حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
مـــعـيـن - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: المدونــــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=83)
+--- الموضوع: مـــعـيـن (/showthread.php?tid=11497)



مـــعـيـن - mouyn - 03-23-2007

الأخ مبارك رضوان، بعد التحيّة.
يسعدني أن أقدم أجوبتي حول أسئلتك.


Array1- ما هو مفهوم الديمقراطية برأيك ؟ وهل تعيش شعوبنا العربية في ظل ديمقراطية سليمة؟[/quote]

الديمقراطية هي حكم الشعب، هكذا قالوا لنا في السابق، أما الآن فيقولون الديمقراطية هي إختيار الشعب لمن يحكمه عن طريق صندوق الإقتراع.
هذه المفاهيم تحمل مغالطة، فالشعب منقسم إلى طبقات إجتماعية ذات مصالح متناقضة، والطبقة أو الإئتلاف الطبقي الذي يتحكم في شرايين الإقتصاد (الشركات، البنوك، وسائل الإعلام...) هو الذي سيفوز في أي إنتخابات مهما كانت شفافية ونزيهة كما يقال.
فلو أخذنا المثال الأمريكي على سبيل الذكر، فلا أحدا ينكر أن هناك أحزابا تتنافس، لكن في الأخير هذه المنافسة تنحصر بين الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)، والسبب أن هذين الحزبين هما في الواقع إتلاف شركات تتحكم في الآلة الإعلامية الضخمة التي تفبرك الرأي العام.
لذلك، فهذه الديمقراطية التي يروجون لها هي في التحليل الأخير شكل من أشكال الديكتاتورية التي تحمل قناع التعدّد، وهي ما يسمّى بالديمقراطية البرجوازية أو ديمقراطية رأس المال.
فكلّ طبقة اجتماعية تصل إلى السلطة يكون شكل حكمها ديمقراطي بالنسبة إلى حلفائها، وهو ديكتاتوري في نفس الوقت بالنسبة إلى أعدائها. فالفصل بين الديمقراطية والديكتاتورية هو فصل اعتباطي، فلا يوجد هناك حكم ديمقراطي في المطلق وآخر ديكتاتوري في المطلق.
وكثيرا ما يتحفنا الإخوة "الليبراليون العرب الجدد"، بتنظيرات من نوع أن أمريكا أو إسرائيل أو غيرها هي دول ديمقراطية بالنسبة لشعوبها، لكنها تمارس نوعا من الديكتاتورية ضد البلدان الأخرى، وهذا لا علاقة له بالواقع. فديمقراطية رأس المال هي في الواقع ديكتاتورية ضد كلّ من لا يملك رأس مال.
لكن، هل هناك نوع آخر من الديمقراطية غير هذه الديمقراطية البرجوازية؟
أكيد، فالديمقراطية التي نسعى لها، هي الديمقراطية الشعبية، وهي ليست منفصلة عن المسألة الوطنية أو قل عن التحرر الوطني من الهيمنة الإمبريالية.
فالوطن العربي خاضع في جلّ أقطاره إلى الهيمنة الأمريكية البريطانية الفرنسية (اقتصاديا وسياسيّا وثقافيّا)، وهو خاضع أيضا إلى استعمار عسكري مباشر في العراق وفلسطين.
هذا الوضع أفرز استقطابا طبقيّا في كلّ قطر، فمن جهة برجوازية عميلة متحالفة مع الإقطاع وتسيطر على السلطة السياسيّة وتتحكّم في كل دواليب الإقتصاد والثقافة.. ومن جهة ثانية طبقات شعبية ( أجراء، موظفون، برجوازية وطنية...) رازحة تحت الاضطهاد والقمع المادي والفكري والثقافي...
هذا الاستقطاب ليس أبدي، وبالإمكان فعل الكثير من أجل محاصرة نتائجه السلبية، كخطوة نحو تغييره تغييرا جذريّا لصالح الطبقات الشعبيّة.
ومن هنا يبرز دور الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني في الدفع نحو خلق حركيّة سياسية وثقافيّة من شأنها أن تساهم في بلورة ثقافة وطنيّة ديمقراطيّة نقيض للجهل والشعوذة والتخلـّف ومعاديّة للهيمنة الاستعمارية، ومن شأنها أيضا أن تخلق قطب سياسي نقيض للقطب الرجعي الذي يتصدّر المشهد السياسي والثقافي والإعلامي...
فالديمقراطية الشعبيّة التي نسعى لها ونناضل من أجلها هي نقيض لما هو سائد. وهي تتعدّى الميدان السياسي (إنتخابات وفصل السلطات وحريّة رأي) لتشمل الميدان الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتعليمي :
1. على المستوى الإقتصادي:
التصدي للانعكاسات السلبية للعولمة وذلك بالعمل من أجل المحافظة على مصادر الثروة الوطنية وتنميتها وتجنب الارتهان لصناديق النقد والبنوك العالمية. تنمية الصناعات الوطنية ودعمها. تنمية القطاع الفلاحي. المحافظة على المؤسسات العمومية وتطويرها...
2. على المستوى الاجتماعي:
دعم الخدمات الاجتماعية الأساسية (صحة، تعليم، نقل، سكن..)، الحد من ارتفاع الأسعار والترفيع في الأجور. توفير الشغل...
3. على المستوى التعليمي:
توفير فرص التعليم للجميع وجعله إجباري. تحقيق تعليم متأصّل في الهوية الوطنية العربيّة ومنفتح على المناهج العلمية الحديثة.
4. على المستوى الثقافي :
ضمان الحرية الفكرية والثقافية ورفض توظيف العقيدة الدينية لخدمة أهداف سياسية لأيّ كان. نشر الثقافة العلمية كنقيض لثقافة التهميش والميوعة والإغتراب والرعب الظلامي.



