حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
من مذكرات الجيل والحمير - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: المدونــــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=83) +--- الموضوع: من مذكرات الجيل والحمير (/showthread.php?tid=14467) الصفحات:
1
2
|
من مذكرات الجيل والحمير - أبو إبراهيم - 10-10-2006 [CENTER]المقدمة عندما كنت صغيراً، كثيراً ما كنت أسمع من حولي يردد :" يضرب الحمار وعيشته"، أو "هذه العيشة عيشة حمير"... كبرت وصرت نادراً ما أسمع هذا القول، بل على العكس، صرت كثيراً ما أسمع :"صرنا نحسد الحمير على عيشتها"، و"الحمير عايشة أحسن منا"... أنا شخصياً لا أحسد الحمير على عيشتها، ولا أحسد من حسدها. ولكنني، وبكل نزاهة وتجرد، قررت أن أكتب مذكرات الحمير، ومذكرات من حسدها، ومذكرات من لم يحسدها. لا أكتب إلا لهدف واحد : ألا يحسدني أحدهم يوماً على عيشتي... (f) من مذكرات الجيل والحمير - أبو إبراهيم - 10-10-2006 [CENTER]ابني الحمار مرةً أخرى، قبل أن أبدأ وأفهم خطأً، لا أقصد بهذا المقال أن أحسد حماراً على عيشته، فحاشى لله أن أحسد مخلوقاً مهما علا شأنه عن شأني، وزادت رتبته عن مرتبتي. ولكنني أسجل فقط مشاعري وأحاسيسي تجاه شيئ آرقني بضعة أيام، وجعلني أفكر ملياً فيما يدور حولي. جارنا ـأبو زايد- أنجب حماراً... حاشى لله أن أشتمه، ولكن جارنا كان يقول منذ أن وعيت على هذه الدنيا :"أنجبت حماراً" و "ابني حمار"... لم يكن يقولها كيفما اتفق ومتى ما شاء، ولكنه كان كلما رآني يسألني عن نتائجي في المدرسة، وعندما أخبره كان يتفوه بهذه الكلمات واصفاً ابنه الذي كان يكبرني ببضعة أشهر... كنت أشفق على زايد وأحاول مساعدته، ولكن ما العمل، لا ينفع به علم ولا حلم... أنفق طيلة طفولته ومراهقته وشبابه في المدرسة دون فائدة... لأجل الصدفة، بقينا سوية في المدرسة حتى خرجنا من المرحلة الثانوية... وهذا ما جعل المقارنة دائمة بيني وبينه. وبقيت أسمع عبارة "ابني حمار"، حتى صرت أرددها وأحياناً أغنيها على نغم أغنية عبد الحليم "حبك نار"... فالموسيقا والقافية مناسبة... لا أذكر الكثير من عبارات والده وشتائمه لابنه، ولكن مما رسخ في ذاكرتي بعض توقعات الوالد أن يصبح ابنه كومجياً، أو حداداً... وكان دائم اللعن والشتم، والتذمر لكون ولده يتابع الذهاب إلى المدرسة دون جدوى، بدل تعلم مهنة حرة في الصغر... عندما كنا في سنة الشهادة الثانوية، سأل زايد أستاذ الرياضيات "لماذا س+س = 2س ؟" فاحمر الأستاذ واخضر واصفر، وأعلن أن نصف طلاب الشهادة الثانوية لا ينفعون أكثر من عتالين بسوق الهال... ولما سأله الأستاذ نفسه عن نتيجة (س+ع) للتربيع، ارتبك صاحبنا، وأجاب صاد مربع + قاف مربع... كان جواب أستاذ الرياضيات حاسماً :"اجلس، سترسب حتماً" لا أنفي أن زايداً كان نشيطاً ويبذل جهده... ولكن لم ينفع ذلك أبداً... كان دوماً يأتي إلي ويسألني عن كيفية حل مسألة أو معادلة... وكان شجاعاً إذ كثيراً ما يتبرع لقراءة نص أدبي في الصف... آخر مرة قرأ فيها نصاً أدبياً، كان يومها للمنفلوطي :" بحثت عن الفضيلة في المحاكم والمعابد فلم أجدها.... فليت شعري هل أجدها في حانات الخمور ومغارات اللصوص !" قرأها يومها " فلّيت شَعري" بشدة على اللام، قاصداً بها تفلية شعر رأسه... ضحك الجميع يومها، ولم يطلب منه الأستاذ أن يقرأ ثانية رغم كل محاولاته ليحظى بهذا الشرف... أتاه الفرج يوماً، فسرق صديقه أسئلة الامتحان النصفي للرياضيات... أتاني على حين غرة قبل الفحص، وطلب مني أن أحل له المسألتين... قمت بحلهما، وشرحت له شرحاً كافياً ما يجب أن يفعل... ارتسمت ضحكة طموحة وخبيثة على وجهه، ومضى إلى الامتحان... عندما خرجنا، سألته كيف فعل ؟ قال "تمام، كما قلت لي أن أفعل !" قلت له "يا أهبل، ألم تلاحظ أن الأسئلة تغيرت ؟" انفصلنا بعد الشهادة الثانوية، ولم أجرؤ يوماً أن أسأله إن حصل عليها أم لا... ولا أعتقد أنه فعل، وإلا لوقع بناؤنا ذو الطوابق العشرين من دبكات ورقصات أبي زايد... تخرجت مهندساً بعد الجامعة، عملت معيداً، ودرّست، وألفت كتاباً، ثم أخذت شهادة الدكتوراه من دولة أجنبية، وعدت أحمل معي مجد هذه الشهادة وفخرها... كان أبو زايد وعائلته قد رحلوا عن مبنانا منذ أمد، ولم ألحظ رحيلهم لانشغالي بدراستي. إضافة إلى التدريس في الجامعة، عملت هنا وهناك، بضع سنوات. ترجمت كتابين، عملت مبرمجاً لشركة خاصة، بعت أجهزة كمبيوتر ومنظمات كهرباء ومكيفات.... صنعت المستحيل، وبقي دخلي قليلاً، يكفي لطعامي وشرابي، ونأى أهلي بحملي وضاقوا ذرعاً من وجودي معهم في منزلهم... منذ بضعة أيام، وأنا أتناول قهوة الصباح مع أمي، لم تكرر سؤالها لي متى سأتزوج لأنجب من يحمل اسم أبي والعائلة، ولكنها أخبرتني : " ما شاء الله زايد يا أمي، صار جاراً لخالتك، اشترى بيتاً له وبيتاً لأهله، تزوج ولديه ثلاثة أولاد... واشترى سيارة مازدا آخر موديل، واشترى سيارة تكسي لأخيه ليعمل عليها!!! احرك، تحرك يا ولدي... الزلمة اشتغل بالجمارك وصار فوق الريح..." تناولت قهوتي بيدي التي ترتجف من سهر البارحة على العمل... ومضيت إلى عملي ليومٍ جديد... من مذكرات الجيل والحمير - أبو إبراهيم - 10-10-2006 [CENTER]ابني والحمار هذه القصص لم تحصل معي مباشرة، بل حدثني بها من هم حولي، ومنهم من طلب مني أن أدونها للتاريخ. ترددت كثيراً، لكنني إن لم أكتبها، ستضيع الأمانة، وسيذهب تاريخنا أدراج الرياح... جارنا "أبو رائد" في المبنى المقابل لديه ولد نابغة... كان كثيراً ما يثير غيرتي وأنا صغير حينما يردد على مسمعي : " ابني رائد اسم على مسمى، فقد اختاروه رائداً على القطر في الرياضيات"... " ابني رائد، ذهب البارحة إلى بطولة الجمهورية في كرة الطاولة"... "ابني رائد، اختاروه ليلعب في نادي الشرطة لكرة السلة"... وعلى هذا المنوال، كان رائد متفوقاً في كل شيئ، وكما تقول أمي عنه :"يخزي العين، من وين ما ضربته بيرن !"... وهذا كان يثير غيرتي أكثر، خصوصاً أنها لا تصفني إلا بأنني مثل أبي :" لا للصيف ولا للضيف، ولا لغدرات الزمان"!! سألني أبو رائد مرة إن كنت أتقن لغة فأجبته بكل غرور :الفرنسية، فأجاب :" ابني رائد يتقن أربع لغات : العربية بالطبع، والإنجليزية والفرنسية والروسية." عندما نجح في الثانوية العامة، تصدر اسم ابنه رائد قائمة الأسماء، إذ كان من العشرة البررة الأوائل على القطر، مع أنني كثيراً ما كنت أراه يسامر أصدقاءه في الحارة، ويسهر معهم حتى منتصف الليل ! وأنا أدرس مثل الحمار على طاولتي... لا تخافوا، فلست أنا الحمار المقصود بهذه القصة، فقد دخلت معه كلية الطب، وكنا نذهب سوية إلى الجامعة، ولكنه كان يعود قبلي، إذ كنت كثيراً ما أبقى للدراسة