نادي الفكر العربي
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود (/showthread.php?tid=15503)

الصفحات: 1 2 3 4 5 6 7


من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 09-20-2006



[CENTER][SIZE=4]الدين ... ما هو ؟؟

الدين ليس حرفة و لا يصلح لأن يكون حرفة .
و لا توجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين .
و مجموعة الشعائر و المناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى في روتينية مكررة فاترة خالية من الشعور ، فلا تكون من الدين في شيء .

و ليس عندنا زي اسمه زي إسلامي ..

و أن يكون اسمك محمدا أو عليا أو عثمان ، لا يكفي لتكون مسلما .

و ديانتك على البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة .
و السبحة و التمتمة و الحمحمة ، و سمت الدراويش و تهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر من أصحابها .

ما الدين إذن ... ؟!

الدين حالة قلبية .. شعور .. إحساس باطني بالغيب .. و إدراك مبهم ، لكن مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة عليا تدبر كل شيء .


إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا .. و أن المملكة لها ملك .. و أنه لا مهرب لظالم و لا إفلات لمجرم .. و أنك حر مسئول لم تولد عبثا و لا تحيا سدى و أن موتك ليس نهايتك .. و إنما سيعبر بك إلى حيث لا تعلم .. إلى غيب من حيث جئت من غيب .. و الوجود مستمر .

( ليس معنى ذلك أن الاسلام عبارة عن حالة روحية قلبية فقط ! وإنما هو إدارة للواقع وإصلاح له على المستوى الفردي والجماعي على حد سواء , ولكن الحالة القلبية تلك هي روح الاسلام وقلبه ولبه وحقيقته التي لايفهمها كثير من الناس , وبها ينصلح السلوك , كما قال الله تعالى ( [COLOR=Navy]إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم )


و هذا الإحساس يورث الرهبة و التقوى و الورع ، و يدفع إلى مراجعة النفس و يحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة و يصوغ من نفسه وجودا أرقى و أرقى كل لحظة متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم .. مالك الملك .

هذه الأزمة الوجودية المتجددة و المعاناة الخلاقة المبدعة و الشعور المتصل بالحضور أبدا منذ قبل الميلاد إلى ما بعد الموت .. و الإحساس بالمسئولية و الشعور بالحكمة و الجمال و النظام و الجدية في كل شيء .. هو حقيقة الدين .


إنما تأتي العبادات و الطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية .. لكن الحالة القلبية هي الأصل
.. و هي عين الدين و كنهه و جوهره .

و ينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم .. ملك الملوك .. و بأسمائه الحسنى و صفاته و أفعاله و آياته و وحدانيته .

و يأتي محمد عليه الصلاة و السلام ليعطي المثال و القدوة .
و ذلك لتوثيق الأمر و تمام الكلمة .

و لكن يظل [COLOR=Red]الإحساس بالغيب هو روح العبادة .

و لقد أعطى محمد عليه الصلاة و السلام القدوة و المثال للمسلم الكامل ، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي و المجتمع الإسلامي ..

لكن محمدا عليه الصلاة و السلام و صحبه كانوا مسلمين في مجتمع قريش الكافر .. فبيئة الكفر ، و مناخ الكفر لم يمنع أيا منهم من أن يكون مسلما تام الإسلام .

و على المؤمن أن يدعو إلى الإيمان ، و لكن لا يضره ألا يستمع أحد ، و لا يضره أن يكفر من حوله ، فهو يستطيع أن يكون مؤمنا في أي نظام و في أي بيئة .. لأن الإيمان حالة قلبية ، و الدين شعور و ليس مظاهرة ، و المبصر يستطيع أن يباشر الإبصار و لو كان كل الموجودين عميانا ، فالإبصار ملكة لا تتأثر بعمى الموجودين ، كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين و لو كثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب .

إن العمدة في مسألة الدين و التدين هي الحالة القلبية .
ماذا يشغل القلب .. و ماذا يجول بالخاطر ؟
و ما الحب الغالب على المشاعر ؟
و لأي شيء الأفضلية القصوى ؟
و ماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة ؟
و إلى أي كفة يميل الهوى ؟

تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه .. و هي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية ، و لهذا قال القرآن .. و لذكر الله أكبر .. أي أن الذكر أكبر من الصلاة .. برغم أهمية الصلاة .

و لذلك قال النبي عليه الصلاة و السلام لصحابته عن أبي بكر .. إنه لا يفضلكم بصوم أو بصلاة و لكن بشيء وقر في قلبه ..

:redrose:












من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 09-21-2006



[CENTER][SIZE=4]الدين ماهو ( 2 )


و بهذا الشيء الذي وقر في قلب كل منا سوف نتفاضل يوم القيامة بأكثر مما نتفاضل بصلاة أو صيام .

إنما تكون الصلاة صلاة بسبب هذا الشيء الذي في القلب .

و إنما تكتسب الصلاة أهميتها القصوى في قدرتها على تصفية القلب و جمع الهمة و تحشيد الفكر و تركيز المشاعر .

و كثرة الصلاة تفتح هذه العين الداخلية و توسع هذا النهر الباطني ، و هي الجمعية الوجودية مع الله التي تعبر عن الدين بأكثر مما يعبر أي فعل .


وهي رسم الإسلام الذي يرسمه الجسم على الأرض ، سجودا ، و ركوعا و خشوعا و ابتهالا ، و فناء .. يقول رب العالمين لنبيه :
(( اسجد و اقترب )) .

و بسجود القلب يتجسد المعنى الباطني العميق للدين ، و تنعقد الصلة بأوثق ما تكون بين العبد و الرب .

و بالحس الديني ، يشهد القلب الفعل الإلهي في كل شيء .. في المطر و الجفاف ، في الهزيمة و النصر ، في الصحة و المرض ، في الفقر و الغنى ، في الفرج و الضيق .. و على اتساع التاريخ يرى الله في تقلب الأحداث و تداول المقادير .

و على اتساع الكون يرى الله في النظام و التناسق و الجمال ، كما يراه في الكوارث التي تنفجر فيها النجوم و تتلاشى في الفضاء البعيد .

و في خصوصية النفس يراه فيما يتعاقب على النفس من بسط و قبض ، و أمل و حلم ، و فيما يلقى في القلب من خواطر و واردات .. حتى لتكاد تتحول حياة العابد إلى حوار هامس بينه و بين ربه طول الوقت ..

حوار بدون كلمات ..


لأن كل حدث يجري حوله هو كلمة إلهية و عبارة ربانية ، و كل خبر مشيئة ، و كل جديد هو سابقة في علم الله القديم .

و هذا الفهم للمشيئة لا يرى فيه المسلم تعطيلا لحريته ، بل يرى فيه امتدادا لهذه الحرية .. فقد أصبح يختار بربه ، و يريد بربه ، و يخطط بربه ، و ينفذ بربه .. فالله هو الوكيل في كل أعماله .

بل هو يمشي به ، و يتنفس به ، و يسمع به ، و يبصر به ، و يحيا به .. و تلك قوة هائلة و مدد لا ينفد للعابد العارف ، كادت أن تكون يده يد الله و بصره بصره ، و سمعه سمعه ، و إرادته إرادته .

إن نهر الوجود الباطني داخله قد اتسع للإطلاق .. و في ذلك يقول الله في حديثه القدسي :
(( لم تسعني سماواتي و لا أرضي و وسعني قلب عبدي المؤمن )) .

هذا التصعيد الوجودي ، و العروج النفسي المستمر هو المعنى الحقيقي للدين .. و تلك هي الهجرة إلى الله كدحا .
(( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) .

و لا نجد غير الكدح كلمة تعبر عن هذه المعاناة الوجودية الخلاقة ، و الجهاد النفسي صعودا إلى الله .

هذا هو الدين .. و هو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسميا .

(f)(f)





من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 09-21-2006



[CENTER][SIZE=4]الحب


الحب و الهوى و الغرام خداع ألوان ، ما نراه في المحبوبة مثلما نراه في قوس قزح ، جمال ألوان قوس قزح ليس من قوس قزح نفسه و لكنه من فعل نور الشمس على رذاذ المطر المعلق في الهواء .. فإذا غابت الشمس و جف المطر اختفت الألوان و ذهب الجمال .

و هكذا محبوبتك جمالها فيما يتجلى عليها من خالقهاو سلفة.


حتى السجايا الحلوة و النفوس العذبة و الخلال الكريمة هي بعض ما يتجلى فينا من أسماء خالقنا الكريم الحليم الودود الرءوف الغفور الرحيم ..

أليست هذه أسماؤه ... !؟


و هل نحب حينما نحب إلا أسماءه الحسنى حيثما تحققت و أينما تحققت .

و هل نحب حينما نحب إلا حضرته الإلهية في كل صورة من صورها .

و الحكيم العارف من أدرك هذه الحقيقة فاتجه بحبه إلى الأصل .. إلى ربه و لم يلتفت إلى الوسائط و لم يدع بهرج الألوان يعطله .. و لم يقف عند الأشخاص .. فهو من أهل العزائم لا تعلق له إلا بربه .. لقد وفر على نفسه خيبة الأمل و انقطاع الرجاء و خداع الألوان.

لقد أحب من لا يهجر ، و عشق من لا يفتر ، و تعلق بمن لا يغيب ، و ارتبط بمن لا يموت ، و صاحب من بيده الأمر كله و ساهم في البنك المركزي الذي يخرج منه النقد جميعه .. و هام بالودود حقا ذاتا و صفاتا و أفعالا .

و ذلك هو مذهب العارفين في الحب ..


فهل عرفت ...
و إذا كنت عرفت .. فهل أنت بمستطيع ..

و مذهب العارفين ليس مجرد معرفة .. و لكنه همة و اقتدار و كدح و مغالبة .. و النفس لا تستطيع أن تعشق إلا ما ترى و لا أن تتعلق إلا بما تشهد بصرا و سمعا و حواسا .

أما تعلق الفؤاد بالذي ليس كمثله شيء فمرتبة عليا لا يوصل إليها إلا بالكدح و الكفاح و الهمة .. و قبل ذلك كله .. بالتوفيق و الرضا من صاحب الأمر كله ..


و لهذا أدرك العارفون أن هذا أمر لا يمكن الوصول إليه إلا ركوعا و سجودا و ابتهالا و عبادة و طاعة و خضوعا و خشوعا و تذللا و تجردا و إن هذه مرتبة لا تنال بشهادة جامعية و لا بماجستير أو دكتوراه ، أو تحصيل عقلي .. و لكنها منزلة رفيعة لا مدخل إليها إلا بالإخلاص و سلامة القلب و طهارة اليد و القدم و العين و الأذن و لا سبيل إليها إلا بخلع النعلين ( إشارة إلى قول الله تعالى لموسى : فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى - داعية السلام ) .

تخلع جسدك و نفسك ..

و ليس مقصود القوم هنا هو الزهد الفارغ و التبطل .. و إنما أن تخلع حظك و أنانيتك و شهوتك و طمعك و شخصانيتك ، و أن ترتد إلى الطهارة الأولى اللاشخصانية التي تعطي فيها و تحب دون نظر إلى حظ شخصي أو عائد ذاتي .. فهي حالة عمل و عطاء و بذل و ليست حالة زهد فارغ و تبطل .. و هي في ذروتها حالة فداء و تضحية في سبيل إعلاء كلمة الله .. تضحية لا تنظر إلى نيشان أو نصب تذكاري .. و لكنها تبذل المال و الدم و النفس لوجه الله وحده .

و يقول العارفون إن مائدة الاستشهاد هي أعلى موائد التكريم و لا دخول إليها إلا ببطاقة دعوة من صاحبها . و لا دخول إليها اقتحاما أو قهرا و تبجحا .. و إنما هي دعوة من الكريم يتلقاها صاحب الحظ بالتلبية و الهرولة و يتلقاها المحروم بالتكاسل و التخاذل .. و التخلف ..

ذلك هو الحب في مذهب القوم ، و هو غير الحب في مذهب منتجي أفلام السينما و مؤلفي الرومنتيكيات ، و هو أيضا غير الحب عند الكثرة الغالبة من الناس .. حيث الحب هوى و نار و شهوة و جريمة و صدور عارية و مجوهرات . و لحظات تتألق بالشعر ثم ما تلبث أن تخبو وتنطفئ و تترك رمادا من الأكاذيب .
(( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) )) ( يوسف )
(( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) )) ( العنكبوت )
(( إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ (116) )) ( الأنعام )
((وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا (36) )) ( يونس )
(( إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ (23) )) ( النجم )
(( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (44) )) ( الفرقان )

هكذا يعلمنا القرآن أن الكثرة لا تعرف أما العارفون فقليل ما هم و لكن الصحافة التي تخاطب الكثرة و السينما التي تتملق الجماهير و المؤلفين الذين يطمعون في الرواج و الشعراء الذين يتبعهم الغاوون يتغنون بألوان أخرى من الحب . و يتيهون معا في أودية الغفلة التي تنتهي بنا إلى جنون قيس و انتحار جوليت و سقوط راهب تاييس و مباذل فالنتينو و جرائم آل كابوني و موائد مونت كارلو .
و المنتجون عندنا أكثر تواضعا فهم يكتفون بكباريهات شارع الهرم .

و هو أمر قديم قدم التاريخ منذ أيام بابل ، و منذ أيام أنطونيو و كيلوباتره و منذ أيام الفراعنة و الإغريق و الرومان .. و نقرأ في كتاب الموتى هذه السطور التي كتبها الحكيم المصري منذ خمسة آلاف عام .
لا تنظر إلى امرأة جارك فقد انحرف ألف رجل عن جادة الصواب بسبب ذلك .. إنها لحظة قصيرة كالحلم و الندم يتبعها .
إنها معارف قديمة منذ أيام آدم .. و قصة بائدة منذ مقتل هابيل .
و لكن لا أحد يذكر .. و لا أحد يعتبر .. و لا أحد يتعلم من الدرس .
و أكثر الذين يعرفون لا تنفعهم معرفتهم بسبب ضعف الهمم و تخاذل الأنفس و غلبة الشهوات .

إن السلالم إلى الأدوار العليا موجودة طول الوقت ، و لكن لا أحد يكلف نفسه بصعود الدرج و الأغلبية تعيش و تموت في البدروم ...
و لو كلف أحد منهم نفسه بالصعود .. و تحمل مشقة الصعود و شاهد المنظر من فوق ، لبكى ندما على عمر عاشه في البدروم بين لذات لا تساوي شيئا
و لكنه الضعف الذي ينخر في الأبدان .

و البشرية تسير من الضعيف إلى الأضعف ، و الأجيال الجديدة أكثر ضعفا و أكثر تهافتا على العاجل البائد من اللذات ، و اقرأ المقال من أوله و اسأل نفسك .. من أي مرتبة من البشر أنت .. هل أنت عارف .. و إذا كنت عارفا .. فهل أنت بمستطيع ..

و ابك ما شئت من البكاء فلا شيء يستحق أن تبكيه .. لا فقرك و لا فشلك و لا تخلفك و لا مرضك .. فكل هذا يمكن تداركه أما الخطيئة التي تستحق أن تبكيها فهي خطيئة البعد عن إلهك ..

فإن ضيعت إلهك .. فلا شيء سوف يعوضك .
و كل أحلام الشعراء لن تغنيك شيئا .




:redrose:








من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 09-24-2006



[SIZE=4][CENTER]احترام الجسد


مأساة الإنسان أنه لا يوجد تواز بين نفسه و جسمه ، فالحادثة التي تقطع ساقه لا تقطع رغبته في الجري ، و الجراحة التي تستأصل غدته التناسلية لا تستأصل رغبته الجنسية .. و حينما يضعف بصره بالشيخوخة لا تضعف رغبته في الرؤية ، و عندما يضعف بدنه لا تموت شهوته .. و إنما العكس .. تسقط الأسنان و تزداد الرغبة في المضغ .. و تبدأ المهزلة .

و من لم يؤدب شبابه لن يستطيع أن يؤدب شيخوخته . و من لم يتمرس على كبح نفسه صبيا لن يقدر على ذلك كهلا .. و سوف تتحول لذته فتصبح عين مهانته إذا طال به الأجل .. و لهذا نرى الله يطيل آجال بعض المسرفين ليكونوا مهزلة عصورهم ، و ليصبحوا حكاية و نكتة تتندر بها الأجيال للاعتبار ..

حينما يتحول الفجار و الفساق و العتاة فيصبح الواحد منهم طفلا يتبول على نفسه و كسيحا يحبو و معوقا يفأفئ و يتهته ، و تسقط أسنانه التي سبق أن نبتت بالألم فينخرها السوس لتقع مرة أخرى بالألم ، و تعود أطرافه التي درجت على مشاية فتدرج على عكازين و يتحول الوجيه الذي كان مقصودا من الكل إلى عالة و شيئا ثقيلا و كومة من القمامة يتهرب منها الكل .. ثم لا يعود يزوره أحد .. ثم يموت فلا يشيعه مخلوق .. و لا تبكيه عين .. و لا تفتقده أذن .. و لا يذكره إنسان .. و كأنه دابة نفقت في حفرة .. فذلك هو التنكيس .. الذي ذكره القرآن .
(( و من نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون )) ( 68 - يس )

و السر في هذه المأساة .. أن النفس لا تشيخ و لا تهرم .. و لا تجري عليها طوارئ الزمان التي تجري على الجسد .. فهي من جوهر آخر غير مادة الجسد الكثيفة المركبة التي يطرأ عليها التحلل و الفساد .

فالسائق مايزال محتفظا بجميع لياقاته و سيظل شابا على الدوام و إن كانت العربة الشيفروليه الفاخرة قد صدأت آلاتها و أصابها التلف و عجزت عن الحركة .. و لم تعد للسائق حيلة سوى أن يسحبها .. و تلك هي حادثة الشيخوخة .. نفس مازالت بكامل رغباتها و شهواتها .. و لكن لا حيلة لها مع جسد مشلول لم يعد يطاوعها .. لا حيلة لها سوى أن تسحبه و تجره على كرسي متحرك .

يقول أهل الله في شطحاتهم الصوفية الجميلة : إزالة التعلقات بعد فناء الآلات من المحالات .
فهم قد فهموا شيئا أكثر من مجرد أن الأجسام آلات لتنفيذ رغبات النفس ، بل هي أشبه بالسلالم يمكن أن يستخدمها صاحبها في الصعود أو في الهبوط .

و تلك هي الفرصة التي أسموها .. إزالة التعلقات .

و سوف تضيع هذه الفرصة بالشيخوخة و انتهاء الأجل .. فلا أمل في إزالة التعلقات بعد فناء الآلات فذلك من المحالات .

و بذلك فهموا علاقة النفس بالجسد فهما جدليا .. فالنفس تؤدب الجسد ، و لكن الجسد أيضا يؤدب النفس .. و عملية الردع عملية متبادلة بين الإثنين .

الفرامل المادية مطلوبة لتربية الفرامل السلوكية و العكس صحيح .

و النمو النفسي و الروحي و التقدم المعنوي و التطهر الخلقي محتاج لهيكل مادي يعرج عليه صعدا .
و بهذا المعنى ينظر الصوفيون إلى الجسد بتقديس و احترام - و لا يحتقرونه - فهو عندهم محراب النفس .

فالنور في النهاية يخرج من سلك متوهج .
و نور الشمس يخرج من اندماج ذرات الهيدروجين .
و نور الغاز يخرج من احتراق الزيت .
و نور فضائلنا يخرج من احتراق أجسادنا .
فالجسم قنديل يمكن أن يشع فضيلة .


و النظر إلى الجسد باعتباره نجس و خطيئة نظرة غير إسلامية بل هو أمر مناف للإسلام ..

فالإسلام شمولي و جدلي ينظر إلى الإنسان باعتباره جسد وروح معا ..

و جسد الإنسان يمكن أن يكون هو عين روحه في لحظة .. كما أن روحه يمكن أن تكون عين جسده في لحظة أخرى و المسألة تتوقف على النفس هل هي صاعدة على سلم الهيكل أو هابطة عليه .

و الجسد عند الصوفية هو مجرد رسم مطلسم للروح و رمز رامز لأسرارها .. و هو معراجها الذي تصعد عليه للحضرة الإلهية .

و في حوار شعري رقيق بين الروح و الجسد ، يقول الصوفي أبو العزايم على لسان الروح مخاطبا الجسد :
أيا رسم من سفل تصاغ و ترتقي
فبين بحال أو صريح كلام
فيجيبه جسده قائلا :
لولاي ما جاهدت في الله مخلصا
و لولاي ما شرفت بالإكرام
فلولا ظلام الليل لم يعرف الضيا
و هو كلام دقيق و عميق ، فلولا المرض لم تعرف الصحة و لولا السواد لم يعرف البياض . و كل شيء لا يجلوه إلا نقيضه و بأضدادها تعرف الأشياء .
و الجسم و الروح كاللوح و القلم و كالمرآة و الوجه و كالشمس و نورها .
و في أسرار الروح لا ينتهي الكلام .



:redrose:










من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 09-28-2006




[CENTER]عالم الوحشة* (( و الغربة ))

* الوحشة في اللغة العربية الفصحى لها معنى لاأجد له مرادفا إلا مايشعر به المغترب في الغربة من تضاد للإستئناس بالأهل والأحباب - داعية السلام.

ما هو أكثر شيء يسعدك في هذه الدنيا ..؟
المال .. الجاه .. النساء .. الحب .. الشهرة .. السلطة .. تصفيق الآخرين .

إذا كنت جعلت سعادتك في هذه الأشياء فقد استودعت قلبك الأيدي التي تخون و تغدر و أتمنت عليها الشفاه التي تنافق و تتلون .

إذا جعلت من المال مصدر سعادتك فقد جعلتها في ما لا يدوم فالمال ينفد و بورصة الذهب و الدولار لا تثبت على حال .

و إذا جعلت سعادتك في الجاه و السلطان .. فالسلطان كما علمنا التاريخ كالأسد أنت اليوم راكبه و غدا أنت مأكوله .

و إذا جعلت سعادتك في تصفيق الآخرين فالآخرين يغيرون آراءهم كل يوم .

لقد وضعت كل رصيدك في بنك القلق و ألقيت بنفسك إلى عالم الوحشة و الغربة
، و أسلمت وجدانك ينهشه وحش الوقت .

و إذا جعلت سعادتك في حب امرأة .. فأين هي المرأة التي لم تتغير ؟ و أين هو القلب الذي لم يتقلب ؟ أين نجد هذا القلب إلا في الخيال في دواوين الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون و الذين هم في كل واد يهيمون .

سبعون ألف نبي في تقدير بعض العارفين عبروا هذه الأرض و بلغوا أقوامهم نفس الشيء و أعادوا عليهم نفس الدرس و رددوا نفس الكلمات .

و الناس مازالوا على حالهم لا يرى الواحد منهم أبعد من لحظته .

مازالوا على جاهليتهم الأولى يتدافعون بالمناكب على نفس الخسائس يرون حاصد الموت يحصد الرقاب من حولهم و لا يعتبرون .

بل هم اليوم أكثر نهما و أكثر تهالكا و أكثر تهافتا على اللاشيء و يقول لهم القرآن :
(( و في أنفسكم أفلا تبصرون )) .

و في أنفسهم و أقرب إليهم من حبل الوريد ، غاية الغايات و منتهى الأرب ، و قبلة المقاصد و مهوى الأفئدة و متعلق جميع المعارف .. الحق بذاته .. الله سبحانه و تعالى بنوره الأقدس .

الرحاب الأبهى و شميم الجنة و رفيف الملائكة في نفوسهم .. أقرب إليهم من حبل الوريد .. أقرب إلى الواحد منهم من نطقه .

إلى هذا المدى من القرب .. و إلى هذا المدى من اللطف .. يبلغ إيناس الرب لعبده .. و لا غرابة .. ألا تصير النفس الإنسانية قابلة لتجليات الأسماء الإلهية فيصبح الواحد منا رءوفا رحيما ودودا كريما حليما عفوا سميعا بصيرا عليما
.

إلى هذ المدى يستوي الرحمن على عرش سماواتنا الداخلية ، و يكاشفنا بأنه أقرب إلينا من حبل الوريد .. و هو من هو .. جامع الكمالات على إطلاقها .. ثم نتولى عنه معرضين نتدافع بالأكتاف و نتسابق بالمناكب خلف كل زائل و تافه .

و نتكلم عن الحب .. و في عمق نفوسنا من هو أولى بالحب كل الحب .. بل واهب الحب لكل محب و محبوب و سر الحب في كل محب و محبوب .. بل عين القيمة في كل ما هو قيم .. و عين الجمال في كل جميل .

و نتولى معرضين نجري خلف بريق اللحظات و نتشتت و نتوزع و تتجاذبنا الغوايات و نتمزق إلى شتات و نموت في وحشة و غربة و محصولنا مما جمعناه صفر .

و الله أقام شريعته غيرة علينا و على ما أودع فينا من روحه و رحمة بنا حتى لا نضيع ، و الشيطان يحاول أن يحجبنا عن هذا الثراء الداخلي حسدا و حقدا على ما فضلنا الله به .. و نحن نختار صحبة العدو على الصديق .. و نستمع إلى العدو و لا نلتفت إلى الصديق ، و نلازم العدو و نهجر الصديق .
و ما أكثر ما قتل الأقوام من أنبيائهم و أهل الغفلة من شهدائهم .
و عالمنا اليوم أشد في جاهليته و أعتى في ماديته من كل ما مضى من عوالم .

(( و في أنفسكم أفلا تبصرون )) .
في داخلنا الشاطئ و المرساة و بر الأمان .
سند الضمان فينا و لسنا في حاجة إلى التأمين على حياتنا في بنك خارجي لا داعي لكل هذا اللهاث المجنون على الجمع و التملك و الاكتناز .. فلن نزداد بذلك أمنا .
لا داعي لكل هذا السباق و القتل على السلطة فلن نزداد بذلك قوة .


اطمئن قلبا أيها المؤمن و أعرض عن هذه الغابة التي يتعارك فيها الكل بالمخلب و الناب ، قل كلمتك و الزم معرفتك و اعمل على شاكلتك ، و خض البحر فلن تبتل و اعبر أرض الغربة و الوحشة فلن تستوحش فلست وحدك فالله معك .. و أينما كنت فهو معك .

لا تقف مع الواقفين أمام فاترينة المال و الجاه و النساء الباهرات و الحب و الشهوة و السلطة و سائر غوايات الدنيا .
فأنت غني بما في داخلك عن كل هذا .

لا يكن مبلغ همك أن تحب هذه و تلك ، و إنما ليكن همك مجموعا على الله إلهك ، محبوبا لك مطلقا و دائما و أبدا .
و حسبك من المرأة التي تختارها المودة و الرحمة و حسن المعاشرة .

تعلق القلب لا يصح إلا لواحد ، و انشغال الهمة لا يجوز إلا لواحد هو الله وحده جامع الكمالات .


إنما جعل عرش القلب ليستوي الرب عليه وحده و ليس لهذه المرأة أو تلك .. الصبابة لا تليق بالعارف الكامل .. و بهو الملك حق للملك وحده و ليس لأي عابر سبيل ، و الله هو أغنى الشركاء عن الشرك .. و حق على من عرفه حق معرفته ألا يعبد غيره .

ألست تقطعه فيصلك ، و تكفره فيرزقك ، و تعصيه فيغفر لك ، و تهجره فيتودد إليك .. و هو من هو المتعال ذو الجلال و الجمال .. فأين هو من هذه و تلك .. ألا يكفيك أن بابه مفتوح أبدا و عفوه مناد عليك دائما ؟

ألا يحرك ذلك كوامن الشوق فيك ؟

ألا يثير فيك من الوجد ما لا تثيره هذه و تلك من أشباح ترابية فانية ؟
ألا تعود فتنظر حولك ببصيرة .. و تنظر في داخلك بإلهام .. قبل أن يجرفك التيار إلى عالم الوحشة و إلى البحر الطام الذي يتخبطه الشيطان من المس ؟

ألا تغريك هذه الكلمات بلحظة تأمل و بوقفة مع النفس تعيد فيها النظر .



:redrose:









من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 09-28-2006



الصانع العظيم


هل سأل أحدكم نفسه عن كمية السباكة داخل جسمه .. مجموع المواسير داخل العمارة التي هي بدنه ، بما فيه من آلاف الوصلات و المجاري التي يجري فيها الدم و البول و الطعام و الفضلات و عوادم التنفس و الهضم .

هل يعلم أن طول مواسير الدم .. مواسير أكثر ليونة من الكاوتشوك ، و أكثر متانة من الحديد ، و أطول عمرا من الصلب الكروم ، و في بعضها صمامات لا تسمح بالسير إلا في اتجاه واحد .

ثم مواسير الهواء ابتداء من فتحة الأنف إلى الحلق إلى القصبة الهوائية إلى الشعب ثم الشعيبات التي تتفرع و تتفرع و تنقسم حتى تصل إلى أكثر من مليون غرفة هوائية في الرئتين .

ثم مواسير البول التي تجمع البول من الكليتين لتصب في الحوض ثم الحالب ثم المثانة ثم قناة الصرف النهائية .

ثم مواسير الطعام من الفم إلى البلعوم إلى المعدة إلى الاثناعشر إلى الأمعاء الدقيقة .

ثم مواسير الفضلات من المصران الصاعد إلى المستعرض إلى الهابط إلى المستقيم إلى الشرج .

ثم ممرات الولادة و غرفها و دهاليزها و أنابيبها .

ثم مجاري المرارة و حوصلتها و مواسيرها .

ثم مجاري الليمف .. و مواقف الليمف و محطاته في الغدد الليمفية .

و هي مواسير تمر إلى جوارها الفضلات و تحميها شبكة من الأوعية الدموية و الأعصاب ، و جيوش من خلايا المقاومة تلتهم أي ميكروب يمكن أن يتسرب من هذه المواسير في طريق خاطئ إلى الجسم .

و أنابيب العرق .. و بلايين منها تشق الجلد و تفتح على سطحه لترطبه و تبرده بالعرق .

و أنابيب الدموع داخل حدقة العين تغسل العين و تجلوها .

و أنابيب التشحيم داخل جفن العين تفرز المواد الزيتية لتعطي العين تلك اللمعة الساحرة .

هذا الكم الهائل من السباكة الفنية الدقيقة المعجزة التي تعيش مائة سنة و لا تتلف .. و إذا أصابها التلف أصلحت نفسها بنفسها .

نموذج من الهندسة الإلهية العظيمة التي أهداها الله للإنسان منحة مجانية منذ ميلاده و تولى صيانتها برحمته و عنايته
.

فهل أدركنا هذه النعمة و هل قدرناها حق قدرها .

و كثير من الأمراض سببها أعطال و تلفيات في هذه السباكة .
الإسهال و الإمساك و الغازات و تطبل البطن ، هي أعطال و تلفيات في أنابيب صرف الفضلات و الزكام انسداد في منافذ الهواء داخل الأنف .
و الناسور هو ثقب في ماسورة الإخراج .
و احتباس البول و المغص الكلوي و آلام الكلى سببها أعطال في أنابيب صرف البول .

