نادي الفكر العربي
ما هي الحرية - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: عـــــــــلــــــــــوم (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=6)
+--- المنتدى: فلسفة وعلم نفس (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=84)
+--- الموضوع: ما هي الحرية (/showthread.php?tid=10352)



ما هي الحرية - Awarfie - 07-04-2007

ما هي الحريّـة؟

تتغير المفاهيم و القيم مع تغير المراحل التاريخية . عندما كان الاستعمار ينحسر تدريجيا عن الدول المستعمرة ( فتح الميم ) كانت الحكومات الجديدة تنادي بالوطنية و تتخذ قرارات و مراسيم مقنعة لاهل بلادها ، و كان أبناء تلك الاوطان يقولون " وطني دوما على حق " . اما اليوم فنلاحظ بان الناس قد وعت و ادركت تغير المرحلة، و تغير الظروف السياسية ، و ان هناك فرؤقا واضحا في السلوكيات ، بين القيادات التي كانت بعد مرحلة الاستقلال مباشرة من جهة ، و القيادات الحالية من جهة اخرى . و ما عاد بامكانها القول بالشعار الوطني الكلاسيكي ، " وطني دوما على حق " . و هكذا بدا يتميز مفهوم الوطنية و كذلك غيره من مفاهيم كثيرة ، مثل مفهوم الحرية الذي كانت تنادي به الاحزاب الشمولية ، من نازية و فاشية و بلشفية ! فالاحزاب الشمولية ، جعلت الحرية مشروعا مؤجلا ، الى ما بعد تحقيق تغيرات شاملة و تحقيق الشيوعية . على طريقة عيش يا كديش الى ان ينبت الحشيش ، و لن تستطيع الطيران لاننا اقتلعنا كل ما عليك من ريش ( الحريات ) !

و بعيدا عن كل أيديولوجيا ، و تعصب عقائدي جامد ، نقول ، بأن جوهر الحرية الثقافية هو توسيع الخيارات الفردية . أما ربط الحرية بحفظ القيم و الممارسات بوصفها غاية في حد ذاتها ، مع ولاء اعمى لتقاليد شمولية أيديولوجية ، هو ليس الا تقييدا لمقدرة الناس على العيش كما يفضلون ، و منعهم من ان يكونوا من يشاؤون . ولا يمكن ان نتكلم عن الحرية دون ان نتكلم عن الاعتراف بالهويات الثقافية ، و احترام التنوع داخل المجتمع الواحد ، و بناء مجتمعات اكثر اندماجا بتبني سياسات تعترف بكل صدق و شفافية ، بالتباينات الثقافية ، دون أي قمع شامل ، كما حدث في المجتمع السوفييتي المندثر . حيث كانت الفكرة السائدة هي نشر التماثل و الزي الموحد في كل شيء على معيار قومي واحد . كما لا يمكن ان تقوم الحرية على السماح بممارسات تنكر تساوي الافراد في الفرص ، و تنتهك حقوق الانسان ، كحرمان مواطنين معينين داخل الدولة من حقوق يتمتع بها غيرهم ، او تتمتع فئة ،او جماعة حزبية من أفراد المجتمع بامتيازات لا تحق الا لذلك الحزب و مؤيديه ، دون غيرهم . كما يحدث في الدول التي تحكم فيها الاحزاب الشمولية من بعثية او شيوعية . و لا يمكن قيام حريات انسانية مع وجود صيغ استبعاد لانماط حضارية متنوعة ، أو سلوكيات خاصة ، تود مجموعات معينة أن تختارها . و يعتبر الاستبعاد الديني او الاضطهاد الديني ، من أبشع أساليب القمع التي تعرضت لها الحريات الانسانية عبر التاريخ . و اكثر ما نلاحظ ذلك الاستبعاد التنوعي ، و الديني ، لدى الدول السلطوية الشمولية من دينية ، او قومية ، او شيوعية ! ناهيك عن القيود الرسمية التي تفرضها تلك الدول المستبدة ، قامعة الحريات ، على ممارسة اللغة او الجنسية ، او عدم احترامها للاعراق المتواجدة داخل المجتمع الواحد . و كثيرا ما ياتي قمع الحريات الانسانية باشكال ، مثل عدم الاعتراف بثقافة الشعوب و تراثها ، و بل و اعتباربعض الثقافات وضيعة و بدائية و غير متحضرة ، خاصة عندما ينعكس ذلك على السياسة العامة للدولة . و كثيرا ما يكون الاستبعاد عبر التمييز و الاجحاف في التوظيف و الاسكان و التعليم . فنجد مثلا في دولة مثل سوريا ، المحكومة بحزب بعثي شمولي ، هو مسخ للاحزاب الشيوعية التسلطية ، لا يسمح لغير البعثي من التقدم للدراسات العليا في الجامعة ، ما لم يكن بعثيا . كما يمنع على غير البعثي الحصول على وظيفة اذا تواجد له منافسين بعثيين . فاي حرية هذه يقدمها حزب شمولي لرعاياه !!

