حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
سيناريو على الطريقة اليوغوسلافية في الشرق الأوسط / مقال مهم عن العراق - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: سيناريو على الطريقة اليوغوسلافية في الشرق الأوسط / مقال مهم عن العراق (/showthread.php?tid=12595)



سيناريو على الطريقة اليوغوسلافية في الشرق الأوسط / مقال مهم عن العراق - ابن سوريا - 01-18-2007

أعجبني كثيراً هذ االمقال المهم جداً الصادر عن شهرية اللوموند ديبلوماتيك الفرنسية/النسخة العربية، للشهر الحالي، عن أحداث العراق والحرب الحالية ومدى تأثيرها على المنطقة.
(f)

سيناريو على الطريقة اليوغوسلافية في الشرق الأوسط
بيتر هارلنغ

هل أتى تقرير "بايكر هاميلتون" بنظرة واقعية على ديناميّات الأمور في العراق؟ وما هي أخطاؤه الرئيسة؟ ما هي العناصر التي تدفع على استمرارية العنف؟ وكيف يتمّ الفرز على الأرض وبين الأحياء؟ وهل يُشكّل هذا التقرير أرضيّةً لحلٍّ سحريّ لمعادلاتٍ داخليّة وإقليميّة أضحت شديدة التعقيد؟


إذا كان لتقرير "بايكر -هاملتون" من حسنة فهي أنّه يصف بصراحةٍ نادرة خطورة الوضع في العراق. فالتقرير يتنبّأ بمستقبلٍ شاحب: "إذا ما استمرّ الوضع في التدهور فالنتائج قد تكون خطيرة؛ والانزلاق إلى الفوضى من شأنه أن يؤدّي إلى انهيار الحكومة العراقية والتسبّب بكارثة إنسانيّة. ويمكن لدول الجوار أن تتدخّل وأن تتّسع المواجهة بين السنّة والشيعة؛ كما يمكن أن تحقّق القاعدة نصراً دعائيّاً وتوسّع من قاعدة عمليّاتها". هذا المؤشّر على خفض التوقّعات الأميركية يكشف عن أنّ التحدّي الناجم عن هذا التغيير الراديكاليّ في الاستراتيجية، حسب محرّري التقرير، يبقى هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام السياسي القائم تفادياً لانسحابٍ أميركي في ظروف حربٍ أهليّة قد تؤدّي إلى اشتعال المنطقة بأكملها. وبالرغم من وضوح الرؤية والجرأة، لا يقدّم التقرير حلولاً مُرضية لهذا التحدّي. فهو موسومٌ بدايةً بخطأيْن رئيسيّيْن في المقاربة.

ففي سياقٍ واحد، يقرّ التقرير أولاً بأنّ الحكومة هي سببٌ وطرفٌ في العنف الطائفيّ، مُطالباً بدعمها وتعزيزها وتأمين الإمكانيّات لها، لاسيّما العسكريّة. ويُوصَف الحكم الحالي بأنه "حكومة وحدةٍ وطنيّة" وشريكٌ في "الحرب على الإرهاب". ومن الواضح أنّ الثنائيّات التبسيطيّة، من نوع "الأخيار ضدّ الأشرار"(good guys, bad guys)، لم تعد صالحةً اليوم. فأيّ ممثّلٍ للعرب السنة يمكنه الإدّعاء بامتلاك قاعدةٍ اجتماعيةٍ ما، دون أن تكون له علاقات مع المعارضة المسلّحة التي تتورّط مكوّناتها أكثر فأكثر في ديناميّات الحرب الأهلية؟ وفي المقابل، أليسَ الأطراف الفاعلون من الشيعة في الحكومة هم الذين يملكون أقوى الميليشيات المشاركة هي أيضاً في العنف المذهبيّ الأعمى؟

فعلى الولايات المتحدة أن تدرِك بأنّ الحكومة الحالية ليست سوى أحد أطراف النزاع، وهو الوضع الذي يصفه التقرير دون أن يستخلص منه الاستنتاجات المطلوبة. والحكم الحالي سيقاوم أيّ مبادرة من شأنها إضعافه، فهو سيُعارض، بالرغم من إعلان النوايا الدعائيّة، تقديم التنازلات الكبرى المطلوبة في سياق عمليّة "مصالحة" صادقة، ومن ذلك إعادة النظر في امتيازات هذا الحكم. والمنطق يقول أنّ المصالحة الفعليّة لا يمكن أن تقوم إلاّ بعد الإنهاك المتبادل لأطراف العنف (شرط ألاّ يتفكّك العراق في غضون ذلك)، أو إذا بُذِلَ جهدٌ منسّق على الساحة الدوليّة لفرض مبدأ الحلّ التفاوضيّ على الفرقاء. والمثَل اللبناني دليلٌ على أنّ فرقاء النزاع لا يُنهَكون أبداً، وهو ما لا يُبقي سوى الخيار الثاني ممكناً.

وهنا يرتكِب أصحاب التقرير، الداعون إلى إعادة سوريا وإيران إلى المُعادلة الإقليميّة، خطأهم الثاني. فبناء توافقٍ دوليّ حول العراق مستحيلٌ نظراً إلى الأهداف الرئيسيّة التي تسعى وراءها الولايات المتحدة في المنطقة. فسياستها اليوم أقرب إلى منافسة إستراتجيّة تجمع حلفاءً متنافرين (إسرائيل، الأنظمة العربية، قوى 14 آذار في لبنان)، ضدّ محورٍ لا يقلّ تنافراً يجمع إيران وسوريا وحزب الله وحماس. ولا يهمّ إذا كانت مختلف الأطراف لا تجد مصلحةً موضوعيّة لها في اندلاع الحرب الأهلية في العراق، اللهم إلاّ إذا حدث تغيّرٌ جذريّ في المعادلة من قبل أميركا، وجرى استبدال منطق التنافس الاستراتيجي الحاليّ بالبحث عن اتفاقٍ للأمن الإقليمي يُصار ضمنه إلى مُراعاة متوازنة بين مختلف مصالح الأطراف. بيد أنّ أيّ مبادرةٍ من هذا القبيل ستصطدم بعائقيْن لا يمكن زحزحتهما - بالنسبة لواشنطن كما لدمشق وطهران - وهما المحكمة الدوليّة لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والملفّ النوويّ الإيراني.

المطلوب، بصورة خاصّة، هو تخطّي تقرير بايكر-هاملتون من ناحية تشخيص أسباب النزاع وتحليل ديناميّاته. إذ لماذا يستمرّ العنف بهذا الشكل في العراق بالرغم من "التوازنات الجديدة" و"الانفراجات والتقدّم" الذي تدّعي الإدارة الأميركية تحقيقهم؟ في الحقيقة، إنّه عنفٌ يحتويه الوجود الأميركي ويغذّيه في الوقت نفسه، وهذا الوجود مسؤولٌ عن اندلاع هذا العنف إلى حدّ بعيد. لكنّ النزاع بات يمتلك منطقه الخاصّ ويجد في ذاته الموارد الكافية لاستمراره.

يكمن المصدر الرئيسيّ للتغذية الذاتيّة للنزاع في التجذّر المُتبادَل للجماعات التي تلجأ إلى العنف. فعلى مستوى تشريع الخطاب، لا يُمارَس العنف إلاّ بحقّ أعداءٍ محصورين ومُحدَّدين، باعتبارهم فئات متطرّفة وخطيرة لا تفهم سوى لغة السلاح. فالمعارضة المسلّحة، حتى في مكونّها الجهاديّ، لا تتبنّى أبداً بصراحة العمليّات التي تستهدف المدنيّين الشيعة. فمنظّمة مثل "فيلق عمر"، التي نشأت خلال شتاء 2005-2006 للردّ على الهجمات التي يتعرّض لها السنّة، تدّعي تركيز جهودها ضدّ "فيلق بدر" و"جيش المهدي". في المقابل، تعتبر الميليشيات الشيعيّة أنها في مواجهة مع "التكفيريّين" والصدّاميّين". لكن، في واقع الحال، تؤدّي أعمال العنف المنسوبة للأعداء إلى أعمالٍ انتقامية وعشوائيّة بالقدر نفسه. فالاعتداءات التي استهدفت وزارة الصحّة ومدينة الصدر، في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، كانت بمكانة ردٍّ ثأريّ على خطف الرهائن في وزارة التعليم العالي قبل أيامٍ، ممّا تسبّب في ردودٍ ثأريّة من جيش المهدي ضدّ المساجد السنيّة ولاسيّما ضريح أبو حنيفة.

