نادي الفكر العربي
"موسم العز" ... وطلب مساعدة (إذاً أمكن) مع شكري العميق !!! - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: قضايا اجتماعيــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=60)
+--- الموضوع: "موسم العز" ... وطلب مساعدة (إذاً أمكن) مع شكري العميق !!! (/showthread.php?tid=15063)



"موسم العز" ... وطلب مساعدة (إذاً أمكن) مع شكري العميق !!! - العلماني - 09-11-2006

أعتبر نفسي من المغرمين "بمسرح الرحابنة الغنائي". فلقد نشأت وترعرعت في أحضان قرية جليلية جبلية، كانت تموج بالكثير مما صوره "عاصي ومنصور" في مسرحياتهم المتنوعة.

مسرح الرحابنة هو مسرح الكلمة المنتقاة والنغم العذب والصوت الرخيم والجو الدافيء المليء بالدماثة والطرافة والطيبة واللطف. وإن كان صوت "فيروز" - الحاضر في معظم أعمال الرحابنة - يعطي لهذا المسرح نكهة خاصة وطعماً مميزاً، إلا أن "عاصي ومنصور" نجحا أيضاً دون "فيروز"؛ ولعل إحدى هذه النجاحات المميزة كانت مسرحية "موسم العز" التي اشترك فيها "وديع الصافي" و"صباح" و"نصري شمس الدين" في بعلبك سنة 1960.

مسرحية "موسم العز" خفيفة ظريفة لطيفة في موضوعها، ساحرة آسرة في كلماتها وصورها وتمازج حواراتها وألحانها. ولقد لقيت - يوم أن خرج الرحابنة بها على الناس - شهرة عظيمة واسماً كبيرا ذاب شيئاً فشيئاً ولم يبق منه إلا "أغاني المسرحية" وأصوات مغنيها الثلاثة اللذين يملكون أصواتاً متفردة يحيون بها العظام وهي رميم.

مسرحية "موسم العز" تجسيد غنائي للجبال والوديان والاشجار وتدافع الماء في الشعاب والمنحدرات وطي أكتاف "الجرود". ولعل اختيار "صباح" "ووديع الصافي" بالإضافة إلى "نصري شمس الدين" كأبطال رئيسيين، جعل للحن الجبلي والكلمة المضمخة بعنفوان قمم لبنان معنى فريداً لا نجده في مسرحيات الرحابنة التالية.

"موسم العز" مسرحية غالية على قلبي ولكنها "ضاعت مني" منذ فترة طويلة، ولم أعد أحظى إلا بأغانيها المبعثرة في صفحات المطربين المشهورين الذين اشتركوا بها، فهل هناك من يستطيع أن يزودني بها كاملة (بحواراتها وأغانيها) وله مني جزيل الشكر و"قصيدة مدح" ؟

سوف أعود بعد قليل "بدراسة عن هذه المسرحية" وجدتها في بعض أفياء "النت".....

(f)

واسلموا لي
العلماني



"موسم العز" ... وطلب مساعدة (إذاً أمكن) مع شكري العميق !!! - العلماني - 09-11-2006


][SIZE=4]موسم العز
مهرجانات بعلبك الدولية - 1960


د. مفيد مسوح[/COLOR]
[SIZE=2]الإهداء:إلى زوجتي الغالية رفيقةِ أيـَّامي ..بعـِزِّهــا ..وبعَصْـفِ ريحِهـا

ـ ياشبـاب .. وْقـََـفو شوي ..

أنا بدي شيل مع أهل العريس



مسرعين ودون أيِّ ترددٍ يتحرك جميع المتوجسين لينهوا مشهد الحزن البالغ الذي خيَّم على الساحة قبل لحظات فتزول علائم الخيبة والوجوم التي اعترت وجوه أبناء وبنات الضيعة ورجالها ونسائها ومعهم الزوار أهلِ العريس، الذي سبَّبَ فشلُه بـ (شَيْل القـَيْمة) اضطرار المختار التوجهَ إلى العروس (نجـلا) بلهجة غنائية حزينة تكتنفها الحيرة والانكسار:

- نجـلا !! .. نحنـا بدنــا نبقى هـَونْ .. روحـي وحدك !!



ولم يخفِ الجمع تعجباً كبيراًً ولـَّدتـْه تلك المبادرة من قبل الشخص القادم، ولم يكن حضورُه متوقعاً ولكن فرحتهم بالنتيجة السعيدة أبطلت العجب وأرجأت الاستغراب إلى حين، لمناقشاتهم اللاحقة بعد أن تستتبَّ الأمور .. فالمهم أن يبقى العرسُ عرساً!



رفْعُ العريس للـ (قـَيـْمة) باليدين إلى أعلى الرأس استعراضاً لفتوته وقوته أمام الحضور قبيل العرس شرطٌ للاستمرار بطقوسه وفرحه لا يجوز التنازل عنه أو المساومة به.

يعود هذا التقليد إلى مئات السنين وربما الآلاف .. وكون غالبية الناس من أهل المدن أو الجيل الشاب حتى من أبناء القرى لا يعرفونه، لا يعني أنه كان محدوداً فيما مضى .. فقد اعتاد أهل القرى في بلاد الشام في مئات السنين الماضية على ربط أفراح أعراسهم بمواسم جَنْي المحاصيل التي تأتي غالباً في فصلي الربيع والصيف وعلى تشكيلِ هذه الأفراح بطقوس جميلةٍ ذاتِ دلالات، فامتحان قدرة الفتيان على رفع أثقالٍ، قد تطالبهم الأيام والظروف بالتعامل معها أو مع أثقلَ منها، يُطمْئِن الأهلَ بأن أولادهم أصحاء أقوياء وهم رجال المستقبل ..

مباريات رفع هذه الأثقال لها من الأهمية ما تحظى به المواسم والبيت والتربية بأشكالها من عناية وهي تتطلب اختياراً دقيقاً لأثقالَ ملائمةٍ من حيث الشكل والوزن .. ومما يزيد من جمالية هذا الطقس أن (القـَيْمة) ليست حجراً عادياً عديمَ الفائدة بل هي إحدى مقتنيات البيت المستخدمة في تحضير الطعام (جرن الكبة أو طاحونة الحبوب - الجاروشة) أو في دكِّ تراب السطح دفعاً لتسرب مياه المطر عبر مساماته (المدحلة أو المحدلة بالعامية).

كانت أعراس القرى لا تخلو من تنافس شبانها طيلةَ فترة ما قبل العرس وخلاله .. وتكون مصاحبةً لحلقات الدبكة والتقاول بالزجل (القول) وأشعار المفاخرة والغزل والوصف والحماس إضافة للولائم العامرة بالمآكل التي تأتي التـَبُّولة وأنواع الكِبَّة في مقدمتها وبالمشروبات الروحية المصنوعة محلياً وعلى رأسها العَرق المنزلي الفاخر الـمُثلث التقطير (متلَّت).



طقوس أعراس الضيعة ومواسم جني المحاصيل المرتبطة بحياة الناس والمحاطة بهالات الحب والفرح والسلام والتعاون كانت المواد الثرية التي غَرَف من جرارها الأديبان والفنانان الكبيران الأخوان عاصي ومنصور الرحباني منذ أواخر خمسينيات القرن المنصرم ليقدموا لنا وللأدب الإنساني الخالد أعمالاً يفخر بها الوطن وتاريخ الفن فجاء هذا الأدب شعبياً واقعياً صادقاً محفزاً على فعل الخير وحب الوطن والإخلاص لمقدساته وصانعاً للفرح والسعادة ..



من هنـا جاء العمل الرحباني العظيم (موسم العز) الذي قُدِّم في مهرجان بعلبك ثم على مسرح مدينة معرض دمشق الدولي عام 1960 باشتراك صباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وفيلمون وهبي وغيرهم من رواد المسرح الرحباني ومن إخراج الكاتب والمخرج المصري كامل التلمساني (1918-1972).