إن تركيبات (( الصحي )) في جسمك هي التي تصنع لك صحتك بالفعل .. بل هي صحتك ذاتها .. إن أي انقباض في ماسورة معوية يساوي صرخة مغص ، و أي ضيق في شريان القلب التاجي يساوي ذبحه ، و أي ضيق في ممرات الولادة يساوي إجهاضا و أي انسداد في قنوات فالوب يساوي عقما و أي انسداد في مجاري المرارة يساوي صفراء .

هذا غير مجاري الليمف و الدم و الغدد ، و هي تتنوع في الجسم بالآلاف ، و لكل غدة توصيلاتها و قنواتها و نظامها و دورها في صناعة الصحة التي نتمتع بها دون أن ندري أنها عملية تركيبية معقدة تشترك فيها مئات الأجهزة .

إن الصحة التي نشعر أنها مجرد استطراد لأمر عادي واقع .. ليست بالمرة أمرا عاديا و ليست مجرد واقع مألوف ، و إنما هي نتيجة تدبير محكم و ثمرة عمليات معقدة مرسومة بعناية و قصد . و إنما يحدث المرض حينما تتخلف هذه العناية و هي قلما تتخلف .. فإذا تخلفت فلتشرح لنا أسرارها

و في محاولاتنا البدائية في بيوتنا و عمارتنا التي نبنيها و هي مجرد ماكينات رمزية صغيرة لا تصل إلى واحد في المليون من العمارة البشرية .. غرقنا في (( شبر ميه )) .. طفحت مجاري القاهرة ، و تلوث البحر بعوادم المصانع ، و اختنق النيل بالفضلات التي تلقى فيه ، و وقفنا أمام السيفون التالف ننادي على سباك ، و اختلط الساخن بالبارد و الطاهر بالملوث ، و فشلنا في صناعة أصغر ماكيت سباكة لا تزيد مواسيره على بضعة أمتار ، و غرقنا في بانيو نصف متر ..

و هذه صناعتنا و تلك صناعته .
و هذه سباكتنا و تلك سباكته .
و هذه عمارتنا .. و تلك عمارته .
و هذا خلقنا .. و ذاك خلقه .
و تبارك الله أحسن الخالقين .

و كأنما يتحدانا الله بصنعته المبهرة و آياته الخالدة في عمارة الجسم البشري :

(( قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله )) .

و هو تحد ينسحب على كل آية من آيات الله .. في الكتاب .. أو في الآفاق .. أو في أنفسكم .

و النفس كبرى المعجزات .


:redrose:





من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 09-28-2006



أرى أنه من المناسبب وضع موضوع ( الصيام ) مرة أخرى بمناسبة شهر رمضان ... ما رأيكم ؟

:97:


[CENTER]الصيام


الصيام من الشعائر القديمة المشتركة في جميع الأديان.

و هواة الجدل دائما يسألون .. كيف يخلق لنا الله فما و أسنانا و بلعوما و معدة لنأكل ثم يقول لنا صوموا .. كيف يخلق لنا الجمال و الشهوة ثم يقول لنا غضوا أبصاركم و تعففوا .. هل هذا معقول ..


و أنا أقول لهم بل هو المعقول الوحيد .. فالله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك ..
لتقوده و تخضعه لا ليقودك هو و يخضعك .. و جسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه و تحكمه و تقوده و تلجمه و تستخدمه لغرضك ، و ليس العكس أن يستخدمك هو لغرضه و أن يقودك هو لشهواته .

و من هنا كان التحكم في الشهوة و قيادة الهوى و لجام المعدة هي علامة الإنسان .. أنت إنسان فقط في اللحظة التي تقاوم فيها ما تحب و تتحمل ما تكره .. أما إذا كان كل همك هو الانقياد لجوعك و شهواتك فأنت حيوان تحركك حزمة برسيم و تردعك عصا .. و ما لهذا خلقنا الله .

الله خلق لنا الشهوة لنتسلق عليها مستشرفين إلى شهوة أرفع .. نتحكم في الهياج الحيواني لشهوة الجسد و نصعد عليها لنكتفي بتلذذ العين بالجمال ، ثم نعود فنتسلق على هذه الشهوة الثانية لنتلذذ بشهوة العقل إلى الثقافة و العلم و الحكمة ثم نعود فنتسلق إلى معراج أكبر لنستشرف الحقيقة و نسعى إليها و نموت في سبيلها .

معارج من الأشواق أدناها الشوق إلى الجسد الطيني و أرفعها الشوق إلى الحقيقة و المثال .. و في الذروة .. أعلى الأشواق لرب الكمالات جميعها . الحق سبحانه و تعالى ..

و لهذا سخر الله لنا الطبيعة بقوانينها و ثرواتها و كنوزها ، و جعلها بفطرتها تطاوعنا و تخدمنا))
(( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ))

و العبادة لا تكون إلا عن معرفة .

فالحياة رحلة تعرف على الله و سوف يؤدي بنا التعرف على الله و كمالاته إلى عبادته .. هكذا بالفطرة و دون مجهود ، و هل نحتاج إلى مجهود لنعبد الجميلة حبا ..

إنما تتكفل بذلك الفطرة التي تجعلنا نذوب لحظة التطلع إلى وجهها ، فما بالنا لحظة التعرف على جامع الكمالات و الذي هو نبع الجمال كله .. إننا نفنى حبا .


و ما الصيام إلا التمرين الأول في هذه الرحلة ..

إنه التدريب على ركوب الفرس و ترويضه و تطويعه بتحمل الجوع و المشقة و هو درس الانضباط و الأدب و الطاعة .

و هذه المعاني الراقية (( الجميلة )) ليس منها ما نعرف في صيام اليوم من فوازير و نكات و هزليات و صوان و مكسرات و سهرات .
و إنما الصائم يفرغ نفسه للذكر و ليس للتليفزيون .. و يخلو للصلاة و قيام الليل و تلاوة القرآن و تدبر معانيه و ليس للرقص و ترديد الأغاني المكشوفة .

و قد كان رمضان دائما شهر حروب و غزوات و استشهاد في سبيل الله .

كانت غزوة بدر في رمضان .. كما كانت حرب التتار في رمضان .. و حرب الصليبيين في رمضان .. و حرب إسرائيل في رمضان .

ذلك هو الصيام الرفيع .. ليس تبطلا .. و لا نوما بطول النهار و سهرا أمام التليفزيون بطول الليل .. و ليس قياما متكاسلا في الصباح إلى العمل .. و ليس نرفزة و ضيق صدر و توترا مع الناس .. فالله في غنى عن مثل هذا الصيام ، و هو يرده على صاحبه و لا يقبله ، فلا ينال منه إلا الجوع و العطش .

و إنما الصيام هو ركوب لدابة الجسد لتكدح إلى الله بالعمل الصالح و القول الحسن و العباد ة الحقة .

و اسأل نفسك عن حظك من كل هذا في رمضان و ستعلم إلى أي حد أنت تباشر شعيرة الصيام.



(f)

:redrose:






من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 10-04-2006



أرى كثيرا من الناس حولي حزانى ومكتئبين , أرثى لحالهم كثيرا وأحزن بصدق .. لذلك أحاول التخفيف عنهم ما استطعت .. فإن كنت منهم فتفتضل اقرأ , إن كنت لست منهم فأنت بالخيار أو بالطماطم :D - داعية السلام .



[CENTER]الانتحار

من العجيب أن التقدم الذي جاء بمزيد من وسائل الترف و الراحة و بمزيد من التسهيلات للإنسان.. قد قابله الإنسان بمزيد من الرفض و السخط و التبرم، فرأينا إحصائيات الانتحار ترتفع مع مؤشرات التقدم في كل بلد..

كلما ازداد البلد مدنيةً ازداد عدد الذين يطلقون على أنفسهم الرصاص و يلقون بأنفسهم من النوافذ و يبتلعون السم و يشربون ماء النار..

