الثالث الهجري " قف حيث وقف القوم ،و قل بما قالوا ، وكف عما كفوا " ، هذه العبارة توجز العقلية الثقافية الإسلامية ، و الإسلاميون يكرهون المخالفة بشكل عام ، و ينفرون من كل مبتدع ،و إن كان جائزا ، حفاظا على الأصل الذي هو الإتباع . أسلمة الماضوية . يسعى المتأسلمون إلى جعل تقديس الماضي جزءا من العقائد الدينية ، وهم في ذلك يوظفون أحاديث مرسلة تنسب للنبي محمد و يجعلونها أساسا لبناء حياتنا الثقافية ، هذه الأحاديث لا تخرج عن كونها مجاملة لأصدقائه ،و تشجيعا لهم و دفعهم إلى مزيد من الولاء له و لدعوته . من هذه الأحاديث 1- حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير أمتي القرن الذين يلوني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته . 2- حدثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن عبد الله بن مولة قال : كنت أسير مع أبي بردة الأسلمي فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ؛ ثم الذين يلونهم ، ثم يكون فيهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم . 3- ظهور الفتن ، قال صلى الله عليه وسلم : إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً - رواه أحمد (15791) وابو دواد (4259) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3812) 4- وقد حدث كثير من الفتن من عهد الصحابة رضي الله عنهم حتى الآن وأعظم الفتن جاءت من الشرق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق : ألا إن الفتنه ها هنا ألا إن الفتنه هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان - رواه البخاري (3320) ومسلم (2905) 5- ـ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، قَالَ جَلَسَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو مُوسَى فَتَحَدَّثَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ ". 6- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ " اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ ". سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم. 7- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ " سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ ـ يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ ـ لِكَىْ يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا، عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ ". ترتبط الماضوية ليس بتقديس الماضي فقط ، بل تمتد هذه القداسة إلى سكان هذا الماضي ورموزه ، هذه القداسة يوحي بها قراءة ضيقة للنصوص الدينية ، ففي القرآن آيات مثل تلك من سورة الواقعة ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ) ، و هناك أحاديث تنسب للنبي محمد في تفضيل جماعته و أصدقائه و أقاربه و نسائه على العالمين !. فينسب للنبي قوله (أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم... اهتديتم ) ، و هناك حديث آخر ( إذا ذكر اصحابي فامسكوا ، وإذا ذكر النجوم فامسكوا ، وإذا ذكر القدر فامسكوا ) . ( أخرجه الطبراني في الكبير 2 / 78 / 2 ، وابو نعيم في الحلية 4 / 108 ، وفي الإمام من حديث ابن مسعود ، وقواه الالباني بطرقه وشواهده - السلسلة الصحيحة1 / 34 ) . يقول النبي في وصيته (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم و محدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) مسند الإمام احمد، وابو داود، والترمذي وابن ماجه، وصحيح الجامع . و يقول ابن مسعود عنهم . "فحبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة ". رغم كل تلك الدعاية تبقى الحقيقة أن أصحاب محمد هم آخر من يمكن الإقتداء بهم في زماننا هذا القائم على العلم و الحرية ، فلم يكن بينهم عالم ولا فنان أو مفكر ولا فيلسوف ، فكلهم من البدو السذج محدودي الأفق ،وهذا شيئ طبيعي تماما لا يمكن أن يكون هناك غيره ، فأن تصادف عالما في مدينة محمد هو احتمال أن تصادف أمي في " المجمع العلمي الفرنسي " . تلك الماضوية العمياء هي التي تجعل المسلم المعاصر ( خاصة المصري الورع التقليدي ) يرى جميع بدوالجزيرة في زمن محمد النبي أسياده ، فهو يرتعب أن يذكر أحدهم بدون سيدنا ، فهناك رأس أسياده " سيدنا محمد " و البقية مثل " سيدنا عمر، و سيدنا عمرو بن العاص ،و سيدنا معاوية بن أبي سفيان و سيدنا سعد بن عبادة و.... ، " ، المضحك المبكي أن أصحاب محمد لم يدعوه سيدنا أبدآ ، ولم يفعلوا ذلك مع غيره ، فكيف بمن يزعمون أنهم يقتدون بهؤلاء البدو لا يقتدون بهم في احترامهم انفسهم ، و تغلب عليهم روح العبودية فلا يخجلون من دعوة بدو الجزيرة المتخلفين الذين عاشوا منذ 1450 سنة بأسيادهم !. |