"موسم العز" باكورةُ الأعمال المسرحية الرحبانية بدأ الأخَوان العبقريان بها المنهجية الواقعية في المسرح الغنائي بديلاً عن اسكيتشاتهم الغنائية السابقة فكانت بداية موفقة جعلت جمهورَهم في البلدان العربية وعلى الأخص في بلاد الشام ينتظر جديدَهم كلَّ عام في مهرجانات بعلبك الدولية ومهرجانات الأنوار ومعرض دمشق الدولي أو حفلات كازينو لبنـان أو قصر البيكاديلي في بيروت وغيرها. وقد سبق للرحبانيين أن ظهرا على المسرح الغنائي في أعمال أخرى كان أولها (مهرجان عيد الليمون) الذي أصبح بعده عيداً وطنياً .. لقد سَجلت أعمالُ الرحابنة وتاريخُهم هاجساً وشغفاً كبيرين لخلق أعيادٍ لفرح الوطن والشعب خارج الإطار الديني ومفاهيم العيد التقليدي الانعزالي!

محور هذا العمل الرائع والفريد من نوعه هو الحب والعمل في الضيعة اللبنانية النموذجية التي تكونت لدى أهلها عبر التاريخ تقاليدُ العمل الجماعي المنتج المرتبط بالأرض وباحتياجات الناس وبحياتهم ومشاعرهم وفنهم. وفي الحقيقة فإن ما يميز أدب الضيعة اللبناني على وجه الخصوص ارتباطه المتين بالطبيعة ومكوناتها الجميلة المتوفرة بكثرة في القرى الجبلية ذات التضاريس المتنافرة والمتنوعة والملونة والتي تتآلف عناصرها من جبال شاهقة صخرية ومكسوة بغابات الأرز والسنديان أو ببساتين الأشجار المثمرة إلى الوديان الجافة ووديان الأنهار المحاطة بالأشجار المتنوعة والسهول المزروعة والشطآن الصخرية الجميلة وضيوف كل هذه الأماكن من الطيور المتنوعة والحيوانات الأليفة إلى السمـاء الفسيحة وغيومِها تتعانق بحنان مترف معها قممُ الشوامخ من جبال لبنان الأخضر البديع.

في هذه الضيع تعلَّم الأهالي على مر العصور كيف يقاتلون الصخر لتمهيد الأرض وتنظيم الحقول ومواسمها وزرعها بما يفيدهم من نباتات وأشجار وتعلموا كيف يحافظون على صداقتهم الروحية والمادية مع طبيعةٍ انعكس جمالها على مفردات الناس وأدبهم وطقوسهم وعاداتهم وملامح الطيبة والود والجمال في وجوههم بأصدق التجليات، فكان الإنسان اللبناني الخلاق والمبدع والذي ما أن يلتقي بالجديد ويتقبلَه ويستوعبَه ويلمَّ بتفاصيله حتى تولدَ من داخله فكرةُ الإبداع الأجـدِّ والأفضل في أسفارٍ لا تنتهي، مداها الزمن كلُّه ومحطاتُها عتباتٌ تتلألأ عزاً وشموخاً وكبرياء في كل صفحات التاريخ الإنساني.

فلقد عرف لبنان في مراحل باكرة جداً صناعة الحرير من شرانق دود القز والتي خرجت أسرارُها بأعجوبة من الصين، بلدِ الحرير الأول في التاريخ والذي تكتَّم على هذه الأسرار على مدى قرون طويلة قبل أن تتكشَّفَ حقيقةُ هذا الخيط السحري لشعوب الشرق الأخرى وتصلَ بعدها إلى سوريا القديمة، حيث أظهر نسَّاجوها في ذاك الزمن مهارةً فائقة في تربية دود القز وصناعة الحرير وغزلـه وتلوينه، وغطَّت بساتينَ القرى اللبنانية والسورية أشجارُ التوت بأوراقها الخضراء النضرة، غذاءِ دودة القز، صانعةِ خيط الحرير الرائع.

ومن سوريا وساحلها النشيط انتشرت تربية القز وصناعة الحرير لتعمَّ البلدان الأوروبية.

في ظل النظام الإقطاعي المسيطر على الأراضي والصناعات المرتبطة بالمنتوجات الزراعية كانت صناعة الحرير حكراً على كبار الملاك ورجال السياسة الذين تحكَّموا بالفلاحين ومربِّي القز وكرَّسوا هيمنتهم الاقتصادية والاجتماعية واستغلالَهم للعاملين في هذه الصناعة الذين بقوا تحت رحمة المتحكمين بصناعة خيوط الحرير وتجارتها وتجارة المنسوجات الحريرية. إلا أن هذا الواقع المرير لم يلغِ استمتاع الفلاحين بعملهم وإنتاجهم وما يحيط بـ (قطف الحرير) و (موسم العز) من قدسيةٍ ومن طقوسٍ محببة ارتبطت بها حالةُ الرخاء والبحبوحة ورافقتها مواسم الفرح والأعراس.

كنا في الطفولة نستمتع إلى حد كبير ونحن نراقب نموَّ شرانق الحرير المنثورة على أوراق التوت النضرة فوق أطباق مصنوعة من شرائح القصب اليابس أو قش الحنطة أو خليط التبن مع روث البقر، محاطةٍ بأغصان (الشـِّيح) لتأمين الدفء اللازم لتسلق وعمل الشرنقة الذي أثار إعجابنا ..

يرقات القز تلتهم ورق التوت بشراهة وتفرز فيه لعابَها السحري الذي يتحول لدى ملامسته الهواء إلى خيط يلتف حول اليرقة مشكلاً الشرنقة البيضاء ذات الشكل البلحي. انهماك اليرقة بأكل أوراق التوت وإنتاج الخيط يُرهقـُها، لذا فهي تمر بفترات هدوء واستراحة يسمونها (الصَوم) .. ومن فمها يخرج عند إنتاجها للخيط 2.5 ميليمتراً في الثانية دون توقف إلى أن ينتهي عمرها القصير، وتعطي الشرنقة خيطاً يصل طوله إلى مئات الأمتار.

ونحن أطفال كنا نراقب جمع الشرانق في باحات بيوت الضيعة وتجميعها وتسخينها لقتل الفراشات داخل الشرانق وتحضيرها للبيع لتجار ينقلونها إلى دمشق أو بيروت إعداداً لتصديرها إلى أوروبا. كنا نتصور أن ربح هذه الشرانق (الفيالج) لا بد أن يكون كبيراً بالمقارنة مع ما يتطلبه الحصول عليها من جهد ولكن ظنَّـنا خابَ بعد أن أجابتنا مربِّيات القز بأن سعر البيوض المستوردة غالباً من اليابان وكلفة الشرانق النهائية ليست قليلة وأن الحصول على رطل واحد من الحرير يحتاج إلى ما لا يقل عن عشرين ألفاً منها والرطل بالكاد يكفي لصنع عشرة فساتين فقط أو مائة شال نسائي متوسط الطول.

نساء القرية ورجالها كانوا يعتبرون موسم القز مَلِكَ المواسم ويربطونه بالعز والبحبوحة .. البيوت التي اضطرها العجز المادي للاستدانة أيام فصل الشتاء من أصحاب الدكاكين أو المعماريين أو المرابين كانوا يسدون ديونهم من هذه المواسم فتُفرَجُ كرْبـَتُهم ويدبُّ الفرح في نفوسهم .. ومَن دفعت به الضائقة إلى تأجيل عرس ِ مَن بلغَ سنَّ الزواج مِن أبنائه تحققَ أملُه مع موسم القز - موسم العز.

