![]() |
الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال (/showthread.php?tid=50698) |
الرد على: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - Dr.xXxXx - 11-06-2013 في كتاب موسى البديري وفي اللقاء مع إميل حبيبي وإميل توما، يظهر التناقض بوضوح في رواية كل منهما حول أيديولوجيا الحزب حيث أنه حبيبي رد على سؤال ما إذا كانت عصبة التحرر قد أقيمت كإطار للشيوعيين العرب بقوله: "لقد ظهر أنه من المستحيل إقامة تنظم شيوعي يضم في صفوفه عرباً ويهوداً. العصبة كانت تنظيماً وطنياً، وكان هناك شيوعيين عرب في داخل صفوفه، ولكن لم ينظر أحد إلى العصبة كحزب شيوعي". أما توما فقد قال: "كانت هناك نظرة في تلك الفترة بالذات، ترى في عصبة التحرر الوطني إحدى الهيئات الوطنية في فلسطين، لكني لا أتفق مع تلك الرؤية. كانت العصبة تنظيماً شيوعياً وكانت المهمة الملقاة على عاتق حزب ماركسي في تلك المرحلة التاريخية الوقوف إلى جانب الحركة الوطنية ومؤازرتها حتى تحقيق هزيمة الامبريالية البريطانية. وهذا لا يجعل العصبة تنظيماً قومياً. لقد كانت سياستها مبنية على المبادئ الأممية فيما يتعلق بالاتحاد السوفييتي، المعادي للامبريالية، وحقوق العمال. وضرورة الديمقراطية في صفوف الحركة الوطنية، والأهم من ذلك جميعاً، الحل الديمقراطي للمشكلة اليهودية" RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - ابن فلسطين - 11-06-2013 (11-06-2013, 01:43 AM)Dr.xXxXx كتب: أُبرر اضطهاد اليهود؟!!! نعم، تبرر إضطهاد اليهود، وإلا ما معنى جملتك: "لا ننكر أن اليهود تعرضوا لتضييقات من قبل سكان الدول العربية لكن ذلك كان رداً على احتلالهم لفلسطين"؟ وبعدها تقول أن الدولة البيزنطية زفت لأنها إضطهدتهم أما الرسول فله أسبابه الموضوعية غير العنصرية لطردهم (حتى لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)!! سيبك من لغة الخطاب الرخيص، كنت أستطيع الرد عليك بمثلها لولا أنه سيقال أن فلسطينيين دقوا ببعض بسبب مشاركة عن اليهود كتبها رفيق كامل. من يعشق الزبيب يا تقبر قلبي هو من قال أنه مستعد للمحاربة في صفوف الجيش الإسرائيلي لمقاتلة "الشيعة". تلحس دقني شو مش عنصري. RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - الحوت الأبيض - 11-06-2013 (11-06-2013, 02:06 AM)vodka كتب: "شيوعيون في فلسطين" إليكم روابط أخرى لا تحتاج إلى تسجيل ولا إلى رفع كتب أخرى: http://hulkload.com/qd3gy6e3n3xm http://junocloud.me/45tmzy169tja/151335690-Communists-in-Palestine-______________-____-____________-__________-__________-________.pdf.html http://bitshare.com/files/cbo34ygi/151335690-Communists-in-Palestine-u0634u064au0648u0639u064au0648u0646-u0641u064a-u0641u0644u0633u0637u064au0646-u0634u0638u0627u064au0627-u062au0627u0631u064au062e-u0645u0646u0633u064a.pdf.html http://freakshare.com/files/idz6amum/151335690-Communists-in-Palestine----------------------------------------------------------------.pdf.html (11-06-2013, 03:09 AM)Dr.xXxXx كتب: شكراً فودكا على اضافة الكتاب. معرفتي لجويل بينين وكتاباته سطحية نوعا ما، لكنه كاتب يساري (لا أعلم إن كان ماركسيا أو اشتراكيا ديموقراطيا) ولا أظنه اليوم يعتبر نفسه صهيونيا... صحيح لقد ترعرع في عائلة يهودية أمريكية صهيونية وكان صهيونيا في صباه وعاش فترة في إسرائيل لكنه أعاد النظر في الصهيونية بعد رؤيته لوضع الفلسطينيين (على ذمة ويكيبيديا). على أي حال فهو مؤرخ أكاديمي وحسب القليل الذي قرأته من كتابه فهو موضوعي. شكرا على الكتاب الإضافي. (11-06-2013, 03:39 AM)Dr.xXxXx كتب: في كتاب موسى البديري وفي اللقاء مع إميل حبيبي وإميل توما، يظهر التناقض بوضوح في رواية كل منهما حول أيديولوجيا الحزب حيث أنه حبيبي رد على سؤال ما إذا كانت عصبة التحرر قد أقيمت كإطار للشيوعيين العرب بقوله: أولا مشكلة مثل هذه الكتب التي تعتمد على ذاكرة الأعضاء القدامى هي أنهم قد يحاولون تجميل الماضي أو ملاءمته لاعتقاداتهم الحالية (عن وعي أو دون وعي)... لكن في ظل غياب الأرشيف ووثائقه لا يجد الباحث العربي أمامه سوى هذه الوسيلة.... حسب كتاب بينين (هل رفرف العلم الأحمر هناك؟) فقد كان اشتراك عصبة التحرر الوطني في مؤتمر لندن أول مرة يعتبر الحزب نفسه حزبا شيوعيا وكان ذاك في عام 1947.... على فكرة من مثل الحزب كان إميل توما (وليس حبيبي كما قلت سابقا، تبا للذاكرة)... ربما ضم الحزب تحت جناحيه عددا من التيارات بعضها شيوعي وبعضها أقرب للفكر القومي اليساري مثلا وكل عرف الحزب حسب رؤيته... لكن اشتراك الحزب في مؤتمر لندن كان تصريحا بكونه حزبا يعتنق الاشتراكية المادية. سأحاول كتابة مداخلة مرتبة حول هذا الحزب هنا وقد أنقلها إلى ويكيبيديا فيكفيني سرقة منها ربما قد حان أوان رد الجميل... لكنني لا أعد فقد تفتر همتي قبل إنهاء المهمة. RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - الحوت الأبيض - 11-06-2013 لمذا نجهد أنفسنا بالكتابة حين يمكننا الاكتفاء بالنقل ![]() مقدمات وخصوصيات نشوء الحركة الشيوعية في فلسطين
د. مروان مشرقيالحلقة الأولى يعود نشوء الحركة الشيوعية في فلسطين إلى عام 1919, عندما تشكل في آذار 1919 "حزب العمال الاشتراكي في فلسطين- م.ب.س " من قبل مجموعة انشقت في تلك السنة عن حزب "بوعلي تسيون"(1), ودعت إلى قطع كل العلاقات مع الحركة الصهيونية والانضمام إلى الكومنترن. لقد أرتبط هذا ألانشقاق بالمد الثوري الذي اجتاح الحركة الثورية العالمية بعد الحرب العالمية الأولى وبتأثير ثورة أكتوبر الاشتراكية, إذ ساعد ذلك على انتشار تعاليم ألاشتراكية في صفوف العمال والمثقفين التقدميين اليهود وقطع العلاقة مع الاشتراكية الصهيونية التي ربطت مصيرها بالاستعمار البريطاني. ففي هذه الفترة تعمق التمايز الإيديولوجي داخل الحركة العمالية اليهودية في البلاد وأنكشف ألطابع الرجعي والاستعماري للصهيونية وجوهرها المعادي للحركة القومية الفلسطينية, مما عجَل من انسلاخ تلك المجموعة فكريا وتنظيميا عن حزب "بوعلي تسيون" والتخلي عن أغلبية الأوهام الاشتراكية الصهيونية. لقد عبرت جريدة "باروييس" (التقدم) الناطقة باللغة الايديشية (2) عن هذا التحول الفكري, إذ ذكرت بأنه كان أمام اليسار الثوري في الحركة العمالية اليهودية خيارين يجب الحسم فيما بينهما, إما اختيار " لندن الامبريالية أو موسكو البروليتارية.... أغسطس 1914 أو أكتوبر 1917 .... بلفور أم لينين.... مؤتمر صهيوني أم الأممية الشيوعية ؟.... (3). بهذه المعادلة حسم الشيوعيون الأوائل مواقفهم الفكرية, وشقوا طريقهم نحو الفكر الماركسي اللينيني, بالرغم من بقاء بعضا من عدم الوضوح الفكري بخصوص عدة قضايا, وبالأساس بخصوص الصهيونية والقضية القومية. إن خصوصية نشأة الحركة الشيوعية في فلسطين عكست نفسها لاحقا ولفترة طويلة ميزت عملية نشؤ أغلبية الأحزاب الشيوعية في البلدان الكولونيالية, ولم تكن نتاجا لنمو طبقة عاملة عربية متطورة أو نتيجة لتطور جناح يساري في حركة التحرر القومي الفلسطينية, بل نشأت في داخل وفي رحم المجتمع الاستيطاني اليهودي الذي كان يمثل أقلية كولونيالية غريبة عن المجتمع العربي الأصلي. إن هذا الواقع ادخل الشيوعيون الأوائل في تناقض كبير, ما بين دعوتهم لتحرير البلاد وإقامة نظام اشتراكي وما بين جذورهم الصهيونية وكونهم جزءا من التجمع الاستيطاني الغريب. في 17-19 أكتوبر 1919 عقد المؤتمر الأول "لحزب العمال الاشتراكي في فلسطين – م.ب.س " (4), حيث افتتحه مردخاي خالدي (5) وقدم البيان الرئيسي ياكو مايرزون (6). في هذا الاجتماع صاغ الحزب لأول مرة سياسة وإيديولوجية بلشفية تميزت عن كل البرامج التي تبنتها التيارات الاشتراكية في الصهيونية. وبهذا خطى خطوة متقدمة وحاسمة نحو تكوين وجهة نظر فلسفية ماركسية نحو العالم. لقد دعم المؤتمر الموقف اللينيني من الحرب العالمية ألأولى وأيد ثورة أكتوبر ألاشتراكية وطريق البلشفية وأعلن أيضا عن تخلي الشيوعيون عن كل علاقة مع الأممية الثانية, كما وفصلوا أنفسهم عن الحركة الصهيونية وقرروا التوجه نحو الأممية الشيوعية للانضمام إلى صفوفها. بالرغم من هذه المواقف والقرارات الهامة التي أقرها المؤتمر الأول التأسيسي لحزب م.ب.س, إلا أن الحزب بقي واقعا تحت تأثير بعض الأفكار الصهيونية حيث صاغ مفهوم "الصهيونية البروليتارية" – أذ أعلن مايرزون أنها هي " التي تربط تحقيق المثال الصهيوني بانتصار الثورة الاشتراكية...", ".... وان في هذا الانتصار الضمان الوحيد لتحقيق كل المثل التقدمية والصهيونية.."(7). وتعبيرا عن هذه المواقف أقام الحزب علاقات مع حركة العمل الصهيونية بهدف توسيع صفوفه ودائرة تأثيره, وعليه أقام حزب العمال ألاشتراكي العبري ( م.ب.س.ع ), الذي وجه جل نشاطه داخل المهاجرين اليهود الجدد وعمال المدن. كما ونشط الحزب بالمجال النقابي, حيث أسس بمبادرة أعضائه عدة نقابات مهنية كنقابة النجارين ونقابة الخياطين في مدينة يافا. كما ونجح بالسيطرة على لجنة عمال سكك الحديد التي كانت تمثل أهم اللجان العمالية في فلسطين والتي نظمت في صفوفها أكثر من 400 عاملا يهوديا. بألأضافة إلى ذلك شارك الحزب بالمؤتمر التأسيسي للهستدروت العامة الذي عقد في حيفا في 4 كانون ألأول 1620 وحصل بانتخابات المؤتمر على 7% من ألأصوات وتمثل بستة مندوبين من أصل 87 مندوبي المؤتمر(8). نتيجة لتلك السياسة القومية التي انتهجتها قيادة الحزب حينذاك, وعلى أثر مظاهرة الأول من أيار 1921 التي خرجت من نادي الحزب والأحداث التي رافقتها توقف عمل حزب العمال ألاشتراكي العبري (م.ب.س.ع), حيث جرى في داخل صفوفه عام 1922 انشقاق تنظيمي تشكل على أثره حزبان شيوعيان: الحزب الشيوعي في فلسطين (ك.ب.ب) بقيادة جوزيف برزيلاي (برغر)(9), والحزب الشيوعي الفلسطيني (ب.ك.ب) بقيادة حاييم اورباخ (10). واستمرارا لهذا الانشقاق حدث انشقاق مواز بين العناصر الشيوعية الفاعلة في الهستدروت, فظهرت " الفراكتسيا العمالية" المرتبطة بحزب ب.ك.ب. و"الفراكتسيا البروليتارية" المرتبطة بحزب ك.ب.ب. (11). بالرغم من التخبط الفكري قام الحزب بعدة نشاطات دعمت مواقفه السياسية واستقلاله الأيديولوجي وبلورت طابعه الثوري. إذ قام بتنظيم المظاهرات احتفالا بذكرى ثورة أكتوبر في 7/11/1920. كما وشارك أعضاؤه بالعديد من النشاطات الجماهيرية المعادية للاستعمار البريطاني وبالأساس بعيد العمال العالمي- ألأول من أيار. لقد تحولت احتفالات الأول من أيار 1921 التي خرجت من نادي الحزب إلى أحداث دموية إذ جرت صدامات عربية يهودية, قتل على أثرها أكثر من 200 شخص. وقد حملت سلطات ألانتداب الشيوعيين مسؤولية هذه التصادمات, قامت على أثرها باعتقال عددا كبيرا من أعضاء الحزب وطردهم من البلاد, كما وصدر قرارا يمنع علنية العمل الشيوعي في فلسطين. وقد أستمر العمل السري للحزب الشيوعي الفلسطيني حتى عام 1942. بالرغم من الملاحقات البوليسية والعمل السري الصعب شارك الشيوعيون في الهستدروت حيث نشطوا خلال سنتين من خلال " الفراكتسيا العمالية" و"الفراكتسيا البروليتارية", اللتان وقفتا موقفا صلبا ضد قيادة الهستدروت العمالية الصهيونية التي رأت في تلك النشاطات نشاطات معادية للمشروع الصهيوني في فلسطين. وعليه قرر مجلس الهستدروت في 21 نيسان 1924 إخراج "الكتلة العمالية" الشيوعية من صفوفه, ومنذ ذلك الحين لم يعترف بالحزب الشيوعي كحزب رسمي في مؤسسات اليشوف حتى عام 1944. بقي ألانشقاق في الحركة الشيوعية في فلسطين حتى عام 1923. ففي شهر تموز 1923 عقد الحزب مؤتمره الخامس, الذي شكل نقطة تحول حاسمة على طريق تحوله إلى حزب قطري وأممي. ففي هذا المؤتمر تم توحيد الحزبين ب.ك.ب. و ك.ب.ب. قي حزب واحد سمي بالحزب الشيوعي الفلسطيني ب.ك.