مـــعـيـن - mouyn - 04-10-2007

Array2- لماذا هذا الإخفاق التاريخي الكبير في امتنا العربية وما هو سبب انعدام الإنجاز الذي يدمر حتى الشعور بالكرامة عند العربي ؟[/quote]

في البداية علينا أن نسأل من نحن؟ وماذا نريد؟
نحن أمّة عربيّة مجزأة إلى أقطار، كلّ قطر تتنازعه قوتان رئيسيتان : قوّة مستفيدة من الوضع الحالي وبالتالي تسعى إلى تأبيد وإدامة تحكمها في مقدراته، وقوّة متضررة وتناضل من أجل تغيير هذا الوضع لما هو أفضل وأرقى.
* القوّة الأولى متشكلة في أنظمة سياسية ومتبلورة في طبقات اجتماعية :إقطاع بأنواعه: ريعي، عشائري، قبلي، طائفي... وبرجوازيات مرتبطة برأس المال العالمي، لا تراكم رأس المال من أجل تطوير الصناعة والفلاحة وإنما تمتهن التوريد والتصدير.
هذه القوّة أفرزت تيارات وأحزاب سياسية تدافع عن مصالحها، لذلك ليس غريبا أن تجد أحزابا ماسكة بالسلطة السياسية وأحزابا تعارضها من أجل أن تحلّ محلـّها فقط، لا يهمّها أي تغيير بل التغيير الوحيد الذي تسعى له هو تغيير الوجوه الحاكمة كصمام أمان ضدّ التغيير الحقيقي والجذري.
* القوّة الثانية هي جيش عرمرم من المعدمين (أجراء، مزارعين، عاطلين عن الشغل...)، موظفين، برجوازية وطنية تصارع التغوّل الرأسمالي العالمي المعولم.
هذه القوّة أفرزت أيضا تيارات وأحزاب تناضل من أجل التغيير لما هو أفضل، من أجل التحرر الوطني وبناء الديمقراطية الشعبيّة، ولذلك هي في صراع مع القوى الرجعيّة التي تسعى لتأبيد الوضع.
بعد هذا التوضيح أعود لسؤالك،
الإخفاق الذي نكابده كعرب في توحيد أقطارنا في كيان واحد، متطوّر اقتصاديا وثقافيّا وسياسيّا، هو إخفاق هذه القوى التقدميّة في بلورة مشاريعها وبرامجها لتلامس هموم المواطن، بل أن العديد من هذه القوى لا زالت تعتقد أن مهمّتها تكمن في إحياء أمجاد ومُثل عُـليا حُدنا عنها، متناسية أن المطلوب هو مواكبة كل ما هو جديد في الواقع وفي الأفكار التي يفرزها، وكيفية الاستفادة منها، لبلورة أفكار تتناسب مع واقعنا العربي ولتساهم في تطويره نحو الأفضل.
فإن كانت القوى الرجعيّة تجهد لنشر الشعوذة و ثقافة الهزيمة: "ليس في الإمكان أحسن ممّا كان"، وتبالغ في نفي دور الشعب ممّا يجعل المتحكمين في رقاب الشعب يبرزون وكأنهم القوّة الوحيدة المتحكمة بحركة المجتمع. فدور القوى التقدمية يكمن في عقلنة الوعي السياسي، أي السعي لإعادة بناء السياسة من منظور مختلف، فبدلا أن يكون النضال السياسي متمحورا حول من سيكون على رأس السلطة، يتحول ليتمحور حول البرامج السياسية التي ستقدم حلولا لقضايا المجتمع.
وهكذا، وبدل أن يتجاذب الناس حول مفاهيم مبهمة : الإسلام هو الحل، العلمانية هي الحل، الليبرالية هي الحل، الاشتراكية هي الحل... سيفرز الصراع السياسي إستقطابا حول البرامج التي ستقدّم حلولا.








مـــعـيـن - mouyn - 08-02-2007

Array3- وهل يمكن اتهام حداثة عربية ما... بأنها مسؤولة جزئياً عما يحدث الآن؟[/quote]


الحداثة والعصريّة و التقدم و الحرية و العقلانية والعلمانية والديمقراطية... كلّ هذه المفاهيم أنتجتها البرجوازية في صراعها ضد الإقطاع والكنيسة في أوروبا.
فهذا الصراع أفرز تغيرات راديكالية، إجتماعية وإقتصادية وتكنيكية، كانت وراء التحولات الجذرية التي أصابت الحياة الروحية للشعوب الأوروبية. فقد تهاوى استبداد الكنيسة بعقول الناس.
وكان لظهور أشكال جديدة من التنظيم السياسي للطبقة المسيطرة، أي الملكيات المطلقة في إسبانيا وفرنسا وانكلترا وغيرها، أثرها في إضعاف النفوذ الاقتصادي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، التي كانت - على امتداد العصر الوسيط كله – القوّة الإيديولوجية المسيطرة والمرجع الأعلى والمبرر الأكبر للإقطاعية في أوروبا. كما تزعزع نفوذ الكنيسة الإيديولوجي نتيجة لحركات الإصلاح الديني، التي قامت في النصف الأول من القرن السادس عشر (اللوثرية والزونغلية والكالفينية..)، وهي الحركات التي عبّرت عن سعي البرجوازية الكبيرة للتخلص من وصاية الكنيسة الإقطاعية لتشيد نظام كنسي جديد، برجوازي (البروتستانت).
هذا الوضع، أعطى دفعا قويّا لبروز فئة كثيرة العدد من المثقفين البرجوازيين الذين دشنوا القطيعة مع الإيديولوجية الإقطاعية الكنسيّة ليبشروا بثقافة جديدة عرفت بـ الإنسانية (Humanism). وكان هذا المصطلح يدلّ آنذاك على الثقافة الدنيوية الزمنية، وذلك في مقابل الثقافة اللاهوتية. وقد عمل "الإنسانيون" على معارضة "العلم" الكنسي بالعلوم الدنيوية.
لكن التصوّر البرجوازي للعالم لن يجد تعبيره الواضح والمكتمل إلا في القرن الثامن عشر كتعبير عن زيادة الوزن النوعي للبرجوازية في سائر مجالات الحياة والفكر.
فقد طرحت الطبقة الجديدة (البرجوازية)، السائرة نحو فرض هيمنتها وانتزاع مقاليد السلطة، طرحت نمط حياة جديدا، وأخلاقا جديدة، قائمة على التفاؤل (في مقابل ثقافة الخطيئة الأصلية الكنسية)، وتصوّرا جديدا للعالم. فنمت أفكار جديدة حول الكون، والإنسان، والمجتمع، والدولة،... وهكذا ظهرت فلسفة الأنوار وفلاسفة التنوير (فولتير، مونتسكيو، روسو، ديدرو، دولمباخ، هلفسيوس،...).
المنطقة العربية لم تكن معزولة عن هذه التحولات، فالعديد من المفكرين العرب تأثروا بهذه الصراعات وبما أفرزته من أفكار. فالتأثير المتبادل بين الحضارات هو في عمق الضرورة التاريخية، فإبن رشد مثلا أثـّر في الثقافة الأوروبية والذي هو بدوره تأثر بالفلسفة اليونانية.
وهكذا، فالنهضة العربية بدأت على شكل إرهاصات متفرقة، أهمها حركة التحديث الكبيرة التي أطلقها محمد علي باشا في مصر وبلاد الشام، طالت قضايا التربية والتعليم، وبناء المدارس والجامعات الخاصة والحكومية، وتطوير اللغة العربية وآدابها وفنون الإبداع فيها، وإنتشار الطباعة، والصحافة على نطاق واسع، وولادة فنون وأنواع أدبية جديدة كالمسرح، والتأليف المعجمي، والموسوعات وغيرها.
وكذلك فعل خير الدين باشا (خير الدين التونسي)، حيث افتتح المدرسة الصادقية لتدريس العلوم الدقيقة واللغات الأجنبية وتكوين الإطارات الذين تحتاجهم الدولة حيث لم يكن نظام التعليم الزيتوني (الديني) قادرا على تخريجهم إلى جانب محاولة تنظيم الجيش على النمط الأوروبي بتأسيس المدرسة الحربية بباردو، وكذلك تحسين ميناء حلق الوادي، وتنظيم إدارة الوزارة، وتنظيم المالية للحد من التبذير الذي انغمست فيه الأسرة المالكة، وضبط اتفاقيات وقوانين مع الأجانب لحفظ الأراضي التونسية، وأيضا إصدار دستور للبلاد..
