حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
زمن المثقف الأخير. - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: زمن المثقف الأخير. (/showthread.php?tid=15398) |
زمن المثقف الأخير. - بهجت - 09-14-2006 إن التاريخ لا يسير على قضبان نحو مستقبل تم تحديده سلفا . الفن توفلر – مفكر أمريكي ( صاحب كتاب تبدل السلطة ) الأخ مالك .(f) تحية طيبة . أتفق معك أن نظرتنا للثقافة هي بشكل ما جزء من نظرتنا لحركة التاريخ و فلسفته ، و كي نضع فلسفة التاريخ على الطاولة علينا أن ننظر الى التاريخ خلال مقتربات متعددة . الأول هو النزعة التاريخانية historicism وهي النظرية التي تقول بوجود خطة للتاريخ سواء كانت إيمانية أو إلحادية . و تعبر هذه النظرية عن أفكار طيف واسع من البشر تشمل الأصوليين الدينيين و الشيوعيين و القوميين و الفاشست و غيرهم ممن يعتقدون أن للتاريخ قوانينا حتمية و أن البشر مجرد أدوات كي يحقق التاريخ مهامه و يصل إلى غايته ، دون أن يعني هذا بالطبع تشابه كل تلك المشروعات السياسية المتنافرة خارج هذه الصفة المشتركة ( الرؤية التاريخانية ). هذه النزعة تعني أن هناك عقل ما يحرك التاريخ ، و هذا يعني الإيمان بقدرة هذا العقل و حكمته ، و يمكننا القول أن الاعتقاد بوجود خطة للتاريخ هو في حقيقته نظرة إيمانية للعالم كله و بالتالي للتاريخ . كما أن الإيمان بوجود عقل كلي مهيمن على هذا الكون الذي نعرفه ( مهما كان تصوره ربا أو طبيعة عاقلة أو قوانين تاريخية حتمية ) يؤدي بنا تلقائيا إلى الجزم بان للتاريخ خطة و للأيام غاية . و هذا ما كان البدايات الأولى لفهم التاريخ و هي تلك النظرة الإيمانية ، إنها تقر بان هناك خطة للتاريخ ،و لكن لا يمكن إدراكها بشكل جلي للجميع ، فقط هناك لمحات منها تدركها الألباب ، لأنها ناتجة عن مشيئة الرب أو الأرباب ، وهناك دائما سر مستغلق خلف الأحداث ، فلا شيء يحدث سوى بمشيئة الإله . بزغت تلك النظرة مبكرا و حتى قبل الديانات السامية ، فهيرودوت الإغريقي كان يرى أن هناك إرادة خفية للأرباب في حرب طروادة ، هل اختفت تلك النظرة الإيمانية للتاريخ مع تنامي الحركات المضادة للدين في أوروبا مثل الثورة العلمية أو الثورة المادية التي فجرها هيجل و ماركس . أبدا لم يحدث سوى القليل ، ففي الحالة الأولى استبدلت الطبيعة بالإله ، و نسب إليها ذات القدرات و العقل و التدبير ،ولم تصمد الإلهة الجديدة (الطبيعة) على عرشها طويلا فسرعان ما حلت ربة التاريخ محلها على عرش الكون ،و أصبحت قوانين التاريخ هي الحاكمة و التي تسيطر على حركة الكون و مرجعيته و تصميماته و تخطيطاته ،و ترى الماركسية أن الكون مدبر ليس بواسطة الأرباب و لكن بقوانين التاريخ و حتميته الشاملة ، و بدلا من العصاة الذين يتحدون مشيئة الرب ، أصبح لدينا المجرمون الذين يقاومون حركة التاريخ ،و أن الحكم بيننا سيكون هو التاريخ نفسه . !. هل اختفت النظرة الإيمانية للتاريخ بشكل نهائي مع سقوط الشيوعية ،و التي كانت نموذجا فريدا في التصور الإيماني للتاريخ ككيان عاقل ؟. في الواقع إن النظرة الإيمانية لم تنته كما يعتقد الكثيرون ،لأننا رحنا نستبدل كل تلك الآلهة القديمة بما نطلق عليه روح العصر ، نعم روح العصر ، فهذا عصر العلم و آخر عصر العولمة ،و لكنها تلك الروح هي التي تفرض مرجعيتها و تعيد صياغة خطة التاريخ ، فعندما قرر فوكوياما نهاية التاريخ كان يُحَكّم مرحلة واحدة بل ربما لحظة تاريخية واحدة ، وهو في ذلك أشبه بأصحاب النزعة الإيمانية و لكنه استبدل عصر العولمة بالإله القديم . المقترب الثاني هي النزعة التاريخية historism وهي النظرية التي تقول بنسبية التاريخ وعدم وجود خطة مسبقة للتاريخ ، وهذه النزعة هي التي ينتمي إليها الليبراليون بشكل عام فهي التي تنظر للتاريخ بمثابة مشروع مفتوح يصنعه الإنسان ، و تعطي قيمة عظمى للدور الذي تلعبه المعرفة الإنسانية و خاصة المعرفة العلمية في تشكيل التاريخ . هكذا يمكن أن نضع مسارات واضحة يمكن أن تتحرك خلالها جهودنا . أقر بداية أنني من المدرسة التي تتخذ موقفا نقديا من النزعة التاريخانية ، إن هذا النقد من أجل تحرير العقل العربي و تنوير الأعداد التي لا حصر لها الذين أصبحوا ضحايا تلك المقولة الخاطئة التي تؤكد على حتمية التاريخ و ثبات قوانينه ،و الذين يعتقدون أن إلمامنا بهذه القوانين في مرحلة يمكننا من التنبؤ بما سوف تكون عليه المرحلة التالية ، إن تلك الفلسفة ستقود بشكل يكاد يكون آليا إلى الشمولية ، فما الفلسفات السياسية الشمولية إلا استجابة لتلك الرؤية التاريخانية ، التي تفرض علينا أن نبدأ بمجرد تبلور الوعي بالحتمية التاريخية الخاصة إلى صياغة حياتنا بشكل جمعي طبقا لمقتضيات المرحلة المستقبلية ، طالما أنها آتية بلا ريب حتى نكون متسقين مع المنطق الحتمي للتاريخ . إن كل الشموليات التي عرفها العالم هي بالضرورة ذات تصور تاريخاني مثل النازية و الفاشية و الشيوعية و الصهيونية و الأصوليات الإسلامية الشيعية و السنية . إن نمو المعرفة البشرية و خاصة المعرفة العلمية هي المحرك الأساسي للنمو و للتاريخ ،و طالما لا يمكننا التنبؤ المستقبلي بمحاور نمو المعرفة و مساراتها فلا يمكننا بالتالي التنبؤ ولو على وجه التقريب بتطور التاريخ ولا استشراف خططه ، و بهذا يعتبر مقولات مثل نهاية التاريخ لفوكوياما مجرد تعبير بلاغي لتسويق الكتاب بدون مدلول حقيقي . إن منهج التاريخانيين يرتكز عادة على قياس حركة المجتمع على الطبيعة و تلك قياسات تبسيطية بشكل بالغ وبالتالي غير صحيحة ، فأغلب أنصار الرؤية التاريخانية يقيس حركة التاريخ بحركة المجموعة الشمسية أو بنمو الكائنات الحية و شيخوختها .إن مقارنة حركة المجتمع البشري بحركة المجموعة الشمسية هي مقاربة تعسفية ، فالمجموعة الشمسية تشكل نظاما مقفلا يتحكم في حركتها قوانين محددة جبرية ، بينما يتحكم في تطور المجتمع البشري عوامل مختلفة عديدة من المستحيل التنبؤ بها أو التحكم فيها ، أهمها الخصائص الوراثية التي يحملها الجنس البشري ، وهي خصائص شديدة التنوع و التعقيد .