حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +---- المنتدى: تـاريخ و ميثولوجيـا (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=7) +---- الموضوع: السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" (/showthread.php?tid=33518) |
السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 تأسست مملكة نبتة على يد الملك النوبي كاشتا مؤسس هذه الدولة عندما نجح في استرداد عرش بلاده من الإمبراطورية المصرية وأقام دولة نوبية كانت عاصمتها في مدينة نبتة بالقرب من الشلال الرابع . وظهرت في المنطقة كقوة لا يستهان بها . كانت تجاور هذه المملكة في الجنوب مملكة مروي النوبية ، وفي الشمال الإمبراطورية المصرية الممزقة نتيجة الصراعات الداخلية . خلف "كاشتا" على العرش ابنه بيا الذي كان يطلق عليه عانخي. تمكن من توحيد قطري وادي النيل بعد أن استنجد به المصريون لحماية طيبة في الجنوب من خطر الملك الشمالي تفنخت . استجاب بايا لطلب المصريين وحرر مصر كلها ليتوحد وادي النيل للمرة الأولى في التاريخ . تولىإبنه شبتاكا العرش بعده عرش نبتة وتصدى للزحف الآشوري عندما أرسل جيوشه للشام لمساندة حكام سوريا وفلسطين الذين استنجدوا به ، إلا أنه هزم وعاد إلى مصر . وخلفه أخوه الأصغر وشهدت المماكة إستقرارا بسبب إنشغال الآشوريين بحروبهم الداخلية .فوجه جهوده لبناء وتعمير مصر . لكن الآشوريين هاجموا شمال مصر فانسحب لطيبة تاركا الشمال للآشوريين . وظل بطيبة حتي وفاته عام 663 ق.م. واستطاع خافه إبن أخيه تاهوت أماني إساعلدة الأراضي المصرية لمملكة نبتة . ، إلا أن الملك الآشوري اشور بن بعل سرعان ما تمكن من استعادة منف ثم توغل جنوبا نحو طيبة التي انسحب منها تاهوت إلى كوش وظل بها حتى توفي في عام 653 ق.م . وبانسحابه كآخر ملوك الأسرة 25من مصر ينتهي حكم النوبة لمصر ، والذي استمر لمدة85 – 100سنة . واستمرت مملكة نبتة في ازدهارها في الجنوب بعد انسحاب آخر ملوكها من مصر ، وكانت تسير علي النهج المصري حيث كان آمون معبود الدولة الرسمي كما اتخذ ملوكها الألقاب الفرعونية وشيدوا مقابرهم علي الطريقة المصرية وزينوها بالرسوم المصرية والنقوش الهيروغليفية . وبدأت حدودها الشمالية تتعرض للاعتداءات المصرية المتكررة ، مما حدا بملوك نبتة إلى تحويل العاصمة من نبتة لمروي في الجنوب بعيدا عن الخطر المصري . لكن انتهت المحاولات المصرية المتكررة باحتلال الأجزاء الشمالية من النوبة حتى الشلال الثاني في عهد الملك المصري بساماتيك الثاني . وضعفت مروي وتفككت نتيجة لكارثة بيئية ناتجة عن النفايات الصناعية من مناجم الحديد ، وأخيرا جاءها عيزانا وهي في أقصى حالات الضعف فدمر ما تبقى منها عام 350 م مملكة نبتة 760( ق م - 653 ق م). فنجح "كشتـا " أول عظماء الملوك في كوش في إسترداد إستقلال بلاده ، و إقامة عاصمة لمملكتة في " نبتـه " الواقعة أسفل الشلال الرابع . وتمكن "إبن كشتـا وخلفه " الملك بعانخي " من إحتلال مصر وإخضاعها عام 725 ق. م ،وأسس دولة إمتدت من البحر المتوسط حتي مشارف الحبشة . وهكذا صارت كوش قوة لا يجهلها أحد . ولكن عندما غزا مصر الأشوريون وإستخدموا الحديد كسلاح مؤثر في ذلك الوقت أجبروا كوش علي الرجوع إلي الوراء داخل حدوده ا . هذا وقد حكم الكوشيون مصر لمدة ثمانين عامـاً . وقد سارت المملكة علي النهج المصري في كل مظاهر الحياة والحضارة ، فقد كان "آمون " معبود الدولة الرسمي ، وإتخذ ملوكها الألقاب الفرعونية ، وشيدوا مقابرهم علي الطريقة المصرية وزينوها بالرسوم المصرية والنقوش الهيروغلوفية . ثم يأتي القرن السادس قبل الميلاد فتنقل كوش عاصمتها إلي مروي من نبتـة ، وفي مروي نجد الأهرام الملوكية ، كما نري المعابد ومنها " معبد الشمس " ، الذي تسامع به الناس في كل ركن من أركان العالم المعروف . وتُرى في مروي أكوامـاً عالية هي أثار فضلات الحمم التي كانت تخرج من أفران صهر الحديد . وصارت مروي عاصمة جديدة لكوش خمسة قرون قبل ميلاد المسيح عليه السلام وثلاثة بعد ميلاده ، وهي تنشر النور حولهـا من عقائد وأفكار وقدرات فنية . وكانت كوش أكثر الحضارات التي نشأت في أفريقيـا تميزاً بطابعها الأفريقي . ولكنها إستفادت كثيراً من مظاهر الحياة من حولها . وشواهد هذا بيّنة في معابد النقعة ، فعلى الجدار الخلفي من معبد الأسد نقش الأقدمون أسد اً إلهـاً له أربعة أزرع ، وثلاثة رؤوس ، ويظن العلماء أن هذا النوع من الفن تسرب إلي هذه البلاد من الهند . وعلي مسافة قريبة من هذا المعبد يقوم بناء يظهر فيه التأثير الروماني ، إضافة إلي ذلك هنالك أثاراً كثيرة تبين أن حضارة كوش كانت غربلة أفريقية للأراء والأساليب والمعتقدات ، تأخذ منها مـا ينفعها وتضيف إليها مـا إبتدعته . وتُوجد في قبور كوش الملكية والشعبية معابدُُ تاريخيةً تمتد لألف عام ، يأتي بعدها الخطر من جنوب الجزيرة العربية ، عندمـا هاجر قوم من هناك إلي داخل الحبشة ، وأنشأوا دولة أكسوم التي قويت وإستطاعت أن تحول بين كوش وشرق القارة الأفريقية والمحيط . وبالتدريج تمكنت هذه الدولة من قـهر كوش عندمـا قام " عيزانا " أول ملك مسيحي لها بـغزو كوش وتحطيم عاصمتها مروى عام 350 م وبعد عصر مملكة مروى( 350 ق م- 0 ) مرت علي السودان فترة غامضة لا يُعرف عن أخبارها الأ النذر اليسير ، فقد جاء البلاد قوم لم يكتشف الأثريون بعد إلي آى جنس ينتمون ويسميهم علماء الأثـار " المجموعة الحضارية " . ويمتد عصرهم من سقوط مروي في القرن الرابع الميلادي إلي القرن السادس ، ومن أثارهم المقابر التي وُجدت في أماكن كثيرة في شمال السودان . فلقد قامت علي أنقاض مروي ثلاثة ممالك نوبية . فكانت في الشمال مملكة النوباطيين التي تمتد من الشلال الأول إلي الشلال الثالث وعاصمتها " فرس" . ويليها جنوبـاً مملكة المغرة التي تنتهي حدودها الجنوبية عند "الابواب " التي تقع بالقرب من كبوشية جنوب مروي القديمة ، وهذه المملكة عاصمتها " دنقلة العجوز " ، ثم مملكة علوة وعاصمتها " سوبا " التي تقع بالقرب من الخرطوم . إتحدت مملكتا النوباطيين والمغرة فيما بين عامي 650- 710 م وصارتا مملكة واحدة ، ومكًن إتحادهما من قيام مقاومة قوية ضد غارات العرب من ناحية ، وإنهاء الصراع السياسي الديني من ناحية أُخري ، مما ساعد علي التطور الثقافي . وصلت النوبة قوة مجدها وأوج قوتها في القرن العاشر الميلادي وكان ملك النوبة المدافع الأول عن بطريق الإسكندرية . ولما إعتلي عرش النوبة ملك يُدعي " داود " عام 1272 م قام النوبيون بهجومٍ علي " عيذاب " المدينة المصرية علي ساحل البحر الأحمر . وكان هذا أخر عمل عسكري لدولة النوبة . حيث دخلت مملكة النوبة في عهد المؤامرات وإستمر الحال هكذا إلي أن إنهزم " كودنيس " عام 1323 م أخر ملك علي مملكة دنقلا المسيحية (710 م - 1317 م) ، وإنتهت الدولة المسيحية ، وصارت البلاد مفتوحة أمام العرب وإنتشر الإسلام بالسودان في القرن السابع الميلادي (اتفاقية البقط بين عبد الله بن أبى السرح والنوبة 31 هـ). أمـا مملكة علوة فلا توجد معلومات تاريخية عنها .وسقطت هذه المملكة عام 1504 م علي يد سلطنة الفونج . وكان محمد علي قد أرسل الجيوش للسودان، وأسقط مملكة الفونج عام 1821م السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 [CENTER]كاشـتا 760- 747 ق.م.[/CENTER] أصبح كاشـتا ملكاً بعد الارا وكان أخاً له فى الغالب الأعظم. نجح فى مد حدود كوش شمالاً حتى أسوان، الحدود الجنوبية لمصر. عثر الآثاريون على أثر بالقرب من أسوان لازال يحتفظ بصورته. فى هذا الحجر يسمي كاشـتا نفسه "ملك مصر العليا والسفلى"، وهو اللقب الذى استخدمه فراعنة مصر. وبالرغم من أن كاشـتا قد لا يكون محتملاً وصوله الى الأراضي المصرية وفرض سيطرته الفعلية عليها، فإنه والد بيَّا (بعانخي)، الذى سيقدر له غزو مصر والسيطرة عليها بعد انقضاء سنوات قليلة على وفاة والده. كان كاشـتا أيضاً والداً لـ أماني ريديس، وهى الأميرة الكوشية التى أصبحت زوجة للإله آمون فى طيبة وصارت تعرف بلقب "زوجة الإله". مملكة نبتة:البدايات الأولى للتأسيس:- لازالت غامضة أصول العملية الفعلية التى شكلت الدولة الكوشية النبتية. يبدو أن تلك العملية كانت محلية من حيث أصولها ومن حيث مجمل مسار تطور الدولة اللاحق. وكان الكتاب الإغريق والرومان الذين كتبوا بعد هيرودوت واضحين للغاية فى تأكيدهم بأن دولة نبتة لم تكن نتاج انتقال ثقافي تأصل فى مصر. والحق أن أعضاء الأسرة النبتية قد بدأوا مشروعهم لتحويل كوش الى دولة مركزية بأزمان سابقة على اتصالهم بمصر. بعد تأسيس الدولة وفرت لهم العلاقة مع مصر أدوات ونماذج بالإضافة الى بعض الموارد التى ساعدت فى عملية بناء الدولة احتمالاً. فكما أشار الباحث المجرى لازلو توروك اختار أولئك لحكام جوانب من الديانة المصرية لاستخدامها أداة لتشكيل المجتمع الكوشي فى دولة مركزية معقدة قائمة الى حد ما على النموذج المصري Török,1994. وكما أشار كاتسنلسون فان عالم التصورات، كما يتبدى فى المعمار الجنائزي بالكرو، الذى عكسته مدافن الملوك الكوشيين يلمح الى ثقافة كوشية فى الأساس متطورة بطريقتها الخاصة لكنها استوعبت تأثيراً مصرياً حيثما كان ذلك مرغوبا للكوشيين Katsznelson,1970. كذلك فان مجمل مسار ارتقاء الدولة المتبع تشكل فى الأساس فى ظروف داخلية، حتى الديانة المصريّة كما مارستها النخبة النبتية فإنها اعتمدت على طقوس ومعتقدات محلية كوشية. لجأ الحكام الكوشيون، نتيجة تناقض الخيارات التى تتبع وراثة العرش وبفعل تنظيم القطر على أساس نظام قائم على المشيخات أو الإمارات، الى تلك الجوانب من عقيدة الملوكية المصرية التى تؤكد على الاختيار الصحيح للملوك. فى المراحل الأولى للعصر النبتي تعكس أشكال الديانة المصرية فى مدافن الكرو معتقدات كوشية محلية. خلافاً للفراعنة المصريين الذين أعلنوا دوماً أن شرعية حكمهم مستمدة من امون رع، شدد الملوك الكوشيون على تحدرهم من سلفهم العظيم الارا وهو ما يعكس أسطورة للحكم تختلف عن الأسطورة المصرية. هكذا فإن الحكام الكوشيين تبنوا أساساً أسطورياًً محلياً مختلف عن الأساس الأسطوري المصري. تشير أقدم ثلاث عشرة مدفناً فى جبانة الكرو، والخاصة بأسلاف الملك كاشتا، الى الكثير من الشبه البالغ درجة التطابق مع المدافن المميزة لملوك كرمة شكلاً ومضموناً. إنها عبارة عن تلال مستديرة لم يتم النجاح فى تحديد المدفونين بها ذلك أن تلك المدافن كانت قد تعرضت للنهب فى القدم. تتجه المقابر من الشمال الى الجنوب، الرفات التى تم الكشف عنها فى مقبرة واحدة فقط اؤرخت بحوالى 800–780 ق.