حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) (/showthread.php?tid=15110) |
الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 تحياتي وزعت مجلة السياسة الدولية قرصا مدمجا تحت عنوان "الطاقة النووية بين السلم والحرب".. قسمته الى محاوز ثلاثة.. 1- الملف النووي الايراني 2- الانتشار النووي 3 - من ارشيف السياسة الدولية وسأقوم بنقلهم الى هذه الساحة تباعا في سبيل تعميم الفائدة ------ إعلان الشرق الأوسط منطقة منزوعة السلاح النووى العدد ( 53) 1/7/ 1978 قسم خاص إعلان الشرق الأوسط منطقة منزوعة السلاح النووى وحيد عبد المجيد بدأ العالم يتنبه، منذ أواخر القرن الماضى، إلى أن إطلاق حرية الدول فى التسليح، ينطوى على أخطار جسيمة. فمنذ أن عقد مؤتمر لاهاى الأول فى 1899 بغرض إبرام اتفاقية دولية تحرم على الدول زيادة قوتها العسكرية فى وقت السلم، أخذ اهتمام الجماعة الدولية، بمشكلة نزع السلاح، بتصاعد على نحو مطرد، حتى باتت هذه المشكلة، بمختلف فروعها، أحد الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة، منذ نشأتها وقع التطور الهائل الذى يشهده العالم المعاصر فى التكنولوجيا، والتكنولوجيا النووية، وما يعنيه ذلك من ازدياد توفر الأساس المادى لتطوير أسلحة نووية لدى عدد متزايد من الدول، فقد برز مفهوم المنطقة اللا نووية nuclear-free zone ومفهوم المنطقة الخالية من الأسلحة النووية nuclear-weapon-free zone كوسيلة لمنع انتشار الأسلحة النووية فى مناطق مختلفة من العالم. وقد تم التوصل بالفعل، إلى عدد من الاتفاقيات الدولية لنزع السلاح فى مناطق معينة هى: الانتاركتا (القارة القطبية الجنوبية) ومنطقة الفضاء الخارجى، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة قاع البحار وأرض المحيطات والتربة تحتها. وكذلك قدم عدد من الاقتراحات، بإنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية فى وسط أوروبا ومنطقة المتوسط والبلقان، وأفريقيا، ومنطقة جنوب آسيا، ومنطقة الشرق الأوسط ويتناول هذا التقرير مفهوم المنطقة منزوعة السلاح النووى، والمشاريع المتعلقة بالشرق الأوسط بهذا الصدد ومواقف الدول المختلفة إزاء هذه المشاريع. مفهوم المنطقة الخالية من الأسلحة النووية (1): أ - نشأة المفهوم ومدلوله: تشمل المناطق المنزوعة السلاح، بالمعنى الواسع، كل تسوية دولية تتم بناء على اتفاق دولى ثنائى أو جماعى، بقصد إبعاد إقليم معين، سواء لمدة مؤقتة أو لمدة غير محدودة، عن كل عمل من أعمال الحرب، أو الأعمال التحضيرية لها، وتعتبر المناطق الخالية من الأسلحة النووية، أحد التطبيقات النوعية للمناطق المنوعة السلاح بالمعنى العام، حيث يتم تجريد المنطقة من الأسلحة النووية، فى إطار اتفاق دولى، ولذلك ينظر إلى فكرة المناطق الخالية من الأسلحة النووية، باعتبارها وسيلة لتأكيد تجريد مناطق مختلفة فى العالم من الأسلحة النووية، وللوقاية من انتشار الأسلحة النووية. ويعنى نزع سلاح المنطقة، إخلاءها من الأسلحة والمعدات والمنشآت والقواعد العسكرية، وتحريم مباشرة أى نشاط عسكرى فيها، والسلاح النووى، هو أى سلاح تنطلق بواسطته طاقة نووية دون سيطرة عليها، ويكون لها من الخصائص، مما يجعله صالحا للاستخدام فى الأغراض العسكرية. ولقد نبع مفهوم المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، من إدراك حقيقة أن عددا من الدول فى مناطق مختلفة من العالم تستطيع أن تمتلك القدرة على تطوير أسلحة نووية خلال فترة قصيرة، وأنه من المحتمل، أن يتزايد عدد الدول التى تقرر أن تفعل ذلك، مما يؤدى إلى سباق للتسليح النووى فى هذه المناطق، وإضافة مخاطر جديدة للحرب النووية فى موقف دولى ملئ بالأخطار كان هناك أيضا الشعور بأن جهود الحد من انتشار الأسلحة النووية لم تنجح تماما، وكذلك فإن الزيادة السريعة فى استخدام الطاقة النووية فى الأغراض السلمية، والخطر الكامن فيها، باعتبارها أساس ماديا لانتشار الأسلحة النووية، أضاف عاملا جديدا للاهتمام بمفهوم المنطقة الخالية من الأسلحة النووية واهتمت الجمعية العامة فى دورتها التاسعة والعشرين، بمشروع القرار الذى تقدمت به فنلندا تحت بند (نزع السلاح العام والكامل) ويدعو إلى قيام فريق من الخبراء الحكوميين، تحت رعاية مؤتمر لجنة نزع السلاح. بإجراء دراسة شاملة لمسألة المناطق الخالية من الأسلحة النووية من جميع جوانبها ووافقت الجمعية العامة على إجراء هذه الدراسة فى قرارها رقم 3261. وألحقت بهذه الدراسة عند إنجازها، ورقة عمل مقدمة من المكسيك، وتتضمن اقتراحا بتعريف محدود لمفهوم المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، وقامت الجمعية العامة باعتماده رسميا فى قرارها رقم 3472 لعام 1975، وذلك فى شكل إعلان يتضمن تعريف مفهوم المنطقة الخالية من الأسلحة النووية على النحو التالى: تعتبر منطقة خالية من الأسلحة النووية كقاعدة عامة، أية منطقة تعترف بصفتها هذه الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتنشئها أية مجموعة من الدول، على سبيل الممارسة الحرة لسيادتها، وذلك بمقتضى معاهدة أو اتفاقية يجرى بموجبها ما يلى: 1- تحديد نظام الخلو التام من الأسلحة النووية الذين تخضع له المنطقة المعنية، بما فى ذلك الإجراء الخاص بتعيين حدود المنطقة. 2 - إنشاء جهاز دولى للتحقيق والرقابة، لضمان الامتثال للالتزامات الناشئة عن ذلك النظام. ب - الشروط اللازمة لنجاح إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية: يفترض إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، توفر عدد من الشروط الضرورية لنجاح هذه المنطقة، فى مقدمتها. أولا: الالتزامات المتعلقة بالمنطقة: وهذه الالتزامات، يجب ن يتم التعبير عنها رسميا فى المعاهدة المنشئة للمنطقة، ويحسن ألا تكون محدودة بمدة زمنية معينة، وهى يعنى ثلاث مجموعات من الدول كما يلى: 1 - دول المنطقة المعنية: يجب التأكيد على أن دول المنطقة، لن تنتج أو تجرب أو تملك أو تحصل بأية وسيلة أخرى على أسلحة نووية، وأنها لن تسمح لأية دولة أخرى بتخزين أو وضع هذه الأسلحة على إقليمها. كما يجب أن تتفق دول المنطقة، على التعهد بعدم تلقى أية مساعدة فى مجال إنتاج الأسلحة النووية، وعلى نبذ الاستخدامات العسكرية للطاقة النووية. 2 - الدول النووية: يرى معظم الخبراء، ضرورة التزام الدول النامية، باحترام وضع إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، فلا تستخدم أو تهدد باستخدام الأسلحة النووية، ضد أية دولة من دول المنطقة، كما يتضمن ذلك، التعهد بعدم إرسال أسلحة نووية إلى المنطقة، أو سحب هذه الأسلحة إذا كانت قد قامت بإرسالها فى الماضى، وإذا كانت لهذه الدول قواعد أو منشآت عسكرية فى المنطقة، فيجب ألا تضع فيها أسلحة نووية، وأن تسمح بإخضاع هذه القواعد للمراقبة والتفتيش، كما ينبغى أن تمتنع الدول النووية، عن إمداد دول المنطقة بأية مساعدة، قد مكنها من إنتاج أو الحصول على أسلحة نووية ويثار فى هذا الصدد، الحوار حول ما إذا كان للدول النووية، أن تحتفظ بحق إعادة النظر فى التزاماتها تجاه المنطق الخالية من الأسلحة النووية، فى حالة إذا ما قامت إحدى أو بعض دول المنطقة، بعدوان أو شاركت فيه، فبينما يرى بعض الخبراء، أن هذا حق الدول النووية، يذهب فريق ثان، إلى أن احتفاظ الدول النووية بهذا الحق، يفقد المنطقة جزءا أساسيا من فعاليتها، فى حين يقترح فريق ثالث، أن تحتفظ الدول النووية بحق إعادة النظر فى التزاماتها تجاه طرف فى المنطقة فقط، فى حالة قيام هذا الطرف بعدوان يلقى فيه تأييد أو مساعدة من دولة نووية. 3 - الدول الأخرى: فعلى الدول الأخرى (من خارج المنطقة وغير النووية)، أن تلتزم بعدم القيام بأى نشاط يعرض فعالية المنطقة للخطر، وبوجه خاص، عدم إمداد دول المنطقة بأية مساعدة قد تقود إلى تطوير أو إنتاج أسلحة نووية ولهذا الالتزام أهمية خاصة، فى حالة الدول التى تمتلك تكنولوجيا نووية متطورة. ثانيا: ضمان أمن دول المنطقة: تعتبر مسألة ضمانات الأمن، من المسائل التى لم يتوصل الخبراء إلى اتفاق كامل بشأنها غير أنه مما أمكن التوصل إليه، اعتبار أن المقدمة المنطقية التى يجب أن تقوم عليها أية منطقة خالية من الأسلحة النووية، هى امتناع الدول المعنية، بأن أمنها ومصالحها الحيوية يمكن تدعيمها من خلال المشاركة فى إقامة المنطقة ومع ن تحديد الأمن القومى للدولة، أمر يتعلق بالسياسة القومية لهذه الدولة، فإن الكثير من الخبراء، يعتقدون أن وجود أسلحة نووية فى منطقة ما، يهدد أمن دول هذه المنطقة، ومن هنا يوجد نوع من الاقتران بين المصالح القومية والإقليمية فى المناطق التى لا توجد بها أسلحة نووية، بصدد تأكيد غيابها الكامل فيما يختلف الوضع فى المناطق التى أدخلت فيها أسلحة نووية، إذ تثار قضايا خاصة، بشأن أمن كل دولة وهذه القضايا يجب أن تؤخذ فى الاعتبار، لدى إقامة منطقة من هذا النوع ويمكن القول بوجود اعتقاد سائد، مؤداه أن الشرط التى يمكن فى ظلما للمناطق الخالية من الأسلحة النووية أن تحقق الأمن، إنما تختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى. ولما كانت اعتبارات الأمن، وإدراك الدول المختلفة لها تتنوع، فإنه ليس واقعيا، وضع خطوط عامة دقيقة فى هذا المجال، ولذلك فعلى الحكومات نفسها، أن تقرر متطلبات أمنها ومصالحها القومية، وتثار فى هذا المجال، قضية إذا كانت إحدى أو بعض دول المنطقة، عضوا فى أحلاف عسكرية، فيرى بعض الخبراء، أن هذه العضوية تعوق إنشاء المنطقة، بينما يرى آخرون، أن هذه العضوية، حال وجودها، لا يجب أن تبرر أى استثناء من الالتزامات التى ترتبها المعاهدة المنشئة للمنطقة، بل ويذهب بعضهم، إلى أن هذه الأحلاف حتى لو كانت تضم دولا نووية، ولا يوجد فى الغالب إلزام صريح للدول النووية، بمساعدة حلفائها بكل الوسائل، بما فى ذلك السلاح النووى، ومع ذلك يقررون بأن المسألة قد تكون معقدة، إذا كان هناك اتفاق - فى إطار معين- على إعطاء تسهيلات نووية. ثالثا: نظام فعال للرقابة والتفتيش: فيجب أن تشتمل المعاهدة المنشئة للمنطقة الخالية من الأسلحة النووية، على نظام فعال للرقابة، بغرض التأكد من الامتثال الالتزامات. كما يجب أن تتبنى الدول المنضمة إلى المنطقة، ترتيبات تؤدى إلى تعزيز الثقة فيما بينها من ناحية، ومع الدول الأخرى خارج المنطقة من ناحية ثانية، فى إطار تأكيد أن أى نشاط تقوم به الدول الأعضاء يجب ألا يترتب عليه أى مساس بالتزاماتها، ويرى كثير من الخبراء أن نصوص المعاهدة المنشئة للمنطقة، يجب أن توجد نوعا من الصلة بين هذه الترتيبات. وبين نظام الأمن للأمم المتحدة. إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط: أولا: المبادرة الإيرانية - المصرية: يجدر التنويه - بادئ ذى بدء - بأن قضية نزع السلاح، متضمنا السلاح النووى، فى منطقة الشرق الأوسط، كان قد سبق إثارتها، على نحو هامش، فى الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك فى إطار المشروع الذى قدمته أيرلندا إلى اللجنة الأولى فى 28 أكتوبر 1960 والذى اختص القسم الثانى فيمن (بإنشاء مناطق أربع منزوعة السلاح بحكم القانون، تشمل الشرق الوسط، وأوروبا الوسطى، وأفريقيا الوسطى والغربية، وجنوب شرق آسيا) ولكن الجمعية العامة، عندما أصدرت القرار رقم 1576 لسنة 1960 فى هذا الصدد، جاء خاليا من القسم الخاص بإنشاء مناطق منزوعة السلاح، وأن كان قد تضمن دعوة للدول التى تمتلك أسلحة نووية، بعدم إمداد الدول لا تملكها بأية مساعدات فى هذا المجال، وكذا دعوة للدول التى لا تملك الأسلحة النووية، لأن تمتنع عن صناعة هذه الأسلحة، أو الحصول عليها(2) كما أثير الموضوع مرة أخرى، على نحوها هامشى أيضا، عندما تحدث شاه إيران عام 1968 عن فكرة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط. تعزيزا للسلم والأمن الصعيدين الإقليمى والدولى (3) ويمكن القول، بأن الطلب الذى تقدمت به إيران لإدراج بند (إنشاء منطقة لا نووية فى الشرق الأوسط) فى جدول أعمال الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة 1974، هو أول مبادرة جدية لإثارة الموضوع، والاهتمام به، ومتابعته، وإدراجه كبند مستقل فى جدول أعمال الجمعية العامة ففى رسالة مؤرخة فى 15 يوليو 1974، وموجهة من القائم بالأعمال بالنيابة للبعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة(4) طلبت إيران مناقشة الموضوع. وقد أرفقت بهذا الطلب، مذكرة إيضاحية (5) ورد فيها أن تعزيز السلم والأمن الدوليين، كان على الدوام هدفا أساسيا لسياسة إيران الخارجية، وأن طلب مناقشة موضوع إقامة لا نووية فى الشرق الوسط، يأتى فى إطار هذه السياسة، وأنه رغم أن فرص تطبيق خطة شاملة لجعل الشرق الأوسط منطقة لا نووية، تبدو أفضل من ذى قبل، فإن ازدياد فرص الحصول على التكنولوجيا النووية، يجعل من خطر انتشار الأسلحة النووية مشكلة أكثر حدة. وبعد أربعة أيام من تقديم الطلب الإيرانى، وفى 19 يوليو 1974، أرسل القائم بالأعمال بالنيابة للبعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة د. أحمد عثمان رسالة إلى الأمين العام، لإبلاغه بقرار مصر الاشتراك فى الطلب المقدم من إيران، لإدراج بند بعنوان (إنشاء منطقة لا نووية فى الشرق الأوسط)(6). وفى 2 أغسطس 1974، وجهت كل من إيران ومصر، رسالة مشتركة إلى الأمين العام، لطلب تغيير عنوان البند المطلوب إدراجه فى جدول الأعمال من (إنشاء منطقة لا نووية فى الشرق الوسط establishment of unclear-weapon- free zone in the region of the middle east وفى 16 سبتمبر 1974، أرسل ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، رسالة يميل فيها إلى الأمين العام نص الرسالة الصادرة عن شاه إيران، ورد فيها التحذير من أن ازدياد استعمال الطاقة النووية، وانتشار المعرفة العلمية، يجعلان من السهل امتلاك أسلحة نووية، وأن هذا - فى إطار الأوضاع السياسية للشرق الأوسط - قد يؤدى إلى أكثر من مجرد تورط الخصوم فى سباق التسليح النووى أحمق مبدد للطاقات. أما أشير فيما إلى وجود مصاعب تجعل من إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الوسط، أمرا غير يسير المنال، وإلى أنه من الممكن التوصل إلى النجاح بالتصميم والصبر وبتأييد الأمم المتحدة (8). وكتتويج لهذه المبادرة، قدمت إيران ومصر، مشروع قرار إلى الجمعية العامة فى دورتها التاسعة والعشرين، ينص على أن تدعو الجمعية جميع الأطراف المعنية بإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، إلى الإعلان فورا عن عزمها على الامتناع، على أساس متبادل، عن إنتاج أسلحة نووية أو حيازتها على أى وجه آخر، وإلى الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأن تطلب الجمعية العامة إلى الأمين العام، استطلاع أراء الأطراف المعنية بشأن تنفيذ هذا القرار، وتقديم تقرير عن ذلك إلى مجلس الأمن وإلى الجمعية العامة فى دورتها الثلاثين (9). ثانيا: مواقف الدول تجاه اقتراح إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط: 1 - دول المنطقة - الإطار الإقليمى: أدولتا المبادرة: إيران ومصر: تعتبر إيران هى صاحبة فكرة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، فهى التى عبرت عنها بشكل متكرر (10) كما تعتبر مصر، أول دولة سارعت إلى المشاركة فى تقديم طلب إدراج هذا الموضوع، كبند مستقل فى جدول أعمال الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة. وفى المناقشة التى دارت خلال هذه الدورة، قدمت مصر ثلاثة مبادئ أساسية، اعتبرتها متصلة بالمناقشة حول إقامة المنطقة المقترحة، وهى: -ضرورة امتناع دول المنطقة عن إنتاج الأسلحة النووية أو حيازتها أو امتلاكها. -ضرورة امتناع الدول الحائزة للأسلحة النووية، عن إدخال هذه الأسلحة إلى المنطقة، وعن استعمالها ضد أى من دول المنطقة. -ضرورة إنشاء نظام ضمانات واف بالغرض، يسرى على الدول الحائزة للأسلحة النووية، وعلى دول المنطقة(11). وأكدت مصر أيضا، على ضرورة ألا يحول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، دون تمتع الأطراف بالفوائد المترتبة على استخدام الطاقة الذرية فى الأغراض السلمية ولا سيما فى سبيل الإنماء الاقتصادى للدول النامية. وعند قيام إيران ومصر، بتقديم مشروع قرارهما إلى الجمعية العامة، كان من رأى الدولتين، أن إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية يجب أن يكون أمرا مكملا لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. واسترعت مصر الانتباه إلى أن مشروع القرار يدعو، على وجه الخصوص، الأطراف المعنية فى المنطقة، إلى الانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التى تعتبرها مصر شرطا أساسيا مسبقا لإنشاء أية منطقة خالية من الأسلحة النووية لها فعالية وفى هذا الصدد، وعدت مصر بالتصديق على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، عندما تنضم إسرائيل إليها وتجدر الإشارة، إلى أن الجمعية العامة اعتمدت مشروع القرار الإيرانى - المصرى فى 9 ديسمبر 1974 بوصفه القرار رقم 3263 بأغلبية 138 صوتا دون معارضة، مع امتناع دولتين عن التصويت هما إسرائيل وبورما. وقامت إيران ومصر أيضا، فى الدورة الثلاثين للجمعية العامة عام 1975، بتقديم مشروع قرار جديد، يؤكد أسس القرار 3263 السابق الإشارة إليه، وهو المشروع الذى اعتمدته الجمعية العامة باعتباره القرار رقم 3474 بأغلبية 125 صوتا دون معارضة، مع امتناع كل من إسرائيل والكمرون، كما قامت إيران ومصر بذات الجهد فى الدورة الحادية والثلاثين للجمعية العامة لعام 1976، وهو ما نتج عنه اعتماد الجمعية العامة بقرار رقم 3171 بأغلبية 130 صوتا، دون معارضة مع امتناع إسرائيل فحسب (12). ب - إسرائيل: تعتبر إسرائيل الدولة الوحيدة فى المنطقة، التى عبرت عن موقف متحفظ تجاه اقتراح إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الوسط، فقد كان موقف إسرائيل، هو الامتناع عن التصويت عند عرض مشروع القرار الذى يدعو إلى إقامة هذه المنطقة على الجمعية العامة، وذلك فى الدورات التاسعة والعشرين والثلاثين، والحادية والثلاثين. وينطلق الموقف الإسرائيلى فى هذا الصدد، من الإصرار على ما يسمى فى التفكير الإسرائيلى (بالعلاقات الطبيعية) فى إطار السعى إلى اكتساب الشرعية الإقليمية، وفرض الاعتراف بدولة إسرائيل داخل الإطار الإقليمى للشرق الأوسط، ومن الواضح أن إسرائيل وجدت فى هذا الاقتراح، فرصة طيبة يمكن استغلاله فى هذا الاتجاه، فقد عبرت - فى مناقشات الدورة التاسعة والعشرين - عن رؤية مؤداها، أن التقدم نحو إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، إنما يمكن إحرازه على وجه أفضل، من خلال مشاورات مباشرة بين دول المنطقة، تؤدى فى النهاية، إلى عقد مؤتمر إقليمى بشأن هذه المسألة. واعتبرت أن الدعوة التى تضمنها مشروع القرار الإيرانى - المصرى، إلى إجراء مشاورات أولية بين الأمين العام وبين دول المنطقة، هى (غير عملية ومحبطة للغاية)(13). وأعادت إسرائيل تأكيد موقفها هذا فى الإجابات التى قدمتها إلى الأمين العام بأن الاستقصاء الذى قام به كمتابعة لقرار 3263 لسنة 1974، وإذ أصرت على أن الدول المعنية، يجب أن تدخل فى مفاوضات مباشرة فيما بينها (14). وأثناء الدورة الحادية والثلاثين وأثناء مناقشة البنود المتعلقة بنزع السلاح فى اجتماعات اللجنة الأولى، عبرت إسرائيل عن استعدادها للمشاركة فى مفاوضات لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط. وتفسيرا موقفها، أشار المندوب الإسرائيلى إلى أن إسرائيل امتنعت عن التصويت، بسبب الموقف السياسى القائم فى الشرق الأوسط، ولأن نص المودة لم يدع إلى المشاورات المباشرة التى تعتبر الوسيلة الوحيدة لتحقيق الهدف المرجو (15). ج - الدول الأخرى فى المنطقة: يمكن القول، بوجه عام، بأن الدول الأخرى فى المنطقة، وهى فى مجموعها دول عربية، قد عبرت عن موقف مؤيد من الناحية المبدئية، لفكرة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، وكان تصويتها فى كل من اللجنة الأولى والجمعية العامة، يتصف على الدوام بالإيجابية تجاه اقتراح إقامة هذه المنطقة. وقد تجاوزت بعض دول المنطقة موقف التأييد للاقتراح، إلى موقف المشاركة فى تقديم مشروعات القرارات المتعلقة بهذا الموضوع إلى الجمعية العامة ففى الدورة الثلاثين للجمعية العام، قامت كل من البحرين والأردن والكويت، وكذلك تونس، بالمشاركة فى مشروع القرار الذى كانت إيران ومصر أساسا بتقديمه فى 29 نوفمبر 1975 وفى الدورة الحادية والثلاثين، شاركت الكويت مع مصر وإيران فى تقديم مشروع القرار بشأن إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، ثم شاركت فى تقديمه بعد ذلك، كل من البحرين، والأردن، ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى موريتانيا والسودان (16) وتعتبر الكويت من دول المنطقة التى عبرت عن وجهة نظر متبلورة تجاه هذه القضية، واعتبرت أن الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من جانب كل من دول المنطقة، شرطا مسبقا وأساسيا لإنشاء المنطقة المقترحة، وفسرت الموقف الإسرائيلى، بأنه نتيجة لامتلاك إسرائيل لأسلحة نووية، وأكدت أن إنشاء هذه المنطقة، هو أسلوب فعال لمواجهة فظائع الحرب النووية (17) وعبرت الأردن عن ضرورة أن تتحمل الدول النووية مسئوليات محددة فى الامتناع عن إدخال الأسلحة النووية إلى المنطقة، وأكدت ضرورة انضمام جميع دول المنطقة إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وألا فسيبقى أمر تنفيذ قرار إقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية بعيد المنال (18) ومن الملاحظ أن بعض دول المنطقة، مع تأيدها بصفة عامة لاقتراح إنشاء هذه المنطقة إلا أنها تنظر بنوع من التشاؤم، إلى إمكان تنفيذ هذا الاقتراح بسبب الموقف الإسرائيلى. وربما تعتبر سوريا نموذجا لهذا النوع من الدول حيث طغى موضوع الصراع العربى - الإسرائيلى على حديث مندوبها فى اللجنة الأولى إبان الندوة الحادية والثلاثين للجمعية العامة، فقد أشار إلى أن القضية ليست اتخاذ قرارات وتوصيات لأنه يوجد الكثير منها، وإنما المطلوب هو الإرادة السياسية الطيبة، والنية الصادقة فى تنفيذ هذه القرارات (19) ويمكن القول بأن موقف الدول العربية عموما، هو التأييد المبدئى، للقرار، خاصة وأن هناك نسبة عالية من الدول العربية المعنية بالقرار، سبق أن انضمت وصدقت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ويلاحظ أن القاسم المشترك فى موقف هذه الدول، هو اشتراط التزام جميع الأطراف المعنية من جهة وانضمام جميع هذه الأطراف إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية من جهة أخرى، وكان التأكيد منصبا فى الأساس على ضرورة انضمام إسرائيل. د - الدول الكبرى - الإطار الدولى: اتخذت الدول الخمس الأعضاء فى النادى النووى (الاتحاد السوفيتى - الولايات المتحدة - بريطانيا - فرنسا -الصين) موقف التأييد لفكرة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، وجاء تصويتها فى صالح المشروعات الداعية إلى إقامة هذه المنطقة، غير أن هذه الدول- عدا بريطانيا - عبرت عن بعض التحفظات تجاه بعض الفقرات، أو تجاه المنهج المقترح. موقف الاتحاد السوفيتى: ينطلق الموقف السوفيتى اعتبار أن إقامة المناطق الخالية من الأسلحة النووية، سيؤدى إلى تدعيم حظر انتشار الأسلحة النووية فى مناطق مختلفة من العالم، وتدعيم أمن الدول فى هذه المناطق وفى نفس الوقت تدعيم الأمن الدولى (20) ورغم هذا الموقف العام فقد أكد الاتحاد السوفيتى إلى أن موقفه من اقتراحات إنشاء هذه المناطق فى أى مكان من العالم سيتحدد فى كل حالة على حدة، على أساس المضمون المعين لهذه الاقتراحات، وعلى أساس الموقف الذى تتبناه الدول الأخرى تجاه الاقتراحات، وخاصة الأطراف المعنية (21) وقد أعلن الاتحاد السوفيتى تأييده لاقتراح إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، مع تحفظه فيما يتعلق بفقرة الديباجة، تشير إلى معاهدة تلاتيلوكو بوصفها إنجازا ملحوظا (22) ذلك أن الاتحاد السوفيتى يحتفظ بموقف خاص تجاه موقف المعاهدة من جراء التفجيرات النووية السلمية وفشلها فى منع مرور الأسلحة النووية عبر إقليم المنطقة ومد نطاق المعاهدة إلى منطقة أعالى البحار، على عكس القواعد العامة اتلى يقرها القانون الدولى. ب - موقف الولايات المتحدة: تعتبر الولايات المتحدة أن إنشاء المناطق الخالية من الأسلحة النووية، له أهميته كوسيلة لترقية أهداف حظر انتشار الأسلحة النووية ولتدعيم الأمن الدولى والإقليمى. ومن هنا كان تأييدها لاقتراح إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الوسط، غير أن الولايات المتحدة عبرت عن تحفظ مؤداه أنها ترتاب فى المنبر المستخدم من الناحية العملية والذى أساسه حث الدول المعنية على الالتزام بتعهدات قبل إجراء مفاوضات فعلية وعقد اتفاق.