ب. (12) وأعلن أيضا عن توحيد العمل النقابي من خلال دمج الكتلتين النقابيتين في كتلة واحدة سميت "بالكتلة العمالية". من الناحية السياسية والفكرية اتخذ المؤتمر قرارات حاسمة وصحيحة بصدد الحركة القومية العربية, إذ اعتبرها "احد العوامل الأساسية التي تقاوم الاستعمار البريطاني", ورأى من واجبه القيام بعمل كل شيء من اجل مساندتها. كما واتخذ المؤتمر موقفا نهائيا من الأيديولوجية الصهيونية, وتخلى عن أوهامه السابقة وبما يسمى "الصهيونية البروليتارية". ففي هذا المؤتمر قيم الحزب الحركة الصهيونية بأنها "حركة تتجسد فيها تطلعات البرجوازية اليهودية... وتقف في جبهة واحدة مع الاستعمار البريطاني, إذ ربطت مصيرها مع مصير المحتلين الامبرياليين..." كما ودعت قرارات المؤتمر إلى مقاومتها "بواسطة العمل الإيضاحي بين العمال اليهود وخاصة... توجيه النضال ضد الصهيونية البروليتارية.." . بألأضافة الى ذلك قرر المؤتمر إيفاد السكرتير العام للحزب حاييم اورباخ إلى موسكو من اجل إقناع قيادة الأممية الشيوعية بالاعتراف بالحزب كفرع لها. وبعد عدة لقاءات ومفاوضات صعبة وطويلة قررت اللجنة التنفيذية الكومنترن قبول الحزب في صفوف الأممية الشيوعية وقبول " الكتلة العمالية" في صفوف الأممية النقابية الحمراء. لقد اشترطت اللجنة التنفيذية للكومنترن على الحزب من أجل قبوله في صفوف الكومنترن "أن يسعى إلى إقامة أوثق الصلات مع أوسع الجماهير العربية بغية تحويله من منظمة للعمال اليهود إلى حزب قطري حقيقي".. ودعته إلى دعم حركة التحرر الوطني للسكان العرب في نضالهم ضد الاحتلال البريطاني- الصهيوني."(13). لقد شكل المؤتمر الخامس للحزب محطة هامة في التطور الفكري والسياسي للحركة الشيوعية الفلسطينية , كما وساعد دخول الحزب إلى صفوف الكومنترن على صياغة برنامجا سياسيا متقدما, والعمل على تحوله إلى حزب عربي- يهودي قطري. في هذه المرحلة طرحت أمام الحزب ثلاث مهام أساسية: * المهمة الأولى هي إنجاز تعريب صفوفه والتحول إلى حزب قطري مرتبط بالجماهير العربية الفلسطينية. * المهمة الثانية هي إقامة الجبهة العمالية المتحدة للعمال العرب واليهود. * المهمة الثالثة هي إقامة الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية. لقد شكلت مسألة التعريب القضية الأساسية للحزب, الذي رأى بها تجسيدا للاتجاه الموضوعي عند الشيوعيين للارتباط بالجماهير العربية. فمن جهة شكل السكان العرب الغالبية العظمى من سكان البلاد والمعنيون قبل كل شيء بالتحرر من الاستعمار البريطاني وبناء كيانهم السياسي المستقل. من جهة ثانية بدأت الطبقة العاملة العربية بالنمو العددي والكيفي وبتشكيل وعيها الطبقي, كما وأخذت تحتل حيزا ودورا في نمو الحركة التحررية العربية في البلاد, غير منعزلة عن المد الثوري الذي اجتاح في تلك الفترة أوروبا والمستعمرات وخاصة مصر والعراق وسوريا والمغرب العربي. وهكذا نرى أن الظروف الموضوعية لطرح مسألة التعريب قد توفرت, وكان من الضروري على الشيوعيون اليهود أن يسرعوا في تنفيذ هذه العملية. لقد قام الحزب الشيوعي بنشاطات نقابية وسياسية عديدة دفعت باتجاه التعريب وألأنعطاف نحو الجماهير العمالية العربية, حيث بدأ بنشر مواقفه ونشاطاته باللغة العربية , كما وفي عام 1924 قام بإصدار مجلة أسبوعية عربية علنية تدعى "حيفا", عالجت بالأساس قضايا العمال العرب في فلسطين. وقد أضحت هذه المجلة منبرا لشرح سياسة الحزب الشيوعي في صفوف العمال العرب في فلسطين (14). فتح النشاط النقابي في الوسط العربي أمام الحزب الشيوعي أفاقا جدية للتغلغل في وسط العمال العرب وجذب العناصر الواعية إلى صفوفه. أذ قام الحزب بتشكيل عدة خلايا عربية في حي المنشية بمدينة يافا, مثل خلية عمال الأفران والبنائين والنجارين, إلى جانب ذلك بدأ الحزب بالعمل على إعداد كوادر عربية متقدمة, وذلك من خلال إرسال البعثات للدراسة الحزبية في موسكو. وكان من هؤلاء المرسلين عامل البناء رضوان الحلو- السكرتير القادم للحزب(15), مما ساهم في تعميق عملية التعريب. بألأضافة إلى ذلك مارست اللجنة التنفيذية للكومنترن ضغوطات كبيرة على قيادة الحزب من اجل تسريع عملية التعريب, إلا أن جزءا من قيادة الحزب اليهودية , وخاصة سكرتيره العام حاييم اورباخ (أبو زيام), عملت على إعاقة ذلك, مما حذا باللجنة التنفيذية على تغيير القيادة الحزبية عدة مرات. وفي عام 1934 عيِِِن رضوان الحلو سكرتيرا عاما للحزب حتى عام 1943, ألأمر الذي ساعد الحزب على الانفتاح أكثر على الوسط العربي وتطوير دوره ومساهمته في النضال التحريري للجماهير الفلسطينية. المسألة الثانية التي ناضل الحزب من أجل تحقيقها والمرتبطة عضويا بالمهمة الأولى, كانت مسألة إقامة "الجبهة العمالية المتحدة". إن حقيقة نشؤ الحزب الشيوعي في رحم اليشوف اليهودي وعدم ارتباطه بالحركة القومية التحررية للشعب الفلسطيني عكس نفسه على نشاط الحزب, حيث عبر عنه بتعمق الاتجاه النقابي في سياسته والتأكيد على المسألة الطبقية كقضية محورية في نشاطه . اتخذ الشيوعيون الأوائل منذ البداية خطا كومنتيرنيا في العمل النقابي, وهو العمل داخل التنظيمات العمالية الجماهيرية وبالأساس الهستدروت والسعي لتغيير طابعها "الإصلاحي " وتحويلها إلى نقابات "عمالية ثورية" تضم العمال اليهود والعرب. وفي إطار السياسة الكومنترنية الداعية لتحقيق وحدة الحركة النقابية وإقامة جبهة عمالية متحدة, سعى الحزب الشيوعي إلى انجاز هذه الجبهة من خلال تشكيل "لجان الوحدة" في أوساط العمال. وبمبادرة منه جرى في أوائل عام 1926 تشكيل "حركة ايحود", أي حركة الوحدة, حيث تحولت نوادي الحركة خلال فترة قصيرة إلى مقرات عمالية جماهيرية تقيم الندوات وحلقات النقاش وتساهم في تنظيم العمال العاطلين عن العمل (16). لكن في أواخر عام 1927 أغلقت السلطات البريطانية هذه النوادي وشنت حملة اعتقالات كبيرة في صفوف الشيوعيين, كما وقامت بطرد عددا كبيرا من كوادر الحزب وأنصاره خارج فلسطين. إضافة إلى ذلك حاول الحزب دمج العمال العرب بالتنظيمات النقابية اليهودية. وبضغط من الكتلة العمالية الشيوعية وافقت قيادة اتحاد نقابات سكك الحديد والبريد والبرق على قبول انضمام العمال العرب إلى صفوف الاتحاد (17). ولكن نتيجة لمواقف الهستدروت المعادية للعرب خرج العمال العرب من نقابة عمال سكك الحديد, وشكلوا أساسا لإقامة أول نقابة عربية شاملة وهي " جمعية العمال العرب الفلسطينية" وذلك في 21 آذار 1925 في حيفا. في 11-12 كانون ثاني عام 1930 انعقد المؤتمر العمالي العربي الأول في مدينة حيفا. وقد شارك الشيوعيون الفلسطينيون العرب مشاركة فعالة في قيادة المؤتمر وفي صياغة قراراته السياسية. حيث ألقى الشيوعي محمد علي قليلات الكلمة المركزية في هذا المؤتمر وساهم في تعميق طابعه السياسي وصياغة أشكال جديدة للعمل النقابي مثل الإضراب والعرائض وغيرها. كما وانتخب المؤتمر الشيوعيين محمد قليلات أمينا عاما وكامل عودة أمينا مساعدا (18). لم يتمكن الحزب الشيوعي الفلسطيني من تحقيق هدفه في إقامة الجبهة العمالية المتحدة, لكن بالرغم من ذلك استمر الشيوعيون في العمل النقابي سرا داخل الهستدروت وسعوا إلى تجذير الحركة النقابية العربية في فلسطين. المهمة الثالثة التي طرحت أمام الحزب في تلك الفترة كانت مهمة تحقيق شعار "الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية". ومن اجل تنفيذ هذه المهمة دخلت قيادة الحزب في مفاوضات عديدة مع زعماء في الحركة القومية العربية, ودعت للقيام بنشاطات مشتركة. بعد فشل تلك المفاوضات توصلت قيادة الحزب إلى استنتاج مفاده أنه على الحركة القومية العربية أن تنسلخ عن قيادتها الإقطاعية المساومة للاستعمار, كما وأن عليها أن تقاد من قبل جناح يساري راديكالي تقدمي. لقد تأثرت مواقف الحزب الشيوعي الفلسطيني في هذه الفترة بقرارات المؤتمر السادس الكومنترن الذي عقد عام 1928, والتي تميزت قراراته باليسارية الانعزالية خاصة بصدد التحالفات مع قيادة الحركة القومية الإصلاحية, الأمر الذي لم يساعد الحزب على اتخاذ موقف صحيح من هذه الحركة. لقد ساعد على نشر هذا الخط "اليساري" الانعزالي إصدار جريدة "إلى الإمام" باللغة العربية عام 1929. نتيجة لهذا الخط ألانعزالي عجز الشيوعيون أنذاك عن تفهم خصوصية المسألة القومية في فلسطين, إذ رأوا فيها "تناقضا قوميا عربيا يهوديا" يتغذى من سياسة الامبريالية والصهيونية. إن هذا التقييم لم يساعد الحزب على اتخاذ موقفا صحيحا من حركات المقاومة العربية وخاصة انتفاضة عام 1929 وإشكاليات تلك ألانتفاضة. لكن بالرغم من هذا الموقف الانعزالي الغير صحيح, إلا أن الحزب بدأ في أوائل سنوات الثلاثين بتلمس خصوصية المسألة القومية الكولونيالية, وأنكب على صياغة برنامجا سياسيا جديدا الذي أقر بمؤتمره السابع الذي عقد في أوائل شهر كانون ثاني عام 1931. الناصرة (يتبع) المصادر: (1) "بوعلي تسيون" – حزب عمالي صهيوني اشتراكي. ظهرت أولى مجموعاته في روسيا وشرق أوروبا خلال سنوات 1899 – 1904. وبعد سلسله من الانشقاقات قامت بعض المجموعات بتأسيس "الحزب الديمقراطي الاشتراكي اليهودي في روسيا " والذي تبنى برنامجا يقوم على أسس الاشتراكية والتعاونية , والمشاركة قي جميع المؤسسات الصهيونية. استمرارا لتلك ألانشقاقات قامت مجموعة مقربة من الفكر البلشفي بتأسيس حزب ي.ق.ب ( الحزب الشيوعي ألأيدشي) الذي توحد فيما بعد واندمج لاحقا بالحزب البلشفي الروسي. على أثر فشل ثورة 1905 في روسيا قامت مجموعات من هذا الحزب بالهجرة إلى فلسطين لإرساء ما سمي " القاعدة المادية اللازمة لبناء الدولة اليهودية الاشتراكية" . وفي عام 1907 تشكل " الاتحاد العالمي لحركة بوعلي تسيون" وأصبح الحزب في فلسطين فرعا تابعا له. (المصدر – أرشيف حركة العمل ألأسرائيلية- معهد لافون تل أبيب) (2) باروييس: تعني التقدم وهي الصحيفة الناطقة بلسان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني- فرع الكومنترن باللغة الايديشية. (3) "50 سنة للحزب الشيوعي في البلاد"- إصدار الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) اللجنة المركزية حيفا 1970 , ص 22. (4) المصدر السابق ص 25. (5) ولد مردخاي عام 1887 في منطقة القوقاز في روسيا. هاجر إلى فلسطين عام 1908 . نفته السلطات الانتدابية البريطانية إلى روسيا السوفيتية في أعقاب حوادث أيار 1921, حيث انقطعت أخباره. (6) ياكو مايرزون: احد مؤسسي حزب العمال الاشتراكي في فلسطين(م.ب.س). ولد عام 1888 بجنوب أوكرانيا. عمل في مجال التعليم ونشر عدة كتب باللغة الايديشية حول تاريخ اليهود. هاجر إلى فلسطين عام 1912. في عام 1919 ساهم في تأسيس حزب م.ب.س وخاض نضالا عنيدا في سبيل انضمام الحزب للأممية الشيوعية وفي سبيل مقاطعة مؤتمرات الحركة الصهيونية العالمية. في عام 1922 هاجر من فلسطين واستقر في مدينة أوديسا, حيث عمل محاضرا جامعيا للتاريخ والأدب ألأيديشي. توفي عام 1947 في مدينة موسكو . (الاقتباس من كتاب د. م. شريف- الأممية الشيوعية وفلسطين 1919- 1928 - دار ابن خلدون – بيروت 1980 - ص 105). (7) "50 سنة للحزب الشيوعي في البلاد" مصدر سابق ص 28. (8) أرشيف حركة العمل ألإسرائيلية- المؤتمر التأسيسي للهستدروت. عقد المؤتمر في 4 كانون ألأول عام 1920 في حيفا. شارك فيه 4,433 مندوبا- 42% من المندوبين منتسبين ل- " أحدوت هعفودا" , 30% ل- " هبوعيل هتسعير" , 19% لقائمة " هحلوتسيم فهعوفديم هحدشيم" , 7% لحزب " حزب العمال ألاشتراكي العبري ( م.ب.س.