نادي الفكر العربي
ماذا يحدث في مصر أم الحضارة؟‏!‏ - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79)
+---- المنتدى: مواضيـع منقــولة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=25)
+---- الموضوع: ماذا يحدث في مصر أم الحضارة؟‏!‏ (/showthread.php?tid=13371)



ماذا يحدث في مصر أم الحضارة؟‏!‏ - اسحق - 12-13-2006

الكتاب
43836 ‏السنة 131-العدد 2006 ديسمبر 13 ‏22 من ذى القعدة 1427 هـ الأربعاء


تكفير السيدة العظيمة‏!‏
بقلم : نـبـيــــل عــمـــــر




ماذا يحدث في مصر أم الحضارة؟‏!‏
أو بمعني أكثر دقة‏:‏ ما الذي لا يحدث في مصر الآن؟‏!‏
كيف يمكن أن نفهم أن تخرج رسالة علمية في أوائل القرن الحادي والعشرين من كلية أصول الدين‏'‏ مقصدها ومرادها‏'‏ تكفير الصحافة‏,‏ وتختار مجلة روزاليوسف هدفا أوليا قد يسهل الانتقال منه إلي بقية الجرائد والمجلات‏,‏ ولم لا وقد علقت في رقبتها مشنقة‏'‏ تقويض أركان الإسلام‏'‏ دون صد أو رد؟‏!‏

هل ما تنشره روزاليوسف يقوض أركان الإسلام كما أفتي الباحث الهمام واستخلصه؟

وما هي دلائل هذا التقويض في حياتنا؟‏!..‏هل هي حرضت الناس علي إنكار الشهادة أو سفهت الصلاة والزكاة والصوم والحج؟‏!,‏ هل من يقرأونها تركوا دينهم وارتدوا عباءة الكفر واللهو والعبث والمجون ومشوا في الشوارع رافعين لافتات ضد الدين؟‏!‏

كيف تجرأت هذه الرسالة علي السيدة العظيمة‏'‏ فاطمة اليوسف‏'‏ التي أسستها‏,‏ وأرجعت مصدر‏'‏ كفر‏'‏ مجلتها إلي سفورها وأفكارها‏,‏ ثم كالت لها سبا وقذفا وتشهيرا في عملها وشخصيتها وارتباطها بدينها؟‏..‏ليس هي فحسب بل طعنت في دين كوكبة لامعة من المفكرين والكتاب والصحفيين عملوا بها علي مدي ثمانين عاما؟‏!‏

والأهم‏..‏كيف تسمح جامعة تنتسب إلي جامع شهير أن تتحول إلي‏'‏ محكمة تفتيش‏'‏ في الضمائر والعقائد كما كان الحال في القرون الوسطي الأوروبية‏,‏ وتصدر أحكامها علي هيئة درجة دكتوراه؟‏!‏

هل جاء زمان صار فيه الأزهر لا يخرج علماء ومفكرين من أمثال الشيخ محمد عبده وشلتوت وطه حسين يمهدون طريق العقل والتفكير في أمور الدين‏,‏ وإنما يصنع لنا‏'‏ قضاة‏'‏ قساة يمارسون الكهنوت وامتلاك الحقيقة المطلقة وطمس العقل وإطفاء نور المعرفة؟‏!‏

أخشي أن تقودنا إجابات تلك التساؤلات إلي حقيقة خفية مفزعة‏,‏ إذ تبدو هذه الرسالة كما لو أنها محاولة لتدشين دولة دينية وإعلان تأسيسها بين الناس‏,‏ وفرض نوع من الحماية الشعبية عليها‏,‏ بـ‏'‏سن‏'‏ نمط من المحاسبة والعقاب لكل من يفكر بطريقة مختلفة ويؤمن بحرية الفكر والتعبير والإبداع والدولة المدنية‏,‏ وهو التكفير‏!‏

هذه كارثة‏..‏
والكارثة لا يمثلها الباحث مهما كان تكوينه العقلي هشا وضيقا وشاردا وشاذا‏,‏ ولكن يجسدها الأساتذة الدكاترة المشرفون الذين فتحوا له باب‏'‏ التكفير علي مصراعيه‏',‏ و‏'‏اللجنة العلمية‏'‏ التي قبلت أن تناقش هذا النوع من الرسائل ثم تمنحه الدرجة الرفيعة‏!‏

هنا مربط الفرس‏..‏فمن حق أي إنسان يرغب في البحث العلمي أن تتاح له الفرصة‏,‏ لكن ليس من حقه أن يختطف‏'‏ أصول البحث العلمي‏'‏ ويغرق به في بحر الظلمات بمباركة ممن هم يسمون أنفسهم‏'‏ علماء‏'‏ الدين‏!‏

ولو كان ما سطره الباحث في رسالته مجرد انطباعات وآراء عابرة لهان الأمر‏,‏ واعتبرناها مجرد شطحات أو غلو أو جهل أو تعصب أو تطرف‏,‏ لكن أن يكون رسالة دكتوراه تؤسس نمطا من التفكير الجامعي‏..‏فهذه مصيبة‏!‏

فهل البحث العلمي في الدين لا يخضع لمناهج وقواعد وأساليب؟
أم أن الرسالة هي تدشين لدعائم الدولة الدينية عبر‏'‏ الجامعات‏'‏ وعلماء الدين؟‏!‏

المسألة مريبة فعلا‏..‏من أول اسم الرسالة إلي الآراء التي قيلت في لجنة المناقشة وكلها انطباعات‏..‏ثم الدكتوراه التي منحت لباحث لم يلتزم بأبسط مناهج البحث‏!‏

فالدولة الدينية في عصرنا الحديث قد تتشكل دون سلطة كهنوتية رسمية‏,‏ يسيطر علي مقاليدها رجال الدين والمعممون‏,‏ يكفي أن تنمو فيها سلطة غير رسمية كاسحة تحدد للناس ما يفعلون وما لا يفعلون‏,‏ سلطة توزع البركات واللعنات حسب تفسير وتأويل أصحاب هذه السلطة لما يقوم به البشر من تصرفات وأنشطة في حياتهم اليومية‏,‏ تصرفات خاصة وأنشطة عامة‏,‏ من أول هل يحيي المسلم مواطنيه الآخرين بقوله في الصباح‏:‏ السلام عليكم أو صباح الخير‏,‏ إلي ما الذي يجب أن يفكروا فيه أو يعبروا عنه‏.‏

وقد لاحت بوادر هذه السلطة بالفعل في حياتنا مثل تليفون الفتاوي وبرامج شيوخ الفضائيات وما يقوله دعاة في القري والنجوع‏!‏

ولا يحمينا هنا أنهم يزعمون أن الإسلام لا يعرف‏'‏ الكهنوت‏'‏ ولا يعترف بسلطة رجال الدين‏,‏ لأن الكهنوت بشكله القديم أيام الفراعنة أو عند عبدة الأوثان أو في القرون الوسطي لم يعد ضروريا‏,‏ وصار له أشكالا جديدة معنوية يلتحف صاحبها بعباءة العارف بالدين المدافع عنه‏,‏ فمن أفتوا بـ‏'‏كفر‏'‏الكاتب المبدع نجيب محفوظ لم يلبسوا أزياء دينية رسمية‏,‏ ومن قتلوا المصريين والسائحين في مدن الصعيد أو إمبابة أو عين شمس أو طابا وغيرها لم يلبسوها أيضا‏!‏

باختصار صار عدد غير قليل من الناس لا يتصرفون في حياتهم ولا ينفذون أعمالهم إلا بعد أن يحصلوا علي ترخيص من صاحب سلطة دينية معنوية‏!‏
هذا ما أوصلنا إليه التنظيمات الدينية غير العقلانية
وهذه الرسالة هي أول دعائم الدولة الدينية‏..‏
ولا عزاء لكم‏!‏