حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$archive_pages - Line: 2 - File: printthread.php(287) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(287) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 287 eval
/printthread.php 117 printthread_multipage
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
أشياء تُشبه اليوميات - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: المدونــــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=83)
+--- الموضوع: أشياء تُشبه اليوميات (/showthread.php?tid=23728)

الصفحات: 1 2 3 4 5 6


أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 09-24-2007

كنت في عيادة طبيب العيون اليوم. كانت غرفة الانتظار مليئة، فحمدت الله من فوري أنني أحمل كتاباً تشدّني صفحاته، وستحميني من ملل الانتظار، لا أذكر أنني أمسكت بكتاب لأمين معلوف فطردني أو شرّدني بعيداً عنه، وهذا ما أريده فعلاً في الآن. تجلس قبالتي سيدة وخادمتها وأمها، تحمل السيدة في حجرها طفلاً نائماً، عرفت أن عمره بضع أشهر من الأفرهول الأصفر الذي يلبسه، أحب اللون الأصفر على الأطفال.
يجذبونني الأطفال حيثما كانوا، أحبهم بشكل خاص بعمر خمسة أشهر وحتى العامين. الطفل كان نائماً مطمئناً، حاولت استراق النظر إليه، رأسه عند صدر أمه، ملامحة غير ظاهرة لي. فعدت إلى كتابي،.
عدت إلى سنة 1860 في لبنان تحديداً، كنت أقرأ صفحات عشق طنوس لـ سوسان، التي أتت الجبل من زحلة هرباً من المذابح الطائفية، فكانت تتبادل وطنوس الابتسامات المسروقة وكلام العيون، بقي هذا الحال حتى عادت سوسان إلى زحلة، فعرف طنوس أن لا حياة هانئة له بعيدة عندها، فذهب مشياً لمدة ست ساعات متواصلات ليراها في بيت أهلها، وحين وصل لم يجد حجّة يغطي بها قدومة إلى زحلة إلا :"لدي مصلحة في زحلة لعدة أيام"، فلم يجد والد سوسان إلا أن يعزمه طيلة تواجده في زحلة. فكان ما أراد، صار طنوس يمشي مسافة ست ساعات ليصل، يجلس قليلاً في مجلس والدها ويرى سوسان، ليعود بعد ذلك سيراً على قدميه مسافة ست ساعات، ينام قليلاً ليعود في اليوم التالي... استمر هذا حاله حتى ذبل ونحل جسده، ألحّ أبوها بسؤاله عن سبب نحوله وإن كان يعاني من مرض خبيث. فلم يجد طنوس مهرباً سوى أن يخبر أباها بالحقيقة، فما كان من الوالد إل أن قال له:
- هذه الليلة، سوق ترقد هنا، قرب أبنائي، وعندما ترتاح، تعود إلي القرية في وضح النهار، وليس في الليل! ولن تعود إلى زحلة إلا لعقد الخطبة!
ولكم أن تتخيلوا سعادة طنوس حين سمع بكلمة "الخطبة" وفعلا تزوج من سوسان، وأنجب منها عشرة أبناء، أحدهم كان جد أمين معلوف!
كنت أقرأ هذه الحكاية، وأنا أتنقل مع طنوس بين الحقول مشياً، وهو يقطف التين والعنب كي لا يزور أهل الحبيبة فارغ اليدين من هدية. وأنا أتخيل نظرات الحبيبين، ونوم طنوس ساعات قليلة كي يعاود المشي ليرى الحبيبة! وبينما كنت كذلك، استيقظ الطفل الذي تحمله السيدة التي تجلس قبالتي. لم أستطع منع نفسي من النظر إليه، كان شعره الخفيف مبتلاً بالعرق، وأمه تمشّط شعراته بيدها، جلس في حضنها فتلاقت نظارتي والطفل، ففاجأني ببتسامةٍ عريضةٍ، ابتسامةُ انتقلت لعينيه الخضراوين الواسعتين. بدأت ألاعبه، الأم تبتسم لطفلها الذي استيقظ مبتسماً بل و(يتحركش) بمن حوله. استأذنت من الأم أن أحمله. حملته ضحك وطرتُ فرحاً، (كاغَيْتُ له)، "يا حبيبي ما أحلاكْ"
وافقتني الأم، أنها اجتماعية، لكنها لا تضحك هكذا للجميع.
- بنت؟ ليش مو ملبسيتها حلق؟ شو إسمها؟
- يارا، خايفة على دانها تلتهب من الحلق.
يارا صارت ترفع يدها، تحاول الإمساك بنظارتي، شعرت برغبة بتقبيلها، لكني أعرف أن بعض الأمهات لا يحبذن أن يقبّل الغرباء أطفالهم، لكنني لم أستطع منع نفسي، فقبّلت يارا على خدّها الأيسر، وأخيراً تمكّنت من نظارتي، ولم تفلتها إلا بتدخّل من أمها.

يارا بشهور عمرها السّتة، كانت فرح يومي، حتى حين عادت لحضن أمها بقيت تلتفت إليّ وتضحك، وأضحك معها...
مرّة أخرى ويا رب لا تكون الأخيرة التي أكرّر ما قلته سابقاً: حين تمنحكُ الطفولة ثقتها، هكذا بشكلٍ سَخيِّ ودون سبب وجيه، هو أن يمنحكَ الله ذاته: ثقته محبته ورضاه...
(f)


أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 01-03-2008

عيد الزيتون


- "وحِّـدوه، وحِّدوه، طلع الصبح، غسلوا وافطروا. اليوم عندنا تلقيط الزيتون..!"

كنت أكره هذا اليوم جداً، أقوم بتثاقلٍ وكسل، لكن ما أن يبدأ القطاف حتى تبدأ البهجة بالرقص بيننا.

سمعتُ والديّ يقولان، أن الزيتون يجب أن يشرب من "الشَّتوة الأولى"، وأن يُقطَف بعدها، لا يجب أن يشرب كثيراً كي لا تقل جودة الزّيت.

بابا، ماما أسامة، أخواتي السّت، وأنا، نوزِّع أنفسنا على الزيتونات القليلات، بين مَن يَـجِد الحبّات وبين من يلمَّها عن الأرض.

كنتُ أتسلق السّور وأقف على أغصان الزيتونة أقطف الحبّات بخفّة - لا أميل عليها بثقلي كاملاً لأني أعرف أن أغصان الزيتون فارغة من الداخل ولا تحتمل. يجول نظري بالمكان من حولي، بالأفق، بالأرض الحمراء، تتساءل أمي إن نفدت الحبّات عن أعلى الأغصان، فأخبرها أنها ما زالت "ملياااانة"..!

كثيراً ما حوّشت الحبّات بين كفّيّ، لأسكبهم كقطار سريع فوق رأس أبي، الذي توجعه ضرباتها، تضحك أمي : "آسفة، لم أنتبه أن الحبّات ستأتي على رأسكَ".

يجرح ورق الزيتون أكفّّنا، يغبّرها ويغبّر ملابسنا، لكننا نضحك، نشتغل بهمّةٍ ونشاط، نتبادل التّهم بأن لمى لا تَلُمّ الزيتون عن الأرض، وأن فداء ذهبت كي تشرب ولم تعد منذ ساعة! تقول سامية أن الزيتونة الأولى كان حملها أوفر السنة الماضية، تخبرنا أمي السّبب: "الزيتون يحمل سنة آه وسنة لأ".

حين أتعب، أفكر بضرب الزيتونة بالعصا حتى تتخلى عن حبّاتها، هكذا أنجز العمل بشكلٍ أسرع، تنهرني أمي: "لا تضربي الزيتونة. الزيتون ما بنضرب، إذا ضربتيها، السنة الجاية ما رح تحمل من الزعل!"

أفرح: "سوف أضربها كي لا تحمل، وتتعبنا السنة القادمة". أضربها مرة.. مرتين، وفي الثالثة ينقصف الغصن، فأحزن وأترك العصا، ألقي بالغصن المقصوف، وأدعو الله أن لا تراني أمي..!

ننتهي من "جَـدْ الزيتونات"، ويكون قد تعبّأ في شوالاته، نتحلق جميعاً حول أبي، الذي يقوم "بقبّان الشوالات" لنعرف وزن محصولنا.

"نُـرصِّع" أمي من الزيتون مؤونة سنة، أما البقية فيأخذه أبي للمعصرة: "أكون حيكون زيتهم فاخر!"

كبرنا، كبرت الزيتونات؛ تزوّج أسامة وسناء وإيمان وفداء. اشتغلتُ وسامية ولمى، وديانا في المدرسة. كبرنا ولم يعد وقتنا يسمح لنا بقطف الزيتون، خشي أبي أن تقطفه أمي وحدها، فاتّفق مع عمّال.

بالأمس، سمعت أحد العمّال يضرب زيتونة، كدت أقول له وقلبي يوجعني: "لا تضرب الزيتونة، لن تحمل السنة القادمة إن ضربتها، سوف تزعل..!"

قدَّرتُ أنه لن يسمعني، ولن يرد عليّ، فالزيتونة بالنسبة له "عمل"، وبالنسبة لنا : "ابن وابنه، أخ وأخت". أسكتُ وأمضي إلى شغلي، أفكر بالزيتونة المتألّمة، وتسمعني أعتذر لها...

الشّوالات مليئة بالزيتون، أرى أمي تنظّفها مما علق بها من أوراق. العمّال عبؤوا الأوراق والأوساخ مع الزيتون. جلستُ وسامية ولمى نساعد أمي، شعرتُ بسعادةٍ كبيرةٍ أن الزيتونة المتألمة غفرت لي. فكرتُ بجدّاتي اللواتي لم أعرفهن، أتخيلهن بأثوابهم المطرّزة وأكفّهن الخشنة من العمل في البيت والأرض. كانت أرواحهن ترفرف حولنا، حتى كدت ألمس شوق إحداهن للمس الزيتون وفصل الأوراق عن الحبّات، إذ لم تشتق لشيء في الدنيا أكثر من لمس الزيتون، روحها تعلّمني فصل الزيتون الأخضر عن الزيتون الأسود عن المختلط بين اللونين. أخبرتني أن زيت الزيتون الأخضر يكون لونه عكراً وطعمه مائلاً إلى المَرار. دلّتني على نسبة موزونة لخلط الزيتون الأخضر مع الزيتون الأسود ليكون زيتاً مناسباً كما تعوّدت عائلتنا.

باركتنا الجدّات الغيورات، غفرت لنا الزيتونات المتألمات، دعونا لأمنا وأبينا بطيلة العمر وحضور عيد الزيتون سنوات وسنوات.


*نشرت في صحيفة الدستور الأردنية، ملحق الشباب
http://www.addustour.com/Supplements/266.pdf


أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 11-24-2008



ثرثرة مساءٍ قَلِق


مضتْ أشهر طويلة لم أكتب للمدوّنة مباشرة، على الرغم من أن أحداثاً كثيرة حدثّت، أثّرت ولا زالت تترك أثاراها وبصماتها على أحداث يومي.

ما الذي يمنعني أن أكتب في المدونة مباشرة، في حين أن المدوّنات التي أحرص على قراءتها هي مدوّنات اليوميات؛ تلك التي ترصد نبض أيام كاتبها: أفكاره، أفراحه، ما يعكّر صفو يومه، قراءاته وهواجسه الداخلية. من هذه المدوّنات مدوّنة الأستاذ محمد عمر، وصديقتي العزيزة أمل إسماعيل. فلماذا إذاً لا أكتب مباشرة؟ أهو ضيق الوقت، أم خوفي على ذائقة القارئ إذ ما ذنبه أن يورّط نفسه بقراءة يوميات غيره؟ أم خوفي من أثر هذه الكتابة السريعة على كتابتي الخاصة؟

ضيق الوقت..
قبل عامٍ ونصف العام قررتُ العودة لمقاعد الدراسة، لم يكن الأمر سهلاً لكنه لم يكن بصعوبة أن يحاكمك المجتمع وظروف العمل أنك لا تحمل شهادة جامعية. فـعلى الرغم من صغر مساحة الأردن جغرافياً، فهو الأول في دول الوطن العربي في نسبة حملة الشهادة الجامعية، وبالتالي من لا يحمل شهادة جامعية لن تشفع له سنوات الخبرة ولا المهارات التي اشتغل على نفسه كي يحصل عليها. وبسبب الجامعة تبدو أيامي متشابهة رتيبة ولا أظلمها إن قلت بأنها عبارة عن نسخ ولصق من يوم البارحة، أخرج من البيت في السادسة والنصف صباحاً إلى العمل، وأعود له في التاسعة والنصف مساءً بعد دوام الجامعة!

كن رفيقاً بي أيها القارئ

نعم، كن رفيقاً بي واعذر الدقائق التي سرقتها من وقت في قراءة هذا الإدراج، لن تضفي لك شيئاً، أعرف. ولكن ألا نقرأ عادة اليوميات والكتابات السريعة بتشجيع من إشباع الفضول الاجتماعي؟ ألسنا نقرأ بعض الروايات والقصص لإشباع هذا الفضول قي قصص أبطالها؟ ما المانع أن أكون بطلة مدوّنتي؟ فكّرت في الأمر كثيراً، أن تكتب يومياتك في مدونتك، أن تصبح مشاعاً، أن تعرّض نفسك لأحكام مسبقة يطلقها عليك القارئ بناء على كتابة لحظات في حياتك حملك أثرها على نفسك وفرادتها واستثنائيتها على اختيارها دون غيرها كي تكون مادة كتابتك ليومياتك؟


الكتابة السريعة
لكم أخافُكِ، وأحبّكِ. أخاف أن تحرمني من العمل على الكتابة، أن آلفها حتى تصير سِمة حرفي وأسلوبه، أن تجعلني أعتقد أنني (أكتب) بينما الواقع أنني (أحكي). أن تشغلني عن الكتابة الأدبية بالحكي الاجتماعي.

مثقلة بالحكي، متخمةٌ بالتفاصيل. لم أبدأ بعد، وإن بدأت لن أنتهي. وربما لو لم يكن عندي امتحان محاسبة أعرف يقيناً بأنني لن أنجح به لما كتبت هذا الإدراج، فتوتّري وإحساسي بالذنب والخيبة أيضاً هو ما حملني على الكتابة التي لم تخبر بشيء، سوى أنها ثرثرة مساء قَلِق.
أنشر الإدراج دون مراجعته، عذراً وغفرانا





أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 12-14-2008

الرقيب الأول

عافت نفسي قراءة "المكتبة الخضراء للأطفال" بعد أن حفظت قصصها واحترفت إعادة رواية أحداثها، كما مللتُ قراءة "ألغاز المغامرون الخمسة" و"آرسين لوبين" بعد أن قرأت روايةً من روايات الكبار، كانت رواية "بائعة الخبز" لـ "كزافييه دي مونتابين".

اكتشفت مع بائعة الخبز لغةً جديدةً، أحداثاً مغايرة عن أجواء الألغاز البوليسية، شخصيات طيّبة، حنونة، مظلومة متمثّلة بالأرملة حنّة، وأخرى شريرة، قاسية، حاقدة كانت تحمل اسم جاك. لم أكن قد جاوزت الثانية عشرة من عمري. وبِقدر ما أضفت رواية بائعة الخبز من فرحة واستمتاع خلال قراءتي لها، كانت تسكب خوفاً جديداً في روحي. إذ من أين أحصل على روايات الكبار والمكتبة التي أحصل من خلالها على الألغاز والقصص، لا تبيع كتباً للكبار؟!

وكان لا بد من محاولة.

ديناران في جيبي، وشبه يأسٍ بوجود حكايا للكبار عند المكتبة المأهولة بالقرطاسية.

- عمو في قصص للكبار؟!

صاحب المكتبة يعرف نهمي في القراءة، ظنّ أني خجلتُ من طلب روايات عبير صراحةً فناولني إياها بصمتٍ مع ابتسامةٍ غريبةٍ لم أفهمها إلا فيما بعد. ناولني كتاباً بحجم الألغاز ولكن بعدد صفحات أكثر، أذكر الخط الأخضر الغامق تحت اسم روايات عبير، لم أكن قد رأيته قبلاً، ولم يعنِ لي شيئاً. عدت إلى للبيت ركضاً وحقيبة المدرسة على ظهري تقفز معي فرحاً، تسمعني وأنا أعد نفسي: لن أقرأ الألغاز بعد اليوم. روايات للكبار، وااااااااو المكتبة تبيع كتباً للكبار أيضاً

بدأت بالقراءة.
تبرهن أسماء المدن الأوروبية وأسماء الأبطال الغربيّة، أنني أقرأ روايات للكبار، تكبر الطّفلة التي كنتُها. تدور أحداث الرواية حول فتاة جميلة عمياء، يصدمها شاب بسيارته، يأخذها لبيتها، يجلس معها، تتحسّس وجهه، فتكتشف أنه تعرض لحادث، أو لحريق جعل من بشرة وجهه أشبه بكتلة تجاعيد غير متناسقة. أشفقتُ على البطل، وأوجعني عدم مقدرة الصبيّة على الرؤية.

مرّت الساعات سريعاً وأنا أقرأ، وكم كانت مفاجأتي حين قرأت أول قُبلةٍ بين البطلين، وبعدها كيف ضمّها بين ذراعيه حين خافت من صوت الرعد. أحببتُ ما قرأت، وخفت أن يراني أحد وأنا أحمل هذا الكتاب. خفت من خوفي، وكنتُ مثالاً صادقاً على :كاد المريبُ أن يقولَ خذوني، فوضعتُ الرواية في كتاب مادة العلوم، وكلّما مرّت أختي الكبرى بجوار غرفتي تراني أحمل كتاب المدرسة، فتظنُّ أنني أدرس. ساعة، ساعتان وربما يزيد وما زلت أحمل كتاب العلوم، بينما أنا أسبح بتفاصيل قصة حبِّ شائكة، استهوتني أن يكون البطل قبيحاً والبطلة عمياء، مأخوذة بالتفاصيل، أتخيّل نفسي كيف سأروي القصة لزميلاتي في غرفة الصّف، لذلك لم أنتبه إلا وأختي الكبرى تخطف مني كتاب العلوم وتقع على الأرض الرواية..!

ثوانٍ قليلة كان غضب أختي انتقل من الكذب حول الدراسة، إلى نوعيّة ومحتوى الرواية التي بين يدي، ومن عصبيّتها اكتشفت أن روايات عبير هي سلسلة روايات تُكتب للمراهقين، جميعها تدور حول قصص حب. عشرات الأسئلة قذفتها في وجهي سريعاً: من أين لكِ بالرواية؟، منذ متى تقرئين هذه المصائب؟، كم كارثة قرأتِ للآن؟، من هُن صاحباتك في المدرسة؟! لم أعرف كيف أجيب من الخوف، لم أعي إلا وهي تفتح الجارور الذي كنت أحتفظ بكتبي فيه، حملتْ كل ما عندي جميعاً: قصص المكتبة الخضراء، ألغاز الشياطين 12، ألغاز المغامرون الخمسة، آرسين لوبين، قصص الأنبياء، كتب هل تعلم، ورواية بائعة الخبز.

ورمت في وجهي حكمها: ما في قراءة من اليوم وطالع!

حملت معها كل ذكرياتي مع الألغاز، وحماسي لـ آرسين لوبين، لكن ما أوجعني حقاً رواية بائعة الخبز: لن تحرمني منها، أعرف سوف تعيد لي كل شيء دونها، فهي الوحيدة للكبار، كيف أقنعها أن بائعة الخبز ليس قصّة حب؟

تلك الليلة، لم تنم أختي إلا بعد أن أنهت قراءة بائعة الخبز، فكما توقّعت، لم تشعر بريبة إلا من تلك الرواية، وكانت أول كتاب تقرؤه وآخر كتاب للآن.

أعادت لي كل الكتب، ولكن بعد تهديد ووعيد باستمرار وتشديد المراقبة، ووعدٍ مني أن لا أقرأ روايات عبير، وأن أنتبه لدروسي.

وعدتُ ولم أفِ بوعدي، قرأت من روايات عبير ما فاق قراءتي للألغاز، لكني لم أكن أجرؤ على الاحتفاظ بالروايات، كنت أعيدها للمكتبة التي صارت تعطيني الرواية بأقل من نصف سعرها الأصلي، لأني أعيدها للمكتبة بعد قراءتها لأطلب غيرها!

الآن، كلّما ذكّرت أختي الكبرى برهاب الخوف الذي مارسته عليّ ضحكنا، وكم ضحكت حين أخبرتها أن مراقبتها لي، علّمتني عشرات الطرق في إخفاء قراءاتي ورواياتي.

أبتسم، حين أقرأ خبر منع كتاب أو محاكمة كاتب، أبتسم ألماً ربما أو سخرية، المنع لا يوّلد إلا مزيداً من رغبة في المعرفة، ومزيداً من فضول الاطلاع على ما مُنع.

شكراً أختي على حرصك، فبسببه قرأتُ وقرأتُ وقرأتُ وعشت تفاصيل عشرات القصص


شكراً أيها الرقيب، بسببك تعرّفت على كثير من الكتب الثمينة التي لولا قسوتك وربما جهلك وغطرستك ما عرفتها!

دمتم بود

(f):huh:


RE: أشياء تُشبه اليوميات - بسمة - 01-18-2010

علكة


كنت أشكو من وجعٍ في أسناني؛ حتى أخذني أخي إلى طبيب أسنان تبعد عيادته عن مجمّع السرفيسات -في وسط البلد - عشر دقائق مشياً على الأقدام، كان علينا أن نصعد درجات الممرّ الضيّق الذي يفصل مجمّع الباصات عن مجمّع السرفيسات، حيثُ ينقسمُ الناسُ دون انتظامٍ صاعدين ونازلين الدرجات. يسبقني أخي، يمسك بيدي الصغيرة بحرصٍ شديدٍ ويشدُّ عليها، حتى ظننتُه يجرّني خلفه جرّاً.

كانت المرّة الأولى التي أختَبرُ فيها مثل تلك الكثافة البشرية: رجال، نساء، وأطفال؛ تَشي ملابسهم ببساطة الحال، وملامحهم بحزنِ قانِعٍ، يحملون أكياساً بلاستيكية وأخرى ورقيّة، بينما تحمل بعض العجائز سلالاً فوق رؤوسهن تُظهر ما تضمّه من مشتريات. يأكل بعض نازلي الدرجات سندويشات فلافل اشتروها من المطعم الواقف على رأس الدرجات، بينما يقف بعض صاعديه عند "بسطة" ساعاتٍ يدويّةٍ رخيصةٍ، يقلّبونها، يسألون ويفاصلون أسعارها مع البائع الذي غالباً ما ينزع ساعاته ويعيدها أماكنها، فيذهبون إلى "بسطة" مجاورة، يُخرِجون عشرة قروش من جيوبهم ينقِّدونها للبائع؛ ويدسّون بدلاً عنها قدّاحة ملوّنة.

كانت تبدو خطوات الناس واثقةً، مرِنةً، متّزنةً، متمرّسةً، غير خائفةٍ من تماس الأجساد الصريح، أو من الانزلاق عن الدرجات الدّبقة من أثر الخضراوات المهروسة بالأقدام وأعقاب السجائر، لا تبدو على ملامحهم أي علامة انزعاج من الروائح المختلطة القويّة من أجسادهم وحمولة أكياسهم، والمنبعثة من المطاعم المجاورة. وحدي كنتُ الغريبة هناك..!

صحوتُ من ارتباكي بارتباكٍ أقوى. لَكَزتْ قدمي ساقاً ضعيفةً لصبيٍّ تُوحي قامته وبنيةُ جسده أن عمره من عمري، لم أكنُ قد تجاوزتُ الحادية عشرة آنذاك. كيف تُقدّرُ الأعمارُ، وهل يتشابه عمر شخصين صادف أن وُلدا في اليوم نفسه لكن عاشا حياتين مختلفتين؟

تجمّدت قدماي في مكانهما، شدّني أخي، استعجل موعد الطبيب، أو ربّما انتشلني من دهشةٍ أَنْسَتني وجع أسناني. ساقه الضعيفة سقَطَتْ وباقي جسده الصغير، لم تحتَمِل لكزةً بسيطة من ساق سليمة، أخذ يلمُّ حبّات العلكة غير عابئٍ بساقه، لم يلتفِتْ من أوقَعه، ملهوفاً يرفعُها من بين الأقدام المسرعة قبل أن تدوسها، أو تتطفّل يدٌ أخرى عليها وتأخذها، يلمّها بتلقائيّة مُجرِّب اعتاد السقوط وألِفَه. لم أساعده، لم أعتذر، كانت حبّات العلكة التي تناثرت كلّ همّه...

مضتْ سنواتٌ طويلة، ما زلتُ عالقةً بسؤالٍ أغفلني عن مساعدته أنذاك: كيف انتقاهُ العَوزُ واختارته الإعاقةُ؟ ولأيّ شيءٍ تخطّاياني؟

16/1/2010
السبت