ع ), و 2% لقوائم أخرى . (9) جوزيف برزيلاي (برغر): ولد في بولونيا عام 1904 وهاجر إلى فلسطين عام 1920. لعب دورا بارزا في الحزب الشيوعي الفلسطيني. في عام 1929 شغل منصب الأمين العام للحزب حتى عام 1931. بعد ذلك سافر إلى موسكو ومنها إلى برلين حيث أصبح سكرتيرا لعصبة مناهضة الاستعمار. في سنوات 1932-1934 عين مسؤولا عن قسم الشرق الأدنى في الكونترن باسم جوزيف برغر. اعتقل عام 1935 في حملة التطهير حتى عام 1956, حيث أفرج عنه وأعيد له اعتباره. بعد ذلك هاجر إلى إسرائيل حيث استقر هناك وعمل محاضرا قي جامعة بار إيلان. بعد خروجه من السجن وقف مواقفا معادية للشيوعية وتحول إلى داعية صهيونية معادية للسوفيت. توفي عام 1978. (المصدر د. سليمان بشير, المشرق العربي في النظرية والممارسة الشيوعية.. مصدر سابق ص 125). (10) حاييم اورباخ: من مؤسسي الحزب الشيوعي الفلسطيني وأمينه العام في سنوات 1923-1929. له عدة أسماء حركية منها: أبو زيام , حيدر, دانييل وأدم يوريسوفيتش. ولد عام 1880 في روسيا وساهم في أحداث الثورة الروسية الأولى. هاجر إلى فلسطين عام 1922 وساهم في إعادة توحيد الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1923 وانتسابه للكومنترن عام 1924. انتقل إلى موسكو للعمل في القسم الشرقي التابع للكومنترن من سنة 1929 حتى سنة 1936. وفي حملة التطهير عام 1936 اعتقل اورباخ بتهمة انحرافات توتسكية, ومات في السجن عام 1941. أعيد له الاعتبار على اثر المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. (المصدر السابق ص 118, ود. م. شريف- الأممية الشيوعية فلسطين.. مصدر سابق ص162). (11) د. بشير سليمان: المشرق العربي في النظرية والممارسة الشيوعية.. مصدر سابق ص106. (12) 50 سنة للحزب الشيوعي في البلاد- مصدر سابق ص39. (13) د. شريف ماهر – الأممية الشيوعية وفلسطين.." – مصدر سابق ص 157. (14) انظر مجلة "حيفا" لصاحبها إيليا زكا – تشرين الأول 1924, المكتبة القومية – القدس. (15) رضوان الحلو- ولد عام 1910 في فلسطين, نسب إلى صفوف الحزب الشيوعي عام 1927. وفي عام 1930 شارك في المؤتمر الأول للعمال العرب في فلسطين, بعدها سافر الى موسكو بصحبة نجاتي صدقي لتمثيل الحزب الشيوعي في مؤتمر" البروفمنترن" الخامس. وانتسب هناك إلى جامعة "الشرق" في موسكو وبقي حتى عام 1933 حيث عاد إلى فلسطين. بعد عودته إلى فلسطين عين مباشرة سكرتيرا لمنظمة الشبيبة الشيوعية التي كانت تضم العرب واليهود. وفي عام 1934 عين سكرتيرا عاما للحزب الشيوعي, وقد كان طيلة فترة قيادته للحزب يعتمد بصلاحياته على الكومنترن. بقي في قيادة الحزب حتى عام 1943, ودخل السجن عدة مرات حتى أطلق سراحه في شباط عام 1942. ساهم رضوان الحلو مساهمة جدية في تعميق عملية تعريب الحزب وفي الارتباط بالحركة الوطنية الفلسطينية. في عام 1943 انفجر نقاش كبير داخل قيادة الحزب, الأمر الذي أدى إلى انهياره وتشكيل عدة فلق مختلفة اصطفت في النهاية بتنظيمين شيوعيين على أساس قومي. فقد أنتظم الشيوعيون اليهود في الحزب الشيوعي الفلسطيني, أما الشيوعيون العرب فقد أ،تظموا مع العديد من الخلايا الماركسية في عصبة التحرر الوطني. ولم يتمكن رضوان الحلو في التأثير على هذه العملية فترك العمل السياسي عام 1944 وانقطع عن العمل الشيوعي حتى وفاته في عام 1975 في مدينة أريحا الفلسطينية,. بقي وفيا لمبادئه حتى النهاية. (16) د. بديري موسى – "تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين" – دار ابن خلدون, الطبعة الأولى 1981ص80. (17) ياسين عبد القادر: "تاريخ الطبقة العاملة الفلسطينية 1918-1948"- مركز الأبحاث م.ت.ف.- طبعة أولى , بيروت 1980 ض150. (18) مؤتمر العمال العرب الأول – حيفا 11-12 كانون ثاني 1930 – كراس باللغة العربية ص48- أرشيف المكتبة القومية , القدس نقلا عن: موقع صوت اليسار العراقي RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - الحوت الأبيض - 11-06-2013 المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني والخط السياسي الجديد
د. مروان مشرقي الحلقة الثانية عقد المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني في أوائل شهر كانون الثاني سنة 1931 في ظل تطورات وتغيرات جذرية عاصفة في منظومة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى التركيبة القومية في فلسطين التي جرت في سنوات العشرين من القرن العشرين. لقد مارس الانتداب البريطاني سياسة إداريه واقتصاديه كفلت بناء القاعدة الاقتصادية والبنية ألسياسيه والتنظيمية للاستيطان اليهودي. إذ بدأ في شباط 1922 بتعديل القوانين العثمانية بخصوص ملكيه الأراضي المشاعيه وتحويلها إلى ملكيه المندوب السامي، ومن ثم بيعها للوكالة اليهودية. كما وأخذت الحكومة الانتدابية بإعطاء الامتيازات الاقتصادية للشركات الصهيونية مثل مشروع كهرباء فلسطين روتنبرغ عام 1921، ومشروع إنتاج الملح في البحر الميت عام 1929. بألأضافة الى ذلك شجعت الهجرة اليهودية إلى فلسطين وسعت إلى زيادة الاستيطان فيها. من جهة أخرى لعبت الحركة الصهيونية دورا كبيرا في إحداث وبلورة التغيرات الاقتصادية والسياسية والديموغرافية في فلسطين. فقد اعتمدت بالأساس على العنصر البشري الممثل بالهجرة اليهودية الشرعية والغير شرعيه وعنصر الاستيطان، أذ لعب هذان العنصران دورا كبيرا في السيطرة على الأرض العربية واحتلالها وطرد الفلاحين منها. وإذا نظرنا إلى إحصائيات الحركة الصهيونية حول الهجرة فإننا نرى أنه مقابل دخول 2618 مهاجرا إلى فلسطين عام 1919 فقد دخل فيما يسمى بالهجرة الرابعة عام 1925 (36،933) مهاجرا، مما جعل عدد اليهود في البلاد يقدر ب- 146942 نسمة. وفي عام 1926 وصل عددهم إلى 158328 نسمة(1). لقد أدت الهجرة المكثفة إلى حدوث تغييرات ملموسة في التركيبة القومية لسكان البلاد مما أوجد قضية قومية داخلية حادة. إن أساس الاستيطان الزراعي هو السيطرة على الأرض، ومن أجل ذلك أقيم عام 1901 ما يسمى "بالكيرن كاييمت" الصندوق المعد لتمويل وعقد صفقات شراء الأراضي. وقد بلغ ما يملكه التجمع الاستيطاني اليهودي عام 1930 ب-1015000 دونم مقابل 412000 دونم عام 1913 (2). ومن أجل استكمال البنية التنظيمية السياسية للتجمع الاستيطاني اليهودي (اليشوف) أنشئ العديد من المؤسسات الصهيونية التي نظمت في داخلها الأغلبية الساحقة من المهاجرين والمستوطنين اليهود. ففي عام 1920 أنشئت النقابة العامة للعمال اليهود (الهستدروت)، واكتمل في نفس السنة بناء الجهاز المالي الصهيوني بإنشاء الصندوق التأسيسي "كيرن هيسود"، المختص بالهجرة والاستيطان والمسئول عن توفير الظروف الملائمة للعمل الزراعي والصناعي وبناء المستوطنات والمدن اليهودية. وقد بدأ هذا الصندوق بالعمل برأسمال قدره 25 مليون جنيه إسترليني (3). أما على المستوى العسكري فقد أسست الحركة الصهيونية منظمه "الهجاناه" والتي شكلت جناحها العسكري الضارب. إن ما يميز المنظومة الكولونيالية الصهيونية هو أنها لم تستهدف مجرد تحقيق الاستعمار السياسي والاقتصادي، بل استهدفت احتلال فلسطين واستيطانها وإجهاض عمليه تحرر الشعب العربي الفلسطيني. وبخلاف الاستعمار الكلاسيكي الذي كان يتم من خلال إرسال الجيوش واحتلال البلدان المتخلفة، فإن الاستعمار الصهيوني تم من خلال الهجرة السكانية المكثفة وتركز رؤوس الأموال الكبيرة في مجالات الصناعة والزراعة المتقدمة. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف اعتمدت المنظومة الكولونيالية الصهيونية في سياستها على ثلاث مبادئ أساسيه: أولا مبدأ احتلال الأرض، ثانيا مبدأ احتلال العمل أي تحقيق العمل اليهودي النقي، وثالثا مبدا احتلال السوق أي الترويج للإنتاج العبري ومقاطعه الإنتاج العربي. إن تحقيق هذه المبادئ في السياسة الصهيونية المنتهجة في البلاد جعل من الصراع أكثر تعقيدا ومن البنية الاجتماعية الاقتصادية لليشوف اليهودي أكثر تماسكا وذات قدرات كبيره على التطور الداخلي والتكافؤ الذاتي، مع امتلاك إمكانيات متطورة للتنافس في السوق المحلية والهيمنة عليها. وبالارتباط بظهور ونمو المنظومة الكولونيالية في فلسطين نمت وتطورت الطبقة العاملة في البلاد ، حيث أدى الاحتلال البريطاني وتمركز رؤوس الأموال اليهودية في فلسطين إلى خلق فرص عمل واسعة، وبالأساس في مجال المواصلات والنقل وشق الشوارع، والعمل في المستوطنات اليهودية. من جهة أخرى أدى انهيار البنية الاقتصادية والإقطاعية في فلسطين بعد انتهاء الاحتلال العثماني إلى ظهور أنماط إنتاج جديدة وعلاقات إنتاجيه رأسماليه في الريف والمدينة. حيث بدأت تظهر وتنمو ظاهرة العمال الزراعيين وخاصة عمال الحمضيات وعمال المعسكرات ظ كما ونشأت في الوسط العربي شريحة برجوازية تجارية مرتبطة بالشركات الأجنبية وتسويق بضائعها في السوق الداخلي، مما ساعد على نمو شريحة عمال الخدمات وخاصة من الفلاحين المهاجرين من الريف. أما على صعيد تنظيم الحركة العمالية العربية فقد نشأت نقابتها في بداية سنوات العشرين من القرن الماضي، حيث بدأت في انتظام عمال سكك الحديد في نقابات خاصة بهم عام 1923. وقد ساعد على ذلك وجود العمال ذوي الخبرة النقابية واحتكاك العمال العرب بالعمال المصريين العاملين في السكك الحديدية. في عام 1925، وبمبادرة من نقابة عمال سكك الحديد، تأسست جمعيه العمال العربية الفلسطينية، التي أصبحت النقابة الجامعة لعمال فلسطين العرب (4). وفي كانون الأول 1926 نجح الشيوعيون بعقد مؤتمر عمالي عربي- يهودي "المؤتمر الفلسطيني الأول لحركه الاتحاد (ايحود)". أما في عام 1928 فقد أنشئت في حيفا جمعية عمال دعيت "بجمعية العمال العرب"(5)، والتي افتتحت لها فروعا في القدس بقيادة فخري النشاشيبي وفي يافا بقيادة ميشيل متري. إن إقامة التنظيمات النقابية في فلسطين جاء متأخرا نسبيا عن التنظيمات السياسية، وهذا يعود إلى الوتيرة البطيئة التي سارت فيها عملية التقاطب الاجتماعي ونمو العلاقات الإنتاجية الرأسمالية في سنوات العشرين، الأمر الذي أعاق إدراك الجماهير العمالية لمصالحها ولدورها وإمكانياتها الكامنة في الحركة الوطنية. أما على مستوى التنظيمات السياسية في فلسطين لقد ارتبط نشوئها بالاحتلال البريطاني للبلاد، وذلك كأدوات للدفاع عن البلاد والتصدي للخطر الاستعماري. لكن وبسبب تخلف العلاقات الاجتماعية والسياسية لم تتطور المنظومة السياسية الحزبية بالشكل المطلوب، بل اتخذت طابعا طائفيا في البداية. إذ تألفت الجمعيات الإسلامية- المسيحية في المدن، والتي وحدت بالأساس العناصر القومية وضمنت هيمنه الفئة الشبه إقطاعية والمالكين العقاريين على قيادة الحركة القومية العربية في فلسطين. لكن وبالرغم من هذا الطابع الديني إلا أن هذه الجمعيات مثلت أول مظهر للوعي السياسي المنظم في البلاد بعد الاحتلال البريطاني. لقد ساهمت هذه الجمعيات مساهمة كبيرة جدا في تنظيم الجماهير العربية في فلسطين وفي طرح برنامجا سياسيا لها. ومن ابرز نشاطاتها هي عقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس في 27 كانون ثاني 1919 (6). لقد أصبحت المؤتمرات الوطنية الفلسطينية تمثل الشكل التنظيمي والبرلمان الشعبي الذي يوحد في داخله كافة أفراد الشعب الفلسطيني، حيث اعتبرت لجانها التنفيذية الممثل والناطق الوحيد باسم الفلسطينيين. في هذه الفترة انقسمت الحركة السياسية والحركة القومية على أساس عائلي. إذ سيطرت عائلة الحسينيين بزعامة المفتي الحاج أمين الحسيني على المؤتمرات الفلسطينية ولجانها التنفيذية، ومثلت عائلة النشاشيبي الجناح المعارض الذي كان يتهادن مع الاستعمار البريطاني. إن تخلف النظام الحزبي في تلك الفترة شكل نقطة ضعف كبيرة في الحركة القومية الفلسطينية، مما سمح لأبناء العائلات الغنية وملاكي الأرض بالسيطرة على قيادة هذه الحركة وإلى عدم السماح لنضال الجماهير العربية بالتطور بالقدر الكافي. تميزت الحركة القومية الفلسطينية أنذاك بتغليب الاتجاه المعادي للصهيونية وعدم التأكيد على العداء للاستعمار، بل ظهرت هناك اتجاهات علنية تدعو للتعاون مع الاستعمار البريطاني مقابل تخليه عن دعم برنامج "الوطن اليهودي" في فلسطين. استمر هذا الوضع حتى بداية سنوات الثلاثينات. إذ اشتدت عملية تطور العلاقات الاجتماعية الرأسمالية وازداد الاستقطاب الطبقي حدة. وقد ساهم في ذلك اشتداد الحملة الصهيونية على الأرض العربية بمساعدة الانتداب البريطاني. كما وأدى حرمان الفلاحين العرب من الأراضي الزراعية وإفلاس الصناع الصغار أمام مزاحمة المؤسسات والمشاريع الصناعية اليهودية الكبرى إلى الإسراع بانهيار التركيبة الاجتماعية التقليدية وإلى التنامي السريع لشريحة العمال المأجورين، الذين أصبحوا القوة الأكثر تحركا ودينامية من الناحية السياسية. في ظل تلك الظروف والتطورات والتغيرات الجذرية والعاصفة جرى انعقاد المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني في أوائل شهر كانون الثاني سنة 1931 ، وقد ساهم في التحضير له محمود ألأطرش، الذي أنتدب من قبل اللجنة التنفيذية للكومنترن لأجل تنفيذ هذه المهمة إذ عاد إلى فلسطين في أيار عام 1930 ولعب دورا رئيسيا في عقد المؤتمر كما وانتخب عضوا في سكرتارية اللجنة المركزية. يعتبر المؤتمر السابع محطة هامة في التطور الفكري والسياسي للحزب الشيوعي الفلسطيني، وبالأساس بكل ما يخص مسألة التعريب. إذ لأول مرة يتم عقد مؤتمر للشيوعيين الفلسطينيين يشارك فيه عددا متساويا من المندوبين العرب واليهود إلى جانب حضور ممثل الأممية الشيوعية الهنغاري هانز. وقد شكل هذا المؤتمر (كما جاء بلسان قرارات المؤتمر التي نشرت باللغة العربية) " الحجر الأساسي لإيجاد حزبا شيوعيا معربا يتمشى على المبادئ الدولية ليس بنظرياته وخططه فقط، بل بتركيبه القومي" (7). في هذا المؤتمر تمت مناقشة العديد من القضايا التنظيمية والسياسية والفكرية وتم اتخاذ عدة قرارات بالمواضيع التالية: 1. قرار بخصوص "أعمال اللجنة المركزية للحزب خلال ألأربع سنوات" المنصرمة وتلخيص المسألة التنظيمية للحزب ما بين المؤتمر السادس والمؤتمر السابع للحزب. 2. قرار بخصوص "المسألة الوطنية والموقف السياسي الحاضر" الذي عالج المسألة القومية الكولونيالية والتطورات التي كانت نجري أنذاك في الحركة الوطنية الفلسطينية واليشوف اليهودي. 