حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
الدين كدعامة للهوية - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: الدين كدعامة للهوية (/showthread.php?tid=10738) |
الدين كدعامة للهوية - arfan - 06-07-2007 دولتــان على أن من المهم التميز هنا بين مفهومين للدولة: الدولة بما هي الكيان السياسي التاريخي، والدولة باعتبارها سلطة سيادية أو مؤسسة السلطة العليا في مجتمع ما. وفي سياق الكلام على العلمانية، من المهم القول إن الدولة التي تنفصل عن الدين هي مؤسسة السلطة أو الحكم، لا الكيان السياسي التاريخي. يحيل المفهوم الكياني للدولة إلى الإطار الحضاري والثقافي الذي ينتمي إليه البلد المعني، بينما يحيل المفهوم المؤسسي إلى نظام حكمها وأجهزة سلطتها. لذلك لا معنى للكلام على انفصال الدول بالمعنى الأول عن الدين، فيما لا غنى عن انفصال الدولة بالمعنى الثاني عن الدين. فلا تنفصل فرنسا عن المسيحية، إن نظرنا إلى فرنسا ككيان حضاري سياسي أوربي (وتاليا مسيحي). وإن انفصلت فلسبب تاريخي: إن مركز ثقل هوية فرنسا ومحدد كيانها ينتمي إلى حداثتها، إلى تاريخها بعد التنوير وثورة عام 1789. وفي الحداثة هذه تحتل العناصر اللامسيحية، واللادينية، وزنا أكبر من العناصر المسيحية والدينية في تكوين فرنسا. لكن انفصال فرنسا عن المسيحية بهذا المعنى مسألة حكم تحليلي لا حكم معياري، أعني أنه شيء نستخلصه من دراسة التاريخ، وليس شيئا نجده في دستور فرنسا أو قوانينها. أما انفصال الدولة كمؤسسة حكم عن الدين فهو واقعة معيارية ومحروسة بقوة القانون. والخلاصة أن انفصال فرنسا ككيان عن المسيحية ليس نابعا من مفهومها كدولة، فيما لا بد من الانفصال هذا حين نفكر بفرنسا كمؤسسة سلطة وحكم. في بلادنا التي لا تشكل حداثتها مركز ثقل كياناتها (رغم أن أكثر الكيانات هذه حديثة التشكل)، يبقى "الإسلام" مكونا لكياناتها السياسية التاريخية. وقد يستمر هذا الحال وقتا طويلا دون أن يمس في شيء وجوب علمنة دولنا كمؤسسات سلطة عليا. وما يصح على دولة فرنسا التي يؤسس انفصالها عن الدين للمساواة بين مواطنيها، متعددي الأديان واللادينيين، يصح كذلك على دولنا الحديثة التي لا مفر من أن تقوم على المساواة بين سكانها وعلى حرية الاعتقاد التامة. الدولة التي لا تقوم على ذلك ليست دولة غير علمانية فقط، وإنما هي لا دولة، هي سلطة مفروضة على سكانها بقسر مادي أو معنوي أو بهما معا. أو هي "دولة" بالمعنى العربي القديم للكلمة، أي "دور" في الاستبداد بالحكم، ينسب إلى الحاكمين الذين يدولون ويزولون بالقوة وحدها. التطابق بين الدولة والوطنية، بين سورية والسوريين مثلا، لا غنى عنه من أجل المساواة بين السكان. التطابق هذا يقتضي انفصال الدولة عن الدين والمذهب والطبقة (للديمقراطية السياسية مفعول "علماني" في المجال الاجتماعي، لكونها "تفصل" السلطة عن الثروة). وانفصال الدولة في بلادنا لا يزال "مشروعا"، تطلعا مستقبليا. بالمقابل الرصيد الذي يقدمه لنا الماضي هو إطار حضاري ثقافي، عربي إسلامي، سورية جزء منه. وبما هي جزء من هذا الإطار فإن انفصالها عن العروبة والإسلام غير ذي معنى. غاية ما هنالك أن الكيان السوري قد يطور مع الزمن هوية لا يشغل الدين أو القومية مركز ثقلها. هل علمنة الدولة السورية ستقود إلى فصل سورية عن مجالها الحضاري؟ لا نرى أي سبب لأن لا يكون العكس هو الصحيح. إذ من المفترض أن السوريين المتساوين والأحرار سيكونون أقدر على بث الحيوية وروح الإبداع والتجدد في ميراثهم الحضاري الذي يكاد اليوم يكون أكداسا غير منظمة من موارد عقيدية وفكرية وأخلاقية ورمزية متفاوتة الدور والقيمة. علمانيتـان ازدواج مفهوم الدولة (كيان وسلطة) يولد، إذن، ازدواجا في مفهوم العلمانية، أو بالأحرى في موقعها. فالعلمانية شرط معياري، سياسي ودستوري، للدولة كمؤسسة. الدولة غير المنفصلة عن الدين لن تطور ذاتية أو شخصية مستقلة، يتعرف فيها رعاياها على أنفسهم كمواطنين متساوين. ستكون الذاتية للدين أو الزعيم أو الحزب الحاكم. بالمناسبة، متهافتة الدعوة إلى العلمانية في سورية دون وضعها في سياق يهتم بفصل الدولة أيضا عن حزب البعث ويعترض على نسبة البلاد إلى رئيسها وينشغل بدسترة الحكم ..، لكن متهافتة كذلك الدعوة إلى نزع بعثية الدولة ودسترة السلطة دون وضعها في سياق يضمن انفصال الدولة عن الدين. بالمقابل، لا معنى لاشتراط الانفصال حين نفكر بالدولة ككيان سياسي تاريخي. فالعلمنة هنا أمر جائز فحسب. وهي في هذا المجال مفهوم وصفي أو تحليلي، يمثل عملية تاريخية موضوعية. بعبارة أخرى، العلمانية مطلب عملي ذاتي حين نقصد بالدولة مؤسسة الحكم، وخلاصة تاريخية موضوعية محتملة حين نفكر بالدولة ككيان سياسي تاريخي. على أن لباب المسألة هو انفصال الدولة بذاتها، أو استقلالها بنصاب سياسي ذاتي مقوم لها. الاستقلال عن الدين (أو عن الحزب أو عن العصبية أو الزعيم..) هو من مقتضيات الاستقلال بـالنصاب السياسي الذاتي وليس جوهره. لذلك يمكن تصور دول إيجابية جدا حيال الدين كمعظم دول أوربا الشمالية، بل وقد تنص عليها في دستورها كما في الدانمرك مثلا (يولي دستورها رعاية خاصة للعقيدة الإنجيلية اللوثرية)، لكن استقلال النصاب السياسي مؤمّن. ويقوم النصاب الذاتي هذا على نزع القداسة عن السلطة وتشريعاتها، وعلى قيام السياسة على الرأي والنقاش العقلاني المستند إلى براهين وحجج بشرية. وعلى هذا فقط تتأسس المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن أديانهم، أو قل إنه على ذلك يتكون السكان كمواطنين. وعليه فإن تصور العلمانية كانفصال للدولة عن الدين (وكتمايز للأمة السياسة أو أمة المواطنين عن الأمة الدينية أو أمة المؤمنين) لا يكفي لاستقلال الدولة بنصاب سياسي دنيوي يجعل منها مقر التماهي الوطني الوحيد. ففي مجتمعاتنا ليس الدين هو العائق الوحيد، ولا حتى الأساسي، أمام نشوء النصاب المستقل. ثمة أيضا الثروة والعصبية والزعامة. ولا يبدو أن نظرية العلمانية تشغل نفسها بهذه القضايا، هذه إن لم نقل إن "العلمانية الواقعية" في بلداننا تستجير من رمضاء الدين بنار الاستبداد، هذا الذي لا يمنحها من الاهتمام إلا كأداة إضافية لتحكمه السياسي. هذا الحول الديمقراطي للعلمانية العربية متولد بالكامل من تثبتها على صورة العلمانية كانفصال للدولة عن الدين (بل كفصل للدين عن الدولة، كأن ذاك مستول على هذه)، وتفويت لبّها، أي تكون النصاب السياسي وبروز الدولة مقرا للتماهي العام. هذا يتيح لنا أن نفهم كيف أن علمانيتنا السلبية (فصل..)، والمتوجسة من المطالب الديمقراطية، فاقدة لأي بعد تحرري ومساواتي، خلافا للعلمانية الغربية. .. ودينــان! من جانب آخر الدين ذاته يختلف معناه وفقا لما إذا كنا ننظر إلى الدولة كذات سياسية أو كموضوع تاريخي. فالدين الذي يُرى إلى انفصال الدولة عنه في الحالة الأولى كشرط ذاتي للدولة هو الدين كعقيدة سياسية، كطموح إلى السلطة والسيادة. فيما الدين الذي لا معنى للكلام على انفصال الدولة عنه هو الدين كهوية، أو كعنصر مكون للهوية، أو كسند تاريخي وحضاري للهوية. وقد يناسب أن نطلق اسم الدين السياسي على التصور الأول للدين، والدين الثقافي على التصور الثاني. فالدين بالمعنى الأول يتعارض مع المساواة، إذ لا