ويمكن استشعار الانزلاق من التصنيفات المحصورة إلى التصنيفات التي هي أكثر شمولاً في المفردات المُستخدَمة لتعيين العدوّ. فعبارة "الروافض" (الذين رفضوا الاعتراف بالخلفاء الأُوَائل)، التي أدخلها إلى النزاع العراقيّ جهاديّو "تنظيم القاعدة"، اتسع استخدامها تدريجيّاً ليشمل الشيعة بصورة عامّة، ينعتهم بها أغلب أئمة السنة؛ ويقابلها تعبير "النواصب" الذي بات شائعاً في أوساط الشيعة الذين يتّهمون السنّة بإقصاء، لا بل بكراهيّة، سلالة الإمام الحُسيْن (مناصبتهم العداء). هنا لا يعود العدوّ فئةً متطرّفةً بل فئة واسعة من الشعب تصوّر العداوة معه على أنها جوهريّة. وفي نظر كلّ جماعةٍ مسلّحة، يتحوّل العنف الذي يمارسه الآخر وسيلةً أساسيّة لتعبئة القاعدة الاجتماعية ضدّ العدوّ المطلوب الحماية منه. وفي ضوء عجز الحكومة عن القيام بدور الحماية هذا، يتحوّل الأهالي إلى رهائن بين أيدي المسلّحين المنخرطين في منطق المزايدة التي تصبح فيها كراهيّة الآخر الورقة الرابحة الرئيسيّة. وبحسب قول أحد السياسيّين العراقيّين العلمانيّين، "كلمّا اشتد ساعد التكفيريين السنّة اشتد في المقابل ساعد المتطرّفين الشيعة... والعكس بالعكس".

[U]موارد استمرار العنف في العراق المالية والرمزية

فالعنف يتغذّى من العنف بقدر ما يولّد مواردً لتنشيطه. هكذا طوّرت المعارضة المسلّحة نشاطات متعدّدة لتوفير المال، من خطف الرهائن إلى نظام الابتزاز، لاسيّما تقاضي "تأمين" يضمن سلامة المرور لشاحنات البضائع عبر محافظة الأنبار. وقد نزعت كلّ من الإدارة الأميركيّة والحكومة العراقيّة إلى تحميل الخارج مسؤوليّة المعارضة المسلّحة على شكل شبكاتٍ جهاديّة عابرة للأوطان أو قاعدةٍ خلفيّة بعثيّة متمركزة في دمشق، لكنّ هذه الرؤية تعكس، قبل كلّ شيء، الرغبة في تصدير مسؤوليّة فشلها إلى الخارج. المطلوب هو التركيز على غزارة الموارد التي تتمتّع بها، في العراق نفسه، جماعات المعارضة المسلّحة، سواء بالسلاح أم بالمتطوّعين والأموال.

الوضع نفسه ينطبق على الميليشيات الشيعيّة التي غالباً ما تشير الولايات المتحدة والأوساط السنيّة إلى علاقاتها اللّوجستيّة مع إيران. بيد أنّ هذه الميليشيات طوّرت وسائل ديمومة مستقلّة، أهمّيتها تجعل مسألة الدعم الخارجي ثانويّة. ففي البصرة مثلاً، تُوزَّع منطقة المرافئ والبنى التحتيّة النفطية بين مختلف الميليشيات والقبائل. أمّا المتعهّدون في أعمال إعادة البناء، فيُصار إلى ابتزازهم دون توقّف. والخطف صناعةٌ بحدّ ذاتها. وفي وسط البلاد ولاسيّما في بغداد، توفِّر أعمال العنف المُناهضة للسنّة مواردً ماليّة هائلة عندما تصادر الميليشيات غالباً أملاك ضحاياها، لا بل تفاوض العائلات على تسليمها جثث ذويها.

والموارد الناجمة عن العنف ليست كلّها ماليّة، فمنذ مطلع العام 2006، ركّزت المُعارضة المسلّحة جهودها الدعائيّة باتجاه قاعدتها الاجتماعيّة حول الجرائم المُرتكَبة بحقّ السنّة، وهو ما يشيع حالة الحصار ويثمّن دورها في حماية الأهالي المُعرَّضين للاعتداء. كذلك جعلت الميليشيات الشيعيّة من "الحماية" لازمة الخطاب المُشرّع لوجودها. بهذا المعنى، يُنتج العنف موارد رمزيّة لا غنى عنها لأطراف العنف أنفسهم.