3. قرار بخصوص المسألة الزراعية بعنوان "قرار للعمل في القرى العربية" 4. قرار "في مكافحة الحركة الصهيونية" 5. قرار "بشأن الشباب الشيوعي". 6. قرار "عن العمل النقابي" من مميزات هذا المؤتمر أنه ولأول مرة يقوم الحزب الشيوعي الفلسطيني بمعالجة وبحث مسائل لم تكن تعيرها المؤتمرات السابقة اهتماما "كالمسألة القومية" "والمسألة الكولونيالية والصهيونية" و"المسألة الزراعية" و"المسألة النقابية" ، حيث تم ألكشف عن جوهر المسألة القومية، وارتباطها بالمسألة الزراعية وتحديد الطرق والوسائل لحلها. إلى جانب ذلك جرى تحديد دور اليشوف اليهودي في عملية الصراع السياسي والاجتماعي في فلسطين. حيث قيم دور ألأقلية القومية اليهودية التي تشكلت في فلسطين "كأداة اضطهاد رئيسية في أيدي الاستعمار الانكليزي ضد السكان العرب الأصليين...وجعلهم (الجماهير اليهودية) جيش إضافي يستغله الاستعمار الانكليزي في حركاته الاستعمارية في فلسطين وما يجاورها من البلاد العربية"(8) . في هذا المؤتمر أتخذ الحزب موقفا حاسما من الصهيونية على كل أجنحتها وأحزابها ومؤسساتها ودعى على فضح "الجوهر الفاشستي- القومي الكامن في سياسة الهستدروت والبوعالي تسيون، ..... وفضح سياسة كافة الاحزاب الصهيونية المعتدلة و"المتطرفة" معا، كأحزاب ترمي كلها الى غرض واحد وهو: مكافحة الحركة الوطنية العربية التحررية، مكافحة العمال والفلاحين العرب، مكافحة العمال اليهود الثائرين، في صالح البرجوازية اليهودية وألاستعمار البريطاني" (9) . بالرغم من أهمية الطروحات التي جرى مناقشتها في المؤتمر إلا أن قيادة الحزب وقعت في عدة أخطاء وتقييمات نظرية غير صحيحة عكست تأثير السياسة "اليسارية الانعزالية"للكومنترن على خطه السياسي. لقد اتخذ الحزب موقفا خاطئا بصدد البرجوازية القومية في فلسطين، وحدد بشكل غير دقيق دورها في مرحلة الثورة الوطنية التحررية، وبهذا اخطأ أيضا بصياغة الشعارات السياسية المناسبة التي كان يجب أن ترفع في هذه الفترة. ففي صدد تقييمه للبرجوازية الوطنية الفلسطينية، أشار المؤتمر إلى أن البرجوازية العربية انقسمت إلى شطرين: شطر الوطنية الثورية التي تمثلت بالجناح الراديكالي المتمثل بمجموعة حمدي الحسيني وشطر الوطنية ألإصلاحية "الجبهة الثالثة" التي انتقلت إلى معسكر الاستعمار وخاصة بعد "المؤتمر العربي السابع" (10) الذي عقد في صيف 1928. لقد أشار مؤتمر الحزب إلى أن البرجوازية العربية المتمثلة بالوطنيين ألإصلاحيين واللجنة التنفيذية العربية بدأت تسعى بشكل مضطرد إلى عقد تسوية مع ألاستعمار البريطاني قبل وبعد ثورة أب 1929. كما ودعى إلى "..... فضح "المجلس ألإسلامي" ، كهيئة تدافع عن مصالح رجال الدين وألأقطاعيين وجماعة التجار في داخل البلدان العربية، باسم الدين والمجد القومي، وتعمل يدا بيد مع الهيئات الحكومية الفلسطينية الاستعمارية" (11) ومن هنا أكد المؤتمر على ضرورة تعبئة العمال والفلاحين في النضال ضد ألاستعمار البريطاني وأداته المتمثلة بالصهيونية، وإلى النضال أيضا ضد البرجوازية العربية (الوطنيين ألإصلاحيين) "وموقفها الخائن" من حركة التحرر الوطني (12) . في الوقت ذاته دعى المؤتمر للعمل والنشاط المشترك مع الجناح الراديكالي في الحركة الوطنية (جناح حمدي الحسيني) وإيجاد تشكيلات واسعة لمقاومة ألاستعمار(13). اعتقد الشيوعيون آنذاك إلى أن النضال من اجل "إسقاط" القيادات القومية العربية الخائنة يجب أن يتم من خلال إقامة جبهة موحدة معادية للأستعمار. وأن الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف هو تشكيل "اللجان الثورية في البلاد للعمال والفلاحين"..(14). لكن بالرغم من هذه التقييمات السياسية الغير صحيحة إلا أن الحزب الشيوعي الفلسطيني كان الحزب الوحيد الذي رأى الأهمية الكبرى للنضال العام والموحد لليهود والعرب، إذ رأى فيه الوسيلة القوية والطريق الوحيد للتحرر القومي. لقد قيم الشيوعيون في هذا المؤتمر تقييما صحيحا انتفاضة البراق – أب عام 1929، حيث أعتبرها ثورة فلاحين وبدو ضد ألاستعمار البريطاني والصهيوني. وفي سياق تلخيص دوره في هذه الأحداث أكد المؤتمر أنه نتيجة لفشل قيادة الحزب أنذاك بتنفيذ مهمة التعريب لم يتمكن الشيوعيون من التقرب من الجماهير العربية واقتصر دوره "في ذلك العهد على بث الدعاية بين الجماهير العربية (بالمطبوعات وبواسطة نادي " ألأحود (الاتحاد) ومع بعض ألاتصالات بالهيئة العليا للحركة الوطنية العربية....). ونتيجة لذلك فوجئ بثورة أب 1929 وأصبح .. " ليس فقط غير قادر على القيام بدوره الثوري الهام بل وتأخر بالكلية عن الحركة، بالرغم من أخلاص الرفاق الثوري.."وعليه أكد المؤتمر على ضرورة توثيق صلات الحزب بجماهير العمال والفلاحين العرب والإسراع في تنفيذ توجيهات الكومنترن بخصوص مسألة التعريب وفقا لقرارات اللجنة التنفيذية للدولية الشيوعية من تاريخ 16-10-1929 وطبقا لكتاب الدولية الشيوعية المفتوح الصادر في 26-10-1930 (15). ففي قراره "في مكافحة الحركة الصهيونية" أكد المؤتمر على ضرورة وواجب العمل المشترك بين اليهود والعرب لمقاومة ألاستعمار البريطاني والصهيوني ، مؤكدا على أن "مكافحة الصهيونية ترتبط كل ألارتباط بمسألة ألأراضي"، وعليه فمن واجب الحزب "أن يفسر للجماهير العربية واليهودية بأن استعمار اليهود للأراضي في فلسطين غير ممكن ألا على حساب انتزاع أراضي الفلاحين والبدو العرب بمساعدة الاستعمار البريطاني، وبأن الواجب عليهم أن يعملوا متحدين على مقاومة هذا ألاستعمار الصهيوني الجائر" (16) . من كل ما ذكر أعلاه نلاحظ أنه بكل ما يخص المسألة القوميه وحركة التحرر العربية مارس الحزب سياسة "يسارية انعزالية"، ولم يتمكن من التوفيق بشكل صحيح بين الطبقي (الاجتماعي) والقومي، حيث غلّب الأولى على الثانية، وحاول بشكل ميكانيكي أن يرفع ويحقق المواقف والطروحات النظرية والسياسية للكومنترن متجردا من الظروف الخاصة في فلسطين وخصوصيات النضال المحلي. إن أحد الأخطاء الكبيرة في تقييمات قيادة الحزب كان تقييمها الغير صحيح للدور المهيمن والقائد للطبقة العاملة في ثورة التحرر الوطني في فلسطين. إذ اعتقدت هذه القيادة بأن الثورة بقيادة الطبقة العاملة هي الطريق الوحيد لحل القضية القومية والكولونيالية والاجتماعية في البلاد. إن هذا التقييم لا يتجاوب ولا بأي شكل من الأشكال مع إمكانيات الطبقة العاملة ذاتها والحزب الشيوعي، ولا مع الواقع الموضوعي التي تنشط وتتواجد فيه. حيث أن الطبقة العاملة في فلسطين مقسمة على أساس قومي، ونقاباتها العاملة ضعيفة جدا وغير موحدة، إلى جانب أنها كانت واقعة تحت تأثير القيادات القومية الانتهازية والإصلاحية. لذا فإن رفع مثل هذا الشعار نظريا من قبل قيادة الحزب اضر بنضال الحزب وعزله عن الجماهير الشعبية، ولم يساعده على انجاز خطة التعريب وتحقيق شعار الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية. بالرغم من كل جوانبها السلبية، لم تمنع السياسة اليسارية التي انتهجتها قيادة الحزب من الشيوعيين الفلسطينيين من المشاركة بالكفاحات القومية الطبقية للشعب الفلسطيني، ولم تعيقهم عن تلمس بوادر نشؤ الوضع الثوري في البلاد. لقد شارك في هذا المؤتمر مندوبون عرب ويهود بالتساوي، وقد ناقش المندوبون ظواهر الانحرافات الشوفينية الصهيونية عند قيادة الحزب القديمة، وتأثيرها على خطه السياسي ودوره الجماهيري، كما وجرى أيضا التحذير من خطر الانحرافات الشوفينية العربية والدعوة إلى صياغة برنامج سياسي على أساس علمي وأممي. وقد أعلن المؤتمرون عن تأييدهم لخطة التعريب وأصاغوا خطة تنظيمية من اجل تحقيق ذلك. وفي نهاية المؤتمر تم انتخاب قيادة جديدة للحزب منهم جوزيف برزيلاي، محمود الأطرش(17) ونجاتي صدقي. إن المؤتمر السابع يعتبر حدثا تاريخيا هاما في حياة الحزب الشيوعي إذ ساهم مساهمة جدية في دفع عمله السياسي والتنظيمي، وعلى الأخص في الوسط العربي. استمر الحزب بانتهاج الخط "اليساري الانعزالي" حتى عام 1935، ومع التحول العام في إستراتيجية الحركة الشيوعية العمالية بعد المؤتمر السابع للكومنترن، ونتيجة للتغيرات السريعة التي حدثت في المجتمع الفلسطيني، وعلى الوضع السياسي العام، وبتلمسه بوادر الهبة الجماهير الثورية التي كانت تبدو بالأفق وتنذر بانفجار كبير.، بدأ الحزب الشيوعي الفلسطيني بانتهاج خط سياسي جديد يتلاءم وطبيعة المرحلة الجديدة. يتبع مصادر: 1- لبسكي حاجيت: نمو اليشوف اليهودي في أرض إسرائيل في فترة الانتداب- الجامعة العبرية-القدس ص5. 2- نفس المصدر ص76. 3- المصدر السابق. 4- د. بديري موسى- تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين- 1919-1948 القدس 1979ص3. 5-المصدر السابق ص4. 6- بيان نويهض الحوت- القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917-1948 – الطبعة الثانية- دارالأسوار عكا 1984 ص95. 7- كراس المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني- يناير 1931- منشورات الحزب الشيوعي الفلسطيني ص "ث" (8) المصدر السابق ص 12. (9) المصدر السابق ص 14. (10) المؤتمر العربي الفلسطيني السابع- عقد في القدس في 20-27 يونيو 1928 وقد حضر هذا المؤتمر ممثلو العائلات الغنية وملاكي الأراضي، ولم يتخذ قرارا واضحا بإنهاء الانتداب البريطاني، بل اكتفى بالمطالبة بتشكيل حكومة برلمانية في فلسطين. ولقد قيم الحزب الشيوعي هذه القرارات بأنها خيانة للأممية لان المطلب السياسي يجب أن يكون تحرير فلسطين. كما وطلب الحزب في بيانه بذالك الخصوص من جميع العمال والفلاحين إلى التكتل لمحاربة المستعمرين والصهيونية والخائنين من الشعب الفلسطيني..."(جريدة الجامعة العربية، العدد 147 9 يوليو 1928). (11) كراس المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني - مصدر سابق ص 15. (12) لقد طرح لاحقا نفس هذا التقييم النظري في البيان المقر في كونفرنس ممثلي الأحزاب الشيوعية في سوريا وفلسطين المنعقد عام 1933. لقد جاء في هذا البيان إلى أن "البرجوازية والعناصر البرجوازية الزراعية عاجزة عن خوض نضال ثوري ضد الامبريالية، ويزداد ميلها باستمرار نحو اتفاق معها معاد للثورة.. وأن الإصلاحية القومية تسود في صفوف البرجوازية العربية، وهي تتخذ طابعا معاديا للثورة واستسلاميا يزداد بروزه... ويرى أنه لا يمكن تصور النمو اللاحق للنضال ضد الامبريالية دون نضال منسجم ومضطرد ضد القومية الإصلاحية ، وإقامة حكومة العمال والفلاحين (13) كراس المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني - مصدر سابق ص 16، 17. (14) "23 من آب- سنة على الانتفاضة الفلسطينية"- مجموعة منشورات ب.ك.ب- سنوات 1923-1924، يل أبيب أغسطس 1950 ص66. (15) المصدر السابق- قرار بخصوص اعمال اللجنة المركزية في خلال اربع سنوات – ص4- 11 (16) كراس المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني - مصدر سابق- ص 26. (17) محمود الأطرش: اسمه الحقيقي محمود الحاج رباح، ولد في القدس عام 1903 من أبويين جزائريين. هاجر إلى فلسطين. عمل في سن مبكرة في البناء حيث تعرف إلى بعض الشيوعيين اليهود في مدينة يافا. انتسب للحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1925، وفي عام 1927 سافر إلى موسكو للالتحاق بجامعة أكادميي شعوب الشرق. في أيار عام 1930 عاد إلى فلسطين بطلب من قيادة الكومنترن حيث ساهم في عقد المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني، وانتخب عضوا في سكرتارية اللجنة المركزية. في عام 1931 اعتقل لمدة سنتين، وفي عام 1935 اعتقل في دمشق حيث أعيد إلى فلسطين وبقي في السجن لمدة ستة أشهر. وخلال وجوده في السجن انتخبه المؤتمر السابع للأممية الشيوعية عضوا في اللجنة التنفيذية. بعد إطلاق سراحه بدأ يعمل في جهاز اللجنة التنفيذية وكتب العديد من المقالات باسم سليم عبود . في سنوات 1943-1946 ساهم في إعادة بناء الحزب الشيوعي الجزائري وأصبح احد قادته. في عام 1968 انتقل للسكن في برلين عاصمة ألمانيا الديمقراطية، حيث قضى عدة سنوات التدريس وفي إعداد مذكراته. في عام 1981 توفي في برلين (د. شريف ماهر- بدايات الحركة الشيوعية في فلسطين- مجلة النهج العدد 5 تشرين الثاني 1983). نقلا عن: موقع صوت اليسار العراقي. RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - الحوت الأبيض - 11-06-2013 الخط السياسي الجديد للحزب الشيوعي الفلسطيني عشية ثورة 1936- 1939 بعد المؤتمر السابع للكومنترن