م. الميلاد. تمدد الجثمان فى وضع أشبه بالنائم على جانبه الأيمن لا فى تابوت وإنما على عنقريب. كل هذا يتطابق تماماً مع العادات الجنائزية المميزة لكرمة وفى مقابر المجموعة الثالثة مع عدم وجود أية دلائل تشير الى التحنيط. لاحقاً استبدل الكوم الترابي التلي الفوقي بشكل أشبه بالمسطبة مع بقاء المقبرة (حجرة الدفن) على ما كانت عليه دون تغيير أصابها، مع ملاحظة أن تلك المساطب شيدت فى الغالب كتلال فوقية. تأتي بعد المدافن التلية الثلاث عشرة ثلاث مساطب (الكرو7 و8 و20) خاصة بالملك كاشتا واثنتين من زوجاته. المسطبتان 7 و 8 أشبه فى شكلهما وخارطتهما بالمدافن التلية السابقة، لكنهما تختلفان من حيث أن حجرة الدفن اتخذت اتجاها شرق- غرب وليس شمال- جنوب. من ثم يتكرر هذا الاتجاه المميز للمدافن المصرية فى مدافن الملوك الكوشيين. لجأ الملك بيَّا والكثيرون من خلفائه، فى سعيهم تقنين شرعيتهم لوراثة التاج المصري، الى استعادة تقاليد المملكة المصرية السالفة وشيدوا لأنفسهم أهراماً بداية فى الكرو ومن ثم فى نوري وأخيراً فى البجراوية ، لكنه تم الإقلاع عن هذا التقليد الوافد مع مرور الزمن، اذ بمجرد أن انقطعت العلاقات مع مصر قويت النزعة الى العودة مجدداً الى تقاليد الدفن الكوشية المحلية...الردميات التلية الفوقية كشواهد على قبور الملوك والأمراء والزعماء. رغم أن شكل مقبرة بيَّا قد تغير وكذلك خليفتيه شاباكا و شاباتاكا و زوجاتهم فإنهم دفنوا وفق عادات أسلافهم- على عنقريب لا فى تابوت. للأسف فإننا لا نمتلك معلومات عن كاشتا و تانوت امانى. المرة الأولى التى يظهر فيها تقليد الدفن فى تابوت كانت فى عهد تهارقا لكن ظل الدفن الشائع على عنقريب. تم الإقلاع نهائياً عن تقليد الدفن فى تابوت بمجرد انهيار مملكة مروى، وكانت عادة ما يسمى بمدافن شاتي التى لا بدَّ فيها للعبيد أن يرافقوا سيدهم الى العالم الآخر قد أطلت مجدداً بفترة قصيرة قبيل انهيار مروى. هكذا سادت فى كوش على مدى الآف السنوات طقوس محلية لدفن الموتى. تبدلت هذه الطقوس فقط فى فترة الحكام الأوائل للأسرة الخامسة والعشرين الذين فرضوا سيادتهم على مصر. إلا أن تأثير العادات المصرية لم يدم طويلاًً حيث تمَّ استبعادها عودة الى التقاليد القديمة. وبالقدر نفسه بقيت التقاليد الخاصة بوراثة العرش دون تعديل اذ استمر التعاقب على العرش من الأخ لأخيه ومن الأخير لابن أخته. كما واستمرت بقايا التنظيم الأمومي وهو ما انعكس فى التأثير الذى تمارسه الملكة الأم الكنداكة. الارا وخليفته كاشتا هما أول ملكين من ملوك نبتة تمَّ تثبيت اسميهما، لكننا لا نعرف عنهما أكثر من ذلك شيئاً. أما أسلافهما فإننا لا نعرف حتى أسماءهم حيث لم يتم العثور فى المدافن التلية وفى المساطب السابقة للملك بيَّا فى الكرو على أية نصوص أو حتى نقوش قصيرة. يظهر اسم الارا وكذلك اسم زوجته- أخته كاساكا فى مسلة ابنتهما زوجة بيَّا الأميرة تابيرى. لقبَّ الارا فى هذه المسلة بالزعيم "أورو" وهو اللقب نفسه الذى أطلقه عليه تهارقا فى مسلتين عثر عليهما فى كوة، وكان تهارقا ابن أخت الارا المبجل. بعد ذلك يُذكر الارا فى نصوص الملكين إيريكى أمانوتى 431–405 ق.م. و نستاسن 335– 310 ق.م. بوصفه ملكاً. على كل فان اسم الارا أحيط فى تلك النصوص بالخرطوش الملكى. هنا قد يثار سؤال حول الاختلاف فى لقبه خاصة وأنه تم التمييز فى مسلة بيَّا بوضوح بين ألقاب الزعيم، والحاكم، والملك. بالطبع فان إعطاء إجابة محددة فى الوقت الراهن غير ممكنة، لكن يبدو أنه خلال فترة الارا لم تكن عملية توحيد كوش قد اكتملت أو أنها كانت قد اكتملت للتو، ومن ثم لم يستطع الارا إطلاق لقب ملك على نفسه كما فعل ذلك بكل شرعية كاشتا ومن بعده بيَّا. اكتفى الارا بلقب أسلافه كما كان إبان المملكتين الوسطى والحديثة. لاحقاً ومع تثبيت الأسرة فان أحفاد الارا البعيدين أضفوا عليه شرف الملوكية مؤكدين فى الوقت نفسه إضفاء اللقب على أنفسهم مثبتين له. يصعب تحديد الامتداد الشمالي لمملكة نبته فى عهد الارا، وهناك احتمال بأن يكون جزء من النوبة السفلى، إن لم تكن كلها، تابعة له، أما حدودها الجنوبية فاحتمالاً أن تكون قد امتدت الى مروى (البجراوية) حيث وجدت مدافن تتطابق ومدافن الكرو يرجع تاريخها الى فترة الارا. قطعاً فان البطانة قد تمَّ استيعابها فى مملكة نبتة فى أيام كاشتا وبيََّا وهو ما تؤكد عليه الأسماء المروية، فقد كان اسم قائدين فى جيش بيَّا، ليميرسكنى وإريكتاكانا، كما أن محافظ مدينة طيبة المصريَّة فى فترة حكم بيََّا كان اسمه كلباسكن، وتتردد الأسماء المرَّوية بكثرة فى عهد الملك أسبالتا. وفى نقش عثر عليه فى سمنة ورد اسم ملكة كوشيَّة مبكرة هى كاديمالو (كاريمالا فى قراءة أخرى) مما يشير الى أن البطانة كانت قد أصبحت متحدة مع نبتة عبر التزاوج. وكان الباحث موركوت أشار الى أن نشوء مملكة نبتة كان نتاجاً للحرب الأهلية المندلعة بين المشيخات الكوشية المتصارعة على السلطة، ونتاجاً للتزاوج الأسري بين عدد من زعماء المشيخات المختلفة Morkot,1994 ونعتقد أن المعطيات المتوفرة حالياً تؤكد على احتواء البطانة تحت سلطة مملكة نبتة بفترة سابقة لاستيلاء نبتة على مصر. إنه ولانجاز مثل ذلك الاحتواء كان لا بدَّ من وجود إما تحالف سياسي أو تزاوج أسرى أو نشاط عسكري مكثف. لكن ما هى فوائد التوسع جنوباً؟ هل هى فقط الثروات الزراعية والرعوية الكامنة فى البطانة؟ نعتقد أنه بالإضافة الى كل ذلك فان السلع الترفية من أبنوس وعاج وجلود وما الى ذلك شكلت دوماً أهمية فى عمليات التبادل التجاري مع مصر وبقية العالم الخارجي. تشير سجلات التوسع الآشوري فى غرب آسيا الى السلع التى قدمتها مدن البحر الساحلية، من بين تلك توجد القرود وغيرها من السلع المجلوبة الغريبة، لكن الأبنوس والعاج وجلود الأفيال كانت الأهم من بينها. شهدت فترة القرن العاشر- الثامن ق.م. ازدهار صناعة العاج فى غرب آسيا فى كل المدن الفينيقية الساحلية ومدن شمال سوريا، ومعروف الآن أن الفيل السوري المحلى كان قد انقرض قبل ذلك التاريخ، ومن ثمَّ علينا أن نسأل عن مصدر ذلك العاج. تشير المادة الى أن العاج الذى صنع هناك هو من نوع الفيل الأفريقي الغابي. التجارة بين مصر ومدينة بيبلوس فى عصر الفرعونين ششنق الأول وأسركون الأول مشهودة، وكذلك فى أزمان لاحقة مع اشدود و سيدون و تير. غض النظر عما اذا كانت جلود الأفيال والعاج تجلب الى غرب آسيا عن طريق النيل الى مصر بداية أم مباشرة عبر طريق البحر الأحمر، فان المصدر كان لا بدَّ أن يكون سافانا السودان الأوسط. تثير الآثار الأشورية، التى لا تجد اهتماما فى الكتابات المتخصصة التى يسطرها علماء الدراسات المصرية المهتمين بتاريخ كوش، العديد من التساؤلات. تشير العديد من الأدلة الى الإسهام الأجنبي فى سلاح الفرسان والمركبات الحربية فى الجيش الأشورى، من بين تلك الأدلة نصوص تشير الى الجياد الكوشية كور- كو- ساسا المخصصة لجر المركبات الكبيرة، ووصفت النقوش المتأخرة تلك الجياد بأنها كبيرة الحجم. بالإضافة الى الجباد الكوشية أشارت النقوش الى عدة الجياد الكوشية، كما أشارت أيضاً لوجود الكوشيين فى البلاط الآشوري فى وقت مبكر من عهد تجلات بليسار كأخصائيين للخيول Morkot,1994. وباعتقادنا أن ربط الأدلة الكوشية بالأدلة الأشورية، والتى لن نسترسل هنا فيها، تشير الى أن الكوشيين كانوا يربون الجياد ويصدرونها، ويبدو أن إقليم دنقلا كان هو المكان الأمثل لمزاولة مثل هذا النشاط. يجب ألا ننسى أنه فى الأزمان الحديثة المبكرة كانت دنقلا مركزاً لتربية الجياد، وأن مك دنقلا دفع جزية لسلطان الفونج فى سنار جياداً. الأسرة الكوشية الخامسة والعشرون فى مصر:- سنحاول الآن مناقشة سيرة أسرة كوشية من الألفية المبكرة السابقة للميلاد. إنجازات واحد أو اثنين من أعضاء تلك الأسرة تمَّ ذكرها عموماً فى الأدب الخاص بالتاريخ القديم، ويمكن للقارئ المهتم بتاريخ وادى النيل أن يجد الأسماء نفسها فى الكتب الخاصة بتاريخ مصر القديم، فأسماء بيَّا، شاباكا، وشباتاكا، وتهارقا، وتانوت أماني تبدو عادية لأنهم حكموا مصر بوصفهم ملوكاً للأسرة الخامسة والعشرين حوالي 747–600 ق.