يمكن أن يتوحد السوريون مثلا على أرضية إسلامية. والإسلام لا يمكن أن يوفر القاعدة التي تضمن المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، إلا بقدر ما يمكن للمسيحية أن توفر قاعدة مساواة بين المسيحيين وغير المسيحيين، وإلا بقدر ما تصلح الماركسية حكما عادلا بين الماركسيين وغير الماركسيين. هذا أمر منطقي، ينبع من مفاهيم الإسلام والمسيحية والماركسية بالذات، أي لا تفيد شواهد التاريخ كلها لدحضه. وهذه على أية حال معدومة، إن كان ما نبحث عنه هو المساواة بين أتباع الأديان والمذاهب في ظل سيادة أحدها. ويتعارض الدين السياسي مع مطلب المساواة دوما، لأنه ليس ثمة مجتمع يشترك أفراده كلهم في دين واحد. إذ حتى لو تحدر السكان جميعا من أصل ديني مشترك، فإن تاريخ المجتمعات، القديم والحديث، هو تاريخ تكون فرق وملل ونحل ومذاهب، ما يقتضي تجديد أساس الوحدة بينهم، وإلا تكون مجتمعات أصغر أحادية الدين. وكما لا نتوقع أن يكون أساس توحد أمم مختلفة هو القومية (الاتحاد الأوربي مثلا)، فإن توحد جماعات دينية ومذهبية مختلفة غير ممكن على أساس الدين. ونفترض بالطبع أن تقسيم الدول على أساس ديني ومذهبي أمر غير مرغوب. ومن الواضح أن الدين كدعامة للهوية يتوافق مع الكيان السياسي التاريخي الذي ننظر إليه كحامل للدولة حين نفكر فيها كسلطة. بل قد يكون الدين أهم دعامة للكيان، كما هو الحال بخصوص المملكة العربية السعودية والباكستان وإسرائيل. قد تتعلمن هذه الدول تماما، وإسرائيل علمانية الآن، لكن يبقى الدين سند كيانها وحامل قوميتها. هنا، في الحالة الإسرائيلية، نرى علمنة الدولة كمؤسسة حكم وتعزيز دينية الدولة ككيان سياسي تاريخي. وقد نرى أن الوجه الثاني يتغلب على الوجه الأول، إلى درجة المساس الخطير بالمساواة التي تترتب على العلمانية. من مفهومها لذاتها نفسه، وليس فقط من مقتضيات حالة الصراع مع العرب، ينبع تمييز إسرائيل ضد غير اليهود. هذا ما يجعل الصراع ذاته جوهريا وغير عارض. على أن إسرائيل حالة حدية لكونها تقوم على مطابقة الدين والقومية، أي لكون انفصال الدولة ككيان عن الدين يقوض الدولة كسلطة. وبينما قد تتعلمن سورية ذات يوم حتى ككيان سياسي تاريخي، فإن الكيان السياسي التاريخي لإسرائيل، ومثلها باكستان والسعودية، مضاد للعلمنة. تركيا حالة معاكسة لإسرائيل. فهنا تتصرف القطاعات المقررة من النخبة التركية كما لو أنه لا مجال لعلمنة مؤسسة الحكم دون علمنة الكيان التركي ذاته. هذا يجعل من العلمانية أقرب ما تكون إلى عقيدة رسمية للدولة. ويثير المثال التركي سؤالا بخصوص ما إذا كانت علمنة الدولة كمؤسسة حكم تقتضي في العالم الإسلامي علمنة قسرية للكيان الوطني ذاته، أي فصله بقوة الدولة عن مكونات ثقافته التي تكونت تاريخيا. ينبغي أن يكون الرد على هذا السؤال سلبيا لأن من شأن رد إيجابي عليه أن يغير معنى العلمانية في المجال الإسلامي، جاعلا منها قرينا للاغتراب الثقافي، الأمر لا ينطبق بالتأكيد على العلمانية الأوربية. والأهم أن هذا الصنف من العلمنة يضيق مساحة التماهي العام بدل أن يوسعها، أي أن له مفعولا مضادا للديمقراطية. على أنه ينبغي القول إنه لم يتطور في العالم الإسلامي تصور للإسلام يستجيب لمطلب استقلال الدولة السياسي. ولا يزال الدين السياسي هو الشكل الأكثر حضورا للدين الإسلامي في عالم اليوم. ينبغي القول كذلك إن تركيا واحدة من أكثر الدول الإسلامية تقدما، وأكثرها ديمقراطية أيضا رغم كل شيء. هذا يجعل خيارات النخبة التركية هي الأسلم، في انتظار تبلور خيارات أكثر ديمقراطية وأصالة عالم الإسلام الفسيح. ياسين الحاج صالح |