حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
أشياء تُشبه اليوميات - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: المدونــــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=83) +--- الموضوع: أشياء تُشبه اليوميات (/showthread.php?tid=23728) |
أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 01-18-2006 لم تكن المرة الأولى –ولا أخالها الأخيرة- التي يستأذن بها "العلماني" ويذهب يتفقّد بها قطّه "أبو هاجر"، قطُّ ثوريٌّ غريبُ الأطوار، والعادات. يناديه بأبي هاجر، وتناديه زوجته التي تأقلمت على مشاكساته وثوريته بـ :"ماكس". أخبرت "العلماني" أنني أعشق القططَ جداً، عدتُ بذاكرتي خمسة عشر عاماً للوراء وبدأت أحدثه عن قطتي "بوسي" وأسهبتُ في الحديث عنها وعن مدى افتقاري لوجودها حالياً. سألني "العلماني" أن أكتب عنها، وبالفعل أتمنى أن أفعل، قد حاولتُ عدة مرات ولكني فشلتُ المرة تلو الأخرى، إذ أن عواطفي تجاه تلك تستحكم بالقلم وتحبس عنه البوح والكلام... فيلم مكثف، عميق، طويل، حميم جداً يربطني بها... عدتُ من مدرستي وكنت في الصف السادس الابتدائي، لأجدها تجلس بفروتها السميكة ناصعة البياض على أحد مقاعد غرفة الضيوف..! بدأت أصرخ بأعلى صوتي: "بابا في بِسّة في غرفة الضيوف..!!!" ضحك وأوضَحَ بدوره: أعرف، أنا من سمح لها بالدخول" قبل دخولها البيت بليلة، كان أبي جالساً مساءً مع أمي في "برندة" بيتنا، حين أتت "بوسي" وبدأت تحكُّ جسدها السمين، وفروتها البيضاء النظيفة جداً بقدميّ والدي، الذي ما أن أشار لها بيده أن تجلس على ساقيه حتى فعلت... ومن هنا بدأت الحكاية. انقسمنا مَن في البيت إلى قسمين، بين مؤيدٍ قليل لوجودها ومعارِض أكثر، أمي كانت تقول أن القطط تجلب الأمراض خاصة للفتيات إذ تسبب العقم، وأخواتي "سامية، سناء، إيمان" صرّحن بأنهم يَخفن من القطط، وأخي أسامة قال مُوجّهاً كلامه إلى أبي ولي وفداء ولمى (قسم المتحمسين لوجودها): "شو بدكم في هالشغلة؟!!. وكنت من المتحمِّسين لها جداً، خاصة بعد أن قَبِلتني وجلست في حِجري ولعبت بكرة الصوف التي كانت تنسج منها أمي "لفحة" لأبي. حَسَمت هي الأمر وبقيت عندنا، وآنس لها جميع من في البيت حتى أختي "سامية" التي كانت تخاف منها جداً، أحبتها وكانت تراعيها دون أن تلمسها أو تقترب منها، حتى "بوسي" كانت تعرف بخوف "سامية" منها، فاستغلت الموقف، إذ كانت تُجبر سامية –باقترابها منها- على التخلي من الجلوس بقرب المدفأة في الشتاء لتجلس هي! وبعد كل تلك السنوات، ما زلت مؤمنة أنها لم تكن قطة عادية أبداً، لم يكن لها أظافر في قائميها الأماميين، لم يكن لها صوت، كان يصدر عنها (نادراً) ما يشبه المواء المبحوح، كانت كبيرة الحجم، نظيفة جداً، ذكية حد الإبهار، كانت تفهم ما نقول وأكاد أقسم على ذلك، حين نتناول الطعام، كانت تجلس كأنها فرد من أفراد الأسرة، لكنها كانت فرداً حساساً لا يلمس شيئاً من الطعام دون إذن ودون أن يُعطى لها! كل صباح، كانت تُوصلني إلى المدرسة وأختي فداء، كانت تسير معنا قرابة الكيلو متر يومياً، كنت سبق وسمعت أن الكلاب هي من تمشي مع صاحبها لا القطط! عاشت بيننا سنوات طويلة، وكانت ... أعتذر منكم جميعا وأخص باعتذاري "العلماني" إذ كان من المفترض أن أكمل ما كتبت، لكني لا أستطيع، كيف سأكتب عن قطتي؟ تلك التي كانت في فترة من الفترات أهم كائن في حياتي..! أشكرك أخي العزيز العلماني على صورة "ماكس" وكم أتمنى لو أنني أستطيع وضع صورة قطتي، تلك القطة التي أخذت معها أكثر من عشرين صورة، لكن لا صورة كُتب لها الظهور!! دمتم بود جميعا (f) أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 02-23-2006 - افتح عيني، لا أُجيدُ الصراخَ، وأعرف أن الصوتَ الواطئ لا يُسمع! - تقولُ:"حرري أنفاسكِ واصرخي. يبدأُ الصراخ واطئاً مكتوماً ثم يكبر يكبر ويعلو، كذلك النار –يا طفلتي، وكذلك الإنسان، حرري أنفاسكِ واصرخي!". أحبكَ، وأعلمُ تسمعني وإن وطِئَ صوتي الساعة الرابعة فجراً، برد، برد في الجو والمكان وأخاله امتد للروح، انتهت أربعينية الشتاء التي تبدأ في الثالث والعشرين من شهر كانون الأول، والآن خمسينيته التي تنقسم إلى أربعة "سعود" بين كل "سعد" و"سعد" إثني عشرة يوماً ونصف اليوم، وانتهت منها أيام "سعد الذّابح" تلك الأيام التي تقول الجدّات عنها: "سعد الذابح لا يخلي على الباب كلب نابح"! بقيت ثلاثة أيام على "سعد بلع" ويمتاز هذا السعد بالبرد والمطر، قالت فيه الجدات: "تمطر السما، والأرض تبلع" أي تمطر السماء وتتولى الأرض مهمة بلع وتخزين كل مطرها. برد، ولست أدري أي جنون يدفع بي للكتابة الآن والبرد يرجُّ كل خلية بجسدي، وأيضاً لن أستبشر بالدفء خلال العشر أيام القادمة مع أننا سنكون دخلنا في أيام "سعد سعود": "تدب المي في العود، ويدفى كل مبرود" هذا السعد الذي يبدأ في نهاية شباط وينتهي في أول أسبوع من آذار، ولكن هناك سبعة أيام "مستقرضات" –هذا هو اسمها، أي مستقرضة من سعد بلع وأول سعد سعود- تكون باردة جداً، يقول فيها "شباط" إلى "آذار": "ثلاثة منك، واربعة مني، بنخلي دولاب العجوز يغني". وحسب ما فهمت من هذا المثل أن هذه الأيام السبعة المستقرضات من سعد بلع وسعد سعود –أي كما قلت من نهاية شباط إلى أول أيام آذار- تكون شديدة البرودة مما يدفع بالعجوز إلى إشعال النار بدولابها كي تستدفئ به! وفي اليوم الخامس من "سعد سعود" تبدأ الأرض بالدفء، بل يدفأ –حسب المثل- كل مبرود! أي كل من كان برداناً، لتنتهي بعد ذلك خمسينية الشتاء بـ "سعد الخبايا" هذا السعد الذي "تتفتل فيه الصبايا" أي السعد الذي تخرج به الصبايا من دورهن للتمتع بالشمس، ولا أخال الأمر فقط للصبايا، بل الأرض نفسها تتفتق عن الخضرة والربيع، فتتلون الأرض بالأخضر وتمتلئ الجبال وتفترش بزهر "الدحنون الأحمر"، وتخرج خبايا الأرض، ولست أدري كيف تلح علي مناظر ديدان الربيع التي لا يؤذي منظرها أحداً، والفراشات التي تتراقص وتتلاحق فيما بينها من زهرة إلى أخرى... يا الله! حتى رائحة الربيع تخرج وتنتشر وتفوح، وكأنها كانت مختبئة في الأرض ويحرر قيدها "سعد سعود" للربيع رائحة أخرى مغايرة تعيد للروح عبيرها الخاص، بل والخاص جداً... كنت أريد الحديث عن