م. أما أسماء أنلامانى، وأسبالتا، وإريكىأمانوتى، وهارسيوتف، ونستا سن وهم من ملوك كوش فيما بعد أزمان الأسرة الخامسة والعشرين فإنها ترتبط لدى علماء الدراسات المصرية بنقوش هيروغليفية ذات أسلوب غير عادى عدوه متوحشاً . إن تفسير ظهور الأسرة الكوشية وإنجازاتها السياسية والثقافية لازال متنوعاً فى الدراسات المتخصصة، فبعد فترة تميزت بالتقدير الحذر لما اعتقد بأنه إبداع كوشي فى الثقافة المصرية فى فترة الأسرة الخامسة والعشرين، فان كتابات حديثة عن المرحلة المتأخرة المصرية تميل الى إعادة تشكيل محددة لذلك التقدير، أو كما يقول أحد أولئك الكتاب "ان إعادة الأحياء الذى عد سابقاً ساييتى ومن ثم كوشي يمكن النظر إليه الآن بأنه بدأ فى مصر المنقسمة فى القرن الثامن قبل الميلاد" Leahy,1992 وفى حين نبدى اتفاقا مع مثل هذه العبارة، إلا أن نفياً كلياً لوجود تقاليد أو مظاهر كوشية فى ثقافة مصر فى عصر الأسرة الخامسة والعشرين يبدو غير مبرر. يظهر أن سوء الفهم الملازم لأبحاث المتخصصين فى الدراسات المصريَّة القديمة فيما يتعلق بالبينة الآثارية والوثائقية لتاريخ كوش إنما يأتى من الإهتمام غير الكافي بما هو غير مصري. فالمؤرخ المصري أكدَّ فى موسوعته لتاريخ مصر القديمة على خطل الرؤيَّة المنغلقة تلك وكتب قائلاً: "الواقع أن ملوك كوش الذين أسسوا لأنفسهم ملكاً عظيماً فى بلادهم قاموا بنهضة قومية شاملة فى مصر وكوش كان لها أثر بعيد فى إحياء وادى النيل ثانية وإعادة مجده القديم، بعد أن ظل خاملاً عدة قرون فى أعقاب سقوط الدولة الحديثة. وقد تناول هذا الإحياء النواحي الدينيَّة والاقتصادية والاجتماعية والفنية جميعاً. والواقع أن ملوك كوش الذين تتألف منهم الأسرة الخامسة والعشرين قاموا جميعاً على رأس تلك النهضة التى تعد بحق آخر محاولة فى الأزمان القديمة لاسترداد عزة مصر وكرامتها". ويستمر سليم حسن قائلاً بأن فن النحت فى عهد الملك الكوشي شاباكا "قد أخذ يزدهر بصورة جلية اذ أخذ الفنانون ينحتون التماثيل للملوك وعظماء القوم بما يحاكى الطبيعة الخالية من كل زخرف، وفى أعمار متفاوتة، فلدينا تماثيل لبعض رجال الدولة تصورهم فى الشباب والكهولة والشيخوخة بما فيهم من معايب ومحاسن سليم حسن 2000 هكذا يربط سليم حسن ظهور المدرسة الواقعية فى الفن المصري بالتأثيرات الكوشية. ونلمح هنا الى أن ظهور الواقعيَّة فى الفن لا بدَّ وأنه ارتبط بوجود قدر من الحريات الفكرية التى تتيح للفنانين التعبير بحرية ودون قيود تفرضها السلطة السياسية. تعاقب ملوك كوش:- إن تعاقب الملوك الكوشيين الذين أسسوا الأسرة الخامسة والعشرين فى تاريخ مصر القديمة متفق عليه الآن ولا خلاف فى ذلك، لكن لازال هناك عدم اتفاق بشأن التواريخ، الإشارة الدقيقة الوحيدة واردة فى نص فى سيرابيوم يثبت وفاة تهارقا فى السنة نفسها التى اعتلى فيها بسامتيك الأول العرش، أي سنة 636 ق.م. وبما أن تهارقا حكم على مدى 26 سنة تصبح سنة اعتلائه العرش هى 689 ق.م. حالياً يكاد معظم الباحثين يقرون الجدول التاريخي الآتي لتسلسل حكام هذه الأسرة الكوشية الذين حكموا مصر: أواخر القرن الثامن ق.م. كاشتا 751-716 بيَّا 716-701 شاباكا 701-689 شاباتاكا 689-661 تهارقا 663-600 تانوت أمانى انعكست نشاطات فراعنة الأسرة الخامسة والعشرين فى سلسلة من المصادر المتنوعة، ونعرف عنهم أكثر مما نعرف عن الملوك اللاحقين لهم، فبمقارنة نصوص شاباكا، وشابتاكا، وتهارقا، وتانوت أماني بحوليات الملوك الآشوريين وبالمقتطفات المتفرقة من الكتاب المقدس، وأيضاً ما يمكن استنباطه من الآثار المعمارية والفنية، يمكننا فى الكثير من الحالات أن نميط اللثام عن الواقع التاريخى. فلقد ظلت لوقت طويل غير واضحة سلسلة النسب لملوك الأسرة الخامسة والعشرين، ولاشك أن مثل هذه السلسلة تشكل أهمية بالنسبة لتحديد التواريخ وتواتر الأحداث وهو ما تم تحديده، ولو بصورة غير نهائية فى بعض الجزئيات. # المراجع:- L.Török, The Emergence of the Kingdom of Kush and her Myth of the State in the First Millennium B.C.,-In: F.Geus (assembled): ‘Nubia Thirty Years Later’. Pre-publication of main papers, Society for Nubian Studies eighth Internatinal Conference, Sept,1994. Lille. И.С.Кацнельсон, Напата и Мероэ древние государства Судана. Москва R.Morkot, The Foundations of the Kushite State: a response to the paper of Laszló Török. In: F.Geus (assembled): Nubia Thirty Years Later. Society for Nubian Studies Eighth International Conference 11-17 septembre 1994, pre-publication of main papers. Lille. A.Leahy, Royal Iconography and Dynastic Change, 750-525 BC: The Blue and Cap Crowns.- Journal of Egyptian Archaeology 78. سليم حسن 2000، موسوعة مصر القديمة، الجزء الحادى عشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 [CENTER](( بيَــا )) أو "بعنخي" والسيطرة الكاملة على مصــر[/CENTER] كان بيَّا هو الأول من ملوك نبتة الذى أضفى على نفسه مجمل مركب الألقاب الفرعونية المصرية، وهى ألقاب أخذ ثلاثة منها عن ألقاب الفرعون المصري تحتمس الثالث المنقوشة بتكرار فى معبد جبل البركل، وكان بيَّا محقاً فى اتخاذ ذلك الإجراء طالما أنه قد فرض سيطرته الفعلية على التاج المصري المزدوج، وهكذا تبدل المصير التاريخى حيث ورث بيَّا تحديداً اسم ذلك الفرعون الذى قدر له أن ينجز استعمار كوش فى عهد المملكة المصرية الحديثة السابق. نكاد لا نعرف شيئاً عن العشرين سنة الأولى من حكم بيَّا تقريباً، ويبدو أنه، كما هو الحال فى كوش، تم تثبيته فى العرش بعد انتخابه من النخبة الكهنوتية وموافقة الشعب شأنه شأن الملوك الكوشيين الذين أعقبوه، ويقول بيَّا فى هذا الخصوص: "الآلهة تصنع الملك، والناس يصنعون الملك، إلا أن امون قد جعلني ملكاً". لا يوجد فى نص مصري واحد ما يفيد بأن للشعب الحق فى تثبيت ملك جديد فى العرش. يتحدث بيَّا بقدر من الغموض عن كيفية إنجازه عملية توحيد كوش: "وهبني امون النبتى حق حكم جميع البلدان، فمن أقل له كن ملكاً يكن ملكاً، ومن أقل له لا تكن ملكاً لا يكون، ووهبني امون فى طيبة حكم مصر، فمن أقل له فلتصعد متوجاً يتوج، ومن أقل له لا تصعد متوجاً لا يتوج، وكل من منحته حمايتي لا يخشى على مدينته، ولن أقوم بحال باحتلالها". إذا صح تأريخ ريزنر لهذا النص فإنَّ ذلك قد يشير الى أنَّ بيَّا كان قد سيطر، قبل حملته على مصر والتى خلدها فى السنة الحادية والعشرين لحكم، بقوة على جزء من مصر وهى سيطرة ورثها عن كاشتا، أما اذا كان تأريخ ريزنر غير صحيح بحيث يكون النص قد وضع بعد عودة بيَّا من حملته فان ذلك إنما يعنى أن الحديث يدور عن حكام الدلتا وأمرائها الذين أخضعهم وهم من تعرض لهم بيَّا بإسهاب فى حولياته، لكن سواء فى هذه الحالة أو تلك فان بيَّا قد أخضع كافة الزعماء المحليين فى مصر وكوش على حد سواء. وبعد إخضاع كوش واحتمالا السلام الطويل الذى أعقب ذلك فى الأطراف الشمالية لمصر العليا الى الجنوب من الفيوم تمكن بيَّا من التفرغ للنشاط المعماري وبدأ فى تزيين عاصمته نبتة وقام بتشييد المعبد الرائع فى جبل البركل بدلاً عن المعبد القديم الأصغر حجماً، كما استكمل بناء المعبد الذى كان قد بدأ فى تشييده كاشتا. فى السنة الحاديَّة والعشرين لحكمه، حوالي 730 ق.م.، قاد بيَّا بنجاح حملة الى مصر خلد انتصاره الناجم عنها فى حولياته التى كتبت بلغة مصرية رصينة بالخط الهيروغليفي. لكن ما هى الأسباب التى دفعت بيَّا الى تنظيم تلك الحملة؟ قطعاً لم تكن تلك الحملة نتاج طباع سلوكية ولا بفعل أسباب دينية ولا إرضاء لحب ألذات، تفسير أسبابها لا بدَّ من البحث عنه فى سياسة بيَّا التى اتبعها فى مستعمرته المصرية، ذلك أنه اكتفى بما حققه من نجاح سابق وما ناله من هدايا وغنائم وما فرضه من جزية، فجعل الإشراف على إدارة الدلتا أمراً تنهض به طيبة البعيدة الى الجنوب فى حين غفل هو راجعاً الى عاصمته الحبيبة نبتة تاركاً الدلتا تحت سيطرة حاكمها تف نحت. ويبدو أن هذا الأخير استغل عودة بيَّا الى كوش فبدأ فى تهديد أمن الممتلكات الكوشية فى مصر العليا، متحالفاً مع ملوك وأمراء الشمال، ولم يصدر عن بيَّا أى رد فعلٍ بل تركهم يزحفون الى الجنوب حتى استولوا على هيراكليوبولس، عندها أمر الفيلق الكوشى المرابط فى منطقة طيبة بالتصدى لهم عند الإقليم الخامس عشر كما أرسل التعزيزات العسكرية: "فاستدعى جلالته القادة العسكريين والضباط الموجودين فى مصر، وهم باروما و ليميرسكنى وسائر ضباط جلالته القائمين فى مصر، وقال لهم: اتخذوا وضع الاستعداد، وخوضوا المعركة، والتفوا حول العدو وحاصروه! وأأسروا رجاله ومواشيه وسفنه النهريَّة! وامنعوا المزارعين من التوجه الى الحقول، والفلاحين من حرث الأرض! اضربوا الحصار حول إقليم الأرنب وقاتلوا العدو كل يوم بلا هوادة!" ويستمر النص ليوضح التزام القادة الكوشيين بأوامر مولاهم بيَّا: "وهذا ما فعلوه: وأرسل جلالته جيشاً الى مصر، وأوصاهم مشدداً بالتعليمات التالية، لا تنقضوا على العدو ليلاً وكأنكم تلعبون وتلهون، ولا تحاربوا إلا وأنتم مبصرون، وخوضوا ضده المعركة دون الاقتراب منه! واذا قال لكم: انتظروا المشاة وسلاح المركبات القادمة من مناطق أخرى! فتريثوا لحين وصول جيشه، ولا تبدأوا المعركة إلا عندما يطلب ذلك، واذا كان حلفاؤه فى مدينة أخرى فاصدروا الأوامر بالإنتظار حتى يصلوا، وحاربوا فى المقام الأول القادة العسكريين المصاحبين له كحلفاء، وحرسه الخاص من الليبيين، وعند استعراض الجيش لا ندرى لمن نوجه الحديث، فنقول: أيا أنت أسرج أفضل ما فى إسطبلك من جياد وهئ نفسك للمعركة! عندئذ سوف تعرف اننا رسل امون!" وينصح بيَّا قواته قائلاً: "اذا بلغتم طيبة و وقفتم أمام ابت سوت اغمروا فى الماء وتطهروا فى النهر وارتدوا الكتان النقي، وحطوا الأقواس والقوا السهام جانباً، لا تتباهوا بأنكم أصحاب سلطة فى حضرة الذى بدون رضاه ليس للشجاع قدرة، فيجعل الضعيف قوياً ، والجموع تتراجع أمام القلة وتعود أدراجها ويتغلب الفرد على ألف! وتبللوا بماء هياكله، وقبلوا الأرض بين يديه وقولوا له: أرشدنا الى الطريق، فلنحارب فى ظل قوتك! ولتكن معارك المجندين الذين بعثت بهم مظفرة، وليستولى الرعب على الجموع عندما تواجههم. ويبدو أن القوات الكوشية حاصرت القوات المصرية المتحالفة وأجبرتها على خوض المعركة، فارضة عليها الاحتماء بمدينة هرموبولس التى تم ضرب الحصار عليها, فقط حينها توجه بيَّا بنفسه الى مسرح العمليات متوقفاً فى طريقه للاحتفال بالعام الجديد فى الكرنك، وكان غرض بيَّا من ذلك مزدوجاً، فمن جانب أراد أن يعلن للملأ اعتراف امون به ملكاً، ومن جانب ثانٍ استهدف إضعاف القوات المصرية المُحاصرة بإطالة أمد الحصار تدميراً لروحها المعنوية. وأثناء ذلك اجتاحت قواته مصر الوسطى، ووصل الى هرموبولس فأخضع ملكها نمرود كما استسلمت مدينة هيراكليوبولس دون أن تنتظر استيلاء بيَّا عليها واعترف حاكمها بولاية بيَّا فى خطاب مشحون بالعبارات الأدبية جاء فيه: "تحية لك أيَّا حورس، أيها الملك القوى، إنك الثور الذى يقاتل الثيران! لقد استحوذت الدات (أى العالم السفلى) علىَّ وغمرتني الظلمات، فهل لي أن أمنح وجهاً كوجهك المشرق! لم أجد من يناصرنى وقت الشدة، ولكن بفضلك أنت وحدك أيها الملك القوى انقشعت الظلمات من حولي! فأنا وجميع ممتلكاتي فى خدمتك، وتدفع مدينة ننى سوت الضرائب لجهازك الإداري، فأنت بالتأكيد خوراختى، حور الأفقين الواقف على رأس الخالدين، وبقدر بقائه تبقى أنتَّ ملكاً، وكما أنه خالد لا يموت فأنت أيضاً خالد لا تموت، أيا بيَّا يا ملك الوجهين القبلي والبحري، لك الحياة الى الأبد". بعدها توجه بيَّا الى الشمال واستولى دون مقاومة على القلعة التى شيدها اوسركون الأول لمراقبة مدخل الفيوم، ثم زار مدينة هليوبولس لأداء الشعائر التقليدية التى تقام للإله امون وقدم القرابين فوق تل الرمال، ويسرد النص أن بيَّا اتجه الى "مقر رع فى موكب رهيب، فدخل المعبد وسط تهليل الحاضرين والكاهن المرتل يتعبد للإله لإبعاد أعداء الملك، ثم اقيمت شعائر بردوات وربط العصابة الملكية، وتطهر جلالته بالبخور والماء. ووقف الملك بمفرده، وكسر ختم المزلاج وفتح مصراعى الباب وشاهد والده رع فى قصر البن بن المقدس ومركب النهار المخصصة لرع ومركب المساء المخصصة لأتوم، ثم أغلق مصراعي الباب ووضع الطين وختم الملك بخاتمه الخاص، وأصدر تعليماته للكهنة قائلاً: لقد قمت أنا شخصياً بوضع الختم، لن يدخل المكان أحد سواى ممن يدعون أنهم ملوك، وانبطحوا على بطونهم فوق الأرض قائلين: ثابت أنت ودائم، فليحي حورس محبوب رع، الى الأبد! دخولاً الى مسكن أتوم". أما تف نخت قائد المتمردين فقد أرسل الى الملك المنتصر بيَّا رسولاً ليتفاوض نيابة عنه وحملَّه رسالة الى بيَّا جاء فيها: "ألم يهدأ قلب جلالتك بعد كل ما ألمَّ بى بسببك؟ أجل انى بائس، ولكن لا تعاقبنى بقدر الجرم الذى ارتكبته، أنت تزن بالميزان وتحكم طبقاً للوزنات! وفى إمكانك مضاعفة جرمي أضعافاً مضاعفة، ولكن ابق على هذه الحبَّة، وسوف تعطيك حصاداً وفيراً فى الوقت المناسب، لا تقتلع الشجرة من جذورها! إن كاءك (روحك) تثير الرعب فى أحشائي وترتعد أوصالي من شدة الخوف! ومنذ أن علمت باسمي لم أجلس فى بيت الجعة (إندايَّة) ولم أستمع الى عزف الجنك، لقد أكلت وشربت ما يكفى فقط لرد جوعى وإطفاء ظمئى. وصل الألم الى عظامي، وأسير عارى الرأس مرتدياً الأسمال حتى تعفو الآلهة نيت عنى. لقد فرضت على السير مسيرات طويلة، أنت تلاحقنى على الدوام، فهل أسترد حريتى ذات يوم؟ طهر خادمك من ذنوبه، ولتنتقل ممتلكاتي الى الخزينة العامة، وكافة ما أملك أيضاً من ذهب وأحجار كريمة وأفضل جيادي وكافة تجهيزاتى، أرسل رسولك ليطرد الخوف من قلبى وأذهب فى صحبته الى المعبد ليطهرني القسم الالهى". وأرسل له بيَّا بالفعل كبير الكهنة المرتلين يرافقه القائد العكسرى الكوشي باورما حيث أقسم تف نخت أمامها فى المعبد القسم الالهى التالي: "لن انتهك المرسوم الملكى ولن أتهاون فى أوامر صاحب الجلالة، ولن أسلك سلوكاً مذموماً فى حق قائد عسكري فى غيابه وسوف أتصرف فى حدود الأوامر الصادرة من الملك دون أن اخرق ما أصدره من مراسيم، عندئذ أعلن صاحب الجلالة موافقته". بعد تلك الانتصارات ثبت بيَّا حكام الدلتا المصريين كل فى إقليمه متجنباً إعطاء الكثير للذرية الليبية لفراعنة مصر القدماء مستثنياً واحداً منهم فقط هو نمرود بوصفه متحدثاً نيابة عنهم. ويصف النص وصول أولئك الحكام لأداء فروض الطاعة والولاء: "لَّما أضاءَّ الأرض نهار جديد، حضر عاهلا الجنوب وعاهلا الشمال والصل على جبينهم وقبلوا تراب الأرض أمام قوة صاحب الجلالة. وهكذا جاء ملوك وقادة الشمال ليشاهدوا بهاءَ جلالته، وكانت سيقانهم ترتعش وكأنها سيقان نسوة، ولكنهم لم يدخلوا الى مسكن الملك حتى لا يدنسوه بالنظر الى أنهم لم يختنوا ولأنهم يأكلون السمك. أما الملك نمرود فقد دخل مسكن الملك إذ كان طاهراً ولا يأكل السمك". ومن ثم قرر بيَّا العودة الى نبتة وكان أن: "حُملت السفن بالفضة والذهب والأقمشة وسائر خيرات الشمال وكل ثمين وسائر كنوز سوريا وعطور بلاد العرب، وأقلعت سفن صاحب الجلالة صوب الجنوب وكان جلالته منشرح القلب، وعلى الجانبين كان الأهالي على شاطئ النهر يهللون من نشوة الفرح، وأخذ الجميع -شرقاً وغرباً- كلما بلغهم النبأ ينشدون عند عبور صاحب الجلالة أنشودة فرح وابتهاج، تقول الأنشودة: أيها الأمير القوى، أيها الأمير القوى، أيا بيَّا، أيها الأمير القوى! ها أنت تتقدم بعد أن فرضت سيطرتك على الشمال، إنك تحول الثيران الى إناث! طوبى لقلب المرأة التى أنجبتك! وطوبى لقلب الرجل الذى من صلبك! وأهل الوادي يحيونه فلتحي الى الأبد، فقوتك خالدة أيهُّا الأمير المحبوب من طيبة". ما هى الأسباب التى دفعت بيَّا الى العودة الى نبتة بدلاً عن البقاء فى مصر وإدارة المملكة الكوشية وممتلكاتها المصرية من طيبة؟ انطلاقا من مسلة النصر التى تعرضنا أعلاه لتفاصيلها واضح أن بيَّا نجح فى فرض سيطرته الكاملة على كل مصر، لكنه فضلَّ ألا يحكمها شخصياً بصورة مباشرة، ومن ثم لجأ الى إتباع سياسة منح الحكم الذاتي للمصريين تاركاً السلطات الإدارية بأيدي الحكام المحليين الذين أدوا له قسم الطاعة والولاء، مكتفياً بالإشراف الفعال على منطقة طيبة والطرق الغربية حتى الواحة الداخلة على الأقل. يبدو لنا أن فهم تلك الأسباب لا بدَّ وأن نبحث عنه فى طبيعة الدولة الكوشية نفسها، ذلك أننا كنا قد أشرنا الى نظام الإدارة الكوشية القائم على أساس مشيخات أوإمارات تابعة لنبتة، كما هو الحال فى مملكة كرمة السابقة وفى مملكة مروى لاحقاً وفى الممالك المسيحية فى القرون الوسطى بل حتى فى مملكة الفونج الاسلامية. وفيما يبدو أن هذا الشكل من التنظيم الإداري الكوشي ارتبط بوجود إحساس قوى بضرورة نشوء وحدة سياسية فى إطار الاعتراف بالتنوع الإثنى الثقافي المميز للبلاد منذ فجر تاريخها. هكذا ينقل لنا هيرودوت حديث الملك أمانى ناتاكى لبتى 538- 519 ق.م. للجواسيس الذين بعثهم قمبيز الفارسي الى كوش "إن ملك الإثيوبيين (أى الكوشيين) له نصيحة يود أن يسديها الى قمبيز ملك الفرس، عندما يتمكن الفرس من شد الأقواس التى هى من هذا الحجم بسهولة كما أفعل هكذا، حينها يمكنهم أن يأتوا للحرب بقوة ضاربة، لكنه يتوجب عليه أن يكون ممتناًَ للآلهة أنها حتى الآن لم تضع فى عقول أطفالها الإثيوبيين أن يمتلكوا أرضاً هى ليست لهم” [انظر نص هيرودوت . بقى بيَّا فى ذاكرة خلفائه الحاكم المؤسس لعظمة كوش وعزتها وقوتها وهى الدولة التى أسسها أسلافه، وأصبح اسمه كناية للملك. فى فترة حكمه خلق بيَّا الظروف التى سمحت لأخيه وخليفته شاباكا 716-701 ق.م. لا أن يبسط سيطرته الكاملة على مصر فحسب بل أن يصعد على مسرح السياسة الدولية فى تلك الفترة. على الأرضية الصلبة التى أرساها بيَّا بلغت كوش فى العقود اللاحقة درجة غير مشهودة من العظمة. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 [CENTER]نصوص هيرودوت الواردة مأخوذة عن الترجمة العربية المبينة أدناه وستكون الصفحات المشار إليها وفق ما وردت فى الترجمة تاريخ هيرودوت ترجمة عبدالإله الملاح مراجعة د. أحمد السقاف و د. حمد بن صراي المجمع الثقافي، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، 2001[/CENTER] [CENTER]نص هيرودوت حول الكوشيين[/CENTER] [CENTER]الكتاب الثاني الصفحات 144-146[/CENTER] الحق أنني لم أجد أحداً ممن تحدثت إليهم، مصرياً كان أم ليبياً أم اغريقياً، يملك أي قدر من المعرفة بمنابع النيل، سوى ذلك الكاتب، حافظ سجلات كنوز معبد أثينا فى مدينة سايس المصرية. ولكن بدا لي حتى هذا الشخص، على ادعائه بسعة المعرفةن رجلاص لا يطمئن الى دعاواه. فقد أخبرني أن بين ساينى، بالقرب من طيبة والألفنتين، جبلين شكلهما مخروطي يعرف أحدهما بجبل كروفي والآخر موفي، وبينهما توجد منابع النيل تتفجر من أعماق سحيقة، ويتجه نصف الماء شمالاً نحو مصر، والنصف الآخر يمضي جنوباً الى إثيوبيا وقد قال إن ما يثبت أن منابع النيل لا قرار لها ما فعله ملك مصر بسامتيك حين حاول قياس عمق غرارها بحبل طوله عدة آلاف قامة (القامة ستة أقدام) فلم يبلغه. ويرجح لديّ أنه، إذا كان لهذه الرواية أي قدر من الحقيقة، فهى دليل على وجود دوامات وتيارات قوية فى الينابيع، سببها ارتطام المياه بالجبال، مما حال دون بلوغ نهاية الحبل قاع الينبوع. وكان هذا غاية ما بلغني من أمر ينابيع النيل من الرواة. وإني إنما تحدثت عن المنطقة حتى ألفنتين بلسان شاهد العيان، أما جنوب تلك الناحية فقد تحدثت عنه كما بلغني برواية الرواة. وجل ما بلغ علمي أن الأرض تعلو بعد ألفنتين ولا بدًّ من ربط جانبي القارب هناك بحبل، فيكون كاللجام للثور، لئلا يفلت ويطيح به التيار. وهكذا تمضي الرحلة طوال أربعة أيام، يتسع النهر بعدها ويغدو كنهر المايندر. وطول المنطقة اثنتا عشرة شوينة. وهنا تبلغ سهلاً فسيحاً منبسطاً، يتفرع فيه النيل الى فرعين، عند جزيرة تدعى تاكومبسو. والمنطقة جنوب ألفنتين مسكونة بالإثيوبيين الذين يملكون أيضاً نصف جزيرة تاكمبسو والنصف الآخر للمصريين.