هذا غير الانتحار المستتر بالخمور و المخدرات و التدخين و المنومات و المسكنات و المنبهات.. و في مقدمة هؤلاء المنتحرين طلائع فن و فكر وثقافة تعود الناس أن يأخذوا عنهم الحكمة و العلم و التوجيه.

و وصلت الموجة إلى بلادنا فامتلأت أعمدة الصحف بأخبار ابتلاع السم و إطلاق الرصاص و الشنق و الحرق.. و قال المختصون إن نسبة الزيادة الإحصائية تجاوزت العشرين في المائة.. و هو رقم كبير.
و الازدياد متواصل سنة بعد سنة.


و السؤال.. لماذا.. و ما السر؟
و ما سبب الانتحار؟




و إذا تركنا التفاصيل جانباً و حاولنا تأصيل المشكلة وجدنا جميع أسباب الانتحار تنتهي إلى سبب واحد.. أننا أمام إنسان خابت توقعاته و لم يعد يجد في نفسه العزم أو الهمة أو الاستعداد للمصالحة مع الواقع الجديد أو الصبر على الواقع القديم.

إنها لحظة نفاد طاقة و نفاد صبر و نفاد حيلة و نفاد عزم.

لحظة إلقاء سلاح.. يأس.. ما يلبث أن ينقلب إلى اتهام و إدانة للآخرين و للدنيا ثم عداوة للنفس و للآخرين و للدنيا تظل تتصاعد و تتفاقم حتى تتحول إلى حرب من نوع مختلف يعلنها الواحد على نفسه و يشنها على باطنه، و في لحظة ذروة تلتقط يده السلاح لتقتلع المشكلة من جذورها.. و لتقتلع معها الاحساس المرير و ذلك بطمس العين التي تبصر و قطع اللسان الذي يذوق و تحطيم الدماغ الذي يفكر و تدمير اليد التي تفعل و القدم الذي يمشي.

و هو نوع من الانفراد بالرأي و الانفراد بالحل و مصادرة جميع الآراء الأخرى بل إنكار أحقية كل وجود آخر غير الذات.

و لهذا كانت لحظة الانتحار تتضمن بالضرورة الكفر بالله و إنكاره و إنكار فضله و اليأس من رحمته و اتهامه في صنعته و في عدله و رفض أياديه و رفض أحكامه و رفض تدخله.
فهي لحظة كبر و علو و غطرسة و استبداد.
و ليست لحظة ضعف و بؤس و انكسار.
و بدون هذا العلو و الكبر و الغطرسة لا يمكن أن يحدث الانتحار أبدا.
فالإنسان لا ينتحر إلا في لحظة دكتاتورية مطلقة و تعصب أعمى لا يرى فيه إلا نفسه.

و الانتحار في صميمه اعتزاز بالنفس و تأله و منازعة الله في ربوبيته.
و المنتحر يختار نفسه و يصادر كل أنواع الوجود الآخر في لحظة غل مطلق.. في لحظة جحيم..[/COLOR]

( على فكرة أنا مقتنع جدا بهذا الكلام وعجب بفلسفة هذا الرجل جدا , عشان كده باكتب مقالاته هنا لكم - داعية )

و لهذا يقول الله أن من قتل نفسه يهوي إلى جحيم أبدي، ) لأنه قد اختار الغل و انتصر للغل و أخذ جانب الغل عند الاختيار النهائي للمصير.

و الانفراد المطلق في الرأي عصبية و غل و نارية إبليسية.. و النفس المتكبرة الأمارة بالسوء هي نار محضة و ظلمة..

و كل منا في داخله عدة احتمالات لنفوس متعددة.. في داخل كل منا نفس أمارة ظلمانية توسوس له بالشر و الشهوات.. و نفس لوامة نورانية تحضه على الخير ثم كل المراتب النفسية علواً و سفلاً فوق و تحت هاتين المنزلتين.

و كل نفس في حالة تذبذب مستمر بين هذه المراتب صاعدة هابطة فهي حيناً ترتفع إلى آفاق ملهمة و حيناً تهبط إلى مهاو مظلمة شهوانية.

ثم في النهاية تستقر.. فإذا استقرت على الرفض و الكبر و الغطرسة و الغل ثم اقتلعت أسنانها و لسانها و سمعها و بصرها و قطعت رقبتها في غل نهائي لا مراجعة فيه.. هي قد اختارت الجحيم بالفعل.. بل إنها في ذاتها قبضة نار لا مكان لها إلا في الجحيم.

(ناراً وقودها الناس و الحجارة)

يقول ربنا إن هذه النفوس هي وقود النار و جمراتها و مصدر الطاقة النارية فيها، و معنى هذا أنها أشد نارية من النار.

و المنتحر يتصور أنه سوف يتخلص من نفسه، و لكن لا خلاص و لا مهرب لإنسان من ذاته، فهو لن يخرج بالانتحار إلى راحة، بل هو خارج من النار الصغرى إلى النار الكبرى و من النار الزمنية إلى النار الأبدية.

و لنتجنب هذا المصير فإننا لابد أن نتجنب المشكلة أصلاً.

و المشكلة أصلاً هي التعلق.. و من ليس له تعلق بشيء لا ينتحر لشيء.

و لا يجوز عند المؤمنين تعلق إلا بالله فهو وحده جامع الكمالات، الدائم الباقي الذي لا يتغير و لا تخيب عنده التوقعات و لا تضيع الآمال
.

و الله هو المحبوب وحده على وجه الأصالة و ما نحب في الآخرين إلا تجلياته و أنواره، فجمال الوجوه من نوره و حنان القلوب من حنانه فنحن لا نملك من أنفسنا شيئاً إلا بقدر ما يخلع علينا سيدنا و مولانا من أنواره و أسمائه.

فنحن لا نحب في بعضنا إلا هو.


و هو حاضر لا يغيب و لا يهجر و لا يغدر و لا يغلق بابه في وجه لاجىء و لا يطرد من رحابه ملهوف.

فالواقفون عنده مطمئنون راضون ناعمون لا يخطر لهم الانتحار على بال سعداء في جميع الأحوال.

إنما ينتحر الذي تعلق بغيره.

الذي تعلق بليلاه و معشوقته و ظن أن جمالها منها و أصبح يتوقع منها ما يتوقع عبد من معبود و ربط نفسه بها رباط مصير. و نسى أنها ناقصة كسائر الخلق و محل للتغير و التبدل تتداول عليها الأحوال و التقلبات فتكره اليوم ما أحبته بالأمس و تزهد غداً فيما عشقته اليوم.

و نسى أن جمالها مستعار من خالقها و أنها إعارة لأجل و حينما ينتهي الأجل ستعود أقبح من القبح.

مثل هذا الرجل المحجوب الغافل إذا أفاق على الصحوة المريرة و فاجأه الغدر و التحول، يشعر شعور من فقد كل رصيده و أفلس إفلاس الموت و لم يبق له إلا الانتحار.

و لو أنه رأى جمالها من خالقها لأحب فيها إبداع صنعة الصانع و لكان من أهل التسبيح الذين يقولون عند رؤية كل زهرة.. الله......

فإذا رأوها في آخر النهار ذابلة.. قالوا حقاً لا إله إلا الله..( يعني هو وحده الباقي - داعية )

فحبهم لله و في الله و روابطهم روابط مودة و معروف لا مقصد لها و لا غرض و لا توقع.. فالغدر لا يفاجئهم و الهجر لا يصدمهم و شأنهم كما يقول المثل العامي.. اعمل الخير و ارمه البحر.. يبسطون أيديهم بالمعونة دون حساب لأي عائد و دون توقع لثمرة.

هؤلاء هم أهل السلامة دائماً.

و هم أهل الطمأنينة و السكينة لا تزلزلهم الزلازل و لا تحركهم النوازل.
هم أهل الطمأنينة اليوم.
و هم أهل الطمأنينة يوم الفزع الأكبر.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، و يوم لا ينفع مال و لا بنون.
و هؤلاء لا يتعلقون إلا بالله.
و لا يؤملون إلا في الله.
و لا يتوقعون إلا من الله.