كما و يلاحظ ، ان لا يمكن للحرية ان تقوم ، في مجتمعات تعاني داخلها بعض المجموعات من تهميش ، و استبعاد من السلطة السياسية الحقيقية . لهذا فهي تشعر بالغربة داخل الدولة التي تعيش فيها ، و تتحول الى عنصر تفتيت و تخريب و اعاقة لتقدم تلك الدولة . و هذا يدعونا الى التاكيد على اهمية و ضرورة تعددية الثقافات في مممارسة الديموقراطية و رمي ، مفهوم هيمنة الحزب الثوري الواحد ، على مقدرات الامور ، في المجتمع من مثل " نحن بعث و ليمت اعداؤنا " ، او مثل خرافة " ديكتاتورية البروليتاريا " . و تتميز السلطة القمعية ، الشمولية ، قومية كانت ، او شيوعية ، بكونها دولة اللاقانون ، بل دولة الحاكم الفرد الديكتاتور او الحاكم النخبة ، الفاشية او النازية او الستالينية ، و التي لا تعير للحرية الشعبية ، أية اهمية ، بل يقوم جهاز امني باقامة نوع من السكينة القاتلة ، القائمة على القمع ، و الخوف ، نتيجة لارهاب السلطة ضد رعاياها ، الذين لا يرقون الى مستوى مواطنين . حيث لا مواطنة ولا حقوق مدنية ولا سلطة قانون ، ولا تحقيق مطالب سياسية او حريات عامة مستمدة من شرعة حقوق الانسان التي وافقت عليها تلك السلطة . و كل من يخرج عن تلك الهيمنة و السيطرة الامنية لمجتمع الحزب الواحد و الشمولي ، هو ليس الا خائن او عميلا للعدو او متمرد يجب تحطيمه باية وسيلة ممكنة . و غالبا ما يكون السجن الطويل اقصر الطرق الى قمع حريته و تدجينه .

فالفكر الايديولوجي المحافظ في تلك المجتمعات و الذي يصل عادة الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري او تمرد منظم على سلطة سلبقة ، يتسم بالفكر الانعزالي و الوطنية المتورمة على حساب جيرانها ، اضافة الى رفض التعددية ، و رفض التنوع الحر ، داخل مجتمعه . و هي تعتبر توسع الحريات الثقافية في عصر العولمة ، مشكلة حقيقية تسعى لقمعها باساليب شتى ، أبسطها ، منع الناس من الحصول على اطباق استقبال تلفزيونية ، عبر قوانين رسمية تحظر ذلك ، مثل سوريا التي ما زال قانون منع رفع أطباق الاستقبال التلفزيونية قائما حتى اليوم . ان توسيع الحريات الثقافية هو هدف عام ، و هام جدا ، في التنمية البشرية ، و كل الناس يريدون ان يكونوا احرارا في التعبير عن هوياتهم ، كأفراد من ضمن مجموعات لها التزامات و قيم مشتركة ، سواء كانت الجنسية او العرق او الدين او المهنة او الهواية . و المجتمعات بحاجة الى احترام التعددية و الالتزام بالوحدة على حد سواء و مناصرة القيم الكونية من تسامح و احترام لحقوق الانسان العالية . و التهرب من ضمان تحقيق تلك الحقوق بضمان الحريات الانسانية ليس الا تمويها لتعصب فكري رجعي ، و بدائي ، طالما مورس تحت اسم التماثل و التطابق و الحتمية الثورية .
تحياتي .

فيصل آورفــاي04:092 تموز (يوليو) 2007 -/ اليسار الديموقراطي

:Asmurf: