طريقة حديثك الهجومية تثبت خلخلة الفكر والأرضية التي تنطلق منها ، عدا عن تكرارك لكلمة " كذب وسحق ومحق " تدلل على وجود عقدة نقص كبيرة تشعر بها مع أنني أكثر من مرة طلبت منك أن تتحدث بأدب ، فنحن هنا لسنا في كنيسة أو في دير لتنسخ وتلصق من كتابات منتدياتكم الصليبية ، فهنا ساحة للفكر والحوار بكل عقلانية ، فإن أردت ذلك فأهلاً وسهلاً وإن لم ترد عاملناك بما أنت ودينك أهله .

وقبل كل شيء ، طبق القواعد التي تتعامل بها مع الدين الإسلامي على دينك وعلى رهبانه ، فليس من المعقول أن تنقض الدين الإسلامي بسبب وجود خلافات بين الفقهاء ولا تنقض به دينك المعجوج الممجوج بالخلافات منذ أن بدأ وإلى أن انتهى ، كما أنه ليس من المعقول أن تكذب الدين الإسلامي بسبب وجود فروق في بعض الكلمات بينما تتناسى بأن دينك لديه أسفار عهد قديم وجديد و4 أناجيل كل إنجيل يختلف عن سابقه ، كما أنه ليس من المعقول أن تكذب الدين الإسلامي بسبب وجود الناسخ والمنسوخ ، بينما شريعة عيسى نسخت شريعة موسى أو بمعنى أدق إختلفت عن شريعة موسى ، فهذا عين الغباء والإزدواجية الممقوتة التي تتعامل بها مع الآخر بكل بلاهة .
وأيضاً أنوه أنه ليس كل خلاف معتبر ، بل الخلاف المعتبر هو ما كان مدعماً من صاحبه بأدلة قوية ومتماسكة ، فخلاف عالم واحد لجمع من العلماء لا يعتبر خلافاً صحيحاً يعتد به ، فالولد جاء برأي واحد للنحاس يقول بنسخ آية السلم ويترك جميع آراء العلماء الذين قالوا بعدم نسخ الآية ليثبت نسخ الآية ، وبعد ذلك يحدثنا عن اختلاف العلماء وعدم اتفاقهم على شيء .

بخصوص الإعجاز الذي تحدثنا عنه ، فالقضية من الأساس تتمحور حول نفي المشركين لكون القرآن هو من كلام الله عزوجل ، بل قالوا هو قول شاعر مجنون أو كاهن فتحداهم النبي أن يأتوا بسورة من مثله ، فإن كان هو شاعر فعلاً فأنتم أهل الشعر والفصاحة والبلاغة ، فأكتبوا وقولوا كلاماً مثله ؟ وإن ساحراً أو كاهناً فأمامكم السحرة والكهنة فأتوا بهم ليكتبوا مثل هذا القرآن ، وإن كنتم تقولون بأنه منقول عن توراة بني إسرائيل فأيضاً اذهبوا للتوراة واطلبوا من اليهود أن يكتبوا مثله ، فلما عجزوا طلب منهم أن يأتوا بسورة من مثله ، فلما عجزوا طلب منهم أن يأتوا بآية فعجزوا كذلك ، فالإعجاز هنا من 3 أمور :

الأول : من ناحية الفصاحة والبلاغة وخصوصاً عندما قالوا بأنه شاعر ويكتب الشعر وفي ذلك يقول الله عزوجل " فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين "
الثاني : من ناحية تشابه القرآن بالتوراة والإنجيل وأن النبي أخذه عن التوراة أو بأن يأتي النبي بكتاب مثل كتاب التوراة ، فطلب الله عزوجل أن يأتوا بمثله من التوراة كذلك وفي ذلك يقول الله عزوجل " فلمّا جاءَهم الحق من عندنا قالوا لولا أُوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أُوتي موسى من قبل قالوا : سحْران تظاهرا وقالوا إنّا بكلٍّ كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتّبعْه إن كنتم صادقين " .
الثالث : من ناحية كونه كلاماً بشرياً من قول النبي وليس قولاً من عند الله عزوجل ، فطلب منهم الله عزوجل أن يأتوا بكلام بشري مثله وفي ذلك يقول الله عزوجل " أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " .

هذا بإختصار وجوه الإعجاز التي جابه بها النبي صلى الله عليه وسلم أقوال مشركي قريش رداً على أن القرآن هو " قول شاعر ، أو قول ساحر ، أو قول بشري مفترى ، أو مقتبس من التوراة والإنجيل " فإن كان شاعراً فأنتم أهل الشعر والفصاحة فأتوا بمثله ، وإن كان من التوراة فها هم اليهود أمامكم فتعاونوا أنتم وهم والجن معكم أيضاً لتأتوا بمثله ، وهذا هو المبدأ والقاعدة العامة في الإعجاز التي اتفق عليها العلماء ، ولذلك بقي التفصيل في هذا الإعجاز في أي شيء موضوعه ؟ هل موضوعه في القصص ؟ أم في الأخبار التي وردها ؟ أم في تماسك الألفاظ ؟ أم في الفصاحة والبلاغة ؟ والقول المجمع أنه معجز من كافة أطرافه وخصوصاً أن التحدي كان عاماً ، أي يخص كل ما تعرفه العرب من فنون في الشعر والأدب وما يتعلق بهما وعلى هذا قول أغلب العلماء ، مع وجود إختلافات هنا وهناك من علماء آخرين وهذا أمر طبيعي وفطري فالعقول والأفهام ليست متساوية ، فقد قال العالم ابن حازم في كتاب منهاج البلغاء :