إن المشكلة هي بالدرجة الأولى مشكلة إيمانو ازداد خضوعاً للملذات التي يسرها لنفسه.. و تصور أن قوته سوف تعصمه و علمه سوف يحميه فأمعن في غروره.

و هل عصم الجبل ابن نوح من الطوفان ؟!
بل كان من المغرقين.

فـ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ).

:redrose:


اعلم أن خوفك لايبرر إلحادك - داعية السلام








من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 10-05-2006


مقال هام جدا /

[CENTER]
لماذا خلق الله الدنيا




من الميلاد إلى الموت و الإنسان في صراع .
مادته و ترابه يشدانه إلى تحت ، و روحه تشده إلى فوق .

صراع بين عدم .. و وجود ..

و العدم ليس مجرد خواء .. أو لا شيء ، و إنما العدم قوة سالبة بمثل ما أن الوجود قوة موجبة .

المرض و الشيب و الشيخوخة و الذبول و الهزال قوى عدمية سالبة ، غلبت على الجسم فجعلته مريضاً ذابلاً هزيلاً .

فإذا غلبت هذه القوى العدمية على النفس ، جعلت المزاج النفسي متشائماً يائساً قلقاً سوداوياً كئيباً .

فإذا غلبت على القلب نزلت به إلى درك الحقد و الأنانية و الكبر و الغرور و النفاق و الشهوة .

فإذا غلبت على العقل أظلمته بغواشي الجهالة و الغباء و البلادة .

فإذا أغشت البصيرة ألقت بها في مهاوي الكفر و الشرك و الظلم .


و للعدم جيوش و فرسان .. و له جنود مجندة .
السوس الذي ينخر .. و البكتيريا التي تحلل و تهدم .. و الفيروسات التي تنشر الفوضى و التلف .. مروجوا المخدرات ، و ناشروا الفتن ، و تجار الشهوات .
التتار ، الهكسوس ، و الوندال ، الذين هدموا الحضارات .
كل هؤلاء جنود العدم و فرسانه !

و من وراء الغيب .. إبليس و ذريته ، أكبر قوة سالبة عدمية .. شعاره و رايته التي يلوح بها .. أنا .. أنا .. أنا خير منه.

و هو يجري فينا مجرى الدم ، بمقدار ما يقول الواحد فينا .. أنا .. أنا .. أنا خير منه .

و لكن الله لم يتركنا نهباً للقوى العدمية السالبة و إنما أعطانا أعلى شحنة موجبة حين نفخ فينا من روحه .

( إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )

و الله هو الفعال الإيجابي الخالص نفخته روح ، و كلمته روح ، و حينما تلابس روحه المادة ، تخلع عليها الصورة و النظام و الحياة و الحركة و الشباب و الصحة و العقل و الوعي و القيم و السجايا و الفضائل .

و الحياة بالروح ، هي الحياة الحقة بلا مرض و بلا موت و بلا شيخوخة .

و غلبة الروح على النفس ، تنزع بها إلى الكمال و النقاء و الطهر .
و غلبة الروح على العقل تنزع به إلى الإدراك و العلم و المعرفة .
و غلبة الروح على الجسد تداوي أسقامه و تشفي أمراضه .
و لعالم الروح جنوده المجندة من الملائكة مثلما لعالم الظلمة شياطينه .


و قد أطلق الله القوى السالبية العدمية ، تنازع القوى الموجبة الوجودية بمشيئته و خطته .. و انفرد بالهيمنة لا ينازعه أحد في ملكه .

و خلق النفس الإنسانية قابلة للإنفعال بالقوتين السالبة و الموجبة ، قابلة للإنحدار الإبليسي أو التحليق الملائكي .. و جعلها مجال صراع و حلبة و قتال .

( لقد خلقنا الإنسان في كبد )
أي في مكابدة .


و من خلال هذا القتال ينكشف محتوى النفس و ينجلي سرها و تقرر منزلتها و يظهر مرادها و يتأكد انتماؤها .

و هذه هي الدنيا و حكمتها .
( الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) .

الدنيا هي المناسبة .. هي المناسبة للتعرف .

هي سائل التحميض الذي يظهر الظل و النور في الصور الفوتوغرافية .
و هكذا تفعل بنا الدنيا ، تظهرنا على حقائقنا و تظهر ما فينا من ظلمة و نور ، فنرى بعضنا البعض في عيون بعضنا البعض
.. و نتعرف على أنفسنا من خلال أفعالنا و يفضي كل واحد منا بما يكتم في قلبه في لحظة أو أخرى .

و هكذا تتفاضل النفوس و تتقرر مراتبها و درجاتها .

هي مناسبة للتعرف ، خلقها الله ليعطينا من فضله و عدله ، بحسب استحقاقات يعلمها منذ الأزل ، و لا نعلمها نحن .

و الدنيا هي حادثة إعلامنا و تعريفنا بأنفسنا . و إعلام و تعريف كافة شهود الحدث من إنس و جن و ملائكة و شياطين .فلا تصح القضايا إلا إذا تم إعلام جميع الأطراف .

و علم الله لا يقوم حجة على خلقه إذا كان هؤلاء الخلق جاهلين .
فكان لابد من إعلام شامل كامل .

و الدنيا هي ذلك الإعلام الشامل الكامل .

و هي ملف الأحوال و الأعمال و النوايا و الخفايا لكل نفس .

ثم بعد ذلك يأتي النشر و الحشر و الجمع و الفصل .

و قد رتب الله كل هذا من أجل أن يعطي و يهب و يمنح .. فما خلقنا إلا ليعطينا .

لم يخلقنا لعذاب .

و ما أنزل علينا الشرائع و التكاليف إلا ليسعدنا

( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) .


و في سنته أن يعطي كل مخلوق ما يحب .
الذي يحب الدنيا .. يعطيه الدنيا ، و الذي يحب الآخرة يعطيه من الآخرة .. و الذي يعشق النور ، يأخذ بيده إلى النور .
و الذي يعشق الظلمة ، يتركه للظلمة .

و من النفوس ما لا تلذ لها إلا حياة الاشتعال و الاحتراق و الشهوات .. تلك النفوس كانت بضعة من النار فانتهت إلى النار بحكم المشاكلة و المجانسة و لم يصح لها مقام إلا فيها و لم يكن لها حظ من جنة لأنها أصلا لا تحب الجنة .. إنما يعطي الله كل نفس ما تحب
.
( و آتاكم من كل ما سألتموه ) .
( كلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا ) ..

فقد جعل الله من نفسه وكيلاً لنا ينفذ لنا رغباتنا .. ثم تكون كل نفس بعد ذلك بما كسبت رهينة .

و إذا كان الله يقول :
( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) .

فليس ذلك عن احتياج منه لعبادتنا ، و إنما لاحتياجنا نحن لعبادته .. و لأن العبادة هي الحبل الذي يربطنا به و الذي عن طريقه يأتي المدد و العطاء مثلما يأتي الغذاء للجنين من الأم عن طريق الحبل السري ، فإذا انقطع هذا الحبل انقطع عن الجنين غذاؤه .. و بالمثل إذا قطعت هذا الحبل بينك و بين الله ، فقد حرمت نفسك من شريان المدد و العطاء و لم يحرمك ربك بل أنت الذي حرمت نفسك و قطعت رحمك .

و إنما الله رحمة خالصة ، و عطاء خالص ، و قرب خالص .
و إنما الجفوة و البعد و القطيعة منا .


و ما الدنيا بكل ما فيها إلا عطاء عاجل مؤقت يعقبه في الآخرة عطاء آجل دائم فما خلقنا الله إلا ليعطينا في العاجل و في الآجل .