أيضا فإن مقارنة النمو في المجتمعات البشرية بالكائنات الحية كما ذهب توينبي ( نظرية التحدي و الاستجابة ) أو شبنجلر ، هي مقارنة مضللة تماما ، فالكائنات الحية تتمايز بنوع من الترابط العضوي و النمطية في النمو و الفناء لا تتوفر للمجتمعات التي تفتقد العضوية في تماسكها و أيضا النمطية القياسية في نموها . إن النقد هو السبيل الوحيد لرقي المعرفة و تحررها من الأوهام ،و لهذا لا يجب أن نكف عن الشك و طرح الأسئلة . زمن المثقف الأخير. - مالك - 09-14-2006 تحياتي مجددا: الزميل بهجت (f)": اقتباس:ان اهم ما يمكن ان تقوله النظريه هو ان العقل كما عرفناه غير قادر على التاصيل أي انتاج معايير ونظم يجمع عليها البشر اجماعا كليا لانه عند طلب البرهان تحيل هذه الاصول الى مقدمات لا نهائيه او القبول بمسلمات دون برهان لتؤسس للاصول أي ان العقل غير قادر على التاصيل لحقيقه مطلقه. هذا ما اردت ان اقوله زميل بهجت خصوصا عند النظر الى المثقف العربي , غلط ثقافي يمارس عند تبني مفهوم التقليد والمحاكاة سواء للغرب او للصين او امريكا اللاتينيه . يضل كلام دون جدى . يجب ان يتعامل المثقف مع مجتمعه على اساس ان له طبيعه عامه لها قوانين ليس من الضروري ان توافق خططه ازاء النهضه . مهما كان تعريف الثقافه عندنا او المثقف . اقتباس:"احيانا يتأزم العقل السائد نتيجه عدم كفاءته في توجيه المجتمع وتفاعله مع حاضرة . في تلك المرحله يقوم العقل الفاعل –الملكه-بتوجيه سهام النقد للعقل السائد ويحاول استنباط-او ابتكار عقل سائد يجهد في ان يكون يوافقان اي عمليه ابداع يمكن قراءتها على اساس انها نقد للواقع. لقد اطلنا الكلام عن مفهوم الثقافه و المثقف وهو ضروري والاهم من العبارات التى يمكن استخدامه للتعريف يبقى التفهيم والاتفاق على المعنى الذي نريد وتحديده اهم. كأي امه عرفها التاريخ امتنا اليوم في حالة مرض شديد ولاترى امه نهضت من مرض كهذا الا كان اطبائها هم مثقفيها , لكن عندما يفهم المثقفين اساس العلل وكيفيه العلاج وارى من الائق فتح موضوع جديد بهذا العنوان قراءة المثقفين لمشاكل مجتمعهم والحلول طبعا بشكل علمي طبعا تحياتي الحاره زميل:97: زمن المثقف الأخير. - بهجت - 09-15-2006 \"وضد ّ كلّ أمرئ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعـــداء\" الإمام علي خلال المداخلات التالية سوف أستضيف الدكتور سيار الجميل المفكر العراقي البارز ، في مقالين له نشرهما في ايلاف عن أزمة المثقف و الثقافة العربية ، خلف اختياري لسيار الجميل ليس فقط اتفاقي الفكري معه ، بل أيضا لايقاعه الهادئ العقلاني . ............................ ذبول العقل العربي: شراسة اليوتوبيا وصراع الاضداد د سيّار الجميل [SIZE=4]القسم الاول 1 الصراع والبقاء للاقوى سيبقى الأمر سجالا عند العرب بين قلة من المثقفين المنفتحين الأحرار الحقيقيين وبين كثرة من المنغلقين الخياليين الطوباويين، خصوصا عندما بدأت تتأسس بشكل ايديولوجي في تفكير العرب منذ العام 1979: آليات وعناصر ووسائل غريبة من التعصّب الأعمى في قمع ثقافتهم وفنونهم، والتنكيل بتراثهم، والجهالة بتاريخهم.. والمصيبة أن يتم كل ذلك من دون أي اكتراث للزمن، ولا أي احترام للتاريخ، ومن دون أي توازن ووسطية بين الدين والدنيا، وبين الواقع والمثال، وبعيدا عن أي منهج علمي ونقدي لدراسة النصوص وتوظيفها بعد نقدها وتفسيرها تفسيرا علميا. انه ـ مع الأسف ـ تأسيس غبي لا يقتصر على اقتحام ما يكتبه المعاصرون من نصوص أدبية، بل يجد البعض أن يجتث من أعماقنا كل نصوص القدماء والمحدثين وينهرهم بعد اتهامهم كي يسكتهم إلى الأبد في ظنه، ثم يهاجمون كل رموز اليوم مهاجمة رخيصة! ان ظاهرة الارهاب لم تأت من فراغ ابدا، بل كانت قد اوجدتها بيئة مساعدة وظروف حاضنة وادوات مؤهلة وتربية الحدود، بحيث كلما تقدّم الزمن وازدادت التشيؤات المعاصرة تصادمت الحياة عندنا بالمحددات من دون أي قطائع ولا تفقهات جديدة تساعد مجتمعاتنا على تقليصه او تخليصه من التناقضات.. متى تفاقمت التعقيدات؟ وربما يتساءل القارئ الكريم ـ كما سألني احد اصدقائي ذات مرة ـ: لماذا اخترت سنة 1979 بداية حقيقية للتحولات الماضوية في التفكير والممارسة العربيين على ارض الواقع. اجيب: ان الحياة العربية الحديثة لم تعرف على امتداد ستين سنة وللفترة 1929 – 1979 الا تنظيما دينيا قويا واحدا متمثلا بالاخوان المسلمين (تأسست هذه الجماعة عام 1928) ووجدت الى جانبه تنظيمات دينية ضعيفة برغم غلوها وتشددّها. صحيح انها كانت متشددة ولكنها لم تصل الى موقع القرار والمسؤولية في أي يوم من الايام، ولكن بعد مرور ستين سنة (أي عام 1979) تأسست اول جمهورية اسلامية متشددة طرحت مشروع " تصدير الثورة الدينية "، وكان لتأسيسها وقوتها الايديولوجية صدى كبير في اشعال العواطف وتهييج النقمة وايقاد المشاعر الدينية خصوصا ان هناك على الطرف الاخر مملكة اسلامية متشددة فتشكلّت على الجانبين منذ ذلك اليوم جملة هائلة من القوى والاحزاب والجماعات المتشددة في كل البلدان العربية والاسلامية، واتخذت كل واحدة منها اسلوبا بها للعمل السري والعلني، أي بمعنى: لأول مرة يجد الدين نفسه سلطة قوية وحادة جدا في السياسة والمجتمع معا، وقد دعي ذلك ابان الثمانينيات من القرن العشرين بـ " الصحوة الاسلامية ". لقد راهنت الملايين من العرب على تلك " الصحوة " من دون ان تسأل عن أي فلسفة سياسية لها، او أي برنامج لحكم مدني فيها، او عن أي اسلوب معاصر يحدد العلاقة بين الماضي وروح العصر؟؟ وعندما بدأ العصر في تسارعه التاريخي المذهل في السنوات العشر الاخيرة من القرن العشرين، غدت مجتمعاتنا ترتد على الحداثة والمعاصرة بشكل مخيف، ولم تزل تعيش تناقضا صارخا بين الماضي والحاضر، ولا يمكن التكهن بالمستقبل كيف سيكون؟ انقسام بنية التفكير العربي الراهن ينقسم التفكير العربي اليوم الى ثلاث بنى اساسية: الاولى تمثلها اكثرية طوباوية ماضوية (= لا تنفك عن التفكير في مرجعيات الماضي) والثانية، تمثّلها اقلية تحديثية او معاصرة (= لا تنفك عن التفكير في مرجعيات هذا العصر).. اما البنية الثالثة، فهي على الهامش تعيش من اجل مصالحها الانية وهي تصفق للاقوى دوما وينضوي فيها مفكرون ومثقفون واعلاميون ومدنيون وجامعيون ومهنيون.. الخ، ولكنها لا تشكّل نقيض النقيض ابدا كي تنمو وتعيش! علما بأن أي بنية سيكون مصيرها الزوال ولو بعد حين.. ولكن بعد ان ينبثق نقيض النقيض في تفكيرنا وبناء الوعي الجديد.. وعندما يترسخ ديالكتيك فكري عربي واسلامي عالي المستوى في حياتنا واذهاننا. انني اعتقد بأن الزمن سيطول امام التحولات التاريخية، واذا كانت الاقلية (النخبوية) ستنتصر في نهاية المطاف، فان زمنها سيطول جدا، فالارض غدت مشبعة بالافات والصدامات والبشر ينوء عن العقل بسوء التفكير وهياج الظنون وحدة العواطف .. ولئن غدت الحياة العربية لا تجد مرجعياتها الا في الماضي.. واذا كان التاريخ سيعيد توازنه من جديد عاجلا أم آجلا، فسيدرك العرب في يوم من الأيام كم ضيعوا من الزمن، وكم صرفوا من الأتعاب، وكم تلفوا من القيم.. وكم توهموا الاوهام حقائق.. وكم حاربوا من العقلاء والعلماء والمبدعين.. وكم ساهموا في خلق تناقضات لا حصر لها ضد بناء مستقبلهم. هوية المتشددين المتخلفين انهم يريدون أن يؤسسوا هوية جديدة للقمع والتخلف والتراجعية وآلية صاعقة للتنكيل والارهاب بعد أن غدا القمع سيدا مطاعا والتنكيل أمرا مألوفا والإرهاب الفكري تقليدا مباحا لكل المتسلطين من الكهنة الجدد في المجتمع العربي وقواه، ولكن ضد الثقافة الحديثة والفن القديم والحديث معا وكل أشكال ومضامين الحياة المعاصرة! تساعدهم في ذلك قوى سياسية وحكومية عربية وغير عربية وجماعات ممّولة ودور نشر ومؤسسات رسمية ومراكز (بحوث) أهلية وأجهزة إعلام كبيرة وتضمن وجودهم سلطات ووزارات وقوانين.. اذ تعتني بأحكامهم وفتاويهم وتعليماتهم عناية فائقة وكأنهم رسلا منزلين وأولياء صالحين وملائكة مقدّسين!! وهؤلاء فعلا هم الذين جنوا جناية لا توصف على مصائرنا السياسية وليست الثقافية فقط من خلال ما أعطى لهم من الأدوار الوعظية والترديدية والتسويغية والتخويفية والتحريضية والتسلطية والقمعية التي أثرت بالصميم في الجيل الجديد، ونحن نرى اليوم نتائج ما زرعته الأيدي من الدعوات والصحف والخطب والمواعظ على الشاشات ومن خلال الكاسيتات في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تارة باسم الصحوة الدينية وتارة باسم تصدير الثورة وتارة باسم الاحياء والسلف.. الخ. ان الضرورة تقضي اليوم ان يقف العقلاء في لحظة تأمل واحدة كي يجبوا على التساؤل القائل: لماذا يؤيد 75 % من العرب ابو مصعب الزرقاوي بعد مصرعه وهو الذي كان قد اعترف بعدة عمليات ارهابية راح ضحيتها ابرياء من مدنيين اطفالا ورجالا ونساء؟؟ هل ان مصرعه من قبل الامريكيين قد اكسبه التأييد ام انه رمز ثقافة اجتماعية مضادة بدأت تمتد في مفاصل الحياة؟؟ انهم ينحرون العقل والحرية!! لقد وجدوا في السبل الحديثة والمعاصرة حاجتهم لتوزيع بلاهتهم وافكارهم السوداء المتخلفة.. تجدونهم في كل مكان يطلعون علينا على الشاشات والفضائيات والمواقع الالكترونية او ينشرون انفسهم في الكتب والمقالات والمجلات والمحاضرات والخطب.. بل والانكى من ذلك انهم وجدوا مواقعهم على شبكة المعلومات الدولية (= الانترنيت) لنشر بياناتهم وفتاويهم وخطاباتهم.. بل والاعتى من كل هذا وذاك تسربوا الى مناهج التربية والتعليم، فخلقوا في الجيل الجديد امراضا لا تعد ولا تحصى، وكلها نفسية يطول علاجها.. انهم لا يقتصرون على ملة او مذهب او طائفة او فرقة.. انهم من كل واد يتجمعون علينا لينحروا العقل علنا من دون أي تحّرج او تخوّف، فالسلطة التي يمتلكونها باسم (الدين) والدين بكل سموه منهم براء، غدت طاغية لا يمكن ان تعترض عليها ابدا.. دعوني اسجل بعض الحالات التي تثير الاشمئزاز والقرف: ان نماذج لا تعد ولا تحصى لاولئك الذين يقتلون العقل ويضحكون بكلامهم على الناس وسواء كانوا من هذا المذهب او ذاك، فما يذيعه بعض المعممّين من المضحكات لا يمكن قبوله ابدا، ولا يلومني احد ان انتقدت هؤلاء فهم ليسوا برجال مقدّسين ولا بمعصومين.. لقد سمعت احدهم في واحد من المجالس ويصف نفسه بالسيد والدكتور (....) يقول: بأننا نحن من آل البيت والصلاة علينا واجبة وان الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو آدم الاول وآدم هو آدم الثاني ولم يأمر الله بالصلاة والتسليم على أي آل لأي رسول او نبي الا على آل الرسول محمد.. فعليكم بالصلاة والسلام علينا!! فتضّج القاعة بما أمر! وهنا لسنا في باب ضد القيم السامية في المجتمع، بل ضد ما لا يحتمله العقل. وسمعت معمّم آخر على احدى القنوات الفضائية الدينية الجديدة وهو يشرح للناس كيف ان سفينة نوح كانت تمخر على الماء الذي طافت الارض به، وفجأة تترنح السفينة وتتمايل وكادت تنقلب ولما هدأت.. قال: اتدرون ماذا اصاب السفينة؟ اجاب: انها كانت تطفو فوق مدينة النجف وكربلاء المقدستين وبتأثيرهما كادت تنقلب السفينة فوق الماء.. فضج من كان يسمعه بالصلاة والتسليم! لقد وصل الصراع المذهبي والطائفي في مجتمعاتنا اليوم الى اقصى مداه عند اصحاب الغلو لدى كل من الطرفين: السنة والشيعة اذ نسمع من حين الى آخر ان كل طرف يكّفر الطرف الاخر.. السنة من السلفيين يطلقون على الشيعة اسم الروافض، والشيعة من الغلاة يطلقون على السنة اسم النواصب!! ان كلا من الطرفين يغالي باتجاه تحقير الاخر، وسوف لن تهدأ العلاقة الساخنة بين الطرفين الا عندما يتم الغاء تقاطع مصالح الطرفين سياسيا وتؤسس مؤسسات مجتمع مدني تنتفي منه الهوية الطائفية ولن يتعايش أي مجتمع منقسم على نفسه طائفيا الا من خلال فصل الدين عن الدولة، واّلا فالصدام الطائفي سيحّل في كل مجتمعاتنا العربية والاسلامية على هذا النحو المرير. يتبع زمن المثقف الأخير. - بهجت - 09-15-2006 القسم الأول 2 من يوقف هذا البؤس الفكري عند العرب والمسلمين؟ كتب أحدهم في كتاب رائع الطباعة والورق والتجليد السميك قائلا ما نصّه وهو ينقل عن ابن القيم (هذا الاخير هو تلميذ ابن تيمية): " ان معارضة الوحي بالعقل ميراث الشيخ ابي مرة (= ابليس).. واما رؤوس النفاة والمعطلين: ففرعون.. وجنوده كلهم ونمرود بن كنعان.. وارسطاطاليس وبقراطيس واضرابهما، وطمطم وتنكلوسا، وابن وحشية واضرابهم وابن سينا والفارابي وكل فيلسوف لا يؤمن بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه.. "! وانني أسأل: هل من تعليق على هكذا احكام ؟ هل يمكن لأي انسان ان يكفّر الاخر بمثل هذه السهولة وخصوصا اذا كانوا من رموز حضارتنا في التاريخ؟ اغتنم هذه الفرصة لأتقّدم الى حكومات دول (دينية) يزداد البؤس الفكري فيها الى حد مذهل، بحيث يزج بكل المثقفين الاحرار في السجون بسبب استنارتهم الفكرية والسياسية، وهذا ما يجري في كل اصقاعها. اننا نعلم بأن بعض تلك " الدول " ذات ثقل حقيقي في الحياة الاسلامية المعاصرة، ولا يمكن ان تبقى بعيدا عن أي توجهات اصلاحية سياسية وعن أي انفتاحات فكرية وعن أي تدقيق علمي او عن أي تحديث تربوي وعن أي تنوّر اعلامي.. وانها تحّسب ان ما تنتجه المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والخاصة في كل منهما صحيح من منشورات وكتب وثقافة بائسة.. وهذا ما يضر العقل ويجني على المجتمع. دعونا نتوقّف قليلا عندما كتب أحد (الدكاترة) السعوديين في كتاب له طبع مؤخرا ايضا، فلنقرأ ما كتب وادعكم تتأملون هذا الفكر الخطير الذي اعتقد بأن خمسين سنة من انتاجه كانت كافية لصنع الارهاب بعد ان تراكمت كراهية الاخر يوما بعد آخر وخصوصا كراهية الغرب.. دعنا نقرأ: " من اخطر اسباب الاهواء بين المسلمين قديما وحديثا ترجمة كتب الاديان والفلسفة. وما تحويه من عقائد ومذاهب وفلسفات. وقد مرت الترجمة بمراحل: الاولى في عهد خالد بن يزيد بن معاوية، حيث امر بترجمة كتب الصنعة من اليونانية والقبطية الى العربية في اواخر القرن الاول. والثانية: ظهور عدد من المترجمين في القرن الثاني، منهم: يحيى بن البطريق ترجم المجسطي ايام المنصور، وجورجيوس بن جبرائيل الطبيب، وعبد الله بن المقفع (ترجم بعض كتب ارسطوطاليس) ويوحنا بن ماسويه. والثالثة: في اوائل القرن الثالث وما بعده، وقد اشتهر بالترجمة يوحنا بن البطريق، والحجاج بن مطر، وقسطا بن لوقا البعلبكي، وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي، وحنين بن اسحق وابنه اسحاق، وثابت بن قره الصابئ وحبيش بن الحسن، وقد ترجموا كثيرا من كتب الفلسفة. والرابعة: في القرن الرابع وما بعده، ومنهم متى بن يونس، وسنان بن ثابت بن قره، ويحيى بن عدي وابن زرعة. ويعلق مستطردا هذا (المؤلف المعاصر): وقد ظهر التأثر بالكتب الاجنبية في وقت مبكر من بزوغ الاراء الشاذة في تاريخ الاسلام... وهكذا نجد ان هذا التيار العارم في ترجمة كتب الاديان والفلسفات والنحل قد اسهم بشكل كبير في انتشار الاهواء والفرق والبدع، والمقالات الفاسدة وكان رافدا قويا لأهل الاهواء ومصدرا مهما من مصادرهم.. ولا يزال هذا التيار من اسباب تأثر طوائف هذه الامة بالافكار والعقائد الوافدة من الامم الكافرة الهالكة. ويتمثل ذلك بالغزو الفكري ومظاهره كالعلمنة والحداثة والقوميات والحزبيات والشعارات الفارغة، ونحو ذلك " (انظر: د. ناصر بن عبد الكريم، الاهواء والفرق والبدع عبر تاريخ الاسلام: مسيرة ركب الشيطان (الحلقة الثانية) (ط2 الرياض: دار الوطن، 1417 هـ) ص 190-194). كلمة عتاب ونقد لابد منها يطبع هكذا كتاب في العاصمة الرياض من دون ان يسأل المؤلف عن فحوى كلامه، او ان يراقب الناشر ما الذي نشر وينشر؟ ينشر هكذا كتاب في عاصمة دولة يتوجه اليها المسلمون من مشارق الارض ومغاربها؟ كم من مثل هذا الكتاب يطبع حتى اليوم ومنذ خمسين سنة؟ وهل يعقل ان ينشر هكذا كلام في العام 1417 هـ (= 1996 م) في قلب العالم الاسلامي؟ واذا كان العتب خفيفا على المملكة العربية السعودية نظرا للبنية الفكرية والدينية التي تحكم علاقاتها الثقافية بالعالم الاسلامي قاطبة.. فكيف سيكون العتب ثقيلا على مصر ونحن نجد ركاما هائلا من مثل هذا الغثاء يطبع وينشر على العباد في قلب مصر منذ خمسين سنة او يزيد؟ وكيف سيكون العتب ثقيلا ايضا على طهران وقم وما ينشر في ايران من كتب ومنشورات على الطرف الاخر من العالم الاسلامي؟ لقد شرح الاخ الاستاذ حسن العلوي بعض ما ينتجه الغلاة من الشيعة الجعفرية من كتابات بحق السيدة عائشة والصحابة اذ سمعته وهو يقّدم عرضا نقديا فاضحا على احدى القنوات الفضائية بهذا الصدد! ويرى بأن مثل هذه الثقافة تشعل المجتمع وتولد الكراهية والاحقاد. ارجع لأقول: كم من الافكار الخاطئة قد نشرت منذ ان اعلن سيد قطب (رحمه الله) عن " جاهلية القرن العشرين " حتى اليوم؟ دعونا نتوقف عند كتاب نشر على غلافه عنوانه واسم مؤلفه ولقبه. لقد كتب على اعلى الغلاف: (المستشار الدكتور) علي جريشة وعنوان كتابه: الاتجاهات الفكرية المعاصرة والمنشور من قبل دار الوفاء بالمنصورة الطبعة الاولى عام 1986، وقد كتبه في المدينة المنورة، وهو كسلفه يبدأ بالفقرة الاولى معتمدا على كتاب الامام ابن القيم في كتابه: " مدارج السالكين بين اياك نعبد واياك نستعين.. وهو يقول: " اننا نعرض لتيارات فكرية سارت او سارعت في الغرب او الشرق قم قدمت الينا فصارعت في عالمنا الاسلامي عقدية الاسلام وشريعته. ولقد يستبين من ذلك اهمية الموضوع وخطورته.. انه ليس " ترفا فكريا " او كماليات عقلية.. انه قد يرتفع الى مرتبة الحاجة او الضرورة! " (ص 6) ومن يتصفّح هذا الكتاب سيجده يكيل السباب والشتائم للاتجاهات الفكرية والسياسية الحديثة كالديمقراطية والدستورية والعلمانية والحداثة السياسية والفلسفات المدنية.. الخ من دون فهم ولا ادراك، بل وتصل درجة الاقصاء لفلاسفة التاريخ وفلاسفة العصر الى درجة لا يمكن تخيلها من الكراهية.. من دون ان يسأل امثال هؤلاء الكتّاب انفسهم: من الذي اوصل الحياة الحديثة الى اعلى مداها من التقّدم لولا فلاسفة العصر؟ وانا استغرب كاتبا ومناديا ومنذ اكثر من عشرين سنة متساءلا: لماذا يستخدم هؤلاء الكتّاب كل منجزات العصر ومخترعاته وهم يؤججون الكراهية ضد هذا العصر؟ ما نوع هذا التدهور الاخلاقي الذي يتصف به امثال هؤلاء وهم كثر في دنيانا العربية وعالمنا الاسلامي والذين تعجّ حياتهم وكل ميادين تفكيرهم بالتناقضات؟؟ نداء الى الحكومات العربية والاسلامية وهنا اتوجّه الى كافة الحكومات في العالمين العربي والاسلامي ان تنتبه الى ما يحدث في سوق المزايدات الفقهية وما ينشر على الناس من افكار ودعوات تؤجج المسلمين وتشعل فيهم الكراهية والاحقاد.. بل وتوقف عجلة الحياة عن الاستمرار.. انادي باعلى صوتي ان ما يلقى على الملايين اليوم على شاشات الفضائيات من دعوات لتأجيج صراعات وبث فتنة واساءات ومجتزءات ومحرمات.. ما يطرح من اعلام تفقهات وتزوير متشابهات وصنع تلفيقات وتحريف منصوصات.. الخ كلها تقتل الزمن وتولد الاحباط والتناقضات.. ان مجتمعاتنا العربية والاسلامية بحاجة ماسة الى الاجتهادات والى تموضع المصالح المرسلة المتقاربة والموحدة والمتفقة مع ضرورات هذا العصر وحاجات ابنائه.. فهل هناك من يؤيدني في ما اقول؟ وهل هناك من يفكّر في الذي اعنيه بعيدا عن المماحكات وتشويه المقاصد والتهجمات! زمن المثقف الأخير. - مالك - 09-15-2006 اقتباس: ان مجتمعاتنا العربية والاسلامية بحاجة ماسة الى الاجتهادات والى تموضع المصالح المرسلة المتقاربة والموحدة والمتفقة مع ضرورات هذا العصر وحاجات ابنائه.. فهل هناك من يؤيدني في ما اقول؟ وهل هناك من يفكّر في الذي اعنيه بعيدا عن المماحكات وتشويه المقاصد والتهجمات!نعم زميلي المحترم (f) اساس اي مخرج من الازمه هو الاجتهاد في كل المجالات وترك القوالب الجاهزه للتطبيق جانبا . عندها فقد يفقد الزرقاوي مشروعيه عبثه. زمن المثقف الأخير. - morgen - 09-15-2006 اقتباس: [i] بهجت كتب/كتبت الزميل بهجت السعودية نشرت في الماضي درر فريدة, و قد كان لي الشرف بقراءة بعضها. قبل ان يبدأ الارهاب في الضرب في قلب السعودية كانت توزع كتب بالمجان علي ابواب المساجد عن كفر افكار القومية و عن انجازات المجاهدين في افغانستان و اخبارهم بعد عودتهم سالمين غانمين إلي بلادهم. قرأت كتابا عن العائديين من افغانستان و انجازات كل منهم بعد عودته و كيف اكمل جهاده في بلاده, فحارب محلات الفيديو و نفوذ النصاري و عري النساء. كانت السعودية تطبع هذه الكتب و توزعها و لم يتغير هذا الموقف إلأ في اعقاب حرب الخليج و احساسهم بقرب الارهاب من الاراضي السعودية. لي صديق مررت له مثل هذه الكتب, كانت تعجبه جدا فهو يري السياحة الاجنبية حراما و إن كان لا يصرح بموافقته علي ضرب السياح و لكنه يدافع عن المرتكبين بالكلام عن المباحث الشرسة و إلي اخر هذا الكلام, و اجمل لحظة عندما قال إمام المسجد الحرام في خطبة له بعد احداث الارهاب في السعودية ان الجيش الامريكي في السعودية في عهدة البلاد و ولذلك فلا تجوز مهاجمته! بالامس برر البعض لمهاجمة سائح قادم بكاميرا يصور معالم و آثار بلادنا, و اليوم اصبح جيش كامل بعتاده في عهدتنا! صديقي لم يجد حلا سوي اتهام الإمام بأنه عميل للحكومة. اما مصر فعلي الارصفة سوف تجد كل شئ, و بأسعار زهيدة اقل حتي من تكلفة الطباعة, بعض هذه الكتب اكثر تحريضا علي العنف من بيانات القاعدة! الفضائيات لم تشذ عن هذه القاعدة, فهي تريد ان تجتذب الناس و الدين هو الجوكر في هذا العصر, و عليه فقد تركوا مساحة واسعة للشيوخ للمزايدة و لانه بيزنس فقد اصبح هناك نجوم و سوبر نجوم محترفون في الفتاوي و المزايدة. الحكومات تدعم بعض الشيوخ طالما تجنبوا الخطوط الحمراء, انظر إلي قطر و القرضاوي مثلا, السعودية تترك الشيوخ يتكلمون فقط عليهم ان يدينوا الارهاب و لا يتعرضوا للاسرة المالكة (إلا بالمديح طبعا), اما ان يشتموا العلمانية و الفلسفة و ان يلعنوا الفنون فهذا شئ مباح. لا اتصور ان لدي الحكومات خطط واضحة لمقاومة هذه الافكار التي تنهش عقول شعوبها فهم مشغولون بحماية الكراسي و تحويل الاموال للخارج. الحل هو في ان تسعي العقول المستنيرة المؤمنة بالحداثة و الحرية في نشر افكارها بجراءة اكبر و عدم الخوف من الاصولية و الارهاب الفكري الذي يمارس ضدهم, علي الرغم من الحالة الصعبة التي نمر بها لكن هناك اعداد متزايدة تبحث عن مخرج و لم تعد الاجوبة التقليدية قادرة علي اقناعهم, اطيب تحياتي (f) زمن المثقف الأخير. - بهجت - 09-17-2006 ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ان السفينة لا تجري على اليبس الأخ مالك الأخ مورجن سيكون لي عودة للرد على مداخلاتكما ، مع خالص تقديري . الأخوة .