مشروع التنوير عند الفيلسوف (إيمانويل كانت) - VOLTAIRE - 11-26-2006
الزملاء الكرام
أهلا بكم جميعا!
أردت أن تكون أول موضوعاتي هنا في المساحة المخصصة للفلسفة.
موضوع منقول من "خالص جلبي" لعله يعجبكم..
اقتباس:شيئان يملان قلبي دوماً بالإعجاب المتزايد والخشوع وهو شعور لا يفارقني كلما أطلت التفكير: "السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي والقانون الأخلاقي في داخلي. إنني أراهما أمامي مباشرة، وهما يثيران فيِّ المرة بعد المرة الوعي بوجودي.
اشتهر الفيلسوف (إيمانويل كانط) بهذه الفقرة، وكتبت على قبره وعند تمثاله في مدينته (كونيجسبرغ Koenigsberg)، التي ولد فيها، ولم يغادرها، وفيها عاش ومات، ولم يتزوج، وانقطع راهباً للعلم، ونقد العقل والكنيسة، والفكر الديني، بل كل الفكر الفلسفي. وهذه الفقرة جاءت في الفلسفة الأخلاقية في الفصل الأخير من كتابه (نقد العقل العملي Kritik der praktischenVernunft )؛ فهو يرى الحاجة للإيمان والأخلاق، ولو لم يكن في المقدور البرهنة عليهما تجريبيا أو عقلياً. فكما كان في السماء قانون أعلى، فوجب أن يكون في النفوس قانون يضاهيه سموا ورفعة. وحسب (كامل حسين) في كتابه (وحدة المعرفة): "في الكون قانون، وفي العقل قانون. والعلم هو تطابق هذه القوانين على بعض، وهو أمر ممكن. ولو لم يكن ذلك ممكنا لاستحالت المعرفة". وعند هذه النقطة فهم (كانط) المقولات الضرورية لعقولنا، والتي من قاعدتها تتولد المفاهيم.
وحسب (سبينوزا) الفيلسوف الهولندي في كتابه (الأخلاق مؤيدة بالدليل الهندسي) أنه يمكن البرهنة على الأخلاق مثل (النقط الرياضية والسطوح والأشكال).
وهذه الخلاصة التي وصل إليها الفيلسوف في مشروعه (للنقد والتنوير)، كانت في نقد كل شيء بما فيه (العقل الذي ينقد)، و(ملكة النقد)، و(النقد الديني من منظور عقلي)، هو الذي جعل القيصر الألماني (فردريك) يومها يحرم عليه التكلم في قضية الدين مطلقا.
وكان ذلك عقب ترحيبه بالثورة الفرنسية عام 1789م، والتي قال عنها حينما نقلت له صور الرعب والرؤوس المتطايرة على المقصلة: "إن كل هذه الفظاعات لا تقترب بشي من استمرار الطغيان؟".
ويمكن أن نفهم ذلك إذا عرفنا أن الكنيسة والنبلاء كانوا يملكون أكثر من نصف الأراضي الزراعية في فرنسا.
بكلمة مختصرة افتتح (إيمانويل كانط) عصر النقد.
وكانت ولادة مشروع النقد (المزعج) عند (كانط) بعد عمل دؤوب؛ فمنذ أن أصبح أستاذاً للفلسفة في جامعة (البرتوس Albertus- University) في مدينته التي لم يفارقها قط، قام بتطويق الأسئلة الكبرى التي شغلته منذ الصبا:
من أين يأتينا اليقين في معارفنا؟
هل يوجد نظام في النفس كما كان في السماء نظام؟
بحيث أن خرق هذا النظام لا يدع مجالاً للمتشددين الدوغمائيين أي حظ في التأثير على الرأي العام وخطفه.
وأخيراً أين يمكن العثور على نقاط ثابتة في الطبيعة؟
وعلى الرغم من طبيعة التعقيد في كتابة (كانط) كما وصفها المؤرخ (ويل ديورانت)،حينما نصح "أن نخالف القاعدة المعروفة؛ فنقرأ عمن كتب عنه قبل أن نقرأ ما كتبه هو بالذات".
قال ديورانت:"فبعد أن "أجهز (بركلي) على المادة، وقضى عليها، ومحاها من صفة الوجود، ولكنه أشفق على العقل وسلم بوجوده. جاء (هيوم) فسارع بتدمير العقل والدين عن طريق تدمير النفس وتبديدها. ولم يقنع بذلك بل اقترح أيضاً تدمير العلم بحل فكرة القانون. وانهار العقل كما انهارت المادة ولم يبق منهما شيء".
ويقول المؤرخ (ويل ديورانت) في كتابه (قصة الفلسفة ص 322) أن "الفلسفة وجدت نفسها وسط أنقاض خربة، قوضتها بنفسها ودمرتها بيدها" فجاء (كانط) وقرأ في عام 1775م الترجمة الألمانية لكتب (ديفيد هيوم) فروعته هذه النتائج.
وأيقظته من نعاسه العقائدي كما ذكر، وشرع في تأسيس فلسفة جديدة، ينقذ فيها الأخلاق والعقل؛ فكان مشروعه (نقد العقل الخالص) الذي شكل تيارا ضخما هادرا تضرب أمواجه حتى اللحظة.
ويقول (ديورانت) إن كل "الفلسفات لم تكن سوى تطور سطحي يتدفق تحته تيار كانط الفلسفي القوي الثابت، على نحو أشد عمقا واتساعا. ولا تزال فلسفة كانط حتى يومنا هذا قاعدة لكل فلسفة"؟!
وإذا كانت فلسفة (نيتشه) قد انهارت مع النازية، وفلسفة هيجل مع انهيار الشيوعية، فإن فلسفة كانط النقدية ما زالت صالحة بقوة حتى الآن.
وعندما صدر كتابه (نقد العقل الخالص Kritik der reinen Vernunft) عام 1781م، وكان عمره آنذاك 57 سنة، بعد صمت استمر عشر سنوات، قوبل بتحفظ شديد، ولكنه قام في الواقع بتثوير كل المفاهيم المعروفة حول الزمان والمكان والمادة وحرية الإرادة ووجود الخالق. وقال: "إن الجزم بهذه المفاهيم الأربع بكلمة نعم أو لا تعتبر مصيدة عقلية(Denkfalle)".
وأجمل ما وصل إليه هو ما كشفت عنه ميكانكيا الكم ومبدأ الارتياب الذي ذكره مؤلفا كتاب (العلم في منظوره الجديد) عن دراسة الملاحظ قبل دراسة الملاحظة. ومبدأ الارتياب الذي وصل إليه (فيرنر هايزنبرغ) يعبر عن المشكلة على نحو فيزيائي وليس فلسفي، كما وصل إليها كانط قبل 200 سنة، أن المراقب إذا دخل إلى حقل التجربة أدخل الخلل إليها. وبكل اقتراب من ملاحظة الشيء، نفسد مراقبة الشيء، ولذا كانت المعرفة الموضوعية سخافة، والحتمية خرافة.
احتفلت ألمانيا بمناسبة مرور 200 سنة على وفاة فيلسوف النقد والتنوير (إيمانويل كانت). كما صدر العديد من الكتب تعيد التذكير بأفكاره التي أطلقها في نهاية القرن الثامن عشر. ومع هذا فعندما سئل الطلبة عنه في المدرسة التي تحمل اسمه في برلين، اختلفت أجوبة الطلبة، وتبين أن هناك من لم يسمع به بعد؟
والألمان ليسوا استثناء من هذه القاعدة، و(ابن رشد) كفَّره وزندَّقه أهل قرطبة وطردوه من المسجد الجامع، ليرحل فكره إلى (بادوا) في إيطاليا فينشيء تياره الخاص في مكان مختلف الثقافة واللغة والدين، ولتدمر قرطبة تدميرا فلا يبق واحد مسلم يصلي في المسجد الجامع؟ والسبب هو الفكرة ومناخها.
وابن رشد لم يكن صالحاً لمناخ التعصب القاتل.
بقي أن نقول في النهاية أن كلمة (التنوير Aufklaerung ) جاءت في أهم مؤلف له، ولم يكن كتابا بل مقالة، نشرها في مجلة برلين الشهرية، حينما وجه إليه سؤال عن معنى بركة الكنيسة في عقد النكاح. وكان جواب الفيلسوف أنه يجب إعلان ولادة العقل، ونهاية أي وصاية عليه، من أي مصدر كان.
وفي الحديث من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر.
هنا ينتهي المقال و أعدكم بوضع دراسة قمت بها في ظل هذا المقال..
إحتراماتي
مشروع التنوير عند الفيلسوف (إيمانويل كانت) - نبيل حاجي نائف - 11-26-2006
أهلاً ومرحباً بالأخ فولتير
وألف مرحباً بكانت
لي ملاحظة على قول ديورانت أن هيوم يدمر العقل والدين والعلم , بل العكس , إنه المفكر الأعمق في رأي الكثيرين وأنا منهم , وهو الذي جعل كانت ينتبه للأمور الهامة .
تحياتي
مشروع التنوير عند الفيلسوف (إيمانويل كانت) - إبراهيم - 11-27-2006
صديقي نبيل:
أهلين فيك.. كيفك؟ (f)
بصراحة أشك أن ديورانت يقول بمثل هذه العبارة بحق هيوم أنه يدمر العقل.. هذا كلام فارغ. ليس ديورانت بهذه الدرجة من السطحية. للأسف الترجمة العربية لديورانت قامت بتقبيحه ولم أستسغها بالمرة سوى ترجمة الدكتور أحمد الشيباني فقط. هناك ترجمة لواحد متدين اسمه محمد المشعشع وكانت زبالة عيار 24. لا أثق بترجمة عربية لـ ديورانت للآن. وبمناسبة الحديث عن هيوم فهناك كتاب أساسي له عن الدين وهو محاورات حول الدين الطبيعي والكتاب كاملاً موجود هنا كما كتبه هيوم:
http://www.gutenberg.org/dirs/etext03/dlgnr10.txt
وهو من الكتب الهامة جدا له حيث قرأته ضمن دراسة لعالم فيزيائي كان يحاجج لصالح الإيمان ويرد على هيوم وفي الحقيقة أن هيوم كان عبقري من الطراز الأول وأعتقد أن أي طالب للغة الإنكليزية يجب أن يقرأه بتمتع قراءة متدبرة متأملة دون استعجال.
:redrose:
مشروع التنوير عند الفيلسوف (إيمانويل كانت) - نبيل حاجي نائف - 11-27-2006
ألف مرحباً بالمميز إبراهيم
إنني في أحسن حال وأرجو أن تكون في أحسن حال أنت وأسرتك الكريمة .
بالفعل لقد فكرت أنا أيضاً بأن ديورانت من الغريب أن يقول هذا .
إنني معجب بشكل لا يوصف بهيوم , ولكن كما تعلم لا أعرف لغة إنكليزية .
أنني أحضر موضوع عن هيوم ولكنني لم أنهيه حتى الآن
تحياتي للجميع
مشروع التنوير عند الفيلسوف (إيمانويل كانت) - إبراهيم - 11-27-2006
الرائع جداً صديقي الأستاذ نبيل:
كيفك؟ :h:
الله ينور عليك؛ فمستحيل أن ينطق ديورانت بمثل هذه السخافات. أقترح أن لا تثق بأي ترجمة لـ ديورانت بخلاف ترجمة أحمد الشيباني فهو كان رجل صاحب حس خلقي علمي نزيه بعكس القوم الآخرين. وسعيد جدا أن أعرف أنك معجب لهذا الحد بـ هيوم. وبما أن الأمر كذلك فما اللغة الإنكليزية؟ هذه اللغة لا شيء ومن السهل جداً الإقباض على كل ما فيها في فترة وجيزة مادام لديك المزاج الدراسي. يلزمك قاموسين: واحد إنكليزي عربي وليكن قاموس المغني وقاموس إنكليزي إنكليزي وليكن أي قاموس وتوجد به كلمة Advanced Learner's Dictionary مع التركيز على الـ Phrasal Verbs. خسارة أن لا تقرأ كل هذه الأعمال التي تحبها لفيلسوف ضليع كهذا. لو أن هناك أي شيء أقدر أن أقوم به تجاه متابعة تعلم الإنكليزي فأنا خدامك وأعني ما أقول وسأفعل كل ما بطاقتي. الموقع هنا جعل لعابي يسيل على هذا الرابط:
http://en.wikipedia.org/wiki/David_Hume
ومن معلوماتي اللي على قدي فأذكر أن زكي نجيب محمود تناوله في كتاب "قصة الفلسفة الحديثة" بلغة جميلة وقوية وأرى أن زكي نجيب محمود من أكثر المنصفين منجهياً.
وأسرتي ترسل حار السلام والتحيات والقبلات لك ولأسرتك.
(f)
مشروع التنوير عند الفيلسوف (إيمانويل كانت) - نبيل حاجي نائف - 11-27-2006
مشكور جداً أخي إبراهيم على اهتمامك الكبير
سأحاول تنفيذ ما تقترحه مع أنني أجد أن وقته قد فات في عمري الآن .
لك ألف شكر .
مشروع التنوير عند الفيلسوف (إيمانويل كانت) - فياض الحكيمي - 12-06-2006
فلسفة كانت هي فلسفة توفيقية ما بين خطين فلسفين بإعتقادي لا يجتمعان. الخط الأول هو الواقعية الذرية والتي تقوم على فكرة التجربة الحسية للعقل أما الخط الثاني فهو خط العقليات القبليات والتي لديها القدرة على إختراق ما بعد الحسي إلى المفاهيمي.
مشكلة العقل لدى كانت هي أنه قد جعل منه عقلا خلاقا أي عقل يصنع الواقع وإن حاول خلق منطقة غامضة إسمها منطقة الشيء لذاته وهي منطقة تبقى غامضة مهما حاول كانت نسج صورة عنها.
|