(23) ج - موقف بريطانيا: تعتبر بريطانيا الدولة النووية الوحيدة التى لم يصاحب تأييدها لفكرة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط تحفظات معينة. ويبدو أن سبب ذلك يكمن فى اقتراح إقامة هذه المنطقة، جاء منسقا مع الموقف البريطانى العام تجاه مسألة المناطق الخالية من الأسلحة النووية بوجه عام، والذى عبر عنه المندوب البريطانى فى تعليقه على الدراسة الشاملة التى قام بها فريق من الخبراء تحت رعاية مؤتمر لجنة نزع السلاح، عندما قال أن بريطانيا ستتعاطف مع أية اقتراحات تتفق مع الخطوط العريضة التى جاءت فى ورقة العمل التى تقدمت بها على النحو التالى (24). - أن قرار إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية يجب أن يؤخذ بحرية واختيار من دول المنطقة. - يجب ألا تؤدى المنطقة إلى الانتقاص من أمن أى طرف من الأطراف المشاركة فيها. - يجب أن تشمل المعاهدة المنشئة للمنطقة على الدول ذات الأهمية العسكرية ويفضل كل دول المنطقة. - يجب أن تكون هناك ترتيبات للرقابة الدولية طبقا للظروف الخاصة بالمنطقة. د - موقف فرنسا والصين: اتخذت كل من فرنسا والصين موقف التأييد العام لفكرة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط ولكنهما عبرتا عن تحفظ تجاه الفقرة التى وردت فى مشروع القرار بصدد الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (25) ومن المعروف أن كل من فرنسا والصين لم تنضم إلى هذه المعاهدة بسب رفض الدوليتين الالتزام بعدم امتلاك أسلحة نووية، فقد أن كانت كل منهما ترجى التجارب الأولى لصناعة هذه الأسلحة وتربط الصين بين إقامة هذه المناطق وبين النضال ضد هيمنة الدولتين العظميين كما يدعم ذلك المندوب الصينى فى اللجنة الأولى، إبان الدورة الحادية والثلاثين للجمعية العامة، فقد ذهب إلى أن العقبة الرئيسية أمام التحقيق الفعلى للمناطق اللا نووية ومناطق السلم، ناجمة عن سياسات الدول العظمى المرتبطة بالعدوان والتوسع والحرب (26) مشاكل إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية: رغم أن موضوع إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط قد أثير فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ الدورة التاسعة والعشرين لعام 1975 ورغم صدور عدد من القرارات الدولية للإشادة بهذه الفكرة وتأييد إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة النووية وبأغلبية ساحقة إلا أن التنفيذ الفعلى لهذه القرارات لم يزل يصطدم بمشاكل سياسية ترتبط فى مجملها بظروف الصراع العربى - الإسرائيلى، وما تعكسه من توتر فى المنطقة رغم تصاعد جهود التسوية فى الفترة اللاحقة لحرب أكتوبر 1973. وفى هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عدد من المشاكل المترابطة بشكل وثيق بحى أن كلا منهما يقود إلى الآخر وذلك على النحو التالى: أ - التحفظ الإسرائيلى على اقتراح إقامة المنطقة وينعكس هذا التحفظ فى الإصرار على الامتناع عن التصويت على مشروع القرار الداعى إلى إقامة هذه المنطقة، وذلك فى مواجهة أكثرية ساحقة تبدى موافقتها وكانت إسرائيل هى الدولة الوحيدة التى امتنعت عن التصويت على مشروع القرار المقدم فى الدورة الحادية والثلاثين للجمعية العامة 1976 والذى أقرته الجمعية دون معارضة وبأغلبية 130 صوتا يرتبط الموقف الإسرائيلى باستراتيجية متكاملة تهدف إلى اكتساب الشرعية الإقليمية وإقامة علاقات طبيعية مع دول منطقة الشرق الأوسط، ودلالة ذلك أن إسرائيل وجدت فى هذا الاقتراح فرصة ملائمة لتنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال ربط موافقتها على إقامة المنطقة المقترحة بالمفاوضات المباشرة التى تقود إلى عقد مؤتمر إقليمى لدول المنطقة بدعوى أن المنهج الذى يقوم على تشاور الأمين العام مع دول المنطقة غير عملى، ومعنى ذلك أن إسرائيل تريد الاحتفاظ بالدليل النووى، إلى حين قبول الدول العربية الاعتراف بإسرائيل. ب - مناخ التوتر وعدم الثقة فى المنطقة: ويأتى هذا الموقف الإسرائيلى تعبيرا عن مناخ التوتر وعدم الثقة السائد فى المنطقة من ناحية وليفاقم من هذا المناخ من ناحية أخرى، وتدعم من ذلك، التأكيدات التى تقدم بصدد امتلاك إسرائيل الأسلحة النووية، أو قدرتها على امتلاكها فى فترة زمنية قصيرة. وقد عبر عدد من مندوبى البلاد العربية فى مناقشات نزع السلاح عن اعتقادهم فى امتلاك إسرائيل للقنبلة الذرية، واعتبروا ذلك تفسيرا للموقف الإسرائيلى الذى يتسم بالمراوغة تجاه قضايا نزع السلاح النووى فى المنطقة وهو ما ينعكس فى نظرة تشاؤمية تخيم على رؤية هذه الدول بدرجات متفاوتة تجاه إمكانات نزع السلاح النووى فى الشرق الوسط. ج - رفض إسرائيل الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية: فقد امتنعت إسرائيل منذ البداية عن الانضمام إلى هذه المعاهدة، وذلك فى الوقت الذى تصر جميع الدول العربية على انضمام الأطراف المعنية إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، يعتبر شرطا أساسيا لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، وتبرر إسرائيل موقفها هذا بأنها ليست ضد الانضمام إلى هذه المعاهدة ولكنها تدرس الجوانب القانونية المتعلقة بها، والنواحى الإجرائية لتنفيذها وذلك فى الرد الإسرائيلى على رسالة الأمين العام إلى الأطراف المعنية بإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، وكان تعليق وزير الخارجية المصرى على هذا الرد على أن إسرائيل تعلن منذ أكثر من سبع سنوات عن انشغالها بدراسة وإعادة دراسة الانضمام إلى المعاهدة دون جدوى وأن الموقف يظل بلا معنى ما لم تنضم إسرائيل فعلا إلى المعاهدة، وأن إسرائيل ترفض باستمرار أى تفتيش دولى على مفاعل ديمونة النووى وهى ماضية فى الحصول على أسلحة متطورة ذات إمكانيات نووية. وهكذا يبدو عدم انضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بمثابة أساس لاستمرار عدم الثقة والشك من بل الدول العربية، وبالتالى عقبة هامة تعترض طريق إقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط. د - خبرات عدم احترام إسرائيل لاتفاقيات الهدنة: ذلك أن مناخ عدم الثقة السائد فى المنطقة تعززه الخبرات التاريخية لعدم احترام إسرائيل لاتفاقيات الهدنة وبالذات ما قررته هذه الاتفاقيات من إقامة مناطق منزوعة السلاح فى أعقاب حرب 1948، وأبرز نموذج للانتهاك الإسرائيلى لهذه الاتفاقيات هو احتلال إسرائيل فى سبتمبر 1955 لمنطقة العوجة وهى المنطقة المنزوع سلاحها طبقا لاتفاقية الهدنة المصرية - الإسرائيلية، والتى كانت إسرائيل قد تعهدت باحترامها والالتزام بتنفيذ كافة بنودها، فقد أعلنت إسرائيل ضم هذه المنطقة متنكرة لنصوص الاتفاقية التى تعهدت باحترامها. وخلاصة القول أن هذه المشاكل التى تنبع جوهرها من ظروف الصراع العربى - الإسرائيلى، تحول دون توافر الشروط الضرورية لنجاح إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية إذ لا يمكن فى ظلها ضمان التزام دول المنطقة باحترام وضع إخلاء المنطقة من السلاح النووى وخاصة مع نزوع إسرائيل إلى الخيار النووى كما يصعب التوصل إلى تحديد متفق عليه لمتطلبات أمن دول المنطقة ويمكن الإشارة بوجه خاص إلى المشاكل المرتبطة بما يسمى بالأمن الإسرائيلى. وعلى ذلك يبدو أن إمكانيات إقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط ترتبط بإمكانيات التوصل إلى تسوية شاملة للصراع العربى -الإسرائيلى، تتضمن إنهاء حالة الحرب وتخفيف حدة التوتر فى المنطقة وهو ما يعنى توفر مناخ جديد يساعد على تحقيق المقومات الضرورية لتجاوز المشاكل التى تعترض إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. هوامش: ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (1) أنظر فى هذا المجال: Comprehensive study of the question of nuclear-weapon- free zones in all its aspects, special report of the conference of the committee on disarmament (Ga. or, 30th session, s. no 27a) nuclear-weapon-free zones, u.n. Office of public information, 1977, pp. 72-23. U.n. disarmament yearbook Nal. 1:1976, u.n., new York, 1977, pp. 44-46. - د. عائشة راتب، بعض الجوانب القانونية للنزاع العربى -الإسرائيلى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1969، ص 130-132. - د. محمود خيرى، المناطق النووية المنزوعة السلاح، مجلة السياسة الدولية، العدد 26، أكتوبر 1971، ص 30-33. (2) د. محمود خيرى، مرجع سابق، ص33. (3) ورد ذلك فى رسالة القائم بالأعمال بالنيابة لبعثة إيران لدى الأمم المتحدة إلى الأمين العام فى 15 يوليو 1974. (4) UNITED NATION, GENERAL ASSEMBLY, TWENTH-NINETH SESSION DISTR. GENERAL, A/9693.IBID. (5)IBID., P.2. (6) U.N., GENERAL ASSEMBLY, TWENTH, NINETH SESSION, DISTR GENERAL, A/9693/ADD.1. (7) U.N., YENERAL ASSEMBLY, TWENTH-NINETH SESSION, DISTR. YENERAL, A/9693/ADD2. (8) U.N., YENERAL ASSEMBLY, TWENTY-NINETH SESSION, DIST. YENERAL, A/9693/ADD.3. (9) الأمم المتحدة ونزع السلاح: 1970-1975 الأمم المتحدة، إدارة الشئون السياسية وشئون مجلس الأمن، نيويورك 1976، ص 148. (10) SEE: COMPREHEMSIVE STUDY OF THE QUESTION OF NUCLEAR-WEAPON-FREE ZONES, OP-CIT., P.31. (11) الأمم المتحدة نزع السلاح: 1970-1975، مرجع سابق، ص 149. (12) U.N. DISARMAMSENT YEARBOOK: 1976, U.N., New York, 1977, VOL. 1, P.73. (13) 1970 - 1975، مرجع سابق، ص 149،150. (14) U.N. DISARMAMENT YEARBOOK: 1976, OP.CIT., P.71. (15) IBID., P.72. (16) IBID., P. 73. (17) U.N., GENERAL ASSEMBLY, 31 ST SESSION, FIRST COMMITTEE, 9-11-1976, DISTR: GENERAL, AIC. 1/31/PV. 25,PP.56-57. (18) تقرير الأمين العام - وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط. (U.N. A/1022,72/9/1975). (19) U.N., YENERAL ASSEMBLY, 31 ST SESSIAN FIST COMMITTEE, 8/11/1976, DISTR. YENERAL, AIC 1/31/PV. 25, PP.13-14. (20) COMPREBENSIVE STUDY OF THE QUESTION OF NUCLEAR-FREE ZONES, OP.CIT., P.95. (21) IBID., P.97. (22)الأمم المتحدة ونزع السلاح: 1970- 1975، مرجع سابق، ص 150. (23) الأمم المتحدة ونزع السلاح: 1970-1975، مرجع سابق، ص 151. (24) COMPREHENSIVE STNDY..., OP. CIT., P.120. (25) الأمم المتحدة ونزع السلاح: 1970- 1975 مرجع سابق، ص 152. (26) U.N. GENERAL ASSEMBLY, 31 ST SESSION. FIRST COMMITTEE, 8/11/1976. DISTR. GENERAL, A الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 العدد ( 159 ) بتاريخ 1 / 1 / 2005 مكتبة السياسة الدولية (عروض كتب - كتب جديدة) الردع العربى فى مواجهة الخيار النووى الإسرائيلى (1991 - 2001) (مؤلفات عربية) نسرين جاويش الردع العربى فى مواجهة الخيار النووى الإسرائيلى (1991 - 2001)، محمد سليمان مفلح الزيود - رسالة دكتوراه، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية 2004. * تكتسب هذه الدراسة أهمية بالغة من كونها دراسة أكاديمية متكاملة لموضوع الردع العربى، حيث لم يتم تناول هذه الظاهرة فى الأدبيات العربية إلا نادرا، بسبب وجود قناعة لدى البعض بعدم وجود ردع عربى. وتنقسم أهمية هذه الدراسة إلى أهمية علمية نظرية وأخرى عملية. فيما يتعلق بالأبعاد العلمية، فإن الدراسة تركز على أحد الجوانب التى لم تحظ باهتمام كبير من قبل علماء الاستراتيجية، وهو أن الردع لا يتم بواسطة أسلحة الدمار الشامل، خاصة الأسلحة النووية فقط، بل أن الردع يمكن أن يكون ذا أبعاد شعبية تتمثل فى آليات وإجراءات ذات طابع جماهيرى اجتماعى، مثل عمليات المقاومة الشعبية والعصيان المدنى والمقاطعة ومقاومة التطبيع، ودراسة القوانين الخاصة بالحرب الشعبية، والاستفادة من الخبرات العالمية فى استخدام المقاومة كدعم للجيوش النظامية. أما فيما يتعلق بالأبعاد العملية، فالدراسة تؤكد على ضرورة تفعيل قدرات الردع العربى بمفهومه الشامل من خلال تنسيق الجهود العربية لتفعيله، وهو ما يحقق للجانب العربى سلاما يبنى على أساس توازن المصالح، وليس على أساس توازن القوى، كذلك إيجاد آلية لاستغلال القدرات العربية، ومعرفة ما هو كامن منها لتحريكه، وتحسين توظيفه لمجابهة القدرة النووية الإسرائيلية، وإيجاد آلية لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى ظل وجود ردع عربى فعال من خلال تقديم المعلومات عما هو كائن لصانع القرار. وفى إطار أن قضية مجابهة التحدى النووى الإسرائيلى تأخذ درجة متقدمة على سلم أولويات العمل العربى، فإن الدراسة تحاول الإجابة على تساؤل بحثى رئيسى هو إلى أى حد تشكل الإمكانات والقدرات العربية ردعا حقيقيا لمنع إسرائيل من استخدام خيارها النووى؟ وكيف يمكن استغلال ما هو موجود على أرض الواقع منها، وتحريك ما هو كامن وتوظيفها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية من خلال عدد من التساؤلات البحثية الفرعية المرتبطة بالتساؤل الرئيسى؟ وللإجابة على هذه التساؤلات، فقد تم تقسيم الدراسة إلى أربعة فصول: حيث تناولت الدراسة فى الفصل الأول "الاتجاهات النظرية فى دراسة مفهومى الردع والخيار النووى" من خلال مبحثين، تناول الأول اتجاهات تعريف الردع وانتهى إلى أن الباحث يعرف الردع، على أنه (استراتيجية تركز على الأداة الدبلوماسية والاستخبارية لإكراه الخصم، أو حرمانه من الإقدام على عمل ما ومساومته وابتزازه سياسيا بفرض تسويات غير عادلة، وإنهاكه بالاستنزاف التدريجى لقدراته الاقتصادية، واستمالة أعداء المردوع محليا وإقليميا، لإحداث ثغرة بين الرأى العام المحلى والإقليمى وبين النظام من أجل زعزعته دون مواجهة فعلية) ويتطرق المبحث إلى تحليل العناصر المكونة للردع وتعريف مفرداتها، ثم نظرية الردع، انتهاء بعرض أنواع الردع وشروطه ومستوياته. أما الثانى فيتناول اتجاهات تعريف مفهوم الخيار النووى، وينتهى إلى أن الخيار النووى هنا (يتمثل فى السلاح ذى القدرة التدميرية الهائلة الناتجة عن قوة العصف والحرارة، ويتم اتخاذ القرار بامتلاكه على أعلى المستويات كخيار استراتيجى يتسم بالخطورة الكاملة والحساسية البالغة، إذ يغير من توازن القوى الإقليمى بشكل حاد، كما يغير من طبيعة العلاقات الأفقية بين الدول الإقليمية والعلاقات الرأسية مع الدول العظمى). وتأسيسا على ما سبق، ينتهى الباحث إلى تعريف المتغيرين الرئيسيين للدراسة، حيث يعرف الردع العربى للخيار النووى الإسرائيلى بأنه (إرغام إسرائيل على وقف العدوان فى الداخل والخارج والانسحاب من الأراضى العربية، والالتزام بالقوانين الدولية، ووقف التهديد بسلاحها النووى أو التلويح به كأداة سياسية، للترهيب من الحرب أو الترغيب بالسلام، وذلك بتوظيف كافة القدرات وتنسيقها وتطويرها إلى إمكانيات ردعية قادرة على الحفاظ على قيم الأمة ومصالحها العليا وأهدافها الاستراتيجية). ثم تتناول الدراسة فى الفصل الثانى "القدرات العربية والإسرائيلية" والمقارنة بينهما، بداية من القدرات العسكرية التى تشكل أحد أركان ومقومات الدولة الأساسية. وينتهى فيها الباحث إلى أن التفوق النوعى الإسرائيلى تفوق مفاجئ ومؤقت ولا يبطل مفعول الكم، فالأقطار العربية لديها قابلية تحمل وقوع إصابات بنسبة عالية، بالإضافة إلى أنه من الصعوبة بمكان وضع ميزان عسكرى دقيق لطرفى الصراع بسبب وجود عناصر غير محسوسة مثل مستوى التدريب والانضباط، كذلك يدخل فى هذا المجال التحيز الذاتى والآراء الشخصية، وكذلك التطور التقنى، والأحلاف الإقليمية والدولية. وفى آخر الأمر فإنه مهما يكن التسليح العربى، فإن إسرائيل تحقق بشكل عام تفوقا نوعيا ملحوظا على جميع الجيوش العربية. ومرورا بالقدرات السياسية القائمة على القوة الدبلوماسية والتى كانت أقوى من تلك الإسرائيلية وذلك بسبب تعدد الدول العربية وتنوع المصالح الدولية لدى العرب، إلا أن التدخل الأمريكى يتدخل لقلب هذه المعادلة فى معظم الأحيان. ثم يعرض الفصل الثالث والمعنون "الخيار النووى الإسرائيلى" بداية إلى أن هذا الخيار، لا يعنى السلاح النووى الإسرائيلى فحسب، ولكنه يقوم على توافر القاعدة العلمية والتكنولوجية التى تستطيع التعامل مع الخامات النووية، وكذلك توافر هذه الخامات والمنشآت النووية، وبالتالى القدرة الاقتصادية على تنفيذ البرامج النووية، ثم يتناول نشأة وتطور الخيار النووى ومحدداته واستراتيجيات استخدامه، ويؤكد على أن الإنجازات النووية ما كان لها أن تتم لولا المساعدات الأمريكية والغربية، ثم يتطرق الفصل إلى استعراض الرؤية الإسرائيلية للخيار النووى، والتى تنقسم إلى رؤية رسمية وأخرى غير رسمية، ولكن كلتا الرؤيتين تشجع على امتلاك السلاح النووى. وحسب تقديرات الباحث، فإن أكثر من 70% من الإسرائيليين، يؤيدون امتلاك السلاح النووى، وهذه النسبة تؤيد عدم الإعلان عن هذا السلاح النووى، يشذ عن هذا التقدير أصحاب الرؤية غير الرسمية فى مسألة فاعلية الردع، وأن أكثر من 80% من الإسرائيليين يؤيدون وجود هذا السلاح من أجل الردع، وليس من أجل الاستخدام. أما من حيث فاعلية هذا الردع فى الأوساط العربية، فلم يسفر عن اعتقادات مؤكدة، حيث شن العرب بعض الحروب، مع علمهم أن إسرائيل تمتلك خيارا نوويا. وشهدت نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحادى والعشرين مقاومة عنيفة من قبل حزب الله فى جنوب لبنان، وفى عمق إسرائيل من قبل بعض الفصائل الفلسطينية. وينتهى باستعراض السياق الإقليمى والدولى للخيار النووى الإسرائيلى، ويخلص منه إلى أن الدولة العبرية بدأت خيارها النووى لمعالجة الخلل القائم فى الميزان الاستراتيجى بينها وبين العرب، إلا أنها لم تعالج هذا الخلل فحسب، بل تعدت ذلك إلى التفوق النوعى والمطلق. ثم يتناول الفصل الرابع "البدائل الاستراتيجية للردع العربى فى مواجهة الخيار النووى الإسرائيلى" ويؤكد الباحث من خلاله على ترجيح البديل الدبلوماسى مع عدم إسقاط البديل العسكرى الذى يمكن أن يفرض فرضا فى حالة فشل عملية السلام، ويقوم البديل الدبلوماسى على إقامة السلام العادل والمنطقة الخالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، ويتطلب ذلك عملا دبلوماسيا دؤوبا على المستوى القومى، بينما يقوم البديل العسكرى على الإعداد على المستوى القومى بالاعتماد على الأسلحة التقليدية وفوق التقليدية والمقاومة المسلحة. وقد خلص الباحث فى هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها: * أن مرحلة النظام العالمى الجديد (أحادى القطبية) قد أدخلت تغييرا جذريا على سياسة الردع التى أخذت مناحى أخرى اتسمت بالهيمنة، والحصار الاقتصادى، وفرض العقوبات السياسية والاقتصادية. * أن ميزان القوى العسكرى فى الشرق الأوسط يميل لصالح إسرائيل مع كل دولة من الدول العربية منفردة، كذلك تحقق إسرائيل تفوقا سياسيا ودبلوماسيا على جميع الدول العربية فى تحالفها مع الولايات المتحدة. * أما فيما يخص ميزان القوى فى النواحى الاجتماعية وعناصر القوة الثابتة (المساحة والكم البشرى والموقع)، فإنه يميل لصالح الدول العربية. * تراجع البديل العسكرى أمام البديل السياسى فى نهاية عقد التسعينيات وبداية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وأصبح البديل الدبلوماسى هو البديل الأهم، وهو ما يدل على فشل إسرائيل فى استراتيجية الردع والعدوان، ومن ثم سعيها إلى استراتيجية هيمنة جديدة، سياسية واقتصادية. وتأسيسا على ما سبق، فإن الدراسة توصى بما يلى: بداية أن أية مواجهة حقيقية لا تقوم إلا بالتعاون بين الدول العربية، من خلال الدول القطرية، التى تعتبر واقعا لا مناص لتجاهله أو التخلى عنه. فضلا عن ضرورة الموازنة بين المتطلبات العديدة للردع، ومنها القيادة السياسية، والقوى البشرية المدربة على أسس علمية، والسلاح المتطور، وتوفر قاعدة صلبة للديمقراطية والتى هى ليست مسئولية الحكومات وحدها، بل أن كل مواطن فى موقعه مسئول عن إرساء دعائمها، وكذلك البحث عن أحلاف جديدة كضرورة تتناسب مع خطورة المرحلة القائمة. الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 لعدد ( 120 ) بتاريخ 1 / 4 / 1995 قسم خاص الموقف الإسرائيلى من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية محمد عبد السلام يتسم الموقف الإسرائيلى تجاه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بالبساطة والجمود، والثبات عبر 27 سنة تمتد من عام 1968 حتى الآن (مارس 1995)، وإن كان، رغم ذلك، يحمل فى طياته قدرا من التعقيد. فقد رفضت إسرائيل دائما أن توقع على المعاهدة، ولديها ما يعتبر - من وجهة نظرها - أسبابا أكدت عليها كافة حكومات إسرائيل تقريبا بصرف النظر عن توجهاتها السياسية. وخلال الشهور الماضية أعادت حكومة حزب العمل التأكيد على ذلك الموقف فى إطار التفاعلات المثارة حول مد سريان المعاهدة. فتبعا لتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى شيمون بيريز فإن "إسرائيل لن توقع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية"، ويبدو بوضوح أن هذا الموقف سوف يستمر، فلا توجد مؤشرات حول تغير قناعات "المجموعة" السياسية - العسكرية التى تحدد سياسة إسرائيل النووية، تجاه أهمية السلاح النووى بالنسبة لأمن إسرائيل، ومستقبلها فى المنطقة، على الرغم من أن المعاهدة - بصيغتها الحالية - لا تتعلق أساسا بالأسلحة، وإنما بمرافق الإنتاج. لكن فى الوقت ذاته توجد مؤشرات حول احتمالات وجود مرونة نسبية تتصل بإمكانية تحديد مدى زمنى معين يتم خلاله، أو بعده، التوقيع على المعاهدة، مع ملاحظة أن التوقيع على المعاهدة لا يعنى وحده الانضمام إليها، فالانضمام إلى المعاهدة يستلزم أيضا التصديق عليها، ثم التفاوض بعد ذلك مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول مقتضيات العضوية، وهى كلها خطوات سوف ترتبط - إذا ما استمر المنطق الإسرائيلى الحالى فى التعامل مع المعاهدة - بشروط وظروف تقدرها إسرائيل استنادا على معايير أمنية لا ترتبط فقط باعتبارات إستراتيجية. بالتوازى مع ذلك، تطرح إسرائيل تصوراتها الخاصة بالتعامل مع المشكلة النووية فى الشرق الأوسط، والتى ترتبط بمقترحات قدمتها إسرائيل عام 1975 لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، استنادا على آليات وأطر إقليمية بعيدا عن النظام الدولى الذى تمثله معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. فى ظل تصور بأن النظام الإقليمى المقترح من جانبها يتلافى كافة سلبيات المعاهدة، ويتيح ترتيبات أكثر فعالية للتعامل مع هذه المشكلة. ويتم التعبير عن تلك التصورات الإسرائيلية، بأساليب مختلفة، وفى إطار قنوات متعددة فالتصريحات الرسمية الإسرائيلية التى تقرر- كما جاء على لسان رئيس الوزراء إسحاق رابين - "دعونا أولا نحقق السلام ، ثم نقوم بالخطوة الثانية بإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية"، وكذلك المواقف الإسرائيلية المطروحة داخل لجنة ضبط التسلح والأمن الإقليمى متعددة الأطراف ، بشأن ضرورة السير فى اتجاه إجراءات بناء الثقة أولا قبل التفاوض حول الحد من التسلح بحيث "تكون الثقة أساسا لأية اتفاقات قادمة"، كلها تصريحات ومواقف تستند على التصورات الإسرائيلية البديلة للتعامل مع المشكلة النووية وتمثل هذه التصورات الوجه الآخر لموقف إسرائيل من المعاهدة. ويتناول هذا التقرير أهم ملامح الموقف الإسرائيلى من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية فى نقطتين، تتصل الأولى بأسس هذا الموقف كما هو مطروح من جانب المسئولين والأكاديميين الإسرائيليين، وتركز الثانية على التصورات الإسرائيلية البديلة للتعامل مع المشكلة النووية فى المنطقة، وذلك كما يلى: أولا: أسس الموقف الإسرائيلى من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية: تطرح التصريحات والكتابات الإسرائيلية مبررات مختلفة تمثل أسسا لموقف إسرائيلى متماسك تجاه قضية الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ويمكن بداية طرح ملاحظتين بهذا الشأن: 1 - أن هناك توافقا عاما فى إسرائيل بالنسبة للموقف المعلن تجاه المعاهدة، فى إطار التوافق القائم تجاه القضية النووية عموما، فالموقف المطروح ليس موقف حكومة حزب العمل، ولا يتأثر بتوجهات كبار المسئولين فيها، فقد كان كل من بيريز (أحد أهم ثلاثة إسرائيليين أقاموا البرنامج النووى) ورابين على طرفى نقيض فى توجهاتهما بشأن أهمية امتلاك سلاح نووى. كما أن الرأى العام فى إسرائيل، إما إنه "لا يبالى بهذا الموضوع" كما يقرر د. أفنير كوهين، أو أنه يوافق - بنسبة تتجاوز 80 فى المائة - على المواقف الرسمية من حيث المبدأ، حتى إذا كان الأمر يتصل باستخدام الأسلحة النووية فى ظروف معينة كما يشير د . جيرالدم شتينبرج. أما بالنسبة للأكاديميين والمثقفين الإسرائيليين، فإنه توجد بينهم لجان محدودة العضوية تدعو للانضمام إلى المعاهدة، وبعض الشخصيات التى تطرح القضية النووية بنوع من التفهم، ويقوم بعضهم بانتقاد، بل وتفنيد، الحجج المثارة فى مواجهة المعاهدة، لكن لا يوجد تيار يقف فى مواجهة الموقف الرسمى. 2 - أن كثيرا من الأسس التى يتم طرحها رسميا فى إسرائيل بشأن المعاهدة تتصل بتفاعلات ومناخ مرحلة ما قبل بداية التسوية، فإسرائيل - تبعا لكافة التصريحات والكتابات تقريبا - لا تزال مهددة. ويركز رئيس الوزراء الإسرائيلى فى تصريحاته على التهديدات النابعة من عدم إحراز عملية التسوية السلمية تقدما، خاصة مع سوريا، وضرورة استمرار استعداد إسرائيل للحرب فى ظل هذا الوضع، بينما تتركز معظم تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى على إيران التى "تتزعم دولا هدفها المعلن تدمير إسرائيل" بينما تشير كتابات وتقارير مختلفة إلى استمرار التهديدات العربية عموما لأمن إسرائيل. ويعتقد العسكريون الإسرائيليون أن مشاعر العداء سوف تستمر على ما هى عليه بفعل واقع أن أى طرف لن يحصل على كل ما كان يريده. لذا تسود بعض الأفكار التى تقرر أن الأسلحة النووية الإسرائيلية هى جزء من التسوية المطلوبة إقليميا. فأسس الموقف من المعاهدة تستند على توجهات لم تتأثر - بدرجة ما - بإطار التسوية القائم. فى هذا السياق يستند موقف إسرائيل من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية على عدة أسس، أهمها: 1 - أن الشرق الأوسط لا يزال منطقة غير مستقرة إلى درجة كبيرة، وأن هناك أعداء متعددون وكامنون لإسرائيل. ومن الممكن أن يؤدى أى تخفيض هام فى سلاح "الردع"، أو تقليل من مصداقيته إلى تضخم التهديدات العسكرية. فإسرائيل لا تزال تتعرض للتهديد، ومادام التهديد العربى مستمرا فإن ضبط التسلح يعتبر إجراء مثاليا لا علاقة له بالشرق الأوسط، إذ أن ظروف إسرائيل الخاصة، والعداء العربى المحيط بها، يجعل وجودها معرضا للخطر، وليس قدراتها العملية فقط. وتبعا لذلك فإن ضبط التسلح يرتبط ارتباطا وثيقا بعملية السلام، ويتوقف على القبول الكامل بشرعية الدولة العبرية، وانتهاء التهديد العسكرى. وفى هذا الإطار تتم الإشارة إلى نقاط محددة تتصل - تبعا لوجهات نظر إسرائيل - بالتهديد الذى يمثله البرنامج النووى الإيرانى، والصواريخ أرض - أرض السورية. على هذا الأساس يتشكل الموقف الإسرائيلى الخاص بالمعاهدة، فالمشكلة - كما يقرر بيريز "ليست فى التوقيع على اتفاق عدم انتشار الأسلحة النووية، وإنما لأن بعض الدول المجاورة لنا فى حالة حرب مع إسرائيل، فما جدوى أن نناقش موضوع السلاح بينما يوجد تهديد سياسى"، مضيفا "أن السياسة هى التى تعرض السلام للخطر، وهناك ترسانة كبيرة ونواة لإيران والعراق ضد إسرائيل، لذا نقول أنه يجب معالجة موضوع السياسة لا التكنولوجيا فبعد التوصل إلى سلام يمكن أن نبحث فى أن تكون المنطقة خالية من الأسلحة النووية" وفى الواقع، فإن معظم الإشارات الإسرائيلية المعلنة فى إطار الحديث عن ضبط التسلح كانت تتصل بفكرة بحث قضية المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، وليس بحث مسألة التوقيع على المعاهدة. لكن يبدو أن ثمة تطورا بهذا الشأن فى الفترة الأخيرة، إذ أشار بيريز إلى "أن إسرائيل مستعدة لقبول تفتيش دولى، بمجرد التوقيع على اتفاقيات سلام مع دول المنطقة، والاتفاق على إخلائها من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل". فما يلفت الانتباه فى ذلك هو فقط الحديث عن "التفتيش الدولى"، وهو ما يتضمن فكرة القبول بالمعاهدة كآلية من آليات ضبط التسلح النووى، لكن فى ظل نفس الشرط السائد، وهو السلام أولا 2 - أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لم تمنع الدول المنضمة إليها من السعى لامتلاك سلاح نووى، والاقتراب من العتبة النووية، كما حدث من جانب العراق. وبالتالى فإن إسرائيل لا يمكنها الاعتماد على ضمانات المعاهدة لأمنها القومى، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط الذى فشلت فيه هذه المعاهدة، وغيرها - تبعا لوجهة نظر إسرائيل - من مواثيق ضبط التسلح الدولية. ويتم الحديث فى هذا السياق عن عدة قضايا فرعية: أ - نظام التفتيش: فإسرائيل ترفض نظام التفتيش والرقابة الذى وضعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من الامتثال المعاهدة، "(فهو نظام غير محكم، يعتمد على 200 مفتش يضيعون وقتهم فى أعمال التفتيش فى بلدان مثل كندا والسويد، فى حين يتم تجاهل قلق أبدته إسرائيل تجاه البرنامج النووى العراقى على أساس أن العراق من بين الدول الموقعة على المعاهدة". كما أن المعاهدة لا تنص على إمكانية القيام بعمليات تفتيش خاصة على أساس اتهامات أو شكوك، ويعتمد النظام بأكمله (بما فى ذلك اختيار المفتشين) على موافقة الدولة المعنية، وتضر مثل هذه الشروط بالنظام والمفتشين وتعوق إمكانية الكشف المبكر. ب - مشكلة الانسحاب: "فطبقا للبند العاشر يمكن أن يعلن أى طرف فى أى وقت صراحة انسحابه من المعاهدة، بناء على اختياره بعد مهلة 3 شهور فيما يعتبر ممارسة للسيادة الوطنية"، ونظرا لوجود أطراف فى المنطقة لا تزال فى حالة حرب مع إسرائيل، فإن مسألة الانسحاب واردة، خاصة - كما يقرر الكاتب الإسرائيلى آفى بيكر - "عندما يقرأ المرء التحفظ الذى أضافته سوريا فى مناسبة إقرار المعاهدة فى 1969/9/24 "، وأن عدة دول عربية (فى الثمانينات) لم توقع عليها، أو وقعت ولم تصدق عليها، أو صدقت عليها ولم تلتزم بعد باتفاقيات الضمانات فمن الصعب الاعتماد على المعاهدة. فى ظل هذه التوجهات أو النوايا، تبعا لوجهة نظر إسرائيل. وتشير بعض الكتابات الإسرائيلية أيضا إلى "ميزات" عملية أو استراتيجية لعدم الانضمام إلى المعاهدة، وتبعا لتلك الكتابات، فقد كان رفض إسرائيل توقيعها هو الذى ساعدها على مهاجمة المفاعل العراقى أوزيراك من دون خرق اتفاقية دولية وقعتها هى كما كانت قادرة على الرد على المقولات التى كانت تدفع باتجاه التعامل مع برنامجها النووى على نمط ما حدث بشان البرنامج النووى العراقى، إذ أن إسرائيل حالة مختلفة، فلم تخالف معاهدة التزمت بها. وكان لهذا الرفض دائما دور رئيسى فى تدعيم استراتيجية الغموض النووى التى تعتمدها إسرائيل كسياسة رسمية لاستخدام قدرتها النووية، إذ كانت لهذا الرفض أهميته فى المحافظة على "عدم اليقين" الذى يعتمد عليه نظام الغموض النووى كما أن موقفها الخاص بعدم الالتزام بأى قيد يعوق قدرتها على تطوير قوتها النووية كان ضمانا لاستقلال الإمكانية التساومية لهذه القدرة، والتى يمكن أن تفقدها بدخولها اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية تحديدا فقد كانت الاتفاقية الوحيدة التى وقعت عليها إسرائيل - على هذا المستوى - هى الاتفاقية الخاصة بالحظر الجزئى لإجراء التجارب النووية فى الجو، وتحت سطح الماء عام 1963 ، وقد خالفتها. ورغم أن بعض التوجهات السابقة تتضمن أفكارا جادة يمكن أن تخضع للنقاش، فإن كثيرا منها يستند على "العاب منطقية" أو "تخريجات استراتيجية" ترتبط بطريقة التفكير التقليدية لإسرائيل فى قضايا الأمن، وعلى أية حال. فإن أسس الموقف الإسرائيلى تجاه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية قد تعرضت لانتقادات أساسية من داخل التفكير الاستراتيجى الإسرائيلى، فإفرايم عنبار - على سبيل المثال - يشير إلى وجود مزايا واضحة فى توقيع إسرائيل على المعاهدة، منها: 1 - إن المعاهدة لا تتضمن - فى المستقبل القريب "مداخل" خطيرة على أمن إسرائيل، فعلى العرب أن يقطعوا شوطا طويلا قبل أن يصبحوا قوة نووية تهدد إسرائيل. 2 - إن توقيع المعاهدة لن يحرم إسرائيل من خيارها" الرادع" النووى، وإذا تم الأخذ بمثالب المعاهدة فى الاعتبار، فإنه طبقا لنصوصها تستطيع أى دولة أن تكون مستعدة تقريبا بقنبلة يمكن تجميعها فى حالة الضرورة. 3 - إن التوقيع الإسرائيلى على المعاهدة ربما يقلل من التهديد الملحوظ من المعسكر العربى، أى أنه يمكن أن يوقف "التنافس" النووى. 4 - إنه إذا لم توقع كل الدول الكبرى فى الشرق الأوسط، فيمكن تبرير انسحاب إسرائيل من المعاهدة دون أن تلام دوليا. 5 - إن الالتزام بالمعاهدة يمكن أن يقلل من المصدر الدائم للتوتر مع الولايات المتحدة. إن هذه النقاط مجرد نموذج لترسانة من "التفنيدات" التى يرصدها كتاب إسرائيليون فى مواجهة الموقف الرسمى للدولة. ورغم أن هؤلاء لا يمثلون تيارا قويا، فإنهم يطرحون مقولات هامة تتطور مع الوقت عبر السنوات الماضية. وفى بعض الأحيان سارت تلك الكتابات فى اتجاه تناول بعض المشكلات العملية لانضمام إسرائيل إلى المعاهدة، واقتراح صيغ معينة يمكن أن تنضم إسرائيل للمعاهدة فى إطارها دون خسائر، أو بمكاسب محددة. فقد اهتم البعض فى إسرائيل بما يسميه د. يائير إيفرون "حالة قانونية معقدة" تتصل بانضمام إسرائيل للمعاهدة، مضمونها "أن معاهدة عدم الانتشار تعرف صراحة مركز الدول النووية وغير النووية، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت إسرائيل تستطيع أن تنضم إلى هذه المعاهدة حسب هذه التعريفات" وبينما يرى إيفرون أن انضمام إسرائيل إلى المعاهدة من شأنه أن يشكل لطمة قوية لنظام منع الانتشار الذى كان قائما منذ عام 1968 على افتراض أنه لن تضاف دول نووية إلى ما هو قائم وقتها، يرى آخرون أن إسرائيل، بوضعها الحالى المعلن رسميا، يمكنها أن تنضم إلى المعاهدة، فهى - تبعا لما هو رسمى - دولة تمتلك خيارا نوويا، وليس قوة نووية. على مستوى آخر، طرح بعض الأكاديميين الإسرائيليين صيغا يمكن أن تنضم إسرائيل بمقتضاها إلى المعاهدة دون التراجع عما أعلنته - منذ عام 1975 - من أنها تفضل توقيع اتفاقية إقليمية. وتبعا لما يقرره يورام نمرود "يجب أن يعكس بيان الانضمام إلى المعاهدة الاستعداد لتجميد تطوير أى أجزاء سلاح نووى". ويتم الانضمام على ثلاث مراحل، يتم ربط كل مرحلة منها - كما يقول - باتخاذ خطوات مماثلة من جانب بعض الدول العربية (بمعايير عام 1987)، ويجب البحث فى ردود الفعل والاستجابات من جانب بعض الدول العربية، بحسب وضعها النسبى فى المواجهة، وبحسب قدرتها النووية. وهذه المرحل هى: 1 - توقيع المعاهدة. 2 - إعادة الموافقة عليها من الكنيست (التصديق). 3 - توقيع اتفاقيه مراقبة شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة لذرية. ويضع يورام نمرود عددا كبيرا من الشروط يرتبط بقبول التوقيع، والانتقال من مرحلة إلى أخرى، منها إلغاء التحفظات التى سجلتها بعض الدول العربية عند توقيعها، والتى "تجعل التزامها بالمعاهدة وروحها تبعا لذلك غامضا"، وصدور قرار من جانب جامعة الدول العربية بإلزام كل أعضائها بالموافقة من جديد على المعاهدة، وتكوين طاقم مراقبة خاص بساحة المواجهة العربية - الإسرائيلية. وترتبط هذه الشروط بإقدام إسرائيل على دخول المرحلة الأولى فقط، أما بالنسبة للمرحلتين الثانية والثالثة فإن ما تتم الإشارة إليه يرتبط بترتيبات أمن شاملة على كل المستويات بين إسرائيل والدول العربية ورغم أن هذه الأفكار تنتمى زمنيا إلى مرحلة ما قبل بدء عملية التسوية، إلا أن المنطق المتضمن فيها. وربما بعض مضامينها نصا - لا يزال مستمرا حتى الآن0 فإذا كان موقف عدم الانضمام "الرسمى" يتسم، تحليليا، بالبساطة، فإن موقف الانضمام "النظرى"، أو المفترض، ليس بسيطا على الإطلاق، أو لن يكون كذلك إذا كانت الإشارات الواردة من إسرائيل، حول احتمالات الانضمام عبر مدى زمنى معين مؤكدة. ثانيا: البديل الإسرائيلى للتعامل مع المشكلة النووية فى الشرق الأوسط: يتمثل البديل الإسرائيلى السائد للتعامل مع مشكلة التسلح النووى فى الشرق الأوسط فى مشروع لإقامة "منطقة خالية من الأسلحة النووية". ويختلف هذا المشروع فى أسسه وآلياته عن المشروع المصرى الشهير بهذا الشأن. فتبعا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين "إننا على استعداد لعقد اتفاق من شأنه جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، لكن هذا الاتفاق ينبغى أن يتم على أساس ثنائى، وتفتيش متبادل بين جميع دول المنطقة دون استثناء". وقال فى حوار مع مجلة "تايم" إن إسرائيل مستعدة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، وذلك "على أساس من الاتفاقيات الثنائية .. إننا نؤمن باتفاق إقليمى يستند إلى اتفاقات ثنائية بين إسرائيل ودول المنطقة إلى جانب إشراف متبادل"، وأضاف "على هذا الأساس، أنا مستعد أن أوقع على مثل هذه الاتفاقية غدا". وقد أكد وزير الخارجية الإسرائيلى شيمون بيريز نفس الاتجاه بقوله "أنه لا يمكن إيجاد منطقة خالية من الأسلحة النووية دون تفتيش متبادل، ومراقبة تشمل كل دول المنطقة، لابد من نظام أمن إقليمى، وهو ما يصعب تحقيقه ما لم يتم استتباب السلام " وقد صدرت كافة هذه التصريحات عام 1994 ولقد كانت إسرائيل قد بدأت تتبلور هذا الموقف عام 1975 ، عندما أعلن عما يعتبره أفرايم عنبار "حدث نووى بالغ الخطورة". ففى 30 سبتمبر من ذلك العام اقترح إيجال ألون وزير خارجية إسرائيل وقتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إجراء مشاورات مع جميع الدول المهتمة بخلق منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط، مقررا أن إسرائيل تؤيد الاقتراح بوجود تلك المنطقة، "وستكون مستعدة للدخول فى مفاوضات مع كافة الدول المعنية من أجل الوصول إلى هذا الهدف ويقصد بالمفاوضات عملية مشاورات بين الحكومات تشبه تلك التى سبقت قبول معاهدة تيلاتيلولكو، وغيرها من الوسائل الدولية كالميثاق. ونحن لا نعتقد أن مثل هذا الأمر الخطر يمكن إقراره من خلال المراسلات عن طريق السكرتير العام". وفى 1976 كرر ألون المقترح مقررا أنه يمكن الإعداد لقيام مثل هذه المنطقة" من خلال مفاوضات مباشرة يمكن تحقيقها حتى قبل عقد اتفاقية للسلام الشامل". ولقد أثير الكثير حول دوافع هذا الإعلان فى الكتابات الإسرائيلية، لكن بعض الكتابات لفتت الانتباه إلى ما يلى: 1 - إن إسرائيل قد قبلت التفاوض (المباشر) حول إخلاء المنطقة من السلاح النووى دون أن يرتبط ذلك بالضرورة بعقد اتفاقيات سلام شامل. 2 - إن إسرائيل قد قبلت التفاهم حول الأسلحة النووية دونما ارتباط لذلك بالتفاهم حول الأسلحة التقليدية تبعا لتوجهاتها السابقة لعام 1975 وقد استمر التأكيد على هذا الاتجاه بعد ذلك على فترات متباعدة، فخلال مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل (1977 - 1979)، أثارت إسرائيل قضية ضرورة انضمام "كل دول المنطقة" عندما أثارت مصر الموضوع النووى وفى 1981 ، وافقت إسرائيل على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. الذى كانت مصر تتقدم به منذ عام 1974 مع إيران وقتها - بشأن إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، فى ظل أكثر حكومات إسرائيل تطرفا خلال العقدين الماضيين، لكن فى إطار نفس شروطها المشار إليها. وفى أكتوبر 1991 تقدمت إسرائيل بوثيقتها الخاصة بإقامة "منطقة خالية من السلاح النووى" إلى الأمم المتحدة ، فى إطار توظيف ما تعرضت له من تهديدات كيماوية، وأعمال قصف صاروخية عراقية خلال أزمة وحرب الخليج (1990 - 1991)، مؤكدة على مواقفها التقليدية تجاه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومقترحاتها الخاصة بإقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. فقد أشارت الوثيقة إلى أن العراق قد استفاد من كونه أحد الموقعين على المعاهدة كثيرا عبر انتهاكه لالتزاماتها، مقررة أنه لو لم يحدث غزو الكويت لما كانت الجماعة الدولية قد تعاملت مع البرنامج النووى العراقى، كما تم من قبل إسرائيل فى الماضى (قصف أوزيراك). أما بالنسبة لمسألة المنطقة الخالية، فقد أشارت الوثيقة إلى عدة نقاط: 1 - أن المنطقة الخالية تتأسس عبر المفاوضات المباشرة، والانضمام إلى الاتفاقيات المتعددة، وستكون أكثر فاعلية تجاه منع تكرار تجربة العراق، أو غيرها. 2 - أن تكون "الثقة" أساسا لأية اتفاقيات قادمة فيما عدا الترتيبات والإجراءات ذات الطابع التقنى، والثقة يمكن أن تنمو عبر الوقت، والمقصود "سنوات". كما أنها هامة لبداية أية عملية سلام. 3 - أن بناء الثقة يتطلب إحراز تقدم بشأن التعامل مع المشكلات السياسية الدائمة، فهناك علاقة طردية بين تراجع التوتر وضبط التسلح، وإسرائيل لا تستطيع التفكير فى "وضعها" بصورة متزنة طالما ظلت تتعرض للتهديد من جانب أى من جيرانها الإقليميين. وقد أوضحت الوثيقة بعض جوانب العلاقة بين معاهدة عدم الانتشار ومقترح إسرائيل بشأن المنطقة الخالية. فقد وصفت المقترحات الواردة فى "تقرير الأمين العام" حول ضرورة وأهمية وضع القدرات والتجهيزات النووية الإسرائيلية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها "مزعجة ومقلقة، لأنه "يفترض أن إسرائيل تبنى سياستها الداعية للوقاية، اعتمادا على مفاوضات أرقى لمنطقة خالية من الأسلحة النووية، ونماذج لبناء الثقة تقود إلى هذه السياسة" كما أن الضغط على إسرائيل لوضع منشآتها النووية تحت نظم الرقابة طويلة المدى، يتجاهل مسألة (مبدأ) أساسية، وهى المخاوف الإسرائيلية "خاصة مع الرفض العربى للتباحث حول منطقة خالية من الأسلحة النووية مع إسرائيل، وإصرارهم على استمرار الضغط الدولى على إسرائيل لقبولها الرقابة والإشراف طويل المدى". وعلقت الوثيقة على النقطة الأخيرة بإشاراتها إلى أن هذه " كلها أمور لا تبشر بخير". وفى مفاوضات لجنة ضبط التسلح والأمن الإقليمى متعددة الإطراف، قدمت إسرائيل أيضا مقترحات (فى أغسطس 1992) للبدء فى إقامة منطقة خالية من الصواريخ والأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية فى الشرق الأوسط، ووضع إجراءات متبادلة للتحقق والتفتيش. وفى خطابه إلى اجتماع باريس للتوقيع على اتفاقية الأسلحة الكيميائية فى يناير 1993 ، (وقد وقعت إسرائيل عليها)، أشار وزير الخارجية الإسرائيلى إلى عدة عناصر أساسية لإقامة هذه المنطقة تتضمن ما يلى: 1 - وقف انتشار أسلحة التدمير الشامل فى منطقة الشرق الأوسط (وفكرة الوقف هنا هامة). 2 - وقف سباق التسلح، وتقليل إمكانيات القيام بعمليات هجومية فجائية. 3 - بناء الثقة المتبادلة، وإقامة نظام لإدارة الأزمات فى المنطقة. 4 - إقامة نظام رقابة متبادلة حينما يتم وضع أسس السلام موضع التنفيذ. ولقد استمرت فى الفترة التالية توجهات إسرائيل بشأن مشروعها البديل، إلى أن صدرت التصريحات المشار إليها (1994) من جانب كل من رئيس الوزراء، ووزير الخارجية الإسرائيليين فى إطار التعامل مع ضغوط مصر لدفع إسرائيل إلى إتباع المسار الخاص بالنظام الدولى لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية كخطوة أولى. ويبدو من تحليل مجمل التصريحات والوثائق الإسرائيلية الخاصة بمقترحاتها المتصلة بالمنطقة الخالية من الأسلحة النووية، أن المشروع الإسرائيلى يستند على عدة عناصر، أهمها: 1 - إن الأسلحة النووية تعتبر قضية والية، أو هدف ووسيلة فى المشروع، فالمسئولون الإسرائيليون لا يتجاهلون أسلحة التدمير الشامل الأخرى، أو الصواريخ أرض - أرض، أو الأسلحة التقليدية، أو حتى ترتيبات الأمن الفرعية، لكن هذه العناصر الأخرى، إما أنها تدخل فى إطار "الصفقة" التى ترتب لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، أو تطح تحت بند إجراءات بناء الثقة. فإسرائيل - كما يقرر عنبار- تتوقع "شيئا ما" من العرب مقابل تخليها عن "الخيار النووى". كما تشير الورقة الإسرائيلية المقدمة إلى جولة باريس السادسة للجنة ضبط التسلح والأمن الإقليمى التى عقدت فى نوفمبر 1994 ، على سبيل المثال، إلى أن الأولوية فى التعامل مع قضية ضبط التسلح هى تخفيض حجم الجيوش العربية والأسلحة التقليدية، مع العلم بأن من المفترض - حسب التصور الإسرائيلى - أن تبحث هذه القضية (ضبط التسلح) بعد التقدم فى طريق إجراءات بناء الثقة بمفهومها الواسع للغاية. أى أن المنطقة لن تخلو من الأسلحة النووية، إلا إذا خلت من كافة أسلحة الدمار الشامل الأخرى، وتم تخفيض حجم جيوش الدول العربية المجاورة لإسرائيل على الأقل، واتخذت إجراءات بناء ثقة تكون كفيلة - حسب نص الوثيقة الإسرائيلية المشار إليها - بطمأنة إسرائيل فالأسلحة النووية هى "عنوان عام" لمشروع بهدف أساسا إلى ترتيب الأوضاع الأمنية فى المنطقة تبعا لتصورات إسرائيل لذلك. 2 - إن المفاوضات الخاصة بإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية. أو البدء فى تنفيذ نظام المنطقة الخالية تمثل - حسب تصريحات إسحاق رابين - "الخطوة الثانية" بعد تحقيق السلام، فلابد من إقرار السلام أولا تبعا لتقديرات إسرائيل، ثم البدء فى الحديث عن المنطقة الخالية. وهى نقطة لا تحتاج إلى مزيد من التفصيل. 3 - إن الآليات التى تقترحها إسرائيل لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية ذات طابع معقد للغاية، فهى تتطلب إنشاء أجهزة إقليمية للتحقق من تنفيذ القيود المتبادلة والتفتيش المتبادل بعيدا عن الأجهزة والوكالات والنظم الدولية والمعنية بذلك. وسيتم ذلك من خلال ما يلى: أ - مفاوضات مباشرة على أساس ثنائى مع كافة دولة المنطقة وتبعا لتقديرات د. شتينبيرج "من هذا المنظور، ينبغى أن تشمل الرقابة الفعالة على التسلح اكثر من 20 دولة من شمال أفريقيا حتى إيران". مصادر أخرى تشير إلى ضرورة أن تشمل المفاوضات الثنائية فى الأساس سوريا، إيران، العراق، ليبيا. ويجب أن تسفر هذه المفاوضات التى تعقدها إسرائيل مع 20 دولة، كل على حدة، عن اتفاقيات ثنائية. ب - فى إطار ما يتم التوصل إليه على أساس ثنائى، يتم إبرام اتفاقية إقليمية لإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، تستند على آلية تفتيش وتحقق إقليمية بصلاحيات ستكون - على الأرجح - أقرب (حسب إشارات إسرائيلية) إلى نظام التفتيش الخاص الذى اتبعته الأمم المتحدة مع العراق، أو ما إلى ذلك. لكن هذه المسألة لا تزال غير واضحة. 4 - إن "النموذج" الذى يشار إليه من جانب إسرائيل كنموذج قياسى للمناطق الخالية من الأسلحة النووية، وهو "معاهدة تيلاتيلولكو"، وأحيانا "راروتونجا"، يثير نقاط ذات أهمية خاصة بالنسبة للبديل الإسرائيلى. فبغض النظر عن كافة التعقيدات التى تطرحها الاتفاقية المشار إليها، والتى عقدت عام 1967 بين دول أمريكا اللاتينية، فيما يتصل بشروط سريانها، والتصديق عليها، والبروتوكولات الملحقة بها، وإجراءات التفتيش المتضمنة فيها، وسماحها لأى طرف بالخروج منها بإرادة منفردة، فان أهم ملامحها هى إنه تم التمييز فيها بين الأسلحة النووية - وهى ما تمنعه الاتفاقية - وبين المتفجرات النووية للأغراض السلمية وحسب معظم التقييمات الدولية لتلك الاتفاقية، فانه تمييز غير ممكن من الناحية الفنية، إضافة إلى أن الآثار الاستراتيجية لوجود "جهاز نووى"، لا تختلف كثيرا عن آثار وجود "سلاح نووى". ولقد أكدت بعض الكتابات الإسرائيلية تلك التوجهات الكامنة خلف طرح هذا النموذج بوضوح، فكما يقول د. إيلان داوتى "لاشك فى أن إسرائيل تفضل معاهدة تترك لها أكبر الخيارات النووية، وفى المقابل تمنع العرب من تطوير سلاح نووى". ويشير د. شتينبرج إلى أحد أهم أسس التصور الإسرائيلى الخاص بضبط التسلح الإقليمى يتمثل فى "الاحتفاظ برد مناسب فى حالة قيام طرف واحد بفسخ الاتفاقيات المبرمة، والتصرف بشكل منفردا". فالمشروع الإسرائيلى يعتمد على استمرار احتفاظ إسرائيل بخيار نووى ما، (ليس بالضبط سلاحا) فى ظل المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. وهكذا. فإن إسرائيل ترفض توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كسياسة ثابتة، ولديها تصورها الخاص للتعامل مع مسألة التسلح النووى فى المنطقة (وهى الدولة الوحيدة التى تمتلك سلاحا نوويا، الذى طرحته منذ عام 1975 كبديل للمعاهدة وتشير تطورات العقدين الماضيين إلى أنها قد تمسكت بسياستها الخاصة بالتعامل مع ضبط التسلح النووى فى الشرق الأوسط على هذين المستويين، وإذا كان ثمة تغيير سوف يحدث الآن فى توجهاتها بشأن المعاهدة بفعل عملية السلام، والضغوط المحيطة بها إقليميا ودوليا، فإن مضمون وجدوى وإطار ومستقبل هذا الموقف المتصور- إذا تم، يحتمل كثيرا من النقاش. الهوامش: أهم المصادر: (1) تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى شيمون بيريز، الحياة، 1994/9/1 ، الأهرام 1994/9/2 ، الحياة 1995/1/12 ، الشرق الأوسط 1995/2/18 (2) تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين، الأهرام 1994/9/2 (3) د.إيلان داوتى، يجب ترك القنبلة فى القبو، ود. أفنير كوهين، الخروج من التعتيم إلى منطقة منزوعة السلام، ويورام نمرود، يجب أن نثق فى المعاهدة، فى: أفرايم عنبار، وآخرون، السلاح النووى فى الاستراتيجية الإسرائيلية، نيقوسيا: وكالة المنار للصحافة والنشر المحدودة، الطبعة الأولى، 1987 [4] Gerald M. Steinberg, Israeli Arms Control Policu: Cautious Realism, Strategic Studies, Vol. 17 ,Np 29 June 1994 (5) د . عبد المنعم سعيد، من القاهرة إلى الدوحة وبالعكس، الأهرام، 1994/5/13 (6) عبد التواب عبد الحى، العرب .. وسلام إسرائيل النووى، العالم اليوم، 1994/5/23 ، وحتى لا يقع العرب أسرى سلام إسرائيل النووى، العالم اليوم 1993/11/18 (7) د. يثير عفرون، معضلة إسرائيل النووية، ترجمة د. تيسير الناشف، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1993 [8] The Nuclear Clule: Ita Four Neweast Members, Newsweek, July 11 , 1988 (9) إفرايم عنبار، إسرائيل والأسلحة النووية منذ أكتوبر عام 1973 ، وافى بيكر، معاهدة عدم انتشار إقليمية للشرق الأوسط. فى: لويس رينيه بيريز، الأمن أم الدمار: استراتيجية إسرائيل النووية، كتب مترجمة785 ، القاهرة الهيئة العامة للاستعلامات، بدون تاريخ (10) وثيقة الأمم المتحدة A/46/291/ADD أكتوبر 1991، مرسلة من ممثل إسرائيل فى الأمم المتحدة، حول الموقف الإسرائيلى من منطقة خالية من السلاح النووى ترجمة غير رسمية، مختارات إسرائيلية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، السنة الأولى، ا لعدد الثانى، فبرا ير 1995 الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 العدد ( 88 ) بتاريخ 1 / 4 / 1987 فى الاستراتيجية العسكرية الخيار النووى الإسرائيلى والسباق الحضارى عباس رشدى العمارى اعترف الخبير الفنى الإسرائيلى ماردخاى فاينونو بأن إسرائيل قد أصبحت تملك اليوم ما بين 100 - 200 قنبلة ذرية، وإنها تستطيع أن تنتج سنويا عشر قنابل ذرية أصغر حجما، وأخف وزنا وأكثر كفاءة من القنابل الأولى التى طورتها الدول النووية الغربية، وقدم فاينونو صورا ومستندات أكد بعدها عالم الذرة الشهير تيودور تيلور أن إسرائيل قد أصبحت تملك قوة نووية هائلة. كما جاء فى اعتراف الخبير الفنى الإسرائيلى أن جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل طلبت أثناء حرب 1973 نقل القنابل الذرية الإسرائيلية إلى القواعد الجوية عندما أحست بهزيمة قواتها أمام القوات المصرية وأوردت الأنباء الأخيرة أن فاينونو هذا على وشك أن يقدم للمحاكمة بعد أن نجحت المخابرات الإسرائيلية فى اختطافه. وعلى الرغم من أن تلقائية هذه الاعترافات تطرح أكثر من علامة استفهام ضخمة وملحة، منها الدوافع الغامضة التى حدت بفاينونو على الإقدام على اعترافه، ولماذا "للصنداى تايمز" بالذات دون غيرها؟ وكيف استطاع الخروج بمستنداته وصوره من أطواق الأمن المتعددة المضروبة حول مفاعل ديمونة؟ وسبب عدم مسارعة إسرائيل بتكذيب أقوال فاينونو جريا على عادتها المألوفة فى كل الأنباء التى تمس من قريب أو بعيد أمنها، وسبب الضجة التى أثارتها "الصنداى تايمز" حول هذا الموضوع؟ وكيف فشل النفوذ الصهيونى فى حبس الأنباء التى تمس إسرائيل عند مصادرها فى منطقة تعتبر من معاقل نفوذه التقليدية؟ نقول أنه رغم كل هذه التساؤلات التى تثير الشكوك حول تلقائية هذه الاعترافات وتعزز من مظنة الإيعاز بها، فإن هناك ثمة حقيقة مؤكدة هى أن إسرائيل قد قطعت شوطا بعيدا فى مجال التسليح النووى. وهى حقيقة تحتم التوقف أمامها بما تستحقه من اهتمام وقلق مصيريين يقدران ببعد، الفاصل التكنولوجى فى مجال التسليح بيننا وبين إسرائيل، أو أن شئت فقل بين الدول العربية جميعا وبين إسرائيل،. وانعكاسات ذلك مستقبلا لا على سباق التسلح فى المنطقة فحسب، بل وأيضا على عملية التنمية فيها، والأخطر من ذلك كله ما ينطوى عليه امتلاك إسرائيل لرادع نووى من دلالة تمكينها من القدرة على فرض شروطها السياسية مستقبلا على أوضاع راهنة لم تحسم بعد، أو على وقائع مستقبلة قد تسعى لخلقها تأكيدا لمفهوم السلام الإسرائيلى PAX ISRAELITA وتسعى هذه الدراسة إلى عرض لتطور برنامج إسرائيل النووى منذ نشأة الدولة الإسرائيلية حتى اليوم، ثم انعكاسات حقيقية تملكها إلى إمكانيات نووية هائلة على حاضر ومستقبل التوازن الاستراتيجى فى المنطقة وذلك على النحو التالى. أولا: نشأة الخيار النووى الإسرائيلى وتطوره: بدأ اهتمام إسرائيل بإعداد برنامج للتسليح النووى فيها منذ اليوم الأول لإعلان نشأة دولة إسرائيل، وهو الاهتمام الذى مهدت له هجرة عدد كبير من علماء الفيزياء اليهود من برلين ووارسو وبراغ إلى فلسطين قبل وأثناء وبعد الحرب العلمية الثانية الذين تخصصوا فى أبحاث النظائر فى هذه الدول، كما مهد له أيضا اكتشاف كميات كبيرة من اليورانيوم فى احتياطات الفوسفات الموجودة فى صحراء النقب، وشجع عليه تلك الصلات الوثيقة التى كانت تربط العلماء الإسرائيليين بأقرانهم من العلماء الفرنسيين اليهود " وغيرهم من العلماء الفرنسيين، اليساريين المنتسبين إلى الحزب الاشتراكى الفرنسى الذى كان يكن أعمق مشاعر الود لإسرائيل، مما أتاح للجانبين الإسرائيلى والفرنسى تبادل نتائج الأبحاث بطريقة غير رسمية مما ساعد على تطوير الأبحاث النووية الإسرائيلية وإثرائها إلى حد كبير بالخبرة الفرنسية الغنية. ومن ثم قامت وزارة الدفاع الإسرائيلية قى عام 1949 بإنشاء قسم لأبحاث النظائر ألحقته بمعهد وايزمان فى تل أبيب، وإبتعثت فى العام نفسه فريقا من خبراء الذرة الإسرائيليين إلى عدد من الدول الأوروبية المتقدمة فى المجال النووى بهدف تطوير دراساتهم وإجراء دراسات أكثر عمقا وتخصصا فى مجال عملهم، ولم يكد يهود الشتات يعلمون بهذا البرنامج الإسرائيلى الطموح حتى بادروا بتشجيعه بكل ما وسعهم من أموال طائلة وعقول مفكرة إلا أن هذا الإسهام فى حد ذاته لم يكن كافيا لتنفيذ برنامج على هذا القدر من الخطورة والذى يتطلب أكثر من ذلك مساندة دولة قوية له ذات قاعدة صناعية عريضة تمكنها من تزويده بالمفاعلات ومعامل التبريد، ومعامل لمعالجة المواد الانشطارية، ومن ثم قام دافيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل حينئذ ووزير دفاعها فى عام 1949 بمفاتحة فرنسا فى موضوع تعاونها مع إسرائيل فى مجال الأبحاث النووية. وكان ترحيب فرنسا بالعرض الإسرائيلى يرجع إلى عدة أسباب منها: ا - إكساب صفة شرعية للتعاون القائم بالفعل بين العلماء الفرنسيين ونظرائهم اليهود تحت سمعها وبصرها دون أن تملك القدرة على وقفه. 2 - قيام عدد كبير من اليهود الفرنسيين بالمشاركة فى المقاومة السرية الفرنسية ضد النازى قبل نزوحهم لإسرائيل عقب إعلان نشأة الدولة اليهودية 3 - تعاطف قيادات الحزب الاشتراكى الفرنسى وفى مقدمتهم ليون بلوم نفسه مع إسرائيل. 4 - حرص فرنسا الشديد على الوقوف على نتائج أبحاث البروفيسور الإسرائيلى "إسرائيل دوستروفسكى"، فى معهد وايزمان حول استنباط، وسيلة جديدة لإنتاج الماء الثقيل. 5 - وكذلك رغبة فرنسا فى الاستفادة من نتائج الأبحاث التى أجراها العلماء اليهود حول أستخرج اليورانيوم من الفوسفات وغيره من المعادن الرخيصة..؟ وعقب الاتفاق الإسرائيلى الفرنسى نشط التعاون بين لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية وبين نظيرتها الفرنسية فى أعقاب نشأة الأولى عام 1952، كما وقعت إسرائيل اتفاقية للتعاون النووى مع فرنسا فى عام 1953 ثم أحاطت برنامجها النووى، واتفاقها مع فرنسا بجدار محكم من السرية حتى أن الرأى العام الإسرائيلى نفسه لم يعلم شيئا عن وجود ما يسمى بلجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية إلا بعد نشأتها بعامين. وعلى الرغم من أن قرار بن جوريون بإنشاء مفاعل ديمونة فى صحراء النقب يعد بمثابة نقطة تحول هامة فى البرنامج النووى الإسرائيلى، إلا أن تعاون إسرائيل الدولى فى دخول عصر الذرة لم يبدأ عند هذا التاريخ وإنما قبله عندما قامت الولايات المتحدة فى عام 1952 بمساعدة إسرائيل على بناء مفاعل صغير تبلغ طاقته خمسة آلاف كيلو وات فى منطقة نحال سوروك القريبة من ساحل المتوسط وذلك فى إطار برنامج أيزنهاور الشهير المعروف باسم" الذرة من أجل السلام "وأحاطت الولايات المتحدة مساعدتها هذه لإسرائيل بنظام ضمانات صارم يخول الولايات المتحدة الحق فى القيام بتفتيش دورى على موقع المفاعل بأكمله، وهو النظام الذى انتقلت مسئولية الأشراف على تنفيذه للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى عام 1964 بعد اتفاق توصلت إليه الولايات المتحدة مع إسرائيل فى هذا الشأن، إلا أن صغر حجم هذا المفاعل حال دون تمكنه من إنتاج كميات كافية من البلوتونيوم تصلح لأغراض الإنتاج الحربى. ثانيا التعاون الإسرائيلى الفرنسى: وإزاء تواضع إمكانيات مفاعل نحال سوروك وعجزها عن تحقيق أهداف إسرائيل العسكرية قامت إسرائيل فى عام 1957 بتوقيع اتفاقية سرية مع فرنسا لإنشاء مفاعل أكبر فى منطقة ديمونة بصحراء النقب تقدر طاقته الحرارية ب 24 ألف كيلو وات حيث يستخدم اليورانيوم الطبيعى كوقود له ويتم تبريده بالماء الثقيل وكان هذا الحدث إيذانا بدخول إسرائيل عصر إنتاج القنبلة الذرية. وظل أمر هذا المفاعل سرا على الولايات المتحدة لوقت غير قصير بعد إنشائه إذ عندما آثار فضولها قيام إسرائيل ببناء منشآت ضخمة فى ديمونة وضرب سياج من إجراءات الأمن المشددة حول هذه الإجراءات حاول دافيد بن جوريون أن يشبع فضول أصدقائه الأمريكيين بتصريح مفاده أن منشآت ديمونة ليست سوى مصنعا كبيرا " للنسيج"، إلا أنهم عندما لم يظهروا اقتناعا بإجابته هذه عاد ليؤكد لهم أن المنشآت الجديدة لا تخرج عن كونها محطة لضخ المياه إلا أنه مع حلول عام 1960 أخذت شكوك الأمريكيين تتزايد حول حقيقة محطة الضخ هذه خاصة بعد نجاح فرنسا وإسرائيل فى إنتاج الطائرات الميراج الحاملة للقنابل النووية وتوصلت المخابرات المركزية الأمريكية إلى معلومات تؤكد اشتراك علماء ذرة إسرائيليين فى التجارب النووية التى أجرتها فرنسا فى الصحراء الجزائرية فى شهر فبراير عام 1960 مما دفع أيزنهاور إلى مفاتحة بن جوريون أثناء زيارة الأخير لواشنطن فى مارس عام 1960 بتلميح أقرب ما يكون إلى التصريح بأن امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية ليس من شأنه أن يزيد من أمنها فى مواجهة جيرانها العرب. كما أعرب عن شكه فى أن يقوم الاتحاد السوفيتى بتزويد مصر (الجمهورية العربية المتحدة آنذاك) بالأسلحة النووية، وأنه لو حدث ذلك فإن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدى تطبيقا لمبدأ عدم السماح بتعرض أمن أى دولة من دول المنطقة للخطر مدللا على ذلك بموقف بلاده من حرب السويس عام 1956 وبتدخلها فى لبنان فى عام 1985. وفى صيف عام 1960 أبلغت وكالة المخابرات المركزية الرئيس أيزنهاور بأنه قد توافرت لديها الأدلة القاطعة على أن المبانى التى أقامتها إسرائيل فى صحراء النقب ووصفتها لمارة بأنها مصنع للنسيج، وتارة أخرى بأنها محطة لضخ المياه ليست فى حقيقتها سوى مفاعل نووى كبير ذى طاقة تمكنه من إنتاج المواد الانشطارية الكافية لصنع القنابل الذرية بمعدل 1.2 قنبلة سنويا، أو بعبارة أخرى إنتاج 6 قنابل ذرية كل خمس سنوات، وجاء هذا القلق الجديد ليزيد بالفعل من هموم الولايات المتحدة التى وقعت فريسة لها منذ أن علمت بنجاح ألمانيا الغربية فى فصل المادة الانشطارية من نفايات وقود المفاعلات بواسطة "مخضة" تعمل بالغاز وكان الاختراع الألمانى الجديد - بسبب قلة نفقاته - كفيلا بتمكين الدول الصغيرة مثل إسرائيل من شرائه واستخدامه فى إنتاج الأسلحة النووية بدون اضطرارها لإنشاء معمل لفصل البلوتونيوم. والأهم من ذلك كله أن صغر حجم "المخضة الغازية " كان يسهل من عملية إخفائها عن عيون الفضوليين، مما يسدل ستارا من السرية حول حقيقة نشاط إسرائيل النووى، وذلك على العكس تماما من مصانع البلوتونيوم الضخمة الواضحة للعيون، ولذلك قام "كريستيان هرتر" وزير الخارجية الأمريكى فى ديسمبر 1960 باستدعاء السفير الإسرائيلى فى واشنطن وطرح عليه ثمانية أسئلة لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل قد أقامت مفاعلا نوويا كبيرا أم لا؟. إلا أنه عندما وردت الإجابات الإسرائيلية غامضة ومراوغة لم تجد الخارجية الأمريكية أمامها بدا من إعلان النبأ فى نشرة عامة مما دفع بن جوريون إلى الاعتراف بأن بلاده قد بنت بالفعل مفاعلا نوويا كبيرا فى ديمونة، ولم ينس بطبيعة الحال أن يلحق باعترافه هذا الذى أدلى به أمام الكنيست الإسرائيلى يوم 21 ديسمبر، لم ينس أن يؤكد أن هذا المفاعل قد بنى بهدف استخدامه فى الأغراض السلمية.. الظروف الدولية التى مكنت إسرائيل من تطوير قدرتها النووية: وفى هذا الصدد يمكننا أن نقول أنه مع حقيقة وجود تزاوج مصلحى فى التعاون الفرنسى الإسرائيلى ساعد إسرائيل على إنتاج قنابلها الذرية الأولى، فليس هناك ثمة شك فى أن التناقضات التى حفلت بها سياسة الولايات المتحدة النووية إزاء الدول غير المالكة للأسلحة النووية قد شكلت عوامل مساعدة أخرى ساعدت إسرائيل على المضى قدما فى تطوير برامجها النووية. وفى الواقع أننا نجد أن عدم وجود سياسة واضحة لإدارة الرئيس ايزنهاور فيما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة-النووية كان بمثابة الثغرة. التى نفذت منها إسرائيل إلى مجال التسلح النووى. ومفاد ذلك أن الرئيس أيزنهاور قام فى شهر ديسمبر عام 1953 بالترويج لبرنامجه الشهير باسم" الذرة من أجل السلام" فى خطاب هام ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الخطاب الذى طالب فيه بإنشاء مخزون دولى من اليورانيوم يتم وضعه تحت رقابة هيئة دولية جديدة تنشأ لهذا الغرض، وتحمل أسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما يناط بهذه الهيئة الدولية الجديدة أمر توزيع هذا المخزون بين الدول المختلفة بشروط وضمانات خاصة، وكان أيزنهاور يرمى من وراء ذلك إلى تعميم فائدة الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية على الدول غير المالكة للطاقة النووية، وذلك فضلا عن توفير رقابة دولية محكمة على عمليات تحويل المواد الانشطارية والتكنولوجيا المصاحبة لها عن الأغراض التى خصصت من أجلها، إلى مجال التسليح النووى. وقد صاحب إعلان برنامج أيزنهاور هذا موجة من الحماس الطفولى طغت على إدارة أيزنهاور فبادرت وزارة الخارجية الأمريكية بتعميم التوجيهات اللازمة لتنفيذ هذا البرنامج على سفاراتها فى الخارج بما نصه " ينبغى توضيح فوائد هذا البرنامج لشعوب الدول المعتمدين لديها والأهمية الفائقة للطاقة والبحوث النووية التى ستنعكس بفوائدها الملموسة على حياتهم اليومية ذاتها، ومن ثم فإن الخطة الإعلامية للبرنامج يجب أن تفوق فى أهميتها أية خطة إعلامية قد اتخذت خلال السنوات السابقة وربما لعدة سنوات لاحقة أيضا "وباستعراض المرء مرة أخرى لهذا البرنامج، يمكنه أن يلحظ بسهولة مدى التناقض القائم بين هدفيه المعلنين، وهما نشر التكنولوجيا النووية، والحد من انتشار الأسلحة النووية. وقد علق دافيد هوفمان وهو أحد الخبراء فى وضع الاستراتيجية النووية على ذلك بقوله " أن الولايات المتحدة قد أقامت 26 مفاعلا نوويا فى الدول الأجنبية، وقدمت منحا تدريبية ل 13456 باحثا فى الذرة فى الفترة الواقعة ما بين عامى 1954 و 1979 من بينهم 3532 باحثا ينتمون بجنسياتهم لدول لم توقع بعد على معاهدة منع التجارب النووية " وفيما بين عامى 1954 و 1956 زادت شقة الخلاف بين مبادئ الولايات المتحدة المعلنة حول الحد من التسليح النووى وبين مواقفها الفعلية من هذه القضية، مما شجع الدول الأخرى الصغيرة مثل إسرائيل على أن تحذو حذوها، بل وأن تتذرع بنفس الأسباب التى احتجت بها الولايات المتحدة للتنصل من التزاماتها بالعمل على التحفظ فى برامجها النووية. إذا قامت الولايات المتحدة خلال الفترة السالف الإشارة إليها برفض مقترحات رئيس الوزراء الهندى نهرو أكثر من مرة الخاصة بتوقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما قامت أيضا فى أكتوبر 1956 برفضى اقتراح مماثل من الاتحاد السوفيتى فى بيان ألقاه أيزنهاور جاء فيه: " أنه لمن واجبنا أن نستمر فى تطوير قوتنا بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا من أسلحة -حتى يحين ذلك الوقت الذى يمكن التوصل فيه إلى اتفاقية دولية مشمولة بالضمانات الكافية - وذلك من أجل حماية أمننا القومى، ومن أجل حماية استقلال الدول الحرة كافة، بل ومن أجل استقرار السلام ذاته ". ولقد وعى دافيد بن جوريون هذا الدرس تماما وظل محتفظا به فى ذاكرته لمدة ست سنوات كاملة، حتى إذا ما تقدم أعضاء المايام والشيوعيون فى الكنيست الإسرائيلى فى عام 1962 باقتراح إنشاء منطقة نووية فى الشرق الأوسط تضم إسرائيل والدول العربية، نجده يعلق موافقته على شرط توقيع اتفاق يكفل المراقبة المستمرة والمتبادلة بين هذه الدول، وعلى إلا يمس مثل هذا الاتفاق بحدود أو سيادة الدول الأطراف". ولعله من المناسب أن نذكر أيضا فى هذا المقام عاملا من أهم العوامل التى شجعت إسرائيل على الإفادة من إحدى ثغرات السياسة الأمريكية، وهى الثغرة الناجمة عن القرار الأمريكى الصادر فى عام 1956 بشأن تبادل المعلومات النووية مع الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلنطى "الناتو" وهو القرار الذى أمتد نطاق سريانه ليشمل كذلك الدول الأعضاء فى حلف بغداد ومن بينها باكستان والعراق مما عدته إسرائيل بمثابة تهديد لأمنها على ضوء حالة العداء القائمة بينها وبين هاتين الدولتين، وبخاصة العراق على وجه التحديد. وتأسيسا على القرار الأمريكى أقترح قائد القوات الأمريكية فى أوروبا على البنتاجون فى إبريل عام 1956 أن تتضمن المساعدة الأمريكية لدول حلف بغداد فى هذا الصدد دراسات متعمقة فى المجالات التالية: 1 - دراسات أولية فى الأسلحة الذرية. 2- الآثار الطبية والنفسية 3 - التأثيرات الناجمة عن استخدام الأسلحة النووية. 4 - الإشعاعات النووية ومعالجة أثار التلوث. 5 - التكتيك النووى البرى. 6 - التكتيك الجوى النووى وفى شهر ديسمبر عام 1956 أوصت قيادة الأركان الأمريكية المشتركة بتعديل قانون الطاقة النووية الصادر فى عام 1956 ليسمح بإجازة التعاون بين الولايات المتحدة ودول حلف بغداد فى مجال تبادل المعلومات النووية. وبعد مض ستة شهور على هذا الاقتراح قامت فرنسا بتوقيع اتفاقية سرية مع إسرائيل بهدف تقنين التعاون بين الدولتين فى برنامج للأبحاث النووية، وهى الاتفاقية التى مكنت لإسرائيل بعد ذلك من أن تصبح سادس دولة نووية فى العالم. وفى عام 1958 أثارت تصريحات الولايات المتحدة بوجود علاقة نووية خاصة بينها وبين بريطانيا ثائرة الجنرال ديجول. وجاءت ثورته هذه لصالح مضاعفة جهود التعاون الفرنسى - الإسرائيلى فى مجال تطوير الأبحاث النووية حتى تستقل فرنسا برادعها النووى الخاص وتتمكن إسرائيل بالتبعية من قطع خطوات واسعة على طريق التسلح النووى.. نشاط إسرائيل من خلال القنوات غير الدولية: فى أوائل عام 1957 أنشئت فى مدينة أبوللو من أعمال بنسلفانيا شركة أطلق عليها أسم NUMEC قدمت نفسها فى نشرة صادرة عن إدارة العلاقات العامة فيها على أنها "شركة رائدة فى مجال تصنيع المواد والمعدات النووية" وجاء فى قانونها التأسى أن الهدف من إقامتها هو: "تصنيع، وتشييد، وبيع، وإصلاح كافة مفاعلات الوقود النووى وكذلك إجراء الأبحاث النووية المتعلقة بها ".وفى عام 1968 قدم مكتب المباحث الفيدرالى تقريرا عن الالتزامات الواردة على مثل هذه الشركة جاء فيه" إن لجنة الطاقة الذرية قد خولت بعض الشركات حق حيازة ومعالجة المواد النووية التى يمكنها الحصول على ما تحتاج إليه منها من اللجنة نفسها من عنوانها الكائن فى أوكريدج بولاية تينس (..........) ويمكن لهذه الشركات تحويل هذه المواد إلى وقود لاستخدامه فى المفاعلات، ولما كانت عملية معالجة هذه المواد لتحويلها إلى وقود سيتخلف عنها بعض النفايات التى تحتوى على بعضى اليورانيوم وربما البلوتونيوم (......)، وبعد ذلك ترسل هذه النفايات إلى شركات إعادة معالجة المواد مثل شركة NUMEC التى ينبغى عليها الانتهاء من عملية إعادة المعالجة خلال ستين يوما وإعادة المادة الأصلية المستردة إلى "لجنة الطاقة الذرية". وبعد ثلاث سنوات من إنشاء هذه الشركة أكتشف مكتب عمليات نيويورك بعد قيامه بالتفتيش على هذه الشركة "انه توجد ثغرات فى إجراءات الرقابة عل المواد النووية " وذلك حسبما وردا فى تقريره المقدم إلى مدير الشركة زالمان شابيرو، وقد أدت هذه الثغرات إلى تسرب واختفاء مئات من الأرطال من اليورانيوم المثرى ومعظمه من المملوك للحكومة الأمريكية، وقد ذهب هذا اليورانيوم إلى إسرائيل. محاولات فاشلة للتدخل الأمريكى: فى يناير عام 1961 أعلن داقيد بن جوريون أمام الكنيست الإسرائيلى فى خطاب له تناقلته وكالات الأنباء العالمية عدوله عن وصف مفاعل ديمونة بأنه مصنع للنسيج أو محطة لضخ المياه. وذكر أن هذه المبانى المقامة فى ديمونة هى عبارة عن معهد علمى لدراسة مشاكل الحياة النباتية والحيوانية فى المناطق القاحلة، وفى ذلك الحين كان هناك رئيس جديد يتولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية هو جون كيندى أعرب عن عدم اقتناعه بما جاء فى خطاب بن جوريون ثم ألتقى بعد ذلك كيندى وبن جوريون فى فندق والدروف أوستريا فى نيويورك فى شهر مايو من عام 1961 حيث حاول الرئيس الأمريكى أن يقنع بن جوريون بمدى ما يشعر به من قلق بالغ إزاء حقيقة نشاط مفاعل ديمونة، ويستحثه على قبول قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء تفتيش دورى على مفاعل ديمونة، إلا أن الجدل الذى احتدم بين الرجلين لم يسفر إلا عن الوصول إلى حل وسط بالموافقة على قيام الولايات المتحدة وليست الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء تفتيش سنوى على مفاعل ديمونة طبقا للشروط التى تحددها وزارة الدفاع الإسرائيلية، وقد كشف ماير فيلدمان مساعد الرئيس كيندى لشئون الشرق الأوسط فيما بعد عن أن قبول إسرائيل لمبدأ التفتيش السنوى الأمريكى على مفاعل ديمونة وبشروطها لم يتم إلا بمقابل حصولها على وعد من الرئيس الأمريكى كيندى بتزويدها بما تحتاجه من صواريخ هوك أرض - جو المتطورة، ومع ذلك فإنه رغم حصول إسرائيل على الأسلحة التى طلبتها من الولايات المتحدة إلا أنها قد ماطلت فى الوفاء بالتزاماتها الخاصة بتمكين الأولى من إجراء عمليات التفتيش السنوى المتفق عليها. وفى يوليو من نفس العام أطلقت إسرائيل صاروخها متعدد المراحل شافيت - 2 الذى يبلغ مداه ما بين 50 - 80 ميلا فى طبقات الجو العليا، وتمثل هذه العملية تتويجا لبرنامج أبحاث أنظمة التوجيه الإلكترونى ودراسة طبقات الجو العليا الذى بدأ فى أواخر الخمسينات، والذى عززته ملاحظات الخبراء الإسرائيليين على تجارب إطلاق صواريخ فرنسية مماثلة فى الصحراء الجزائرية، وفى شهر أكتوبر أطلقت إسرائيل صاروخها طويل المدى شافيت - 3 وبدأت فى تطوير برامجها الخاصة بأنظمة توصيل الرؤوس النووية، كما قامت فرنسا فى عام 1961 بالموافقة على بيع 72 قاذفة مقاتلة ميراج من طراز III -C قادرة على حمل الأسلحة النووية. وفى شهر نوفمبر من عام 1961 أثارت إسرائيل ضجة كبيرة حول اشتراك العلماء الألمان فى مشروع -الصواريخ المصرية بعد المعلومات التى وافاها بها مهندس ألمانى كان يعمل فى المشروع بعد أن نجحت فى تجنيده، وقام بن جوريون بتصعيد هجومه على الألمان وتنديده بهم فيما وصف بأنه إحياء النغمة المعادية للألمان، ومع ذلك فقد وجدت إسرائيل فى المشروع المصرى بعض المنافع على النحو الذى وصفه سيمحا فلافان فى مقاله "القوى النووية فى الشرق الأوسط" المنشور فى عدد أكتوبر 1974 من مجلة "نيو أوت لوك" حيث جاء فى مقاله هذا ".. لقد أغتنم بن جوريون وحكومته هذه الأزمة ليتخذوا منها مبررا قويا للإسراع فى تطوير برنامجهم النووى حتى يكون ذلك بمثابة رادع لجهود عبد الناصر وعزمه على القضاء على دولة إسرائيل واستمرت إسرائيل فى تطوير برامجها النووية بإيقاع أسرع طوال السنوات الخمس التالية حتى ولاية ليفى إشكول رئاسة الوزارة الإسرائيلية. وقيامه فى شهرى إبريل ومايو باتخاذ سلسلة من الإجراءات التى بدت وكأنها تجميد للبرنامج النووى الإسرائيلى فقام بطرد البروفيسور إرنست برجمان وهو من أكثر المتحمسين لتطوير هذا البرنامج من لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، ونزع من وزارة الدفاع الإسرائيلية حق الأشراف على هذه اللجنة ألحقها بمكتبه وتولى رئاستها وأختار لعضوية هذه اللجنة شخصيات يشهد ماضيهم بتشجيعهم لمبدأ الاستخدامات السلمية للطاقة النووية حيث أتى بهم من شركة الكهرباء الإسرائيلية، وهيئة المياه القومية، وهيئة الصناعات البترولية ومعاهد الأبحاث الزراعية والطبية، مما يعد بمثابة دلالة واضحة على اعتزامه تحويل أنشطة هذه اللجنة من الاستخدامات العسكرية إلى الاستخدامات المدنية، وفى 18 مايو عام 1966 تعهد إشكول فى خطابه أمام الكنيست بأن إسرائيل لن تكون البادئة بإدخال الأسلحة النووية إلى المنطقة وإن كان قد أنكر امتلاك بلاده لأية أسلحة نووية، وأعرب عن تأييده لفكرة إجراء تفتيش متبادل بين مصر وإسرائيل، وإن لم يتقدم بمقترحات محددة حول كيفية تنفيذ هذه الفكرة، كما أعلن عن موافقته على الحفاظ على توازن الأسلحة التقليدية فى المنطقة وفى اليوم التالى أى 19 مايو عام 1966 أعلنت حكومة اشكول عن توقيعها لاتفاق مع الولايات المتحدة، تعهدت الأخيرة بمقتضاه بتزويدها بشحنة كبيرة من طائرات السكاى هوك ودبابات الشيرمان، وتعتبر هذه الشحنة من الأسلحة أضخم شحنة تلقتها إسرائيل طوال تاريخها من الولايات المتحدة، أو ما يعادل مجموع ما تلقته منها منذ إعلان نشأتها فى عام 1948 حتى عام 1965. أو بعبارة أخرى فإن إسرائيل قد عدلت عن قبول الخيار النووى الذى تمسك به بن جوريون واكتفت بالخيار التقليدى الذى يضمن لها التفوق على الدول العربية مجتمعة. ولكن الواقع أنه فى منتصف عام 1966 كانت وزارة الدفاع الإسرائيلية تضع يدها على كافة مكونات إنتاج السلاح النووى ووسائل توصيله من طائرات وصواريخ، وصواريخ حاملة للرؤوس النووية من طراز أريحا (المنتج بالاتفاق مع شركة داسو الفرنسية). دلالة اعترافات فاينونو: أولا: أن السباق الحضارى هو عملية تاريخية متصلة ومستمرة بقوة الدفع الديناميكى لحركة التاريخ ذاتها لا تتوقف إلا بتوقف التاريخ ذاته ولا تبلغ ذروتها إلا مع نهاية التاريخ أى بنهاية العالم، ونجاح إسرائيل فى تجاوزها بخطوات واسعة على طريق التسلح النووى وإن كان يعزى فى المقام الأول إلى مشاركة علمائها فى الأبحاث النووية الأولى فى أحدث المعامل الأوربية، وفى اعتمادها على الدعم المالى الخارجى الذى لا ينضب، وفى مواكبة جهودها للتطوير المستمر للأبحاث النووية، فإن الأمانة تقتضينا أيضا بأن نعترف بأنه يعزى أيضا لوضوح رؤيتها للهدف الذى تصبو إليه وتسعى إلى تحقيقه. ثانيا: أن العملية الحضارية هى كل لا يتجزأ إذا أنهار ركن منها تهاوى البناء الحضارى برمته. فالسبق الحضارى لا يعنى تحوير مخابزنا ولا مدارسنا ولا مستشفياتنا إلى مفاعلات نووية أنه يبدأ بعملية متوازنة للتنمية فى كافة القطاعات سياسيا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا لأن الإنسان الوحيد القادر على الإبداع وعلى استخدام الذرة وتطويرها هو الإنسان الصحيح الجسم والسليم العقل والذى يزداد عطاؤه بقدر مشاركته فى صنع مستقبل وطنه وبقدر كفالة حقوقه واحترام حرياته. ثالثا: أن التفوق النووى الإسرائيلى لا يعنى بالضرورة القدرة على التلويح بالرادع النووى كورقة ضاغطة فى أية مفاوضات مستقبلية بيننا وبين إسرائيل لا بالنسبة للحقوق الفلسطينية المغتصبة ولا بالنسبة للقضايا المعلقة بيننا وبين إسرائيل إذ يجب التفرقة هنا - كما سبق للرئيس الأمريكى الأسبق نيكسون الإيضاح فى كتابه عن الحرب النووية - بين امتلاك السلاح النووى والقدرة على استخدام هذا السلاح الذى تحوطه محاذير عديدة كانت السبب فى إحجام الولايات المتحدة عن استخدامه لإنقاذ توحلها المشين فى المستنقع الفيتنامى، كما كانت وراء إحجام الاتحاد السوفيتى عن إنقاذ سمعته المتردية فى حرب طويلة لا متكافئة فى المستنقع الأفغانى، وكانت سببا أيضا فى تقييد حرية الصين فى الحفاظ على هيبتها أمام انتصارات القوات الفيتنامية. الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 العدد ( 120 ) بتاريخ 1 / 4 / 1995 قسم خاص أضواء على الموقف المصرى من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية محمود كارم مقدمة: إن الدول العاقدة لهذه المعاهدة إذ تدرك الدمار الذى تنزله الحروب النووية بالبشرية قاطبة، وضرورة القيام بالتالى ببذل جميع الجهود الممكنة لتفادى خطر مثل تلك الحروب، وباتخاذ التدابير اللازمة لحفظ أمن الشعوب ... بتلك الكلمات التى تشع تفاؤلا ورغبة فى تدارك خطأ جسيم ارتكبه الإنسان عندما اخترع السلاح النووى، بدأت ديباجة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية المعروفة اختصارا باسم NPT أوسع المعاهدات الدولية عضوية بعد ميثاق الأمم المتحدة، ودعامة نظام منع الانتشار النووى. عندما فتحت المعاهدة للتوقيع فى الأول من يوليو 1968 مثلت أملا للعديد من دول العالم فى تحقيق السلم والأمن ودرء أخطار السلاح النووى وأيضا تحقيق الاستخدام السلمى الفعال للتكنولوجيا النووية من أجل تقدم ورفاهية الإنسان، وبعد ديباجة طموحة تشير لضرورة القضاء على شبح الدمار الشامل للبشرية نجد أن مواد المعاهدة تتحدث عى نوعين من الدول الأول هو دول تسمح لها المعاهدة بامتلاك السلاح النووى بلا حدود ولا سقوف كمية أو نوعية ويطلق على تلك المجموعة الدول النووية Nuclear States والنوع الثانى هو تلك الدول التى لا يسمح لها بامتلاك أو حيازة أو إنتاج أو تطوير السلاح النووى ويطلق على تلك الدول الدول اللانووية Non-Nuclear Weapon States وكانت هذه الطبيعة التمييزية Discriminatory هى أحد الملامح الرئيسية لمعاهدة NPT ومازالت أحد المنافذ الرئيسية لتلك المعاهدة التى جمعت من الدول الأعضاء حتى الآن 171 دولة منهم خمس نووية. هذا وقد مكثت مصر أحد الدول الداعمة لتلك المعاهدة عند نشأتها وظلت على مدى ربع قرن من الزمان أحد المدافعين عن تلك المعاهدة، ومن هنا تنبع أهمية تلك الدراسة التى تلقى بالضوء على الموقف المصرى تجاه معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتهدف فى هذا الصدد لتأكيد الأهداف الآتية: 1 - إن الدعاوى التى تصور مصر كدولة تقف ضد المعاهدة هى دعاوى باطلة يفندها تاريخ تلك المعاهدة الذى يشهد بدور مصر وخبرائها فى صياغة وتطبيق تلك المعاهدة على مدى أكثر من ربع قرن. 2 - إن الخلاف النووى بين مصر وإسرائيل والذى برز إلى السطح فى الشهور الأخيرة ليس موقفا مفتعلا من جانب مصر أو موقفا جديدا بل هو حلقة فى سلسلة مواقف ألزمت بها مصر نفسها منذ عقود طويلة. 3 - إن موقف مصر لا يتعارض ولا يهدم مبدأ تحقيق عالمية المعاهدة، بل هو يترجمه ويظهر حرص مصر عليه وضرورة ألا تكون هناك استثناءات. وعلى ذلك رأينا أن تتناول الدراسة النقاط الرئيسية التالية: أولا: الظروف الدولية والإقليمية التى أبرمت فيها المعاهدة. ثانيا: مصر والانضمام للمعاهدة. ثالثا: جهود مصر فى مجال نزع السلاح النووى وأسلحة الدمار الشامل. رابعا: القرار255 والرؤية المصرية لموضوع ضمانات الأمن. خامسا: فى انتظار إبريل "موقف مصر من مؤتمر مراجعة / تمديد سريان العمل بالمعاهدة".خاتمة: حول الرؤية المصرية لدور جهود نزع السلاح فى إحلال السلام فى الشرق الأوسط. أولا: الظروف الدولية والإقليمية التى أبرمت فيها المعاهدة: وقف العالم أكثر من مرة خلال عقد الستينات على حافة الحرب النووية وكانت قضيتى سور برلين 1961 وأزمة الصواريخ الكوبية 1963 مثالين على أن خطر الحرب النووية يمكن أن يكون مصدره أماكن أخرى غير أراضى القوتين العظميين وأن هناك احتمال أقوى من ذى قبل لأن تسعى العديد من الدول - ربما الخارجة عن نطاق القطبين الكبيرين وحليفيهما - لتطوير برامج نووية غير سلمية وبالتالى فإن قرار اندلاع الحرب النووية لن يكون فى يد العملاقين فقط وإنما سيتفرق فى أيدى العديد من القوى الإقليمية والأنظمة التى لا يوثق فى تقديرها لعواقب الأمور. وانعكست تلك الصورة على المستوى الإقليمى فالمشكلات الساخنة والمشتعلة فى الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية كانت تنذر بالتحول إلى كارثة حقيقية لو استطاع أى طرف أن يمتلك سلاحا نوويا ومن هنا كان حرص الدول النووية أن تنشئ إطارا دوليا تعاقديا لمنع الانتشار الأفقى يحمى وضعها كأطراف تستأثر بالسلاح النووى وتطوره دون حدود ويمنع الدول الأخرى من حيازة تلك الأسلحة ويعطيها بدلا من ذلك الحق فى الحصول على كل أنواع المعونة التى تسهل لها استخدام الطاقة النووية من أجل الأغراض السلمية. وهكذا ولدت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من زخم الحرب الباردة ومعاييرها ومخاوفها التى حكمت كافة المنظورات الإقليمية والدولية فى تلك الفترة وحتى سنوات طويلة أخرى تالية. ثانيا: مصر والانضمام للمعاهدة: 1 - مفاوضات إعداد المعاهدة: بدأت مفاوضات إعداد مسودة المعاهدة عام 1965 واستمرت حتى 1968 عندما فتحت المعاهدة للتوقيع، وكان لمصر منذ البداية دورا هاما فى تلك المفاوضات وهو لم يكن بالأمر الهين مع وجود العملاقين الكبيرين وحلفائهما، وبالرجوع لأوراق ووثائق تلك المرحلة الهامة نجد أنها تعترف بدور مصر الإيجابى فى مرحلة المفاوضات وتشيد برؤية مصر التى أعلنتها فى ذلك الوقت تجاه المعاهدة من أنها تعتبرها وسيلة فعالة لإيقاف الانتشار الأفقى للأسلحة النووية وبالتالى فهى تطالب بان تكون المعاهدة غير محددة مدة سريانها (1). ولاشك أن هذا الطلب يعكس ما وصل إليه الموقف المصرى من إيمان راسخ بأهمية المعاهدة وأهدافها، وقد طالبت مصر أيضا خلال المفاوضات بأن يولى مزيد من الاهتمام بمسألة ضمانات الأمن الفعالة لضحايا العدوان النووى ذلك أن الضمانات المقترحة من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى والمملكة المتحدة حينذاك ليست كافية، وطلبت بدلا من ذلك بأن تصاغ تلك الضمانات فى صورة تعهد ملزم من القوى النووية بالأخذ فى الاعتبار بأن التهديد باستخدام أو استخدام الأسلحة النووية ضد الدول اللانووية الأعضاء فى المعاهدة يعتبر سببا كافيا لمنع أو للرد بالمثل ضد العدوان النووى كإجراء من إجراءات الأمن الجماعى، وطالبت مصر الدول النووية الثلاث بأن تتكاتف لمنع العدوان النووى، وإنه من الأهمية القصوى أن تتضمن المعاهدة "الدول النووية المحتملة" حتى تصبح تلك المعاهدة ذات معنى (2). يضاف إلى الآراء السابقة لمصر أنه يذكر لمجموعة الدول السبع غير المنحازة التى ضمت مصر من بين أعضائها وحضرت جميع مراحل المفاوضات، أنها أدخلت نصين غاية فى الأهمية إلى بنيان المعاهدة: 1 - عقد مؤتمر للمراجعة لاستعراض سيرها وتحقيقها لأهدافها "مادة 8 فقرة3" وذلك كل خمس سنوات. 2 - عقد مؤتمر للبت فى استمرار نفاذ المعاهدة يعقد بعد مرور25 عاما على دخولها حيز النفاذ "مادة 10 فقرة 2". 