ألم ينفخ فينا روحه و يخلع علينا أسماءه و يسجد لنا ملائكته و يسخر لنا سماواته و يفتح لنا كنوز أرزاقه و يطعمنا كفاراً و مؤمنين ثم بعد ذلك يعدنا بميراث الخلود ، فماذا بعد ذلك .

و هل في الإمكان عطاء أكثر ؟

لو كان هناك أكثر فإنه هو أيضاً الوحيد القادر على إعطائه .
فهو وحده معطي الكثير و الأكثر و الكوثر .
فهو يقول لعبده :
( إنا أعطيناك الكوثر ) .
و من أجل ذلك خلقه .

فما خلق إلا ليعطي و ما خلق إلا ليرحم .
ذلكم الله ربكم لا يكافئه ثناء و لا يتناهى إلى قدره حمد .

لا إله إلا هو له الحمد في الأولى و الآخرة .



:redrose:






من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - داعية السلام مع الله - 10-06-2006



[CENTER]لماذا تمرض نفوسنا؟[/CENTER]!

المؤمن لا يعرف شيئا اسمه المرض النفسي لأنه يعيش في حالة قبول و انسجام مع كل ما يحدث له من خير و شر.. فهو كراكب الطائرة الذي يشعر بثقة كاملة في قائدها و في أنه لا يمكن أن يخطئ لأن علمه بلا حدود، و مهاراته بلا حدود..

( هذه المقولة تحتاج إلى تحرير : فالمؤمن الناقص الإيمان قد يمرض لأنه لايفهم كنه وحقيقة الايمان جيدا ولايعرف أن الله هو الوكيل لكل شؤونه , ولذلك يتعب . وأما المؤمن القوي الايمان فإنه لايعرف المرض النفسي فعلا , لأن كل الأمراض النفسية - غير العضوية العقلية - تعلق بالخلفية المعرفية المشوهة عن الذات والكون , والمؤمن معافى من هذا - داعية )

فهو سوف يقود الطائرة بكفاءة في جميع الظروف و سوف يجتاز بها العواصف و الحر و البرد و الجليد و الضباب.. و هو من فرط ثقته ينام و ينعس في كرسيه في اطمئنان و هو لا يرتجف و لا يهتز اذا سقطت الطائرة في مطب هوائي أو ترنحت في منعطف أو مالت نحو جبل.. فهذه أمور كلها لها حكمة و قد حدثت بارادة القائد و علمه و غايتها المزيد من الأمان فكل شيء يجري بتدبير و كل حدث يحدث بتقدير و ليس في الامكان أبدع مما كان.. و هو لهذا يسلم نفسه تماما لقائده بلا مساءلة و بلا مجادلة و يعطيه كل ثقته بلا تردد و يتمدد في كرسيه قرير العين ساكن النفس في حالة كاملة من تمام التوكل.

و هذا هو نفس احساس المؤمن بربه الذي يقود سفينة المقادير و يدير مجريات الحوادث و يقود الفلك الأعظم و يسوق المجرات في مداراتها و الشموس في مطالعها و مغاربها.. فكل ما يجري عليه من أمور مما لا طاقة له بها، هي في النهاية خير.

اذا مرض و لم يفلح الطب في علاجه.. قال في نفسه.. هو خير.. و اذا احترقت زراعته من الجفاف و لم تنجح وسائله في تجنب الكارثة.. فهي خير.. و سوف يعوضه الله خيرا منها.. و اذا فشل في حبه.. قال في نفسه حب فاشل خير من زيجة فاشلة.. فاذا فشل زواجه.. قال في نفسه الحمد لله أخذت الشر و راحت.. و الوحدة خير لصاحبها من جليس السوء.. و اذا أفلست تجارته قال الحمدلله لعل الله قد علم أن الغنى سوف يفسدني و أن مكاسب الدنيا ستكون خسارة علي في الآخرة.. و اذا مات له عزيز.. قال الحمدلله.. فالله أولى بنا من أنفسنا و هو الوحيد الذي يعلم متى تكون الزيادة في أعمارنا خيرا لنا و متى تكون شرا علينا.. سبحانه لا يسأل عما فعل.

و شعاره دائما: (و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لاتعلمون)

و هو دائما مطمئن القلب ساكن النفس [SIZE=4]يرى بنور بصيرته أن الدنيا دار امتحان و بلاء و أنها ممر لا مقر، و أنها ضيافة مؤقتة شرها زائل و خيرها زائل.. و أن الصابر فيها هو الكاسب و الشاكر هو الغالب.

لا مدخل لوسواس على قلبه و لا لهاجس على نفسه، لأن نفسه دائما مشغولة بذكر العظيم الرحيم الجليل و قلبه يهمس: الله.. الله.. مع كل نبضة، فلا يجد الشيطان محلا و لا موطئ قدم و لا ركنا مظلما في ذلك القلب يتسلل منه.

و هو قلب لا تحركه النوازل و لا تزلزله الزلازل لأنه في مقعد الصدق الذي لا تناله الأغيار.

و كل الأمراض النفسية التي يتكلم عنها أطباء النفوس لها عنده أسماء أخرى: ( وهذه نقطة هامة جدا - داعية )
الكبت اسمه تعفف
و الحرمان رياضة
و الاحساس بالذنب تقوى
و الخوف (و هو خوف من الله وحده) عاصم من الزلل
و المعاناة طريق الحكمة
و الحزن معرفة
و الشهوات درجات سلم يصعد عليها بقمعها و يعلو عليها بكبحها الى منازل الصفاء النفسي و القوة الروحية
و الأرق.. مدد من الله لمزيد من الذكر.. و الليلة التي لا ينام فيها نعمة تستدعي الشكر و ليست شكوى يبحث لها عن دواء منوم فقد صحا فيها الى الفجر و قام للصلاة
و الندم مناسبة حميدة للرجوع الى الحق و العودة الى الله
و الآلا م بأنواعها الجسدي منها و النفسي هي المعونة الالهية التي يستعين بها على غواية الدنيا فيستوحش منها و يزهد فيها


و اليأس و الحقد و الحسد أمراض نفسية لا يعرفها و لا تخطر له على بال
و الغل و الثأر و الانتقام مشاعر تخطاها بالعفو و الصفح و المغفرة
و هو لا يغضب الا لمظلوم و لا يعرف العنف الا كبحا لظالم
و المشاعر النفسية السائدة عنده هي المودة و الرحمة و الصبر و الشكر و الحلم و الرأفة و الوداعة و السماحة و القبول و الرضا
تلك هي دولة المؤمن التي لا تعرف الأمراض النفسية و لا الطب النفسي..


و الأصنام المعبودة مثل المال و الجنس و الجاه و السلطان، تحطمت و لم تعد قادرة على تفتيت المشاعر و تبديد الانتباه.. فاجتمعت النفس على ذاتها و توحدت همتها، و انقشع ضباب الرغبات و صفت الرؤية و هدأت الدوامة و ساد الاطمئنان و أصبح الانسان أملك لنفسه و أقدر على قيادها و تحول من عبد لنفسه الى حر بفضل الشعور بلا اله الا الله.. و بأنه لا حاكم و لا مهيمن و لا مالك للملك الا واحد،
فتحرر من الخوف من كل حاكم و من أي كبير بل ان الموت أصبح في نظره تحررا و انطلاقا و لقاء سعيد بالحبيب.

اختلفت النفس و أصبحت غير قابلة للمرض.. و ارتفعت الى هذه المنزلة بالايمان و الطاعة و العبادة فأصبح اختيارها هو ما يختاره الله، و هواها ما يحبه الله.. و ذابت الأنانية و الشخصانية في تلك النفس فأصبحت أداة عاملة و يدا منفذة لارادة ربها.

و هذه النفس المؤمنة لا تعرف داء الاكتئاب، فهي على العكس نفس متفائلة تؤمن بأنه لا وجود للكرب مادام هناك رب.. و أن العدل في متناولنا مادام هناك عادل.. و أن باب الرجاء مفتوح على مصراعيه مادام القادر حيا لا يموت.




:redrose: