حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
جريمة قتل الإمام الحسين - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58) +--- الموضوع: جريمة قتل الإمام الحسين (/showthread.php?tid=12354) |
جريمة قتل الإمام الحسين - zaidgalal - 02-11-2007 جريمة قتل الإمام الحسين - zaidgalal - 02-11-2007 جريمة قتل الإمام الحسين - AL-MOFEED - 02-21-2007 بسمه تعالى كل يوم عاشوراء * كل ارض كربلاء كان يقال : كربلاء : كرب و بلاء و نقول : بل كر و بلاء و لن ننسى الحسين عليه السلام و نتبرك بذكر ما قاله بعض اعلام الاثنى عشرية اعزهم الله حول نهضة الحسين روحى فداه جريمة قتل الإمام الحسين - AL-MOFEED - 02-21-2007 حول نهضة الحسين السيّد محمّد الرضا الحسيني الجلالي (الصفحة2) مقدّمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمّد وآله الطاهرين. انّ في تاريخ الإسلام الأبلج قضايا غاربت بعد أن نبعت، وأحدثت في النفوش آثاراً متوقّعة منها، وما دار عليها زمن قصير، إلاّ وذهبت أدراج الاُمور المعطّلة لا يجري لها ذكر. وهناك قضايا غمرت أفكار المفكّرين قبل أن تحدث، فيبحثون فيما هو السبب أن تحدث، والنتائج المترتّبة على وقوعها، والقائم بها. وبعد وقوعها تسري في أعمقا طالبي الحقائق بإستطلاع صميم الوقائع، وإستقصاء القرائن من قريب وبعيد. وهذه الثلّة من القضايا هي المرتكزة في قرارة النفوس، والمرتسمة في مرايا الأفكار، لا يمحوها كرّ الأزمان، وإنقلاب الأعمار وفي مقدّمة هذه الثلّة: قضيّة تأريخيّة عظيمة، إستعملت من إمكانيات المفكّرين والمصلحين أكثر ممّا حصلت عليه أيّة قضيّة اُخرى، وهي نهضة أبي الشهداء الإمام أبي عبدالله الحسين بن علي (عليهما السلام). فانّها بعظمة الناهض بها، وهول وقوعها، وعمق أسرارها: إنطوت على عظمة محيّرة للعقول، شذّ تفسيرها عن قول العقل، وليس بإمكانه تفسيرها إلاّ بـ«السرّ الإلهي الخالد»: ولذلك لا يمرّ بها عابر على سطح التأريخ الإسلامي إلاّ وتدور في خلده أسئلة تدلّ على شعوره بعظمة الأمر فيروح سائلا: لماذا خرج الحسين(عليه السلام) إلى العراق من مقرّه؟ وما هي نتائج (الصفحة3) نهضته المقدّسة؟ ولماذا لم يصالح يزيد؟ ولماذا أخرج أهل بيته؟ إلى غيرها من الاُمور، وكذلك جوبهت (لجنة الثقافة الدينيّة) الموقّرة من أحد قرّائها بهذه الأسئلة، وإختارتني اللجنة لأُمثّلها في الجواب; فكان ـ ممّا بذلت من الجهد ـ للجواب هذا الكتاب. *** وبعد: فهذا عرض وجيز في هذه المواضيع، تلقيّته من اُمّهات المصادر التأريخيّة عسى أن أكون محلّلا بعض هذه الأبحاث ومؤدّياً لبعض ما يجب عليّ تجاه هذه الثورة المقدّسة. ووطيد الأمل: أن يجوز رضى المتأمّلين فيه. وأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم انّه قريب مجيب: كربلاء المقدّسة 3/12/1385 محمّد الرضا الحسيني الجلالي (الصفحة4) تمهيد إنّ ثورة سيّد الشهداء (عليه السلام) من الحركات الإصلاحية التي حازت السبق في ميادين الخلود والذكر، وفاقت كلّها، للحق غناءً وخصباً. فعلينا إذا أردنا الإحاطة بها ومعرفة فلسفتها أن نعرف: أوّلا: ـ البيئة التي قامت فيها الثورة. ثانياً: ـ السلطة المسيطرة في ذلك الأوان. أمّا: بيئة الثورة فبإمكاننا أن نلخّصها تحت كلمة وسيعة المحيط، عميقة الغور; «الخمود» بجميع معانيه: 1 ـ الخمود الديني: حيث لم يبق للإسلام إلاّ اسمه، وللقرآن إلاّ رسمه، ومعالم الدين منطمسة، وأعلامه منكّسة، لا حرمة لمظاهر، ولا ذكر عن مآثره. 2 ـ الخمود العلمي: حيث لم يقم فيه المسلمون بعمل يذكر بحسن في التأريخ، والتأخّر مسيطر عليهم في كلّ اُمورهم; فلا فتح، ولا ظفر، ولا ثقافة، ولا ثروة. إلاّ الخسائر المتعاقبة من كلّ الجهات. 3 ـ الخمود الفكري: حيث لم ينشأ فيها مفكّر بصير، أو مخترع يفتخر به. إلاّ قتل الأحرار من المفكّرين، وإخلاء الأرض منهم. 4 ـ خمود القوّة في الاُمّة: حيث لم يوجد فيها من يحفزهم إلى جمع الشمل ونبذ البغضاء، أو من يفكّر في تحريرهم من ذلك الهوان، أو من يقدم إلى تحسين الحالة الإجتماعية السوأى حينذاك. فالخوف مطبق على حركاتهم وسكناتهم، لا يتمكّنون الفرار منه. إلى غير هذه ممّا يدخل في مفهوم «الخمود» الوسيع». وامّا: السلطة الحاكمة فكانت سلطة الحكم الاُموي، وسطرة الاُمويين الذين ما (الصفحة5) كان جهدهم إلاّ إخماد «صوت الإسلام»، واحياء «كلمة الجاهلية». وحقيقة هذا الحكم، وتأريخه: يتّصل بتأريخ: علي (عليه السلام)، ومعاوية والنبي (صلى الله عليه وآله)، وأبي سفيان فكانت قلوبهم ـ البعيدة عن الحقّ ـ ملأى بالأحقاد البدرية، والحنينية، وغيرهما ... على الإسلام وأهله. يتربّصون الدوائر لإظهار ما بباطنهم من داء، وما بجوانبهم من رواسب الجاهلية; حتّى إذا تربّعوا على أريكة الحكم; فكان من معاوية ما كان: من منعه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن نشر حقائق الإسلام .. وصدّه عن إرشاد الاُمّة إلى ما فيه خيرها وصلاحها، ومن بثّ الغوغاء في الاُمّة بتتابع شنّ الغارات وتوالي إيقاد الحروب ومن إطلاق سراح المجرمين الجامحين عن حكم الإسلام يعيثون في الأرض فساداً، ومن قتل الأبرياء من الصلحاء مهاجرين وأنصاراً إلى غيرها من المفاسد التي إبتدعها في الإسلام; وأعظمها تولية إبنه الفاجر ـ يزيد ـ على دست الحكم الإسلامي. وما تولّى يزيد الحكم (وهو الذي يريد هتك كلّ حرمات الدين) إلاّ .. وتجسّد فيه عداء أبي سفيان جدّه ومعاوية أبيه للحقّ مجتمعاً إلى عدائه. وكان الحقّ متجسّداً في الحسين السبط (عليه السلام)متمثّلا في دعوة جدّه ـ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ الواضحة على جبهته، وإيمان أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)المزيد على قوّته فكان هناك صدام عنيف! وماذا ترى حصل من هذا الإصطدام؟ نعم ... حصلت ـ من ذلك ـ ثورة أبي عبدالله الحسين(عليه السلام). وهذا بيّن لمن تنقّب المواضع المارّة. امّا: لماذا خرج الحسين(عليه السلام)من مدينة جدّه؟ (الصفحة6) الفصل الأوّل أسباب خروج الإمام من المدينة إلى العراق وقف الإمام ـ آنذاك ـ موقفاً عصيباً من أدقّ المواقف وأحرجها. فامّا أن يبايع يزيد الكفر: وبذلك يقضى عليه وعلى دين الله. وامّا أن لا يبايح ـ وهذا هو المتوقّع منه: فأمّا أن يكره على البيعة; وامّا أن يقتل دون أن يبايع، وبقتله تقتل قريش ـ كلّها ـ وبقتلها تكون مقتلة عظيمة. إذن: فماذا يفعل؟ ماذا يلزم عليه؟ انّه لا يبايع ..، ولكنّه يهاجر من المدينة إلى مكّة، ويهاجر من مكّة إلى العراق; ليأمن بغي يزيد، واُمرائه، وأحزابه; فارّاً مختفياً مترقّباً. *** فيمكن بالنظر إلى الأمرين المارّين: أن نحصر أهمّ أسباب خروجه من الحجاز إلى العراق في ما يلي:ـ (الأوّل): ـ الإصلاح وهو أهمّ أسباب خروجه (عليه السلام) وبه صرّح في أوّل وثيقة: لثورته ـ وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفية ـ قائلا: «وانّي لم أخرج أشراً ولا بطراً(1) ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي (صلى الله عليه وآله) اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب». يريد (عليه السلام) إصلاح الاُمّة، وبإصلاحها يصلح الحكم; فهمّته العليا (عليه السلام) هي إرشاد الاُمّة إلى السعادة، والأمان، والثروة. يريد هداية الاُمّة إلى محاسن الإسلام، ويردّهم عن الظلام الاُموي. يصلحها بإسترجاع الإسلام، ورفع أعلامه لأنّها كادت أن ــــــــــــــــــــــ (1) الأشر والبطر: المتكبّر عن قبول الحقّ. (الصفحة7) تنكس بتلك الأيدي الآثمة. يريد بذلك السير على كتاب الله ـ لا على خطط الوثنيّة، ص17 وعلى سنّة نبيّه ـ لا على سنن الجاهلية. وإحياء السنّة التي أماتها الاُمويون وإماتة البدعة التي أحيوها; كما عبّر عن ذلك في كتابه إلى أهل البصرة: «وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه فانّ السنّة قد اُميتت، والبدعة قد اُحييت الخ». (الثاني):ـ الفرار من يزيد لما كان فيه من العداء البغيض، والحقد المتراكب على فؤاده للحسين (عليه السلام)لإبائه البيعة له. وقد تربّص للإمام الدوائر، وتعقّبه في مواقع كثيرة: (منها) حين كتب إلى واليه على المدينة ـ الوليد بن عتبة ـ يأمره بأخذ البيعة من الحسين وقال في آخر كتابه: «امّا بعد فخذ الحسين وعبدالله بن عمر وعبدالرحمن بن أبي بكر وعبدالله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة; فمن أبى عليك فاضرب عنقه الخ»(1). ص18 (ومنها) حين أرسل عمرو بن سعيد في عسكر عظيم إلى الحجاز، وولاّه أمر الموسم، وأمره على الحاج كلّهم وأمره أن يناجز الحسين ان هو ناجزه وأن يقتله ان تمكّن عليه، وإلاّ فيقتله .. غيلة!! (ومنها) حين دسّ في تلك السنة مع الحاج ثلاثين رجلا من شياطين بني اُميّة، وأمرهم بقتل الحسين (عليه السلام) على أيّ حال اتّفق ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة!; فلمّا علم الحسين بذلك جعل حجّته عمرة مفردة وخرج. وهكذا في غير موقف وموطن كان يأمر بقتله، ــــــــــــــــــــــ (1) مقتل الحسين، للخوارزمي ج1 ص180. (الصفحة8) والحسين يفرّ منه مترقّباً إلى أن إنحصر في وادي الطفّ فأعلن الثورة. (الثالث):ـ إتمام الحجّة على أهل الكوفة ومن أسباب خروجه إلى العراق، ودواعيه المهمّة ـ إجابة دعوة الكوفة إيّاه; فانّهم أرسلوا إليه ان: أقدم على جند لك مجنّدة ... حتّى إجتمع عنده إثنى عشر الف كتاب إشترك في الكتاب الخمسة والعشرة يستنجدون به من الذلّ والهوان، ويعدونه النصر; فكان من الواجب عليه (عليه السلام) الذهاب إليهم; لإتمام الحجّة عليهم; سيّما بعد أن أرسل إليه نائبه ورسوله مسلم بن عقيل ـ بإقبال الناس عليه; وتوافرهم على البيعة له، وانّهم بلغوا ثلاثين ألفاً. (وامّا). عدم رجوعه بعد علمه بغدر أهل الكوفة; فلأنّ أهل بيته أبوا الرجوع، فقد قال (عليه السلام)لهم حينئذ: ما ترون فقد قتل مسلم؟ فقالوا: والله لا نرجع حتّى نصيب ثارنا، أو نذوق ما ذاق; فما كان من العدل أن يتركهم وهم الذين واسوه إلى ذلك الموقف; فقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء. هذا مع انّه (عليه السلام) لم يجد ملجاءً يلجأ إليه; فما كان عليه إلاّ أن يتابع السير ليلقى مقرّه. (الرابع): حفظ حرمة الحرمين كان (عليه السلام) حريصاً على الخروج من الحجاز بأسرع وقت ممكن أشدّ الحرص; لئلاّ يقع بينه وبين حزب يزيد في الحرم قتال فتهتك حرمته وامّا يزيد; فهو الذي أمر بقتل الحسين ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة ومع هذا فهل يرى للحرم حرمة؟ (الصفحة9) (الخامس):ـ نشر دعوته لمّا كان لخروجه (عليه السلام) في ذلك الوقت من تأييد حركته، ودعوته; حتّى صار إبائه على يزيد البيعة، وخروجه من الحجاز: حديث كلّ إثنين يجتمعان. فأوجد (عليه السلام) بمسيره في ذلك الوقت ـ ثورة فكريّة سبّبت إفشاء دعوته بسرعة البرق. وكان لخروجه في غير أوانه دوي يرنّ صداه في الداخل والخارج والناس يتساءلون عن نبأه العظيم وعن انّه (عليه السلام): هل حجّ وخرج؟ ولماذا خرج؟ وإلى أين؟ ومتى؟ هذا .. والحسين (عليه السلام)يسير بموكبه الفخم وحوله أهله كهالة حول القمر وكان موكبه (عليه السلام) داعية من دعاته; فانّ الخارج يومئذ من أرض الحجّ والناس متوجّهون إلى الحجّ لابدّ أن يستلفت إلى نفسه الأنظار وان كان راكباً واحداً .. فكيف بركب وموكب؟. انّه لأمر مريب وغريب .. يستوقف الناظر ويستجوب العابر(1). *** لهذا خرج الحسين (عليه السلام)من الحجاز إلى العراق. ليثور هناك، ويفيض العوائد الثمينة علينا من وراء ثورته فكان خروجه السبب الأوّل لثورته حيث انّ يزيد لمّا اُخبر بخروجه (عليه السلام) غلب على عقله: انّه يتأهّب للخروج عليه في العراق مهد الشيعة; فأمر واليه على الكوفة ـ عبيدالله بن زياد ـ أن يقابل الحسين بالقتال; فخرج جيش الوالي إليه، والتقوا في وادي الطفّ ـ أرض البسالة والشهادة. ــــــــــــــــــــــ (1) نهضة الحسين; للشهرستاني ص57. (الصفحة10) الفصل الثاني نتائج تلك النهضة عوائد حركة الحسين .. ليست كالعوائد الشخصيّة، أو المرهونة بوقت; تموت بوفاة، أو فوات، بل هي آثار خالدة ـ تعود إلى المجتمع كلّه ـ خلود الدهر، ومناهج للبشر مدى الأجيال لإعلاء الحقّ وإزهاق الباطل فهي صرخة كانت للحقّ، وكان نتاجها الحقّ، وفوائدها كثيرة يمكن حصر أهمّها فيما يلي: ـ (الأوّل):ـ صدر الحكم الاُموي الغاشم عن السير على خططه الهدّامة التي محورها: «محق الإسلام»، وموادّها: «ما ملئت صحف التأريخ»: فمنها: معاداة «معاوية» أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومعارضته إيّاه في جميع الحالات، الأمر الذي أنتج إستهانة الناس بالسيادة الإسلامية «الخلافة»، وأصبحت الاُمّة من جرّاء ذلك لا تعني بعظمائها، ولم يأخذوا أفعالهم مناهج في سيرهم ولم يتّبعوا آثارهم وأقوالهم، ولم ينتهوا بمناهيهم، حتّى انّهم جعلوا القرآن وراء ظهورهم، وعرض بذلك عليهم الذلّ والهوان إلى أن انتبهوا (بصرخة الحقّ). ومنها: قتلهم، ونفيهم: أصحاب الحقّ والفضيلة والإيمان والجهاد; من كلّ صحابي جليل، أو مجاهد قدير، أو آمر بالمعروف، أو ناه عن المنكر. كتبعيد عثمان أبا ذرّ الصحابي الأكبر الصدّيق الأمين إلى الربذة وكسحقه وقتله ابن مسعود الصحابي الكبير ذا المناقب الجمّة. وقتل معاوية عمّار الصابر في سبيل الله، وقتله حجر (الصفحة11) بن عدي الصالح التقي ورفاقه الأبرار أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقتله محمّد بن أبي بكر وأشياعه المتّقين. إلى غيرهم من أصحاب أمير المؤمنين; أصحاب الحقّ والفضيلة والجرأة، فعلوا كلّ ذلك ليصفو لهم الجوّ حتّى إذا أخلوا الاُمّة منهم .. تسلّطوا عليها ملوكاً إلى أن أخرج الله من ادّخره لإنقاذ دينه: الحسين بن علي فنهض تلك النهضة التي بدّدت كيانهم. ومنها: تأميرهم كلّ فاجر فاسق، وكافر منافق على الاُمّة المؤمنة يعيثون في الأرض فساداً، ويكثرون في الأرض العتوّ. كتأمير; معاوية على الشام، والوليد على الكوفة وكأستخلاف معاوية إبنه يزيد. وكتأمير يزيد عبيدالله بن زياد .. إلى غيرهم ممّن يبرأ منهم الحقّ من مجرمي التأريخ. ومنها عداؤهم لأهل البيت ـ النبوي ـ وسعيهم في تحطيم شوكتهم، والجدّ في إبادتهم، وإهانتهم بشتّى الأسباب من قتل وسبّ وغصب وتشريد وهتك حرمه إلى غيرها من الإرهابات التي تحطّ من شأنهم وقوّتهم. فكانت ثورة أبي عبدالله بتراً لحكمهم، وصدّاً لهم، وردعاً لعدائهم. وبثورته (عليه السلام) تنبهّت الاُمّة إلى التأخّر الذي أوقعه الحكم الاُموي في مجتمعهم; فتمسّكوا بأهل البيت، واتّبعوا الحقّ. (الثاني): كشف الحجب عن أعمال تلك السياسة ـ السوداء ـ، وإبانة المقاصد الخبيثة التي أكنّوها في أعماقهم ـ لإصابة الإسلام والمسلمين. فأحرق (عليه السلام) تلك الأغشية الخلاّبة الخدّاعة، التي نصبوها ستراً لقبائحهم، ومنكراتهم; بلهب ثورة شعّ نوره حتّى أوضح الحقائق للعالم. تلك ثورة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) كانت ـ (الصفحة12) بدواً وختاماً ـ فضيحة لبني اُميّة. أمّا ابتداءً. فإخراج سيّد شباب أهل الجنّة من مقرّه إلى العراق، وحصر الطريق عليه، وصدّه عن الرجوع، أو دخوله أحد بلدان المسلمين يكون كأحدهم. ثمّ بعد الحصر ـ في أرض الشهادة ـ اعمال العنف والظلم الشديدين عليه وعلى أهل بيته وأطفاله; مع منع الماء عنهم ثلاثاً بلياليها في ذلك الموقف حيث الحرّ، والغربة في القفر، وهكذا في مقاتلة النفر النزر بأشنع محاربة وأفضع قساوة. وأمّا ختاماً: فحرق مأوى حرائر الرسول (صلى الله عليه وآله) الثواكل وذريّته حيث لا مقرّ ولا مأوى، وسبيهم من «الطفّ» بأبشع صورة إلى «الكوفة»، ثمّ إلى «الشام». وإهانتهم في الطرق والمجالس; كأنّهم سبايا الترك، أو الديلم ... إلى غير ذلك من المظالم والفجور. فهذا كلّه أثّر في أنفس الاُمّة، وأنتج المقصود من إبادتهم وإجتثاث اُصولهم. (الثالث): بثّ روح الحركة، والشعور بالمسؤولية في أنفس المصلحين من المؤمنين، وتنبيه الغافلين عن التأخّر إلى التقدّم والسعادة. وكذلك حفّزت المنكرين على يزيد فحشاءه الشنيع، وبذيه الذريع، إلى الإصلاح وزادتهم قوّة، وعزماً; فما مضت برهة من الزمن على ثورته; إلاّ والمصلحون يثبون للإصلاح في وجه الاُمويين، والمنكرون يعلنون الإباء ضدّ حكمهم. فاقتفى بالحسين (عليه السلام) أهل المدينة في واقعة (الحرّة)، وعبدالله بن الزبير، والمختار بن عبيدة الثقفي، وابن الأشتر النخعي، والتوّابون، وزيد بن علي الشهيد، والحسين بن علي شهيد فخّ. إلى غيرهم من المصلحين في ثوراتهم (الصفحة13) التي استحوت النضال ضدّ الباطل من ثورة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام). (الرابع): إحياء العزم والقوّة اللذين ماتا ـ تلك الفترة ـ . في المسلمين ـ ذلك العزم الذي استولوا به على نصف المعمورة وتلك القوّة التي زلزلوا بها عرش الروم. فانّه (عليه السلام) أعاد بثورته ذلك الخلق السامي إليهم ... فأخذوا يجاهدون في سبيل الله، وينبذون الباطل وأوليائه، ويتّبعون الحقّ ودعاته. *** وأخيراً .. فثورته ينبوع خير أفاضه علينا لنعيش في نعمائه سعداء، ومنار قدس مضيء لنسير عليه في الحياة برغد. وهي جهاد روحي متواصل ضدّ الظلم تبقى آثارها مع الحياة ليجعلها كلّ من يريد الإصلاح، نصب عينيه، شعاراً ينهج على سبيله. (الصفحة14) الفصل الثالث الصلح مع يزيد كان يزيد يحقد على الحسين (عليه السلام) اُموراً كثيرة، غير ما كان فيه من تضاغن وحقد لآبائه، على الإسلام والمسلمين. ونحن نذكر أهمّها موقعية في التاريخ وأحزمها حقداً على يزيد: (فمنها): صدّه عن نيل أوطاره وإظهار فحشائه، والإنكار عليه في كلّ المجالات، وكان هذا ممّا يغيضه كثيراً; لأنّه كان يرى الحسين ـ وهو (لع) ابن الخليفة ـ رجلا من الاُمّة، وهو سلطانها، ولكن كلّما أراد أن يحمل على الإمام ـ حملة الذئب ـ منعه أبوه الداهية عن ذلك. ومن الموارد التاريخيّة التي تنبيء عن عظمة الحسين (عليه السلام) وحقيقته وفضيلته، وعن رذالة معاوية، وإبنه: قصّة اُرينب بنت إسحاق القرشي. وذلك انّ يزيد كان يتحرّى أخبار الفتيات الحسان فسمع يوماً بحسن اُرينب، وكمال جمالها; فرغب فيها، وكان يتحيّن الفرصة لإخبار أبيه برغبته، وبينا ذلك، تزوّجها ابن عمّها ـ عبدالله بن سلام ـ فاشتدّ ذلك على يزيد، وأخبر أباه بأمره، وما اعتراه من الغمّ. فأمره بكتمان أمره وأرسل إلى عبدالله بن سلام أن يأتي إلى الشام; فلما استقرّ به المقام: أرسل إليه أبا هريرة، يخبره بأنّ معاوية يرغب في مصاهرته، فرحّب عبدالله بذلك كثيراً. وأخبر أبو هريرة معاوية بذلك; فقال له معاوية: سرّ ياأبا هريرة إلى إبنتي، وأخبرها برغبتي فانّ الاقدام على ما فيه رضاها أحوط (وكان قد تكلّم معها: بم تجيب؟); فلمّا أتاها أبو هريرة، وأخبرها برغبة; أبيها; أجابت إلى ما رأوا لها، ولكنّها قالت: (الصفحة15) انّي أخشى وجود زوجته اُرينب; فيدركني ما يدرك المرأة من الضرّة. فخرج أبو هريرة إلى عبدالله بالخبر، واستقرّ الرأي على طلاق اُرينب; فطلّقها عبدالله، وبعد ما توثّق معاوية من الطلاق: أرسل أبا هريرة إلى اُرينب; ليخبرها بأمر زوجها، ويزوّجها من يزيد; فذهب أبو هريرة إلى الكوفة، ومرّ فيها على الحسين بن علي (سبط رسول الله) فاحتفل به الإمام، واستخبره مجيئه، فأعلمه الخبر; فناشده ـ الحسين ـ الله: أن يذكره عندها; فأجاب أبو هريرة، وصار إليها .. وأخبرها بخبر زوجها، فبكت وجزعت، وبعد أن هدأت أعلمها بأنّ معاوية يستنكحها من إبنه يزيد، والحسين بن علي (عليه السلام)يريدها لنفسه فرغبت في الحسين سبط الرسول وتزوّجها. وإلى هنا إنقطع أمل معاوية .. وانظر إلى عظمة حسين المجد والخلود فيما فعل: ولمّا عاد عبدالله بن سلام المخدوع إلى الكوفة طلب من الحسين: أن تردّ عليه اُرينب وديعته التي أودعها عندها، وصدّقته اُرينب على ذلك; فأمره الحسين أن يستلم وديعته بنفسه كما أودعها بنفسه، ولمّا ترآى عبدالله واُرينب: جعلا يبكيان، بكاء تحسّر وحزن; وهناك نطق الحسين المجد والعزّ بقوله: أرجعا إلى ما كنتما عليه فإنّي أشهد انّها طالقة وإنّي لم ألمسها، وما أدخلتها في بيتي وتحت نكاحي: إلاّ محافظة لها من يزيد، ومن كيد أبيه. ... هذا الحسين. وأمّا معاوية: فانتشر نبأه في الشام بأنّه دعا (عبدالله) إلى الشام، ومكره على إبنته; ليطلّق اُرينب; فيزوّجها من إبنه. وذلك هدّ لركن معاوية عند شيعته; فما ترى مبلغ الحقد الذي يحمله معاوية (الصفحة16) وإبنه يزيد في الحسين؟(1) (ومنها): إبائه (عليه السلام) عن بيعة يزيد وإنكاره تحكيمه على معاوية، وقد صرّح بذلك في كلّ مجال ومكان، في خطبه ورسائله ومجالسه. وحسبك الكتاب الذي أرسله الإمام إلى معاوية في إستخلافه يزيد، فانّه (عليه السلام) صرّح فيه ممّا احتواه لحمه وشحمه، وما عملته يداه، واستوت عليه فطرته(2). ومعاوية لدهائه، لم ير من صلاحه معارضة الحسين، وتحريك عواطفه. وأمّا يزيد الكفر; فلم ير للحسين إلاّ القتل والحرق والإفناء .. ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة ..!! والحسين يعلم ذلك كما صرّح به في أقواله مثل قوله: «لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لأستخرجوني ويقتلوني» وقوله لابن عبّاس حين أشار إليه (عليه السلام) بالصلح. «هيهات هيهات يابن عبّاس انّ القوم لن يدعوني، وانّهم يطلبونني أين ما كنت حتّى اُبايعهم كرهاً، أو يقتلونني». وقوله للفرزدق لمّا قال له: ما أعجلك عن الحجّ؟:ـ ص37 «لو لم أعجل لاُخذت». وقوله لشيخ بني عكرمة: ـ «والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي» فهل بعد هذا كلّه كان له أن يصالح يزيد المتجاهر بالكفر. فتلخّص أهمّ أسباب عدم مبايعته يزيد في اُمور: (الأوّل): ـ علمه بأنّ يزيد يريد التشفّي منه بقتله، لأحقاده عليه; سواء بايعه أم لم يبايعه، صالحه أم لا; سواء من اخبار جدّه، ــــــــــــــــــــــ (1) اُنظر قصّة اُرينب مفصّلة في الإمامة والسياسة وغيرها من التواريخ والسير. (2) تجد نصّ الكتاب في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص180. (الصفحة17) وأبيه، وأخيه، أو من الظواهر التي كانت تدلّ عليه، من تعقيبه بالجيوش أينما ذهب، وأمر الولاة بقتله ومحاربته إلى غير ذلك. (الثاني): ـ عدم إطمينانه (عليه السلام) بيزيد وأتباعه، وكيف يوثق من شيمتهم الغدر، وسجيّتهم الخيانة. أمّا صالح معاوية الإمام الحسن (عليه السلام) بشروط لم يفِ بواحدة منها؟ ألم يعطوا مسلم بن عقيل الأمان فغدروا به؟ (الثالث):ـ علمه (عليه السلام) بأنّه ان بايع ذهب مجد الدين وعزّه; ص38 فانّ بيعته بمعنى امضائه أعمال يزيد وبني اُميّة المخالفة لصميم الدين والشريعة، ولذهبت معارف المبدأ والعقيدة هباءاً من دون أثر. صلح الحسن (عليه السلام) وامّا صلح الإمام الحسين (عليه السلام) مع معاوية فقد كان مقتضى بيئته لأنّه كان في بيئة غير ما كان الحسين فيه، وقد أحسّ من أصحابه الغدر والخيانة ووقع بالعيان منهم ذلك; فانّهم راسلوا معاوية بكونهم معه، وانّهم يرسلون الحسن إليه مكبّلا ان أراد; بخلاف الإمام الثالث فانّه (عليه السلام) غلبه ظنّ الفوز بالكوفة وبعد علمه بالغدر حصر عليه الطريق وصدّ عن الرجوع; فلم ير إلاّ النضال. وامّا الإمام الحسن (عليه السلام) فلم حينئذ إلاّ الصلح والنجاة بأهله وأولاده من القتل من بعد أن شرط تلك الشروط. ومع هذا فلا يقاس معاوية ـ الداهية ـ الذي كان ـ بمكره يحافظ على ظواهر الشريعة .. بيزيد المتجاهر بفسقه المعلن كفره. وأخيراً: هل كان يصالح يزيد الحسين إلاّ بالبيعة أو القتل؟ (الصفحة18) ص39 الفصل الرابع لماذا أخرج أهل بيته (عليهم السلام)؟ ص40 ما إنقطعت دعوة الحسين (عليه السلام) بقتله ولكن ما برح جهاده مستمرّاً ـ بعد قتله ـ من كربلاء ـ أرض الشهادة ـ إلى الكوفة ثمّ إلى الشام ـ عاصمة اُميّة ـ ثمّ منها إلى المدينة. فسار جهاد الحسين مع الأسارى أينما ساروا يدعو كلّ حي إلى الجهاد عن العقيدة فما مرّ ركب الأسارى على بلد إلاّ وأهلها يلبّون دعوة الحسين ـ إلى أن انقلب ـ الشام ـ على يزيد وحكمه ودكدك عرشه. وكذلك كان ركب الأسر مهيّجاً للخواطر الغافلة ضدّ الظلم المطبق فلم تمت مقاصد الحسين (عليه السلام) بموت شخصه. فالحسين (عليه السلام) أخرج أهل بيته لتكون ثورته متّصلة الحلقات إلى تحقيق مقاصده السامية. فكان ركب أهل بيت الحسين يسير أسيراً وينادي:ـ نحن عيال الحسين الشهيد بأرض الطفّ، سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي قتله يزيد ظلماً وعدواناً. فالقلوب تثور على يزيد، والأفكار تهيج ضدّه وتتلوها الأبدان. وفي أخذ الحسين أهل بيته إلى أرض ـ الثورة والشهادة ـ ص42 كربلاء تأييد عظيم لدعوته ورسالة مرفوعة إلى كلّ الأنحاء. فكم موقف وقفت فيها عيالات الحسين (عليه السلام)، محاربات باللسان ناشرات مبدء الحسين في هذا الأسر. (فمنها) بسالة الحوراء زينب بنت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)حين رأت الناس يبكون في سكك الكوفة; فأومأت إلى الناس ان اسكتوا; فسكتت الأجراس، وهدأت الأنفاس; فانطلقت قائلة: (الصفحة19) الحمد لله، والصلاة على محمّد وآله الطيبين الأخيار، أمّا بعد: ياأهل الكوفة، ياأهل الختل(1) والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة(2)، ولا هدأت الرنّة. إنّما مثلكم كمثل «التي نقضت(3) غزلها من بعد قوّة أنكاثا تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم» ألا وهل فيكم إلاّ الصلف(4)النطف(5)، والعجب والكذب والشنف(6) وملق الاماء(7) وغمز الأعداء(8) أو كمرعى على دمنة(9) أو كفضّة على ملحودة(10) ألا: ــــــــــــــــــــــ (1) الختل: الخداع في غفلة. (2) لا رقأت: دعاء بمعنى لا سكنت، ولا إنقطعت. (3) اقتباس من قوله تعالى في سورة النحل 16/90: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم ...) الآية إيماءاً إلى أنّ أهل الكوفة خالفوا نصّ الكتاب في نقضهم العهود، المنهي عنه في الآية السابقة على هذه الآية: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا انّ الله يعلم ما تفعلون). ومعنى كلامها «سلام الله عليها» أنتم ـ ياأهل الكوفة ـ كالامرأة التي نقضت غزلها وأفسدتها بالحلّ من بعد اعمال القوّة والإبرام في نسجه فجعلت غزلها أنكاثاً «وهو جمع نكث بكسر الأوّل وهو المنقوض بعد القتل» أي خيوطاً، والمعنى نقضت غزلها نقض انكاث (بمعنى المصدر) كما تتّخذون حلفكم على عهودكم خيانة ومكراً. وهكذا جعلت العقيلة القرآن شعاراً لها في جميع خطاباتها الجبّارة لتعلن إلى الملأ انّ الثائرين مع القرآن والثورة للقرآن. (4) الصلف: مصدر بمعنى التمدّح بما ليس له. (5) النطف: مصدر بمعنى القذف بالفجور وبمعنى الشرّ والفساد. (6) الشنف: المبغض بغير الحقّ. (7) ملق الإماء: ودّها ومحبّتها من دون النساء. (8) غمز الأعداء: الطعن فيهم باللسان والكلام عليهم فقط. (9) الدمنة: المزبلة. تريد(عليها السلام) انّه ليس فيكم إلاّ: كالمرعى في حسن الظاهر على المزبلة في قبح الباطن. (10) وفي رواية «أو كقصّة» بالقاف المفتوحة وهي «الجصّ» والملحودة: القبر والمقصود انّه ليس منكم أحد في حسن ظاهره وقبح باطنه إلاّ كالفضّة أو الجصّ الأبيض الموضوع على القبر النتن. (الصفحة20) «بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون»(1) أتبكون وتنتحبون، «فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلا»(2)فلقد ذهبتم بعارها وشنارها(3) ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنّى ترحضون، قتل سليل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، ومدرء(4)حجّتكم، ومنار محجّتكم(5) وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، وسيّد شباب أهل الجنّة، «ألا ساء ما تزرون»; فتعساً لكم ونكسا، وبعداً لكم وسحقا; فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله ورسوله، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة. ويلكم ياأهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم وأي كريمة ــــــــــــــــــــــ (1) إقتباس من قوله تعالى في سورة المائدة 5/80 ( ترى كثيراً منهم يتولّون الذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) إشارة إلى أنّ الفعل الذي صدر منهم بئس العلم وانّ أوليائهم الذين يتولّونهم هم الكافرون. (2) إقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة 9/82 في المخلّفين عن الجهاد: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاءاً بما كانوا يكسبون) إيماءاً إلى أنّ القاعدين عن الجهاد بين يدي أبي عبدالله الحسين سبط الرسول كالمخلّفين عن الجهاد مع رسول الله. (3) الشنار أقبح العيب أي تحمّلتم عار الاُمّة ولن تغسلوها عن أنفسكم بعد الفعلة التي فعلتموها أبداً. (4) المدرء: ما يدفع به. (5) المحجّة: الطريق. (الصفحة21) له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم لقد جئتم شيئاً ادّا(1) «تكاد السماوات يتفطّرن منه» وتنشق الأرض، وتخرّ الجبال هدّا ولقد أتيتم بها فرقاء(2) شوهاء(3) كطلاح الأرض(4)، وملأ السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً؟ «ولعذا الآخرة أخزى وهم لا ينصرون» فلا يستخفنّكم المهل(5) فانّه لا يحفزه البدار(6)، ولا يخاف فوت الثأر، وانّ ربّكم لبالمرصاد(7). هذه احدى المقامات الثورية للعقيلة. فقد قلبت لأوّل مرّة الكوفة من الفرح، إلى بكاء وحزن وحيرة. وكاد الركب أن يحدث ثورة فيها .. فانتبه الأمير لذلك ووجّههم إلى الشام. وأوردوا على يزيد، وكان محتفلا: بسرور ورود أسارى الخوارج (على ما أذاعه) إلى الشام، وحضر المحفل كلّ ذي شأن من جميع الطوائف ـ اُمراء وعلماء وشيوخ ووفود. فرأت عقيلة حيد انّ هذا هو المحلّ الذي يلزم أن تجاهد فيه، وأن تؤدّي فيه رسالة الحسين أخيها ـ الشهيد ـ; فصرخت في وجه يزيد قائلة: الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن ــــــــــــــــــــــ (1) أي منكراً فظيعاً. (2) أي حمقاء والضمير عائد إلى الفعلة التي فعلوها. (3) أي قبيحة. (4) أي كقدر الأرض في الكبر والعظم. (5) أي لا يصدنّكم الرفق بكم عن ترك طاعة الله وفعل معصيته. (6) أي فانّ الله تعالى لا يحثّه على العمل لزوم المسارعة إليه. (7) عن اللهوف لابن طاووس (رحمه الله) . (الصفحة22) كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون) .. أظننت يايزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة؟ وانّ ذلك لعظم خطرك عنده(1) فشمخت بأنفك(2) ونظر في عطفك(3) جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة(4) والاُمور متّسقة(5) وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلا مهلا، أنسيت قول الله تعالى: (ولا يحسبنّ الذين كفروا إنّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إماً ولهم عذاب مهين) أمن العدل يابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإمائك(6)، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ(7) أهل المناهل(8) والمعاقل(31) ويتصفّح(32) وجوههنّ القريب والبعيد، والداني والشريف، ليس معهنّ من حماتهنّ حمي، ولا من رجالهنّ ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء(33)، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف ــــــــــــــــــــــ (1) عظم الخطر: كرامة القدر ورفعة المنزلة. (2) شمخ بأنفه أي تكبّر وتعزّز ورفع أنفه. (3) نظرت في جانبك والعطف الجانب والمراد هو التكبير والعجب بذلك. (4) الاستوساق: الإجتماع. (5) متّسقة: أي مستوية أي لا خلاف عليك فيها. (6) من خدر البنت جعل لها خدراً، وألزمها الخدر، أي بؤها محلا مستوراً. (7) إستشرف أي مدّ عنقه لينظر إليه وطلب الإشراف عليه. (8) المناهل: جمع منهل الموضع الذي فيه الماء على الجادة. (الصفحة23) يستبطاء في بغضنا ـ أهل البيت ـ من نظر إلينا بالشنف(34) والشنآن(35) والإحن(36) والأضغان(37) ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم(38): الهامش (31) المعاقل: جمع المعقل بمعنى الملجىء والمراد المنازل التي يلجأ الناس إليها. (32) تصفّح وجهه: تأمّل في وجهه نظر إلى حليه وصورته ويتعرّف أمره. (33) أي كيف يرجى خوف من لفظ فمه أكباد الأزكياء من الله تشير (عليها السلام) إلى فعل هند لعنها الله بكبد عمّ النبي حمزة (رضي الله عنه) . (34) الشنف: أي البغض والنكراء. (35) الشنآن هو البغض مع عداوة. (36) الإحن أي الأحقاد والعداء المضمر. (37) الأضغان: الأحقاد أيضاً. (38) أي لا تحسب قولك إثماً ولا شيئاً عظيماً. ص50 لأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثمّ قال يايزيد لا تشل(39) منحنياً على ثنايا أبي عبدالله سيّد شباب أهل الجنّة، تنكتها(40) بمخصرتك(41) وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشافة(42) بإراقتك دماء ذريّة محمّد (صلى الله عليه وآله)، ونجوم (الصفحة24) الهامش (39) هذا البيت من أبيات تمثّل بها يزيد في ذلك المجلس قبل خطبة العقيلة وهي لابن الزبعري، وتمثّل يزيد بها لا يدلّ إلاّ على إعتقاده بما فيها وهو دليل جازم على كفره وخروجه عن الإسلام وهي: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثمّ قالوا يايزيد لا تشل قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل!! لست من خندف ان لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل!! (40) تنكتها: أي تضربها. (41) المخصرة: شيء كالسوط. (42) نكا القرحة: إذا قشرها قبل أن تبرأ، والشأفة قرحة تخرج في أسفل القدم، واستأصل الشافة أي أزالها، والمقصود انّك اقشرت قرحة قلوبنا بالقتل وأزلت قرحة نفسك باستشفائك. ص51 الأرض من آل عبدالمطلّب، وتهتف بأشياخك، زعمت انّك تناديهم، فلتردن وشيكاً موردهم، ولتودّن انّك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت. اللهمّ خذ لنا بحقّنا، وانتم ممّن ظلمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دمائنا، وقتل حماتنا. فوالله ما فريت(43) إلاّ جلدك ولا حززت إلاّ لحمك، ولتردن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته، وإنتهكت من حرمته في (الصفحة25) عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم ويلمّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم ... (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون)(44) وحسبك بالله حاكماً، وبمحمّد (صلى الله عليه وآله)خصيماً، وبجبرائيل ظهيراً، وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا وأيّكم شرّ مكاناً، وأضعف جندا. الهامش (43) أي ما قطعت بقتل أولياء الله إلاّ جلدك وقوّتك وحكمك. (44) إقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران 3/169، تشير (عليها السلام) إلى انّ الثائرين قتلوا في سبيل الله لا كما أذاعه يزيد في حزبه انّهم خوارج على الإسلام. ص52 ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك(45)، انّي لأستصغر خدّك، وأستعظم تقريعك(46) وأستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرّى(47) ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء. فهذه الأيدي تنطف(48) من دمائنا، والأفواه تتحلّب(49) من لحومنا، وتلك الجثث الهامش (45) عجباً لبراعة البلاغة!! تعبّر بمنطقها الساحر عن حطّ منزلة يزيد ودنائة نسبه وحسبه وعن فضيلة أصلها