كانت أشجار التوت ذهباً لا تقل قيمته عن القز - الذهب الأبيض - نفسه. بساتين التوت الكثيفة جنائنُ لا تقل جمالاً عن بساتين الكرز والمشمش وبيارات الليمون، سُوِّرتْ للحماية وعُشِّبتْ أرضُها ونُظـِّفتْ أغصانُها ومُشِقتْ أوراقُها الخضراء بعناية لتقدَّم إلى القز المدلل، صاحبِ الفضل على الكثيرين .. من ملوك وسلاطين تفاخروا بأرديتهم إلى التجَّار والصنَّاع وقد ازداد ثراؤهم باحتكار أنواع منسوجاته، حتى الفلاحين والفنانين والنساجين وقد وجدوا فيه مورداً للعيش لا يعلو عليه مورد .. ولا ننسى دلعَ الفتيات والنساء والدُّمقْلسُ الفاخرُ يتراقص على إيقاعات أجسادهن الرشيقة ساتراً حيناً وكاشفاً أحياناً مواطنَ الجمال والفتنة فتتراقص قلوب الفتيان المرهفة تجاوباً مع عيونهم وقد سحرها جمالُ الأجساد البضَّة وزادتـْها سحراً ألوان الحرير الباهية.



العمل في المراحل الأولى للموسم الذي يستمر لمدة شهرين فقط، يقتصر غالباً على النساء اللاتي تبدأ مهمتُهن بنثر البيوض وتأمين الجو المعتدلِ الحرارة الملائمِ للتفقيس وجلبِ أوراق التوت الطرية فقط، فدودُ القز بخلاف الجراد لا يأكل سوى الأخضر الطري، وكذلك باستمرار وحماية الديدان التي سرعان ما يبدأ تكوُّنُها خالقاً مساحات دبيبٍ وحيوية يزداد سحرُها عندما يبدأ نسْج الشرانق البيضاء على خلفيات الورق الأخضر .. فإذا بنا أمام لوحةٍ تزداد الضيعة بها جمالاً ووجوه أهلها بهجة وتفاؤلاً.

أما في مراحله الأخيرة فيتعاون شبان الضيعة وفتياتها، رجالها ونساؤها في جمع الشرانق وقتل الفراشات داخلها بالتسخين بالماء أو بالهواء الساخن أو تحت أشعة الشمس منعاً لهذه الفراشات من ثُقب الشرنقة وإتلاف الخيط الحريري. ثم يقومون بتكديس الفيالج وتصنيفها وترتيبها وتجهيزها للبيع .. طقوسٌ رائعة في العمل والتعاون وتبادل التمنيات الطيبة ترافِقـُها مظاهرُ الفرح من حلقات الدبكة والغناء والضيافة والمبارزات إلى إشهار علاقات الحب أو إعلان الخطوبة أو تحديد مواعيد الأعراس ..

هذه الضيعة بطبيعتها الساحرة وأهلها المتحابِّين عشاقِِ العمل والغناء والرقص وطقوس قطف الحرير كانت المسرح الذي ألهم الرحابنة لإخراج رائعتهم مزاميرَ للعمل والحب وهم في بداية مرحلة تكوين الشخصية الفنية اللبنانية في الأدب الواقعي فجاءت المسرحية نموذجاً مميزاً لهذه الشخصية سيستمر الرحابنة على منواله طيلةَ الحقبة اللاحقة.

تتكون المسرحية من فصلين، بخلاف الأعمال السابقة المؤلفة غالباً من ثلاثة فصول، وقد جاءت بقالب الدراما التقليدية (بداية استعراضية – عقدة – حل ونهاية إيجابية سعيدة) وظَّفها الرحابنة بنجاح كبير في محورين متلاصقين: العمل والحب.

فالضيعة هي مجتمع أبنائها وأهاليها وساحة نشاطات أعمالهم وهمومها وملعب الفتوة والفرح واللهو وحلبة مختلف أشكال المنافسة السلمية وهي مدرسة الحب ورواياته وأشعاره وأغانيه وملتقى العشاق ومَصبُّ مشاعرِهم.

وفي هذه الضيعة تتمثل قيم المجتمع اللبناني في الحياة العملية المنتجة وفي صناعة الفرح والسلم وتكريس حب الوطن والإخلاص له والتفاني من أجل عزته وتقدمه.

بطلة المسرحية (نجلا) أحلى فتيات الضيعة الحالمات بالحب في مواسم الفرح .. صاحبةُ القوام الجميل والوجه الحسن والصوت الرائع الذي طرُبَ به أهلُ القرية في لقاءاتهم وأعيادهم واهتزَّت بسماعه مشاعرُ الشبان الذين حلموا بصاحبته حبيبة ً وشريكة ً في حياتهم. لقد كان اختيار الفنانة (صباح) لدور نجلا موفقاً إلى حد كبير نظراً لما تمتعت به من مهارات في التمثيل والغناء وهي في مجدها الفني المتصاعد ولها من العمل السينمائي والمسرحي في مصر ولبنان رصيدُ أصحاب العروش. وقد سبق أن اشتركت في فيلم كتب حواره مخرج "موسم العز" كمال التلمساني واسمه "سلـِّم عَ الحبايب" قبل سنتين إي في العام 1958 في مصر.

كما أن اختيار وديع الصافي لدور (شاهين) ونصري شمس الدين لدور (المختار - فارس) زاد من غنى ونجاح وشمولية هذا العمل المسرحي المتميز والذي حصد نتائجَ باهرة في حينه بالرغم من أن النسيان طواه فيما بعد فغابت المسرحية حواراً واقتصر تداولُ جمهور صباح ووديع ونصري لأغانيها مسلوخة ً عنها ولم يتناولْها أيٌّ من الكتاب أو النقاد بالدراسة والتحليل .. لقد ظُلم هذا العمل الإبداعي الرائع حتى هذا اليوم .. فتعالوا نعشْ جمالـَه وقيمته بعد أربعة وأربعين عاماً من النسيان ..

أقترح، لتحقيق المزيد من المتعة والفائدة، تكرار قراءة الدراسة إلى جانب سماع الشريط المسجل أو القرص (موسم العز).



ساحة الضيعة تنتظر بعد ظهيرة كل يوم ربيعي وصيفي فتيانَها وفتياتِها وزوارَهم من الضيع القريبة يتقاطرون لتبادل الأحاديث والاستفسارات وعبارات المجاملة والاطمئنان عن الأهالي والمواسم ويتسايرون ويتمشون في دروبها المطلة على الوديان الجميلة او المتوجهة إلى الينابيع يستمتعون بالمناظر الخلابة ويستنشقون هواءها العليل. فإذا جلسوا تلونت حلقاتُهم بمختلف أشكال الفرح والطرب والمفاخرة والتنافس.

تضعُنا المسرحية في مشهدها الأول في ساحة الضيعة التي التقى فيها لإحياء العيد فتيانٌ وفتياتٌ منها مع ضيوفهم من الضيعة المجاورة. لحن الافتتاح تؤديه مجموعة من الآلات الوترية والنفخية والإيقاعية تصاحبها أغنية خفيفة بطريقة الأنشودة تقدم لنا الساحة والعيد وفتيانَ الضيعة وفتياتِها:



العيدْ السَّاحةْ السهريِّةْ تـْطـوِّلْ وتـْزيدْ

الضيعةْ الحلوةْ المضويِّةْ بليلةْ هالعيدْ



تكرر الجوقة هذا البيت كلازمة لعدة أبيات أخرى تصف الضيعة وجمالها والعيد والصبايا بلفتاتهن التي تحمل من حكايا العشق ما تَسعد به القلوب وتحلو به السهرات. وقد جاء اللحن بقالب المارش الخفيف الهاديء المتموج كنسائم الربيع ليتمكن الجمع من الوصول إلى الساحة على نغماته العذبة.

ننتقل بعد نهاية الأغنية التي يشترك الجميع في أدائها إلى صورة انقسام الحضور بمرونة إلى فريقين أحدهما يمثل فتيانَ وفتياتِ الضيعة ومعهم المختار (نصري شمس الدين) وسبْع (فيلمون وهبي) ومخُّول (منصور الرحباني) بينما يمثل الآخر ضيوفـَهم القادمين من الضيعة المجاورة وعلى رأسهم (عبدو)، صاحبُ الشأن في مسرحيتنا، وشاهين (وديع الصافي). يبدأ الحوار التنافسي الجميل بين الفريقين المتواجهين أمام (القـَيْمة) تمْتحنُ قُدُراتِ الفتيان العضلية:

فريق الضيعة: هايدي القَيْمةْ

الفريق الضيف: هايدي القيمة ؟

فريق الضيعة: فيكن ليها ؟

الفريق الضيف: فينا عليها

فريق الضيعة: ونحنا فينا

الفريق الضيف: قيموها

فريق الضيعة: منقيمـا

الفريق الضيف: يـا الله

فريق الضيعة: يا الله ... إي مخُّول هي مخول هي مخول .. يا الله .. هالله هالله هاي !!

الفريق الضيف: قيموها

مخول ينجح وفريق الضيعة يدعو عبدو من الفريق الضيف ليُقيمَها بدوره:

- قرب يا عبدو قيما

- يا الله يا عبدو قيما

(مرْهج يفاجيء الجميع متدخلا):

- ما فيك تقيما يا عبدو

(عبدو متحديا):

- تعا انتَ قيما يا مرْهج

(المجموع مذهولاً):

- مرْهج القلاعي ! .. مرهج القلاعي؟

مرهج يقيم القيمة مستعرضاً قوته ومتباهياً .. ومتحدياً عبدو الذي يحاول ويفشل

- شو يا عبدو؟

- تقيلةْ ومْساقَبْ سهران

- شو يا عبدو؟!

- تقيلة .. ومْساقَبْ سهران



فريق الضيعة يتشفى ويهزأ .. ومخول يتباهى بانتصاره

الفريق الضيف معترفاً بالهزيمة:

- بالقـَيمات

- بالقيمات شو؟

- بالقيمات غْلبـْتونا .. بالقيمات غْلبـْتونا .. تـْعَو تا نْجَرِّبْ عَ الدَّبكة

- عَ الدَّبكة ..

- يا الله .. يا الله ..



فريق الضيعة يبدأ الدبكة مع أغنية (هويدا هويدا لك) يؤديها المختار وشاهين .. والفريقُ الضيف يراقب باستهزاء !



الدبكة في القرى السورية واللبنانية فنٌ شعبي تراثي صاحَبَ أفراحَ الناس كلـِّها منذ أقدم مراحل التاريخ فعبَّروا به عن سعادتهم في مناسبات الحصاد وجني المحاصيل ومواسم الحرير وسلقِ الحنطة وعصر العنب لصناعة العرق والنبيذ إضافة إلى مناسباتهم الدينية والوطنية .. أما أعراسهم فلا تكتمل دون استمرارية حلقاتها لأيام لا تقلُّ عن الثلاثة وتصل إلى السبعة يتكاتف فيها الصبايا والشباب مُظْهرين براعة ً في الحركات المتواترة على إيقاع الطَّبل وأنغام الزَّمْر والمِجْوز وبمصاحبة مغنٍ أو مغنية أو فرقة فتتراقص كلمات أغانيهم الجميلة مع (الدبـِّيكة) في انسجام بديع يحْيي الفرحَ في القلوب والغِبطة في النفوس ويبثُّ الحيويةَ في الأجساد .. حركات الدبكة فنيةٌ تقوم على التوافق الهارموني وتتطلب مهارة ودقة في التجاوب مع الإيقاع وكذلك مع اختيارات قائد الحلقة الذي يأخذ مكانه في أول السلسلة ويكون طرفها الثاني حراً وتتلون حركاته صعوداً ونزولاً وانحناءً ثم امتداداً بفتح الذراعين تعبيراً عن الرغبة في التحليق والامتداد لنشر الفرح والسعادة إلى أوسع مدىً. وللدبكة وفنونِها مصطلحاتٌ خاصة تميزها عن فنون الرقص الأخرى.

التنافس في القدرة على الدبكة على الأنغام الصعبة والإيقاعات السريعة تقليدٌ اعتادت عليه شِلَلُ الشبيبة في القرى وحصل بعضهم بسببها على ألقابٍ مثل (فلان دبـِّيك عَ الأول). للرحبانييَّن فضل كبير في إحياء هذا الفن الرائع وتطويره فقد أسسا الفرقة الشعبية اللبنانية التي كان إحياء التراث مهمتها الرئيسية وقدموا في جميع أعمالهم المسرحية اللاحقة عشرات الدبكات على أغاني فيروز ووديع ونصري وصباح وغيرهم وانتظر جمهور الرحابنة دوماً جديدَهم في هذا المجال وكانت فقرات الدبكة، وهي جزء من مسرحيتهم، محطاتٍ للراحة والتنفس خاصة في أعمالهم الدرامية ذاتِ المواقف الحزينة أو المعقدة دون أن يقلل ذلك من أهمية اعتماد الدبكة وسيلةً تعبيرية استُخْدمت ببراعة في نقل المعنى الدرامي.



يقدم مخول وسبع والمختار وأصدقاؤهم من أهل الضيعة دبكة (هـْويدا هويدا لكْ يا هويدا هويدا لي // ناركْ وَلا جنِّـة ْ هَلي) بجدية وبما تتطلبه الدبكة من حيوية .. يؤدي الأغنية شاهين الذي يمثل الطرف المتحدِّي لذا فقد حرص على أن تكون أغنيتُه سريعةَ الإيقاع كيما يصعب على فريق المختار التمشي مع جُملها المتلاحقة كتيارات رياح الغرب فتقلُّ تمايلاتهم وتخفُّ دقَّاتُ أرجلِهم التي تحتاج إلى زمن يسرقه الإيقاع السريع في أبيات شاهين:

يا ويلي ويلي ويلي ويلي قصِّتو شعرا الطَّويل وقصِّي قصِّتو

يا با راحتْ لَبوها وصِّي وصِّيتو يا با شايبْ ما ريدو جوزَ إلي

هويدا هويدا لكْ يا هويدا هويدا لي ناركْ ولا جنِّة هلي ..



ثم:

يا ويـْلي ويلي عَ الحجلْ رقْص الحجل كرْج الحجــلْ

يا حلوةِ اللي عَ الجبــلْ ضلـِّي ضحكـي وتـْدلــــــلي



تليها اللازمة السريعة و(كودا) أظهرت ضعفاً في المهارة عند المختار (الكهل) وجماعته.

فريق عبدو الضيف لم يُعجب بدبكة مخول وسبع والمختار والصبايا التي بدت باهتةً عجز مؤدوها عن متابعة وتلبية الإيقاع السريع في أغنية شاهين. صرخ عبدو ورفاقه منتقدين بتحدٍ:

شو ها الدبكة .. شو ها الدبكة ..

وبتحدٍ يتهيأون:

نحنا ؟! يا الله يا الله ..

الفريق الضيف يشرع في دبكة حماسية على نغمات مجْوز القصب بدون غناء وبمزيد من الحركة والتمايل وخبط الأرجل ..



ويحييهم فريق الضيعة معترفا لهم بالنصر:

- بالدبكة ..

- بالدبكة شو؟

- بالدبكة أنتو غلبتونـا

- هـــاي ...



سبع، وقد عزَّ عليه الانكسار والهزيمة:

شوفو يا إخوان غْلبْنا بالقيمة غْلبْتو بالدبكة .. تعاو تا نْجّرِّبْ بالقول ..

يا انتو بتبكو .. يا ..

الفريق الضيف:

مِنْجرِّب بالقـولْ ..



الذي سيفتتح القول هنا هو الخاسر في جولة الدبكة .. أي فريق الضيعة الذي يمثله المختار (نصري شمس الدين).





التحاور بالصيغ الشعرية فنٌ قديم رافق أفراح الناس ومناسباتِهم الاحتفاليةَ بمختلف أنواعها فحظي على حب المستمعين وإصغائهم إليه وتفاعلهم معه. وقد تطور الشعر الشعبي، الذي بقي حياً في حياة السوريين عبر العصور، بفضل مُحْدثين متبنِّين للتراث الشعري والأدب الشعبي وكان الرحابنة َ بعضُ هؤلاء، فقد أدخلوا في أعمالهم الدرامية عناصر هامة وشيِّقة من مخزونات الشعوب التراثية بعد تهذيبها وتلوينها واستخدام القوالب الحديثة والتصرف أيضاً بالكلمات. والحقيقة أن ذاكرةَ الشعوب في الوطن السوري الكبير كانت أمينةً لهذا التراث عبر الأجيال فبقيت ألوانُه عامة والشعريةُ منه على وجه الخصوص الزادَ السخيَّ للتعبير بصدق وقوة وجمالية عن مشاعر الناس وأحلامهم وقناعاتهم وعادادتهم الحلوة .. عن مواقفهم ورؤاهم وتطلعاتهم وعن حبهم للوطن والإخلاص له والاستعداد للتضحية من أجله ..

وللزجل وطقوسه في جبال لبنان وسوريا رونقٌ وسحرٌ وجاذبية استقطبت ملايين المعجبين. أما حلباتُه فقد شهدتْ لقاءاتِ تنافسٍ تاريخيةٍ سُجـِّلتْ تفاصيلـُها حكاياتٍ تلذَّذَ الرُّواةُ باستعراضها وتناولِ حواراتها بالتحليل والتفسير مما زاد من روعة الشعر وقوته. وللزجلِ ملوكٌ تربَّعوا عروشَه عن جدارة واستحقاق ولم يقلِّلَ هذا من سطوع عشراتِ الأسماء من شعراء الزجل الذين يحْيونَ حفلاتِه وملتقياتِه في أماكن مختلفة وأمام حشود الجماهير العاشقة لهذا الفن.
وحصَّةُ الزَّجل في الأدب الرحباني كبيرة ومتنوعة في الشكل والجوهر وقد تلونت بها أعمالُهم الدرامية قبل فيروز ومعها وبعدها. لقد جادت قريحةُ منصور وشعراءَ آخرين فطاحلَ فقدَّمت تـُحَفاً من الحوارات الزجلية ومواويل العتابا والميجانا والقرَّادي والمخمَّس وغيرها صبغت الدراما الرحبانية بالصبغة الشعبية التلقائية وبالصدق والشاعرية.

معظم حوارات الزجل تتركز على التفاخر بالقوة والتميز والتفوق والجمال والثراء والقدرة على الإبداع ويرافق هذا التفاخر مقارنةٌ مع الطرف الآخر لا تخلو من السخرية والاستهتار والتحدي ووعد الجمهور بكسرالخصم وضمان هزيمته .. ويزيد من جمال اللقاء حميَّةُ أعضاء كلٍ من الفريقين وحماسهم وسعيهم للإبقاء على حالة القوة والحضور وسرعة البديهة لدى قائد الفريق عن طريق إيحاءاتهم وترديدهم وإيقاعات دفوفهم. ويتطور الحوار وتزداد سخونته مع تمسك كل من الفريقين بطروحاته ووجهة نظره ولكن لجنة التحكيم وجمهور الحاضرين، الذي يتابع بترقب بالغ وهو منقسم تبعاً للولاء لأحدهما، ينتظرون النهاية التي يحددها عجز فريق عن الرد على آخر ما يقوله الفريق الآخر الذي (يقفل عليه) فتُعْلِنُ اللجنة ربْحَه وانتصاره.



يبدأ المختار فارس التحدي بالتفاخر بنفسه وبجماعته بأبيات من الزجل:

أوف أوف ..

قالو لي في قوَّالِةْ صرتْ مْقلَّـقْ

وَينو شيخ القوَّالِةْ يِحْضرْ هلـَّقْ



مجموعة المختار تردد:

قالو لي في قوَّالِةْ صرتْ مْقلَّـقْ

وَينو شيخ القوَّالِةْ يِحْضرْ هلـَّقْ

فارس:

وَينو شيخ القوَّالةْ يطلّْ قـْبالي

نحنا مِن مَطْرحْ عالي فوق مْعلَّقْ

المجموعة:

قالو لي في قوَّالِةْ صرتْ مْقلَّـقْ

وَينو شيخ القوَّالِةْ يحْضرْ هلـَّقْ

شاهين يرد بالقول:

أوف أوف ..

مَطرحْكنْ ها اللي مدلَّى وعالي مْجلا

شاهين الوادي علا وفوقو حلـَّقْ

المجموعتان:

قالو لي في قوَّالِةْ صرتْ مْقلَّـقْ

وينو شيخ القوَّالةْ يحْضر هلـَّقْ

زيادة في التنافس لجأ المتقاولان إلى مبدأ التقصير:

فارس: نحنا عَ العالي زرعنا حجار شـْقعْنا

شاهين يـُثـنِّي: حْجارتْكنْ من مَقـْلعْنا لما شلَّق

فارس يـثـلـِّث: عْشقـْنا العزّْ وشو جينا لعندو حكينا

شاهين يقفـل: العزّْ اللي عـْشقتو فينا قلبو معلَّقْ

فارس: أوف أوف

هنا يبدو التردد والتلكؤ على وجه فارس الذي لم يُمهلْه فريق شاهين:

مجموعة شاهين: جاوبْ .. جاوبْ .. ما فيكن مين يجاوب ؟ ..

نحنا ضيعةْ أرجلْ ضيعة ..

جاوبْ .. جاوبْ ..



يخيِّمُ الوجوم والقلق على أهل الضيعة ويتوجه مخول وسبع والآخرون مغادرين الساحة خائبين وعاتبين على المختار الذي لم يتوِّج انتصارَهم المتمثلَ برفْع مخول للقيمة، في حين فشل عبدو بذلك، بقيادة الدبكة ولا بالقول .. لقد عجز فارس على الرد على آخر ما قاله شاهين الذي لم تمنعْه طيبتُه من التفاخر بقوته وحسن صوته وأشعاره الجميلة ودبكة مجموعته الناجحة .. فالرد على تفاخر المختار بمصاحبة أهل ضيعته للعز وعشقهم له جاء سهلاً على لسان شاهين: "العز الذي تتحدثون أنتم عنه بتفاخر قلبُه معلقٌ فينا!!" .. وهل بإمكان شاهين الرد على هذا القول؟!



مأزق أهل الضيعة كاد أن يودي بهم إلى الانكسار والرضوخ لولا أن حلوتَها وصاحبةَ الصوت القوي نجلا تقدمت مُنْقذةً فتيانَها، تردُّهمْ إلى الساحة وتعيد إليهم زُهوَّهم بضيعتهم.

تقترب نجلا:

يا شبابْ لْوَينْ ع السَّاحةْ ارْجعو

نحنا ما قـْطعنا الأمل لا تفزعو

شاهين لو صوتو بْيوصلْ عَ السَّما

منْسكّتو ومنسكِّت رجالو معو



الفرقة تردد:

مِنْسكّتو ومنْسكِّت رجالو معو ..



شاهين متفاخراً ودون اكتراث:

نجلا يا بنت صْغيَّرة شو بْتعملي

وقدَّام شاهين السِّباع مْجنْدلة



نجلا بثقة وعنجهية:

نحنا بناتْ جرود مَرْباها الرّعود

بالسِّلْم وردْ ونار يوم المَرْجلة



شاهين باستصغار:

يا بنت رْجَعي والوقت سانح

أنا عفوي لكي بْها العيد مانح



نجلا مؤكدة قوتها ومتحدثة باسم أهل الضيعة التي تبادلها العشق والولاء:

منْردّ العفو .. وحدك بْترجع ياشاهين مقصوص الجوانح ..!!!!

يتوقف شاهين وتبتهج المجموعة وتصرخ بزهوِّ المنتصر وقد عادت إلى الوجوه الفرحة وملأت الساحة أهازيجُ الرِّضى من كلا الطرفين .. فقد أحيا نجلا وشاهين مشاعرَ الحب والصداقة الحلوة بين أهل الضيعة وضيوفهم وكرَّسا بروعةِ ما قالاه الروحَ الرياضية عند المتنافسين:

نجلا وشاهين تـْلاقو ملُّو الدنيي تـْلاحينْ

نجلا وشاهين تـْلاقو متل التلج وصنـِّينْ

يانجمة الْتنْدهلا دنيتنا عَ مهلا

بدنا نسهر للصبحيِّة مع شاهين ونجلا..

مع شاهين ونجلا .. مع شاهين ونجلا ..