وما وراء الجزيرة ثمة بحيرة كبيرة يسكن على ضفافها البدو الإثيوبيين. وإذا تجاوزت البحيرة عدت ثانية الى مجرى النيل الذى يصب عندئذ فى البحيرةز وهنا تحط أحمالك وتمضي أربعين يوماً سيراً على ضفاف النهر، لتعذر ركوبه بسبب الصخور التى يظهر بعضها فوق الماء، وبعضها الآخر يبقى تحت الماء، فإذا تجاوزت ذلك القسم من النهر خلال أربعين يوماً انتهى بك المسير، لتركب القارب ثانية وتمضى اثني عشر يوماً آخر لتصل الى بلدة عظيمة تسمى مروي التى يقال أنها عاصمة الإثيوبيين وهؤلاء يعبدون إلهين، دون سواهما، زيوس (آمون) وديونيسوس ( أوزريس). ولهذين الإلهين عند الإثيوبيين أعظم مقام. وقد أقام القوم هناك معبداً لزيوس (آمون). وهو الذى يوجه الإثيوبيين الى الحرب، فإذا قال العراف بها، حمل القوم السلاح ومضوا حيث أمر. وإذا غادرت هذه البلدة، وركبت النهر من جديد مدة تعادل الزمن الذى أمضيته للوصول من ألفنتين الى هذه العاصمة، صادفت "الفارون"، ويعرفون بالأزماخ، ومعنى هذه الكلمة فى لساننا الواقفون على يسار الملك. وهؤلاء جنود مصريون، يبلغ عددهم مئتين وأربعين ألفاً، وقد انتقلوا الى صف الإثيوبيين فى عهد الملك بسامتيك. وقصة فرارهم هى كما يلي: أقام المصريون يومذاك ثلاث حاميات، احداها فى مدينة ألفنتين فى مواجهة الإثيوبيين، والأخرى فى بيلوسوم ودافناي لمواجهة السوريين والعرب، والثالثة فى ميريا، أمام الليبيين. وما زالت هذه المواقع قائمة فى أيامنا، ويقوم عليها الفرس، ولهؤلاء قوات مقيمة فى دفناي وألفنتين. ولقد صادف أن احدى هذه الحاميات ظلت تخفر الموقع، دونما استبدال طوال ثلاث سنوات، فكان ذلك سبباً فى ثورة الجند والرحيل الى إثيوبيا. فلما بلغ خبرهم بسامتيك جهز حملة لمطاردتهم. وكان أن جرت له مقابلة معهم، وحاول حملهم على العودة ثم استرضاهم، ورجاهم ألا يتخلوا عن آلهة بلدهم ويهجروا أزواجهم وأولادهم. فرد عليه أحدهم، وأشار بيده إشارة غير لائقة، قائلاً :"كلا، إننا لن نعود، والنساء لا ينضبن فهن كثيرات، ولا ريب أننا واجدون أزواجاً وأطفالاً لنا حيثما حللنا". ولما بلغ هؤلاء الجند أرض إثيوبيا وضعوا أنفسهم فى خدمة الملك، فأقطعهم أرضاً كانت لبعض الإثيوبيين الذين فقدوا الحظوة لديه، وأمرهم بطرد سكانها لتكون لهم. وكان من شأن هذه المستوطنة أن جعلت أخلاق المصريين وعاداتهم تشيع بين الإثيوبيين وتهذب من طباعهم وأساليبهم فى الحياة. وهكذا عرفنا مجرى النيل فى مصر، وعلى مدى رحلة من أربعة أشهر، إن فى ركوب النهر أو المسير براً، بعد حدود مصر، وهو الزمن الذى تستغرقه الرحلة من ألفنتينا حتى بلاد الفارين. والنهر يتجه هناك من الغرب الى الشرق. أما بعد ذلك فليس ثمة من يملك معلومات مؤكدة عن أحوال البلاد، إذ أنها تخلو من السكان، فلا يستقر فيها إنسان لشدة الغيظ فيها. -------------------------------------------------------------------------------- [CENTER]الكتاب الثالث الصفحات[/CENTER] كان قمبيز قد خطط لثلاث حملات: الأولى ضد القرطاجيين، والثانية تتجه الى الأمونيين، والثالثة الى الإثيوبيين المعمرين الذين يعيشون الجزء من ليبيا الذى يجاور المحيط الجنوبى. وقد اعتزم أن يرسل أسطوله لمحاربة قرطاجنة، وجزءاً من قواته البرية للهجوم على الأمونيين، أما بالنسبة للإثيوبيين فقد قرر إرسال الجواسيس بحجة تقديم الهدايا لملك إثيوبيا، فى حين أن الغرض الحقيقي وراء ذلك جمع أكبر قدر من المعلومات، لكنه أراد بشكل خاص معرفة ما إذا ما كان يطلق عليه "مائدة الشمس" حقيقة أم لا. وقصة مائدة الشمس أن هناك مرجاً يقع فى أطراف المدينة، يحتفظ فيه بمؤونة كبيرة من اللحم المسلوق من أنواع الحيوانات كافة، ومن واجب الحكام المحليين سلق اللحم ووضعه هناك فى الليل، وفى النهار بإمكان أي شخص أن يتناول ما يشاء من هذه اللحوم. ويقول سكان البلاد ان اللحم يأتي من الأرض بشكل تلقائي وهو هدية الأرض لهم. بعد أن تقرر ارسال الجواسيس، بعث قمبيز الى ألفنتين لاستقدام بعض الرجال الايكتيوفاجي (أكلة السمك) الذين يعرفون اللغة الاثيوبية، وفى الوقت ذاته أصدر أوامره للأسطول بمهاجمة قرطاجنة. لكن الفينيقيين رفضوا تنفيذ المهمة، بسبب الأواصر التى تجمعهم بالقرطاجنيين، ولأن شن الحرب ضد أبنائهم إثم شر لا يمكن أن يقترفوه. ولما كانت بقية القوات البحرية أضعف من أن تقوم بالحملة بدون الفينقيين، فقد أفلتت قرطاجنة من قبضة الفرس، إذ أن قمبيز رأى أنه من غير المناسب الضغط على الفينقيين لدفعهم الى المشاركة فقد كانوا يخدمون فى أسطوله طواعية، وقواته البحرية تعتمد عليهم كل الاعتماد. وكذلك القبارصة تبرعوا بتقديم خدماتهم الى الفرس واشتركوا فى الحملة على مصر. أرسل قمبيز الرجال الذين تم استدعاؤهم من ألفنتين الى إثيوبيا، وأعطيت لهم التعليمات بما سيقومون به، وحملوا هدايا قمبيز الى ملك إثيوبيا وكانت ثوباً قرمزي اللون وطوقاً ذهبياً وأساور وعلبة من المرمر بداخلها صمغ المر، وجرة من نبيذ النخيل. ويقال إن الإثيوبيين- محور هذا الاهتمام كله- هم أطول وأجمل شعوب الأرض قاطبة. ويتميزون بقوانينهم وأعرافهم، وأغربها طريقتهم فى اختيار ملوكهم، ذلك أنهم يختارون أطول الرجال وأقواهم ليصبح ملكاً عليهم. وصل سفراء قمبيز أكلة السمك الى إثيوبيا وقدموا هداياهم الى الملك ومعها الكلمات التالية: "لقد أرسلنا قمبيز ملك فارس رغبة منه فى صداقتكم والتحالف معكم، وهذه الهدايا التى حمًّلنا إياها احبُّها الى نفسه". إلا أن ملك إثيوبيا كان يعلم أنهم جواسيس، فأجابهم: "لم يرسلكم ملك الفرس محملين بالهدايا لحرصه على صداقتي، لقد أتيتم بهدف جمعالمعلومات عن مملكتي، انكم كاذبون وملككم غير عادل. فلو كان لديه أي احترام لما هو حق، لما اشتهى مملكة غير مملكته، أو استعبد شعباً لم يقترفف بحقه أي ذنب. قدموا له هذا القوس وقولوا له إن ملك إثيوبيا ينصحه بأنه عندما يستطيع الفرس شد قوس بهذه القوة وهذا اليسر، فليحشدوا عندها جيشاً من الأبطال الصناديد وليغزوا بلاد الإثيوبيين المعمرين. والى أن يحين الوقت فليشكر الآلهة لأنها لم تدخل فى عقول الإثيوبيين أمر اجتياح الدول الأخرى". ثم نزع وتر القوس، وقدمه لهم، والتقط الثوب القرمزي وسألهم ماذا يكون وكيف يصنع. ولما وصف له الرجال الصباغ وكيف يكون، علق على ذلك بأنهم مخادعون وهذا الثوب المصبوغ خدعة أيضاً. ثم سأل عن السلاسل الذهبية والأساور، ولما أجابوه بأنها تستخدم للزينة ضحك وقال بأن لديه أقوى منها، لأنه كان يعتقد بأنها قيود. ثم سأل عن صمغ المر، وبعد أن سمع وصفه وطيب رائحته عند التدليك به، كرر لهم ما قاله فى الثوب القرمزي. وأخيراً وصل الى النبيذ وبعد أن علم مراحل تصنيعه، شرب بعضاص منه فوجده لذيذ المذاق. ثم سألهم عما يأكل ملك الفرس؟ وما هو أقصى عمر يبلغه المعمر فى بلاد فارس؟ ولدى سماعه وصف الطبيعة هناك وزراعة القمح، وأن ملك فارس يتناول الخبز، وأن الفرس لا يتجاوزون سن الثمانين إلا فيما ندر ، قال انه ليس من المستغرب وفاة أي شخص يتناول الروث فى سن مبكرة كهذه، وأضاف أنه ما من شك فى وفاتهم فى سن أبكر لولا هذا الشراب الذى يمدهم بالطاقة، وهنا أشار الى النبيذ، وهو الشئ الوحيد الذى أقر للفرس بالتفوق فيه. وسأل المبعوثون بدورهم الملك عن سن الوفاة فى إثيوبيا وماذا يأكل الشعب؟ فقيل لهم ان معظمهم يعيش ليبلغ المائة والعشرين، وان بعضهم يتجاوز ذلك، وانهم يأكلون اللحم المسلوق ويشربون الحليب. ولما أعرب الرجال عن دهشتهم فى أن يتمكن الإنسان من بلوغ مثل هذه السن المتقدمة، اصطحبهم الى نبع تفوح منه رائحة البنفسج وتجعل بشرة المستحم فى مياهه تتلألأ وكأنه استحم بالزيت. ويقال ان مياه هذا النبع قليلة الكثافة لدرجة انه ما من شئ يطفو فوق سطحها، بما فى ذلك الخشب أو أي مادة أخف منه، إذ تغوص جميعها الى الأعماق. فإذا كانت هذه الرواية صحيحة فإن استخدام الإثيوبيين المستمر لهذه المياه هو ما يجعلهم يعمرون. بعد زيارة النبع قادهم الملك الى السجن حيث شاهدوا السجناء مقيدين بالسلاسل الذهبية، ذلك أن البرنز فى إثيوبيا هو المعدن الأكثر ندرة والأغلى ثمناً. وبعدها ذهبوا الى معاينة مائدة الشمش. وفى النهاية تم اصطحابهم لرؤية التوابيت، والتى يقال انها مصنوعة من زجاج الكريستال، وفى الدفن يقومون بتجفيف جثمان الميت إما بالطريقة المصرية أو ربما بطريقة أخرى، ثم يحاط الجثمان بالجص الملون ليصبح مشابهاً للشخص فى حياته، ثم يوضع فى اسطوانة من الكريستال مجوفة من الداخل وتغلق باحكام. والكريستال متوفر لديهم بكميات كبيرة ويصنعونه بسهولة. ويمكن رؤية الجثمان بوضوح داخل الأسطوانة، ولا توجد رائحة كريهة، أو ما يدعو للإزعاج، ويقوم أحد أبناء عمومة المتوفى بالاحتفاظ بالأسطوانة فى منزله لمدة عام كامل، ويقدم لها بواكير الفاكهة والأضحيات، وبعدها توضع بالقرب من المدينة. بعد ما رأى الجواسيس كل ما استطاعوا رؤيته، عادوا الى مصر لتقديم تقريرهم الذى أغضب قمبيز لدرجة أنه بدأ زحفه باتجاه إثيوبيا، دون أن يهتم بتوفير المؤونة لجيشه، أو يفكر بأنه سوف يأخذ رجاله الى آخر الدنيا؛ فسماعه هذا التقرير قد أفقده عقله تماماً. مثل رجل مصاب بلوثة ذهب على رأس قوة من الجنود المشاة تاركاً وراءه الجنود الإغريق الذين كانوا يخدمون تحت إمرته. وعندما وصل الى طيبة، أرسل قوة من خمسين ألف رجل للهجوم على الأمونيين واستعبادهم، واحراق معبد زيوس (آمون). ثم تابع مسيره الى إثيوبيا ومعه بقية قواته، الذين نفدت مؤونتهم بعد أن عبروا خمس المسافة التى تفصلهم عن إثيوبيا. فاضطر الرجال الى قتل دوابهم لتأمين الطعام إلا أنها نفدت هى الأخرى. ولو أن قمبيز عندما رأى هذا الوضع قد عاد أدراجه، لأظهر شيئاً من الحكمة بالرغم من الخطأ الأساسي الذى ارتكبه، إلا أنه لم يهتم بما حدث واستمر فى تقدمه، وللبقاء على قيد الحياة اقتات الجنود بالعشب المتوفر فى الريف لكنهم حينما وصلوا الصحراء أصبحوا يأكلون بعضهم إذ يختارون بالقرعة واحداً من بين عشرة رجال ليصبح طعاماً لهم. وكان هذا أكثر من قدرة أي إنسان على الاحتمال، حتى قمبيز نفسه عندما جاءته التقارير بهذا الأمر، تخلى عن فكرة الحملة على إثيوبيا وقفل راجعاً ووصل طيبة بعد أن تقلصت قواته الى حد كبير. ومن طيبة ذهب الى ممفيس وسمح للإغريق بالابحار الى وطنهم. وهكذا انتهت الحملة على إثيوبيا. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 [CENTER]أمانى ريديس 740 ق.م.[/CENTER] كانت أمانى ريديس أميرة كوشية وابنة للملك كاشـتا. فى حوالي سنة 740 ق.م.، وصلت الى مصر بصحبة أخيها بيَّا (بعانخي) وأصبحت "زوجة" للإله آمون الطيبي فى مصر. هناك أقلعت عن استخدام اسمها الكوشى (وهو غير معروف) واتخذت لنفسها الاسم المصري "أمانى ريديس" (الذى يعنى: ما يخلقه آمون، فإنها تهبه). وبالرغم من أنه لم يكن بمقدورها أن تتزوج رجلاً من الأحياء غير الخالدين، فانها أصبحت "الزوجة الإلهية" على مدى أربعين عاماً. كانت من حيث المرتبة فى وضع ملكة وإلهة حية. كانت مسئولة عن مصر العليا نيابة عن أخويها بيَّا وشباكا وابني أخويها شبتاكا وتهارقا. أصبحت ابنة أخيها بيَّا " شبينوت" زوجة الإله آمون التالية بعدها. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 [CENTER]شباكا "شباكو" 716- 702 ق.م.[/CENTER] كان شباكا أخاً لـ بيَّا. أصبح ملكاً لكوش ومصر بعد وفاة بيَّا. غالباً ما تكون مراسم تتويجه قد جرت فى نبتة. عندما ثار أمراء شمال مصر، أعاد غزو مصر وجعل ممفيس عاصمة للبلاد. ولأن شباكا كان الملك الكوشي الأول الذى جعل مصر مقراً له، فإن الأجيال اللاحقة اعتقدت بأنه مؤسس الأسرة الخامسة والعشرين المصرية. لدى وفاته، حنط جثمانه احتمالاً فى مصر، ونقل الى آلاف الأميال جنوباً ليجد مثواه الأخير فى هرمه الصغير فى جبانة الأسرة بالقرب من نبته فى الكرو جنباً الى جنب مع أسلافه. # (شاباكا) و(شاباتاكا)، والصراع مع "آشور":- خلافاً لأخيه الملك بيَّا وجد شاباكا نفسه مضطراً للبقاء فترات أطول فى شمال مصر مقيماً فى منف لكن بدون أن يفقد كامل سيطرته على طيبة ونبتة، اذ تجلت فى عهده الأطماع الأشورية وتزايد الخطر المحدق بأطراف مملكته الشمالية، وقد كانت أخته أمنارديس خير مساعد له من منصبها بوصفها عابدة الإله بالإضافة الى قيامه بتعيين ابنه خارماخيس كاهناً أعظماً لامون. وقد أصبحت كوش ومصر فى عهد شاباكا بمثابة مملكة متحدة، ووضع شاباكا التاج المصري المزدوج على رأسه، وهكذا نجد الملك الآشوري سارجون يشير إليه بملك كوش ومصر. وإذا كان فراعنة مصر قد نظروا الى كوش حين كانت تابعة لممتلكاتهم نظرة دونية وسموها كوش اللعينة، فإننا نجد أن الملوك الكوشيين كانوا أكثر إنسانية فنظروا الى مصر التى فتحوها ووضعوا تاجيها على رؤوسهم نظرة جد مختلفة، فعاملوا أهلها خير معاملة وصبروا صبراً شديداً على حكام الدلتا المتآمرين دوماً، ولم يتوانوا فى تقديم الهدايا الثمينة للمعابد المصرية، ولم يتأخروا عن أداء الخير بما جعلهم يكسبون دعم ومباركة المُجمع الكهنوتي المصري، وفى الواقع لا توجد إشارة الى ممارسة الملوك الكوشيين العنف والقسوة إلا مرة واحدة، وهى المذكورة فقط فى عمل المؤرخ المصري مانيثو، عندما اضطر شاباكا لحرق ملك سايس المتمرد بوكخوريس. إذا كانت الأوضاع السياسية قد فرضت على شاباكا الاهتمام بالمناطق الشمالية لممتلكاته، واحتمالا أن يبقى هناك فترات أطول، فان نبتة ظلت هى العاصمة للمملكة وفيها كان القصر الملكى، وفيها دفن ملوك الأسرة الكوشية الخامسة والعشرين وأعضائها. خضع زعماء القبائل الذين يمثلون النخب المحلية لملوك نبتة إما مباشرة أو احتمالا عبر حكام المناطق المختلفة. ووفر إقليم دنقلا- كريمة منتجات كافيَّة لتغطية احتياجات سكان العاصمة، بل ووفر فائضاً غطى إحتياجات الجيش حتى فى الفترة السابقة لاحتلال الكوشيين لمصر. ورغم أنه بعد موت بوكخوريس أصبح شاباكا الملك الوحيد الذى يضع التاج على رأسه فى مصر السفلى فان التوحيد الشامل لم يصل الى مداه، ذلك أن الحكام المصريين فى أقاليم الدلتا الوسطى والشرقية ظلوا يتمتعون بقدر كبير من الاستقلال. ويبدو أن هذا الظرف كان واحداً من الأسباب التى جعلت شاباكا حذراً فى علاقاته مع أشور التى كانت جيوشها فى تلك الفترة على أبواب دولة يهودا، فارتأى شاباكا عدم الدخول فى مناوشات مع الملك الآشوري سارجون الثانى ومن ثم سلمه أشودا إمعنى، المتمرد الذى استولى على السلطة فى مدينة أشدود الفلسطينية الواقعة شمالي عسقلان وثار على أشور، والذى التجأ الى مصر طلباً للحماية، ولو أن شاباكا ظل غير راض عن سقوط آخر مدينة تشكل حاجزاً بينه وبين الآشوريين، ويبدو أنه بتسليمه إمعنى قد نجح فى التوصل الى إبرام اتفاق دبلوماسي مع الآشوريين. وتحت إحساسه بعدم استقرار الأوضاع فى الدلتا حاول شاباكا كسب دعم النخبة الكهنوتية للإله بتاح فى منف والإلهة تاست فى بوباستس وغيرهم. السيرة الطيبة عن شاباكا ظلت باقية حتى عصر البطالسة حيث احتفظ أحد شوارع مدينة منف باسم شاباكا، بل حتى أيام هيرودوت ظلت شخصية هذا الملك تنال حقها من التبجيل، وهو تبجيل تحدث عنه ديودور الصقلي، وقبل عام أو اثنين من وفاته جعل شاباكا ابن أخيه شاباتاكا نائباً له. المعلومات المتوفرة عن شاباتاكا شحيحة، لكننا نعرف أنه استدعى أخاه الأصغر تهارقا للقدوم الى مصر بجيشه من كوش، فى إشارة الى أنه قرر اختيار خط متشدد فى سياسته الخارجية واتخاذ مواقف أكثر صلابة من مواقف سلفه. ويبدو أن شاباتاكا قرر تقديم الدعم العسكري لحكام سوريا وفلسطين فى صراعهم ضد الغزاة الآشوريين الذين انشغلوا فى المعارك التى خاضوها فى وسط زاجروس ضد دولة اورارتو. وفى عام 704 ق.م. اعتلى عرش أشور الملك سنحاريب خلفاً لسارجون واغتنم ملوك فينيقيا وفلسطين الفرصة لإعلان تمردهم، وكانت حينها صيدا بقيادة لوللى، وعسقلان بقيادة صدقيا، ومملكة يهوذا تحت حكم حزقيا. واستجاب شاباتاكا لطلب المساعدة الذى تقدم به حزقيا، فأرسل حملة عسكرية بقيادة أخيه تهارقا بينما كان سنحاريب يزحف على عسقلان بعد أن طرد لوللى من صيدا. إلا أن جيش تهارقا قد هزم من قبل الملك الآشوري سنحاريب الذى أشار الى أن ذلك الجيش تألف من حكام مصريين بالإضافة الى النبالين و الفرسان وجنود المركبات التابعين لملك كوش، بل وتمادى سنحاريب مزهواً بالنصر الذى حققه ليصف الملك الكوشى فى خطابه الذى وجهه الى حزقيا قائلاً له: "ما الاتكال الذى اتكلت، قلت إنما كلام الشفتين مشورة وبأس حرب، والآن على من اتكأت وعصيت أوامري. فالآن هو ذا قد اتكأت على عكاز هذه القصبة المرضوضة، على مصر التى إذا توكأ أحد عليها دخلت فى يده وثقبتها. هكذا هو فرعون ملك مصر لجميع المتكلين عليه" [سفر الملوك الثانى، الإصحاح 18 : 19-21] أما الجيش الثانى الذى أرسله شاباتاكا بقيادة تهارقا فانه لم يخض معركة ضد الآشوريين وذلك بفعل مرض فتاك انتشر بين الجنود الآشوريين وأدى الى موت 18.500 جندي. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-01-2006 [CENTER]شبتاكا "شبيتكو" 702- 690 ق.م.[/CENTER] شبتاكا (الذى وجد اسمه أحياناً فى صيغة شيبتكو) كان ابناً اما لـ بيَّا أو لـ شباكا، ولازال علماء الآثار فى حالة عدم يقين حول الموضوع. بمجرد أن اعتلى العرش وأصبح ملكاً وجد نفسه يواجه أزمة تمثلت فى الغزو الأشوري القادم من شمال العراق للأراضي الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. أحس شبتاكا بأن أرضه أصبحت مهددة، بالتالي ضم قواته مع ملوك اسرائيل والأقاليم المحيطة بهدف محاولة وقف الزحف الأشوري. بل أنه أرسل طالباً المزيد من القوات لجيشه من الوطن، أى من كوش، ونصب تهارقا (ابن أخيه) قائداً للجيش. ورغم أن جيش شبتاكا لم يتمكن من هزيمة الأشوريين، فإن الغزاة اضطروا للتراجع عندما ألم بجنودهم مرض أدى الى موت العديد منهم. أدى ذلك الى انقاذ مصر. توفى شبتاكا غالباً فى مصر. دفن فى جبانة الأسرة مع أسلافه فى الكرو بالقرب من نبتة. # (شاباكا) و(شاباتاكا) والصراع مع " آشور ":- خلافاً لأخيه الملك بيَّا وجد شاباكا نفسه مضطراً للبقاء فترات أطول فى شمال مصر مقيماً فى منف لكن بدون أن يفقد كامل سيطرته على طيبة ونبتة، اذ تجلت فى عهده الأطماع الأشورية وتزايد الخطر المحدق بأطراف مملكته الشمالية، وقد كانت أخته أمنارديس خير مساعد له من منصبها بوصفها عابدة الإله بالإضافة الى قيامه بتعيين ابنه خارماخيس كاهناً أعظماً لامون. وقد أصبحت كوش ومصر فى عهد شاباكا بمثابة مملكة متحدة، ووضع شاباكا التاج المصري المزدوج على رأسه، وهكذا نجد الملك الآشوري سارجون يشير إليه بملك كوش ومصر. وإذا كان فراعنة مصر قد نظروا الى كوش حين كانت تابعة لممتلكاتهم نظرة دونية وسموها كوش اللعينة، فإننا نجد أن الملوك الكوشيين كانوا أكثر إنسانية فنظروا الى مصر التى فتحوها ووضعوا تاجيها على رؤوسهم نظرة جد مختلفة، فعاملوا أهلها خير معاملة وصبروا صبراً شديداً على حكام الدلتا المتآمرين دوماً، ولم يتوانوا فى تقديم الهدايا الثمينة للمعابد المصرية، ولم يتأخروا عن أداء الخير بما جعلهم يكسبون دعم ومباركة المُجمع الكهنوتي المصري، وفى الواقع لا توجد إشارة الى ممارسة الملوك الكوشيين العنف والقسوة إلا مرة واحدة، وهى المذكورة فقط فى عمل المؤرخ المصري مانيثو، عندما اضطر شاباكا لحرق ملك سايس المتمرد بوكخوريس. إذا كانت الأوضاع السياسية قد فرضت على شاباكا الاهتمام بالمناطق الشمالية لممتلكاته، واحتمالا أن يبقى هناك فترات أطول، فان نبتة ظلت هى العاصمة للمملكة وفيها كان القصر الملكى، وفيها دفن ملوك الأسرة الكوشية الخامسة والعشرين وأعضائها. خضع زعماء القبائل الذين يمثلون النخب المحلية لملوك نبتة إما مباشرة أو احتمالا عبر حكام المناطق المختلفة. ووفر إقليم دنقلا- كريمة منتجات كافيَّة لتغطية احتياجات سكان العاصمة، بل ووفر فائضاً غطى إحتياجات الجيش حتى فى الفترة السابقة لاحتلال الكوشيين لمصر. ورغم أنه بعد موت بوكخوريس أصبح شاباكا الملك الوحيد الذى يضع التاج على رأسه فى مصر السفلى فان التوحيد الشامل لم يصل الى مداه، ذلك أن الحكام المصريين فى أقاليم الدلتا الوسطى والشرقية ظلوا يتمتعون بقدر كبير من الاستقلال. ويبدو أن هذا الظرف كان واحداً من الأسباب التى جعلت شاباكا حذراً فى علاقاته مع أشور التى كانت جيوشها فى تلك الفترة على أبواب دولة يهودا، فارتأى شاباكا عدم الدخول فى مناوشات مع الملك الآشوري سارجون الثانى ومن ثم سلمه أشودا إمعنى، المتمرد الذى استولى على السلطة فى مدينة أشدود الفلسطينية الواقعة شمالي عسقلان وثار على أشور، والذى التجأ الى مصر طلباً للحماية، ولو أن شاباكا ظل غير راض عن سقوط آخر مدينة تشكل حاجزاً بينه وبين الآشوريين، ويبدو أنه بتسليمه إمعنى قد نجح فى التوصل الى إبرام اتفاق دبلوماسي مع الآشوريين. وتحت إحساسه بعدم استقرار الأوضاع فى الدلتا حاول شاباكا كسب دعم النخبة الكهنوتية للإله بتاح فى منف والإلهة تاست فى بوباستس وغيرهم. السيرة الطيبة عن شاباكا ظلت باقية حتى عصر البطالسة حيث احتفظ أحد شوارع مدينة منف باسم شاباكا، بل حتى أيام هيرودوت ظلت شخصية هذا الملك تنال حقها من التبجيل، وهو تبجيل تحدث عنه ديودور الصقلي، وقبل عام أو اثنين من وفاته جعل شاباكا ابن أخيه شاباتاكا نائباً له. المعلومات المتوفرة عن شاباتاكا شحيحة، لكننا نعرف أنه استدعى أخاه الأصغر تهارقا للقدوم الى مصر بجيشه من كوش، فى إشارة الى أنه قرر اختيار خط متشدد فى سياسته الخارجية واتخاذ مواقف أكثر صلابة من مواقف سلفه. ويبدو أن شاباتاكا قرر تقديم الدعم العسكري لحكام سوريا وفلسطين فى صراعهم ضد الغزاة الآشوريين الذين انشغلوا فى المعارك التى خاضوها فى وسط زاجروس ضد دولة اورارتو. وفى عام 704 ق.م. اعتلى عرش أشور الملك سنحاريب خلفاً لسارجون واغتنم ملوك فينيقيا وفلسطين الفرصة لإعلان تمردهم، وكانت حينها صيدا بقيادة لوللى، وعسقلان بقيادة صدقيا، ومملكة يهوذا تحت حكم حزقيا. واستجاب شاباتاكا لطلب المساعدة الذى تقدم به حزقيا، فأرسل حملة عسكرية بقيادة أخيه تهارقا بينما كان سنحاريب يزحف على عسقلان بعد أن طرد لوللى من صيدا. إلا أن جيش تهارقا قد هزم من قبل الملك الآشوري سنحاريب الذى أشار الى أن ذلك الجيش تألف من حكام مصريين بالإضافة الى النبالين و الفرسان وجنود المركبات التابعين لملك كوش، بل وتمادى سنحاريب مزهواً بالنصر الذى حققه ليصف الملك الكوشى فى خطابه الذى وجهه الى حزقيا قائلاً له: "ما الاتكال الذى اتكلت، قلت إنما كلام الشفتين مشورة وبأس حرب، والآن على من اتكأت وعصيت أوامري. فالآن هو ذا قد اتكأت على عكاز هذه القصبة المرضوضة، على مصر التى إذا توكأ أحد عليها دخلت فى يده وثقبتها. هكذا هو فرعون ملك مصر لجميع المتكلين عليه" [سفر الملوك الثانى، الإصحاح 18 : 19-21] أما الجيش الثانى الذى أرسله شاباتاكا بقيادة تهارقا فانه لم يخض معركة ضد الآشوريين وذلك بفعل مرض فتاك انتشر بين الجنود الآشوريين وأدى الى موت 18.500 جندي. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-02-2006 [CENTER]الفرعون السوداني الثامن (( تهارقا )): 690-664 ق.م.[/CENTER] كان تهارقا أحد أبناء ( بيَّا ) وغالباً ما كان شقيقاً لـ ( شبتاكا ). طلب( شبتاكا ) من ( تهارقا ) تولي قيادة الجيش وهو لازال فى سن العشرين. كان تهارقا محارباً عظيماً وخاض غمار العديد من المعارك ضد الأشوريين. وعندما توفى شبتاكا، أصبح تهارقا ملكاً وتم تتويجه فى مصر. ومع أن تهارقا لم ير والدته منذ أن كان صغيراً، لكنه أكد على ضرورة حضورها مراسم تتويجه. تحصل الآثاريون على الكثير من المعلومات من نقوش حجرية تم العثور عليها فى كل من السودان ومصر. وقد كتب أعداؤه الأشوريون عنه أيضاً، وذكر مرتين فى الكتاب المقدس الذى سماه ترهاقا -وهو النطق الخاطئ الذى نال شيوعاً ووجب تصحيحه كما نوهنا فى الصفحة الرئيسة-.. فى حوالي 684 ق.م. ارتفع منسوب النيل خلال فيضانه السنوي بصورة غير معهودة من قبل. وقد جلب ذلك محصولاً استثنائياً انعكس ايجاباً على ثراء المملكة. أمر تهارقا بتشييد العديد من المشروعات، وأعاد مجدداً بناء العديد من المعابد. كانت السنوات الأولى لحكمه قد شهدت ازدهاراً هائلاً، لكن السنوات الختامية شهدت كوارث. ففى حوالي 671 ق.م. بدأ الأشوريون فى شن الهجمات على مصر بصورة متكررة سنوياً. فى البداية حققت قوات تهارقا انتصاراً فى المعارك، لكن الأشوريون سرعان ما تمكنوا من السيطرة على هجمات القوات (الكوشية - المصرية). احتل الأشوريون "ممفيس" وأسرت قواتهم زوجة تهارقا وابنه. تراجع تهارقا الى نبتة حيث توفى هناك فى سنة 664 ق.م. ودفن فى جدبانة جديدة أنشأها فى نوري. بلغ ارتفاع هرمه 150 قدماً وكان الأكبر من بين الاهرام التى شيدت فى كوش. # تهارقا ومجد كوش:- بوفاة شاباتاكا ودفنه فى جبانة الكرو أصبح تهارقا ابن كل من بيَّا وابار ملكاً متوجاً، والأكثر شهرة من بين ملوك الأسرة الخامسة والعشرين. فكما ذكرنا فان تهارقا كان قد تمَّ استدعاءه من كوش الى مصر بجيشه ولم يكن عمره حينها قد تجاوز العشرين. إتجه تهارقا أولاً الى "طيبة" ومنها الى "منف". اللافت للانتباه أننا نعرف الكيفية التى أصبح بها تهارقا ملكاً متوجاً على مصر فى حين نجهل الكيفية التى توج بها فى كوش نفسها. فالواضح أنه عندما غادر "نبتة"، كما يتضح ذلك من مسلته من العام السادس لحكمه، لم يكن ملكاً بعد. بعد اعتلائه العرش فى مصر يبدو أن تهارقا قرر أن تكون إقامته فى الدلتا بمدينة "تانيس" وهو ما يشير الى ظروف فرضت عليه مثل ذلك الخيار. أيضاً يبدو أن تهارقا قرر إتباع سياسة مع حكام الدلتا المتمردين تمثلت فى أخذ زوجاتهم رهائن الى كوش، حيث سجل فى أحد النقوش فى معبد كوة: "جعلت زوجات حكام (أورو) مصر السفلى خادمات فى المعبد". لا شك أن الحروب والانتفاضات فى الإمبراطورية الآشورية قد ألهت (سنحاريب) ومن بعده (اسارحادون) فى أيام حكمه الأولى عن غزو مصر مما أباح لتهارقا الفرصة للانشغال بالنشاطات المدنية وتمكن من تشييد الكثير من المعابد فى كل من كوش ومصر كما لم يتسن لأسلافه القيام به. تفاصيل تلك الأعمال المعمارية الهائلة لن نخوض فيها حالياً. لكن نقول أنه قياساً بحجم الهدايا والهبات التى قدمها تهارقا لمعبد امون فى كوة، وقياساً بأعمال البناء التى وجه بإجرائها هناك فانه كان يمتلك قدراً هائلاً من الثروة، ثروة توفرت للدولة من الضرائب المفروضة على المواطنين فى كل من كوش ومصر بالإضافة الى العمل المكثف فى مناجم الذهب فى الصحراء الشرقية. وكان من بين الهدايا العديد من المصنوعات والمواد الآسيوية المجلوبة الى كوش من بينها خشب الارز والبرونز الآسيوي، وهى موضوعات غالباً ما يكون قد تم اقتناءها عن طريق التجارة ذلك أن مرتفعات لبنان ما كانت فى تلك الفترة تحت سيطرة الكوشيين. امتدت حدود مملكة نبته فى عهد تهارقا جنوباً حتى مكان يقال له (رتيهو قابت) (؟)، وفى الشمال حتى مكان فى آسيا يقال له (كبح حور)، ولازال الموقع الفعلى للمكانين غير محدد. فى بداية عهده بلغت المملكة أوج ازدهارها وقوتها، ويحتمل أن تكون أعمال صهر الحديد فى مروى (كبوشية الحالية) قد بدأت فى أيامه حيث فرضت ظروف الصراع العسكري المستمر مع الإمبراطورية الآشورية العمل على تطوير صناعة الأسلحة. وكما هو واضح من النصوص التى تم الكشف عنها فى كوة فان اقتصاد المعابد شهد ازدهارا، وأصبحت المعابد فى كوش، كما هو حالها فى مصر، مراكز علمية، ووجد فى معبد امون بكوة أربعة منجمين استطاعوا تحديد الوقت بحركة الأفلاك بمساعدة أجهزة متخصصة. ويلاحظ أن كل المسلات فى كوة يرجع تاريخها الى العشر سنوات الأولى من عهد تهارقا، أى الفترة من 689 حتى 679 ق.م. هل كان ذلك مجرد صدفة؟ لا نعتقد ذلك إذ أنه بعد مقتل سنحاريب الآشوري فى انقلاب داخل القصر تولى ابنه اسارحادون السلطة فى عام 681 ق.م. وبدأت مجدداً التهديدات الآشورية تطال الممتلكات الكوشية فى مصر مما فرض على تهارقا الاهتمام بحماية حدود مملكته الشمالية فى شرقي الدلتا، وهو ما أدى الى تحجيم الدعم المالى والعينى الذى يقدمه للمعابد. ويبدو أن اسارحادون أدرك أنه طالما بقيت القوة الكوشية مسيطرة على مصر فان سيادة الامبراطورية الأشورية على سوريا وفلسطين لن تستقر، ولذلك قام فى عام 647 ق.م.، بمجرد أن قضى على المقاومة فى سوريا، بمحاولة الهجوم على الكوشيين فى مصر لكنه مُنىَّ بالهزيمة. وعاود الكرة مرة ثانية بعد ثلاثة أعوام فشن هجوماً حقق نجاحاً بفضل المساعدة التى قدمتها له زعامات قبائل البدو ومدَّ جيشه بالجمال تمكيناً له من عبور صحراء سيناء ليصل الى منف ويحاصرها ويحتلها بعد أن أجلى عنها تهارقا الذى خلف زوجاته وأطفاله فى المدينة ليقعوا فى الأسر. أما حكام الدلتا المصريين فقد أعلنوا عن ولائهم للغازي الجديد القادم من الجزيرة الفراتية. ويقول اسرحادون بخصوص نصره: "ضربت الحصار حول مدينة ممبى (منف) المقر الملكى، واستوليت عليها قبل مرور نصف يوم بواسطة الأنفاق الأرضية والثغرات التى فتحت فى أسوار المدينة وسلالم الإقتحام. ونقلت المغانم الى أشور، ومن بينها الملكة وحريم القصر واوشى ناحورو الوريث الرسمي و أبناءه الآخرون وممتلكاته والعديد من جياده ودواب الحمل والماشية والقطعان، وأبعدت جميع الكوشيين الى خارج البلاد ولم ابق على واحد منهم ليقدم لى فروض الطاعة والولاء، وحل محلهم فى ربوع مصر ملوك وحكام وضباط ومراقبو موانئ وموظفون وإداريون جدد.". خلد اسارحادون انتصاره فى لوحتين الأولى فى (زنجريلى) والثانية فى (نار الكلب)، وصور اسارحادون فى الأولى وهو يقف أمام تهارقا الجاثي على ركبتيه، وفى الثانية أمام ابن تهارقا اوشى ناحورو. إلا أن انتصار اسارحادون لم يدم طويلاً اذ عاد تهارقا مجدداً الى "منف" فى عام 669 ق.م. وهو ما فرض على الملك الآشوري أن يجهز جيشاً لاستعادة مصر لكنه توفى وهو فى طريقه الى هناك وتوقفت تلك الحملة نتيجة ذلك. فى عام 666 ق.م. قرر ابن اسارحادون الملك (أشور نيبعل) فرض سيطرته على مصر مجدداً مما دفع تهارقا الى التراجع من منف الى طيبة. ومات تهارقا فى عام 663 ق.