اقتباس:وجه الإعجاز في القرآن من حيث إستمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه إستمرارا لا يوجد له فترة ولا يقدر عليه أحد من البشر وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المعدود ثم تعرض الفترات الإنسانية فينقطع طيب الكلام ورونقه فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه بل توجد في تفاريق وأجزاء منه

وما نقلته عن السيوطي يا - مدلس - لم تذكر تكملته ، فالسيوطي في كتابه - اتقان علوم القرآن - ذكر كل الأقوال المتحدثة عن الموضوع كأقوال شاذة وبعد ذلك قال رأي جمهور الفقهاء ، وهذه تكملة حديث السيوطي رحمه الله :

اقتباس:وقال ابن عطية الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه
إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أن الله أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره
والبشر يعمهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن أحدا من البشر لا يحيط بذلك فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة
وبهذا يبطل قول من قال إن العرب كان في قدرتها الإتيان بمثله فصرفوا عن ذلك والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط ولهذا ترى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولا ثم ينظر فيها فيغير فيها وهلم جرا وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد
ونحن تتبين لنا البراعة في أكثره ويخفي علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة
وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة وفي معجزة عيسى بالأطباء فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما تكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر قد إنتهى في مدة موسى إلى غايته وكذلك الطب في زمن عيسى والفصاحة في زمن محمد

فيبدوا أن رهبانك لم يعلموك ماذا يعني قول الجمهور .

أما ما ذكرته من الآيات عن الهدي وأسباب نزول القرآن ، فقد أدركت الآن بأنك أحمق ومتغابي ، فالقرآن هو أصلاً نزل لهداية القوم ولإنذارهم ولتنظيم حياتهم ، وليس من أجل مواجهة قريش ومن معها بلاغياً فقط ، فمن قال بأن القرآن نزل ليواجه قريش من ناحية البلاغة والفصاحة ؟ الإعجاز البلاغي هو أحد أوجه القرآن التي أختص بها ليرد بها على قول المشركين كنوع من التحدي وليس هو سبب نزول القرآن الأساسي ، بل سبب نزوله كما بينت أنت في الآيات التي ذكرتها مثل هدي الناس وتبليغهم الدين الحق وإعذارهم وإنذارهم وتحذيرهم وتبشيرهم ، فما دخل الآيات التي ذكرتها بإعجاز القرآن البلاغي ؟

أما رأي قريش من القرآن والنبي فهو معروف ومعلوم ، فلو أنهم اقتنعوا بكلامه فلماذا يكفرون به أصلاً ؟ ونحن نورد قول المغيرة وعتبة من باب " والخير ما شهدت به الأعداء " وليس للتدليل على موقف قريش ، فضلاً عن كون هؤلاء من فصحاء العرب في الشعر والخطابة وهم يعرفون الشعر من غيره ، وليس لذكر موقف قريش كاملاً من القرآن ، كما أن قول كفار قريش بأن القرآن سحر هو دلالة على إنبهارهم بما قاله النبي فلم يستطيعوا أن يأتوا بحجة لتثبت عدم قوة القرآن إلا ليقولوا أنه سحر أو شعر ، واعترافهم بأن القرآن اما شعر يدلل على أنهم يعترفون بقوة بيان القرآن ولكنهم يرفضون أن يكون هذا القرآن من عند الله عزوجل ، أي ينسبون هذا القول لمحمد وليس لله عزوجل ، وهذا بسبب عناد كفرهم كما كان فرعون مع موسى وكما كان اليهود مع عيسى وكما كان كفار قريش واليهود والمسيحيين مع موسى .

ولكنك لم تذكر لنا ما هو موقف اليهود من عيسى عليه السلام ودعوته ؟ وماذا قالوا له عندما قال أنهم اله – يعني عيسى كان يلعب معهم ثلاثين سنة ومرة واحدة قال لهم يا اولاد دنا طلعت رب – وكيف ضحكوا عليه ؟
وأيضاً لم تذكر لنا موقف فرعون من موسى ؟ وموقف كل قوم من النبي الذي أرسل لهم ؟

فلا داعي لمثل هذا الغباء يا زميل ، فأنت تدرك بان كلامك هذا ينقض دينك من رأسه لأخمص قدميه ، ولكنك كما الحمار يحمل أسفارا ، تتخبط خبط عشواء ، ولا تملك سوى أن تقول " سحقت ومحقت وأثبتت كذب " يعني شغل ردح لا أكثر .