[U]فرزٌ طائفيّ على الأرض كما في يوغوسلافيا السابقة

كما أنّ تقسيم الأرض إلى مناطق متجانسة مع خطوط تماس هو عاملٌ هامّ في استمرار النزاع. وقد شهد العام 2006 تصاعداً مشهوداً في ديناميّات التجانس المذهبيّ في المدن والأحياء المُختلَطة أساساً. وبغداد أفضل مثالٍ على ذلك. فسكّانها يصفون كيفيّة قسمتها بين ضفّتيْن، الغربيّة (الكرخ) ذات الغالبيّة السنيّة والشرقيّة (الرّصافة) الشيعيّة أساساً. وما تزال في الواقع بعض المعاقل قائمة في الجهتيْن، لكنها مجرّد معاقل: فهناك أحياءٌ مختلطة كان من المستحيل قبل الحرب تحديد توجّهها، باتت اليوم، في إطار ديناميّة التجاذب الثنائيّ، متجانسة تماماً. كذلك يشهد حزام البلدات المحيطة ببغداد ظاهرة التطهير نفسها.

يترجَم ذلك بظهور مناطق مواجهة أماميّة بين فئاتٍ مختلفة، وهو ما يفاقم من التوتّر. ووفقاً لأحد الصحافيّين العراقيّين، "لا تندلع الحروب الأهليّة فجأةً بين الجيران الذين يعرفون بعضهم منذ زمن طويل. أوّلاً تجري عمليّة الفرز وظهور خطوط تماس واضحة المعالم تقسم بين سكّانٍ متكارهين ومرتهَنين. وهذا ما يدفع إلى مزيدٍ من العنف المُنظَّم". والسكّان المُعتدى عليهم يؤدّي انتقالهم إلى مناطق غير مختلطة إلى تعميق الهوّة المذهبيّة، وإلى بروز تصويرٍ أكثر كاريكاتوريّة للآخر، الذي كان مقرَّباً فيما مضى. ويزيد هذا الانتقال من سيطرة الأطراف السياسيّين الذين يبنون شرعيّتهم على عنف الآخر والحاجة للردّ عليه. أخيراً، تظهر ظاهرة كلاسيكيّة وهي مشاركة المهجّرين في الهجمات التي تستهدف مناطق سكنهم السابقة، حيث يستفيد المسلّحون من معرفتهم بالأحياء ومن مشاعر التعبئة القويّة في صفوفهم.

وخلافاً للأفكار الشائعة التي يروّجها بعض المراقبين الأميركيّين، لا يساهم هذا التجانس الطائفي في اختزال أو "توضيح" الجغرافية الإنسانية في العراق، عن طريق إبراز مناطقٍ كبرى متماسكة يؤدّي تكوّنها آليّاً إلى تراجع أعمال العنف. فالعديد من التحدّيات المُرتبطة بالجغرافيا ما تزال عصيّة على الحلّ من دون اللّجوء إلى عنفٍ أعلى وتيرةً من الذي نشهده اليوم. فالتوزيع الطائفيّ لأحياء بغداد ليس ثابتاً على الإطلاق، ويبدو أنّ طموحات الجماعات المسلّحة تعبّر عن نفسها بشعار "السيطرة على العاصمة"، وهو مّا يدفع باتجاه سياسات اقتلاع جذريّة للخصم. وفي أقل الاحتمالات، ستشهد الحدود الحالية نزاعاً قاسياً.

في هذا الخصوص، ستكوِّن المعاقل السنّية أو الشيعيّة المتبقّية في مناطق الخصم مصدراً لا ينضب للهجمات والهجمات المضادّة، خصوصاً وأنّ الحيّيْن اللّذيْن يكتسبان أهمّيةً رمزيّةً عالية في نظر السنّة والشيعة (الأعظميّة للأوّل والكاظميّة للآخرين) قائمان في الجانب "الخطأ" من نهر دجلة. ومن بين المناطق المُتنازَع عليها بشدّة نذكر معقل سامراء وسط المنطقة السنيّة والتي لا مجال أمام الشيعة للـ"تخلّي" عنه. وفي المقابل، فإنّ المعاقل السنّية، المُكوَّنة من مدن اليوسفيّة والمحموديّة والإسكندرية، تفصل العاصمة عن المناطق الشيعيّة في النجف وكربلاء. وفي حال الانسحاب الأميركي، فإنّ ديناميّات إبادة يمكن أن تظهر في هذا النوع من المناطق. من جهة أخرى، تبقى محافظة ديالى إلى شمال شرق بغداد، مختلطة وعصيّةً على الفرز بين السنّة والشيعة ومكوِّنٍ كرديّ كبير. وإذا كان للعنف أن ينتشر بين العرب والأكراد، فإنّ كركوك وضواحيها مرشّحة أيضاً لأن تتحوّل بسرعة إلى نقطة ساخنة.