2 - التوقيع على المعاهدة: قامت مصر بالتوقيع على المعاهدة فى كل من لندن وموسكو فى أول يوليو 1968 أى فى أول يوم فتحت فيه المعاهدة للتوقيع، ويحمل ذلك الحدث وذلك التاريخ دلالة واضحة على اهتمام مصر بالمعاهدة وتقديرها لأهميتها وإيمانها بالأهداف التى تسعى إليها، وذلك على الرغم من تحفظاتها على بعض المسائل التى لم تتم الاستجابة إليها مثل مسألة ضمانات الأمن، وعلى الرغم من أن التصديق قد تأخر عن التوقيع نحو ثلاثة عشر عاما، إلا أن المجتمع الدولى كان ينظر بعين التفهم لموقف مصر من التصديق والذى يأخذ فى الاعتبار رفض إسرائيل الانضمام لها، ولم يكن هذا التأخير من جانب مصر فى التصديق على المعاهدة يخفى وراءه رغبة فى أن تطور مصر برنامجا نوويا عسكريا أو أن تتحايل من جانبها على نصوص المعاهدة بل كان واضحا أن مصر قد ألزمت نفسها بالمعاهدة من جانبها منذ اللحظة التى وقعت فيها عليها وذلك إيمانا - وفى ظل الحكومات المتتالية - بأن السلاح النووى لا يحمى ولا يوفر أمنا وإنما يبذر بذور الخطر المتفجر فى أية لحظة. وقد أكدت الأحداث التى تلت توقيع مصر على المعاهدة هذه الوضعية الفريدة "الالتزام دون التصديق" والتى كانت دافعا رئيسيا لأن تستكمل مصر موقفها من المعاهدة وذلك باتخاذ خطوة التصديق كإقرار بأمر واقع بالفعل وهو التزام مصر بأحكام المعاهدة. 3 - مؤتمر الدول النووية أغسطس 1968: بعد فتح المعاهدة للتوقيع وفى خلال الفترة التى سبقت دخولها حيز النفاذ، انعقد تحت رعاية الأمم المتحدة مؤتمر ضم ست وتسعين دولة لا نووية فى أغسطس 1968 حيث اتخذ المؤتمر عدة قرارات عبرت عن وجهة نظر تلك الفئة من الدول والتى شملت: أ - ضرورة القيام بإجراءات أكثر شمولا لنزع السلاح النووى مثل إنشاء المناطق الخالية من الأسلحة النووية. ب - حتمية العمل على إيقاف إنتاج المواد الانشطارية للاستعمال العسكرى وتخفيض السلاح النووى تمهيدا لإزالته تحت نظام رقابة فعال. ج - ضرورة العمل على الوقف التام للتجارب النووية من أجل الأغراض العسكرية. ومن اللافت للنظر أن مطالب دول عدم الانحياز سواء تلك التى تبدت أثناء مرحلة المفاوضات أو خلال مؤتمر الدول اللانووية كانت هى نفسها تلك المطالب التى نادت بها تلك الدول خلال مؤتمرات المراجعة الأربعة "75 - 80 - 85 - 90" ومازالت أيضا تشكل مطالب تلك الدول التى تريد ضمان أمنها وسلامتها من قرار متهور باستخدام السلاح النووى ضدها وفى نفس الوقت تريد لشعوبها مستوى أعلى من التنمية والرفاهية وتؤمن بدور الطاقة النووية فى ذلك - مازالت تشكلها فى مؤتمر المراجعة القادم إبريل 1995 4 - التصديق: فى يوم 1980/12/14 وجه الدكتور بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية مذكرة للرئيس السادات ولرئيس الوزراء، يرجو فيها الموافقة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPT معددا مزايا التصديق على هذه المعاهدة وعلى رأسها أن هذا التصديق يتيح لمصر الحصول على التكنولوجيا النووية من الدول التى تمتنع عن إمداد مصر بها بحجة عدم تصديقها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وكانت تلك المذكرة إيذانا ببدء إجراءات دستورية انتهت بإصدار الرئيس الراحل أنور السادات قرارا جمهوريا - بناء على موافقة مجلس الشعب -بالتصديق على المعاهدة والموافقة على جميع أحكامها حكما حكما وذلك فى 22 فبراير 1981 ، ويمكن إجمال الأسباب التى حدت بمصر على التصديق هذه المعاهدة فيما يلى: أ - إن هذه الخطوة من جانب مصر ستدفع إسرائيل لمزيد من التروى والتفكير فى الانضمام مستقبلا للمعاهدة ونبذ تصنيع السلاح النووى وخاصة فى ظل مناخ السلام السائد بعد توقيع معاهدة السلام عام 1979 بين مصر وإسرائيل. ب - نجاح مصر فى إقناع إسرائيل بالموافقة على القرار الذى تبنته مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط مما يسهم فى عملية ترجمة هذا القرار لواقع فعلى وهو الأمر الذى يعنى إنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط الأمر الذى يحمل فى طياته التزاما نافذا من كافة دول المنطقة بأهداف المنطقة المنزوعة السلاح النووى. ج - حاجة مصر الملحة للاستثمار فى الطاقة النووية لمواجهة احتياجاتها من الطاقة الكهربية فى نهاية هذا القرن. 5 - موقف مصر من معاهدات نزع السلاح التالية لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية: تتمتع مصر بعضوية سبع معاهدات دولية لنزع السلاح والحد من التسلح تشكل أهم التعاقدات الدولية فى هذا المجال، وقد صدقت مصر على خمس من تلك المعاهدات وهى: 1 - بروتوكول جنيف لتحريم استخدام الغازات السامة والخانقة والأسلحة البيولوجية فى الحرب وكان تاريخ التصديق "1928". 2 - اتفاقية الحظر الجزئى للتجارب النووية 1963 3 - اتفاقية الفضاء الخارجى 1967 4 - معاهدة تحريم الاستخدامات العسكرية لتقنيات التغيير البيئى 1982 5 - تصديق مصر على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية فى 1981 6 - بينما اكتفت مصر حتى الآن بتوقيع اتفاقية الأسلحة البيولوجية 1972 واتفاقية الأسلحة غير الإنسانية مما يعنى عدم التزام مصر بأحكام هاتين المعاهدتين من الناحية القانونية، وإن كان التزامها من الناحية الواقعية أمر معروف. وتوضح الإحصائية السابقة أن مصر تتفوق على إسرائيل والعديد من الدول من حيث عدد معاهدات نزع السلاح والحد من التسلح التى ألزمت مصر نفسها بها، إيمانا بأهدافها السامية وتأكيدا على رغبتها الصادقة فى السلام الأمر الذى لم تحرم مصر عائده فى شكل تقدير واسع وملموس من العديد من دول العالم التى تؤمن بدور نزع السلاح بكافة أنواعه فى تحقيق الرفاهية للمجتمع البشرى. وبطبيعة الحال فان من بين تلك المعاهدات نجد أن معاهدات ثلاث تحظى باهتمام أكبر والتى تشكل الإطار القانونى لها لدى كافة الدول وهى المعاهدات التى تتناول أسلحة الدمار الشامل، معاهده حظر انتشار الأسلحة النووية NPT واتفاقية الأسلحة البيولوجية BWC ومعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية CWC والتى لم توقع مصر عليها. ومن الواضح أنه يمكننا القول أن الموقف المصرى تجاه معاهدات نزع السلاح التى تم إبرامها بعد دخول معاهدة NPT حيز التنفيذ 1970 قد تأثر إلى درجة كبيرة بالموقف الإسرائيلى من هذه المعاهدة، فقد أدى عدم استجابة إسرائيل للنداءات المتكررة بوجوب انضمامها إلى NPT على الرغم من تغير الظروف، حيث انتقلت العلاقة من عداء فى أعقاب حرب 1967 ثم 1973 ومع بداية مسيرة السلام التى قطعتها مصر بمفردها15 عاما انتهى الأمر بعدها بدخول دول عربية أخرى فى نفس المسيرة مع إسرائيل وقد أدى عدم استجابة إسرائيل للانضمام للمعاهدة إلى اتخاذ مصر موقفا متحفظا من معاهدات نزع السلاح ذات الصفة الدولية والتى تلت 1970 تاريخ دخول معاهدة NPT حيز النفاذ، وذلك من منطلق أن إيمان مصر بدور نزع السلاح فى إحلال السلام هو إيمان ذو مبادئ أبرزها أن الحديث عن نزع السلاح وإجراءاته يعنى أن يتم ذلك بشكل متساو وموضوعى لا يعرف الاستثناءات، وهو ما سيلى الشرح فيه الحديث عن جهود مصر فى مجال نزع أسلحة الدمار الشامل. إلا أنه يهمنا قبل الانتقال لشرح تلك الجهود أن نوضح أن إحجام مصر عن التوقيع أو التصديق على معاهدات أسلحة الدمار الشامل التالية لمعاهدة NPT مثل CWC,BWC قد اقترن بتصرفات فريدة لم تقدم عليها دولة أخرى تمتنع عن الدخول فى التعاقدات الدولية لنزع السلاح، وتتمثل تلك التصرفات فى جهود حثيثة بذلتها مصر - ومازالت تبذلها - من أجل تدعيم إجراءات نزع السلاح فى المنطقة من خلال المبادرات ومشاركات الخبراء وعشرات الندوات وتصريحات السياسيين المصريين التى تؤكد كلها على ضرورة العمل على تجنيب منطقة الشرق الأوسط مخاطر حيازة السلاح النووى والكيماوى والبيولوجى. ثالثا: جهود مصر فى مجال نزع أسلحة الدمار الشامل: إذا كان تاريخ مصر مع معاهدة NPT يوضع بجلاء جانبا هاما من جهود مصر فى مجال نزع السلاح النووى فان هذا التاريخ ليس إلا جزءا من سجل حافل دافعت فيه مصر عن قضايا نزع أسلحة الدمار الشامل وطرحت العديد من المبادرات وخاض خبراؤها ودبلوماسيوها - ومازالوا - معارك طويلة فى سبيل تحقيق حلم إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل "النووية - البيولوجية - الكيميائية". أ - فبعد دخول معاهدة NPT حيز النفاذ عام 1970 بأربعة سنوات تقدمت مصر وإيران للجمعية العامة للأمم المتحدة بمشروع قرار بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط وبالفعل أقرت الجمعية القرار عام 1974 وفى العام التالى والأعوام التى تلته حتى 1980 واصلت مصر جهودها فى الجمعية العامة لإصدار نفس القرار كل عام. ب - وفى عام 1972 فتحت معاهده BWC للتوقيع فقامت مصر فورا بالتوقيع ولكنها لم تصدق عليها، وذلك على الرغم من المساهمة الفعالة لها فى مرحلة إعداد مسودة المعاهدة وعلى الرغم أيضا من التزام مصر الواقعى بأحكام المعاهدة، وكان ذلك الموقف من جانب مصر مرتبطا بوضوح لا يخفى على مختلف دول العالم - بموقف إسرائيل من معاهدة NPT ورفضها للتوقيع عليها أكثر من ارتباطه بموقف إسرائيل من معاهده BWC ذاتها والتى رفضت إسرائيل أيضا التوقيع عليها. ج -مبادرة الرئيس حسنى مبارك لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل: تقدمت مصر بمبادرة رئاسية بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل وهى المبادرة التى أعلنها السيد رئيس جمهورية مصر العربية فى 18 إبريل من عام 1990 والتى تضمنت المبادئ التالية: - ضرورة تحريم جميع أسلحة الدمار الشامل بدون استثناء سواء كانت نووية أو بيولوجية او كيماوية .. الخ فى منطقة الشرق الأوسط. - تقوم جميع دول المنطقة - بدون استثناء - بتقديم تعهدات متساوية ومتبادلة فى هذا الشأن. - ضرورة وضع إجراءات وأساليب من أجل ضمان التزام جميع دول المنطقة دون استثناء بالنطاق الكامل للتحريم. وفى يوليو 1991 أعلن السيد وزير خارجية جمهورية مصر العربية استعداد مصر للتعامل مع مقترحات نزع السلاح البناءة التى تحقق ما يلى: - تطابق كمى وكيفى للقدرات العسكرية لدول المنطقة. - زيادة الأمن ولكن بمستوى أدنى من التسلح وعن طريق الحوار والترتيبات السياسية بدلا من قوة السلاح. - اتفاقات لتحديد التسلح ونزع السلاح تكون خلالها لدول المنطقة مسئوليات والتزامات متساوية وملزمة قانونا فى مجال نزع السلاح بحيث تسرى بمقياس واحد على دول المنطقة فى هذا الصدد. وقدم السيد وزير الخارجية مقترحات إضافية للإسراع بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل تضمنت ما يلى: - دعوة الدول الرئيسية المصدرة للسلاح خاصة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن بالإضافة إلى إسرائيل وكذلك الدول العربية، إلى إيداع إعلانات لدى مجلس الأمن تتضمن تأييدا واضحا وغير مشروط لإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وتعهدا بعدم اتخاذ خطوات تعرقل هذا الهدف. - دعوه الدول المصدرة للسلاح والدول الأطراف بمعاهدة عدم الانتشار النووى لضمان انضمام كافة دول الشرق الأوسط إلى تلك المعاهدة، ووضع منشآتها النووية تحت الإشراف الدولى. - دعوة دول منطقة الشرق الأوسط التى لم تكن قد فعلت ذلك إلى الإعلان عن تعهدها: أ - بعدم استخدام أسلحة نووية أو أسلحة كيميائية أو بيولوجية. ب - بعدم إنتاج أو الحصول على أسلحة نووية. ج - بعدم إنتاج أو الحصول على أى مواد نووية صالحة للاستخدام العسكرى. د - بقبول نظام التفتيش الدولى التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية على كافة مرافقها النووية. ثم تزايدت مظاهر التأييد لمبادرة الرئيس مبارك لإنشاء منطقة خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط تمثلت فى: (أ) إدخال فقرات خاصة بتلك المبادرة ضمن أحكام قرار الجمعية العامة بشأن "إنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط" مثل الفقرة 8 بالديباجة والتى تنص على: WELCOMING ALL INITIATIVES LEADING TO GCD. INCLUDING IN THE REGION OF THE M. E. AND IN PARTICULAR ON THE ESTABLISHMENT THEREIN OF A ZONE FREE WEAPONS OF MASS DESTRUCTION INCLUDING NUCLEAR WEAPONS. والفقرة 8 العاملة والتى تشير إلى: INVITES ALL PARTIES TO CONSIDER THE APPROPRIATE MEANS THAT MAY CONTRIBUTE TOWARDS THE GOAL OF GCD AND THE ESTABLISHMENT OF A ZONE FREE OF WEAPONS OF MASS DESTRUCTION OF THE M. E. (ب) إضافة فقره تأييد ضمن أحكام قرار "الضمانات" قرار المؤتمر العام الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية (رقم 601 أكتوبر 1992) وقد مر القرار بتوافق الآراء: الفقرة (د) بالديباجة والتى تم تضمينها لأول مرة على الرغم من أن المبادرة تعالج أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل تتعدى اختصاص الوكالة IAEA WELCOMING THE INITIATIVES REGARDING THE ESTABLISHMENT A ZONE FREE OF WEAPONS OF MASS DESTRUCTION, INCLUDING NUCLEAR WEAPONS, IN THE M. E. (ج) الفترة 14 من قرار مجلس الأمن 687 : TAKES NOTE THAT THE ACTIONS TO BE TAKEN BY IRAQ IN PARIS 8,9,10,11,12 & 13 OF THIS RESOLUTION REPRESENT STEPS TOWARDS THE GOAL OF ESTABLISHING IN THE M. E. A ZONE FREE OF WEAPONS OF MASS DESTRUCTION & ALL MISSILES FOR THEIR DELIVERY & THE OBJECTIVE OF A GLOBAL BAN ON CW. (د) الفقرة 2 من بيان اجتماع الدول الخمس الكبرى حول نقل الأسلحة ومنع الانتشار (باريس 8 و 9 يوليو 1991): THEY ALSO STRONGLY SUPPORTED THE OBJECTIVE OF ESTABLISHING A WEAPONS OF MASS DESTRUCTION FREE ZONE IN THE M. E. (هـ) كما أشارت الفقرة (2C) من قرار مجلس الأمن الصادر فى 22 نوفمبر 1991 : THE TERRITORIAL INVIOLABILITY OF EVERY STATE IN THE AREA THROUGH MEASURES INCLUDING THE ESTABLISHMENT OF A DEMILITARIZED ZONE. (و) البيان الختامى لعدم الانحياز الفقرة 50 من المستند NACIO سبتمبر 1992 : THE HEADS OF STATE OF GOV. REITERATED THE SERIOUSNESS & IMPORTANCE OF ELIMINATING WEAPONS OF MASS DESTRUCTION & CONSIDERED THE ESTABLISHMENT OF THE NUCLEAR WEAPONS FREE ZONE IN PARTICULAR A NECESSARY STEP TOWARDS ATTAINING THIS OBJECTIVE. IN THIS CONTEXT THEY WELCOMED THE VARIOUS INITIATIVES FOR THE ESTABLISHMENT OF SUCH ZONE. PARA 46 OF THE SAML NAM DOCUMENT WELCOMED THE CWC AS A MENACING FULL STEP FORWARD TOWARDS THE ELIMINATION OF ALL WAND IN ALL REGIONS... (ز) بيان رئيس المجموعة الأوروبية فى الجمعية العامة بتاريخ 4 نوفمبر 1992 باسم المجموعة. THE CALL TO MAKE THE M. E. ZONE FREE WMD MERITS FULL SUPPORT FROM THE INTERNATIONAL COMMUNITY & ITS MEMBERS ARE PLEASED THAT SUCH A CALL IS NOW ALSO REFLECTED IN THE RESOLUTION OF NWFZ IN THE M. E. (ح) الفقرة 148 من دراسة السكرتير العام مستند رقم A/45/435 المؤرخ 1990/10/10 بشأن الإجراءات القابلة للتحقيق لتسهيل إنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط والتى أشارت إلى: RECENTLY PRESIDENT MUBARAK OF EGYPT MADE A PROPOSAL THAT OFFERS THE GOVS PARTICIPATION IN THE VARIOUS SUPPLIERS GROUPS AN OPPORTUNITY TO ALIGN THEMSELVES WITH A REGIONAL INITIATIVE (SEE A/45/219, S/21252, ANNEX). THE MUBARAK PLAN CALLS FOR MAKING THE MIDDLE EAST FREE OF ALL WEAPONS OF MASS DESTRUCTION WHAT PRACTICAL FORM SUCH AN ALIGNMENT AND SUPPORT COULD TAKE IS OUTSIDE THE MANDATE OF THE PRESENT STUDY. BUT IT IS CLEAR THAT THE OBJECTIVES ARE IN COMPLETE HARMONY. PARA 189 THE STUDY UNDERSCORED: THE LEADING INDUSTRIAL STATES MUST CONTINUE & EVEN EXPAND THEIR ACTIVITIES DESIGNED TO DISCOURAGE ANY PROLIFERATION OF WEAPONS OF MASS DESTRUCTION ESPECIALLY NUCLEAR WEAPONS. THESE ACTIVITIES SHOULD MOREOVER, BE EXTENDED TO ENLIST THE COOPERATION OF MIDDLE EASTERN STATES, PERHAPS, THROUGH THE MUBARAK PLAN. (ط) قرار مجلس جامعة الدول العربية الدورة (98) فى سبتمبر 1992 بشأن تنسيق المواقف العربية تجاه أسلحة الدمار الشامل وتحريك الجهود الرامية لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط وقد نصت الفقرة العاملة الثانية: "تأكيد تأبيد مجلس الجامعة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل النووية والكيمائية والبيولوجية باعتبار ذلك افضل وسيلة لتحقيق الأمن لكافة دول المنطقة". (ى) قرار جامعة الدول العربية رقم 5285 الصادر فى 19 إبريل الماضى الذى ينص على تشكيل لجنة من الدول الأعضاء لإعداد دراسة فنية بخصوص تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. (ك) إشارة العديد من رؤساء الوفود خلال مؤتمر باريس للتوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية (يناير 1993) إلى المبادرة المصرية فعلى سبيل المثال: أشار وزير الخارجية الأمريكى إيجلبرجر إلى: MAKING THE MIDDLE EAST A ZONE FREE OF ALL WEAPONS OF MASS DESTRUCTION AS CALLED FOR BY RESIDENT MUBARAK OF EGYPT. كما تضمنت كلمة وفد المملكة المتحدة أمام مؤتمر باريس للتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة الكيمائية إشارة لنفس المبادرة المصرية وإشادة بها. ومن ناحية أخرى صدر تقرير السكرتير العام (رقم A/47/387) بتاريخ 1992/9/2 حول إنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط، والذى تضمن من خلال فقراته المتعددة عدم الحاجة فى المرحلة الراهنة لقيام السكرتير العام بأية إجراءات تجاه إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط فى ضوء تناول مباحثات السلام لهذا، ومن ناحية أخرى أشار التقرير أن إنشاء تلك المنطقة يكون فى مرحلة لاحقة، نتيجة لبناء الثقة بين الأطراف فى المنطقة ودعم إجراءات بناء الثقة والأمن فى منطقة الشرق الأوسط قبل الخوض فى مسألة السلاح النووى والحد من التسلح، وهو الأمر الذى يدفعنا إلى ضرورة التحرك لإبعاد شبح الجمود عن المبادرة المصرية: TO MAINTAIN THE MOMENTUM AND TO BE ON THE OFFENSIVE. (ل) مصر ومعاهدة حظر الأسلحة الكيمائية: نصت اتفاقية BWC فى مادتها التاسعة على وجوب سعى الدول الأعضاء فيها للتوصل لاتفاقية لحظر الأسلحة الكيمائية، وكانت اتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية تمثل هى الأخرى حلما غالبا لكل العاملين فى مجال نزع السلاح كضرورة حتمية للتنمية والرخاء وسعادة البشرية وأمنها، وقد صاغت مصر موقفها من المعاهدة بناء على حقائق ثابتة تتلخص فى: (1) إن مصر تؤمن بأن الأسلحة الكيمائية فى شتى صورها تعد من أبشع أدوات الحرب فى ضوء قدرتها وامتداد آثارها بدون تمييز، الأمر الذى يفرض علينا جميعا السعى الحثيث من أجل التخلص النهائى من كافة أشكال هذا السلاح وغيره من أسلحة الدمار الشامل. (2) شاركت مصر بكل جد وإخلاص من اجل بلورة مشروع اتفاقية محكمة متكاملة وشاملة لحظر الأسلحة الكيمائية فى إطار مؤتمر نزع السلاح بجنيف بهدف دعم الأمن والسلم الدوليين وبدافع حرصها على الأمن القومى العربى سعت لأحكام مواد الاتفاقية لأقصى حد وتدارك الثغرات. (3) توجهت مصر توجها صادقا لدعم أمن منطقة الشرق الأوسط: مبادرة 1974 لإخلاء الشرق الأوسط - السلاح النووى - مبادرة الرئيس حسنى مبارك 1990 لإخلاء الشرق الأوسط من كافة أسلحة اللى مار الشامل - طالبت لها انضمام كافة دول المنطقة لاتفاقية منع الانتشار NPT وإخضاع إسرائيل لكافة مرافقها وأنشطتها لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضرورة تناول كافة أسلحة الدمار الشامل بمنظور شامل متساو ومتكافئ (4) غياب أية خطوة إيجابية من جانب إسرائيل تجاه التعامل مع السلاح النووى وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط، لم وأشاعتها للتعرف حول قدراتها النووية واستمرارها فى نهج مواقف مبنية على عقيدة التفوق العسكرى الأمر الذى يعمق الخلل الأمنى فى المنطقة ويضر بالمفاوضات الجارية إلى توفر إطارا مناسبا لمفاوضات جادة. إن مصر على استعداد للتعامل مع اتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية بقدر تعاون إسرائيل مع معاهدة عدم الانتشار وإخضاع منشآتها وبرامجها النووية لنظام ضمان الوكالة. (5) إن تحرك المجتمع الدولى بالضغط على الدول العربية للانضمام لاتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية يجب أن يقابله تحرك مقابل للضغط على إسرائيل للانضمام لمعاهدة عدم الانتشار التى تعالج موضوع السلاح النووى الذى هو أكثر أسلحة الدمار الشامل خطورة وتدميرا. (6) إن مصر ستلتزم واقعيا DE FACTO بالإطار العام للاتفاقية وهو ما أشار إليه السيد عمرو موسى وزير الخارجية فى 1992/12/10 (7) موقف الدول العربية أثناء مؤتمر باريس فى يناير 1989 أكد ضرورة التعامل مع حظر الأسلحة الكيمائية جنبا إلى جنب مع الجهود الدولية لوقف دفع انتشار الأسلحة النووية وقد مضت هذه الدعوة دون أن تلقى اهتماما من الدول "اللامبالية". وفى سبتمبر 1992 ناقش وزراء خارجية دول جامعة الدول العربية الموقف العربى من مشروع اتفاقية الأسلحة الكيماوية حيث تمخضت تلك المناقشات عن بلورة موقف عربى يرتكز على ثلاث محاور صاغها السفير/ د نبيل العربى مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى كلمته أمام الجمعية العامة أثناء مناقشتها لمشروع الاتفاقية فى نوفمبر 1992 فيما يلى: أولا: الاستعداد للتعامل مع جميع مقترحات نزع السلاح البناءة التى من شأنها أن تحقق تكافؤا كميا ونوعيا فى القدرات العسكرية لدول المنطقة وتوافر الأمن من خلال الالتزامات المتساوية والواجبة النفاذ قانونا فى مجال نزع السلاح بحيث تسرى بمقياس واحد على جميع دولى المنطقة واعتماد الترتيبات السياسية. ثانيا: تأكيد تأييد إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل النووية والكيمائية والبيولوجية باعتبار ذلك أفضل وسيلة لتحقيق الأمن لجميع دول المنطقة. ثالثا: استعداد التعامل مع اتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية فى إطار الجهود الرامية إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بقدر ما تستجيب إسرائيل مع المطالب الدولية بالانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وأن تضع منشآتها النووية تحت نظام الرقابة الدولية وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 487 لسنة 1981 وإذا كان موقف مصر من اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية يعد امتدادا لموقفها من كل المعاهدات التالية لمعاهدة NPT والذى يستند إلى موقف إسرائيل الرافض للتوقيع إلا أننا هنا نلمح تطورا طرأ على الموقف المصرى متمثلا فى أن النظرة المصرية غدت أشمل وأوسع بحيث تشمل ضرورة إدراج جميع دول المنطقة فى منظومة دولية لنزع جميع أسلحة الدمار الشامل نووية وبيولوجية وكيماوية بحيث تحوى تلك المنظومة معاهدات NPT, BWC, CWC رابعا: القرار 255 والرؤية المصرية لموضوع ضمانات الأمن: خلال فترة صياغة مشروع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT طرح موضوع ضمانات الأمن للدول غير النووية بشكل متكرر حيث أعربت الدول التى عرفت أنها ستدخل إلى المعاهدة كدول آلت على نفسها عدم امتلاك السلاح النووى إلى الأبد عن مخاوفها من تعرضها ولأى سبب من الأسباب لهجوم نووى من دولة حائزة للسلاح النووى سواء كانت عضوا فى NPT أم لا. وكانت وجهة نظر مصر ودول عدم الانحياز المشاركة فى المفاوضات انه إذا كان الهدف الأول لتلك المعاهدة هو منع انتشار السلاح النووى بين الدول اللانووية الأعضاء، فلابد وأن توفر نفس المعاهدة إطارا يحمى تلك الدول من السبب الذى من شأنه أن يدفع أية دولة لحيازة سلاح نووى تحمى به أمنها وتردع به أى عدوان نووى، إلا أن المعاهدة جاءت خلوا من نص يتناول هذا الموضوع بشكل حاسم. وقبيل فتح المعاهدة للتوقيع بأيام وفى 19 يونيو 1968 أصدر مجلس الأمن قرار رقم 255 الخاص بتدابير من الدول غير الحائزة على الأسلحة النووية الأطراف فى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والذى نص بعد ديباجته على أن مجلس الأمن "يقر بأن أى عدوان باستخدام الأسلحة النووية أو التهديد بشن هذا العدوان ضد دولة غير حائزة على الأسلحة النووية من شأنه أن يخلق موقفا يتحتم فيه على مجلس الأمن وبصفة خاصة أعضاءه الدائمين من الدول الحائزة على الأسلحة النووية أن تتخذ ما يلزم من الإجراءات الفورية وفقا لالتزاماتها بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة. يرحب بالنية التى أعلنت عنها دول معينة بتقديم أو تأييد تقديم المساعدة الفورية وفقا للميثاق لأية دولة غير حائزة على الأسلحة النووية تكون طرفا فى معاهده منع انتشار الأسلحة النووية إذا ما وقعت ضحية لعمل عدوانى أو كانت محل تهديد باعتداء يستخدم فيه السلاح النووى. يؤكد من جديد وبصفة خاصة الحق الطبيعى بمقتضى المادة 51 من الميثاق بخصوص حق الدفاع الفردى والجماعى فى حالة وقوع هجوم مسلح على عضو من أعضاء الأمم المتحدة ..." وإزاء هذه القضية الهامة صاغت موقفها كما يلى: 1 - إن مصر تعطى أهمية كبيرة لقضية الترتيبات الدولية الفعالة لضمان أمن الدول غير النووية ضد استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية وتؤمن بأن أكثر الضمانات فعالية ضد استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية هو نزع السلاح النووى تحت سيطرة دولية فعالة، وإلى حين تحقيق هذا الهدف فإن ضمانات الأمن تعد إجراء هاما فى هذا الصدد. 2 - إن مصر ترى أن قرار255 يعد خطوة هامة إلا أنها ليست كافية وذلك لأوجه القصور التى شابت القرار نفسه والمتمثلة فى: أ) أن الفقرة العاملة الأولى لم تعط الاهتمام الكافى لجسامة الاستخدام الفعلى أو التهديد باستخدام السلاح النووى حيث أن القرار لم يتسم بالوضوح الكافى فيما يتعلق بالنظر لهذا الموقف على أنه يمثل تهديدا للأمن والسلم الدوليين تمشيا مع المادة 39 من الميثاق. ب) لم يتضمن القرار مادة تردع الدول من استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية ولم يتضمن تأكيدا بأن المجلس سوف يهب لاتخاذ إجراءات للرد على ذلك الموقف الخطير تمشيا مع روح ونص المواد ذات الصلة فى الفصل السابع من الميثاق. ج) إن القرار يفتقر لوجود التزام واضح وقاطع من الدول الحائزة للأسلحة النووية بأن تتخذ الإجراءات الفعالة كتطبيق العقوبات، وذلك فضلا عن أن القرار لم يشر لمدى وتعريف ما هو المقصود بالمساعدة، وعلى ذلك فإن أى تطوير للقرار255 لابد وأن يتضمن تعريفا شاملا للمساعدة بحيث تشمل الجوانب التقنية والعلمية والمالية والإنسانية. د) من ناحية أخرى فإن القرار جاء مفتقدا لوجود نص بعدم تقديم المساعدة أية مساعدة تكنولوجية نووية لأى دولة غير موقعة على معاهدة منع الانتشار واتفاقيات الضمانات الشاملة مع الوكالة خاصة تلك الواقعة فى مناطق التوتر. 