المعجزات التي تحدثت عنها معجزات تخص النبي صلى الله عليه وسلم ولم تأتي لغيره ، مثل الإسراء والمعراج فهي كانت بين النبي وبين ربه ، ولذلك من الطبيعي أن يكذبها كفار قريش لأنهم لم يروها بالمطلق ، فكيف يصدقون أمراً خارقاً للعادة دون أن يروه ؟

ومن باب آخر فمن الطبيعي أن يختلف المؤرخين حول موعد الإسراء والمعراج لأن النبي هو من أخبر عنها ولم يشاهدها أحد غيره ، ولذلك أتحداك أن تقول لي متى صلب عيسى بالضبط ؟ وهل مؤرخي النصرانية متفقين على يوم محدد ؟ وأيضاً متى أول مرة أبرء فيها عيسى أحد الموتى ؟ أي في أي تاريخ بالضبط ؟ ومتى ولد عيسى عليه السلام بالضبط ؟ هل أنتم متفقين حول هذه التواريخ ؟ فإن كنتم متفقين فأذكر لي وجوه هذا الإتفاق ، ولن لم تكونوا كذلك فكيف تستغل هذا الأمر لتثبت به كذب النبي وفي نفس الوقت تنسى بأن دينكم فعل نفس الأمر ؟

لكن في النهاية يبقى قول مأثور ومتواتر ويقال به في الأغلب ، وهذه عادة أي مسألة في هذا الكون ، فلا يوجد أمور متفق عليها ، حتى وجود الله عزوجل لا يوجد إجماع من الناس بوجود الله عزوجل ، فهل تريد منهم أن يتفقوا على غيره ؟

بخصوص التطهير ، فهذه معجزة من الله عزوجل هو أدرى بها ، فماء الآخرة والملائكة ليس كماء الدنيا من وجهة نظر دينية بحتة ، إلا اذا كان الدين النصراني له قول آخر ؟
فمن وجهة نظرك ، هل يعقل لإله أن يجعل نفسه على شكل بشر ؟ وهل الإله بشر ؟ وهل له لحم ودم مثلنا ليكون كذلك كما هو الحال مع عيسى عليه السلام ؟ فأنت تنسى بأن المعجزة هي أمر خارق للعادة في الغالب ، فهي أمر يفوق تصور الإنسان .

أما بخصوص الشيعة والسنة ، فما بينهم هو خصومة ، فالمذهب الشيعي بعمومه يرفض فكرة تحريف القرآن وكذلك المذهب السني بعمومه ، والروايات الموجودة عندنا توظف بشكل سيء وقد تم الرد عليها والحديث عنها وتوضيبحها وتمحيصها وإزالة الشبهات المتعلقة بها بيت بيت وزنكة زنكة ، فقلت لك من العيب عليك - والعيب من اهل العيب مش عيب - أن تتمسك بقول آحاد العلماء وتترك قول الجمهور الباقي .

وهذا الحال مع الدين المسيحي ، فهناك من يقول بأن عيسى صلب وهناك من يقول شبيهه مثل نصارى الشام قديماً ، وهناك الكثير من الأقوال المتعارضة بين الأرثوذكس وبين الكاثوليك وبين البروتستانت ، حتى وصل الأمر لحروب دموية بينهم ، فالعالم عانى من مجازر الدين المسيحي ومن المسيحيين بشكل غير مسبوق ، وما زالت بيت المقدس لم تنسى المذابح التي ارتكبت فيها وما زال العالم لم ينسى الحرب العالمية الاولى والثانية والتي راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر .

بس حلوة هذه تبعت مختبر الكيمياء ، ولا ما خبرتني شو صار في جاليلو ؟ وما فصلت الي عن صكوك الغفران ؟ وعن المذابح بين المذاهب المسيحية ؟ وعن مجازر الصليبيين في بيت المقدس وأنطاكيا ؟ وعن الحروب العالمية الاولى والثانية ؟

وبعدين قرأت التقرير البريطاني اللي بيحكي عن اسلام أكثر من 100 ألف في بريطانيا لوحدها خلال العقد الماضي ؟ وفي نفس الوقت قرأت التقرير الذي يتحدث عن انقراض الدين في 7 دول أوروبية مسيحية وتحول أهلها للإلحاد ؟وكفرهم بالدين المسيحي ؟

تنبيه للأخوة ، العضو الغسان الغسان هو صليبي جلد وليس عقلاني وجودي إلحادي ، إلا اذا كنتم هو وهو أنتم ، فحينها لكل حادث حديث ، فقد عودنا أن يدخل بمعرفات كثيرة مثل الفهد الأسود والأبيض والأحمر والأخضر وغيرها من المعرفات ، ثم يغيب ثم يعود مرة أخرى ، فحينها يحق لي أن اؤمن بنظري صديقي اتماكا التي تتحدث عن محاولة بعض المسيحيين ان يتظاهروا بالالحاد ليتخلصوا من القيود الدينية وليهاجموا الاسلام بكل اريحية .