حرب أحزابٍ سياسيّة تضع الزيت على النار وليست حربٍ أهليّة!
يجب أيضاً البحث عن مصدرٍ ثالث لاستمرار النزاع في ازدواجيّة النخب التي تحاول الاستفادة من الديناميّات الحاليّة أو أنها قد تخسر من معارضتها لها. فاستنكار أعمال العنف يبقى محدّداً ومعهود اللّهجة. فقد اكتفى آية الله علي السيستاني حتى الآن بإداناتٍ غامضة لمن يرتكبون الجرائم بحقّ السنّة. أمّا الإمام السنّي حارث الضاري، رئيس هيئة العلماء المسلمين، فقد فضّل على الدوام اتخاذ موقفٍ من العمليّات الانتحاريّة التي تستهدف المدنيّين دون غيرهم أو اغتيال موظّفين يصعب اعتبارهم متعاونين (كالجهاز الطبّي في المستشفيات)، في الوقت الذي تلقى هذه الأعمال معارضةً حتى داخل فئات المقاومة المسلّحة. ويستمرّ السيّد مقتدى الصدر، زعيم "جيش المهدي"، في تحميل العناصر التكفيريّة مسؤوليّة سلوك الصدريّين الذين يشاركون، صراحةً وبصورة واسعة، في أعمالٍ تتناقض تماماً مع مبادئ الوحدة والعروبة التي يتبجّح السيّد مقتدى بتجسيدها.

في الإجمال، يلجأ كلّ طرفٍ من الأطراف إلى مزايدةٍ في استنكار أعمال الآخر، ممزوجةٍ بانتقادٍ يناسب الجميع لدور الولايات المتحدة في بثّ الشقاق. وبعد عجز هذه الجماعات عن الاستجابة إلى ما ينتظره السكّان من أمنٍ وازدهار، لم يعد أمامها من مواردٍ سياسيّة سوى تلك المرتبطة بالنزاع، وهذا مّا يدفع إلى الاعتقاد بأنّ العنف المنتشر في العراق يعود إلى حسابات سياسيّة باردة أكثر منه إلى عدائيّة عميقة بين السنّة والشيعة. وهكذا يقول أحد الأساتذة الجامعيّين في بغداد: "يمكن إرجاع جذور العنف إلى خطب السياسيّين. فالكلام المتطرّف سبق تقسيم البلاد وليس العكس. إذا أردتَ الفهم أنظرْ إلى البرلمان. من الخارج احتلّ كلّ منهم موقعه فيه على أساس طائفته. إنها حرب أحزاب سياسيّة وليست حرباً أهليّة. فالتعايش بين المذاهب في العراق أقدم من أن تنشب بسببه هذه الكراهيّة التي تدفع الجار إلى قتل جاره. وراء جرائم اليوم، هناك دوافع سياسيّة وأجندة حزبيّة".

يدلّ سلوك النخب، فيما البلاد تتفكّك، إلى أنّ دوافعها باتت تنطلق من أفقٍ ضيقٍ يُبعدها عن المصالح الوطنيّة، وهي تتّجه دون شعورٍ منها صوب مصير أمراء الحرب، في الوقت الذي يحتاج فيه العراق إلى رجال دولة.

[U]ديناميات عنيفة داخل كل طائفة

أخيراً، يؤدّي خطأٌ شائع في مقاربات النزاع العراقيّ إلى اختصار العنف في اثنين من أشكاله، أي النظر إليه عبر مقاومة الاحتلال الأميركي من جهة، والتوتّر المذهبيّ بين السنّة والشيعة من جهة أخرى. وهكذا يكفي ضمان انسحاب للقوّات الأميركية وبلورة صيغة للتعايش بين السنّة والشيعة - كتقسيم البلاد مثلاً - لإزالة عاملي العنف الرئيسيّيْن. لكنّ الواقع هو أنّ أشكال العنف المنتشرة في العراق تحدث على مستويات عدّة، ويُترجَم بروز المجموعات المسلّحة بضغوطٍ متزايدة على قواعدهم الاجتماعية، وخصوصاً بمنافسة داخل الطائفة نفسها تُفضي إلى نزاعاتٍ بين الأخوة.