ومع هذا الانتشار الكمي للركائز المادية لنهضة جديدة في أرجاء الوطن العربي، برزت مقولات نهضوية ذات طابع نوعي ولم تكن معروفة في السابق. منها الدعوة إلى المساواة والديمقراطية وفصل السلطات والمجالس البرلمانية المنتخبة والتمثيل الشعبي وحقوق الإنسان ورفض الاستبداد وتبني مقولات الليبرالية الاقتصادية، وحق المرأة في التعليم والعمل، ونشر مفاهيم التمدن والتحديث والتقدم والعلمانية، والدعوة إلى الوطنية والدولة الوطنية والدولة القومية، وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ورفض كل أشكال الاستعمار والسيطرة الخارجية.
في الوقت عينه، صدرت دعوات كثيرة تطالب بتأسيس الأحزاب والمنظمات السياسية، والسماح بنشر الأفكار الاشتراكية والعلمانية وفصل الدين عن الدولة وكثير غيرها.
وهو ما عبّر عنه رفاعة الطهطاوي، المثقّف العضوي في تجربة محمد علي باشا، حين أكّد على أن الوطن الذي هو محلٌّ «للسعادة المشتركة» يُبنى «بالحرية والعقل والمصنع».
إلاّ أن هذه التجربة فشلت لسببين رئيسيين:
1. هذا الوعي النهضوي، وإن كان يستجيب لمتطلبات الصراع الإجتماعي الذي شهدته المنطقة العربية بين قوى إقطاعية هي خليط من بيروقراطية الدولة وأرستقراطية الأرض والتجارة، وبين قوى برجوازية في طور التشكـّل، فإنه أخذ شكل الانبهار بالفكر الليبرالي وببهرج التقنية والعلم و الصناعة التي راكمتها البرجوازية الأوربية على مرّ السنين. ولم تكن لحظة الاندهاش هذه التي سماها العديد من الباحثين بـ «صدمة الحداثة» تكمن من تحريك وتجذير الوعي النقدي، بل كل ما كان بإمكانها أن تحركه وتجذره فيه هو النزوع نحو التلفيق ومحاولة استخراج مفاهيم حديثة من التراث، يعني، هذا الوعي النهضوي أو الحداثوي لم يكن يسعى لإحداث نقلة نوعية في البنى الاجتماعية (ثورة) بقدر ما كان يسعى لإصلاح وتحديث بنى تتقادم وتشيخ يوميّا بتطعيمها جرعة من الأكسجين الليبرالي الأوروبي. فأطروحات رواد النهضة العربية هي نوع من السلفية المطعّمة بالليبرالية، أي هو استثمار مزدوج للفكر الأوروبي وللتراث الكلامي والفقهي الإسلامي.
2. هذه التجربة فشلت لأنها بدأت في إطار سوق حرّة تسيطر عليها شركات إمبريالية كانت قد تحوّلت إلى الاحتكار، وبالتالي كانت قادرة على المنافسة وإجهاض صناعة ناشئة. فإن كان التكوين الداخلي يفترض التطوّر التراكمي الطويل نتيجة تخلّف البنى الاجتماعية للمجتمعات العربية، فإن الهجوم الاستعماري أسرع في إفشال التجربة عبر هزيمتها وفرض شروط قامت أولاً على تدمير الصناعة التي جرى بناؤها, وفتح الأسواق للسلع الأوروبية وفق المعاهدة الموقَّعة مع الدولة العثمانية سنة 1838.
فهذه الحداثة العربية لم تكن مسؤولة عما يحدث الآن، بل بالعكس فقد قدّمت الكثير، لكن وبالرغم من كل ما سبق ذكره، فالخطاب الليبرالي النهضوي كان أفضل من خطاب الليبراليين الجدد، الذي يتصاعد اليوم، لأن الليبرالية على الأقل كانت تقدم في الخطاب النهضوي كفكرة مسنودة بعرض معرفي يحرص على التأصيل؛ أما في الخطاب النيو ليبرالي الماثل أمامنا اليوم، فهي تقدم كفكرة راكبة دبابة، ومسنودة بلغة الإملاء والتهديد لتجسيدها في واقعنا!
فلو ألقينا نظرة عمّا يروجه أحد فطاحلة هؤلاء "الليبراليين" الجدد، وأعني به شاكر النابلسي، وبالمناسبة، فهؤلاء عملاء وليسوا ليبراليين، فالليبرالية هي إيديولوجية الرأسمالية في مرحلة حرية المزاحمة ومراكمة رأس المال، أمّا هؤلاء فهمهم الوحيد هو فتح الأبواب لشركات النهب الإستعمارية، وأكيد كلـّو بثمنه، وتجربة العراق معهم غير خافية على أحد، فأحمد الجلبي مثلا جابها على بلاطة (كما يقول المصريين) حيث أفاد منذ سنة بأن ديون العراق كبيرة جدّا، ولا أدري كيف قام بحسابها، المهم، قال إن إحطياطي النفط العراقي لا يغطي ثلث ديونه، لذلك لماذا لا نفوّت فيه للشركات العالمية، فتتكفل هي بالديون ونقتسم نحن العراقيين ثمنه، وليتصرّف كلّ منـّا في نصيبه، وأكيد كلمتي نحن العراقيين يقصد بها جماعة المنطقة الخضراء. هذا هو منطق المتباكين على ضحايا المقابر الجماعية و الأسلحة الكيمياوية...
على كلّ، يقول سيدنا شاكر النابلسي :

«الليبراليون هم فدائيو الحرية في العالم العربي. فهم الذين أيدّوا غزو العراق منذ اللحظة الأولى لتحريره وليس لاحتلاله، وليس حباً بأمريكا ولكن حباً في العراق. ولو غزا المغول العراق من أجل الاطاحة بالطاغية السابق لأيّدهم الليبراليون، ووقفوا إلى جانبهم ضد الطاغية السابق. ولو غزا العراق السود، أو الصفر، أو الحمر، أو البيض، أو السُمر، أو المجوس أو الشياطين الزُرق، لأيّدهم الليبراليون، لا حباً في هؤلاء، ولكن حباً في العراق، وكرها للطاغية السابق.»

هكذا، تصبح الإمبريالية في عرف هؤلاء طليعة قوى التحرر الوطني.
ثمّ يظيف :

«لقد أيّد الليبراليون غزو العراق، لا لأنه احتلال جاء ليستنزف ثروات العراق، ويحتلها عشرات السنين، كما كان يفعل الاستعمار البريطاني والفرنسي في العالم العربي والهند وآسيا وغيرها، ولكنهم أيّدوا غزو العراق لأن هذا الغزو خلّص العراق من حكم طاغية عاتٍ، وضحى بأبنائه من الجنود والصحافيين والمستشارين من أجل تحرير العراق من هذا الطاغية العاتي. ودفع من جيب أبنائه مليارات الدولارات من أجل تحرير العراق من هذا الطاغية العاتي. وحاول بكل الوسائل تمهيد سبُل الحرية والديمقراطية بالدستور والانتخابات وبالرقي»

وهنا تصبح الإمبريالية جمعيّة خيريّة أو دون كيشوت آخر زمن، تحرّر العبيد و تدفع من جيبها ومن دم أبنائها ومن وقتها... وهي المهدي الذي ظهرْ ليملأ أرض العراق حريّة وديمقراطيّة...
والغريب أن هذا الجهبوذ لم يوضّح لنا كيف أن بريطانيا وفرنسا تحتلّ وتستنزف الثروات، بينما أمريكا لا، ربما لأن إسمها أمريكا.
ثمّ، وبمناسبة حديثه عن الدستور العراقي، دستور المحاصصة الطائفيّة، فما رأيه لو يقارنه بدستور الجمهورية العراقية، أكيد سيجد تبريرا لا يقنع حتى أطفال المدارس.