وإذ لا بد من الاعتراف لنجلا وللضيعة بقدرتهم وبراعتهم، وتجاوباً مع رغبة الفريقين بقضاء سهرية ممتعة مع النجمين وصوتيهما العذب يبدأ شاهين، الذي أذهله صوتُ نجلا وقوتُها، مُـوَّالَه بلحنٍ هاديء وكلمات الغزل الرقيق معرباً عن إعجابه بنجلا ومحبته :

صوتك حُلو والقلب ما بْينسى

يا غرّة الـ عَ الليل مضْويِّةْ

صوتك حلو والقلب ما بْينسى

يا غرّة الـ عَ الليل مضْويِّةْ

يا شِلـِحْ زنبقْ كل ما بِقـْسى

بيهدرو عْيونك بِعَيْنَيِّي

(الفرقة بابتهاج وفرح السهرة والعيد يطالبون نجلا بالغناء):

حِلْيتْ بالعيد السهرية بدنا من نجلا غنية (2)

يا نجلا يا شلْح الزَّنـْبق يا شلال زهور وشلق

يا وردة مزروعة بْفيـِّة هاتي غنية غنية

يا نجلا يا شلح الزنبق يا شلال زهور وشلق

يا وردة مزروعة بـْفيِّة هاتي غنية غنية

(نجلا، مزهوَّةً بالنصر أمام شاهين وبالبرهان على كفاءة الضيعة، تشرع بالغناء وقد تألَّق وجهها دلعاً بعد سماع أبيات الغزل من شاهين الذي تحبه من كل قلبها وتغني له وليس لغيره):

(الموال)

تنهَّدْ يا قلبي ودقّْ عا باب الحلو

بلكي بيفْتحلك وهيك بتسألو

و مْنسألو شو بدَّلو شو ها لْجفا

وبعدنا والعمر بعدو بأوَّلو ... أوف .. أوف .. أوف يا با ..



يا أمي طلّْ مْن الطاقة و عليي دلّْ مْن الطاقة

شلحْلي فلّْ مْن الطاقة و غمزْني وفلّْ مْن الطاقة



و يا أمي صوتو بكَّاني لما حاكاني

حسَّيتْ بْحالي تعبانة ومتل الفزعانة

صار يْقلَِي مُشْ مشتاقة قلتلُّو بُكرا منتلاقى (2)

و يا أمي طل من الطاقة ...



قاللي من الوردة الجورية هديني شي هدية

قلتلو الناس حْواليِّي بيشتلقو عليّي

شفْت الوردة حنُّو وراقا مدري كيف عطيتو باقة (2)

و يا أمي طل من الطاقة ...



هذه الأغنية الرائعة من تلحين فيلمون وهبي، تؤديها نجلا صاحبة الصوت العذب والدلع الأنثوي تتجاوب معها جوقة الفتيان والفتيات مما يزيد شاهين حباً فيغني مُغرَماً بنجلا بحيويةٍ يهبُّ معها الشباب والصبايا إلى الدبكة حيث قدمت لهم الفرقة الموسيقية مدخلاً بديلاً عن الموال الذي أجله شاهين لنهاية الأغنية:

يا أم الضَّفاير حلوة والجبين العالي

مضْوي جمالك مضْوي مْشَعْشع بالليالي

الكورس يردد وشاهين يعيد الكوبلة:

عْيونكْ واللون الأخضر وقلوب التتحسر

يا خصرك منتور مزنـَّر شو بْتخطر عَ بالي

الكورس: يا أم الضَّـفاير حلوة ..



لوحي بالغرّة الغضَّة وزهور المبيضَّـة

قلبي ياما وياما قضَّى من حبك الغالي

الكورس: يا أم الضفاير حلوة ..



موال:

يا وردةِ اللي ألفْ شوكةْ سورها

إلا طيور الوعر ما بتـْزورها

بوابة اللي كلها شمس ودفــا

ياريتني يا ريتني ناطورهـــا



ميلي ببراجك ميلي وخلِّيكي مقابيلي

لما بإيدكْ توميلي بيجيكي لحالي

الكورس: يا أم الضفاير حلوة ..



اختيار كلمات الغزل والإعجاب الكبير بنجلا في هذه الأغنية اللطيفة يعكس شاعرية مبْكرة عند الرحبانييَّن أساسها التصاق هذين العملاقين بالطبيعة الجبلية الخلابة من جهة والصدق العميق في مشاعر الحب من جهة ثانية والثقافة الواسعة في الشعر والموسيقا والأدب من جهة ثالثة. هذه الأرضية خلقت عند الرحابنة إمكانياتٍ هائلة للإبداع الفني والأدبي وقدرةً خارقةً على تكديس الصور أمامنا بسخاءٍ لم يعرفه أدبٌ غنائي آخر على الإطلاق، قال عاصي:

"إن الرائعَ هو ما كان منسجماً ومتناسقاً مع الطبيعة والحياة".

الوردة التي تشكل سوراً لها آلافُ الزهور حمايةً لها من العابثين وغير المرغوب بهم لها بوابة وحيدة تـُدْفِئـُها شمسٌ حنون .. يحلم شاهين أن يكون ناطورها !!

تختم الأغنية بلحن يتهادى مع انخفاض متدرج في الصوت يصاحب المغادرة



وتنتهي سهرة العيد .. يودع الأصحاب بعضهم البعض وتودع الضيعة ضيوفَها ويغادر شاهين وقلبُه ما يزال يرفرف لنجلا .. شِلـْحِ الزنبق ذات العينين الساحرتين والصوت الحلو والضفائر المتدلية فوق الكتفين والجبين العالي، بينما يتابع أهلُ الضيعة أحاديثََهم عن السهرة والعيد وأغانيه وصوت نجلا وصوت شاهين وما خلقاه من فرح وسعادة ..



ساحة الضيعة في الأدب الرحباني جزءٌ لا يتجزأ من عناصر العمل الدرامي وقد استخدمها عاصي ومنصور أفضلَ استخدام منطلقـَين من مكانتها في حياة أهل الضيعة. فعلى مر العصور كانت الساحة، وهي الفسحة الكبيرة التي تقع في قلبها ومنها تتفرع الطرق إلى الحارات في أطرافها رابطةً إيّاها بالضِّيع المجاورة، مَلْقى أهلِها في جلسات الأنس المسائية وأيام الأعياد والأعراس والمناسبات المختلفة وحتى الحزينة منها. لذا أصبحت الساحة لصيقةََ حياة الناس وشاهدَ تحركاتهم ونشاطاتهم ومخزن الحكايا والذكريات. عينُ الماء والطريق إليها هما الآخران عنصران جماليان على مستويي الزمان والمكان وظَّفهما الرحبانيان بنجاح وجمالية ممتعة في نقل معلومات معينة أو أخبار أو في نقلنا من حالة إلى أخرى أو من زمن لآخر.

بانتهاء سهرة العيد، التي لم يعرِّف السيناريو مناسبتَها كي يجعلنا نرى الساحة زاهيةً دوماً وأهل الضيعة في حالات فرح وبهجة دائمة، تنقلنا الموسيقى الهادئة إلى اليوم التالي وقد انبلج الصباح ورمتِ الشمس بأشعتها الذهبية على الحقول والبساتين بأشجارها الباسقة وأوراقها الساحرةِ النضارة والاخضرار وبراعمها التي لم تتفتح بعد. وأوَّلُ ما تتنفس الضيعة به في صباحها الباكر رحلةُ الصبايا إلى العين لملء جرارِهن من مياهها الرقراقة الطيبة وهن يتحدثن عن سهرة العيد ويتذكرن الفرح والسعادة:

حديث شاعري:

- شو كان مْبارح هالعيد // شو زينة وشو عناقيد //

شو غنُّـو نجلا وشـاهين // وشو زرعو مواعيد //

- شاهين .. يِهْدر صوتو متـْل الرِّيح بْصنين

- وهُوِّي .. متـْل الشاهين



وكما كانت الحال في الساحة التي استعرض المخرج فيها عبر ألوان الفرح وبهجة العيد شخصياته الرئيسية التي ستتفاعل مع الحدث الدرامي في المشاهد اللاحقة، قدمت لنا العينُ ما عندَها من أسرار العُشْق وحكاياه. إلى العين، حيث تقف الصبايا وتتحادثن لبعض الزمن قبل العودة، يتقدم (مرْهج القلاعي) الذي تتحاشى البناتُ الاحتكاكَ به والتحادثَ معه .. فمرهج صعلوك منبوذ وليس له في الضيعة بيت ولا أرض ولا أقارب أو أصدقاء .. لقد اختار لنفسه الصعلكة والتسكع في أحراج الضيعة أسلوباً لحياته عزله عن أهلها .. ولكنه ما فتيء يقترب بين الحين والآخر مُلاحقاً بنظراته الفتيات الجميلات وحسرةٌ تملأ قلبه الكسير فيدور الحوار المنغَّم التالي:

- شو قلتوا؟

- مين ؟! .. مرهج القلاعي!! .. شو بدك يا مرهج؟

يقترب معترضاً على ما سمعه من حديث لم يرق له على ما يبدو:

- قلتو شاهين!!

- شو ما سْمعت تخمين؟ ومبارح بهالعيد تـلاَّ الدني تْلاحين!

- لأ .. نجلا صوتا أحلى

- نجلا وشاهين // تـْنَينْهن حلوين // كانو مبارح هيكْ مِلْهيِّين//

زرعو الأرض ياسْمين وحْساسين

يستشيط مرهج غضباً .. فهو لا يريد أن يسمع اسم شاهين إلى جانب اسم نجلا .. بعصاه الغليظة يخبط أرض العين معبراً عن هذا الغضب فتحتج إحدى الفتيات:

- طـُولْ عمرك هيك يا مرهج // لافي عَهالضيعة مدْري مْنين //

مئذي إنتْ يامرهج // ليش تا جرَّحْت أرض العين //

شو إنتْ يا مرهج // مرهج القلاعي //

مربى الحراش السود // إبن القلاعي //

صوتو حلو شاهين .. شو بيئـْذيك //

صوتو حلو نكاية .. نكاية فيك ..

غنَّى لـْنجلا وقلـّْها تْلاحين ..

زرعو الأرض ياسْمين وحْساسين

شو زعـَّلكْ؟

بتحبها ؟! بتحبها تِخْمين !!

يزداد مرهج غضباً فيخبط بعصاه ثانية:

- بس !!



بعد مشهد العين نستعرض مشاهدَ من حياة الناس وأشغالِهم اليومية في المنازل والأرض والطاحونة وعلى الطريق .. تعبِّر عنها الفرقة التي تردد بالتناوب مع (نصري) وهي تؤدي الدبكة الجماعية بحيوية تتلاءم وموضوع الأغنية ومكانها وما يتطلبه من حيوية تظهرها حركات الخِفَّةِ المتناسقة، وهي من ألحان فيلمون وهبي:

عَمْتغزل عَمْتغزل تحت التينة على جَرْش البرغل وتـْلاقيني

...

عَ مَطْحنة وحدي نْكون سْويـِّة ونصير نحكي ونحكي بالسهريـِّة

إلخ ..



الأغنية في الأدب الرحباني متميزة بما تذخر به من غِنى في كافة عناصرها – اللحن والكلمات والأداء.. يستمتع من يستمع إليها مستقلة عن العمل المسرحي الذي أُلفتْ من أجله ولكن الاستمتاع يكون أكبرَ وأعمقَ عند الاستماع إلى نفس الأغاني من خلال العمل. وفي كل الأحوال لم يترك الرحبانيان ومعهم مؤلفو أغاني مسرحياتهم الخالدة فرصةً إلا واستخدموها ببراعة لتحميل أغانيهم أحلى المعاني وأقوى التعابير وأجمل الصور عن حياة الناس وعلاقات المحبة والتعاون بينهم وعن قدسية الوطن وترابه وجماله وخيره الدافق وعن حب العمل والاستمتاع به وعن الفرح والمسرة. ها هو المختار يغنِّي للطاحونة وخيرِها المشرور وحيوية الرجال المنهمكين بنقل الحنطة والطحين والبرغل فيما تتغندر الفتيات وهنَّ يغزلْن الصوف تحت فيء شجرة التين، في صور لا تخلو من الإشارة إلى أيام الصيف كي تجعلنا هذه الأغنية نشعر بالزمن وقد مرَّ بنا من العيد الأول باتجاه الشتاء فالعيد الثاني!

وتمر الأيام ..

نجلا كباقي صبايا الضيعة تتلذذ مشوارَ العين يومياً مع أولى خيوط الضوء تستنشق نسائم الصباح الباردة الملونة بإيقاعات حركات الناس إلى حقولهم وأعمالهم وتـُمتِّع ناظريها بلوحات الطبيعة الخلابة وألوانها الساحرة وتآلفاتِها البديعة فتتحرك عندها مشاعرُ الغبطة والسعادة وتتذكر الحبيب الذي حنَّ له قلبُها وقد مر زمنُ دون أن يسعدَ بلقائه هذا القلب الفتيُّ العاشق فتنتطلق بأغنية فردية هادئة ولحن حزين (اللحن لفيلمون وهبي)، مخاطبة (طير الزعرورة) تطلب منه السفر إلى حبيبها وتسليمه صورتها والتحدث إليه:

يا طير الزَّعرورة .. وَدِّيلو هالصُّورة

وقلو بالقفص عَ العين .. علْقانة شحرورة

...

قلو يطلّ عليِّ .. وما ينْسى الهْدية

وَعَدْتو بْغنيـّة .. وَعَدْني بـْتنورة



وحْياتك وحيْاتك .. روحْ صوبو وحياتك

خدلو عَ جْناحاتك شي وردة زْغيُّورة

وياطير الزعرورة ..



لكأن منصور في ذاك الزمن يقدم هذه الأغنية أيضاً (علقانة شحرورة) هديةً لصباح التي لُقِّبتْ بـ (الشحرورة أو شحرورة الوادي) تكنياً بعمَّها (الشحرور)، شاعرِ الزجل اللبناني الكبير أسعد الفغالي.

نجلا التي تختلف عندها، كما هي الحال عند الآخرين، أيام الفرح والعيد عن الأيام الأخرى التي ينشغل فيها الرجال بأعمالهم وتدبيراتهم المتعلقة بشؤون الأرض والبناء والتجارة والأعمال، لم تكن تتوقع أن ترى شاهين كثيراً .. فهو من ضيعة ثانية ويتردد إليهم في مناسبات منها أعياد القِطاف ومواسم القز وما شابه ذلك. مع أنها كانت تتمنى أن ترى شاهين الذي رأت فيه الرجولةَ التي أُغرمتْ بها والشاعرية التي تتوق إلى مرافقتها والحب الكبير الذي تحلم به. في العيد الماضي، عيد الضيعة المحبَّب إلى قلوب أهاليها غنَّى لها شاهين وتغزَّلَ بصوتها ووجهها النضر وجبينها العالي وضفائر شعرها الذهبي ولباسها الأنيق الناعم وقوامها الفاتن .. وهي بدورها غنَّت لشاهين فكان العيد الذي (ملأ الأرض بالياسمين والحساسين) ..

وما أن تهمَّ نجلا برفع جرتها المليئة بماء العين إلى كَتِفِها استعداداً للعودة إلى البيت حتى تحينَ منها التفاتةٌ جانبية فترى شاهين وقد قدِم من بستانه البعيد حالماً برؤية نجلا فكان له ما تمنى. حيَّاها فَرِحاً بقالبٍ غنائي منغـَّم معبراً عن شوقه الكبير:

- الله معـِكْ يا زنبقةْ بالفيّْ

نجلا فرحةً تبدي دهشتَها وتسأل بنفس الطريقة الغنائية:

- شاهين شو جابك عَ ضيعتنا

- ما فيش بـِهالعين شربة ميّْ؟

- بـْتسْقيك وبـْتفرح مْوَيـِّتنــا

تقدم نجلا الماء لشاهين فيشرب بمتعة وتلذذ .. فالتي روت ظمأه حبيبةٌ لها في قلبه مكانةٌ كبيرة وتذكِّرُه بسعادةِ أيامٍ مضتْ:

- بتتذكَّري بالعيد؟

- بتـْذكر

- غْنــاني وحكي ونْبيد!

- بتذكر

- وصوتك ضُوي بشـْرايط وزينه

وغِمِرْ شعرك هالمدرَّى غِمِرْ ..

يا لفـْتة البعدا بْتكويني ..

وتروح تشْلَحْني ععيد العمر

- وبعد هاك العيد شو عاد صار

لما رْجعتْ عاضيعتكْ شاهين

لا شالْ لوَّحـْلكْ ولا زنـَّارْ

وْضيعتكْ كلا حلا وْحلوين !

- غَمْزت الشَّمس دْراج ضيعتنــــا

وشفْتك يا نجلا من الشَّمس أحلا

حلْوين في عِنَّا بْجيرتنا

وكلّْ حلوة بْشوفها نجلا ..

- والْمَحِرْمِة اللي خدْتها مني؟

- جايي أنا عَ عين ضيعتكن

جايب معي بَدالا لَحلوتكن .. لوّحي فيها سألي عني ..

- ولوين؟

- رايح

- هيك؟ّ

- لا حكينا .. نحنا ولا يدرى حدا فينا

- ولا بعد نتلاقى؟

- مْنتلاقى .. بكره عَ قطْف القز لاقينا

- قطف الحرير؟

- موسم القز

- موسم العز .. قطف الحرير ..

ويقفلان معاً بلحن يمتزج فيه الحزن بالحب والتفاؤل:

كتير كتير يا قلبي كتير .. بدَكْ تنْطر موسم الحرير (2)

- غَدِي عَ قطف القز لاقينا

- غدي عَ قطف القز لاقينا

- لاقينـــا



اللقاء الشتوي الحزين، الذي قطع حلم نجلا وشكـَّها بجدوى حبها الكبير لشاهين وغرامه بها باليقين الذي صارحها به، انكسر معه قلبُها ولم يبق لها إلا الكتمان وطيِّ قصة الحب البريء والعودة إلى الضيعة وجمالها وأهلها المتحابين المتعاونين والذين يحبون نجلا ويتفاخرون بها. هذا اللقاء الذي تم على انفراد لم يسمع أحد بما دار خلاله من حديث بين العاشقـَين إلا أن الفضوليين من فتيان الضيعة، ممن لا يروق لهم أن يروا شاهين، الغريب، وقد اختطف منهم حلوتـَهم، كانوا يراقبون من خلف الأشجار شاهين ونجلا ولقاء الغرام يجمعهما بعيداً عن الآخرين .. ولما كان الاثنان قد تبادلا أغاني الحب في أعياد الضيعة فإن ظنـَّهم بعلاقة الحب بين شاهين ونجلا قد ثبَّته اللقاء.



يتحاور الرقيبان سبع ومخول:

- هايدي مُشْ نجلا؟

- هايدا مُشْ شاهين؟

- ومدْري شو قلا

- الهيئة متّـفقين

- تعا تا نْخبـِّرْ .. مين ما شفنا منقلُّو نجلا حبّتْ شاهين!



الموسيقا تعزف لحناً تراثياً دون غناء (عبدو حابب غندوره وغيرا ما بدُّو .. وهاي غندورة مغرورة وعلقانة بعبدو) يرافق تحركات الشابين الخبيثين سبع ومخول لنشر خبر الحب بين شاهين ونجلا بالهمس في الآذان محوِّلـَين إياه إلى إشاعةٍ بين الأهالي بقصد النيل من غريمهما شاهين وقد تخلل الموسيقا والتهامس نظرةٌ من سبع لمخول وقوله: ولـَّعت !ْ في مشهدِ مرحٍ أراد المخرج أن ينهي به حالةَ الحزن التي تركنا فيها مشهدُ وداع نجلا وشاهين.



إلى الربيع، حيث ستبدأ مراحل التحضير لتفقيس القز، ننتقل عبر أغنية خفيفة تقدِّمُها نجلا الدلوعة التي يستجيبُ للـ أوف، ما أن تقولها لمرة واحدة، صبايا وشباب الضيعة فيشكلوا سلسلةَ الدبكة، أميرةَ المرح والسعادة:

عَ الليْلكي عَ الليْلكي ... زهْر العاصدْرك ليْلكي

مشمش بْعلبكْ ما اسْتوى .. لولا اسْتوى جبْنا ليكي



الأخوان رحباني يقدمان العمل الرائع على مسرح مدينة بعلبك الأثرية ضمن فعاليات مهرجانها السنوي .. وبعلبك مدينة مضيافة أهلُها يتحلّون بالكرم والجود وبحبهم للفن أما بساتينها فالخير فيها دفـَّاقٌ وأشجار المشمش تتراقص أغصانها بأزهارها الليلكية اللون على ألحان عمالقة الفن .. والشاعر منصور الرحباني لا يوفر فرصةً يعرب فيها عن امتنانه وتقديره ومحبته لأية قرية على امتداد الوطن اللبناني الكبير فكيف إذاً مع بعلبك المضيافة الضاحكة لضيوفها على الدوام:

خيَّال بـِراس الجردْ .. يرْمحْ ويخْطرْ بالجردْ

وسألتْ عن لون الوردْ .. ردُّو وِقالو ليْلكي

...

مشمش بْعلبك هالسّنة .. تعوَّقتْ عَ الحلوين سنة (2)

بْتحلا دني بْتعْبُسْ دني .. إنتي ضْحكي وضَلي ضْحكي

...

يا قلبْ يا قلبي الحلو .. يا طفلْ يا صْغيـَّر حلو

روح اشْتكي مِنَكْ إلو .. إلا إلو لا تشْتكي



عَ الليلكي عَ الليلكي ... زهْر العاصدرك ليلكي

مشمش بْعلبك ما اسْتوى .. لولا اسْتوى جبنا ليكي



وتستمر الصبوحة تغني لبعلبك وزهر المشمش الليلكي اللون بينما تنهي الفرقة الدبكة الجميلة وقد توجهت السلسلة خارجة من المسرح إلى الكواليس .. أما نجلا فقبل أن تترك الساحة يفاجئها صوت قادم من خلف الأشجار وحوار منغَّم مفْعم بالرومانسية كلماتٍ ونبرات:

- صوتك حلو نجلا

- مرهج القلاعي !!

- صوتك حلو نجلا .. تلاّ هالمراعي

- من أيْمتي مرهج بتسمعني؟ .. من أيْمتي بتْحبّ


"موسم العز" ... وطلب مساعدة (إذاً أمكن) مع شكري العميق !!! - جارة الوادي - 09-13-2006


عليك بساحة فنون يا سندي ..

واسلم لي
(f)


"موسم العز" ... وطلب مساعدة (إذاً أمكن) مع شكري العميق !!! - العلماني - 09-15-2006

اقتباس:  جارة الوادي   كتب/كتبت  
 
عليك بساحة فنون يا سندي ..

واسلم لي
(f)

يعني يا سندي دخلك قراء ساحة الفنون لا يأتون إلى هنا؟

بتعرفي يا جارة ... كنت - زمان - قد وجدت جزءاً من هذه المسرحية في مساحة مخصصة للأغاني اللبنانية على النت. وحسبت، وقتها، بأنني "اصطدت" المسرحية كاملة، ولكني انتبهت بأن ما كان موجوداً ليس إلا "اغاني موسم العز".

عموماً، ها نحن من المنتظرين ... لعل وعسى !!!

(f)

واسلمي لي
العلماني


"موسم العز" ... وطلب مساعدة (إذاً أمكن) مع شكري العميق !!! - جارة الوادي - 09-15-2006


ربما يا سندي يفعلون وربما لا...
لكني على يقين أن فنان ساحة فنون يلبي كل الطلبات التي يستطيعها هناك ....

(f)