أشياء كثيرة، بل كثيرة جداً، أشياء ألحت علي لدرجة أنني استيقظت لأكتبها، لكن البرد، سرقني، لكنه من الجميل أن تركني مع "سعد سعود" والربيع.... لن أعود إلى بداية حديثي أعلاه الآن، سوف أتجاهل "واطِئ الصوت" و"البرد الذي يقص المسمار" وأبقى مع "سعد سعود" وخبايا الأرض التي تحتفل وترقص بالخضرة، سأحاول العودة للنوم وأحلم وأتخيل نفسي إحدى الصبايا التي تتفتّل –تمشي بتبختر ودلال- في الأرض التي مرّ على رأسها عدد لا يحصى من الشتاءات، الذي تبعها الربيع، والخضرة، والعبير، والزهور، والفراشات، والطيور، والصبايا الجميلات! تصبحون على جمال وأمل ودفء بلا حَر ولا شر:) (f) أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 02-25-2006 أشتاق للإمساك بالقلم والكتابة به! منذ سنوات وأنا أكتب مباشرة على لوحة المفاتيح لا بالقلم والورق، وما زلت أفرح فرحاً طفولياً بانعكاس ضربات أصابعي على شاشة الكمبيوتر، وأشعر بأنه أمر خارق مُعجَز، أشعر بأن الكلمات تتخلَّق بي ومني، أستطيع إلباسها ما أشهتي من أثواب ونزع ما لا أرغب وأريد وأشتهي، استطيع استنطاقها كما أتمنى، وبالتَّشكيل والحركات الأوضح، مُتجنِّبة سوء خطي اليدوي الذي لطالما حاولت تغطية عيوبه باقتناء العديد من أقلام الحبر الجافة، والأخرى بالحبر السائل وبرؤوس سماكة مختلفة وفي كل مرة كنت أقول: "هذا النوع جيد، سأعتمده" لأكتشف بعدها أنه كسابقه! في ظل غياب الكمبيوتر أيام الدراسة كان من الصعب الاعتراف بأن العيب في خطي لا في الاقلام! لوحة المفاتيح أراحتني من كل ذلك، وسهَّلت علي عملية التعديل، التي لطالما كرهتها في الكتابة اليدوية، إذ كنت أرى الصفحة التي اكتب بها أشبه ما تكون بخريطة بدائية جداً، أو بطلسم قديم من الصعب عليّ فهمه وفك أحجياته! ولكن! ما أصعب أن أُصاب بقحط كتابي، وهذا ما يحدث معي من قرابة العام، أجلس أمام شاشة حاسوبي، ويدي على لوحة المفاتيح، وتتزاحم الأفكار في رأسي، تتزاحم، تتدافش، تتخانق فيما بينها تطلب الخروج من رأسي إلى شاشة الحاسوب، لكني وبكل عجر: "لا أستطيع"! أحاول العودة إلى القلم والورق، فتضيق بين الورقة من أول سطرٍ وتطردني مجدداً إلى لوحة المفاتيح. أحتاج للكتابة، إلى هذا النوع الأروع للتفريغ والتفكير أيضاً، أحتاج للكتابة فتهزأ بي أصابعي المزروعة على لوحة المفاتيح دون حراك، يا الله كم هو صعب أن تشعر بأن استمراريتك فيما تكتب، لكنك غير قادر على الكتابة، غير قادر على ترجمة ما يجول برأسك المسكين، وقلبك المدهوش من عيِّك! كنت أقول سابقاً: "أريد أن أكون كائناً غير مرئيٍ لغيري". وأخالني نجحت نسبياً، ولكني صرت غير مرئية لذاتي أيضاً فتُهتُ عني وأنا بجانبي وبين يديّ، أبحث عني، أجدني أمسكني، أنفض الغبار عني، عن عينيّ وأصابعي، أضمني إلي، وأفرح بي، ولكن سرعان ما أتساءل أين أنا؟ هذه ليست أنا، هذه أنايَ الخارجية أو أناي الأخرى، أريدني أنا التي لا يعرفني غيري وغيري الآخر هناك! أحتاجني لأكتب، لأفضفض بالطريقة التي تريحني، بالطريقة التي تجعل مني طفلة تستطيع فعل كل كل ما تريد وتشتهي دفعة واحدة، أحتاجني أنا الضائعة عني، لذلك إن رأيتموني في مكان ما، في زاوية ما، في متاهة ما، أخبروني أرجوكم، والله أحتاجني! دمتم بود(f) أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 03-23-2006 تتوقُ البدايات إلى نهاياتها الحتمية دائماً بشكل سريع خاطف، تتوق إلى سقوطها المفاجئ كالعادة: من أعلى السّلم إلى هاويته، مبضع القدر تقوم بالبتر السريع، دون "بنج" أو خوف على أوصال الروح. وهنا تعلن البدايات مصافحة النهايات والقبول بها كالعادة :) :bye: أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 03-25-2006 بالأمس فقط، أُعلِنَ رسمياً عن وصول "أنفلونزا الطيور" إلى الأردن. بالأمس أُعدِمتْ مئات الطيور والدواجن في محافظة عجلون. أمسكينةُ هي الطيور أم نحن المساكين؟ منذ مدة ليستْ بالقصيرة وأنا أفكر كيف يُحمَل الموت على أجنحة ترمز للحرية، والجمال، والعُلوّ، والنقاء والسلام؟ لا أتصور أنني سأجفلُ حين أرى عصفوراً حطَّ واستقر على نافذة غرفتي، أنا الأتفاءل بتغريد الطيور لا أتصوّرني أبداً أستعيذ بالله من شرّها وفتكِها! نعم، منذ مدة ليست بالقصيرة أتساءل، لكني أُزيح عني التفكير لأن رأسي سالماً، إذا لا طيور قاتلة في سمائي، لكن الآن يُلحُّ علي السؤال، فأجدني أرجع للوراء بألف قصة وقصة مع الطيور، تلك الذكرى ما زالت طازجة كأنها الآن يا الله برغم أن عمرها تجاوز العشرين عاماً! تنظر أمي عبر نافذة المطبخ، وترى بعض الأولاد في باحة العمارة يتحلّقون حول عصفور صغير، يتصايحون: "ما بطير.!"، "بطير بس خايف منكم إبعدوا عنه"، "لا لا جناحه مكسور"، "رح يموت.. يا حرام". لا أعرف بالضبط هل خرجت أمي من البيت حيث الأولاد والعصفور، أم أنها طلبت العصفور من أحدهم. ما أعرفه أن أمي اعتنت بالعصفور عدة أيام في بيتنا دون قفص دون أن تحبسه، أعرف جيداً، أنها صنعت له بيتاً من صحن كبير موضوع على أرضية زاوية مرئية من المطبخ كي لا ندوسه حين دخولنا المطبخ،ولم تضعه على مكان مرتفع خشية سقوطه إن حاول المشي، أذكر جيداً كيف أطعمته أمي من حَبِّ البُرغُل، أذكر جيداً يا الله كم تحلّقنا في البيت لايام حوله نطمئن عنه ونضبط أنفاسنا مع تنفسه كي نتأكد أنه ما زال حياً. أيام قليلةً حتى التأَم كسرُ جناحه، أيام قليلة حتى استبدلت آهاتنا البريئة خوفاً عليه، إلى ضحكٍ رنّان على طيرانه العشوائي في البيت، البيت الذي ضاق به وبجناحيه القويين، فأطلقته أمي من النافذة ذاتها، نافذة المطبخ! آآآه أمي متأكدة الآن بأنكِ لن تُطَبّبي عصفوراً يحتمي بنافذتك، لن تطبّبيه، ومتأكدة أيضاً لو أنكِ ما زلت تحتفظين بِقِن الحَمام الذي كان فوق سطح بيتنا، لطالبت بإزالته فوراً. تذكرين أمي كيف تعجّبت خالتي منك حين سألتها أن تحضر لكِ عدة أزواج من الحمام لتربيها على سطح بيتنا. - طيّب بدِّك حمام، بتعرفيش تذبحي منهم حتى تطبيخم..! - ما بدي أذبح منهم، بدي أربيهم. - ....!!!! وكان ما أردتِ أمي، امتلأ سطح بيتنا بقِنان الحمام، الحَمام الذي كان يعرفُكِ وحدكِ دوناً عنّا فيرقص حولكِ ما أن يراكِ، يغازِل وجهك، ويدعو ليديكِ الحانيتين الممدودتين بالحَبِّ، بصوته الرخيم. ما زلتُ أذكر أمي كيف تخلّيتِ عن قِن الحمام، كان ذلك حين أصرّت خالتي بعد عدة أشهر من تربيتك للحمام أن نأكل منه، يومها ذبحت خالتي زوجين من الحمام، فما ذقتِه أمي وطلبت من خالتي أن تأخذ كل الحَمام.... هل تصدقين أمي أن الطير يحمل الموت بجناحيه؟ عنّي، لا أصدق، ولن أصدق، وسأبقى أردد مع فيروز "يا طير" و"دخلك يا طير الوروار" وسأردد "عصفور طل من الشباك وقلي يا نونو، خبيني عندك خبيني دخلك يا نونو..." [RAM]http://arabic2.salmiya.net/songs/feyroz/ram/feyroz178.ram[/RAM] ومن هنا أيضاً، حيث الطيور، أودّعكم في صفحة "أشياء تشبه اليوميات"، إذ سأبتعد عن النت، لأسباب خاصة. دمتم جميعاً بألف خير وود بسمة:) أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 06-01-2006 هل هناك أجمل من أن يجدكَ طفلٌ لا يعرفُكَ "شخصاً أنيساً"، يبتسمُ لكَ يغمِزُ، أو يلوّح لك بيدهِ "باي" حتى قبل أن يقول "هاي" في باص مدرسته، أو في سيارة والديه أو في الشّارع ماشياً؟:) حين تمنحكُ الطفولة ثقتها، هكذا بشكلٍ سَخيِّ ودون وسبب وجيه، هو أن يمنحكَ الله ذاته ثقته محبته ورضاه... منذ أشهر طويلة لم أستقل باص العمل، ولم يُوصلِني إلى تلك النّقطة القريبة من منزلي، والتي لا تزيد عن مشي سبعة دقائق. اليوم، وبينما كنتُ أشكر "مازن" سائق الباص، وأنزل درجتيه حذِرةً من الوقوع والسّقوط الذي أحترفه ويترك علاماته رتوقاً على بلاطيني عند الرّكبتين، رأيتُ طفلاً لا يتجاوز التسع سنوات، ابتسمنا لنا، وقال لي على خجل ولكن بثقة عاليةٍ: "السلام عليكم"، فما كان منّي إلا أن أقيم أعراس هذه الطّفولة المدهشة: "أهلين وعليكم السّلام، كيف حالك؟"، "منيح الحمد الله" مشيناً جنباً إلى جنب، وبخطوات سريعةٍ ربما هرباً من تسلّط لهيب الشمس فوق رأسينا، فجأةً توقَّفتُ، نسيتُ نفسي أنني في الشّارع، واحدة من عدة أشخاص مُشاة، بين بعض الدّكاكين والمَحالِ، أضع على كتفي حقبتين: حقيبة يدي وحقيبة كمبيوتري المحمول. وقدَّمتُ قدمي اليمنى إلى الأمام، وبقيت اليسار مكانها. نظر إليّ الولد الذي ما خطر لي سؤاله عن اسمه باستغراب، لكني خطفتُ دهشته سريعاً ووضعتهُ أمام تحدٍّ أعرفُ مسبقاً أنني الخاسرة: نشوف مين أسرع، شو رأيك نتسابق؟ بس بشرط ما في غش..!! وقفنا جنباً إلى جنب، قامتي تفوق قامته الضّعف، نبتسم، نضحك دون كركرة، يقدِّم قدمه اليمنى، وتبقى اليسار مكانها، نحني جذعينا للأمام، وأنطق: واحد، إثنين، ثلاااااثة..... ركض الولدُ السّهم أمامي وحاولت جاهدةً اللحاق به، أعرف أنني ومنذ الطفولة لا أجيدُ الرّكض، بل وأعرف أن أطول مسافة أستطيع ركضها، ما يعادل عشرة خطوات واسعات، ركضتُ وركضُ، سبقني كثيراً، إلتفتَ للوراء يبحث عن المجنونة الطيّبة –أمدح نفسي، أليس هذا ضرباً من جنون- يجدني خلفه، أرفع له إبهام يدي اليمين مشيرةً أنه الفائز بجدارة واضحة، وقفتُ بعدها وقفة عسكرية وضربتُ له "تعظيم سلام".... يمضي، وأخاله مبتسماً، أكمل مشواري غير متلفتة للمشاة بالشارع، غير عابئة بهم، أمشي وأنا في داخلي أرقص، أغني، أطير، ألفُّ حول ذاتي وأقهقه بصوتٍ عال. يا للحياة، يا للحياة...!! أيّها الطفل –مهما كان اسمك- أحبّك، وأشكرك جزيل الشّكر. (f) أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 11-25-2006 منذ عامين وأشهر لم أكتب قصة..! أشعر بالحنين إليها جداً. وجدتي أكتب "مبروك" منذ أيام، برغم أنني سبق وكتبت عن شخصياتها، وجدتني أكتب وأكذب وأنساق خلف ما لا أعرف وأشتاق. أتمنى أن تنال رضاكم اقتباس:مبروك http://www.maktoobblog.com/basmafathi أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 07-06-2007 من وَحي المكان <1> يا الله.. لماذا لا أستطيع حمل قطٍ في حقيبتي؟! يؤنس القطّ وحدتي. لن يَمل.. أعدك! سأقرأ له ما تيسّر من شعر، أكشف له عن لذّة السّرد، كيف يسري النّغم في الروح، وعلى سبيل التّحديث سأشرح له عن بعض نظريات التّسويق الحديثة، وإن أراد سأموء معه! عيون القط تقول الكثير يا الله فهل جرّبت الحديث إليها؟ (f) أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 07-11-2007 ترتفع الطائرةُ أمتاراً قليلةً عن الأرض، وقبل أن تطير تعودُ سيرتها الأولى. كانت عين الصّبي تتنقّل بين الطائرة وأبيه: يا بابا الطيّارة! تشد يدا الأب على خيط الطائرة الورقية، يربكه كسل بَكَرة الخيط على الأرض منذ ساعةٍ، فيتجنّب النّظر إلى ابنه الذي يقف بجانبه دون صبر: "يا رب الطّائرة بارك ذراعي والهواء، لا تخذلني أمامه!" - يا بابا الطّيارة! يمسح عرق كفّيه ببنطلونه الجينز، يرفعُ الطائرةَ بيده ويركض خطوات للوراء، عينه على الطائرة، ينادي بأعلى صوته "يا رب الطائرة". يصافحُ الهواءُ وجهَ الطائرة أخيراً، فترتفع قليلاً، يركض الأبُ، تصحو بَكَرةُ الخيطِ من نومها وتدور، يتسلّل الخيط من بين أصابعه برشاقة وخفّة، تستمرُّ الطائرة في الارتفاع، يراها جميلةً بألوانها الزاهية وذيلها الأحمر الطويل المزركش. يضحك الأب الطّفل بصوت عالٍ، يقفز بالهواء ينظر للسّماء: "شكراً، طارت... طارت"، وقف الصّبي مشدوهاً أمام فعل أبيه، لكن سرعان ما انتقلت إليه الفرحة، فأخذا يقفزان معاً، يضحكان، ويتصافحان. يحاول الصبي أن يأخذ خيط الطائرة فيرفع الأب يده في محاولة منه في استبقائها. - "بابا دوري أعطيني الطيّارة دوري". تردد في تسليم ابنه الطائرة، قبل أن يتذكر قائمة مشتريات المنزل التي طلبتها منه زوجته قبل ساعة... 6/7/2007 الجمعة، أمام نافذة غرفتي أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 09-12-2007 اليوم وبينما كنت في عملي غارقة بين الأضابير والمعاملات، تأمّلت نجمة رسمتها بقلم أزرق جاف على كفّي الأيسر كي أتذكر أشياء عليّ أن أعود بها للبيت. فرأسي الفوضوي، ينسى كثيراً ويتخفف بالنسيان مما به من أحمال،. فلا أجد منقذا غير رسم النجمات. وكم من مرة تأملت النجمة لأتذكر لماذا رسمتها..! اليوم وبينما كنت أتأملها، وجدتني أردد: كلما التقينا تسألني عن نجمةٍ مرسومة على كفّي الأيسر أخبِركَ عن أشياء عليّ تذكرها تضحكُ عينُكَ من ذاكرتي. مرّةً رسمتَ نجمةً على كفّي :"كي تتذكري أنني أحبّكِ" اليوم رسمتُ نجمتَكَ مرّةً أخرى :"كي تعرفَ أنني أحبّكَ" |