د. مروان مشرقي الحلقة الثالثة استمر الحزب الشيوعي الفلسطيني في انتهاج سياسة "يسارية انعزالية" حتى بداية سنة 1935. إذ بدأ بهذه الفترة يتحسس التغيرات العميقة الجارية في المجتمع الفلسطيني, إن كان ذلك على المستوى الاقتصادي الاجتماعي أو على المستوى السياسي العام. وأخذ يرى بوادر الهبة الثورية التي ستجتاح فلسطين قريبا, الأمر الذي طرح أمامه مهمة أساسية وهي العمل على توحيد القوى التقدمية في فلسطين من اجل قيادة هذه الهبة وتوجيهها بطريق الكفاح ضد الانتداب البريطاني والصهيونية. لقد كانت قيادة الحزب حتى عام 1934 عاجزة عن رؤية هذه التطورات وخاصة أنها لم تسعى إلى تعميق عملية تعريب الحزب والالتصاق بالجماهير العربية. وعلى أثر اعتقال سكرتير الحزب "زئيف برمان" وطرده من البلاد جرت تغييرات هامة على تركيبة الهيئات الحزبية باتجاه تعريب الحزب, مما ساعد الحزب إلى حد كبير للتخلي عن سياسته الانعزالية السابقة وتبنيه سياسة أكثر انفتاحا على الحركة القومية العربية. فقد عين رضوان الحلو سكرتيرا عاما للحزب وتم انتخاب طاهر المغربي (1) عضوا في اللجنة المركزية (2) وبعدها عضوا في سكرتارية اللجنة المركزية. إذ أنه حتى ذلك الحين لم يكن هناك أي كادر عربي في قيادة الحزب. وفي إطار التغييرات الجديدة كان أول عمل قام به السكرتير العام الجديد للحزب هو إغلاقه لجريدة الحزب "إلى الأمام" (3) التي كانت تعبر عن النهج اليساري الانعزالي للحزب انذاك وبدأ بإصدار صحيفة سرية جديدة تدعى "نضال الشعب" كمنبر جديد استمرت في الصدور حتى عام 1943. لقد كانت هذه الخطوة عبارة عن بداية التحول الجذري في الخط "اليساري الانعزالي" للحزب وفي توجهه الجديد, والذي كان جوهره هو الانعطاف الكبير نحو الجماهير العربية الفلسطينية كأحد الشروط ألأساسية لتعريب الحزب, أذ ظلت هذه الصحيفة " طيلة هذه الفترة تبدي انفتاحا كثيرا على الحركة الوطنية وقياداتها التي كانت في غالبيتها تتمثل برجال دين وعناصر اقطاعية وبرجوازية في طور التكوين ، ومع ذلك ظل الحزب يحاول توثيق صلاته بالجناح الراديكالي في تلك الحركة ، مثل حزب الاستقلال ومجموعة حمدي الحسيني" (4). لقد ساعدت هذه العملية في تحضير الأرضية عند قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني لتبني الخط السياسي الجديد للأممية الشيوعية, والعمل على تنفيذ مقررات المؤتمرالسابع للكومنترن. لقد مثَل المؤتمر السابع للكومنترن, الذي انعقد في موسكو فترة 25 تموز حتى 2 آب 1935, محطة انعطافية هامه في تاريخ الحركة الشيوعية العمالية وتطورها المستقبلي. وقد شارك فيه من قبل الحزب الشيوعي الفلسطيني 3 رفاق هم- رضوان الحلو الملقب بيوسف, ومحمود الأشقر الملقب بحجار وخليل دولة الملقب بحلُول, حيث ساهم في النقاش رفيقين وهما يوسف وحجار. تكمن أهمية المؤتمر السابع للكومنترن بذلك أنه قد صاغ إستراتيجية وتكتيك جديدين لكل فصائل الحركة الشيوعية العمالية, أخذا بعين الاعتبار تفاوت المهام واختلافاتها عند هذه الفصائل, وجامعا بشكل صحيح بين العام والخاص عند كل فصيل وآخر. مكانة خاصة في ابحاث المؤتمر السابع للكومنترن حازت معالجة قضايا ومهام الأحزاب الشيوعية في البلدان شبه المستعمرة والمستعمرة (ومن ضمنها فلسطين آنذاك). فلقد طرح المؤتمر السابع إستراتيجية التحرر القومي والاستقلال وتكتيك الجبهة الوطنية الموحدة المعادية للامبريالية التي يجب أن توحد جميع القوى الطبقية المناضلة ضد الكولونيالية- من الطبقة العاملة حتى البرجوازية الوطنية. كما وأشار تقرير جورجي ديمتروف أمام المؤتمر أنه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار الظروف التي يجري فيها النضال المعادي للامبريالية من قبل الجماهير, ودرجة نضج حركة التحرر الوطني ودور البروليتارية فيها, ونفوذ الحزب الشيوعي على الجماهير الواسعة(5). بألأضافة الى ذلك أشترط المؤتمر نجاح هذه الجبهات بوجود حزب شيوعي قوي. فالحزب الشيوعي وحده, في الواقع, المبادر والمنظم للجبهة الموحدة للطبقة العاملة وهو قوَتها المحركة, ولا تستطيع الأحزاب الشيوعية ضمان تعبئة جماهير الكادحين الواسعة للنضال الموحد ضد الفاشية وزحف الرأسمال إلا بتعزيز صفوفها تعزيزا شاملا, وتطوير مبادراتها وتطبيق السياسة الماركسية اللينينية, والتكتيك الصائب المرن, الذي يجب أن يراعي الوضع الملموس ومواقع القوى الطبقية(6). لقد أعرب مندوبا الحزب الشيوعي الفلسطيني بمداخلاتهما عن موافقتهما على هذا التوجه ضمن الظروف الخاصة في فلسطين, ورأوا فيه طريقا صحيحا للعمل والنشاط السياسي, وذلك من أجل تعزيز دور الحزب الشيوعي في الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الشعبية. كما وأكد يوسف في مداخلته على أن العدو الرئيسي في هذه الفترة في فلسطين هو الامبريالية الانجليزية التي تستغل جهازها الكولونيالي وتعتمد على القاعدة الاجتماعية التي شكلتها وسط الطبقة الإقطاعية, وأيضا البرجوازية اليهودية الصهيونية التي تستغل الأقلية القومية اليهودية لمصالح السياسة الامبريالية (7). وذكر أن التطورات والأحداث الكفاحية خلال السنوات الأخيرة فتحت "إمكانيات غير محدودة للنشاط الثوري للحزب البروليتاري في فلسطين"(8). وفي سياق تلخيصه عن وضع الحزب السابق ذكر يوسف أن الحزب عانى من التطرف القومي اليهودي حيث وقف على رأس الحزب رفاق أتوا بالأساس من أحزاب صهيونية, ولم يغيروا كثيرا من نهجهم الأيديولوجي. وأنهم منذ اليوم الأول من تأسيس الحزب حتى إخراجهم منه عملوا وبشكل علني ضد خط الكومنترن ومنعوا نمو الحزب السياسي والتنظيمي, وبهذا الأسلوب كانوا حجر عثرة أمام الحركة التحررية الثورية للجماهير العربية (9). كما واشار الى أن هذه القيادة أفشلت عملية تعريب الحزب الشيوعي الفلسطيني بكل الوسائل المتوفرة لديها, وبقوا يسيرون على النهج السياسي والتنظيمي القديم. بألأضافة الى ذلك أعلن المندوب الفلسطيني أنه بعد فشل هذه القيادة بدأت قيادة الحزب الجديدة في تحقيق سياسة تعريب الحزب, الأمر الذي جعل الحزب يخطو خطوة جدِية إلى الأمام نحو إقامة علاقات وروابط واسعة مع الجماهير الشعبية العربية, أذ بدأ الحزب يبني خلايا له في المصانع والمشاغل الصناعية الأساسية مكان خلايا الحزب القديمة في أماكن السكن, كما ودخل الحزب في عدة نقابات كبيرة وجدد نشاطه النقابي بين العمال العرب (10). وفي إطار رؤيته للسياسة الجديدة التي يجب أن ينتهجها الحزب الشيوعي الفلسطيني, أعلن المندوب الفلسطيني على أن المهمة الهامة والحيوية للجماهير العربية في هذا النضال هي إقامة جبهة موحدة مع القوميين الثوريين والتنظيمات والفرق القومية الإصلاحية من أجل النضال ضد الامبريالية , وأوضح بأن إقامة الجبهات الشعبية تعني في ظروف فلسطين انفتاحا كبيرا على الحركة الوطنية. وبذات الوقت لم يرى المندوب الفلسطيني بأن عملية تعريب الحزب تعني إضعاف العمل بين العمال والفلاحين اليهود, بل بالعكس. بألأضافة الى ذلك رأى بالكفاح ضد الانحرافات الصهيونية والشوفينية العربية المحلية مهمة أساسية أمام الحزب من أجل أن يتحول إلى حزب مكافح حقيقي (11) أما المندوب الثاني للحزب الشيوعي الفلسطيني حجار فقد أكد في مداخلته على أن طرد القيادة القديمة للحزب الشيوعي, التي قادته نحو طريق انعزالي قومي يهودي, أدى إلى انخراط الحزب اليوم في السير على طريق "التعريب" وتقوية اتصالاته بالجماهير العربية العريضة. وأكد في ذات الوقت على ضرورة توغل الشيوعيين في صفوف الأحزاب والمنظمات التي يقودها زعماء القومية الإصلاحية, لأنها أحزاب وتنظيمات جماهيرية, ولها تأثير كبير داخل صفوف الحركة الوطنية في فلسطين. وبهذا الأسلوب سوف يتمكن الشيوعيون من جذب الجماهير وانتزاعها من تأثير الزعماء الإصلاحيين ودفعها على طريق النضال الحازم ضد الامبريالية(12). ولقد أكد المندوب حجار على ضرورة إقامة الجبهة الموحدة المعادية للامبريالية والصهيونية, وأعلن بشكل واضح أن هذه الجبهة سوف تكون "جبهة شعبية قومية عربية", يكون مضمون نضالها موجها ضد البرجوازية الصهيونية التي تلعب دور دولي مباشر في اضطهاد واستغلال الجماهير العربية" حيث أن هذا النضال هو عبارة عن نضال يومي في جوهره معاد للامبريالية, ويجب أن يكون نضالا مباشرا ضدها على اعتبارها العدو المباشر(13). وهكذا نجد أن الجبهة الموحدة في ظروف فلسطين الخاصة ستكون جبهة عربية من الشيوعيين والقوى الوطنية الأخرى. أما بالنسبة للطبقة العاملة اليهودية فقد رأى فيها المندوب الفلسطيني حليفا طبيعيا للجبهة المعادية للامبريالية, ودعاها "للنضال المشترك ضد الامبريالية والصهيونية". إلى جانب ذلك رأى المندوب حجار أهمية كبيرة للنشاط في صفوف الجماهير الكادحة اليهودية من أجل انتزاعها من تأثير الحزب الرجعي للرأسماليين اليهود الصهاينة, وفقط بهذا ألشكل من الممكن أن يساهم العمال اليهود "في النضال التحرري الذي تخوضه الجماهير العربية". أما بالنسبة لآفاق تطور العلاقات القومية في فلسطين, فقد ربط بين إمكانيات التطور أمام الأقلية اليهودية في البلاد وعملية التحرر الوطني في فلسطين والتحول الديمقراطي للنظام الاجتماعي السائد هناك. إن آلية تحقيق هذه العلاقة هي "لجبهة المتحدة للطبقة العاملة العربية اليهودية" (14). على أساس ما ذكر نجد أن ممثلي الحزب الشيوعي الفلسطيني لم يتبنوا فقط الخط السياسي الجديد للكومنترن بل أصاغوا تصورات خاصة لتحقيق هذا الخط ضمن الظروف الفلسطينية العينية. اشترط المؤتمر السابع للكومنترن من أجل تنفيذ هذا الخط السياسي الجديد في جميع البلدان أمرين أساسيين: 1- أن يضمن تطبيق القرارات المتخذة تنظيميا. 2- القدرة على جعل قرارات الكومنترن وفروعه قرارات تتبناها أوسع الجماهير. ومن أجل ذلك يجب على الحزب أن يتكلم بلغة تفهمها الجماهير, لأن هذه الجماهير هي الضمانة لأي تغيير منشود(15). من الناحية العملية رأت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني أن هذان الشرطان يعنيان: أ- العمل على تعزيز قوة الحزب التنظيمية اليهودية العربية ووحدته الفكرية السياسية. ب- السعي لتحقيق فكرة الجبهة الموحدة المعادية للامبريالية. أي التفتيش عن حلفاء جدد يقفون في ذات الصف الوطني المعادي للامبريالية. وعلى ألأدق يجب إعادة النظر بكل المواقف السابقة بصدد البرجوازية الوطنية الفلسطينية وإمكانياتها الثورية ونفسها الوطني. ج- التفتيش عن أشكال جديدة للعمل بين الجماهير العربية واليهودية وجذبها نحو الخط السياسي الجديد وسلخها عن قياداتها التقليدية في الوسط العربي وعن الصهيونية في الوسط اليهودي. لقد بدأ الحزب بنشاط فكري وسياسي وتنظيمي كبير من اجل صياغة الخط السياسي الجديد للحزب على أساس مقررات المؤتمر السابع للكومنترن ومواقف مندوبية فيه, وذلك بعد عودتهم من موسكو. ففي شهر تشرين الأول 1935 عقد الحزب اجتماعا موسعا لكوادره الحزبية ( بلينوم) ناقش فيه أبحاث المؤتمر السابع للكومنترن ومسائل الخط السياسي الجديد للحزب, اصدر بعدها بيانا تفصيليا مطولا بعنوان "بيان الحزب الشيوعي الفلسطيني"(16) الذي يعتبر بيانا برنامجيا اهتدى به الحزب لفترة ليست قصيرة, خاصة وأنه منذ عام 1931 لم يعقد مؤتمرا له. إن ما ميز الطروحات السياسية الموجودة في هذا البيان هو الكشف عن جوهر التناقضات الموجودة داخل المجتمع الفلسطيني والساحة السياسية هناك. وتحديد الحلقة المركزية في نضال الشيوعيين وطبيعة العدو الرئيسي الذي يجب أن توجه له الضربة الرئيسية, والتحديد الصحيح للقوى المحركة للثورة في فلسطين ومسألة الحلفاءفبعد تحليله للتطورات السياسية على المستوى الدولي والمحلي يحدد البيان مرحلة الثورة في فلسطين آنذاك بأنها مرحلة التحرر الوطني عن الاستعمار الانجليزي وتحقيق الاستقلال القومي. وفي سياق تحليله لطبيعة مهام وجوهرهذه المرحلة كشف البيان عن جوهر التناقضات الموجودة في هذه الفترة والتي تعبر عن خصوصية القضية القومية والكولونيالية في فلسطين وطابعها المزدوج. فقد أشار البيان إلى أن الطبيعة المزدوجة للقضية القومية تعود إلى وجود عاملين أساسيين هما وجود الاستعمار البريطاني للبلاد وثانيا وجود الاستيطان الكولونيالي الصهيوني والهجرة اليهودية لفلسطين, والتي خلقت قضية قومية داخلية حادة وعملت على تغيير الطابع الديموغرافي لفلسطين. من هذه الرؤية الواضحة لخصوصية الظروف الملموسة للبلاد طرح الحزب شعار وحدة كل القوى من أجل القضاء على الاستعمار والصهيونية ووقف الهجرة حالا (17). لقد اتخذ الحزب موقفا صحيحا من الصهيونية والهجرة اليهودية, إذ فضح أهدافها الاستعمارية حيث لخص البيان المذكور أعلاه هذه الأهداف بخمس نقاط جوهرية: أولا: "دعم الوطن القومي ومد نفوذ الصهيونية أكثر فأكثر بالقوة السياسية المسلحة, واستعمالها ضد العرب أصحاب البلاد والمضطهدين المستعمرين (بالفتح) وتحويل أنظارهم ضد هذه القوى الصهيونية بوضعها درعا أمام الاستعمار".... ثانيا: "مقاومة قضية الاستقلال العربي بأجمعه لا قضية فلسطين وحدها". ثالثا: " جعل الصهيونية جبهة رجعية شديدة متراصة, متنعمة ممتازة بالنسبة للعرب (ممتازة سياسيا واقتصاديا وأدبيا بالوظائف والتسهيلات والأجور وكل أنواع الرشوة الاستعمارية المغلفة), تقوم بتنفيذ دورها في مشاريع الهجوم على الاتحاد السوفييتي وكقاعدة ارتكاز أساسية للاستعمار من اجل مد نفوذه للدول العربية وسائر انحاء المنطقة..." رابعا: تحويل التجمع اليهودي في فلسطين إلى "أرستقراطية بروليتارية" من اجل ضرب نضالات الطبقة العاملة في المنطقة". خامسا: "الهجرة اليهودية التي هي أساس الحركة الصهيونية, مشروع رأسمالي أجنبي تستفيد منه بالدرجة الأولى الرأسمالية البريطانية الاستعمارية بالاشتراك مع شريكتها الرأسمالية اليهودية... وهذه هي الدعامة الأساسية للاستعمار البريطاني في المنطقة ((18). وهكذا ربط الحزب بين الاستعمار البريطاني والصهيونية كحركة وكقوة سياسية وأيديولوجية واقتصادية كبيرة, وهذا أمر هام جدا وموقف سياسي متقدم على جميع المواقف السياسية التي كانت تتخذها القوى والأحزاب السياسية الأخرى في فلسطين. إذ أن الأغلبية الساحقة في القوى السياسية في الحركة القومية الفلسطينية لم تتمكن من رؤية هذه الرابطة, مما فسح المجال أمام تغلغل الأوهام حول "نوايا الحكومة البريطانية الحسنة" في صفوف هذه الحركة, الأمر الذي أدى إلى حذف الأنظار عن العدو الرئيسي وهو الاستعمار البريطاني, ورؤية الحركة الصهيونية والهجرة اليهودية بالعدو الوحيد لها. إن هذا الموقف الغير صحيح الذي كانت تتبناه قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية أعاق إلى حد كبير تطور هذه الحركة وكفاحها وساعد على توجيه ضربة كبيرة لها لاحقا ولكفاح الشعب الفلسطيني من أجل التحرر والاستقلال القومي. عبر الخط السياسي الجديد عن موقف جديد آخر حول طبيعة التركيبة الاجتماعية الطبقية للمجتمع الفلسطيني وحول طبيعة التحالفات السياسية التي يجب أن تقوم موضوعيا في هذه الفترة والتي تعبر عن طبيعة المرحلة وتناقضاتها. إن تركز الرأسمال الأجنبي, وبالأساس اليهودي, في المشاريع الصناعية الكبرى والسيطرة على أراضي الفلاحين العرب والسوق المحلية وعدم تمكن البرجوازية العربية الناشئة من الوقوف في وجه المزاحمة غير العادلة مع الصناعة والرأسمال اليهودي المتطور, أدى ليس فقط إلى انهيار البنية الاجتماعية والاقتصادية القديمة للمجتمع الفلسطيني بل أدى إلى نشؤ تركيبة اجتماعية كولونيالية مشوهة يميزها عدم وجود برجوازية وطنية قوية وعدم وجود طبقة عادلة صناعية راقية وذي تقاليد كفاحية وتنظيمية كبيرة. إن هذا الأمر فسح المجال للقيادات الشبه إقطاعية أن تسيطر على قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية وتمنع الفئات الأخرى, وخاصة فئة المثقفين التقدمية, من الوصول إلى المواقع القيادية في هذه الحركة. إن خصوصية تطور الحركة الوطنية الفلسطينية بهذا الاتجاه كان عاملا مساعدا لاتخاذ مواقف يسارية انعزالية منها من قبل الشيوعيين الفلسطينيين, والتي بدأت تتغير في منتصف الثلاثينات. إن هذا التغيير في موقف الشيوعيين لفلسطينيين عبر عنه في التقييم الصحيح للقوى المحركة للثورة كما جاء في بيان الحزب الشيوعي. فلقد لخص البيان بأن القوى المحركة للثورة التحررية في فلسطين هي قوى الشعب العربي عامة من "جماهير عمالنا وفلاحينا وبدونا المظلومين... والتجار والصناعيين وأصحاب الدكاكين ورجال المصانع والمصارف والمشاريع الناشئة... وأصحاب المهن الحرة الخ...؟(19). أي بمعنى آخر كل فئات الشعب من برجوازية وطنية ناشئة إلى البرجوازية الصغيرة والفلاحين العمال. إلى جانب ذلك فقد حدد البيان الموضع الطبيعي للعمال والفلاحين اليهود بغض النظر عن أنهم مهاجرون ومستوطنون في فلسطين, لقد أكد البيان بأن العمال والفلاحين اليهود هم حلفاء أساسيين لحركة التحرر الوطني الفلسطيني, ووجه دعوة لكل "يهودي حر ومحب لراحة شعبه وعامل على طمأنينته, أن ينصرفوا إلى مقاومة الهجرة والتسلح الصهيوني, وأيضا إلى العمل حالا بكل طريقة ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية المحتلة... وإلى تنظيم الطلبات العلنية بجلاء الاحتلال البريطاني"(20) وبالوقت ذاته أعلن الحزب عن موقفه المبدئي بالتفريق بين العداء للحركة الصهيونية والهجرة اليهودية وبين الموقف من السكان اليهود في فلسطين, إذ أعلن أن النضال ضد الحركة الصهيونية والمطالبة بوقف الهجرة لا ينبع من "دافع عدائي للشعب اليهودي, بل بدافع الاهتمام الكلي بمصلحته وجريا مع روح الحزب ومبادئه الأخوية المخلصة لجميع الشعوب مهما كانت أجناسها وأديانها..."(21). وبهذا يطرح الحزب الموقف المبدئي من العمل المشترك بين العرب واليهود, والأساس المادي للتقارب بين شعبي هذه البلاد وهو العداء للاستعمار والرجعية المحلية. من جهة أخرى سعى الحزب في خطه السياسي الجديد إلى التوفيق بين الكفاح القومي والكفاح الطبقي الديمقراطي, وربط هذا الكفاح بعملية التحولات الاجتماعية العميقة في المستقبل, حيث جاء في البيان بأن الكفاح المطلبي من أجل "تحسين أحوال الطبقات العاملة اقتصاديا وصحيا وثقافيا, مرتبط بالكفاح من أجل التحرر الوطني وجزء من الكفاح الذي ينظر بتفائل "نحو المثل الاجتماعي الأعلى ونحو المجتمع الاشتراكي العادل" (22). لقد لعب هذا النهج السياسي الجديد للحزب الشيوعي دورا هاما في إخراجه من تقوقعه الداخلي وأدى إلى ازدياد عملية الانفتاح نحو الحركة الوطنية الفلسطينية والعمل النقابي داخل الحركة العمالية العربية, وفسح له المجال إلى إقامة شبكة علاقات جيدة مع بعض فئات المثقفين العرب. المصادر: (1) طاهر المغربي: شقيق محمود الأطرش, غادر إلى موسكو للدراسة الحزبية في بعثة رضوان الحلو عام 1930, وعاد إلى فلسطين عام 1934. انتخب إلى اللجنة المركزية للحزب وبعدها إلى سكرتارية اللجنة المركزية. في عام 1935 اعتقل بعد خروجه من اجتماع حزبي, حيث تم إبعاده الى خارج البلاد. (2) ضمت اللجنة المركزية آنذاك عددا غير ثابتا من الأعضاء, فوصل عددهم عام 1935 إلى اثني عشرة شخصا, من بينهم روت لوبتش وحسن أبو عيشة وبنينا فاينهاوس وخليل شنير. لقد استمر أغلبية هؤلاء الشيوعيون في طريق النضال الشيوعي إلى فترة ما بعد تأسيس الحزب الشيوعي الإسرائيلي عام 1948, ومارسوا فيه دورا قياديا هاما طيلة الوقت. أما سكرتارية اللجنة المركزية فقد ضمت من 3-4 أشخاص, إذ كان فيها في هذه الفترة كل من رضوان الحلو وطاهر المغربي وسمحا تسباراي وماير سلونيم (د. بديري موسى- مجلة الكاتب عدد 64, شهر آب 1985 ص25). (3) "إلى الأمام"- صحيفة الحزب السرية, بدأت بالصدور منذ عام 1929, ولقد عبرت بشكل متطرف عن سياسة الحزب في "الفترة اليسارية" حتى أنها كانت – حسب أقوال رضوان الحلو- تعادي الحركة الوطنية ولا تفرق بين قياداتها والاستعمار البريطاني.,كذلك كان هناك شبه أغفال للحركة الصهيونية. ولم يكن الربط بين الصراع الطبقي والوطني في هذه الصحيفة يتجاوز المظهر اللفظي (مجلة الكاتب عدد 64 ص 25). بغض النظر عن هذا التقييم, إلا أن الحقيقة التاريخية تقول أن هذه الصحيفة لعبت دورا بارزا في نشر الوعي الطبقي عند الطبقة العاملة الفلسطينية. إذ أنها كانت تعالج الكثير من قضايا العمال وساهمت إلى حد كبير في تنظيم النقابات المشتركة اليهودية العربية, وساهمت أيضا في معالجة أوضاع العمال والفلاحين وطرحت مشاكلهم عبر صفحاتها. ولقد ساهمت هذه الصحيفة بشكل جيد في نشر الحقيقة حول ثورة أكتوبر والاتحاد السوفييتي, وفي نشر الماركسية اللينينية في فلسطين. لعب محمود الأطرش دورا هاما في تحرير هذه الصحيفة حتى عام 1931 حين اعتقل في شباط وسجن لمدة عاميين (د.م. شريف- الشيوعية والمسألة القومية ص 58 ومجلة النهج – العدد الثاني, تشرين ثاني 1983 ص141). (4) موقع " منظمة حزب الشعب الفلسطيني – قلقيليا - أول سكرتير عام عربي للحزب الشيوعي الفلسطيني رضوان الحلو- "الرفيق موسى"- تشرين ثاني 2009. (5) ديمتروف ج.- دراسات في الجبهة والعمل الجبهوي- دار 30 آذار للطباعة والنشر ص108,109. (6) نفس المصدر ص118. (7) مداخلة "الرفيق يوسف" من فلسطين- المراسلات الصحافية الأممية العدد 354 أكتوبر 1935 ص1344,1345 باللغة الانجليزية. (8) المصدر السابق. (9) المصدر السابق. (10) المصدر السابق. (11) المصدر السابق.. (12) مداخلة الرفيق حجار- فلسطين- ترجمها ونقلها للعربية د.م. شريف في كتابه "الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948" _ الملحق الثامن ص 169. (13) المصدر السابق ص 170. (14) المصدر السابق. (15) ديمتروف جورجي: دراسات في الجبهة.... مصدر سابق ص140. (16) بيان الحزب الشيوعي الفلسطيني- تشرين الأول 1935- أرشيف المكتبة القومية – القدس (لغة عربية). (17) المصدر السابق10. (18) المصدر السابق ص 11-14. (19) المصدر السابق ص15. (20) المصدر السابق ص18. (21) المصدر السابق ص11. (22) المصدر السابق ص18. نقلا عن: موقع صوت اليسار العراقي. RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - Dr.xXxXx - 11-07-2013 شكراً لك الحوت الأبيض على هذه الإضافة، مقال ممتاز، بس مر عليك سابقاً حمدي الحسيني مين؟ "جماعة حمدي الحسيني وجناح حمدي الحسيني"... ثانياً، ما هو الذي غيّر موقف الاتحاد السوفييتي (وبالتالي الحزب الشيوعي الفلسطيني) من قضية معاداة الصهيونية والذي انعكس على قبول قرار التقسيم ثم الاعتراف باسرائيل لاحقاً؟ هل لديك مصادر مفيدة عن وضع الحزب (أو الجزء العربي منه) بعد 1948؟ RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - الحوت الأبيض - 11-07-2013 (11-07-2013, 03:01 AM)Dr.xXxXx كتب: شكراً لك الحوت الأبيض على هذه الإضافة، مقال ممتاز، بس مر عليك سابقاً حمدي الحسيني مين؟ أولا، حمدي الحسيني: مكان الولادة : غزة تاريخ الولادة : 1899 ولد في مدينة غزة سنة 1899م. أخذ علومه الأولية من المدرسة الرشيدية في غزة. ثم انتقل منها إلى مدرسة تبشيرية بروتستانتية كان يديرها حبيب خوري، بعد تخرجه من هذه المدرسة عمل مدرساً في الكلية الإسلامية بالقدس، حيث بدأ يعنى بدراسة الأدب، وقد ساعده في توجهه هذا بيئته المنزلية، فهو من أسرة دينية معروفة في فلسطين وغيرها من أقطار الوطن العربي. ووالده كان قاضياً شرعياً في مشيخة الإسلام في الأستانة. إلا أن انطلاق الثورة العربية سنة 1917 حوله من الأدب إلى السياسة فالتحق بالثورة العربية. بعد انتهاء الثورة عاد حمدي الحسيني إلى فلسطين، وبدأ حياته الصحفية محرراً في جريدة الكرمل سنة 1918م وكان يصدر مقالاته بتوقيع مستعار هو (عمر بن عبيد) ثم بدأ بنشر مقالاته في صحف الجامعة الإسلامية، والدفاع، والجامعة العربية، ومجلة لسان العرب. أجاد حمدي الحسيني لغات عدة منها: الإسبانية واليونانية والإيطالية والألمانية والتركية الفارسية والعبرية، ولعل أبرز المناصب التي شغلها في حياته الصحافية توليه رئاسة تحرير صحيفة صوت الحق سنة 1927، وتوليه تحرير جريدة الصراط المستقيم. كما برز آنذاك اسمه كسياسي فلسطيني. في أوائل سنة 1929 اتصل الحزب الشيوعي الفلسطيني بحمدي الحسيني ودعاه للتعاون ضد الانتداب دون أن يكون عضواً فيه، ثم رشحه الحزب الشيوعي كعضو في اللجنة التحضيرية لمؤتمر مقاومة الاستعمار الذي انعقد في كولونيا بألمانيا سنة 1929، وفي هذا المؤتمر ألقى حمدي خطاباً سياسياً ترجم إلى لغات جميع الحاضرين، وتعرف على شخصيات سوفياتية هامة وجهت إليه الدعوى لزيارة موسكو، حيث قابل جوزيف الدعوى لزيارة موسكو، حيث قابل جوزيف ستالين وكوسن رئيس الكومنترن، آنذاك، وعاد بعدها إلى فلسطين حيث زاول عمله الصحفي في جريدة صوت الحق، وصحف أخرى إلى أن صار عضو الهيئة المركزية لحزب الاستقلال العربي في فلسطين، واعتقل في سنة 1936 بسبب نشاطه الوطني. ترأس قائمة وطنية آخر انتخابات بلدية بمدينة غزة سنة 1946، ففازت قائمته فوزاً كبيراً، وكان من المنتظر أن يعين رئيساً لبلدية غزة، إلا أن سلطات الانتداب البريطاني حالت دون ذلك، فأصبح عضواً في مجلس البلدية غزة حتى عام 1948. في أوائل الخمسينات عمل موظفاً في جامعة الدول العربية بالقاهرة. والأستاذ حمدي يقيم حالياً في مدينة غزة. المصادر والمراجع: موسوعة أعلام فلسطين في القرن العشرين، محمد عمر حمادة، سوريا،2000. (نقلا عن موقع مؤسسة القدس للثقافة والتراث). ثانيا، لا أعلم سبب تغير موقف الاتحاد السوفييتي فمعلوماتي حول الموضوع محدودة وإن كنت أخمن أنه رأى توازن القوى داخل فلسطين (قوة الييشوف مقابل ضعف العرب رغم تفوقهم العددي) ونظرا لتوازنات القوى العالمية فضل أن يتخذ موقفا أقل حدة من إنشاء دولة يهودية في فلسطين محاولا استمالتها إلى جانبه... هذه تخمينات ليست مبنية حتى على معلومات كافية... ربما وجدت مصادر عن الموضوع وعدت إليك. لا زال هنالك حلقتان من هذه سلسلة المقالات (الحلقة الرابعة والسادسة؟؟ إذ لم أجد للحلقة الخامسة وجود وآمل أنهم أخطأوا العد فقط) بعدها وجدت عدة مقالات كتبها بسام الشريف عن عصبة التحرر الوطني والصحافة الشيوعية في فلسطين (نشرت لاحقا في كتاب ولا أعلم إن كان الكتاب يحوي أكثر من سلسلة المقالات) وسأبحث عن مقالات أكثر. في أسوأ الأحوال سأقرأ المزيد من كتاب جويل بينين وأنقل معلوماته هنا (الكتاب يغطي الحقبة حتى 1965 أي انقسام ماكي وراكاح) لكن أظن أن التركيز في الكتاب سيكون على القيادة اليهودية للحزب وليس عن نشاطه بين العرب وسأبحث عن مقالات أخرى... راجع مصادر المقالات (وقد أنشر لاحقا ببليوغرافيا كتاب بينين) فقد تجد فيها مقالات عن الموضوع كما أنني وجدت مذكرات لبعض الشيوعيون يمكن وضع روابط لها (على الأقل كتاب لشيوعي من حيفا). RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - الحوت الأبيض - 11-07-2013 الحزب الشيوعي الفلسطيني والانتفاضة القومية في فلسطين 1936-1939