في المكتبة بعد المحاضرات... ومع ذلك فابنه رائد تفوق على الجميع، ونجح بدون أن تنقصه مادة واحدة. بل كانت علاماته دوماً شبه تامة... فعلاً هذا الرائد رائد، هذا ما كانت أردده في نفسي أمام لوحة الإعلانات عند تعليق علامات مادة ما... وأعتقد أن الكثيرين كانوا مثلي ينظرون إليه ويرددون نفس الكلمات بحسد أو غبطة... تخرجت وسافرت لمتابعة دراستي في الخارج على نفقة والدي، أما ابنه رائد فقد فضل البقاء في البلد ليخدم -حسب قوله- أهل بلده، وليرد الجميل إليها... ولا أعتقد على كل حال، أن وضع والده كان يسمح له بالدراسة في الخارج. بقيت في الخارج للعمل، ومضت عشر سنوات لم أر رائداً أو أباه ولم يرياني، وشاءت الصدفة أن رأيت أحدهما الصيف الماضي عندما كنت في زيارة للبلد... كنت أقف قرب بائع الخضار عندما أقبل أبو رائد ليشتري... استقبلني أبو رائد بالأحضان، وما إن اطمأن على صحتي وشؤوني، حتى بدأ يحدثني مجدداً عن ابنه رائد... كان رائد قد تخصص في طب الأعصاب، ويعمل في المشفى العام الرئيسي بالعاصمة. كما كان متزوجاً وعنده ولدان أطلق على أحدهما اسم أبيه... انتسب إلى جمعيات عالمية في الطب، وأحرز بحوثاً هامة في كيمياء الأعصاب. قاطعه بائع الخضار سائلاً : " يعني كم ليرة يكسب في الشهر ؟" أجابه أبو رائد :" عشرة آلاف !" قال له (الخضرجي) :" إي الحمار الذي أنقل عليه الخضرة يكسبني أكثر من ذلك !!!! " امتقع لون أبي رائد، وتغيرت تعابير وجهه، ثم استدار ليمضي دون أن يشتري شيئاً... من مذكرات الجيل والحمير - أبو إبراهيم - 10-10-2006 [CENTER]حبيبتي والحمار لم تكن حبيبتي الأولى، ولكنها كانت أول من أمسكت بي وقبلتني.... أعجبتني جرأتها. كنت أراها كل يوم، مع أن العمل كان مرهقاً، وكنت أبقى في الدكان لأحسب الصندوق والمبيعات، وأنظف الأرضية والطاولات والرفوف، ولم أكن أذهب لمقابلتها حتى أتصل بصاحب المحل الذي وصل إلى بيته منذ ساعات لأطمئنه أن كل شيئ على ما يرام. كنت دوماً أتساءل إن لم يكن أهلها يعارضون أن أراها بعد العاشرة ليلاً. ولكنني عندما كنت أرى غيرها من الفتيات يسير حتى منتصف الليل، كنت أتبسم وأفخر بسيري بقربها. كنا ننتظر لنمر في الحارات الضيقة والمنسية تحت ضوء مكسور لا يعمل، لتغطي علينا عتمة الليل، ونقبل بعضنا كما لا نستطيع أن نفعل في مكان آخر. كانت نفسها رضية، وكانت تدرك أن جيبي مثقوب. فكل ما أكسبه من راتب الدكان، أنفقه على والدتي المريضة، وعلى والدي المتقاعد. كنت أدعوها إلى العشاء مرة في أول الشهر، وأشتري لها سندويشاً أو كوز ذرة بقية الشهر. وكنا كثيراً ما نذهب إلى الحدائق العامة، حيث لا نضطر للدفع أو لشراء شيء... مرة أخطأت وقبلتها في الحديقة، فنبعت الشرطة من تحت الأرض، وأصروا على جري وجرها إلى المخفر، ولم يتركوني حتى "شلحوني" ما تبقى من راتبي... بكيت يومها كالأطفال... طبعاً لم أبك أمامها... ولكنني عندما عدت إلى المنزل وأصبحت في سريري، بكيت في العتمة حتى تبلل فراشي. ولم أدع شرطياً في الكون لم أطلق عليه نار بندقيتي التخيلية، وأنا أحلم بيوم سأصبح فيه أقوى مما حولي. كنا نعيش رومانسيةً شبه تامة، لا يشوبها شيئ، حتى عندما كانت تدعوني حماراً... أول مرة سمتني بها : حماراً، توجمت، ولم يسر ذلك خاطري، ولكنني سرعان ما تعودت على هذه الكلمة. بل صارت بالنسبة لي كلمة رومانسية، تشدني إليها أكثر وأكثر. وكنت أطرب عندما تردد على مسامعي :"اشتري لي كوز ذرة يا حمرون"... " متى ستتعلم كيف تعمل في الدكان وتكسب قرشين زيادة يا حماميرو"... " أنت أحب حمار إلى قلبي يا حمّور".... ثم بدأت الأمور تتطور، فصرت الجحش، والجحّوش، وهات ألفاظاً تطن في أذني برومانسية تامة. مع أنني لو سمعتها من غيرها لاحتدمت الأمور، ولحصل بيننا شجار لا ينتهي. لم أعرف أجمل وأقرب إلى القلب منها. ملاك يمشي على الأرض. بل خير من ملاك. بقيت معها سنتين وأكثر، وكانت كلما مضى الزمن تزيد غلاوة على قلبي، وأزداد حباً لها وتعلقاً بها. مرة، تجرأت وقلت لها :" أحبك يا حمارة".... كانت أول مرة أتلفظ بها بذاك اللفظ... قالت :"أعدها وستندم طيلة عمرك"! قلت وأنا أتبسم :"أحبك يا حمارة"! أمسكت بيدي، صفعتني، وقالت :" بل أنت فقط الحمار!". استدارت ومضت في طريقها، ولم أرها منذ ذلك اليوم. من مذكرات الجيل والحمير - أبو إبراهيم - 10-29-2006 [CENTER]حبيبي الحمار[/CENTER] ما أن قرأت ما كتبته عن قصتنا سوية حتى غلبتني رغبتي في أن أكتب إليك وأتصل بك مجدداً. لعلك بهذه الرسالة الأخيرة تفهمني وتدرك ما قصدته. قضيت معك أكثر من عامين، أحتمل حبك وشعرك وغزلك. أكلت سندويشات الفلافل وأكواز الذرة التي لم تقدر على شراء أكثر منها. أصبت مراراً بالدوار من كثرة اللف في الشوارع والحدائق ولم أتذمر. وكنت أستمع إليك تشكو من راتبك القليل، ومرض والديك، وقصص حبك القديمة الفارغة التي لم تنل منها أكثر من لمسة يد واحدة.... عندما بدأ الأمر يثير مللي سميتك حماراً فلم تكترت. وعندما تناسيت أن تخطبني وتطلبني للزواج، أسميتك جحوشاً فلم تأبه. وعندما كان بإمكانك أن تهاجر أو تصبح مديراً لشركة ما، وأنت تفضل البقاء لتعمل في دكان تافه، دعوتك حمروناً ولم تكترث. كان كل ما يهمك أن تصب علي كلامك الغزلي الفارغ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وبدل الزواج، استمر الأمر شهوراً من القبلات المتلصصة تحت أعمدة النور المكسورة.. وعندما بدأت تسميني حمارة، أدركت بأنك لم تفهم من الأمر شيئاً، أو أنك أدركت أنني سأصبح أنا الحمارة إن بقيت على هذا المنوال لسنين. وكنت أعتقد أن صفعة واحدة تكفيك لتصحو ولكنني كنت مخطئة! أنا الآن متزوجة شخصاً، لا أحبه أكثر مما أحببتك يا حماري، ولكنه على الأقل يفعل ما أحلم به دون الحاجة لأن أسميه حماراً. أتمنى بعد هذا أن تكون فهمتني وتغيرت، وإلا فأتمنى أن تجد حمارة قد تتفهمك وتحتملك خيراً مني. مع فائق حبي. ملاحظة : أرجو منك أن تنشر هذه الرسالة. من مذكرات الجيل والحمير - دومينو - 09-13-2007 ما اجمل هالسيرة اخي ..وما احكم كلامها للصبية بالمقطع الاخير .. اسجل متابعة:aplaudit: من مذكرات الجيل والحمير - الحر - 09-13-2007 تسجيل متابعة واهتمام .. من مذكرات الجيل والحمير - أبو إبراهيم - 09-14-2007 الخبير الروسي أكتب هذه الكلمات وسائق الجرافة يقوم بآخر الرتوش على السد الترابي رقم مائة في حياتي المهنية... كمهندس مدني مختص في السدود والمياه، عملت منذ تخرجي ولأكثر من عشرين عاماً في بناء السدود وصيانتها. ولم يقع منها، ولله الحمد، إلا ما توقعت مسبقاً أن يقع، ورفعت فيه تقريراً مطولاً لينام لسنين في مكتب مديري قبل أن ينتهي إلى كارثة. لطبيعة مهنتنا تعلمنا الروسية والفرنسية، إذ غالباً ما أتانا خبراء فرنسيون وروس، وكنا نحتاج إلى التفاهم معهم مباشرة دون وسيط أو مترجم. اتبعنا جميعاً منذ بداية توظيفنا دورات في اللغة والمحادثة، ولم يتقاعس منا أحد سوى عيدو... لا أذكر لماذا أطلقنا عليه ذاك الاسم يومها، ولكنه التصق به أكثر من اسمه الأصلي الذي لن أذكره الآن في هذا المقام.... كان عيدو عدو اللغات الأجنبية، بل كنا نحس أن اللغات الأجنبية هي التي تناصبه العداء... قضى معنا عامين في العمل، ولم يستطع تحمل أكثر من ثلاثة أيام في دورات اللغة التي اتبعناها. لم تكن اللغة فقط عدوته، بل كانت لديه حساسية تجاه الهندسة والرياضيات وكان يفضل أن نتكلم في أي حديث إلا حديث حول عملنا وقواعده العلمية.... كذلك لم تكن الإنشاءات شيئاً سهلاً بالنسبة له... خرج مرة واحدة معنا، وكاد يومها أن يقتل سائق المدحلة عندما أمره أن يمر فوق حافة حاجز لم يكتمل بعد. السائق نجا، ولكن المدحلة ما زالت هناك تحت الماء في بحيرة السد... بالإضافة إلى هذا كله، كانت الشمس تؤذيه والمطر تمرضه، لذلك جاءت توصيات المدير العام السابق: عيدو يبقى في المكتب قرب الهاتف، والباقي يخرجون إلى الورشات... تغير ذلك المدير، وترك عيدو العمل، ومرت السنون وأنا أعمل في السدود وإنشاءاتها. لم أنبس يوماً بحرف من التمرد أو الملل. كنت أعلم علم اليقين أن راتبي قليل، وأن أولادي ينظرون بشفقة إلى والدهم النحيل المسود تحت أشعة الشمس، ولكنني كنت دوماً أجد طريقةً ما لإلهائهم عما يجري، ولتحويل أنظارهم عن الوجه القاتم لواقعنا. فتتحول نظراتهم إلى ضحكات وقهقهات لا تنتهي... المهم أنني لم أذق طعم الرشوة أو الفساد يوماً... صدقوني إن ذلك لممكن حتى في عملنا. فنحن قادرون على تغيير التقارير العلمية، لتأكل بحيرة السد أرض أبي فلان بدل بستان أبي علان.... وكنت أقدم التقرير كما تمليه علي نزاهتي وأمانتي، وأترك الباقي للمدير العام الجديد، الذي لم يكن يتوانى عن إزاحة موقع السد بضع مائات من الأمتار شرقاً أو غرباً حسبما يمليه مزاد الفلاحين المساكين.... لم يكن أيضاً يحس بخطورة إهمال صيانة السدود. ولما انتهى إهماله تقارير أحد السدود بغرق قرية بأكملها، اتهم المدير السابق الذي بني على عهده السد، وما زال المسكين وراء القضبان من يومها. منذ يومين، دعاني إلى مكتبه وأخبرني أن أتجهز وزملائي لاستقبال وفد من الخبراء الروس، سيصل في اليوم التالي ليشرح لنا آلية جديدة في بناء السدود الترابية... استنفر الجميع لتلك اللحظة، من رئيس القسم، إلى المهندسين، إلى عامل التنظيفات وبائع الشاي والقهوة... كان لا بد أن تكون مديريتنا نظيفة ملمعة لاستقبال الوفد، ولإبراز الجانب الحضاري من مؤسستنا لهم... أتت ساعة الصفر، واصطفينا جميعاً كأطفال المدارس ننتظر قدوم وفد الخبراء، لنرحب بهم ونستقبلهم. ورود في كل مكان، وطاولة ملأى بأطيب الأطعمة الشامية... كان عيدو الذي أصبح كهلاً على رأس أولئك الخبراء ! انتابتني الدهشة، وصرخت:" لك هذا أنت يا عيدو ؟! " رد علي بروسية ذات لكنة واضحة: " بالروسية لو سمحت ! ".... من مذكرات الجيل والحمير - Abdelrahman - 09-14-2007 الأخيرة دي قديمة يا بو إبراهيم.. :10: كنت حطتها في المضافة قبل كده أو في مكان ما في ساحة قضايا غجتماعية علي ما أذكر ، أسلوبك مميز وسلس.. أرجو أن تكون هناك تتمات (f) من مذكرات الجيل والحمير - تيامت - 09-15-2007 متابعه :97: |