الثابت وفرعها المتلائي وعن كرامة أخيها ـ الشهيد ـ وتتحسّر على تكلّمها معه وتعلن إلينا أن تتحجّب عن مكالمة الأجانب إلاّ في مثل موقفها الحرج حيث أداء رسالة الحسين ـ شهيد العقيدة والدين ـ . (الصفحة26) (46) أي أحسب تقريعك وضربك ثنايا الحسين فعلا عظيماً صادراً من شخص لئيم مثلك. (47) الحروة حرقة في الصدر من الوجع. (48) تنطف: أي تقطر وتسيل. (49) تتحلّب: أي تشرب الحليب وتتغذّى به. ص53 الطواهر الزواكي تنتابها(50) العواسل(51)، وتعفّرها(52) اُمّهات الفراعل(53). ولئن اتّخذتنا مغنما، لتجدنّ وشيكاً مغرما، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، «وما ربّك بظلاّم للعبيد»، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل; فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك; فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فند(54)، وأيّامك إلاّ عدد، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين، والحمد لله ربّ العالمين; الذي حتّم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، انّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وهكذا تحارب العقيلة ـ فتقلب الأفكار على الظلم والباطل ـ انّه ـ حقّاً أعظم من البسالة في ميادين الجهاد. الهامش (50) تنتاب: أي تأتيها مرّة بعد اُخرى. (51) العواسل: الذئاب. (الصفحة27) (52) تعفّرها: تمرّغها في التراب. (53) الفراعل: أولاد الضباع. (54) أي إلاّ عجز عن مقاومة الدين. ص54 وكذلك خطبة الإمام زين العابدين وسائر الآل في الكوفة ـ والشام ـ توضّح حال الاُسراء وانّهم من؟ ولماذا أُسروا؟ ومن أسرهم؟ وكشف القناع عن فضائح بني اُميّة وذكر أنسابهم الحافلة بالإجرام. فأسباب إخراج الحسين (عليه السلام) أهل بيته معه إلى أرض كربلاء تتلخّص في ما يلي: (الأوّل):ـ انّ مشيئة الله تعلّقت بذلك لينتج نتائجه القيّمة من نشر الحقّ ودفع الباطل. وقد أفصح (عليه السلام) عن ذلك بقوله لاُمّ سلمة: «قد شاء الله أن يراني مقتولا ظلماً وعدواناً وشاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردّين وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيّدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً». وفي قوله لأخيه ابن الحنفية لمّا قال له: إذا علمت انّك مقتول فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك: «لقد قال لي جدّي: قد شاء الله أن يراهنّ سبايا متهتّكات». وأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرضا بذلك كما قال (عليه السلام) لابن عبّاس حين أشار إليه بعدم المسير بهنّ خوفاً من القتل والسبي: ص55 «يابن العمّ انّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي وقد أمرني بأمر لا أقدر على خلافه وانّه أمرني بأخذهنّ معي». (الثاني):ـ عدم إئتمان أحد عليهنّ كما صرّح هو به في تتمّة قوله لابن عبّاس الآنف:ـ «وانّهنّ ودائع رسول الله ولا آمن عليهنّ (الصفحة28) أحداً». ولخوفه (عليه السلام) من تعرّض يزيد لهنّ أن تركهنّ بقتل أو سبي أو إعتداء وهو حي وذلك أعظم مصيبة عليه. (الثالث):ـ عدم مفارقتهنّ له لأنّه (عليه السلام) كان عميداً لآل البيت وسيّداً للعلويين وحامي حماهم وملجأهم الوحيد عند الشدائد. فكيف يتركه أهل بيته وأخواته؟ كما قال هو أيضاً. في قوله لابن عبّاس «وهنّ أيضاً لا يفارقنني» ويدلّ عليه أيضاً قول العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين حين سمعت كلام ابن عبّاس في اخلافهنّ في المدينة: «يابن عبّاس أتشير إلى شيخنا وسيّدنا أن يخلفنا هيهنا ويمضي وحده. وهل أبقى الزمان ص56 لنا غيره؟ لا والله بل نحيى معه ونموت معه». (الرابع): كشف الحجب عن ظلم بني اُميّة وعدائهم إلى آل البيت ـ النبوي ـ وإبانة واقعهم المرموق في الملأ. وتمويه سعي يزيد من قلب الواقع على الاُمّة .. حيث أذاع فيهم انّ الثائرين ـ خوارج ـ وانّ الأسارى أسارى الخارجين. فأبانت عيالات الحسين بذلك الجهاد المقدّس ـ الواقع للاُمّة مبيّنة انّ الثائرين هم حسين وأصحابه ـ أصحاب الحقّ والإيمان ـ والأسارى هم آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله). وكان ذلك أقوى ذريعة لدكّ صروح الظلم. (الخامس): بثّ دعوة الحسين. ووصل حلقاتها. فبالأسارى إنتشر نبأ الحسين إلى العالم الإسلامي فانّ آل البيت لم تدخل بلدة أو محفلا إلاّ ونادوا بنداء الحسين. فأبانوا واقع ثورته .. ولولا الاُسارى لأنقطع ندائه (عليه السلام) ولأخمد الاُمويّون نور دعوته ونار ثورته .. وذلك (الصفحة29) غير ما جعله هدفاً لثورته. (السادس):ـ تحريض الاُمّة على أخذ الثار من الاُمويين .. الكفرة .. وإرسال خبر قتله بتلك القساوة ـ إلى كلّ ذي ضمير عادل حي وشعور يقظ. حتّى حنق ـ كلّ سامع ـ على يزيد وأصبح كلّ صغير وكبير سمع نعيه يبرء من يزيد وفعله، ولم يبق من لم يسمع ندائه (عليه السلام)ـ الرفيع ـ; فلذلك تلت ثورته وسبي عياله ثورات عدّة: (منها) حركة أهل المدينة: فانّ أهل البيت بعد رجوعهم إلى المدينة كانوا ينوحون على الحسين ويذكرون مصائبه ـ التي تحرق القلب وتذيب الكبد ـ فكان أهل المدينة يسمعون ذلك ـ وهم يحبّون أهل البيت ـ فينقلبون حميماً ـ على يزيد إلى أن حدثت تلك الثورة الأليمة وقعة الحرّة. وتلتها ثورة ابن الزبير والمختار والتوّابين وابن الأشتر. وبعدها نهوض زيد بن علي الشهيد (رضي الله عنه) والحسين بن علي الشهيد ـ صاحب فخّ ـ (رضي الله عنه) .. إلى العشرات من الثورات التي قام بها المصلحون. فأخذ الحسين (عليه السلام) أهله وأطفاله معه إلى أرض شهادته .. نصرةً للدين وتأييداً لما خرج لأجله. وبعد ذلك كان ما أراد، واُزيل ذلك الحكم الغاشم، ص58 وقطعت تلك الشجرة الملعونة وإنقطع دابر الكافرين .. وعاش المسلمون بعدهم بهناء وعزّ وسيادة وإزدهار. وفاقت الاُمم كلّها قوّة وعلماً وثروة وتقدّماً .. وذلك ما أراده الحسين (عليه السلام) بعد إرادة الله وروسوله. (الصفحة30) الفصل الخامس المآتم الحسينيّة انّ ثورة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)ـ حقّاً ـ لعطاء سخي للاُمّة من جميع جوانبها. ففي عهدها الأوّل أفاضت ـ على المسلمين ـ خير الإصلاح، والقوّة وأبادت الظلم عنهم. فتمكّنوا من السير ـ في الحياة ـ آمنين، وصار الحكم يترقّب رضاهم. وإرتقت ثقافتهم، وصناعتهم وثروتهم، إلى ما يحيّر العقول. كلّ ذلك من بركات تلك الثورة المقدّسة، وأمّا في العهود المتأخّرة. فخيرها .. أكثر، ودرّها أوفر وذلك بـ«المآتم» التي كانت تقام له وباسمه (عليه السلام). فبمآتمه تمكّن التشيّع أن يترقّى ويتقدّم ... حتّى فاقت الشيعة الاُمم كلّها ثقافة، وعزماً، وقوّة، وثباتاً، وثروة. والمآتم الحسينيّة تعبير صادق عن شعور المسلمين في مبدئهم وقادتهم وهي قوّة لهم على محق الظلم. ونصرة الحقّ، وحديث ص59 «المآتم الحسينيّة وفائدتها» ممّا ملّته الأسماع والألسن والأقلام فما أكثر ما كتب أو قيل. فيه. حتّى انّ المستشرقين ـ من فلاسفة الغرب ـ تعرّضوا له في مؤلّفاتهم وأفصحوا عن آرائهم المجيدة عنه وعن فائدته. وعلى هذا فليس مجال للتساؤل لكثرة الباحثين عنه. ومع ذلك فنحن نشير إلى مختصر البحث فنقول:ـ «المآتم الحسينيّة» أرض خصبة خلقها الله، ومهّدها الرسول (صلى الله عليه وآله)وحرثها الحسين بسيفه وقوائم خيله، وزرع فيها بذور الإيمان، والنضال والعزم، والقوّة ورواها بدمه الطاهر، ودماء أصحابه وأهل بيته الأنجبين وأصلحها ذريّته (عليهم السلام) من بعده. فارتفعت بأغصانها المتشعّبة. وأظلّت بأوراقها على الاُمّة بكلّ خير. وأثمرت للمسلمين (الصفحة31) أغنى ثروة. ممّا حصدته الأجيال الموالية له. السائر على نهجه وسيرته. وللمآتم الحسينيّة منافع يسبح المسلمون فيها، وخير يغورون في فيضه ونذكر المهمّ من فوائد تلك «المآتم» فيما يلي:ـ (الأوّل):ـ انّها مدرسة قائمة ـ مدى الدهر ـ تعلّم ص60 أبنائها كلّ علم، وكلّ ثقافة. فهي توضيح لأحكام الشريعة، والقوانين الإسلامية للاُمّة، وتبحث عن التأريخ ـ بأهمّ أطواره ـ وأبهى صوره. ويبحث فيها عن الجغرافية بأوسع مناهجها وأضبط طرقها. وفيها تحقيق عن الرجال ـ مسلمين وغيرهم ـ بأحسن الاُصول. وبيان للعقائد الكلامية بالأدلّة الرصينة من توحيد ونبوّة وإمامة، وعدل، ومعاد. وهكذا يدرس فيها كلّ ما ينشيء المجتمع، ويرقي الإنسان فلهذا ترى ـ الشيعي ـ أكثر من أفراد كلّ اُمّة ـ علماً، وثقافة وفراسة، ومهارة. وحبّذا ما يقوله الفيلسوف ـ المستشرق ـ(جوزف) الفرنسي في كتابه ـ (الإسلام والمسلمون): «.. ولو نظرنا اليوم في أقطار العالم نرى انّ الأفراد التي هي أولى بالمعرفة والعلم والصنعة والثورة، إنّما توجد بين الشيعة ...». أقول وذلك ببركة هذه المدرسة المجيدة. (الثاني): انّها مؤتمر ديني يجتمع فيه المسلمون ويبحثون ص61 عن أحوالهم ويتداركون مواقع الضعف. ويتبادلون الآراء في شؤونهم، فيتمكّنون من التآزر والإتّحاد ليسيروا على النهج القويم. وهذا ممّا لا يتمكّن عليه إلاّ بالجهد الكثير والمال الوافر والمشقّة العظيمة. ولكن هذه الاُمّة لمّا اعتادت عقد هذا المؤتمر (الصفحة32) الذي وضع أساسه الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) يحصل في كلّ آن بدون أي مشقّة وعناء. (الثالث): انّها: تثبيت لعقائد الاُمّة وردّ للشبه عن مبدئها ـ وهذا هو أسمى الغايات. فلذلك ترى العامي ـ الشيعي ـ قوي في عقيدته وإيمانه بأدلّة قاطعة وبراهين ساطعة. وهذا عطاء من الحسين (عليه السلام) إلى هذه الاُمّة. (الرابع): انّها محكمة سلميّة قائمة ـ بين الحقّ والباطل ـ وهي واسعة المجال للنقد والبحث في المسائل الدينيّة والسياسيّة والعلمية وغيرها من مختلف المسائل. وبذلك تتوسّع دائرة التفكير، وينبلج الحقّ لمريده، وتزداد المعرفة والثقافة. وبحضورها يتّضح الواقع ـ لمن إنحاز عنه ـ ولم يتمكّن ص62 من طلبه بالسؤال. وهذا ممّا اختّصت به هذه الاُمّة بـ«المآتم الحسينيّة». (الخامس) انّها: بثّ للمبدأ ونشر للدعوة. وهو الذي قام الحسين (عليه السلام)لأجله، واُريق دمه في سبيله. فكم من ضالّ اهتدى بحضور هذه المآتم. وكم من مسيحي أو يهودي أو مجوسي إستسلم فيها. وكم من منحرف إستقام. وهذا كلّه بتوضيح الواقع والمناقشة مع الباطل في تلك المحافل. (السادس) انّها: جهاد متواصل ضدّ الظلم في جميع الأزمان وهذا شيء لا غبار عليه. (السابع) ذكر فضائل قادة الدين ورؤساء المسلمين ممّا (الصفحة33) يوجب ثبات العقيدة بهم. واتّباع آثارهم الحكيمة، وآرائهم الرصينة. والإقتداء بهم في أخلاقهم الإسلامية السامية. فانّها هي التي توجب عزّ المسلمين، وتقدّمهم في جميع مجالات الحياة. وكمذلك فضل الرجال الصلحاء. والعلماء، والزهّاد، جريمة قتل الإمام الحسين - AL-MOFEED - 02-25-2007 بسم الله الرحمن الرحيم هناك كتاب كتبه الدكتور عبد الله البخارى بعنوان ( جهود ابى الثناء الالوسى فى الرد على الرافضة ) طبعة دار ابن عفان ( كان الصحابة رضى الله عنهم يسمون عثمان نعثل - راجع ترجمة عمار فى طبقات ابن سعد , و لا زال عثمان مدفونا فى مقابر كانت لليهود فى المدينة النبوية و قد صح عن حذيفة انه اذا ظهر الدجال تبعه من كان يحب عثمان - راجع المعرفة و التاريخ ليعقوب بن سفيان ) و قد عد المؤلف السلفى من سلبيات السيد الالوسى تكفيره ليزيد لعنه الله قال السيد الالوسى فى تفسيره القيم ( روح المعانى ) : " و انا اقول الذى يغلب على الظن ان الخبيث - يعنى يزيد - لم يكن مصدقا برسالة النبى -صلى الله عليه و اله - و ان مجموع ما فعل مع اهل حرم الله تعالى و اهل حرم نبيه صلى الله عليه و اله و عترته الطيبين الطاهرين فى الحياة و بعد الممات و ما صدر منه من المخازى ليس باضعف دلالة على عدم تصديقه من القاء ورقة المصحف الشريف فى القذر " روح المعانى 26/73 |