الحلقة الرابعة د. مروان مشرقي في أواخر عام 1935 وبداية عام 1936 كان الحزب الشيوعي الفلسطيني يمر بمرحلة جديدة نوعيا, من الناحية التنظيمية والفكرية والسياسية, خاصة في الوسط العربي. إذ بإقراره للخط السياسي الجديد بدأ يخرج من إطار السياسة "اليسارية الانعزالية", وبدأ يوجه جل اهتمامه لإرساء قواعده وتركيز نشاطه داخل صفوف الطبقة العاملة الفلسطينية ويؤثر بشكل ملموس على تطور تنظيماتها النقابية. في هذه الفترة بدأت عملية تعريب الحزب بأتخاذ طابعا عمليا ملموسا بعد أن كانت عبارة عن قرارات بدون تنفيذ, إذ ازداد عدد اعضاء الحزب العرب, خاصة العمال, واستطاع الحزب أن يستقطب العديد من المثقفين العرب مثل مخلص عمرو, رئيف خوري, رجا حوراني ومحمد نمر عودة وغيرهم (1). إلى جانب ذلك ازداد توجه الحزب نحو تعميق علاقاته مع قيادة الحركة القومية الفلسطينية والأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى. وفي هذا الإطار استغل الحزب العلاقات الجديدة مع الجناح الراديكالي في الحركة الوطنية الفلسطينية والذي مثله حزب الاستقلال العربي, ونشط مع المجموعة المتحلقة حول حمدي الحسيني مثل هاشم السبع وإسماعيل طوباسي ومحمد نمر عودة وأكرم زعيتر وعجاج نويهض وعزت دروزة وغيرهم(2). كما وسعى الحزب للقيام بعدة نشاطات مشتركة مع القوى الوطنية الفلسطينية, وذلك ضمن توجهه لإقامة الجبهة الوطنية الموحدة المعادية للامبريالية والصهيونية. وفي إطار هذه النشاطات خاض الحزب في شهر آب 1935, وبمشاركة القوى الوطنية الأخرى, نضالا كبيرا لدعم إضراب السجناء السياسيين عن الطعام, والذي امتد تسعة عشر يوما. وقد أثار هذا الإضراب تحركا جماهيريا كبيرا في البلاد, شارك فيه العمال العرب والقوى الراديكالية في الحركة الوطنية الفلسطينية. ورأت هذه القوى "بكفاح المضربين عن الطعام جزءا لا يتجزأ من كفاح الشعب العربي المضطهد من أجل تحرره القومي الاجتماعي"(3). وفي أثناء الإضراب نظم الشيوعيين العرب واليهود, بمشاركة قوى وطنية أخرى, مظاهرات في مدن القدس وتل أبيب وعقدت اجتماعات في يافا وفي بعض الورش العمالية, الأمر الذي رفع من مستوى معركة المضربين عن الطعام إلى كفاح عم جميع أطراف البلاد (4). بالرغم من عدم تمكن الحزب من تطوير هذا العمل المشترك مع القوى الوطنية العربية إلى عمل ذات طابع منظم, إلا أن هذه التجربة كانت بداية ايجابية وجدية دفعت جميع نشاطات الحزب لاحقا بهذا الاتجاه. وقد سعى الشيوعيون من خلال ترويج سياستهم الجديدة بواسطة المناشير والاجتماعات الشعبية والمظاهرات إلى إيجاد قاعدة شعبية لهم, خاصة وسط الطبقة العاملة العربية, وإلى تعميق اتصالاتهم مع الشخصيات الوطنية الفلسطينية التقليدية والقوى الوطنية الراديكالية, خاصة المثقفين التقدميين. وفي تشرين الأول 1935, وعلى أثر اكتشاف شحنة الأسلحة في مرفأ يافا والتي كانت مرسلة إلى التنظيمات العسكرية الصهيونية في البلاد, أعلن في 16 أكتوبر 1935 عن إضرابا أحتجاجيا عاما للجماهير العربية في البلاد وقد شارك الحزب بأنجاه هذا ألضراب كما شارك في تنظيم الاجتماعات الاحتجاجية في 2 نوفمبر 1935 وفي التحضير للإضراب العام الذي أعلنه عرب فلسطين في 13 نوفمبر 1935 بمناسبة عودة المندوب السامي من لندن إلى فلسطين (5). وقد أصدر الحزب في هذه الأثناء مذكرة خاصة أرسلها إلى جميع زعماء الأحزاب العربية وإلى المفتي الحاج أمين الحسيني مستنكرا النشاطات الصهيونية المسلحة, داعيا إلى تنظيم وتسليح المواطنين العرب لمواجهة الهجرة اليهودية وبيع الأراضي ولمواجهة الانتداب البريطاني(6). ولقد رأى الحزب في كل هذه النشاطات عند الجماهير العربية اتجاها جديا لإقامة جبهة قومية موحدة تضم كل القوى الوطنية, والتي تحضر الأرضية لموجة جديدة من العمل الوطني الثوري(7). تعميقا منه لتحقيق الخط السياسي الجديد عقد الحزب في 9 ديسمبر 1935 في سينما أبولو في مدينة يافا, اجتماعا شعبيا كبيرا ومشتركا مع حزب الاستقلال وقائده حمدي الحسيني, وذلك بذكرى احتلال الانجليز لمدينة القدس واستشهاد الشيخ عز الدين القسام (8). وقد حضر المؤتمر العديد من الشخصيات الوطنية والتقدمية المعروفة مثل أكرم زعيتر وعجاج نويهض وعزت دروزة وميشيل متري وعيسى الشعري, كما وحضر إحدى جلساته الحاج أمين الحسيني (9). فقد افتتح هذا المؤتمر عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي محمد نمر عوده, الذي طرح مطالبا سياسية تحولت بعد ذلك إلى مطالب الحركة القومية الفلسطينية في الفترة المقبلة. إذ دعا إلى إيقاف الهجرة اليهودية وبيع الأراضي, وإلى إقامة حكومة ديمقراطية في البلاد, كما ودعا قيادة الحركة القومية إلى إعلان العصيان المدني في فلسطين والامتناع عن دفع الضرائب, وطالب باستقالة جميع موظفي الحكومة العرب من أجل الضغط على سلطات الانتداب البريطاني (10). يعتبر هذا الاجتماع بالنسبة للشيوعيين الفلسطينيين "تجسيد لخط الجبهة الوطنية ومحاولة أولى من قبل الحزب للدخول في صفوف الحركة الوطنية"(11). إن اتجاه الحزب بالانعطاف نحو قيادات الأحزاب القومية العربية, وخاصة المفتي الحاج أمين الحسيني, لا يعبر فقط عن الخط السياسي الجديد والسعي للتعاون مع هذه القيادات, بل يعبر عن اعتراف سياسي بالموقع القيادي لهذه القيادات - وخاصة المفتي - في الحركة القومية الفلسطينية . ونتيجة لضعف تركيبته التنظيمية وضعف قاعدته الجماهيرية أدركت قيادة الحزب أن دورها سيقتصر على ممارسة الضغط على زعامة الحركة القومية من أجل اتخاذ مواقف أكثر جذرية تجاه الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية. إن تطور نشاط الحزب في الوسط العربي وانفتاحه على العمال والمثقفين العرب وتوسيع صفوفه في أواخر عام 1935 وأوائل عام 1936- أي عشية الإضراب السياسي العام للشعب الفلسطيني – رافقه بالوقت نفسه اهتزاز مواقع الحزب في الوسط اليهودي حيث تتركز قوته الأساسية هناك. فقد شنت السلطات البريطانية حملة اعتقالات كبيرة في صفوف الشيوعيين اليهود وطردت من البلاد العديد من كوادره القيادية. إذ في شهر تموز- يوليو 1935 وجهت ضربة كبيرة جدا وقاسية للمنظمة الحزبية في القدس, حيث اعتقلت أغلبية أعضاء الحزب وقيادته هناك, ولم يتمكن الحزب من إعادة تنظيم الفرع في القدس كالسابق حتى بداية اندلاع الانتفاضة. وعلى أثر هذه الضربة تم طرد قسم كبير من الشيوعيين خارج البلاد. وفي بداية 1936 جرت عملية اعتقالات أخرى كبيرة في فرع تل أبيب. إذ في 10 آذار 1936 تم اعتقال 32 شيوعيا, واستكملت حملة الاعتقالات والطرد من البلاد في 16 ابريل من ذات السنة. وفي هذه الحملة لم تقتصر الاعتقالات على الأعضاء اليهود فقط بل أيضا على أعضاء الحزب العرب, الأمر الذي اضعف إلى حد كبير من قوة الحزب وأثر على مجمل نشاطاته وإمكانياته الكافية (12). لقد عكست هذه الحملة على الحزب الشيوعي الفلسطيني تحسس الاحتلال البريطاني لمدى تنامي تأثير الشيوعيين في الساحة السياسية وتخوفه من توطيد مواقعهم وتناميها. في هذه الفترة بدأت تنضج في فلسطين عوامل الوضع الثوري, والذي رأى الشيوعيون بوادره في أواسط سنة 1935, ودعوا القوى الوطنية للتحضر من أجل أن يكونوا على مستوى هذا الوضع المتفجر. فمن جهة أخذت حكومة الانتداب بتشديد سياستها الكولونيالية والاضطهادية ضد الشعب الفلسطيني, إذ شددت من قمعها بأقسى الأشكال لكل الحركات الوطنية وخاصة بعد استشهاد الشيخ القسام. إلى جانب ذلك أخذت تشدد من استعمال وسائل الضغط الاقتصادي على أفراد الشعب العربي الفلسطيني. وقد أدت السياسة الاقتصادية الكولونيالية إلى إعاقة تطور البرجوازية الفلسطينية المحلية, وحرمانها من حق استثمار القاعدة الاقتصادية والمشاركة الصناعية والتجارية, وإعطاء كل الامتيازات للرأسمال اليهودي. إلى جانب ذلك عملت الحكومة البريطانية على تعميق سياسة الاستيطان الصهيونية, الأمر الذي عمق من حدة التناقضات بين الشعب الفلسطيني والتجمع الاستيطاني الصهيوني. ومما ساعد على ذلك ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين, وخاصة بعد صعود هتلر للحكم. وقد نمت هذه الهجرة على حساب الفلاحين العرب, حيث تم الاستيلاء على أراضيهم وطردهم من قراهم. وقد شكلت الهجرة اليهودية خطرا كبيرا على الوضع الديمغرافي في البلاد, حيث وصل عدد السكان اليهود في فلسطين عام 1935 إلى 350000 نسمة, الأمر الذي كان يعني ازدياد عددهم بأربعة أضعاف مما كانوا عليه في نهاية الحرب العالمية الأولى (13). إن الهجرة اليهودية لم تؤد فقط إلى ازدياد الصدامات القومية العرقية بين اليهود والعرب, بل أدت أيضا إلى تعمق المشاكل الاجتماعية في البلاد. إن أكثر الفئات الاجتماعية تضررا من الهجرة كانت الطبقة العاملة والفلاحين العرب, إذ تدهور الوضع الاقتصادي للعمال وزادت البطالة وانخفضت أجرة العمل. ولقد وصلت البطالة في عام 1935 بين العمال العرب إلى 25000 عاطل عن العمل, وبين العمال اليهود إلى 9000 عاطل عن العمل (14). لقد أدى هذا الوضع إلى ازدياد حدة الصراع الطبقي وانتشار حركة الإضرابات حيث نظم في عامي 1934 ,1935 98 إضرابا شارك فيه 5699 مضربا (15). إن ازدياد تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد والذي كان انعكاسا لتعمق الأزمة الاقتصادية العالمية أثر تأثيرا كبيرا ليس فقط على الجماهير العمالية, بل أيضا على المنتجين الصغار وعلى التجار, الأمر الذي عمق من حدة التناقضات الطبقية, وإلى توسع القاعدة الاجتماعية للحركة المعادية للانتداب البريطاني والاستيطان الصهيوني. وقد احتوت هذه القاعدة على كل الشرائح الاجتماعية للشعب الفلسطيني. بألاضافة الى ذلك ساهم تراكم العديد من المعارك السياسية والكفاحية للشعب الفلسطيني خلال الست سنوات الأخيرة, على احتداد وتعمق الأزمة الثورية في فلسطين كما وساعد على توطيد حركة المقاومة للانتداب وإغناء تجربتها التنظيمية والسياسية والكفاحية وتجنيد الجماهير الفلاحية والعمالية الواسعة في هذا الإطار. لقد ساهمت الأحداث الثورية في فلسطين عام 1929 وعام 1933, وظهور حركة القسام المسلحة في أواخر عام 1935, إلى جانب تبلور الأحزاب السياسية والنوادي والتنظيمات الشبابية والاجتماعية, كل هذا ساهم وساعد على إعادة تنظيم نضال الجماهير الشعبية ورفع مستواه إلى حد الإعلان عن الإضراب السياسي العام, والقيام بالانتفاضة المسلحة في عام 1936. وهكذا نجد أن الظروف الموضوعية والذاتية بدأت تنضج, الأمر الذي أوجد الأرضية السياسية والتنطيمية للانتفاضة القومية الفلسطينية, والتي امتدت من 20 نيسان 1936 واستمرت حتى عام 1939 (16). في 20 نيسان 1936 وعلى أثر إعلان سلطات الانتداب منع التجول في يافا وتل أبيب عقد اجتماعا في مدينة نابلس ضم ممثلي الأحزاب السياسية في فلسطين والشخصيات الهامة للتباحث والتشاور حول هذه الأحداث. وفي هذا الاجتماع تم تشكيل قيادة للحركة الوطنية في نابلس على أساس قومي لا حزبي, سميت"باللجنة القومية". وأعلنت هذه اللجنة عن سلسلة من الإجراءات النضالية التي أهمها إعلان الإضراب السياسي العام (17). وعلى الفور بدأت هذه اللجنة بالاتصال مع جميع ممثلي الحركة القومية الفلسطينية في جميع المدن والقرى الفلسطينية وطالبتهم بالانضمام إلى الإضراب العام ليعم كل فلسطين ولتشكيل اللجان القومية. وفي خلال عدة أيام كان الإضراب العام قد شمل كل أطراف البلاد وتم تأليف اللجان القومية في أغلبية المدن العربية, مثل حيفا ويافا والناصرة والقدس وغزة, وأعلنت جميع الأحزاب السياسية تأييدها للإضراب. وفي 24 نيسان 1936 اجتمع ممثلو اللجان القومية في القدس حيث تم تشكيل جهازا خاصا للإشراف على الإضراب ولجانا لرعاية شؤون المحتاجين ولجمع التبرعات. وفي اليوم ذاته انضم عمال ميناء يافا وحيفا وسائقي السيارات إلى الإضراب العام(18). وفي 25 نيسان تم الإعلان عن قيام "اللجنة العربية العليا" بقيادة الحاج أمين الحسيني, والتي بدأت تنظم عملية استمرار الإضراب. إن وقوف القيادة الرسمية التقليدية للحركة القومية الفلسطينية على رأس الانتفاضة القومية, بالرغم من أنها لم تعلن من قبل هذه القيادة يعبر عن توازن القوى الاجتماعي والسياسي آنذاك في فلسطين. حيث أن ضعف أحزاب البرجوازية الفلسطينية الناشئة وعدم شموليتها في كل فلسطين واقتصارها على فئات المدينة المتنورة, فسح المجال أمام القوى التي تعبر عن مصالح ملاكي الأراضي وأشباه الإقطاعيين من القفز إلى دفة قيادة الانتفاضة. وقد ساعد على ذلك وجود المفتي, التي كانت تعتبر شخصيته الشخصية الأولى في البلاد والمؤهلة عمليا لتوحيد كل القوى السياسية والوقوف فوق كل الخلافات الجانبية. وقد استمد المفتي صلاحياته بالأساس من الموقع الديني الرفيع الذي كان يتسنمه (19). بالرغم من كل ذلك إلا أن قيام اللجنة العربية العليا كانت خطوة ضرورية من أجل تنظيم الإضراب واستمراره وتطويره. لقد أعلنت اللجنة العربية العليا في أول بياناتها عن مطالب الشعب الفلسطيني السياسية وهي: 1. منع الهجرة اليهودية منعا باتا. 2. منع انتقال الأراضي العربية لليهود. 3. إنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي (20). إن إعلان المطالب السياسية للشعب الفلسطيني نقل كفاح هذا الشعب وإضرابه إلى مرحلة أعلى في الكفاح ضد الانتداب وساعد إلى حد كبير على توطيد القوى الوطنية الفلسطينية. منذ اليوم الأول للإضراب العام وبالرغم من وجود الكثير من كوادره العربية واليهودية في المعتقلات والمنافي, إلا أن الحزب الشيوعي الفلسطيني بدأ بالمشاركة النشطة في الإضراب. فقد أعلن عن وقوفه التام إلى جانب الشعب المنتفض, حيث وزع المناشير وشارك بدور جيد في إنجاح الإضراب, خاصة في مدينتي يافا وحيفا. وفي بيان وزعه في بداية الإضراب أشار إلى أن هذا الإضراب يعتبر انفجارا طبيعيا على السياسة الاستعمارية للصهيونية التي زرعتها الامبريالية "لتقيم سدا في وجه الحركة الوطنية التحررية العربية المتصاعدة والدفاع عن مواقعها الإستراتيجية... المتعارضة تعارضا عميقا مع المصالح الحيوية للجماهير الشعبية العربية"(21). لقد أتخذ الشيوعيون موقفا سياسيا صحيحا من طبيعة الأحداث الجارية وأسبابها العميقة, حيث أكد الحزب في كل بياناته على العلاقة العضوية بين الصهيونية والامبريالية البريطانية وإلى الدور السياسي الملقى على عاتق الحركة الصهيونية والذي يهدف إلى "حماية المركز الاستراتيجي لفلسطين... والذي تحصل فيه الحركة الصهيونية مقابل هذه الحماية على حماية المدافع البريطانية, وعلى حق الاستيطان في فلسطين, وإحلال (العامل اليهودي) مكان العامل العربي, وإحلال (المستوطن اليهودي) مكان الفلاح في حقله...". ويذكر البيان أيضا بأن "الصهيونية لا يمكن أن يسمح لها بالتوغل في فلسطين إلا إذا شكلت سدا في وجه الحركة العربية الهادفة إلى نيل الاستقلال والحقوق والحريات الديمقراطية"(22). منذ بداية الانتفاضة دعا الحزب الشيوعي كل القوى السياسية المختلفة لإقامة جبهة مناضلة واحدة ضد العدو المشترك, تضم جميع فئات السكان المحليين وجميع الأحزاب والديانات. في ذات الوقت أكد على أن اللجان القومية هي الأداة القيادية الميدانية للإضراب والتي يجب أن تعزز من قوتها. كما واعترف الحزب أيضا بقيادة اللجنة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني للحركة القومية الفلسطينية, ودعا إلى توطيد وحدتها. وفي هذا السياق تبنى الحزب المطالب السياسية التي رفعتها قيادة الأحزاب, ورأى بها أساسا لتوحيد كافة أفراد الشعب العربي لأنها "تتعارض مع السيطرة الامبريالية ومع الصهيونية التوسعية". وبالرغم من إمكانياتهم المحدودة, ومن خلال علاقاتهم مع حزب الاستقلال العربي والمثقفين العرب, ساهم الشيوعيون الفلسطينيون في تطوير المواقف والمطالب السياسية لإنتفاضة الشعب الفلسطيني, وبتطوير أساليب الكفاح. حيث أكدوا على عدم الاكتفاء بإعلان الإضراب العام, بل يجب الانتقال إلى مستوى أعلى من الكفاح وذلك بإعلان العصيان المدني والإمتناع عن دفع الضرائب للحكومة البريطانية. لقد رفع الشيوعيون هذه المطالب قبل ذلك في اجتماع سينما أبولو عام 1935(23), وأكدوا عليه بعد ذلك في مناشيرهم وفي العرائض التي شاركوا في التوقيع عليها. ففي بداية شهر أيار صدر بيان دعي فيه بالامتناع عن دفع الضرائب وإعلان العصيان المدني وعدم التعاون مع سلطات الانتداب. وقد وقع عليه ستة أشخاص وطنيين عرفوا بتعاونهم مع الشيوعيين وهم حمدي الحسيني ود. خليل البديري وعجاج نويهض وحنا خلف وشكري قطينة إلى جانب الشيوعي البارز عبد الله البندك (24). وبعد ذلك أرسلت عريضة أخرى إلى اللجنة العربية العليا وقع عليها مائة وخمسون شخصية وطنية وتقدمية وشيوعية من القدس طالبوا فيها بالامتناع عن دفع الضرائب ورفعوا شعار "لا ضرائب بدون تمثيل" (25). لقد استجابت قيادة الإضراب لهذا المطلب وذلك بالموافقة عليه في الاجتماع العام للجان القومية الذي عقد في القدس في 7/5/1936 بدعوة من اللجنة العربية العليا. لقد حضر هذا الاجتماع ممثلو 25 لجنة قومية مثلوا أغلبية المدن والقرى في فلسطين (26), وقد كانت المهمة الأساسية أمام هذا الاجتماع هي إعادة صياغة المطالب السياسية للشعب الفلسطيني وإقرار استمرار الإضراب وتنظيمه. إلى جانب ذلك أقر الاجتماع الإعلان عن العصيان المدني منذ تاريخ 15/5/1936, إذ لم تغير الحكومة البريطانية سياستها تغييرا أساسيا وذلك بإيقاف الهجرة اليهودية(27). إن الإعلان عن العصيان المدني لم يقتصر فقط على الامتناع عن دفع الضرائب, بل دعا إلى تنظيم مقاطعة كاملة للبضائع الأجنبية, الأمر الذي يعتبر قفزة نوعية في كفاح الشعب العربي. يتبع المصادر: (1) د. بديري موسى- عشر سنوات على وفاة الشيوعي رضوان الحلو. مجلة الكاتب عدد 64, تموز 1985 القدس ص27- مقابلة شخصية معه. (2) نفس المصدر ص26. (3) "بيان عام للجماهير الكادحة بخصوص إضراب السجناء الشيوعيين عن الطعام"- اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني آب 1935 لغة عبرية. ملاحظة- برز من بين السجناء السياسيين القائد الشيوعي محمود الأطرش الذي طرد بعد ذلك من البلاد. وفي فترة مكوثه في السجن انتخب محمود الأطرش عضوا في اللجنة التنفيذية للكومنترن. وقد كان العضو العربي الوحيد فيها حتى انحلال الأممية الشيوعية.(نشر البيان في "مجموعة شهادات ب.ك.ب. سنوات 1935-1939_ تل أبيب, ابريل 1950 ص11. (4) المصدر السابق ص12. (5) "الى جماهير العمال اليهود"- منشور اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني- نوفمبر 1935. (6) د.بديري موسى- الحزب الشيوعي الفلسطيني 1919-1948. مصدر سابق ص88-95. (7) "إلى جماهير العمال اليهود"- منشور اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني- نوفمبر 1935 . (8) لقد كان الحزب الشيوعي الفلسطيني على علاقة واتصال دائم بحركة القسام منذ انطلاقها, وذلك عن طريق شقيق محمود الأشقر- مندوب الحزب في المؤتمر السابع للكومنترن. وقد قيَم الشيوعيون هذه الحركة كظاهرة ايجابية ذات محتوى وطني ثوري, بالرغم من طابعها الديني. إذ أن الطابع الثوري لهذه الحركة ينبع من موقفها الصحيح من الاستعمار البريطاني وتقييمها له كعدو رئيسي ( مجلة الكاتب- تموز 1985- موسى البديري, مصدر سابق ص26). (9) زعيتر أكرم- وثائق الحركة القومية الفلسطينية 1918-1939 ص402- مصدر سابق. (10) نفس المصدر السابق. (11) مجلة الكاتب- مصدر سابق ص26. (12) لقد سجلت الصحافة العربية والعبرية في فلسطين عشية الإضراب الكثير من حوادث الاعتقالات ضد الكوادر الشيوعية العربية واليهودية. وتذكر جريدة فلسطين أسماء العديد منهم مثل حسين احمد البياري وإبراهيم عبد الله عبود وأبو السعود عبود وغيرهم. (جريدة فلسطين 11 آذار 1936 ص6 و 17,18 نيسان 1939- القدس) (13) لبسكي حاجيت- نمو اليشوف اليهودي في أرض إسرائيل في فترة الانتداب- الجامعة العبرية القدس ص5 (لغة عبرية). (14) جانا, توفيق- الشهادات السياسية أمام اللجنة الملكية في فلسطين- دمشق 1937- مداخلة السيد جورج منصور- سكرتير "جمعية العمال العربية" في يافا أمام اللجنة الملكية في 16/1/1937 ص294. (15) حكومة فلسطين- خلاصة الإحصائيات في فلسطين- السنة الثانية عدد 2 1936 ص28 –أرشيف المكتبة القومية, القدس. (16) لقد انفجرت الانتفاضة القومية على أثر هجوم قام به بعض الشبان العرب على قافلة سيارات يهودية وعربية على طريق نابلس- طولكرم في 15 نيسان 1936. وقد أطلق هؤلاء الشبان النار على الركاب اليهود, فقتلوا شخصا واحدا وجرحوا آخرين. وفي اليوم الثاني 16 نيسان قام بعض المستوطنين اليهود بقتل عربيين قرب مستوطنة ملبس, الأمر الذي أثار حالة اضطراب كبيرة في البلاد. ومما أثار من حدة الأوضاع هو الهجوم الذي قام به مشيعو القتيل اليهودي في 17 نيسان على مدينة يافا, حيث حطموا المتاجر والمخازن العربية, جرى على أثرها صدام كبير بين السكان العرب واليهود. وفي 19 نيسان أعاد بعض السكان اليهود من تل أبيب الهجوم مرة أخرى على يافا, الأمر الذي أدى إلى تدخل قوات الانتداب البريطانية وفرضت منع التجول على مدينة يافا وتل أبيب. وعلى أثر انتشار أخبار حوادث يافا في البلاد تم تشكيل لجان قومية والإعلان عن الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين. وهكذا بدأ الإضراب السياسي العام والذي امتد حوالي ستة أشهر (فلسطين تاريخا ونضالا- نجيب الأحمد- دار الجليل للنشر, عمان, الطبعة الأولى آذار 1985- ص225). (17) الحركة الوطنية الفلسطينية 1935-1939 - يوميات أكرم زعيتر- مؤسسة الدراسات الفلسطينية- الطبعة الأولى, بيروت 1980 ص61. (18) فلسطين- تاريخا ونضالا- مصدر سابق ص225. (19) أقر أكرم زعيتر بهذا الوضع حيث أعلن في يومياته بأن الإعلان عن اللجنة العربية العليا أدى إلى "اندماج الجميع في الحركة الوطنية... وقد أنقذ الحاج أمين مكانته بنزوله إلى الميدان.." وأعلن أنه "علينا أن نلتف حول هذه اللجنة ورئيسها ما دامت لا تهاود في الحقوق الوطنية وما دامت تمثل روح الثورة الناشئة في البلاد"- الحركة الوطنية الفلسطينية 1935-1939- يوميات أكرم زعيتر- مؤسسة الدراسات الفلسطينية, الطبعة الأولى –بيروت 1980 ص76. (20) المصدر السابق ص76,77. (21) د. شريف ماهر- الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948 –مركز الأبحاث- منظمة التحرير الفلسطينية_ بيروت, الطبعة الأولى- أكتوبر 1981 ص90. (22) "الانتفاضة في فلسطين" (نداء من الحزب الشيوعي الفلسطيني- تل أبيب 10 يوني (1936)- المراسلات الصحافية الأممية عدد 30 27/6/1936 ص805 لغة انجليزية. (23) أنظر ملاحظة رقم 9,10 من هذه الحلقة. (24) د. بديري موسى- عشر سنوات....مجلة الكاتب.. مصدر سابق ص26. (25) الحركة الوطنية الفلسطينية... أكرم زعيتر- مصدر سابق ص82,83. (26) نفس المصدر ص89,90. (27) نفس المصدر ص88-95. نقلا عن: الحوار المتمدن-العدد: 2866 - 2009 / 12 / 23 - 00:01. RE: الحزب الشيوعي الفلسطيني وتاريخ النضال - فلسطيني كنعاني - 11-08-2013 تسجيل متابعة ... لكن لدي استفسار ربما بعيد عن النضال ضد الصهيونية و متعلق أكثر بالوضع الداخلي الفلسطيني في تلك الفترة . كان هناك إقطاع في فلسطين خصوصا على الأراضي الزراعية ، حيث نرى بعض العائلات التي تمتلك مساحات كبيرة من الاراضي و عائلات الفلاحين التي تعمل فيها ، اين كان الحزب الشيوعي من مواجهة هذا الاقطاع؟؟ |