حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
زمن الكراهية - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58) +--- الموضوع: زمن الكراهية (/showthread.php?tid=10378) |
زمن الكراهية - بسام الخوري - 07-03-2007 زمن الكراهية كنا في الخمسينات شلة من الرفاق في مطلع الشباب. بيننا المحامي والقاضي والصحافي والطبيب والمهندس. كنا نقتنص (ساعة لقلبك) كل يوم أو يومين من زحمة العمل. نلتقي. نتشاكى نتداول. نتحاور في السياسة والثقافة والحب وهموم الحياة. لم تكن الخصومة السياسية على هذه الحدة السياسية التي نعرفها اليوم. لم يكن الانتماء الديني أو المذهبي أو حتى العرقي يفرِّق الصداقة والصحبة والمحبة كما هو الحال اليوم. عندما عملت في لبنان. اكتشفت تعصبا أكبر في بلد الطوائف والمذاهب المتناحرة. زميلة لي تزوجت حبيبها الشيعي وزميلها في الدراسة، ثم طلقته. فقد دمرت الكراهية الحب. شبعت من اللوم والتوبيخ اللذين كالتهما لها حماها (حماتها) المتعصبة الجاهلة. حملتها المسؤولية التاريخية عن قتل الحسن والحسين منذ أكثر من ألف وثلاثمائة سنة. لم تكن الكراهية تثيرني. كنت أقول للرفاق الشيعة إن الإسلام السني رفض حتمية حاكمية سلالة آل البيت، لكنه احتفظ لعلي بذات المهابة والاحترام لأبي بكر وعمر. عندما يطفح الكيل كنت أقول مداعباً: اذهبوا إلى دمشق. عرِّجوا على قبر معاوية وأنتم في طريقكم إلى ضريح «السيدة زينب» في ظاهر المدينة. لا مقارنة بين الضريحين. قبر معاوية يكاد في عاصمة السُّنة أن يُدْرَس. ولا أدري بعد كل هذه السنين ما إذا كانت الأوقاف الإسلامية تجرأت في عصر الأسد الأب أو الابن على إنقاذ الضريح كأثر إسلامي. عدوى الكراهية انتقلت من الشيعة الى السنة. نحن اليوم نعيش زمن الكراهية، أو كما قال الشاعر: نعيب زماننا والعيب فينا/ وما لزماننا عيب سوانا. السعوديون يتذكرون، لا شك، علي الطنطاوي رجل الدين السوري ذا الأصل المصري الذي توفي في رحاب مكة قبل سنوات قليلة. كتب علي الطنطاوي وقال في ذروة تزمته إنه يقدر السياسي المسيحي فارس الخوري ونزاهة القاضي الدرزي عارف النكدي، لكنه لا يصافحهما. يفضل أن يصافح إندونيسياً مسلماً ولو كان على بعد آلاف الأميال! مات الطنطاوي الخطيب البارع والمحدث الظريف مختنقاً بغاز الكراهية. الكراهية الدينية والمذهبية هي اليوم ثقافة الإسلام السياسي. «قاعدة» ابن لادن والظواهري تقدم في العراق مثالاً للكراهية الدينية المروعة القادرة على تدمير الألفة والانسجام بين السنة والشيعة في مجتمع إسلامي متعدد الطوائف والمذاهب. الكراهية ليست نقيض الحب والمحبة. الكراهية ليست عاطفة أو غريزة واحدة. الكراهية مجموعة عواطف سلبية وغرائز مدمرة. فيها الحسد والغيرة والرغبة الجارفة العمياء الى الثأر والانتقام بلا رحمة وإنسانية. كان أبو تمام يظن زمانه «الزمن الوغد». ماذا لو زارنا الشاعر في هذا الزمن الذي اعتدنا على تسميته بـ«الزمن الرديء»، زمن الكراهية؟ الثقافة الإسلامية تعاني من خلل حضاري. الإسلام السياسي حافل ببدع تغسل الأدمغة باكرا. توجهها نحو كراهية الغير، نحو رفض المجتمع والعالم، نحو استخدام العنف معهما لا فرق بين «كفار» ومؤمنين. الكراهية الدينية للغير الأكثر تقدما وتسليحا وثراء هي نتيجة طبيعية لنمو الشعور بالمرارة إزاء العجز عن المجاراة والمواجهة بالعلم والتقنية والمعرفة والثقافة. انحياز الغرب الظالم ضد العرب يغذي ثقافة الكراهية الدينية. غزو أفغانستان والعراق ساعد على نشر طبعة من الإسلام شديدة الانغلاق على الذات، شديدة التقشف في الاجتهاد، شديدة الخطأ في التفسير والتحليل. التكفير نوع من الانتحار الحضاري. تجاوز الإسلام السياسي المتزمت الاغتيال الفردي. لم يعد الهدف اغتيال السياسي المسؤول. الانتقام الجماعي يطال المدنيين الأبرياء بالجملة في الوطن والعالم. يحملهم ببساطة فكرية متناهية في السذاجة مسؤولية انتخاب مسؤول معاد للإسلام أو للعرب. سقوط الآيديولوجيا الشمولية (الماركسية) نقل العالم من حرب باردة يعرف كل طرف فيها الحدود الرادعة في التعامل الدولي، الى عالم من الفوضى السياسية والاجتماعية. غياب الرادع النووي سهَّل نشوب الحروب التقليدية. صليبية المحافظة الجديدة في الولايات المتحدة قابلها نمو مرارة الإسلام السياسي المتزمت. هذا الإسلام هو الذي يقود اليوم المواجهة الدونكيشوتية مع «الكفر الصليبي» الأميركي. لم يعد هناك نضال وطني أو قومي نبيل ضد التدخل الخارجي. هناك كراهية دينية «جهادية» تجتذب التدخل. تفرح وترحب به! تظن أن مجاهدته يجب أن تتم في «ديار الإسلام»، من دون أن تتذكر أن الحروب الصليبية التي دارت في هذه الديار دمرتها وخربتها، وأخّرت العرب والمسلمين عن اللحاق بركب الحضارة الإنسانية عدة قرون. من يقرأ التاريخ في زمن الكراهية؟ لا أحد. غياب النظام الحاني الرفيق بالمجتمع الذي يحكمه، دفع بالناس إلى الغربة عنه والانطواء على الذات. الفساد المروع والإثراء غير المشروع، في غيبة القدرة على الاحتجاج، انعكسا بالانتماء إلى الإسلام المتزمت، إلى الكراهية الساذجة والمطلقة في مجتمع شمولي الثقافة المشبعة بالإيمان العفوي الطيب. في غيبة القراءة، في غيبة المعرفة، في غيبة الثقافة المتنوعة، بات هناك تسليم بقوى الغيب القادرة على التغيير، من دون حاجة لأن يبذل المؤمنون أي جهد أو ممارسة أي كفاح. في الداخل الإسلامي، ثقافة العامّة المؤمنة تواجه ثقافة القمع والحرمان الرسمية. هاجت العامة في «جنة» الخميني عندما وجدت نفسها في بلد يعوم على النفط محرومة من بنزين السيارة. في هذا الداخل أيضا، دمرت طالبان الآثار التاريخية. ألغت المدرسة والرياضة والموسيقا. حجزت المرأة في البيت. عطلت نصف المجتمع عن العمل والدراسة. هناك اليوم تناقض بين مجتمع إسلامي (إيران) يحن إلى الحرية الاجتماعية، ومجتمع عربي يحن إلى حكم «حماس» الإخواني الذي يتصور أنه قادر على خلق «الجنة» على الأرض في غمضة رموش مشعل وهنية والزهار. مظاهر الكراهية السياسية والدينية كثيرة: نسف الأضرحة. استدعاء الموتى لحكم الأحياء. تدمير الآثار. إشعار المرأة بدونيتها. دوس صور الزعماء والساسة بالأحذية. إلقاء الخصوم من الجو أو سحلهم في البر. لا دين يردع. لا ضمير يعي. لا وطنية تجمع. لا نضال مشتركاً يَنْهَى ويمنع. فنحن في زمن الكراهية. المشرق العربي تعايش سلميا وحضاريا في ظل إسلام التسامح مع أقلياته. لجأ بطاركة الكنائس المسيحية الشرقية من كنائسهم التاريخية في أنطاكيا هربا من السنية التركية، ليس إلى لبنان المسيحي، إنما إلى رحاب السنة العربية. أقاموا في دمشق مقارّهم وكنائسهم في رحاب التسامح والتعايش بين العرب مسيحيين ومسلمين. يقول لي معارض مسيحي بارز مقيم في المنفى الباريسي والألم يعتصر قلبه: «المسيحيون العرب مضطرون إلى الهجرة إلى الغرب. نحن اليوم نعيش في زمن الكراهية». http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?se...amp;issue=10444 |