فالتماسك الظاهريّ والتكتيكيّ، بين مختلف جماعات المقاومة المسلّحة [1] التي تضع تناقضاتها في موقعٍ متأخّرٍٍ بسبب وجود المحتلّ كعدوّ مشترك، لن يبقى على حاله مع الانسحاب الأميركي. وهذا ما يشير إليه أحد المثقّفين العراقيّين المقرّبين من القيادة الجديدة لحزب البعث العراقيّ: "تتوافق المجموعات المسلّحة على القليل، غير تحرير العراق، ولا تتفاهم حول الديمقراطية. والأرجح أنها ستتقاتل في ما بينها عند تحرير البلاد".

وتجهد الميليشيات الشيعيّة لتأليف جبهة موحّدة في مواجهة السنّة في العاصمة، لكنّ الخلافات الكبيرة تظهر مع الابتعاد عن بغداد [2]. ففي العمارة، أثار حادثٌ بسيطٌ نسبيّاً، في تشرين الأول/أكتوبر 2006، حلقة ردود فعلٍ بين "جيش المهدي" و"فيلق" بدر"، وهو مّا يعكِسُ الطابع الهشّ لعلاقتهما. فهناك خلافٌ خطيرٌ ما يزال قائماً بين التنظيميْن شبه العسكريّيْن حول مسائلٍ ماليّة ورمزيّة تخصّ مدينة النجف المقدّسة. أما مدينة البصرة النفطية، فتغرق في أعمال عنفٍ لا صلة لها كثيراً بمعادلتي الحرب الطائفيّة ومقاومة الاحتلال. فالمواجهة تجري هناك بين مجموعةٍ كبيرة من الميليشيات الشيعيّة، منها المتحالفة والمتخاصمة، حول السيطرة على الموارد المحلّية وخصوصاً تجارة النفط.

[U]
هل من حلٍّ سحريّ لمعادلات داخليّة وإقليميّة أضحت معقّدة؟


هذا الوضع يُردّ، قبل كلّ شيء، إلى غياب دولةٍ قادرة على ضمان إعادة توزيعٍ سلميّ للموارد وفرض العمل بالقانون. وعموماً، تعاني الجماعات الكبيرة، التي يحلو للعديد من المراقبين النظر إلى العراق من خلالها، من العديد من خطوط التفسّخ داخلها والتي ستعود إلى الظهور على الأرجح يوم يتعرّض العراق للتقسيم.

وإمعاناً في تعقيد الأمور، يؤدي العراق دور المغناطيس: يجتذب إليه أطرافاً خارجيّة تجد لنفسها فيه مصالحً حيوية تدفع عنها، أو مخاطراً قاتلة تردعها؛ فتدخل دائرة نزاعٍ متشعّب. فالشبكات الجهاديّة تعدّ العراق ساحة حاسمة في نزاعها ضدّ العدوّ الأميركي، يمكن أن تبدأ بعده عمليّة غزوٍ للعالم العربي. أما البلدان المجاورة وسائر القوى الإقليمية، فتمتلك من جهتها أسباباً كافية لاحتواء الحرب الأهليّة المستعرة عند أبوابها؛ لكنها، في غياب جهود التنسيق - الصعبة بسبب الأولويّات المتفاوتة للأطراف - تميل إلى المشاركة فيها عن طريق بناء التحالفات والمحافظة على بعض "التوازن". وطالما أنّ الولايات المتحدة تخوض في منطق المنافسة الاستراتجية إرساءً لسلام أميركي على حساب سوريا وإيران، فمن نافلة القول أنّ هذه الديناميّة الإقليمية ستبقى منطلقة دون هوادة.

هكذا، وإذا لم يكن هناك من صيغة سحريّة لإنقاذ العراق، فلا وجود بالمقابل لحلٍّ من نوع "muddle-through"، أي عن طريق "الخوض في الوحل". فالمأزق واضح. فمهما أقدمت الإدارة الأميركية على تحسينات تكتيكيّة في سياستها الحاليّة، فلن تفعل سوى تأخير نهايةٍ باتت مُرجَّحة بقوّة، وهي تحوّل العراق إلى دولة عاجزة وتعمّق الحرب الأهليّة المُستديمة وتفاقم التدخّلات الأجنبيّة التي قد تتصارع هناك بالنيابة.

يبدو اليوم حقيقيّاً اتجاه الهروب إلى الأمام، بتأليف تحالفٍ واقعيّ بين الولايات المتحدة والأنظمة العربيّة وإسرائيل في مقابل محورٍ شيعيّ. لكن، وبسبب المتغيّرات وأهمّية المنطقة من الناحية الإستراتيجيّة، وبفعل تعدّد الأطراف (دولاً وغير دول) المتورّطين، والعجز الذي ميّز السياسة الأميركية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، كيف يمكن لواشنطن أن تسحب يدها من صراعٍ كهذا؟ إذ يبدو الرهان على هزيمة إيران وحلفائها غير مؤكّدٍ في نهاية المطاف، والأسوأ من ذلك أنّ هذا الرهان قد يُشعِل المنطقة ويقسّم العراق ويزيد من الأزمة النفطيّة ويضعف تماسك دول الخليج، دون الكلام عن تعريض إسرائيل لمزيدٍ من الخطر الأمنيّ.

بالرّغم من كلّ شيء، هناك ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ إدارة بوش تفضّل ركوب هذه المخاطر بدل تغيير التوجّه الذي يتطلّب منها حسّاً قياديّاً حقيقيّاً. يُقال أنّ بوش يتصرّف وفق ما يعتقد أنّ الأجيال القادمة ستقوله عنه. فبدل الحلم بأجيالٍ مُقبلة تفهمه، من الأفضل له أن يعمل منذ اليوم كي لا يُصنَّف في التاريخ على أنّه أكبر مصيبة حلّتْ بالشرق الأوسط.





* مستشار في مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group)، بروكسل مُكلَّف بالعراق وسوريا ولبنان





[1] راجع: ماتيو غيدار وبيتر هارلينغ، "من هي المقاومة العراقية؟" لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، آيار/مايو 2006، http://www.mondiploar.com/article484.html

[2] راجع: بيتر هارلينغ وحميد ياسين، "تناغمٌ سطحيّ بين شيعة العراق"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، أيلول/سبتمبر 2006، http://www.mondiploar.com/article629.html




سيناريو على الطريقة اليوغوسلافية في الشرق الأوسط / مقال مهم عن العراق - سيستاني - 01-20-2007

مقال مهم جدا و قيمته تاتي من مسؤولية كاتبه المكلف بالعراق في مجموعة الازمات الدولية.
للاسف سيناريو الاحداث في العراق يدفع نحو خيار التقسيم على اساس مذهبي في المناطق الوسطى و الجنوبية لان كردستان تعيش استقلالا فعليا غير معلن.
المخاض التصفوي الذي تعرفه الحالة العراقية الان يهدف الى صنع الفصل الجغرافي مذهبيا اي ضرب التمازج الطائفي ميزة العراق الاساسية على مر التاريخ حتى يسهل التقسيم على الارض في اتجاه وسط سني فقير و جنوب شيعي غني مع عاصمة مقسمة بنهر دجلة على غرار خط وقف اطلاق النار في نيقوسيا المقسنة بين جمهورية قبرص و جمهورية شمال قبرص التركية.
تحياتي:97:


سيناريو على الطريقة اليوغوسلافية في الشرق الأوسط / مقال مهم عن العراق - طريف سردست - 01-20-2007

اعتقد ان الانفصال سيكون الحل الوحيد الانسب للطائفة السنية العربية بإعتبارها المجموعة الوحيدة التي اصبحت بدون غطاء سياسي، وإذا استمر الحال على ماهو عليه فإنها ستجبر للانضواء في صفوف عصابات الوهابية او البعثيين المطاردين. ان الموضوع يشير الى عمق الازمة وصعوبة الحل وحتمية المشروع الايراني.


سيناريو على الطريقة اليوغوسلافية في الشرق الأوسط / مقال مهم عن العراق - نسمه عطرة - 01-20-2007

شكرا يا طارق (f)
فعلا مقال جدير بالقراءة المتأنية
فلقد صور الوضع بشكل متعمق وباهر
تعرف اليوم كنت أقول هل سنصبح يوما نحصي كم بقي من أهل العراق
بين خضم المحاربين من خارج العراق
على أرض الرافدين ؟؟؟؟؟؟:brock:
لك الله يا عراق