م. والصراع بين الإمبراطورية الآشورية ومملكة نبتة على أشده للسيادة على مصر. ورغم أن تهارقا كان قد تعرض للهزيمة مرتين وأجبر على التراجع أمام الجيوش الآشورية فان التحدارات التاريخية تنظر إليه واحداً من الملوك الفاتحين العظماء، هكذا نجد أن (سترابو) ذكر تهارقا فى المرتين اللتين تعرض فيهما لأعمال أعظم الملوك الفاتحين فى القدم مشيراً الى أن تهارقا قد وصل حتى "أعمدة هرقل". كما أن نصوص الكهنة المصريين، والتى لم تجد الاهتمام من قبل علماء الدراسات المصرية القديمة، تتحدث عن تهارقا العظيم الذى عدوه ملكاً حتى فى ظل السيادة الآشورية. ولا ننسى أن تهارقا فى السنوات العشر الأولى لحكمه جعل من مصر دولة مزدهرة اقتصاديا وهو ما جعل ذكراه طيبة لدى المصريين. كما ان الحوليات التى دونت فى عصره بأخبار فيضان النيل الذى حدث فى العام السادس لحكمه، وبلغ ارتفاعه مستوى خطيراً كاد ينقلب الى كارثة لولا العناية الإلهية، على حد تعبيره، التى حولت الفيضان لفائدة العباد. واحتفالاً بهذه المناسبة نصب تهارقا المدونات المتماثلة فى "تانيس" بمصر وفى "كوة" بكوش وفى مدن مصرية وكوشية أخرى جاء فيها: "أيَّا امون يا أبى، ياربَّ عرشي القطرين. لقد أنعمت علىَّ بأربع معجزات فى غضون سنة واحدة، وهو العام السادس من تتويجي ملكاً، عندما فاض النيل ليبلغ مستوى يمكن أن يسبب انجراف المواشي وإغراق سائر البلاد، ولكن ظلت المناطق الريفية جميلة على مد البصر، ولم يسمح لرياح الجنوب أن تقضى عليها، وماتت القوارض والزواحف وطردت أسراب الجراد. وهكذا استطعت أن أحصد حصاداً وفيراً بكميات لا تقدر من أجل بيت الغلال المزدوج". السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-02-2006 [CENTER]الفرعون السوداني التاسع (( تانوت أماني )): (664 - 653) ق.م.[/CENTER] ويسمى أيضاً (تانوت أمن) وقد كان أحد أبناء شباكا. أصبح ملكاً بعد وفات عمه تهارقا. بعد أن تراجعت أشور عن مصر قام بغزو مصر مجدداً كما فعل والده وجده بيَّا من قبل. وصف الغزو سجل فى مسلة (أى لوح حجري حفر فيه نقش) عثر عليها فى "جبل البركل" وتوجد الآن فى المتحف المصري بالقاهرة. يصف تانوت أماني فى تلك المسلة مراسم تتويجه فى جبل البركل. ويكتب أيضاً عن حلم رآه. فى ذلك الحلم يقول تانوت أماني أنه رأى أفعتين، واقتنع بأن الأفعتين مثلتا أفعتي التاج الملكي لكوش ومصر، واعتقد بأن حلمه يشير الى أنه سيحكم كل من كوش ومصر.. وقد نجح فى تحقيق حلمه ولو أن ذلك كان لفترة قصيرة لم تتجاوز السنتين. عندما علم الملك الأشوري (أشوربانيبال) بأن الكوشيين أعادوا سيطرتهم على مصر جن جنونه وأرسل على الفور جيشاً جراراً للإنتقام. تراجع تانوت أماني الى كوش فهاجم الأشوريون مدينة "طيبة" فى جنوب مصر وقتلوا العديد من الناس ونهبوا أماكنها المقدسة. بعد ذلك لم تطأ أقدام الملوك الكوشيين مصر. استمر تانوت أماني ملكاً فى كوش حتى وفاته حيث دفن فى جبانة الأسرة فى الكرو. عثر الآثاريون على حجرات دفن رائعة فى مدفنه. التمثال الوحيد لهذا الملك عثر عليه فى "جبل البركل" ويوجد حالياً فى متحف (توليدو للفنون الجميلة)، ولكن للأسف -بدون رأس-. # تانوت أمانى وفقدان السيادة على مصر:- [SIZE=4]أمر تهارقا بتشييد أهرامه فى \"نورى\" غير البعيدة عن نبته فى أكثر موقع ارتفاعا، ويبدو أن السبب من وراء ذلك هو عدم وجود مكان مرتفع فى جبانة الكرو على الضفة المواجهة للنيل حيث ترقد رفات أسلافه. والمؤسف أن مدفن تهارقا، مثله مثل مدافن أسلافه، قد تعرض للنهب التام فى القدم، ولم يتبق من جثمان هذا الملك -الذى عمت شهرته الآفاق وورد اسمه مرتين فى الكتاب المقدس- سوى أجزاء من عظام رجليه، ولم يبق من المرفقات الجنائزية فى مقبرته إلا عدد غير كبير من الأواني المصنوعة من الحجر وبعض التماثيل الجنائزية. وكان تهارقا بوقت قصير قبل وفاته، احتمالا فى السنة الأخيرة من عمره، قد عين ابن أخيه (تانوت أمانى) نائباً له، ولازال الاختلاف قائما عما اذا كان الأخير ابناً لـ (شاباكا) أم (شاباتاكا)، إلا أن الباحثين المتخصصين فى دراسة هذه الفترة تحديداً يعتقدون بأنه كان ابناً لشاباتاكا. عن اعتلاء تانوت أمانى تحدثنا المسلة التى اشتهرت باسم (لوح الحلم) -والذى عثر عليه مع ألواح ملوك كوش الآخرين فى جبل البركل فى عام 1862، ويرجع تاريخ اللوح لفترة بعد اعتلائه العرش-، يشير اللوح الى حلم شاهده الملك: "وفى عام تتويج جلالته رأى فى المنام أفعيين ضخمتين واحدة على يمينه والأخرى على يساره، فاستيقظ جلالته وبحث عنهما دون جدوى. وتسائل جلالته: ماذا حدث؟ فقدم له البعض هذا التفسير: إن البلاد فى قبضتك، وبقى أن تفتح شمالها أنهما السيدتان اللتان ظهرتا فوق رأسك لتمنحاك البلاد دون منازع". وتشير عبارات اللوح الى أن تانوت أمانى بمجرد سماعه نبأ وفاة عمه تهارقا عاد الى كوش من مصر العليا حيث تم تتويجه ملكاً فى نبتة، وغادر بعد التتويج الى مصر وزار معبد (الإله خنوم) فى طيبة وغادرها متجهاً الى الشمال حيث كانت الأوضاع معقدة، ذلك أن حكام الدلتا بعد أن ذاقوا الأمرين من الحكم الآشوري كرروا، كما فعلوا على أيام تهارقا، طلبهم للملوك الكوشيين أن أنقذونا من الاستبداد الآسيوي، الذى حرمهم من الاستقلال فى إدارة ممتلكاتهم وهو استقلال تمتعوا به فى ظل سيادة الملوك الكوشيين على مصر. ما حدث فى أعقاب ذلك نعرف عنه من حوليات الملك الآشوري أشور بن بعل الذى أرسل جيشاً لاستعادة سيطرته على مصر وخاض معركة مع الكوشيين فى أطراف منف هُزم فيها الكوشيون وتراجعوا الى طيبة وتتبعتهم القوات الآشورية الى هناك حيث تمكن الأخيرون من دخول المدينة وتدميرها وتراجع تانوت امانى الى كوش. ولم نعد نعرف شيئاً عن سنوات حكمه الأخيرة، وتوفى فى حوالى سنة 653 ق.م. ودفن فى جبانة الكرو، وبوفاته تنتهي السيطرة الكوشية على مصر وتنتهي معها الأسرة الخامسة والعشرين. ما هى الأسباب التى أدت الى هزيمة الكوشيين فى صراعهم مع الإمبراطورية الآشورية للسيادة على مصر؟؟ 1) إن ملوك نبتة الذين عدوا أنفسهم الورثة الشرعيين للتاج المصرى ادعوا أيضاً شرعية سيادتهم على الممتلكات المصرية السابقة فى سوريا وفلسطين وهو ما يفسر التحركات النشطة لشاباكا وشاباتاكا وتهارقا فى مناطق أصبحت تابعة للإمبراطورية الآشورية التى أضحت القوة العسكريَّة الكبرى فى الشرق فى تلك الفترة. إلا أن الملوك الكوشيين لم يمتلكوا لا القوة العسكرية الهائلة ولا الموارد البشرية والماديَّة التى تمكنهم من الصمود طويلاً فى مواجهة القوة الآشورية الضاربة. 2) اضافة إلى أن حكام الدلتا بدلاً عن أن يقدموا الدعم للقوات الكوشية ظلوا على العكس يشكلون مصدر إضعاف لها بدخولهم فى صراعات فيما بينهم انشغل الملوك الكوشيين بالسيطرة عليها طوال الوقت. # مملكة نبتة بعد التراجع من مصر:- [SIZE=4]للأسف فان فترة القرنين السابع والسادس قبل الميلاد والتى تمَّ خلالها نقل العاصمة من نبتة الى مروى (كبوشية- البجراوية) لازالت ضعيفة التوثيق لشح المعلومات، معروفة فقط أربعة نقوش ترجع ثلاثة منها الى ملك واحد بالإضافة الى عدد غير كبير من النقوش المصرية المقتضبة. فقط بفضل أعمال التنقيب فى المدافن الملكية فى نبتة ومروى أمكن تحديد تعاقب الملوك الذين أعقبوا تانوت امانى، وبهذا القدر أو ذاك تثبيت تواريخ حكمهم وشجرة نسبهم. خلف (تانوت امانى) ابن عمه (أتلانيرسا -653–643 ق.م.) الذى أعقبه بدوره ابنه (سنكامانسكن 643–623 ق.م.) ومن ثم اعتلى العرش بالتوالي نجلاه (أنلامانى 623-593 ق.م.) و(أسبالتا 593–568 ق.م.) ورغم فقدان الكوشيين لمصر فان هؤلاء الملوك امتلكوا قوة وثروة هائلة مكنتهم من إنجاز الأعمال الضخمة، فى المقام الأول فى معابد جبل البركل. شيد (أتلانيرسا) هرماً له بالقرب من هرم والده تهارقا، وكذلك فعل ابنه سنكامانسكن وابناه أنلامانى وأسبالتا فى نورى. من حيث الحجم والمعمار المميز لتلك الأهرام يتضح مدى الثراء والقوة التى تمتع بها أولئك الملوك، وعلى سبيل المثال فان التابوتين الخاصين بالملكين سنكامانسكن وأسبالتا يزن الواحد منهما 15 طناً وغطيا بنقوش رائعة من النوع المميز للطقوس الجنائزية لفترة الأسر العشرين السادسة والعشرين، واحتوت على بعض نصوص اللعنات وعبارات من نصوص الاهرام وكتاب الموتى ونصوص التوابيت. وبفضل لوحة (أنلامانى) التى تم الكشف عنها فى كوة يمكننا أن نكون صورة عامة عنه وعن نظام الحكم فى عهده. يبدأ أنلامانى نص لوحه، مثله مثل تهارقا، بتقديم امتنانه وعرفانه واحترامه لوالدته (تاسالسى) التى صُورت الى جانبه مرتين فى بداية اللوح، وهو أمر طبيعي علماً بالدور الخاص بالملكة الأم "الكنداكة" فى كوش. ويعبر أنلامانى عن اهتمامه برخاء الشعب وسيادة النظام فى البلاد: "يجب ألا يقتل فى عهدى أى من المواطنين إلا أولئك المارقين وكل من يثير المشاكل، ويجب ألا يُغضب أحد الأرملة، وألا يفترى أحد فى عهدي". هكذا خاطب الملك المسئولين فى القصر قبيل مغادرته فى مأمورية تفتيشية. ويحتوى النص على معلومات عن الحرب الوحيدة التى خاضها أنلامانى، فقد أرسل تجريدة عسكرية الى بلاد "بيلهى" لمحاربة (البليميين) التى يبدو أنها كانت ذات طابع تأديبي عادى ذلك أنه بعد كل الحديث عن "الضرب المبرح الذى ناله سيئ السمعة هذا" فقد تمَّ أخذ أربعة رجال فقط أسرى. السودان بلد الفرعون الأسود؛ الصحافة السويسرية: "أصل الحضارة الفرعونية في السودان" - الاعصار - 10-02-2006 [CENTER][U][B]الفرعون السوداني العاشر (( اتلانيرسا )):- 653- 640 ق.م. غالباً ما يكون (اتلانيرسا) واحداً من أبناء تهارقا. غير معروف سوى القليل عن فترة حكمه. احتمال كبير أن يكون اتلانيرسا هو ملك كوش نفسه الذى كتب عنه المؤرخ الإغريقي (هيرودوت). فقد تحدث هيرودوت عن ملك حرض جنود الحامية المصرية الليبيين فى جزيرة الفنتين وساعدهم على التخلي عن ملك مصر والهروب جنوباً الى كوش. وقد وعد الملك الكوشي الجنود بأنه فى حالة نجاحهم فى القضاء على أعدائه فى الأطراف الجنوبية لمملكته، فإنه يحق لهم الإستيلاء على أرضهم والاستقرار فيها. هكذا هرب الجنود الليبيون من مصر وذهبوا للعمل عند ملك كوش، ودمروا أعداءه، واستولوا على أرضهم، وبنوا مدناً لهم فى تلك الأراضي. بعد ستة قرون لاحقة ذكر الكتاب الرومان بأن أحفاد أولئك الجنود لازالو يعيشون فى تلك المدن فى وقتهم، ولهم حكامهم الخاصين التابعين لملك (أو ملكة) "مروى". اتلانيرسا معروف من تمثاله الضخم الرائع المنحون من الجرانيت والذى عثر عليه فى "جبل البركل"، والموجود حالياً فى (متحف بوسطن للفنون الجميلة). احتمالاً أنه توفى بصورة مفاجئة ذلك أن كل من معبده فى البركل ومدفنه فى نوري بقيا غير مكتملين عند وفاته. |