3 - بناء على ما سبق فلابد وأن يتم تطوير القرار255 عن طريق تبنى قرار جديد يتضمن تأكيدات ذات مصداقية وينبنى فى ذات الوقت على نصوص القرار255 4 - ترى مصر أنه لابد وأن تتخذ خطوة أولى ببدء التشاور بين الدول الحائزة للأسلحة النووية حول ضمانات الأمن مع الأخذ فى الاعتبار قرار مجلس الأمن رقم 255 وإخبار بقية الدول الأعضاء فى معاهدة NPT بأن تطور فى هذا الصدد تمهيدا للبناء عليه وسد أوجه القصور فى القرار القديم الصادر فى 1968 وإصدار قرار جديد. وتجدر الإشارة إلى أن القرار255 صدر فى ظل ظروف دولية تختلف عن ظروف عالم اليوم والذى انتهت منه الحرب الباردة وأصبح السؤال الحاسم حول جدوى وشرعية الردع النووى "الردع ضد من ؟" وبالتالى فإن الجهود الدولية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار منح الدول غير النووية ضمانات أمن فعالة وغير منقوصة وإمكان ربط ذلك بالمناطق الخالية من السلاح النووى على أن تقدم الدول النووية تعهدات صريحة باحترام وضع هذه المناطق المنزوعة السلاح النووى. خامسا: فى انتظار إبريل 1995 (موقف مصر من مؤتمر مراجعة/ تمديد سريان العمل بالمعاهدة) فى السابع عشر من شهر إبريل 1995 تعلن إشارة البدء للمؤتمر الذى تنتظره جميع الدول الأعضاء فى معاهدة NPT منذ خمسة وعشرين عاما ذلك أنه يحمل أهمية خاصة لأنه يتناول قضيتى المراجعة، وتمديد سريان العمل بالمعاهدة. وفيما يتعلق بمصر فإننا نستطيع أن ننظر لجهود مصر فى مجال نزع السلاح مند فتح معاهدة NPT للتوقيع عام 1968 وحتى الآن مما سبق ذكره فى هذه الدراسة على أنه كان تمهيدا واستعدادا مصريا لمؤتمر إبريل 1995 الذى سيشهد ولاشك موقفا مصريا ينبنى على التاريخ المشرف لمصر فى مجال نزع السلاح النووى خاصة وأسلحة الدمار الشامل بصفة عامة. وعلى الرغم من تركيز العديد من الكتابات والندوات على قضية تمديد سريان العمل بالمعاهدة إلا أننا نريد أن نؤكد فى هذا الصدد أن قضية مراجعة التزام بأحكام المعاهدة ومدى تحقيقها لأهدافها لا تقل فى أهميتها عن قضية تمديد سريان العمل بها. أ) الموقف المصرى من المراجعة: شهدت أعوام 75، 80، 85،90 انعقاد مؤتمرات مراجعة معاهده NPT ومن بينها لم ينجح سوى مؤتمر واحد هو مؤتمر عام 1985 فى إصدار وثيقة نهائية تعبر عن آراء الدول الأعضاء فى المعاهدة وذلك بفضل جهود مصر التى رأست هذا المؤتمر ومثلها فى تلك الرئاسة أحد خبرائها المحنكين فى مجال نزع السلام وهو السفير أد. محمد شاكر. وعبر خمسة وعشرين عاما من عمر المعاهدة بلورت مصر موقفها من قضية المراجع فى النقاط الرئيسية التالية: 1 - تطالب مصر بتوفير ضمانات أمن سلبية وإيجابية كافية وغير مشروطة لأنه لا سبيل لضمان أمن الدول غير النووية ومن بينها مصر ضد استخدام السلاح النووى أو التهديد باستخدامه سوى تلك الضمانات ولمصر مقترحات ذكرناها فى الجزء الرابع من هذه الدراسة فى هذا الصدد. 2 - تحقيق عالمية المعاهدة وتنظر لمصر فى ذلك لانضمام إسرائيل كخطوه رئيسية لتحقيق هذا الهدف وكذلك تتمسك مصر فى نفس الإطار بمبادرة السيد الرئيس حسنى مبارك لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. 3 - ضرورة توصل الدول النووية إلى اتفاقية للحظر الشامل للتجارب النووية. 4 - ضرورة توصل الدول النووية إلى اتفاق حول وقف إنتاج المواد الانشطارية للأغراض العسكرية ودخول إسرائيل فى أى تعهد دولى ينشأ لهذا الغرض مع توافر نظام تحقيق فعال يشمل المخزون. 5 - ضرورة التزام جميع الدول الأعضاء فى المعاهدة بعدم تقديم أية مساعدات فى المجال النووى إلا للدول الأعضاء فى تلك المعاهدة والتى وقعت اتفاق ضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. 6 - إجراء مزيد من التخفيضات للمخزون من الأسلحة النووية لدى الدول النووية الخمس الأعضاء فى المعاهدة وأن يتم ذلك التخفيض تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصولا لنزع السلاح العام والكامل وبالأخص السلاح النووى. 7 - ضرورة دعم التعاون بين الدول النووية والدول اللانووية فى مجال الاستخدامات السليمة للطاقة النووية تحقيقا للمادة 4 من المعاهدة التى لم تستفد منها الدول اللانووية حيث استطاعت بعض الدول غير الأطراف الحصول على التكنولوجيا النووية وبالتالى طالبت مصر بضرورة إنشاء سجل أو نظام متابعة لعمل تقارير دورية. يكون تابعا للأمم المتحدة وذلك لمتابعة أنشطة الدول فى مجال التسلح النووى. 8 - أهمية تدعيم دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحقيق هذا الهدف، حيث لابد من مراجعة نظام الضمانات التابع للوكالة وضرورة إعطاء مفتش الوكالة حق التفتيش بالتحدى أو التفتيش المفاجئ لزيادة كفاءة النظام ولمنع تكرار حدوث حالتى كوريا الشمالية والعراق، علما بأن الوكالة تناقش حاليا نظاما تحت اسم ت(93)+ت2 وهو خاص بزيادة كفاءة الوكالة فى اكتشاف الانتهاكات عن طريق استخدام السبل التقنية الجديدة مثل التحليل البيئى. 9 - فيما يتعلق بأحكام المادة السادسة من المعاهدة تنادى مصر وتشاركها العديد من الدول غير النووية بضرورة إصلاح العيوب التى ولدتها المعاهدة فى المسئوليات والحقوق بين الأطراف وبالتالى تطالب الدول غير النووية الدول النووية ببذل المزيد من الجهد لنزع السلاح النووى وإبرام الاتفاقات الجديدة بهذا الشأن فى إطار زمنى محدد. الموقف المصرى من تمديد سريان العمل بالمعاهدة: وفقا للمادة العاشرة فقرة 2 من المعاهدة فإنه "يصار، بعد خمس وعشرين سنة من نفاذ المعاهدة ، إلى عقد مؤتمر استمرار نفاذ المعاهدة إلى اجل غير مسمى أو تمديدها لفترة أو فترات محددة جديدة. ويكون اتخاذ هذا القرار بأغلبية الدول الأطراف فى المعاهدة". وعلى ذلك فإن تلك الفقرة تضع الدول الأعضاء فى المعاهدة أمام 3 احتمالات لقرار المد حتى يتم إعمال هذه الفقرة. الأول: أن يتم مد العمل بالمعاهدة إلى أجل مطلق أى استمرار العمل بالمعاهدة إلى الأبد بشكلها الحالى إلا إذا تم الاتفاق على إدخال تعديل لأحد نصوصها وفقا للمادة (8) والتى تنص على إجراءات بالغة الصعوبة للتعديل. الثانى: أن يتم مد العمل بالمعاهدة فترة واحدة محددة تقترح بعض الدول الأطراف أن تكون خمسا وعشرين سنة (فنزويلا). الثالث: أن يتم مد العمل بالمعاهدة عددا محددا من الفترات (نيجيريا تقترح من خمس إلى عشر سنوات). وفى حالة الخيارين الثانى والثالث فإن انتهاء المدة أو المدد المحددة سلفا يعنى أن الدول الأعضاء قد نفذت الفقرة 2 مادة 1، وعلى ذلك تنتهى المعاهدة فى هذه الحالة لأن هذه المادة لم تشر إلى تكرار عقد مؤتمر النظر فى مد المعاهدة كلما انتهى العمل بالمعاهدة وعلى ذلك يكفى إتباع هذا الأسلوب مرة واحدة للوفاء بأحكام المادة العاشرة. ووفقا لهذه المادة فإن قرار التمديد يتخذ بأصوات أغلبية الأعضاء ويسرى على الجميع حتى من كان رأيه معارضا، وفى هذه القضية يبرز خلاف جوهرى حول مسألة الأغلبية التى ترى الدول المؤيدة للتحديد اللانهائى للمعاهدة أنها أغلبية بسيطة بينما تنادى الدول اللانووية إن تلك الأغلبية ينبغى أن تكون أغلبية ساحقة ضمانا لمصداقية واحترام المعاهدة لدى أكبر عدد من أعضائها، إن لم يكن الأمر بتوافق الآراء وهى وسيلة اتخاذ القرارات فى جميع مؤتمرات المراجعة السابقة. وعلى أية حال فجميع الخيارات متاحة أمام مصر، إلا أننا نريد التأكيد على أنه إزاء تاريخ طويل من المبادرات المصرية والتحركات النشطة من جانب مصر لإزالة الخلاف النووى مع إسرائيل وإزاء عدم حصول مصر على ردود إيجابية من إسرائيل بشأن انضمامها للمعاهدة حتى الآن كان لزاما على مصر أن تعلن أكثر من مرة فى الفترة التى سبقت عقد مؤتمر إبريل على لسان الرئيس حسنى مبارك ووزير الخارجية السيد عمرو موسى أن موقف مصر النهائى من قضية تمديد سريان العمل بالمعاهدة سيتحدد بشكل نهائى وفقا لما نتخذه إسرائيل فى هذا الشأن. الخاتمة: لقد حرصت مصر أن تؤكد مرارا على لسان وزير خارجيتها السيد عمرو موسى عمق نظرتها لإجراءات نزع السلاح فى منطقة الشرق الأوسط حيث تحتل تلك الإجراءات موقعا متميزا فى هيكل السياسة الخارجية المصرية من منطلق إدراك مصر لأن تلك الجهود تعد أحد أهم المفاتيح لتحقيق السلام فى المنطقة. إن السلام الكامل بمفهومه الواسع لن يستقيم فى الشرق الأوسط إلا إذا غيرنا من مفاهيمنا القديمة وليدة سنوات الحرب والعداء، ومجملها أن الأمن يمكن أن يتعزز بتكديس السلاح أو بحيازة أسلحة الدمار الشامل. إن سباق التسلح الذى سار المنطقة على مدى العقود الماضية، والذى تسارعت خطاه فى ظل مناخ الشك والتحفز، لابد وأن يتم ترويضه ليتواءم مع الأوضاع الجديدة فى المنطقة. وتعتقد مصر أن السلام فى الشرق الأوسط يلزم تدعيمه باتخاذ إجراءات للحد من التسلح، توفر شروطا أساسية ثلاثة. أولها: تخفيض مستويات التسلح: فقد أثبتت تجارب المنطقة أن ارتفاع مستويات التسلح لدى أى دولة من دولها كما أو كيفا، لم يشكل رادعا ولا وفر أمنا، وإذا كانت هذه التجارب سببا كافيا لإعادة تقييم سياساتنا فى هذا المجال، فإن الإنجازات السياسية التى وضعتنا وبثقة على طريق السلام فى المنطقة تجعلنا نتساءل عن حكمة تصعيد .. التسلح تحت مظلة السلام. وثانيها: تحقيق توازن أمنى أفضل بين دول المنطقة: إن شرقا أوسطيا جديدا ومستقرا، لا يتحقق إلا إذا رفضنا مفاهيم التفوق العسكرى واتفقنا على إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، إن استمرار هذه المفاهيم من شأنه أن يهدد الفرصة القائمة بالفعل للوصول إلى شرق أوسط مختلف لأن أى خلل فى التوازنات الأمنية لابد وان يولد شكوكا تعود بالمنطقة إلى ننافس وسباق فنزاع فصراع فصدام. وثالثها: أن تتسم إجراءات نزع السلام الإقليمية بالمساواة والشمولية: فإذا كنا نسعى إلى علاقات طبيعية بين الأطراف فعلينا أن نراعى فى مجال الأمن ونزع السلاح، أن تتساوى التزامات دول المنطقة. فلا يمكن القبول بوضع متميز أو استثنائى لطرف دون الآخرين، وإلا ظهرت شروخ خطيرة فى الأساس الذى نضعه قد تمتد وتتسع لتؤثر فى البنيان كله. من هذا المنطلق كانت مبادرة مصر التى أطلقها الرئيس حسنى مبارك فى إبريل 1990 مقترحا إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل قى الشرق الأوسط، تطبيقا لمفاهيم المرحلة الدولية الجديدة على المستوى الإقليمى، وكامتداد طبيعى لدعوة مصر منذ 1974 لإنشاء منطقة منزوعة السلاح النووى فى الشرق الأوسط. وإعمالا لذلك تدعو مصر بكل إصرار إلى الانضمام الإقليمى الكامل إلى معاهدة عدم الانتشار النووى، وقبول تطبيق نظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذى إن تم سيشكل خطوة رئيسية تدفع بجهود السلام والمصالحة فى الشرق الأوسط إلى آفاق جديدة وتمنع حدوث انتكاسات فى العلاقات الإقليمية فى المستقبل وتعلق مصر أهمية كبيرة على سرعة قيام إسرائيل بهذه الخطوة، خاصة ونحن نقترب حثيثا من موعد انعقاد مؤتمر مراجعة ومد العمل بمعاهدة عدم الانتشار النووى فى1995، وإلا سينتهى مد سريان المعاهدة - التى ترمى إلى تحقيق منع الانتشار النووى - إلى تكريس لواقع عكسى، غير متوازن وغير سليم، يتنافى مع مبدأ العالمية ويعتبر استثناء خاصا عليه وهو وضع غريب لا يمكن قبوله. إنى انتهز هذه المناسبة لأناشد إسرائيل باسم مصر أن تستجيب لهذه الدعوة الجادة غاية الجدية، والتى تحمى المنطقة من ويلات سباق تسلح نحن جميعا فى غنى عنه، وهى خطوة تساعد على دعم الأمن الإقليمى. لابد أيها السادة من أن يولد فى عصر السلام فكر جديد، ينظر إلى شروط تحقيق الأمن من منظور علاقات السلم الجديدة، بدلا من الاعتبارات التى كانت تحكمها فى إطار منطلقات النزاع الإقليمى، كما لابد لإسرائيل أن تساير الفكر العالمى لا أن تخرج عنه، والفكر العالمى يدعو إلى عالمية معاهدة عدم الانتشار ونحن نصر على ذلك الإصرار كله، تجنبا لسباق فى هذا المجال الخطير (3). الهوامش: (*) وزير مفوض ومدير شئون نزع السلاح بوزارة الخارجية. (**) أسهم فى إعداد هذه الدراسة الملحق أحمد مصطفى (شئون نزع السلاح). [1] SIPRI Yearbo-K 1972 ,p.p. 313 , 315 [2] SIPRI OP. Cit. (3) بيان السيد عمرو موسى وزير الخارجية أمام الدورة 49 للجمعية العامة للأمم المتحدة. الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 العدد ( 52 ) بتاريخ 1 / 4 / 1978 قسم خاص المواجهة العربية الإسرائيلية بعد مبادرة السلام - التحدى النووى الإسرائيلى وقضية السلام إسماعيل صبرى مقلد فى الواقع، أن قضية التسلح النووى الإسرائيلى، ليست جديدة على اهتمامات المراقبين السياسيين الدوليين المعنيين بأوضاع الصراع العربى الإسرائيلى، وغيرهم من معاهد ومراكز البحوث الاستراتيجية المتخصصة فى العالم، فمنذ الستينات، وهذه القضية تناقش بعمق، وبخاصة من زاوية الآثار السياسية والاستراتيجية، بل والنفسية، التى يحتمل أن تتركها على تطورات هذا الصراع المزمن والمعقد. وربما كان من أقوى الأسباب المحركة لذلك الاهتمام الدولى، رفض إسرائيل التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى يونيو 1968. ولما كانت إسرائيل وقتها تندرج فى عداد الدول المتقدمة فى أبحاث الطاقة النووية، فقد فسر ذلك الامتناع، على انه كان يعبر عن رغبتها فى عدم التقيد بأية ضوابط دولية، تحول بينها وبين إنتاج أسلحة ذرية، تبنى عليها استراتيجيتها الجديدة فى المواجهة العسكرية ضد الدول العربية.. الخ. وعلى الرغم من أن قضية التسلح النووى الإسرائيلى لابد أن تعنينا بشدة كعرب، باعتبارنا الطرف الرئيسى الأخر فى هذه المواجهة المصيرية وباعتبار أننا المستهدفون أساسا بتلك الأسلحة، أيا ما كانت الصورة الفعلية التى سيتم عليها التخطيط لاستخدامها، إلا أن هذه القضية - حتى وان بقيت حيازة إسرائيل للأسلحة النووية مجرد احتمالات مطروحة فى ساحة المواجهة - لم تنل منا، على الأقل كباحثين ودارسين عرب، ما تستحقه من اهتمام. وهذه الدراسة ليست اكثر من محاولة محدودة للولوج إلى هذه الدائرة - التى اعتقد أنها ما تزال مغلقة - من دوائر البحث والتحليل، وهى لا تستهدف اكثر من إلقاء الضوء على بعض الجوانب الرئيسية لتلك المشكلة. 1- البرنامج النووى الإسرائيلى: الخلفيات والدوافع إذا أردنا أن نحدد بدقة، نقطة البداية التاريخية فى تنفيذ برنامج إسرائيل النووى، فسنجد أن ثمة اختلافا بين الباحثين حول هذا التحديد. فبعضهم من أمثال ج. بوير بيل الأستاذ الباحث بمركز الدراسات الدولية التابع لمعهد ماساشوستيس الأمريكى للتكنولوجيا، يرجع تلك البداية إلى عام 1948، أى منذ الوهلة الأولى لقيام دولة إسرائيل، وقد حدث ذلك، كما يقول، لأسباب تتجاوز ضغوط الأمن القومى، إلى محاولة تأمين حق الحياة والمقدرة على البقاء والاستمرار للدولة الوليدة واتخذ ذلك صورة الدخول فى علاقات من التعاون الوثيق بينها وبين فرنسا فى مجال أبحاث الطاقة النووية(1). ولما كان هذا الإدعاء غير مدعم بالأدلة والوثائق المقنعة، وكذلك فانه لما كان من غير المتصور، أن تبادر فرنسا فور قيام إسرائيل، فى ظروف بالغة الصعوبة من التعديد وعدم الاستقرار، ومن الرفض العربى الكامل لها، إلى الدخول طرفا فى برنامج للتعاون المشترك فى مثل هذه الأمور العلمية الحساسة، وأيضا فانه لما كان من المشكوك فيه تماما، أن تكون إسرائيل قد استطاعت، عند هذه النقطة من تاريخها، أن تجذب إليها قاعدة كافية من الخبرات العلمية المتخصصة فى أبحاث الطاقة النووية، فضلا عن ضيق قاعدة الموارد الاقتصادية والمادية المتاحة لها فى مثل ظروفها.. الخ، كل ذلك يجعلنا نتحفظ بشدة على هذا التحديد التاريخى، الذى نميل إلى اعتباره نوعا من المبالغة غير المقبولة. أما التحديد الأقرب إلى المنطق والواقع، فهو ما يذكره فلا بان وغيره إذ يرجعون البداية الفعلية لهذا البرنامج النووى الإسرائيلى، إلى ظروف ما قبل حرب السويس مباشرة(3). ففى الظروف التى سبقت حرب السويس وهيأت لها، كافة العلاقات الفرنسية العربية، وبخاصة مع مصر، قد تدهورت بصورة حادة جدا، بسبب ما تصورت فرنسا انه مساندة مصر لحرب التحرير الجزائرية وهى المساندة التى اعتبرتها المصدر الرئيسى لمتاعبها هناك، ومن ثم فقد انحت بالأئمة على حركة القومية العربية التى تزعمها عبد الناصر. وقد اعتبرت فرنسا أن تدعيم القدرات العسكرية الإسرائيلية، يشكل عاملا أساسيا نحو كسر شوكة القومية العربية، واستنزاف الطاقات والموارد التى يعتمد عليها النظام الناصرى فى دعم الثورة الجزائرية، بل أنها ذهبت بعيدا، إلى حد المجاهرة بضرورة تصفية هذا النظام نفسه(3). وانطلاقا من هذا التصور، وفى إطار هذه الاستراتيجية الفرنسية الجديدة من الصراع العربى الإسرائيلى، ألقت فرنسا بكل ثقلها العسكرى والسياسى إلى جانب إسرائيل، وبالصورة التى أصبحت معها المورد الرئيسى للسلاح الإسرائيلى ثم امتد لتعاون بينهما إلى المجالات العلمية ولا سيما فى مجال أبحاث الطاقة النووية. وقد ساعد على ذلك، قيام فرنسا وقتها ببناء قوتها النووية المستقلة الضاربة Force de Frappe وذلك كرد فعل مباشر لخلافتها الحادة مع الولايات المتحدة داخل حلف الأطلنطى قبل حرب السويس وبعدها(4). كان هذا عن الدافع بالنسبة لفرنسا. أما عنه بالنسبة لإسرائيل، فقد كان هناك باستمرار، ذلك الاقتناع المترسخ فى أذهان القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، ومؤداه أن تفوق العرب الكمى فى الموارد البشرية والطبيعية، كان من المحتمل جدا أن يتضاعف فى الوقت الذى كان من المشكوك فيه، أن تقدر إسرائيل على الاحتفاظ بتفوقها الكيفى فى الميدان العلمى والتكنولوجى. وكان يضيف إلى هذا الاعتقاد إحساسهم بأنه عندما تتاح للعالم العربى، فرصة الوحدة السياسية الحقيقية تحت زعامة ديناميكية، تحاول تحديث أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، ودعم قوته العسكرية، فان ذلك لابد فى النهاية، أن يواجه أمن إسرائيل بأفدح الأخطار والتهديدات(5). وقد تعمق هذا الإحساس على وجه الخصوص بعد حرب السويس، وبعد أن فرضت زعامة عبد الناصر نفسها على العلام العربى. ومن هنا كان لابد من التحسب على قدر الإمكان لهذا الاحتمال الأخير(6). وفى نطاق هذه الاعتبارات الأمنية الضاغطة، وجدت فى إسرائيل مدرستان للفكر الاستراتيجى الأولى، وكانت تقوم على الادعاء بأن اللغة الوحيدة التى يفهمها العرب، هى لغة القوة. ولما كانت إسرائيل دولة صغيرة ومعزولة، فان العمل على تنمية قدراتها العسكرية على نحو فعال جدا، كان يمثل ضرورة استراتيجية قصوى، وعليه كان يتعين على إسرائيل، أن تثبت من وقت لأخر، مقدرتها التى لا تنازع على الردع والتهديد ضد أعدائها العرب. وكان السلام، من وجهة نظر أصحاب هذا الخط الاستراتيجى، هدفا بعيد المنال. أما المدرسة الثانية، وهى التى لم تذهب فى تشاؤمها وتطرفها إلى حد الإقرار باستحالة تحقيق السلام مثلما فعلت سابقتها، فكان من رأيها، أن إسرائيل وان وجدت نفسها مضطرة إلى تنفيذ بعض التدابير الانتقامية الرادعة ضد هجمات الفدائيين، إلا انه كان يجب الإبقاء على تلك التدابير ضمن إطار محدود، تجنبا لدفع الصراع العربى الإسرائيلى إلى نقطة الانفجار الشامل، وهو ما كان يعنى نسف كل احتمال لإقامة علاقات من السلم المستقر والدائم بين الطرفين. وفى سياق هذا الصراع بين أنصار المدرستين، انتصر أصحاب المدرسة الأولى، ومن ثم، فقد تبلورت النظرية الاستراتيجية التى تقوم على اعتناق مبدأ الردع الفعال من خلال المقدرة المستمرة على شن الحروب الوقائية وحروب الإحباط، وقد اعتبر تنفيذ هذا المبدأ الاستراتيجى، الرد الإيجابى والواقعى على التهديدات العربية الموجهة ضد أمن إسرائيل. وقد ارتكز الدفاع عن هذه النظرية الاستراتيجية، على عدد من الذرائع والمبررات الجوهرية، التى تمثلت فى أن المشكلة الناتجة عن طول الحدود بما لا يتناسب وحجم إسرائيل من مناطق الحدود، كل ذلك كان يعنى فى التحليل الأخير، أن قيام العرب بحرب مفاجئة ضد إسرائيل، سوف يترتب عليه تدمير مراكزها الصناعية ومطاراتها، وقواعدها العسكرية ونقاط الاتصالات الحيوية فيها، وكذلك محق مدنها، وباختصار انتهائها كدولة. وكان من أبرز دعاة نظرية الردع الفعال، والقدرة الدائمة على شن حروب الإحباط، خبير الاستراتيجية والسياسى الإسرائيلى المعروف ايجال آلون. غير أن آلون، للحقيقة، لم يدافع عن فكرة الرادع النووى، إذ كان من رأيه، أن السلام كان ممكن التحقيق، من خلال تحييد منطقة الشرق الأوسط، وأيضا عن طريق عقد ميثاق عدم اعتداء بين الدول العربية وإسرائيل، للتقليل من احتمالات الحرب المفاجئة، كما عبر الون عن اعتقاده، بان مبادءة إسرائيل بإدخال الأسلحة النووية إلى المنطقة، كانت تضر بمصالحها الحيوية. وإذا كان هذا هو تفسير الون، إلا أن استراتيجية الردع الفعال، وجدت تفسيرا مغايرا لها عند جماعة المتطرفين من هؤلاء السياسيين، من أمثال دافيد بن جوريون، وموشى ديان، وشيمون بيريز. فهذه المجموعة بالذات، كانت تشكل عصبة القوة الدافعة لعلاقات التحالف الفرنسى - الإسرائيلى، سواء قبل حرب السويس أو بعدها. وكان لهذه العلاقة أثرها البالغ فى دفعهم إلى اعتناق المذهب الاستراتيجى الفرنسى، الذى يقول أن الردع النووى، هو الحل الفعال للمشكلات الناتجة عن نقص الطاقة البشرية، كما كان بمثابة العامل المكافئ لعدم التفوق فى مستوى التسلح التقليدى(7). وقد جاءت نتائج حرب السويس لتؤكد لهذه المجموعة من السياسيين المتطرفين، الحاجة الماسة إلى بناء رادع نووى دون إبطاء. فإسرائيل أرغمتن تحت ضغط الأمم المتحدة والقوتين العظميين، إلى الانسحاب من كل الأراضى التى احتلتها فى سيناء وقطاع غزة، دون أن تحصل فى مقابل ذلك الانسحاب - على حد ادعائهم - على تسوية سياسية، فيها من الضمانات ما يحل مشاكلها الأمنية، وذلك فيما إذا استثنينا الضمان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية - فى صورة تصريح - وكذلك الإجراء الأخر المتعلق بوضع قوة طوارئ دولية فى منطقة شرم الشيخ وقطاع غزة، لضمان حرية مرور السفن الإسرائيلية فى خليج العقبة، وللحيلولة دون عبور الفدائيين الحدود الإسرائيلية(8). وفى ضوء التقويم السلبى لتلك النتائج، اتخذت الحكومة الإسرائيلية، قرارها الذى يقضى بإقامة مفاعل ديمونة النووى فى صحراء النقب، الذى بلغت قوة تشغيله 24 ميجاوات. وكانت فرنسا هى التى قامت بوضع تصميماته الفنية وتنفيذها، وهى أيضا التى خططت للكيفية التى سيتم بها تشغيله واستخدامه. وحتى اللحظة الراهنة، لم يمط الطرفان اللثام عن الشروط، والتعهدات، والأهداف التى اتفق عليها لهذا البرنامج النووى المشترك بين الدولتين(9). ومن الغريب أن الحكومة الإسرائيلية، استطاعت أن تتكتم هذا القرار تماما، إلى أن افتضح ففى ديسمبر 1960 عندما دعا كريستيان هيرتز وزير خارجية الولايات المتحدة وفتئذ، الحكومة الإسرائيلية للرد على الشائعات التى تواترت على امتلاك إسرائيل لمفاعل نووى، يقوم بتجهيز مادة البلوتنيوم التى يعتمد عليها فى صنع الأسلحة النووية. وقد نفى بن جوريون بشدة أن يكون فى نية حكومته إنتاج مثل هذا النوع من الأسلحة، وأكد أن نشاط مفاعل ديمونة، كان مقصورا على الأغراض السلمية وحدها(10). غير أن هذا التأكيد لم ينف الشكوك التى أخذت تنتشر، حتى فى إسرائيل نفسها، من أنها كانت متجهة إلى إنتاج أسلحة ذرية، وان التصريحات الرسمية فى هذا الصدد، لم تكن إلا من قبيل التمويه، ثم قويت تلك الشكوك، بصفة خاصة، بعد أن تقدم ستة من أعضاء لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية باستقالاتهم منها احتجاجا على مهمة اللجنة، ولم يبق منهم مسئولا عن برنامج إسرائيل النووى وقتها إلا برجمان رئيس اللجنة(11). ومن هنا، وكمظهر للاحتجاج على اتجاه الحكومة الإسرائيلية نحو امتلاك أسلحة ذرية، تشكلت فى إسرائيل مع نهاية عام 1961 لجنة تدعو إلى عدم إدخال الأسلحة الذرية إلى دائرة الصراع العربى الإسرائيلى. وقد ضمت اللجنة فى عضويتها، عددا من العلماء والمثقفين الإسرائيليين البارزين، الذين أتيح لهم أن يقفوا، من خلال اتصالاتهم ببعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية وبزعماء الأحزاب السياسية الكبرى على الدوافع الحقيقية الكامنة وراء إقامة هذا البرنامج النووى. وكان من رأى اللجنة، أن إدخال البعد النووى فى هذا الصراع، كان يمثل خطا استراتيجيا وسياسيا بأى مقياس، وعليه، فقد دعيت الحكومة الإسرائيلية إلى المبادرة بتقديم اقتراح لإعلان، أن منطقة الصراع العربى الإسرائيلى خالية من الأسلحة النووية وفى إبريل عام 1962 صدر عن اللجنة بيان يدعو إلى: أتعهد دول الشرق الأوسط بالامتناع عن إنتاج أسلحة ذرية. وحبذا لو أن ذلك ثم بوسيلة الاتفاق المتبادل بين كافة الأطراف المعنية. بمطالبة الأمم المتحدة بتنفيذ بعض تدابير الرقابة الفعالة على هذه المنطقة، للحيلولة دون تمكين دولها من إنتاج نووية. ج-المطالبة بفرض حظر على دول المنطقة، يحول بينها وبين الحصول على أسلحة نووية من دول أخرى خارجية(12). وقد وقع على هذا البيان سبعة عشر عالما ومثقفا، من بينهم اثنان من العلماء المستقلين من لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، وهما اولندورف من معهد حيفا للتكنولوجيا وسامبورسكى من الجامعة العبرية، كما أثار عضو الكنيست زالمان ابراموف من قيادة حزب جحل، مع الحكومة الإسرائيلية، مسألة رفضها الاقتراح الذى تقدم به رئيس وزراء السويد تاج ايرلندر، فى شأن مطالبة الدول غير النووية بالامتناع عن إنتاج الأسلحة النووية(13). وكان اتجاه الحكومة الإسرائيلية هو الرفض القاطع لكافة المقترحات، التى استهدفت إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، وقد تذرعت فى رفضها، بادعائها أن مثل ذلك الإعلان كان يمثل مشكلة جانبية، إذا ما قورنت بالخطر الساحق الذى يتعرض له الأمن الإسرائيلى، من جراء تصاعد سباق الأسلحة التقليدية فى المنطقة، ومن ثم، فان الاهتمام بحل مشكلة التسلح فى الشرق الأوسط، كان يجب أن يركز على دائرة الأسلحة التقليدية قبل أى شئ آخر، وقد تأكد ذلك الاتجاه برفض الحكومة الإسرائيلية التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية منذ عام 1968(14). 2- الحوار فى إسرائيل حول قضية التسلح النووى: أثار هذا الرفض، حوارا ساخنا فى إسرائيل بين دعاة التسلح النووى وبين المعارضين له. وقد ساق كل من الفريقين الحجج والأسانيد التى يدافع بها عن منطقة. وبوجه عام تركزت حجج المؤيدين فى الأتى(15). أولا:- أن الخطر الذى كان يتهدد أمن إسرائيل بل ووجودها نفسهن كان ينبثق ليس من امتلاك الدول العربية للأسلحة النووية، وإنما من حيازة هذه الدول، لمخزون ضخم ومتزايد من الأسلحة التقليدية المتطورة. وترتيبا على ذلك، فان إسرائيل لا يمكن أن تقصر دفاعها عن أمنها القومى على الأسلحة التقليدية وحدها، لان العرب، بحكم تفوقهم البشرى، واتساع مواردهم الاقتصادية، وتأييد الاتحاد السوفييتى غير المتحفظ لهم، كانوا يشكلون الكفة الراجحة فى سباق الأسلحة التقليدية. ثانيا:- فى ظل سباق الأسلحة التقليدية فانه ليس ثمة فرصة تستطيع إسرائيل من خلالها أن تبرهن على تفوقها العلمى والتكنولوجى لان العرب سيكون لهم منذ إلى ترسانات الأسلحة التقليدية للقوى الكبرى، وسيكون بمقدورهم الحصول على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا إنتاج هذه الأسلحة التقليدية وعلى ذلك فان ما تنفقه إسرائيل على البحث التكنولوجى فى هذا المضمار التقليدى، لن يكون له عائد يجزيه. ثالثا:- انه فى ل حيازة إسرائيل المنفردة للأسلحة النووية، وباستثمارها الأقصى لها، كأداة للردع والتخويف فان هذا الوضع، كفيل بان يضغط على العرب، إلى الحد الذى يجعلهم يتنازلون كلية عن خططهم فى المواجهة العسكرية ضد إسرائيل، وهو ما سيرغمهم بالتالى على الدخول فى اتفاقية سلام معها. رابعا:- انه حتى بافتراض استطاعة العرب إنتاج أو امتلاك أسلحة نووية، سواء بوسيلة القدرة الذاتية، أو بمعاونة قوة كبرى، فان ذلك سيخلق نوعا من توازن الرعب النووى فى منطقة الشرق الأوسط، وهو ما سيهدد كثيرا باحتمالات وقوع حرب تقليدية، وذلك بدافع الخوف من إمكانية تصاعدها إلى مستوى الحرب النووية العامة. خامسا:- أن انتشار تكنولوجيا إنتاج الأسلحة النووية، يبدو أمرا لا مفر منه، تماما كما هى الحال مع انتشار الأسلحة النووية، ومن ثم، فانه كلما أسرعت إسرائيل باستيعاب هذه التكنولوجيا النووية وتنمية خبرتها بها، كان ذلك بمثابة ضمان افضل لمصالحها الأمنية والاقتصادية على السواء. وبعد حرب يونيو 1967، أضيفت إلى الحجج السابقة، حجة أخرى مؤداها أن التكلفة البشرية والمادية لحرب استنزاف عربية تشن ضد إسرائيل، مع احتمال أن تستمر هذه الحرب الاستنزافية إلى مدى غير محدود، فإذا ما أضيفت إلى ذلك، الحاجة إلى الاحتفاظ بالأراضى التى حصلت عليها إسرائيل نتيجة الحرب لما لها من أهمية استراتيجية قصوى، فى تأمينها ضد خطر حرب تدميرية يشنها العرب ضدها بطريقة مفاجئة، فان كل هذه الاعتبارات مجتمعة، تجعل إسرائيل مضطرة إلى انتهاج سياسات الردع النووية، لتثبيت معالم الوضع الإقليمى الذى تمخض عن هذه الحرب، والذى يجب أن يدخل بصورة أساسية فى اعتبار أية تسوية سلمية نهائية ودائمة(16). أما فريق المعارضين فى إسرائيل لإنتاج الأسلحة النووية، فقد صاغوا منطقهم على النحو التالى(17). 1- أن العب اليهودى الذى كان هو نفس ضحية عملية إبادة شاملة، يجب أن يكون اكثر حرصا من غيره، على تجنيب الإنسانية كارثة الحرب النووية، والوقوف دون تحول الصراع العربى الإسرائيلى إلى حرب دمار نووى متبادل بين الطرفين. 2- انه مع عدم إنكار المخاطر الناتجة عن تصاعد سباق الأسلحة التقليدية فى منطقة الشرق الأوسط، إلا أن العمل على حصر الصراع فى إطاره التقليدى لفترة طويلة قادمة سيساعد ولا ريب على تشجيع نزعة الاعتدال والواقعية لدى الدول العربية وبالإضافة إلى ذلك فانه إذا كانت إسرائيل تمتلك بعض المهارات التكنيكية والتنظيمية والتعليمية فان هذه المهارات التكنيكية والتنظيمية والتعليمية فان هذه المهارات يمكن استثمارها بفاعلية اكبر فى ظروف الحرب التقليدية ومن ثم فانه لا يصح التعلل بها كذريعة لامتلاك السلاح النووى. 3- انه إذا كان العرب قد بدءوا يدركون استحالة قدرتهم على تدمير إسرائيل فى حرب تقليدية، فان الأمر قد يختلف مع نجاحهم فى إنتاج أو امتلاك أسلحة نووية، فحينئذ قد يصبح فى مقدورهم تدمير إسرائيل فى حرب نووية خاطفة. وفضلا عن ذلك، فان امتلاك إسرائيل أو العرب لأسلحة نووية، لن تنتج عنه إلا ميزة محدودة ومؤقتة. وعليه، فانه بدلا من أن تخدم هذه الأسلحة كأداة للردع، فإنها ستكون بمثابة عامل تنشيط أو استثارة للسباق النووى إلى مستوى أعلى من الخطورة. 4- انه إذا كان قد ثبت من تجربة القوتين العظميين حتى الآن، أن توازن الرعب النووى ينتج آثارا رادعة حاسمة على الصعيدين العالمى والأوربى، فان الأمر سيكون مختلفا تماما، فيما إذا دخلت الأسلحة النووية إلى منطقة الشرق الأوسط، ذلك أن ضيق المساحات الجغرافية التى تفصل بين دول المنطقة، يجعل من القدرة على نقل هذه الأسلحة النووية وتفجيرها فى منطقة الهدف، أمرا ميسورا للغاية، وبالدرجة التى تنعدم معها فاعلية نظم الرصد والتحذير. كما أن الهامش الزمنى اللازم لتنفيذ تدابير الاستعداد أو الاعتراض أو الثأر سيتلاشى تقريبا.. ومما يضاعف من هذا الخطر، انه فى كل من مصر وإسرائيل بشكل خاص، فان الجانب الأكبر من السكان، والقدرات الصناعية والإمكانيات الاقتصادية، يتركز فى عدد محدود من المناطق التى يمكن تدميرها بسهولة بالضربة الأولى. 5- انه مع حالة الصراع والعداء المستحكم بين الدول العربية وإسرائيل، ومع عدم وجود خط ساخن بين مراكز القيادة المسئولة فى هذه الدول، فان ذلك يرفع من احتمال وقوع الحرب النووية فى هذه المنطقة بطريق الخطأ، وهو قد يكون خطأ فنيا، أو خطأ فى تقدير أجهزة المخابرات.. الخ، ومن هنا أيضا، فانه بدلا من أن تقوم الأسلحة النووية بدورها المفترض كأداة للتوازن والاستقرار والردع، فإنها قد تضغط على الأطراف المختلفة فى اتجاه استخدامها، بناء على تصوراتها. أو حساباتها الخاطئة. 6- أن امتلاك إسرائيل السلاح النووى، لن يردع وقوع الحرب التقليدية، بل انه على العكس من ذلك، سيعمل على تنشيط سباق الأسلحة التقليدية، كما وكيفا، وهو ما يعنى بالتالى، التصعيد المستمر لخطورة أية حرب تقليدية تقع مستقبلا بين العرب وإسرائيل. ويضيف أصحاب هذا الخط فى التحليل، انه قد ثبت فعلا من تجربة حرب يونيو 1967، وحرب أكتوبر 1973، أن احتمال امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، وان كان ماثلا فى أذهان العرب وقتها، إلا أن ذلك لم يرد عليهم بالمرة، عن الدخول فى حرب تقليدية واسعة ضد إسرائيل، بل انهم خاضوا هاتين الحربين إلى آخر المدى الذى سمحت به إمكاناتهم فى كل منهما. 7- انه إذا كان المقصود من حيازة إسرائيل للأسلحة النووية، ليس استعمالها وإنما استغلالها كأداة للضغط النفسى على العرب، فان مثل هذا التصور، يبنى على افتراض خاطئ وهو بدلا من أن يصل بالجهود الرامية إلى تحقيق التسوية السلمية إلى نتيجة إيجابية، فانه سيقود لا محالة إلى تعميق فجوة عدم الثقة، وتأصيل مشاعر الخوف والكراهية، وهو ما يعنى فى التحليل الأخير، تعقد مشاريع السلام، والوصول بأطراف الصراع إلى مأزق قد يتعذر عليهم الخروج منه فيما بعد. 8- وأخيرا، فانه ليس ثمة ضرر البتة، من تأجيل وصول التكنولوجيا النووية إلى كل من الدول العربية وإسرائيل، وذلك إلى أن تحين ظروف سياسية، تكون اكثر ملاءمة واكثر تقبلا لها، وعندئذ يكون تطبيق هذه التكنولوجيا النووية واستخدامها، ليس للقتل والتدمير وإنما للتنمية والبناء، وفى الأغراض السلمية وحدها. 3- موقف الولايات المتحدة من مشروعات إسرائيل النووية: فى الحقيقة، أن اتجاه الولايات المتحدة من برامج ومشروعات إسرائيل النووية، يمكن تحليله فى نطاق مرحلتين رئيسيتين، هما مرحلة ما قبل حرب يونيو 1967 ثم مرحلة ما بعد هذه الحرب، فهذا الاتجاه وان كان قد اتسم بطابع التشدد النسبى، والتشكك الواضح فى نوايا هذا البرنامج النووى فى المرحلة الأولى، إلا أن هذا التشدد، لان كثيرا فى المرحلة الثانية إلى الدرجة التى يمكن معها الإدعاء بان هذا الموضوع لم يعد مطروحا على مستوى العلاقة الثنائية بين الدولتين، وأصبح جزءا من مشكلة الانتشار النووى فى أبعادها الدولية الواسعة. والسؤال الذى يفرض نفسه بالضرورة عند هذه المرحلة من التحليل هو: ما هى حقيقة الأسباب التى كمنت وراء هذا التحول؟ وفى تصورنا أن تلك الأسباب ترتبك بواحد أو اكثر من الاعتبارات الأساسية الآتية: أولا:- التدهور الحاد والعنيف الذى حدث فى دائرة العلاقات الأمريكية- العربية نتيجة هذه الحرب، والذى ترتب عليه قطع العلاقات الدبلوماسية لعدد من الدول العربية القيادية، وفى مقدمتها مصر وسوريا الجزائر، بالولايات المتحدة، وهو ما دفعها - كرد فعل - إلى الإلقاء بثقلها الدبلوماسى والعسكرى إلى جانب إسرائيل. ودون مبالغة، يمكن القول بأن هذه الفترة بالذات، كانت اكثر الفترات التى أظهرت فيها الدبلوماسية الأمريكية انحيازها العلنى شبه الكامل إلى الجانب الإسرائيلى فى هذا الصراع، ولم تعبأ برد الفعل العربى لهذه السياسات المنحازة فى صورتها الجديدة غير المتحفظة. وأيضا فانه مما شجعها على انتهاج هذه السياسة المنحازة، أن الدول العربية الأخرى التى كانت ترتبط معها بمجموعة واسعة فى المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة، ونقصد الدول البترولية، وبالأخص المملكة العربية السعودية، كانت على علاقات سيئة جدا بالنظام الناصرى، بسبب التراكمات العنيفة والمستمرة من مشاعر الكراهية وعدم الثقة، وبسبب التعارض الجذرى فى الأهداف والسياسات طيلة السنوات السابقة على وقوع هذه الحرب. ومن هنا، فقد اطمأنت الولايات المتحدة، إلى أن هذه الخلافات العربية التى وصلت إلى حد الاشتباك فى حروب مسلحة، كانت تحول بين العرب وبين إظهار رد فعل عربى منسق وشامل ضدها أو ضد مصالحها بسبب ذلك الانحياز غير المتحفظ. ولقد كان من النتائج الهامة لهذا الانحياز الأمريكى - فى ظل الشعور بعدم الخوف من رد الفعل العربى - غض النظر عن الاتجاه الذى كانت قد أخذت تسلكه أبحاث الطاقة النووية فى إسرائيل. ثانيا:- أن الانتصار العسكرى الساحق الذى حققته إسرائيل فى هذه الحرب، كان يعنى تدمير مراكز القوة الرئيسية التى احتمى بها النفوذ السوفييتى فى منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى فقد رأت الولايات المتحدة، أن من مصلحتها الإبقاء على علاقات القوى الجديدة التى اختلت بشدة وقتها لصالح إسرائيل كقوة. مضادة لهذا النفوذ السوفييتى. ويؤكد هذا التصور، أن الولايات المتحدة جنحت فى ذلك الوقت إلى النظر إلى إسرائيل، على أنها بمثابة حاملة الطائرات الأمريكية الثابتة فى المنطقة. وعلى ذلك، فانه لم يكن من المنطقى، أن تتدخل الولايات المتحدة فى قضية النشاط النووى الإسرائيلى، وهى القضية التى كانت تشتمل على حساسية خاصة بالنسبة لها، ولان ذلك أن حدث، كان كفيلا بان يفجر خلافا، كان الدولتان بالقطع فى غنى عنه، فى دائرة علاقاتهما المتبادلة. وكان هذا الأمر مستعدا تماما وقتها، خاصة وان أجهزة الدعاية الصهيونية الدولية، كانت تردد بإلحاح النغمة التى تقول بان إسرائيل هى الحليف القوى الوحيد الذى يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد عليه فى الشرق الأوسط. ثالثا:- ثم هناك العامل الأخر المتعلق بالرئيس الأمريكى ليندون جونسون نفسه، الذى كان قد تحول بمرور الوقت إلى طرف فى خصومة سياسية عنيفة مع الرئيس عبد الناصر، بسبب الخلاف حول عدد من الأمور والأوضاع التى تتصل أساسا بموقف مصر من حلفاء أمريكا فى المنطقة العربية ومن مصالحها..الخ. وهو ما جعله فى النهاية، يتوقف بحكومته عن متابعة البرنامج النووى لإسرائيل، بل وأغمض عينيه عن التطورات الخطيرة التى لقحت بهذا البرنامج النووى بعد حرب 1967 مباشرة، على نحو ما سنشير إليه بعد قليل. رابعا:- انه بعد التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الصادرة عن الأمم المتحدة فى عام 1968، ألقت الولايات المتحدة بمسئولية مجابهة المشكلات الناتجة عن الانتشار النووية، على عاتق المنظمة العالمية ومجلس الأمن، ولم تشغل أجهزة دبلوماسيتها الدولية بمتابعة هذه القضية. وكان من الطبيعى أن تمتد آثار هذه السلبية الجديدة إلى إسرائيل، حيث تبددت فعلا كل أثار القلق والانزعاج الذى اعتادت الولايات المتحدة أن تظهره وتعبر عنه تجاه مشاريع إسرائيل النووية. ويكفى التدليل على ذلك، انه منذ عام 1968، لم تمارس أمريكا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أى ضغط دبلوماسى على إسرائيل، يجعلها تنضم - سواء مقتنعة أو مرغمة - إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتوقع عليها، على الرغم من الآثار السياسية والنفسية الإيجابية التى يمكن أن تنتج عن هذا الانضمام، بالنسبة لأحوال الصراع فى هذه المنطقة الحيوية من العالم. والآن، يمكننا أن نصور الأسلوب الفعلى الذى اتخذه التحول فى اتجاهات الولايات المتحدة فى مشروعات إسرائيل النووية خلال المرحلتين السالفتى الذكر، على النحو التالى: أفى مرحلة ما قبل حرب 1967: سبق أن المحنا باقتضاب، إلى الإيضاحات التى طلبت الحكومة الأمريكية فى نهاية عام 1960 فى إسرائيل تقديمها حول مفاعل ديمونة النووية، الذى شيدته فرنسا لها فى منطقة صحراء النقب والتى جاء رد الحكومة الإسرائيلية بشأنها، تؤكد على الطابع السلمى لهذا المفاعل، وينفى أن يكون نشاطه موجها إلى إنتاج أسلحة نووية، وقد ترك هذا الإيضاح انطباعا عاما بعدم الثقة فى أوساط وزارة الخارجية الأمريكية، نظرا لان تقارير وكالة المخابرات المركزية، كانت تشير وقتها إلى حقائق تختلف عن تلك التى حاولت الحكومة الإسرائيلية أن تنفيها(18). وقد أثيرت المشكلة مرة ثانية فى عام 1964 عندما اجتمع رئيس الحكومة الإسرائيلية ليفى اشكول مع الرئيس الأمريكى ليندون جونسون، ومن جديد، أكد اشكول انه ليس لدى إسرائيل أية خطط بفصل البلوتنيوم وصنع الأسلحة النووية، بل ذهب إلى حد أن وافق من جانبه على وضع برنامج لزيارات منتظمة يقوم بها الخبراء الأمريكيون المختصون لمفاعل إسرائيل النووى. وفى نفس الوقت، عقدت صفقة صواريخ هوك، وهى أول صفقة حكومية رسمية توافق عليها الولايات المتحدة لبيع الأسلحة إلى إسرائيل(19). وكان معنى هذا الإجراء الأخير، انه قد أمكن لإسرائيل، أن تستثمر هذه المخاوف الأمريكية كأداة للمساومة، واستطاعت بالخديعة والمناورة، أن تحصل على هذه الصفقة، متذرعة فى ذلك بان نزولها عن حقها فى امتلاك رادع نووى، كان لابد أن يعوضه تعزيز ترسانتها من الأسلحة التقليدية (وبخاصة الهجومية) المتطورة التى تستطيع بها أن تدافع عن أمنها، فى مواجهة التهديدات التى يستهدفها التحالف العربى السوفييتى ومن خلال الضرب على هذه النغمة، أمكنها أن تشق لها طريقا إلى قلب الترسانة الأمريكية التقليدية بكل ما فيها من أحدث أسلحة الحرب الإليكترونية، دون أن تبدى استعدادا - من قبيل التدليل العملى على حسن نواياها - لإخضاع نشاط مفاعلها النووى فى ديمونة، لإجراءات الرقابة والتفتيش، عن طريق وكالة الطاقة الذرية الدولية. ثم تحركت المشكلة خطورة أخرى إلى الأمام فى يونيو 1965، عندما نادى السناتور روبرت كيندى فى مجلس الشيوخ الأمريكى، وكان متأثرا فى ذلك بالحقائق التى تضمنها التقرير الذى أعده مساعد وزير الدفاع الأمريكى روزويل جيلباتريك، والذى رأس لجنة خاصة تبحث فى النتائج المترتبة على انتشار الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط وآسيا، نقول نادى بضرورة تخصيص أولوية بارزة لمشكلة انتشار الأسلحة النووية فى سياسة أمريكا الخارجية، وأعلن أن هناك دولا مثل إسرائيل والهند، تتوافر لها موارد كافية من المواد الانشطارية الداخلة فى صنع القنابل النووية، وان فى مقدورها أن تنتج أسلحة نووية فى غضون شهور قليلة(20). ومن هذا المنطلق. اقترح روبرت كيندى على الولايات المتحدة، أن تحاول بالاشتراك مع الاتحاد السوفييتى الحصول على تعهد من إسرائيل وغيرها من الدول، بالامتناع عن إنتاج أسلحة نووية، وفى مقابل ذلك، تحصل هذه الدول على ضمانات تؤمنها ضد محاولات العدوان والابتزاز النووى. وقد عبرت صحيفة جويش اوبزرفر اللندنية، عن رد الفعل الإسرائيلى من اقتراح روبرت كيندى بقولها: "أن هذه المبادرة المحدودة لحظر انتشار الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط ربما نتج عن تنفيذها تصعيد احتمالات الحرب، وليس التقليل منها، كما يبدو فى ظاهر الأمر، فالمصدر الرئيسى للتهديد بالحرب، لا ينبع من طبيعة الأسلحة التى يستخدمها أطراف هذا الصراع، وإنما ينبع من الهدف الذى يعتنقه عبد الناصر والذى يدعو إلى تدمير إسرائيل. ومن هنا، فان تقييد انتشار الأسلحة النووية، لن يبدل من هذا الموقف إلى الأحسن بل على العكس فانه سيكون عاملا مشجعا على ممارسة العدوان بالأسلحة التقليدية(21). وفى يناير 1966 أعلنت النيويورك تايمز، أن إسرائيل دخلت طرفا فى اتفاقية سرية مع فرنسا، لشراء عدد كبى رمن الصواريخ المواجهة المتوسطة المدى التى بإمكانها أن تضرب المدن المصرية من منصات إطلاقها داخل الأراضى الإسرائيلية، وفسر ذلك، على انه إيذان باتجاه إسرائيل إلى إنتاج أسلحة نووية، توضع كرءوس لهذه الصواريخ الفرنسية الصنع(22). وكان هذا التطور الخطير على ما يبدو، دافعا بالولايات المتحدة لان تعلن فى فبراير 1966 عن خطة أمريكية تهدف إلى إقامة عدد من المفاعلات النووية لتنقية مياه البحر - وهو الغرض الذى تعللت به إسرائيل دائما فى الدفاع عن برنامج أبحاثها النووية - وذلك كوسيلة لمنع قيام سباق للتسلح النووى فى منطقة الشرق الأوسط. وقد نسبت إلى هذا الاقتراح الأمريكى ميزتان رئيسيتان، أولاهما اقتصادية، والثانية هى انه كان يعمل على انتزاع المخاوف والشكوك حول هذه المسألة الشائكة، عن طريق تطبيق إجراءات التفتيش والرقابة الدولية على التسهيلات النووية العاملة فى منطقة الشرق الأوسط(23). إلا أن هذا المشروع الأمريكى أدى بصورته المقترحة، إلى أحداث انقسام حاد فى وجهات النظر الإسرائيلية. فالخبراء الاقتصاديون اعترضوا عليه، وعللوا ذلك بتشككهم فى الفائدة العملية التى ستنتج عن إزالة ملوحة البحر بالوسائل النووية، فضلا عن ارتفاع عنصر التكلفة المادية، فى الوقت الذى كانت فيه بدائل أخرى ارخص بشكل ملحوظ(24). أما أنصار امتلاك رادع نووى فى إسرائيل، فقد عارضوا المشروع، بدعوى أن إخضاع مفاعل ديمونة للرقابة الأمريكية - وهى الرقابة التى كانت الولايات المتحدة ستصر عليها كثمن لتقديم مساعداتها النووية- كان ينطوى على انتهاك صريح للسيادة الإسرائيلية. وفى إحدى المناقشات التى دارت فى الكنيست الإسرائيلى فى مايو 1966 حول هذا الموضوع، رفض ليفى اشكول فكرة إقامة منطقة نووية حرة فى الشرق الأوسط، وقال "انه إذا كانت مشكلة سباق التسلح فى المنطقة قد استعصت فيما مضى على الحل، فإنى لا أرى أن الوضع قد تحسن كثيرا الآن، وعلى ذلك، فانه ما لم يمكننا أن نصل إلى نوع الفهم المتبادل بيننا وبين العرب، حول الأخطار المتزايدة الناتجة عن إطلاق هذا السباق، فانه سيكون من المتعذر، الحيلولة دون دخول الأسلحة النووية إلى هذه المنطقة "(25). وفى يوليو 1966 وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل على اتفاق ينص على مضاعفة كميات اليورانيوم الضرورى لتشغيل مفاعل الأبحاث النووية الذى أقامته الولايات المتحدة فى ناحال روبين، وفى مقابل ذلكن قبلت إسرائيل وضع هذا المفاعل الصغير تحت رقابة وكالة الطاقة الذرية الدولية(26). وكان ذلك هو أقصى ما أمكن التوصل إليه على مدار ست سنوات كاملة من الأخذ والرد بين الدولتين، حول قضية النشاط النووى فى إسرائيل. ب- مرحلة ما بعد حرب يونيو 1967: فى مرحلة ما بعد حرب 1967 وكما تقدم القول، خفت الضغوط الأمريكية - إذا جاز استخدام هذا التعبير - إلى الحد الذى يمكن معه الزعم، بأنها قد تلاشت كلية. ومن جانبنا، فإننا لم نجد فيما رجعنا إليه من وثائق ودراسات، ما يدل على وجود أى اثر لهذا الضغط الذى عبر عن نفسه فى صور شتى فى المرحلة السابقة. إلا انه مما يلفت النظر، أن الأمر لم يقف عند مجرد انتهاج اتجاه أمريكى سلبى من مسألة النشاط النووى الإسرائيلى، والاكتفاء بتفويض الأمر إلى الأمم المتحدة، باعتبارها المسئولة الأولى عند مكافحة الانتشار النووى على المستوى الدولى، فقد تسربت أخيرا بعض تقارير دولية على اكبر قدر من الخطورة، وأكثرها من داخل الولايات المتحدة نفسها، وكلها تشير إلى تستر الحكومة الأمريكية، على ذروة المستويات المسئولة فيها، عى بعض الإجراءات والتدابير غير المشروعة التى نفذتها إسرائيل ابتداء من عام 1968 للحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم اللازم لصناعة الأسلحة النووية. وتذكر هذه التقارير، أن الأسلوب الذى اتبعته إسرائيل، هو أسلوب اختطاف اليورانيوم بوساطة وحدات خاصة من الكوماندوز الإسرائيليين وان تلك الوحدات، أمكنها أن تنفذ بنجاح أربع عمليات واسعة على الأقل. كانت أولاها تهريب كمية ضخمة من اليورانيوم من أحد المصانع النووية بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وتضيف هذه الروايات - التى ينسب مصدرها إلى بعض كبار المسئولين فى وزارة الدفاع الأمريكية - انه عندما تقدم لريتشارد هيلمز مدير المخابرات المركزية الأمريكية بتقرير إلى الرئيس الأمريكى ليندون جونسون حول حادث الاختطاف، أمره بان تظل هذه المسألة فى طى الكتمان. وتقول التقارير المذكورة أن شحنة أخرى من اليورانيوم اختطفت من بريطانيا بعد ذلك وبوقت قليل، ثم قامت وحدات الكوماندوز بعمليتى اختطاف آخرين لليورانيوم بالتعاون مع حكومتى فرنسا وألمانيا الغربية، وكان أبرزهما إطلاقا تلك الكميات الهائلة من اليورانيوم التى سرقها الإسرائيليون من إحدى السفن الشحن الألمانية فى عرض البحر المتوسط فى نوفمبر 1968(27). ولم يكن من التصور بحال، أن تحدث عمليات الاختطاف الأخيرة هذه دون علم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وبعيدا عن عيونها المتلصصة فى كل مكان من العالم. ولكن رد الفعل الأمريكى الرسمى منها، جاء تعبيرا عن الاعتبارات الأساسية التى سبقت الإشارة إليها، كمبررات لتحول الواضح الذى طرأ على اتجاه الولايات المتحدة من هذه المسألة، فى مرحلة ما عبد حرب يونيو 1967. 4- رد الفعل العربى من نشاط إسرائيل النووى تكاد تتفق معظم الدراسات التى تناولت هذا الموضوع، على أن رد الفعل العربى من الشائعات التى ترددت حول امتلاك إسرائيل، أو عن اتجاهها إلى امتلاك، أسلحة نووية، كان بصورة عامة هادئا ومتعقلا، ولم يتخذ أى مظهر من مظاهر الخوف أو القلق الهستيرى، كما أن هذه الاحتمالات لم تؤد بهم إلى إدخال أية تعديلات جذرية فى مضمون الاستراتيجية العربية العامة إزاء هذا الصراع، والتى تقوم على التخطيط لمجابهة إسرائيل، فى حدود الأسلحة والقدرات التقليدية وحدها(28). وللحقيقة التاريخية، يمكن القول بان المرة الأولى التى طرح فيها هذا الموضوع بصورة جدية، على الأقل بالنسبة للعالم العربى، كانت فى عام 1966، عندما سربت بعض المصادر الصحفية المطلعة فى ألمانيا الغربية، خبرا يتعلق بنجاح إسرائيل فى إنتاج سلاح نووى وحاولت أن تجزم بصحة الخبر. ولم يتأكد وقتها ما إذا كان هذا الخبر قد دس على هذه المصادر بطريقة مدروسة ومدبرة من جانب إسرائيل لإحداث رد فعل نفسى معين فى العالم العربى، مثل تعميق الشعور بالإحباط وبالعجز المتزايد عن مواجهة إسرائيل عسكريا، وغرس الإحساس بالتدنى فى مواجهة تفوقها التكنولوجى، تمهيدا لاستخلاص نتائج سياسية واستراتيجية معنية، فى مثل الظروف التى راجت فيها تلك الشائعات، وهو احتمال غير مستبعد بحال، أو أنها تكون قد قصدت من وراء تكثيف هذه الشائعات، استثارة رد فعل عربى هستيرى، يكون ضاغطا عليهم وعلى مصر بالذات، فى اتجاه شن حرب وقائية ضد إسرائيل بغير تخطيط كاف، أو بغير استعداد مسبق لها، وذلك فى الوقت الذى تكون فيه قد جهزت نفسها تماما للرد عليها، وبالصورة التى تمكنها من إجهاض القدرة العسكرية العربية الضاربة، المتمركزة أساسا فى مصر خاصة وان مصر كانت تخوض وقتها حرب استنزاف قاسية فى اليمن، لفترة طالت على أربع سنوات كاملة. ومثل هذا الاحتمال قائم أيضا ومما يدعمه ما ظهر من تجربة حرب يونيو 1967، وهو أن إسرائيل كانت قد خططت لهذه الحرب، استراتيجيا وتكتيكيا، فور انتهاء حرب السويس فى عام 1956. ولكن رد الفعل العربى المتحفظ هو الذى حال بينها وبين هذه النتيجة، إذا كانت قد خطط لها فعلا. ولقد كان من رأى بعض الباحثين المعنيين بهذه القضية، أن إسرائيل برفضها وقتها أن تقضى تلك الشائعات أو تؤكدها، أرادت أن تضع العرب فى حالة من التخمين المستمر لدوافعها ونواياها، كما أن ذلك كان يوفر عليها الإدانة الدولية التى كانت ستتعرض لها، فيما إذا كشفت أوراقها وأكدت أنها امتلكت بالفعل سلاحا نوويا. وهم بذلك لا ينفون عن هذه الشائعات احتمال، أن تكون إسرائيل هى التى وقفت وراءها(29). وهم يذهبون فى الاستدلال على صحة هذا الاحتمال، بالاتجاه الذى عبر عنه شيمون بيريز فى الكنيست الإسرائيلى فى عام 1966، وهو الاتجاه الذى ثبتت عليه كل الحكومات الإسرائيلية التالية. يقول بيريز: "إننى على يقين تام، من أن هناك شكوكا قوية تنتاب العرب فى دوافعنا النووية، وهذه الشكوك تشكل فى اعتقادى، عامل ردع ضدهم، ومن هنا دعونى أتساءل: ما المصلحة التى تجنيها إسرائيل من وراء تهدئة تلك المخاوف أو استئصالها كلية من على الجانب الآخر"؟