(f) هذا هو القسم الثاني و الأخير من مقال سيار الجميل حول أزمة الثقافة العربية و سوف أعرضه أيضا على مداخلتين ، بهذا المقال نكون قد توغلنا عميقا في قلب الشريط و بلغنا غايته ، رؤية المثقفين العرب في سياقهم الطبيعي كشريحة من المثقفين في عصرنا الراهن ، كم تمنيت أن تكون هناك مساهمات أكثر تنوعا و كثافة حول هذا الموضوع ،و لكن قلة المساهمات لن تحبطني في عرض هذه القضية التي لم تلق ما تستحقه من عناية الكتاب و المثقفين العرب رغم أنها تمس كيانهم كشريحة اجتماعية رائدة أو يجب أن تكون كذلك .أعتقد أني متابع مثابر للحياة الثقافية العربية أو المصرية خاصة ،و لكني أزعم أن قضية مثل اختفاء المثقف المستقل لصالح المثقف المؤسسي الإحترافي و تأثير ذلك على نمو الأفكار الإنسانية و مصيرها لم تطرح أبدا عربيا بشكل منهجي ، ربما فقط بشكل عرضي و في حالات نادرة ، رغم أن هذه الأفكار تناقش في الغرب و حتى في آسيا على نطاق واسع ، يبقى بعد ذلك الهم الدائم للمثقف العربي ، الردة الأصولية التي تصيب حياتنا الفكرية بالعقم و الذبول ، هذه الردة التي لا تهدد الحاضر و المستقبل فقط ، بل و للعجب الماضي أيضا ، و في هذا تحديدا سأستمع معكم إلى صوت مثقف و مخلص ( د. سيار الجميل ) . القسم الثاني "ومن نكد الدنيا على الحّر أن يرى عدوا له ما من صداقته بّد" (المتنبي) المثقفون بين ايدي المتفقهين إن الانقضاض على نصوص أدبية تاريخية موروثة أم إبداعية معاصرة مستحدثة يشكل آلية غير مسبوقة في القمع والإرهاب الفكري على امتداد تاريخنا، وخصوصا وأنها ترتدي زي المتعبد الناسك الذي يريد أن يصف أحجار الحياة ويلونها على ذوقه ومزاجه، والحياة متعددة الألوان ومتنوعة الأغراض والمشارب ومتباينة الصنوف والاتجاهات. إن الأمر ليس بهين أبدا، فأمر الثقافة العربية عند مطلع القرن الحادي والعشرين، أمر مفجع عندما يتحول (الممنوع) من مجرد شعارات فئوية سقيمة إلى قرارات حكومية نافذة، فهذه السلوكيات التي انتقلت من طور المنغلقين على ذاتهم في أقفاص المجتمع إلى قرارات حكومية في بلاد لها تاريخ ثقافي وأدبي حافل في العصر الحديث، يبدو الأمر خطيرا، إذا ما أدخلت (الدولة) أنفها في هكذا أمور كي تصادر هذا بحجة تجريمه وتمنح ذاك شهادة لحسن سلوكه! ولا اريد ان اغالط نفسي عندما ادعو الحكومات العربية ان تقف سّدا منيعا امام ثقافة الكراهية وزرع الاحقاد وتوليد التناقضات وعندما انتقدها هنا لتوقف او تحجب مستحدثات العصر وابداعاته! وكأنها تريد ان ترضي سلطات او احزاب او جماعات معينة ترفع شعار المحرّمات والممنوعات لاسباب سياسية ومزاجية لا لعوامل عقلية وعلمية، وتمّرر كل الجنايات على حساب مستقبل المجتمع وصناعة الاجيال القادمة. وتيرة التخلف.. عجلة مسرعة نحو الوراء والمشكلة أنها لم تدرك أبدا أنها بعملها هذا إنما تزيد من وتيرة التخلف وهول التناقضات في المجتمع المحلي والعربي، بل وستقف مجحفة ليس ضد جيل كامل، بل ضد سلاسل الأجيال القادمة! لقد دهشت جدا عندما علمت قبل ساعات بأن مصر قد منعت عرض فلم دافينشي كود، بل وصادرت الرواية من الاسواق بطلب من بعض اعضاء البرلمان المصري؟ وكأن هذا العمل سيقلب الدنيا، وانا واثق تمام الثقة بأن العرب لا يدركوا فحوى هذه الرواية ولا فيلمها حتى اليوم! وان ذهنيتهم لن تستوعب ما هو عليه الحال في ذهنيات مجتمعات اخرى. لقد كان المثقفون العرب دوما بايدي سلطة المتفقهين منذ ايام طه حسين وحتى اليوم.. وان كلا من الفكر والابداع العربيين قد ارتهن رهانا صعبا لا يمكن ان يوصف بحيث كبّلت الثقافة العربية بكل حقولها وميادينها بالاصفاد، وويل لمن يقف منتقدا هذا النسق الصلد من التفكير، فالتكفير دوما ما يكون سلاح الضعفاء في مقابلة الحجة بالحجة! وكل يوم يمرّ والحياة العربية تتصعب جدا نتيجة ما يطرح من تفقهات وفتاوى وحدود حول النصوص الادبية والموسيقى والفنون التشكيلية والمنحوتات والرواية والشعر والافكار الجديدة والمناهج المعاصرة والاتجاهات السياسية.. ولم يكتف بما هو معاصر، بل رجعوا يتفقهون بابداعات القدماء من شعراء وفلاسفة ومتكلمين وفنانين ومؤلفين ومترجمين.. الخ رموز الثقافة دعوني أسأل : هل يعقل – مثلا - أن يحاكم الشاعر العباسي الشهير بأبي نؤاس على نصوصه الشعرية عند بدايات القرن الحادي والعشرين بتلك الطريقة الفجة التي سمعنا عنها قبل سنتين؟ نصوص كنا قد درسناها في مدارسنا قبل أربعين سنة بكل حيادية وأمانة واعجاب!! وهل يمكن لبلد له تراثه المتنوع وله اعتزازه بقيمه التاريخية وبرجالاته المبدعين وبآدابه وعلومه وفنونه مثل مصر.. أن يرتد هكذا سريعا ضد تراث العرب الأدبي والفني؟ ومن سمح لبعض من رجال التابو ان يؤسسوا حياتنا بطركية مغلقة وأن يحتكروا قنوات تلفزيونية لساعات طوال كي يدخلوا أنوفهم في كل موضوع فيوزعون الأحكام والفتاوى التي تخص موضوعات ثقافية وفكرية وسياسية وفلسفية قديمة وحديثة بحجة " هذا يجوز وهذا لا يجوز "؟؟ ربما كان عندهم الحق في ان يعتمدوا على " نصوص"، ولكن المشكلة ليست في " النص " كون كل نصّ ابن بيئته وزمنه بقدر ما اجدها عند من يتشددّ في " النص "، " فالنص " ابن بيئته وظروفه وهو لا يستطيع الا التعامل مع الواقع بكل مفرداته.. وهنا تنفضح تناقضاته. انه يعيش في ازمة تناقضات دوما، وانه طوال حياته يفكر في حزمة دائرة مغلقة لا يريد الخروج عنها ابدا.. وربما لا يشعر بها، او قد يعي ذلك ويدلس على نفسه والاخرين، فكيف بهم يمارسون الارهاب والقتل باستخدامهم الانترنيت وآخر ما وصلت اليه الحياة المعاصرة؟ ثم الا يسألون انفسهم : هل من الحق استخدام منجزات العصر المتقدمة لتحقيق اهداف كارثية تحت ستار فقرات دينية سامية وبوسائل دموية بشعة في قتل الناس الابرياء ونفي الانسانية قاطبة؟؟ انهم ينحرون التاريخ والثقافة ايضا هل غابت كل أوراق الواقع المرير بهول تناقضاته الحادة وعقم أوضاعه المزرية وبلادة أوزاره المفجعة.. وغرابة أطواره القاتمة وسماجة صوره ومضامينه وأشكاله.. حتى ينكّل بالتاريخ والتراث الأدبي تنكيلا مفجعا على أيدي أبنائه الذين نجدهم يتعصبون حتى ضد أنفسهم؟ وهل ضاق أفق التفكير عند العرب إلى الحد الذي بدا فيه الشاعر القديم أبو نؤاس يخيفهم بنصوصه الغزلية؟ وهل وصل العرب إلى الدرجة التي لم يجدوا شيئا لقتله إلا مواريث آبائهم وأجدادهم من المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين الكبار.. من دون أن يلتفت هؤلاء قليلا إلى ما لابد له أن يكون عند بدايات القرن الحادي والعشرين؟ لماذا يثورون ويزبدون ويرعدون ضد ما لايتفق وافكارهم.. ولكنهم سرعان ما يلازمهم السكوت لينشغلوا بقضية اخرى.. وهكذا دواليك! وهل عرف العرب بأنهم من أقوى وأشهر شعوب الأرض قاطبة في فن الشعر والأدب والثقافة الشفوية والمكتوبة.. حتى ينحروا أنفسهم بهكذا طريقة مجحفة؟ هل سمعنا بالإغريق ينحرون فلسفاتهم الكلاسيكية كونها تختلف مع توجهاتهم السياسية زمعنقداتهم الدينية؟ وهل سمعنا بالإيطاليين يحطمون مسارحهم الرومانية القديمة لأن أسودهم في سالف الأزمان كانت تفترس فيها عبيدهم؟ وهل سمعنا بشعوب أقاصي آسيا تحرق نصوص بوذا في الحكمة، لأنها لم تستقم والسلوك المعاصر؟ هل سمعنا بحكومة الصين الماوية تعدم مبادئ كونفوشيوس، لأنها لا تتفق والثورة الثقافية لماوتسي تونغ؟ وهل سمعنا بالفرس يعدمون نصوصهم القديمة في القص الموروث، كونها لا تتفق مع طرائقهم الدينية اليوم؟ وحتى بعض الأفارقة في الغابات : هل سمعناهم يتركون ثقافتهم الفلكلورية المتوارثة كونها من الفنون المتخلفة عن الفرانكفونية التي غدوا يؤمنون بها؟ فلماذا إذن ينحر العرب أنفسهم بأنفسهم وقد التفوا هذه المرة على الثقافة والأدب والشعر والفن والنقد والتاريخ، وبمثل هكذا طريقة مفجعة؟ وهل يحق للأحفاد محاسبة الأجداد بهذه الطريقة الغريبة لتجريم هذا والانتصار لذاك! لقد قرأت من يهاجم قاسم أمين على أفكاره.. وثمة حملة شعواء كانت ولم تزل على طه حسين ومهاجمة نقداته.. وهناك من يوغل بشناعته ضد الشاعرين العراقيين الكبيرين الزهاوي والرصافي.. ولم يسلم ايضا لا ايليا ابو ماضي ولا ابو القاسم الشابي.. وأخرى جرت ضد نجيب محفوظ وتحريم ما صّوره وشخّصه في بعض رواياته! وصولا الى ما تعّرض له عدد من الكّتاب والعلماء والباحثين والمفكرين العرب المحدثين.. وهكذا، فالمشكلة ليست في أبي نؤاس لوحده في الماضي، بل تتجاوزه إلى الحاضر وستستمر المعركة الخاوية ضد الآتي.. ان مشكلة العرب اليوم مأزومة ومتقرحة ضد كل معاني الحياة المدنية والدنيوية والدينية الخلاقة؟ تاريخ طويل جدا متنوع المضامين ومتعدد الأضداد ومجتمعاتنا عاشت طبيعة الأشياء من دون أن تكبل نفسها داخل اقنية ولا تحشر انفاسها في توابيت عبر التاريخ! زمن المثقف الأخير. - بهجت - 09-17-2006 ضياع الادراك وخواء المنطق ونسأل : هل يقف ديوان شعر معين أو فلم سينمائي محدد أو أغنية رومانسية حالمة أو رواية قصصية غير مألوفة أو مسلسل تلفزيوني جرئ أو أفكار تحررية غير محنطة.. هل تقف كلها او بعضا منها حجر عثرة في طريق الأخلاق الفاضلة والتربية السامية باعتبارها مسؤولة مسؤولية كاملة عن خدش الحياء والإفضاء إلى الانحراف الخطير؟ وهل غدت الحياة العربية مثالية ومستقيمة وملائكية من كل الادران والموبقات والسلوكيات الطفيلية والمزيفة والمنافقة بمختلف تناقضاتها المتصادمة.. حتى يضحك على الناس بإدخال الثقافة العربية الحديثة داخل الشرانق والأقفاص والتوابيت بإشهار السيف أو بضرب الاسواط أو برجم الأحجار؟؟ ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ان السفينة لا تجري على اليبس هل فهم أولئك الأغبياء قيمة هذا البيت الشعري الذي تتضمنه حكمة عالية المستوى يحتاجها القادة والزعماء العرب قبل مواطنيهم.. وأنها لعمري، حكمة لابد أن يتعلمها العرب من أوسع أبوابها لا من أضيق مخارجها! ولو لم تكن لها هناك حاجة أكيدة لما قالها صاحب هذا البيت الشعري قبل ألف عام مما تعدون! ونسأل أيضا : إذا كان في شعر شاعر غزل خليع، أو كان في رواية من الروايات توصيف حي لحالة شاذة، أو كان في مقالة أحدهم فكرة حرة تعبر عن فهم من نوع غير مألوف.. الخ فهل عدم ذلك عند غيرهم من الشعراء والرواة والقصاصين وحتى عند بعض المتصوفة والفقهاء والمتكلمين القدماء والمحدثين؟ ألم يسمع العرب من المثقفين والمسؤولين المعاصرين بـ " الأدب المكشوف " و " شعر المجون " في تراث ادب (الامة العربية)؟ ألم يقرءوا آلاف الصفحات المليئة بكل تناقضات الحياة وإسرار الخلفاء والخلعاء والنبلاء والاعيان والمشايخ وجماعات المغنين وأخبار الجواري والحريم والقيان والغلمان وتنابلة السلطان..؟؟ وهل عدم التراث العربي كله على امتداد تاريخنا الحضاري وسلاسل أجيالنا من نماذج متعددة وتسميات متنوعة تتوزعها عشرات بل مئات من أمهات الكتب وهي تتضمن غزلا عذريا وغزلا خليعا وهجاء مقذعا وأوصافا نابية؟ وهل عدمت الحياة العربية وغير العربية إلا من الوعاظ والنساك والزهاد والمتصوفة والمتبتلين والمريدين والمتوسلين والمساكين؟ وأسأل : لماذا استخدم الشعراء المتصوفة مصطلحات كالخمر والسكر والدنان والحان والعشق والهيام والحب.. وهم يحلقون عاليا في تجلياتهم الروحية في (الفيض الالهي)؟ هل سيأتي يوم من الأيام يعدم فيه الشاعر ابن الفارض مثلا ويسحب ديوانه بحجة قوله : " سكرت بخمر الحب في حان حيّها ".. الخ ما الذي ستفعلونه بتراث العرب المتنوع؟ نعم، ما الذي ستفعلونه بتراث الآباء والاجداد لو تسلمتّم مقاليد الامور؟ ما الذي ستجنونه بحق التاريخ لو منحتم القوة؟ وهل باستطاعة وزارات الثقافة العربية أن تعدم شعر الخمريات والتشبب والغزل والنسيب والهجاء..؟ وهل باستطاعتهم سحب عشرات مراجع الكتب الموسوعية العربية التي تزدحم بجملة هائلة من النصوص الأدبية والشعرية والفلسفية والكلامية والبايوغرافية وهي لا تتفق وشهادات حسن السلوك المزيفة والصور المتناقضة في أيامنا هذه.. ليقرأ الجهال يوما ما نظمه على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الحمصي ديك الجن في الذي نشره الثعالبي عنه في موسوعته " يتيمة الدهر " من شعر المجون؟ إن أجيالا من الأدباء والمثقفين العرب قد تربت على امتداد تاريخ طويل على أغراض الشعر المتنوعة، ومنها الأدب الرخيص والهجائيات والنقائض وادب الخلاعة وادب المجون والغلمانيات والخمريات والنسوانيات.. وصولا الى لزوميات المعري الفلسفية ووصفيات المتنبي الإلهية وروميات أبى فراس الحماسية والنرجسية وحماسة ابو تمام البطولية ونقائض الفرزدق وجرير وخمريات ابو نؤاس وغيرها التي لا تعد ولا تحصى.. وقد قرأها الناس في الغدو والآصال اكثر مما يقرأها أبناء اليوم، فلم تنحرف سلوكياتهم ولم تتبدد أخلاقهم، بل عاشوا أعمارهم وهم يوازنون بين الأمور والحاجات في حياتهم وانهم قد أدركوا جيدا بأن الضرورات تبيح المحظورات. وان التعلم من هذا البحر الشعري الزاخر يبني الحياة ولا يهدمها، وان التمتع بهذا الروي يسمو بالذات ولا يعدمها، وان التعرف على هذا الفن أو الفكر أو النزوع يثري العقل ولا يخنقه! وان حصيلة ذلك كلها تربي الملكات وتسمو بالمواهب وتصقل الإمكانات ما دام للإنسان عقل ومخ وضمير وتفكير وبعد نظر.. من ذا الذي سيحاكمه التاريخ؟ أيمكننا محاكمة كل أولئك العظماء على كل ما قالوه شعرا أو أدبا في عصورهم الخوالي التي عاشوا فيها، زاهية كانت أم راكدة، من دون أن يحاكمهم أحد على سلوكهم..أو يعدم نصوصهم أحد بحجة سوء أخلاقهم! وكنت أتمنى لو كان بيننا اليوم رجال أمثال : الزهاوي والرصافي واحمد لطفي السيد ومي زياده وخليل مطران وطه حسين ومارون عبود واحمد أمين وغيرهم من عشرات المثقفين الحكماء الأقوياء ليسمعوا ويروا ما حل بالثقافة الأدبية العربية من بعدهم، وخصوصا عندما استباح ميادينها الجهلاء لا العقلاء! وانفلتت الأمور في العشرين سنة الأخيرة من عقالها بحيث لم يعد البعض يحترم تخصصه مستغلا الظروف التي تمر بها الحياة العربية الصعبة ومستغلا الإمكانات التكنولوجية التي سخرت أمامه لكي يفتي كلّ حسب مزاجه ويحلل ويحرم حسب هواه.. متجاهلا تاريخنا بطوله وما اتصف به ذلك التاريخ من تنوعات وانطلاقات وابداعات.. وأخيرا : سيتغّير الزمن بعد مرور جيل او جيلين! ان الزمن سيتغير حتما اذ لا يمكن ان تبقى حياتنا على ما هي عليه اليوم.. وسيتغّير تفكير الناس عندما يترسخ الوعي عندهم شيئا فشيئا، وعندما يتخّلص تفكيرهم من الاليات المسيطرة ومن اوهام لا اول لها ولا آخر.. عندما ستجد الروح بغيتها في ان تحّكم عقلها في مجريات الحياة.. عندما تجد في الدين فضاء من الموحيات الرحبة السامية التي تمنح الانسان الاخلاق والقيم وصيغ التعامل بالحسنى.. عندما تكتشف ان الذين يتكلمون من هؤلاء المتفقهين ما هم الا كسبة يستجدون بوسائلهم مصالحهم على حساب الحياة المدنية.. عندما تقف وهي حائرة على ما يحل من خراب في حياة الانسان باسم الممنوعات عليه.. عندما تتأمل كيف تحوّلت القيم والاصول الى ايدي محتكرين يتجارون بها وجعلها عوائق امام التقدم، وعندما وجدوها وسيلة للتسلط ليس الاجتماعي حسب، بل السياسي والثقافي في ان يكونوا هم ولا غيرهم في الميدان.. فهم بذلك يحاربون كل المبدعين وكل المثقفين والعلماء المتمدنين ويهاجمون المستنيرين ويصفونهم باشنع الصفات.. بل ويشوهوّن القيم المعاصرة والاتجاهات والفلسفات المعاصرة.. ان توزيعهم للاحكام جاهز تماما، فكل المستيرين من المثقفين الاحرار هم في عرفهم من المتغربين والمتأمركين والعملاء والكفرة والملحدين.. من دون أي شعور بالذنب ومن دون أي احساس باللوم ومن دون أي تقّبل للرأي ومن أي استيعاب للافكار ومن دون أي قبول للنقد، ومن دون أي حوار ومحاججة ومن دون أي تمثّل بالتعايش ومن دون أي مجادلة بالحق ومن دون أي تودد واحسان ومن دون أي اكراه ولا اقصاء او جفاء، ومن دون أي الغاء وسباب وشتيمة.. ومن دون أي مصادرة للعقل.. والاقوى من كل هذا وذاك : من دون أي تكفير او تجريم او تفريق او مشروع قتل! وكلها نّص عليها ديننا الاسلامي الحنيف. ان تحولات التفكير العربي الراهن وتغيير الذهنية من المركبّة الى المنفتحة.. ولما هي عليه اليوم من اصعب الامور، ولكن المحاكمة ستنال من اولئك الغلاة الذين نصّبوا انفسهم طغاة لهذا العصر.. بعد ان يتجاوزهم الزمن خصوصا وانهم سيتعرضون للنقد الكاسح بعد ان تتعّرى افكارهم وتموت قوتهم ويضعف نفوذهم وتضمحل سيطرتهم على عقول الناس بعد مرور جيل او جيلين وبين ثلاثين الى ستين سنة قادمة.. وعند ذاك سيصفق الاحرار بعد انتهاء المهزلة! زمن المثقف الأخير. - داعية السلام مع الله - 09-19-2006 اقتباس: بهجت كتب/كتبتانتظرت حتى أسمع أكبر عدد من التعليقات حول هذه القضية ، فهي قضية ثقافية مطروحة دائما تحت مسميات عدة و مضمون واحد .. التبعية الثقافية . [COLOR=Blue]إن ما تطرحانه هو حقيقة بالفعل و لكنها ليست الحقيقة كلها بل جزء من حقيقة أكثر شمولا ، فنحن نعيش في ظل حضارة كونية مهيمنة ننقل عنها العلوم و التكنولوجيا و الأساليب و الممارسات و المنتجات و الخدمات لهذا سيكون منطقيا أن ننقل أيضا عنها الأفكار و المفاهيم و الفلسفات تحية طيبة زميلي المحترم بهجت / آسف على تأخر الرد (f) المعادلة المطروحة باللون الأزرق أتفق معك فيها فيما يخص فروع ثقافتنا كما سبق وأن أشرت لك , بل أعض على كلماتك تلك بنواجذي ... وليس هناك مايضر مادام الأمر لايمس نظمنا ومبادئنا .. لكن مارأيك حين يعرض علينا مثلا ( تعدد نظام الاسرة ) كما حدث في مؤتمر ( القاهرة ) للسكان ! طبعا نظام التعدد المقدسة هناك تقديسا يفوق كل معايير الحق والخير .. هذا السبيل في تعظيم قيمة مثل الحرية : هو في ثقافتنا مقيد بمانعلمه من حق وخير معلوم لدينا من ميراث النبوة , فقد بعث الله الانبياء العظام بصلاح الدنيا قبل الدين , والمشروع الفكري الغربي قد نبذ فكرة الوحي تماما ولفظها لفظ النواة , لذلك ليست هناك قيمة عليا ولا خير ولا شر مطلق وانما الامر نسبي بحسب تطور الاحداث ومنفعة الافراد .. فلو كان هؤلاء الافراد يريدون تهديد تماسك المجتمع بل إبادة الجنس البشري بعد عدة أجيال من خلال الزواج المثلي أو من خلال الزواج بحيوان ( وسوف يقنن عماقريب هو الاخر !! ) فليست هناك مشكلة عند القوم ! بل إن الأمر قد نضج وتم تطبيعه تماما لدرجة أن الكنيسة نفيها أصبحت تباركه , وقد تم انتخاب أسقف لوطي شاذ في أمريكا وتلتها بريطانيا حذو القذة بالقذة .. هؤلاء هم قادة تلك المجتمعات .. هؤلاء هم الصفوة :) طبعا أنا أقول هذا الكلام وأذكرك بأني معك قلبا وقالبا في متابعة الركب الثقافي وتلقيح ثقافتنا بهذا المنتج العالمي ولكن في حدود يابهجت ! لابد من حدود ! نحن الذين يجب أن نقول هذا للناس فالناس تسمع منا نحن المثقفون وبلادنا أمانة في أيدينا يجب ألا نضيعها باستيراد مساويء الحضارة مع ايجابياتها كمثل الحاطب بليل يجمع الحية مع الحطب ! والذي يقول لك ( مافيش نقاوة ) هذا عبارة عن ظل .. تابع .. لايصلح للارتقاء لمرتبة التوجيه والاصلاح , لأن أسهل شيء هو التقليد دون نقد . اقتباس:بداية لابد ان يكون واضحا اننا لسنا في مجادلة دينية حول العقيدة الإسلامية ، فهي ليست مطروحة أصلا في هذا الشريط ، فالإسلام كدين شيء و كثقافة أصولية معاصرة شيء مختلف تماما ، فحتى لو كانت النصوص الدينية هي أساس الثقافة الإسلامية المعاصرة ، فهذا لا يعني ان تلك الثقافة الأصولية المتخلفة هي المعبر الأفضل و الوحيد و الحصري عن الإسلام الذي يجب ان يبقى عقيدة لا مشروعا سياسيا أو ممارسات مهنية رغم التعاطف مع محاولات البحث عن ثقافة خاصة لا أجد أمامنا عمليا سوى تلك الثقافة الكونية لمجتمع العولمة أو أن نتحجر في ثقافة تراثية منعزلة لا تملك أي مقومات حقيقية للنمو نعم , هذه هي مشكلتنا مع الاسلام أننا لانثق فيه مع أننا لم نجربه أصلا حتى الان منذ بدء ظهور فكرة النهضة ابان سقوط الخلافة العثمانية .. لماذا لانملك أية مقومات للنمو ؟ هل منهجنا هو منهج بوذا الذي يبحث عن النرفانا مثلا ؟ الثقافات الاصولية لها دور محدد هو : صون الاسلام عن الاختلاط بغيره وتنقيته أولا بأول . لكن أن يكون لها مشروع حضاري متكامل فأعتقد أن القائمين على قيادة تلك الجماعات فيهم من يصلح للقيام بهذا الدور ولكن التيار الغالب الذي يحرص على ابرازه الاعلام كل الحرص : هو الذي يقف حجر عثرة أمام ثقافة الحوار .. والأمر مش ياابيض ياسود , إما ثقافة أصولية ( كما يتصورها الاخر , وإما ثقافة غربية وضعية ) لا بل لدينا الاسلام نظام متكامل على جميع الاصعدة , له نظامه الاقتصادي والاجتماعي السياسي , وكل هذا ليس فيه تفصيل يمنعنا من التلقيح مع الثقافات والنظم الوافدة الجديدة , لأن الاسلام وضع الخطوط العريضة فقط لتكون مرنة متوائمة مع متغيرات كل مجتمع في كل زمن .. اقتباس:، إن الغرب ليس كلا واحدا و لكنه طيف واسع من الممارسات و الأفكار و علينا أن نحسن الإختيار ، إن الحضارة العالمية المعاصرة عبارة عن تفاعلات تاريخية هائلة و كأي تفاعل كبير له منتجات ثانوية غير مرغوبة ولا مقصودة و لكنها أيضا حتمية ، علينا أن نختار ما يناسبنا و ماهو مجدي ، و أن ننحي السلبيات جانبا ، فالحضارة الكونية لا تلزمنا بالصهيونية و الإستعمار و المثلية الجنسية و المخدرات و العبثية و الجريمة المنظمة و التفرقة العنصرية و تلوث البيئة و الظلم الإجتماعي و ..., كلها منتجات ثانوية للحضارة نحن اذا متفقون :saint: اقتباس: نفس الحضارة التي انتجت العلم و التكنولوجيا و الطعام و البضائع و نوعية الحياة الباعثة على السعادة و الخدمات المرفهة و الحرية و حقوق الإنسان و المساواة الحقيقية والفنون السماوية الراقية و كل ما يستحق ان يعيش الإنسان لأجله ، لا يمكن أن نرفض تلك الحضارة كي نظل مخلصين لثقافة متبيسة منذ قرون طوال ، إن الإلحاح على مقولة الهوية الثقافية مجرد عذر للتخلف يا أستاذي : الذي يقبل بالتخلف فهو عميل وليس بمصلح غيور , حتى السلفيين يقولون بأخذ العلوم الحديثة والتقنية عن الغرب لأنه سبقنا فيها , لكن يجب الى جانب هذا أن نوقن أننا أفضل منه في الجانب المعنوي لا أن نبخس أنفسنا حقها ونعيش أذلاء أسرى الوهم الذي منشؤه عقدة الخواجة . المسألة ليست الا مسألة اخلاص ثم وعي بصيرة , وكلاهما غير متوافران في من يملكون زمام الامور في بلادنا , فلا اخلاص لدى الحكام ولا وعي , بل أقول وأسارع بالقول : إن التخلف الذي نعيشه مفروض علينا ولم يتمر حتى الان لأننا مقصرين ولامبالين , لا بل نحن نحترق كمدا وحسرة , ولكن كل كلامنا وأبحاثنا تذهب أدراج الرياح تحت وطأة كلب من الكلاب أو عميل من العملاء ... فليست المشكلة إذن في ثقافة اسلامية نربطها بالتقنية والآلة , مع أن عين تلك الثقافة هي التي دفعت المسلمين إلى غربلة الأرض واستنطاقها واستخراج مكنوناتها وابتكار العلوم والسبق فيها , وأنت خير من يعلم هذا أكثر مني .. وأما الكلام عن الشياطين والملائكة واعتبار ذلك من مخلفات القرون وأنها تخاريف : فهذا نسف جذري للثوابت التي لاتقبل الجدل ! منذ قليل كنت أحدثك عن المثلية الجنسية كانحطاطة سلوكية , فكيف بالردة الاعتقادية ؟ هي أخطر بكثير لأنها هي المدخل لكل الطوام والبلاء .. ان كل خير نتميز به عن بقية الأمم التي تعاني التفكك الاجتماعي والانحلال الاسري واللاأدرية الفكرية هو بسبب تمسكنا بعالم الغيب الذي نعتقد مجيئه أو ذهابنا اليه لا محالة , ومن ثم نحسب حسابه في اللاوعي ويكون حاجزا بيننا وبين التيار الجارف من الانحلال والتفسخ الذي تميل اليه النفس ( بزعم تحقيق السعادة كما يقول بعض الزملاء ) وكأن السعادة في الرجوع لمرحلة الطفولة بحيث نتعاطي كل مااشتهيناه وأن نركب كل ما هويناه بغض النظر عن عواقبه وهل هو فعلا شيء جيد أم ردي , يرتقي بنا أم يزيدنا انحطاطا فوق انحطاط .. ان النفس البشرية متمردة جدا وليس لها حاجز ولا رادع الا النظر الى عالم آخر ينال فيه كل انسان حصاد مازرع . وليست الملائكة والشياطين الا بعض معالم هذا النهج الخلقي المتكامل القويم الذي يتصل فيه الجانب المادي في الانسان مع الجانب المعنوي .. نوازع الخير ونوازع الشر فيه .. ولن يؤدي انكار تلك الحقائق الغيبية الا الى وقوعنا في الجانب السلبي من الحضارة المعاصرة دون تحصيل الجانب الايجابي .. ولن يكون التمرد على الشق المعنوي من حياتنا والكامن في كل واحد فينا إلا من قبيل شجاعة مراهق عقب مشاهدة فيلم أكشن يحاول تقليد البطل في كل شيء ... انه تهور وليس شجاعة , سطحية وليست فلسفة عميقة ولا حكيمة :97: زمن المثقف الأخير. - بهجت - 09-19-2006 عزيزي مورجن .:97: إن المثقف المستقل المنتمي للقيم الإنسانية العليا هو القوة المحركة لأي ثقافة حقيقية تكون جديرة بالشعوب الحية ، ومن النادر أن تفرز مجتمعانا ذلك المثقف المستقل و تحميه ، لقد أصبح المثقفون أميل للرطانة و الإلتواء ، و هكذا فقدوا وضوح الفكر الذي هو صنو التنوير ، و هكذا أيضا تتحول الثقافة إلى مسمى بديل للدعاية ، و أن تصبح المعرفة موالية و خاصة و ليست أداة فائقة لإمتلاك الحقيقة ، كل ذلك يجب أن يدفعنا إلى مزيد من التقدير للمثقفين المستقلين الذي بذلوا تضحيات حقيقية و بالغة من أجل الدفاع عن قضية التنوير مثل سلامه موسى و فرج فوده و خليل عبد الكريم و سيد القمني و محمد سعيد العشماوي و لويس عوض و نصر حامد أبو زيد ، فمثل هؤلاء المفكرين تحركهم قيم إنسانية مطلقة كالحرية و العدل و الجمال ، إن دور المثقف هو أن يقود المجتمع إلى أهداف عليا لا أن يتبع العقائد و المفاهيم السائدة خاصة في مجتمع شبه أمي لا يقرأ شيئا جديرا بالقراءة ، وحتى لو كان هذا المجتمع معافيا فما أبأسه مجتمعا كان مثقفوه هم التابعين لا القادة . إن كل الحريات المتاحة للمثقف العربي لا تكفي صحفيا مبتدئا ، حتى كبار الكتاب يعلمون أن الحقيقة المصرح لهم بها هي ربع حقيقة و ربما دون ذلك ، لهذا نحن لا نعرف شيئا عن العالم الذي نعيش فيه بما في ذلك إسرائيل رغم ما تمثله من أخطار و تحديات ،و رغم الأهمية الحيوية لتلك المعرفة سواء في الحرب أو السلام ، لقد فرضت الديماجوجية العربية نفسها على المثقفين فتداحلت المعرفة في أعينهم مع التطبيع !، بدأ اليهود في ترجمة القرآن وأعمال طه حسين منذ جاءوا لفلسطين في بداية القرن وكانوا لا يزالون 60 ألف فقط حتى أن ( يوسف عجنون - حائز نوبل في الأدب ) اعترف بتأثره بأيام طه حسين ، و لدى الإسرائيليين خطة دقيقة للترجمة حيث أنشئوا سنة 1962 معهدا لترجمة الأدب العبري إلي جميع اللغات وترجموا حتى سنوات قليلة مضت 22 ألف كتاب ، كما يترجمون 100 كتاب من اللغة العربية سنويا 80 % منها من الأدب المصري دون إذن ، بينما نحن لم نترجم إلا عشرة كتب فقط . و تترجم إسرائيل حاليا معظم ما يصدر باللغة العربية . من بين جميع إصدارات المجلس الأعلى للثقافة في مصر مثلا صدرت ثلاثة كتب مترجمة عن العبرية و كلها كتب أكاديمية ، وحين ترجم كتاب 'الزمن الأصفر' لديفيد جروسمان عن هيئة قصور الثقافة صودر قبل ساعات من نزوله السوق وعوقب المسئولون عن إصداره ،و هذا الكتاب يتحدث بمنتهى القسوة عن بطش ووحشية الاحتلال الإسرائيلي. و هنا تكمن المفارقة عندما يدرسنا الإسرائيليون لأدق التفلصيل بينما لا ندرسهم نحن؟ ، هل حقا سنعتمد على فتح المندل ووشوشة الدكر ، أم سنقتصر على كنس السيدة و الحسين على المفترى و الظالم و ابن الحرام !. |