(30). وإذا انتقلنا من ذلك إلى البحث فيما كان عليه رد فعل مصر من هذا الاحتمال، فسنجد أن الرئيس عبد الناصر حاول فى منتصف عام 1966 حسب ما تذكر التقارير، أن يصل إلى اتفاق على الاتحاد السوفيتى يبيع هل بموجبه الأسلحة الذرية، وذلك فيما إذا تأكد فعلا أن إسرائيل قد بدأت فى إنتاج هذا النوع من الأسلحة. ولكن معنى ذلك توريط الاتحاد السوفييتى فى سباق جديد وخطير للأسلحة النووية فى منطقة الشرق الأوسط، وأيضا لما كان الاتحاد السوفييتى يقف بقوة ضد سياسة الانتشار النووى، وبخاصة فى إقليم مثل الشرق الأوسط "حيث تغلب النزعات العاطفية والانفعالية على سلوك الدول المتحالفة معه" فقد أعرب السوفييت عن عدم استعدادهم للدخول طرفا فى مثل هذا الاتفاق النووى(31). وقد ترتب على ذلك الرفض السوفييتى، ترك عبد الناصر يواجه هذا الاحتمال بموارده التكنولوجية الذاتية، وهى التى لم تكن وقتها فى أى شكل يسمح لها بإنتاج أسلحة نووية)حيث لم تتعدى قوة مفاعل انشاص النووى اثنين ميجاوات فقط(. واكتفى عبد الناصر وقتها بالقول بأنه إذا ما قدر لإسرائيل أن تمتلك السلاح النووى، بأية وسيلة من الوسائل فان ردنا على ذلك سيكون بشن حرب وقائية ضدها. ولكن هذا التهديد، فى مثل الظروف التى صدر فيها، لم يكن ليغير كثيرا فى معالم الوضع القائم بين الدول العربية وإسرائيل، إذ كان من المشكوك فيه تماما، أن تعتمد مصر - وهى متورطة عسكريا والى أقصى حد فى حرب اليمن، فضلا عن أن العلاقات العربية كانت فى أسوأ أوضاعها - إلى شن حرب وقائية ناجحة ضد إسرائيل(32). أما عن الدول العربية الأخرى، فإنها لم تشأ من جانبها أن تفرد لمشكلة التسلح النووى الإسرائيلى حيزا كبيرا من اهتمامها، واستمرت تنظر إليها كمشكلة جانبية. لم تبرز فى العالم العربى، على مستوى الحكومات أية تصريحات مسئولة تحاول أن تناقش المضامين والأبعاد الاستراتيجية التى ستترتب على امتلاك إسرائيل لمقدرة نووية. وبوجه عام، فقد تميز رد فعلها كلها تقريبا - المتطرف منها والمعتدل - بالهدوء الواضح، وبدرجة عالية من التقيد وضبط النفس(33). ثم جاءت حرب يونيو 1967 لتقطع هذا التطور، بحكم ما حدث فيها من وقائع، وما انتهت إليه من نتائج. فإمكانيات مصر من القوة التقليدية الضاربة، كانت قد دمرت بصورة كاملة أو شبه كاملة، وكذلك كانت الحال بالنسبة لدولتى المواجهة الأخريين، سوريا والأردن. ومن هنا لم تعد القضية المطروحة فى ساحة الصراع العربى الإسرائيلى هى: هل يقدم العرب على امتلاك رادع نووى يدعمون به قدراتهم التقليدية فى مواجهة إسرائيل كما كانت الحال قبل حرب 1967، وإنما اصبح السؤال هل تستطيع دول المواجهة الرئيسية هذه، أن تعيد من جديد بناء قوتها التقليدية، إلى الحد الذى تستطيع معه أن تقاوم تداعى المضاعفات الناتجة عن الاختلال الشديد الذى طرأ على علاقات القوى بين الطرفين، وأصبح الهدف الرسمى المعلن لبناء تلك القوة، هو تحقيق المقدرة العربية على الصمود، والتخطيط من اجل استرداد الأراضى التى ضاعت فى الحرب عندما تصبح القدرة العسكرية العربية فى وضع يسمح لها بذلك. ومن جهة ثانية، فانه إذا كان الاتحاد السوفييتى قد رفض فكرة إدخال أسلحة نووية إلى المنطقة إبان مرحلة القوة العربية النسبية قبل حرب يونيو، فقد كان من المنطقى، أن يضعف هذا الحافز جدا لديه فى مرحلة ما بعد الحرب لجملة أسباب جوهرية تتصل بتقديراته وحساباته الذاتية منها: أانه لم يكن ليقبل بتحمل المسئولية كاملة فى إعادة تسليح مصر وسوريا، ومن نقطة الصفر، وفى الوقت نفسه يقوم بعملية تسليح نووى لهما. فمثل هذه العملية، وكانت بالقطع خارج مقدوره، بسبب الضغوط والتكاليف الباهظة التى يتكبدها فى سبيل تنفيذ استراتيجيته العالمية، فضلا عن أن هذه الدول، لم تكن فى وضع اقتصادى يسمح لها بالدفع الفورى لتكاليف هذا التسليح السوفيتى الشامل الذى كان من المحقق أن يستمر لفترة طويلة قادمة. بانه لم يكن من المعقول، أن يسلح الدول العربية نوويا فى مواجهة إسرائيل، فى الوقت الذى لم يفعل فيه ذلك فى فيتنام الشمالية الشيوعية فى مواجهتها الأخطر ضد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وذلك على الرغم مما تردد وقتها، عن احتمال لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية أو الصغيرة، لإنهاء التورط الأمريكى فى فيتنام، بصورة تحفظ لها مصالحها، بعد أن فشلت فى تحقيق ذلك بالوسائل التقليدية وحدها. ج-أن مثل هذا التصرف، كان يتناقض بشدة مع سياسته المعلنة فى مكافحة الانتشار النووى، والذى كان بصدد التوصل بشأنه إلى معاهدة دولية مع الولايات المتحدة، فى نطاق الأمم المتحدة، وفى ظل اتفاق دولى عام يحبذ هذا الإجراء. د-أن الاتحاد السوفييتى، وهذا هو الأهم، كان قد غير كثيرا من مفهومه عن قدرة العرب على المواجهة العسكرية الناجحة ضد إسرائيل، واصبح يضع تحفظات قوية على هذه القدرات العربية، وبالتالى فانه كان من أنصار مواجهة الواقع الإقليمى الجديد الذى تمخض عن تلك الحرب، بأسلوب التفاوض الدبلوماسى مع تجنب استخدام القوة العسكرية كلما كان ذلك ممكنا. وربما لهذا السبب وحده، كانت معظم الإمدادات السوفييتية، من الأسلحة التقليدية لمصر وسوريا، من النوع الدفاعى أساسا. وفى ضوء الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 العدد ( 65 ) بتاريخ 1 / 7 / 1981 ملف العدد إسرائيل والعالم العربى: انعكاسات الغارة الإسرائيلية على المفاعل النووى العراقى عبد الله الأشعل فى السابع من يونيو 1981 قامت الطائرات الإسرائيلية الأمريكية الصنع بغارة مفاجئة على المفاعل النووى العراقى الواقع على بعد 26 كيلو مترا من بغداد واستمرت الغارة دقيقتين دمرت خلالهما المفاعل ومنشآته. وكانت إسرائيل هى التى بدأت بإعلان أنباء هذه الغارة بعد يومين من وقوعها إذ قطع راديو إسرائيل إرساله ظهر يوم 9 يونيو وأذاع بيان الحكومة الإسرائيلية بشأنها، ثم عقد مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل فى المساء مؤتمرا صحفيا يحيط به رئيس الأركان ومدير المخابرات العسكرية حيث كشفوا عن التفاصيل الكاملة لهذه العملية. وقد أوضحت التصريحات والبيانات الإسرائيلية أن إسرائيل كانت تتابع بقلق تطور إنشاء المفاعل النووى العراقى، وحاولت عدة مرات أن تثنى فرنسا عن استمرار تعاونها فى إمداد العراق بالمفاعل والفنيين والوقود والمواد النووية. وإنه لما تأكد لدى إسرائيل أن المفاعل سيتحول خلال الأشهر القليلة القادمة إلى إنتاج قنابل نووية من طراز القنابل التى ألقيت على هيروشيما، كما تأكد لها أيضا من تصريحات الرئيس العراقى عقب محاولة إيران ضرب هذا المفاعل فى بداية الحرب الإيرانية العراقية فى سبتمبر 1980، أن هذا المفاعل يعمل خصيصا ليستخدم إنتاجه ضد إسرائيل، قررت إسرائيل تدمير المفاعل قبل أن يبدأ فى إنتاج القنابل حيث يصعب تدميره لو بدأ مرحلة التشغيل، كما أن تدميره فى ذلك الحالة سيؤدى إلى تلوث منطقة بغداد الآهلة بالسكان بالإشعاعات النووية. واختارت إسرائيل يوم الأحد لضرب المفاعل حتى تجنب الخبراء الأجانب العاملين فى المفاعل مخاطر الهجوم، وبذلك تكون عملية إسرائيل دافعها الأساسى هو الدفاع الشرعى عن النفس بشكل وقائى. وقد أدى هذا الحادث إلى ردود فعل عنيفة فى كافة أنحاء العالم، كما دفع المراقبين إلى إعادة النظر فى كثير من المعادلات السياسية فى الشرق الأوسط. ويتناول هذا العرض الموجز ثلاث نقاط أولها: استعراض ردود الفعل المختلفة لهذا الحادث، وثانيها: تحليل الآثار المختلف التى يمكن أن تترتب على هذا الحادث وثالثها: تحليل الأسانيد الإسرائيلية التى تذرعت بها لضرب المفاعل العراقى، من الوجهة القانونية. أولا: ردود فعل الحادث: 1- فى العالم العربى اتسمت ردود الفعل فى العالم العربى إزاء هذا الحادث بالتعاطف مع العراق، والمناداة ببحث إجراءات صارمة ضد إسرائيل ومن بينها القيام بعمل انتقامى ضد مفاعلاتها النووية، وإدانة الولايات المتحدة واتهامها ولو بطريق غير مباشر بضلوعها فى الحادث. فقد أشار بيان وزراء الخارجية العرب الذى عقد فى بغداد يوم 11 يونيو على طلب الحكومة العراقية إلى أنه لولا المساندة الأمريكية لإسرائيل لما أقدمت على هذا العمل، لكن هذا البيان بالإضافة إلى تصريحات أمين عام جامعة تونسى الشاذلى القليبى لم تحدد سياسة معينة للدول العربية تجاه واشنطن بسبب هذا التأييد. ومن ناحية أخرى التقى وفد يمثل السفراء العرب فى واشنطن بالرئيس ريجان وشرح له أبعاد وأثار هذا الحادث على المصالح الأمريكية، وأكد لهم الرئيس ريجان أن هذا الحادث يوضح الحاجة الملحة إلى إقامة سلام حقيقى فى الشرق الأوسط. وقد أجمعت البيانات الرسمية فى جميع الدول العربية وبعض الدول الأخرى الإسلامية على استنكار التصرف الإسرائيلى، ومساندة العراق، والربط بين أثار الحادث وبين الموقف المتفجر فى الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة بصفة خاصة إلى موقف كل من العراق ومصر. أ- فقد رفض بيان مجلس الثورة العراقى المبررات الإسرائيلية لضرب المفاعل وأكد على الطابع السلمى لأهدافه وعلى خضوع أنشطته للرقابة الدولية وأوضح أن الهدف من العملية الإسرائيلية هو تعويق خطط التنمية فى العراق، وأتهم إيران بالتواطؤ مع إسرائيل، وأن التواطؤ قد وضح فى رفض إيران المستمر التصالح مع العراق، ولكن يبدو أن الاتهام العراقى لإيران ليس صحيحا فى ضوء المعلومات الكثيرة التى تكشفت عن محاولات إسرائيل السابقة ضرب المفاعل العراقى، بل هناك تفسير يبدو معقولا وهو أن الطائرات التى حاولت ضرب المفاعل فى بداية الحرب العراقية الإيرانية والتى قيل أنها إيرانية لم تكن سوى طائرات إسرائيلية تحمل علامات مزيفة. ب- أما فى مصر فقد اتسم رد الفعل المصرى تجاه العملية الإسرائيلية بالاستنكار والغضب الشديدين. على كافة المستويات فقد أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا أوضحت فيه أن هذا العمل يفتقر إلى الشرعية ويخالف أحكام القانون الدولى فضلا عن أنه يزيد الموقف المعقد فى الشرق الأوسط تعقيدا ولا يساعد على خلق مناخ السلام. وفى جلسة خاصة لمجلس الشعب قرر وزير الخارجية المصرى هذا المعنى مضيفا أن العمل الإسرائيلى يتناقض مع معاهدة السلام واتفاقيات جينيف وخلال الجلسة طالب بعض أعضاء مجلس الشعب بقطع العلاقات مع إسرائيل. كذلك سلمت الخارجية المصرية مذكرة احتجاج بنفس المعنى إلى السفير الإسرائيلى ورفضت مبررات الغارة الإسرائيلية. ومن ناحية أخرى أكد الرئيس السادات كل ذلك فى أحاديثه وتصريحاته، وقادت مصر حملة التنديد بإسرائيل فى الأمم المتحدة وفى منظمة الوحدة الأفريقية حيث طلبت مصر إدراج الهجوم الإسرائيلى على جدول أعمال مؤتمر وزراء الخارجية الذى بدأ أعماله فى نيروبى يوم 5 يونيو. وقد شارك مجلس الشورى، والصحف وكافة الإعلام فى مصر، وكذلك النقابات والأحزاب وغيرها فى حملة التنديد بإسرائيل. والواقع أن حدة الموقف المصرى تجاه الغارة يمكن أن يفسر بعدة اعتبارات. الاعتبار الأول: هو أن الغارة قد وقعت بعد مضى ثلاثة أيام فقط على اجتماع الرئيس السادات ومناحم بيجين فى شرم الشيخ ولم يخطر بيجين الرئيس السادات بها رغم أن إسرائيل أعلنت أنها تعد لهذه الغارة منذ عدة أشهر وأنها كانت تنتظر التوقيت المناسب فكأن هذا التوقيت المناسب قد وضع فى اعتباره - فى نظر البعض - إحراج الرئيس السادات فى العالم العربى، وهو ما عبر عنه السيد الرئيس نفسه فى اليوم التالى فى حديثه لمندوب التليفزيون اليابانى. الاعتبار الثانى: أن هذه الغارة تعرقل مساعى مصر وأمالها فى وضع حد للصراعات فى الشرق الأوسط وإقامة جو من التعايش القائم على العدل والاستقرار. الاعتبار الثالث: شعور مصر بالتضامن مع العراق خصوصا وأن الغارة الإسرائيلية لا منطق ولا ضرورة لها. ثانيا: الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية: أدان الدكتور فالدهايم لمخالفتها الصارخة للقانون الدولى وقد اتهمه مندوب إسرائيل فى الأمم المتحدة بأنه تجاوز حدود منصبه الذى يفرض عليه الحياد وعدم التدخل فى سياسات الدول أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد كان موقفها تجاه إسرائيل أكثر عنفا. فمنذ اللحظات الأولى استنكر مديرها العام الغارة مؤكدا أن العراق لم يكن بوسعه إنتاج قنابل ذرية قبل مضى عشر سنوات على الأقل، فضلا عن أن العراق يخضع لرقابة الوكالة. ومن ناحية أخرى أوصى مجلس محافظتى الوكالة فى ختام اجتماعه يوم 13 يونيو بطرد إسرائيل من الوكالة وصدر القرار بأغلبية 31 صوتا مقابل صوتين هما كندا والولايات المتحدة وامتناع استراليا والسويد وسويسرا عن التصويت. وأوصى القرار كذلك بضرورة وقف تقديم أية مساعدات أو تسهيلات فنية إلى إسرائيل بما فى ذلك التكنولوجيا النووية بسبب عدوانها على المفاعل العراقى وأكد مجلس محافظتى الوكالة أن العدوان الإسرائيلى قد أثر على الأمن والسلام فى المنطقة كما كشف عن تجاهل إسرائيل لنظام الضمانات التى تضعها الوكالة بالنسبة للمنشآت النووية ومعاهدة الحد من الانتشار النووى. وقد طلب مجلس محافظتى الوكالة من مديرها العام عرض هذه التوصية أمام المؤتمر العام للوكالة المزمع عقده فى يوليو كما طلب منه أن يعرض هذه التوصية على مجلس الأمن. ثالثا: الاتحاد السوفيتى: أتهت وكالة تاس الولايات المتحدة بالتواطؤ مع إسرائيل وتشجيعها، وأشارت إلى أنه يصعب تصديق التأكيدات الأمريكية بأن الرادار أواكس التى تسلمتها السعودية مؤخرا ويعمل عليها خبراء أمريكيون، لم تتمكن من رصد الطائرات الإسرائيلية التى عبرت المجال الجوى السعودى فى طريقها إلى العراق. رابعا: الدول الغربية:- أدانت كل من إنجلترا وفرنسا وألمانيا الغربية، وإيطاليا والنمسا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية هذه الغارة بعبارات حاسمة ولكننا سنخص الموقفين الفرنسى والأمريكى بتحليل خاص نظرا لاتصال الدولتين بالحادث اتصالا مباشرا، ونعالج هنا الموقف الفرنسى. على أن نعالج الموقف الأمريكى فيما بعد الموقف الفرنسى: اتسم بالاستنكار الحاد والشامل لهذه الغارة، وكان ذلك على كافة المستويات، حيث بادر رئيس الوزراء بإدانة هذا العمل الخطير، وترفضه تماما، ولأن الغارة تؤدى إلى مضاعفة التوتر فى المنطقة كما أدانتها لجان البرلمان والأحزاب السياسية والصحف وأوضح وزير الخارجية الفرنسة أن صداقة فرنسا لإسرائيل تمنعها من إدانتها، وأكد أن المفاعل العراقى كان مخصصا للأغراض والأنشطة السلمية، ويخضع للرقابة وأكد الرئيس ميتران أن كل انتهاك للقانون يجب أن يواجه بالاستنكار وكانت الخارجية الفرنسية قد أصدرت بيانا بالغ العنف أشارت فيه إلى التناقص فى البيان الإسرائيلى الذى حاول تبرير العدوان وتحيط بالموقف الفرنسى المتشدد تجاه الغارة عدة اعتبارات: الأول: أن أثار هذه الغارة كانت لا تزال ساخنة عندما بدأ الملك خالد زيارته لباريس. والثانى: أن ضرب المفاعل الذى تعاقدت فرنسا على توريده وتركيبه وتشغيله يعد عملا موجها لفرنسا مباشرة، بعد فشل إسرائيل فى إثناء فرنسا عن التعاون مع العراق الذى تنظر إليه الحكومة الفرنسية على أنه مساهمة منها فى خطط التنمية الصناعية. ولكن إسرائيل ساورها قلق شديد من التقارب العراقى الفرنسى خلال زيارة الرئيس ديستان لمنطقة الخليج عام 1979 لعدة أسباب فى مقدمتها تحول موقف فرنسا المتأثر بالمصالح الاقتصادية والبترولية نحو تأييد القضية الفلسطينية، ولذلك كانت محاولة إسرائيل عرقلة التعاون الفرنسى العراقى تنطوى فى نفس الوقت على محاولة التأثير على هذا التحول فى السياسة الفرنسية فى الشرق الأوسط. أما أثر الغارة الإسرائيلية على علاقات فرنسا بكل من إسرائيل والعراق، فالراجح أن إدانة فرنسا الشديدة لغارة قد لا تؤثر على علاقات البلدين، ولكن ضرب المفاعل يعد تحذيرا واضحا لفرنسا بقدرة إسرائيل على العمل بأساليب متعددة لمواجهة الإصرار الفرنسى على التعاون مع العراق. ومن ناحية أخرى فمن المحتمل استمرار التعاون الفرنسى العراقى فى المجال النووى مع زيادة رقابة فرنسا على الأعمال والإنشاءات النووية فى العراق. ولكن أثر الغارة فى فرنسا قد لا يتوقف عند إطار العلاقات الفرنسية مع إسرائيل والعراق، بل قد يتعداه إلى موقف فرنسا فى أزمة الشرق الأوسط بشكل عام، إذا أكد وزير الخارجية الفرنسى فى لهجة حازمة بأن مراعاة أمن إسرائيل يجب ألا يترتب عليه إغفال مستقبل الفلسطينيين، وهى إشارة واضحة إلى رفض فرنسا أن يكون للغارة أثر على تراجعها عن سياستها فى الأزمة. ثانيا: الآثار المحتملة للغارة الإسرائيلية: لاشك أن الأثر الأول المترتب على هذه الغارة قد ظهر بالفعل داخل إسرائيل نفسها فى دعم مكانة بيجن وإجماع الرأى العام الإسرائيلى على تأييد هذه الغارة وضرورته للأمن القومى الإسرائيلى وإعجاب الرأى العام فى إسرائيل بصلابة بيجن فى مواجهة الضغوط وردود الفعل الدولية وبذلك يكون بيجن قد حقق واحدا من أهدافه فى توقيت الغارة وهو الحصول على تأييد انتخابى. أما الآثار الأخرى للغارة خارج إسرائيل فتكمن فى اهتزاز علاقة إسرائيل بأصدقائها وإحراجهم، وإشاعة روح التضامن بين أعدائها، وتفصل ذلك على النحو التالى:- 1-التضامن داخل العالم العربى الإسلامى حول إبعاد الخطر الإسرائيلى الجديد فقد أحسست تلك الدول أنها ليست بمنأى عن عمل إسرائيلى مماثل خصوصا وأن هناك اتجاها فى العالم الإسلامى لإنتاج ما يسمى بالقنبلة الإسلامية أى قيام إحدى الدول كباكستان أو ليبيا بإنتاجها كى تكون رصيدا استراتيجيا سياسيا وعسكريا للعالم الإسلامى على افتراض وحدة كلمته. ومن صور هذا التضامن حث البعض على قيام العالمين العربى والإسلامى بضربة انتقامية للمفاعلات الإسرائيلية وأن اقتصر مثل هذا النداء إلى الجدية الواجبة. 2-ولئن كانت الغارة الإسرائيلية أصبحت رمزا لبطش إسرائيل وجسارتها استمرار لخطها منذ قيامها فقد ألفت بظلال من الشك حول دعاوى إسرائيل برغبتها فى أن تعيش فى سلام متفق عليه مع جيرانها واتضح أن السلام الإسرائيلى بالصورة والمواصفات التى تراها هى قصد إسرائيل. ويترتب على ذلك عدة أثار خطيرة على حركة السلام التى بدأها الرئيس السادات فمن شأن هذه الغارة خمود تحمس بعض الدول العربية لتجربة السلام مع إسرائيل والتأثير على تحمس الشعوب العربية للتعايش مع إسرائيل فى ظل شروط مشرفة وإضعاف موقف المعتدلين فى العالم العربى وداخل المقاومة الفلسطينية كذلك أدت هذه الغارة إلى التعاطف مع العراق وكسر عزلته فى العالم العربى، وشمول سوريا بهذا التعاطف على أساس أنها - بسبب أزمة الصواريخ هى الهدف التالى لإسرائيل لكن التعاطف العربى العام مع العراق خصوصا من دول أخرى مثل ليبيا وسوريا قد يخفف دون أن يلغى - أسباب الخلاف والشقاق بينها. واتصالا بهذه المجموعة من النتائج فليس معروفا بوضوح أثر هذا التضامن العربى على موقف مصر فى العالم العربى فقد تكون حدة النقد المصرى للتصرف الإسرائيلى فضلا عن الرغبة العامة فى العالم العربى إلى تجاوز خلافاتها مبررا للاعتقاد بضرورة تحسن العلاقات العربية المصرية وعلى العكس من ذلك قد يذهب آخرون إلى أن الهجوم الإسرائيلى تم فى ظل انتعاش العلاقات التعاهدية بين مصر وإسرائيل، وهذا مبرر لزيادة حدة الخلافات المصرية العربية هذه نقاط وغيرها لم تتضح بعد ومن بينها مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية فى الأشهر القليلة القادمة رغم حرص مصر على ما تعقدت به مع إسرائيل.. وتجدر الإشارة بصدد الحديث عن موقف مصر إنه يقوم على خطين أساسيين من واقع تصريحات الرئيس السادات ووزير الدولة للشئون الخارجية. الخط الأول: إدانة موقف إسرائيل بوضوح وفى كافة المناسبات والمحافل، وتزعم حملة الإدانة فى كل مكان لإحساس مصر بخطر هذا العمل الإسرائيلى ويشهد بذلك كلمة مندوب مصر فى الأمم المتحدة وجهود مصر فى اجتماعات نيروبى الحالية "17 يونيو". الخط الثانى: تمسك مصر باتفاقية السلام والعمل على "تعميق مفهوم السلام لدى إسرائيل" حسب تعبير الرئيس السادات فى برقيته إلى الرئيس ريجان وتقوم وجهة نظر مصر الرسمية على أن السلام ضرورة ومسئولية يجب ألا نترك إسرائيل تعبث بها، وإنه إذا كانت مسيرة السلام قد أصبحت بانتكاسه وصدمة من جراء الغارة الإسرائيلية فإن المسيرة لم تتشتت ولم يقض عليها وإذا كان تصرف إسرائيل يتنافى مع جو السلام الذى زعمت أنها تشاطر مصر فى إشاعته فإن هذا التصرف فى نظر مصر لا يعد انتهاكا من الوجهة القانونية لمعاهدة السلام. 3- أما المجموعة الثالثة من الآثار فتقع فى إطار السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط وفى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بالإضافة إلى العلاقات السعودية الأمريكية. لقد لاحظنا شدة رد الفعل الأمريكى تجاه الغارة وإعلان الخارجية الأمريكية فى تصميم رفض المبررات الإسرائيلية ولم يقف رد الفعل الأمريكى عند هذا الحد وإنما أثارت الغارة غضب الكثيرين من رجال الكونجرس والحكومة كما أدت بالرئيس ريجان إلى أن يطالب إلى مجلس الشيوخ عن طريق وزير خارجيته، النظر غى اعتقاد الحكومة الأمريكية بأن الأسلحة المستخدمة فى الغارة دون إذن من الولايات المتحدة ولأغراض هجومية يعتبر انتهاكا لاتفاقية المساعدة المشتركة للدفاع المبرمة بين إسرائيل وأمريكا فى 23 يوليو 1952 والتى تتضمن تعهد الحكومة الإسرائيلية لحكومة الولايات المتحدة بأن العتاد والموارد أو الخدمات التى قد تحصل عليها لن تستخدم إلا فى الحفاظ على أمنها الداخلى ودفاعها الشرعى عن النفس أو للمشاركة فى الدفاع عن المنطقة التى هى جزء منها أو فى إجراءات وترتيبات الأمن الجماعية للأمم المتحدة وإنها لن تقدم على أى عمل من أعمال العدوان على أية دولة أخرى. ومن المقرر أن تقوم لجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ قريبا فى التحقيق فى الظروف التى أحاطت بالغارة الإسرائيلية وبحث ما إذا كانت الغارة ضرورية للدفاع الشرعى عن النفس أى أنها لا تعد انتهاكا للاتفاقية المشار إليها. ومن ناحية أخرى فقد جاء هذا الإبلاغ تطبيقا للقانون الخاص بتصدير السلاح الذى صدق عليه الكونجرس عام 1976 حيث يلتزم بموجبه الرئيس الأمريكى بإبلاغ الكونجرس فورا بأى انتهاك لاتفاق بيع الأسلحة كلما توافرت لديه المعلومات التى تحمل على هذا الاعتقاد كما ينص القانون على حظر بيع الأسلحة أو فتح اعتماد لشراء الأسلحة لدولة ثبت انتهاكها لاتفاق توريد السلاح. وانتظارا لنتائج التحقيق فى مدى انتهاك الغارة للتعهدات السابقة قرر الرئيس ريجان أن يوقف مؤقتا توريد أربع طائرات أف 16 كان مقررا تسليمها لإسرائيل يوم 12 يونيو. فما هى دلالة ومغزى ودوافع هذا الموقف الأمريكى الذى وصفته إسرائيل بأنه موقف ظالم؟ لا شك أن الغارة الإسرائيلية قد أصابت أهداف السياسة الأمريكية فى المنطقة بأضرار جسيمة يمكن أن نرصد بعضها على النحو التالى: 1- إجهاض مساعى التقارب مع العراق لإبعاده عن دائرة التحرك السوفيتى. وكانت هذه المساعى على وشك النجاح. 2- إثارة الشكوك حول جدوى الصداقة التقليدية الأمريكية بالنسبة لدول الخليج فى وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى استعادة الثقة معها والتى انهارت أو تزعزعت عقب أحداث إيران وأفغانستان. 3- إحراج الولايات المتحدة خصوصا بعد ما ثبت أن الطائرات الإسرائيلية المهاجمة قد مرت بمناطق عمل طائرات الرادار الأمريكية أواكس فى السعودية، وأن كانت السعودية قد نفت ذلك. 4- إصابة المساعى الأمريكية للسلام فى الشرق الأوسط بضربة قاصمة سواء فى إطار اتفاقات كامب ديفيد أو على الجبهة اللبنانية. ونتيجة هذا كله تعرض المصالح القومية الأمريكية لخطر عظيم فضلا عن هزيمة أهداف السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط فى مواجهة الاتحاد السوفيتى خصوصا وأن الغارة أقنعت دول المنطقة بعد سلامة المنطق الأمريكى الذى روجت له إدارة ريجان من أن أخطار المواجهة مع السوفيت يجب أن تسبق المنازعات المحلية ولذلك قبلت إسرائيل بعملها هذا المنطق رأسا على عقب وعلى أمريكا الآن أن تبرر موقفها وسياستها أو تعيد النظر فى أولوياتها. لهذا كله كان لابد أن تتحرك الولايات المتحدة لإظهار غضبها من التصرف الإسرائيلى ولا شعار إسرائيل أنه حين تتناقض المصالح الإسرائيلية مع المصالح العليا الأمريكية فإن أزمة محققة تجتاز علاقات البلدين. ولكننا نلاحظ أنه وإن كانت هذه هى المرة الأولى التى تتحمس فيها الحكومة الأمريكية لبحث مدى انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكى فى سلسلة سوابق الحوادث الإسرائيلية، فإن رد الفعل كان محسوبا بدقة: فلم يقطع الرئيس ريجان بأن إسرائيل انتهكت القانون الأمريكى على نحو ما فعل الرئيس نيكسون أبان الغزو التركى لقبرص 1974 حيث أرغم الكونجرس على وجهة نظره بحظر إرسال الأسلحة إلى تركيا، ولكن الرئيس ريجان ترك البت فى هذا الموضوع للكونجرس وأراد أن يكون إجراؤه تحفظيا وموقوتا وليس خطأ عاما تجاه إسرائيل لأنها خطوة خطيرة ليس متأكدا من أبعادها كما أنه قصد أن تكون خطوة فورية كى يمتص غضب الرأى العام والحكومات العربية ولكى يبرر بعد ذلك مساندة أمريكا لإسرائيل فى أى مسعى داخل المنظمات الدولية فضلا عن أن صفقة الطائرات التى أوقف تسليمها مؤقتا كان أجلها قد حل وسط غبار الأزمة وأثناء احتدامها. ومؤدى هذا الموقف الأمريكى المتوازن، أوضحت أمريكا أن تشددها مع إسرائيل يجب أن يكون ترضية مناسبة للعرب، وأنها لن تسمح بعقاب إسرائيل سواء فى مجلس للأمن أو غيره عدا إدانة العمل ووقف الصفقة مؤقتا. بل أن الرئيس ريجان صرح اليوم (17 يونيو) بأن دافع الغارة قد يكون قلق إسرائيل الحقيقى على أمنها، وأنه متفهم لذلك. وهذا الموقف فى إجماله، المحدود فى نطاقه، قد لا يصبح ترضية معقولة للعرب. ثالثا: تحليل مبررات الغارة الإسرائيلى: لاحظنا أن إسرائيل استندت إلى تفسير خاص لقواعد الدفاع الشرعى عن النفس وروجت لنظرية الضربة الوقائية وركزت على هذا التبرير سواء كدفاع عام أو لإظهار خطأ الموقف الأمريكى تجاهها ونظرا لآن هذه النقطة جوهرية فى الموضوع فضلا عن أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ سوف تبحث مدى جدية هذه النقطة مما قد تؤدى إلى تحول فى الموقف الأمريكى فيجب أن تحظى هذه النقطة باهتمام يماثل ما لها من أهمية فى الموقف الإسرائيلى ويجب أن نقرر بادئ ذى بدء أن الزعيم الإسرائيلى بأن الغارة الإسرائيلية على العراق تطبيق لحق الدفاع الشرعى عن النفس وفقا لميثاق الأمم المتحدة لا أساس له ويكفى دون حاجة إلى تحليل أن نقرأ نص المادة 51 بأنه "ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعى للدول فرادى أو جماعات فى الدفاع عن أنفسهم ولكن الميثاق يشترط للتمتع بهذا الحق ثلاثة شروط هى: اعتداء قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وأن تكون ممارسة الدفاع عن النفس مؤقتة" إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن وأن تبلغ التدابير التى اتخذت دفاعا عن النفس فورا إلى مجلس الأمن وواضح أن هذه الأحكام اللازمة لممارسة حق الدفاع الشرعى ليست واردة فى العملية الإسرائيلية كما أن إسرائيل كما قلنا لم تثير هذه الأحكام وإنما استندت إلى نظرية الدفاع الشرعى الوقائى وهى نظرية مرفوضة من أغلبية الشراح فما هى الأسس التى قدمتها إسرائيل لتطبيق هذه النظرية؟ قدمت إسرائيل ثلاثة أسس لتدبير تصرفها هى: أ- أن المفاعل العراقى سيستخدم فى إنتاج قنابل ذرية موجهة خصيصا ضدها. ب- أن المفاعل كان على وشك إنتاج هذه القنابل وكان من الصعب عليها أن تدمره لو أنتجها. ج- أن الاعتبار الإنسانى حتم توقيت العملية لتجنيب الخبراء الأجانب خطر الهجوم كما عجل به حتى لا تضطر إسرائيل إلى ضرب المفاعل فى مرحلة التشغيل بما يضر بسكان بغداد. وقد أضافت إسرائيل أساسا رابعا - فى معرض دفاعها عن موقفها إزاء رد الفعل الأمريكى - وهو أن العراق فى حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1948 وأنه اشترك فى كافة الحروب العربية ضدها ورفض توقيع اتفاقات الهدنة، أو قبول قرارات وقف إطلاق النار فكأن إسرائيل أرادت بهذا الأساس أن تعتبر ضرب المفاعل عملا من الأعمال الحرفية المشروعة بين الدول ومع تحفظنا الشديد فى قبول منطق القائلين من الفقهاء بنظرية الدفاع الشرعى الوقائى فإننا مهما توسعنا فى تفسير هذه النظرية لا نجد أى سند لزعم إسرائيل. فأنصار نظرية الضربة الوقائية يشترطون لانطباقها خمسة شروط على الأقل هى: الشرط الأول: تأكد الدولة المستهدفة للخطر من أن ما تقوم به الدولة الأخرى فى أراضيها معد خصيصا للإضرار بها. واستناد إسرائيل إلى تصريح الرئيس العراقى بأن المفاعل العراقى مخصص لإنتاج قنابل نووية ضد إسرائيل حتى لو صح نسبته إلى ذويه وهو ما كذبته السفارة العراقية فى بون وأنكره الرئيس العراقى نفسه - يجب أن يفهم فى إطار السياسات العربية والصراعات الحزبية بين سوريا والعراق، ودور العراق فى أزمة الشرق الأوسط. ومما يدعم رأينا فى هذا الشأن أن العراق صدقت على اتفاقية منع الانتشار النووى منذ عام 1969 ومعنى ذلك تعهد العراق بعدم استخدام المفاعل فى الأغراض غير السلمية وقبوله رقابة وضمانات الوكالة الدولية للطاقة النووية بشأن أنشطة المفاعل بالإضافة إلى تأكيد من الولايات المتحدة وفرنسا والوكالة نفسها على عدم دقة الزعم الإسرائيلى. الشرط الثانى: أن تحاول الدول المستهدفة للخطر بكافة السبل السلمية إقناع الدول الأخرى لإثنائها عن الأضرار بها. ولا يمكن أن تدلل إسرائيل على استيفائها هذا الشرط استنادا إلى محاولاتها لإجهاض استمرار مجهودات استكمال أعمال المفاعل العراقى أو محاولة التأثير على فرنسا لوقف تعاونها مع العراق. وقد أبرزت إسرائيل فى تبريرها اللاحق لموقفها ردا على النقطة بأن إسرائيل لم تقدم عليها إلا بعد أن أخفق جهد بذلته فى سبيل إتمام قيام العراق ببناء المفاعل العراقى وأكد نفتالى لافى مستشار وزير الخارجية للشئون العامة بأن إسرائيل استنفذت كافة الجهود الدبلوماسية منذ نهاية عام 1975 لإقناع فرنسا بعدم بيع المفاعل للعراق. الشرط الثالث: أن يكون الهجوم على الدولة مصدر الخطر هو الحل الوحيد لتوقى هذا الخطر على فرض ثبوت وجوده وتأكد الدولة المستهدفة من أنه موجه إليها وهو شرط الضرورة الملحة أو الملجئة وهذا ما لم يتوفر فى الغارة الإسرائيلية. الشرط الرابع: التناسب بين العملية والهدف وهذا يستحيل تحقيقه لأن إزالة مصدر الخطر يتطلب انتهاك السيادة الإقليمية للعراق والقول بأن امتلاك العراق لمفاعل نووى ضار بإسرائيل على أساس احتمال قيامه بإنتاج قنابل ذرية فى المستقبل يؤدى إلى نتائج تضر ضررا جسيما بقواعد العلاقات الدولية. الشرط الخامس: أن يكون الحظر الذى استهدفته العملية حالا وعاجلا بحيث لا يكون لدى الدولة الأخرى أى وقت لتوفيه وقد استندت إسرائيل بشدة إلى هذا الشرط كما رأينا - ولا يمكننا قبول الزعم الإسرائيلى لأن افتراضها لمراحل عمل المفاعل وتحوله إلى إنتاج القنابل الذرية هو جزء من تصور نظرى خاص بها ابتدعته لكى يتواءم مع جوانب نظريتها فى الدفاع الشرعى الوقائى الذى نشك فى شرعيته وفى خطأ مسبته إلى مبدأ الدفاع الشرعى فى القانون الدولى. ولعله من ناقله القول أن الأخذ بالنظرية الإسرائيلية يعيد المجتمع الدولى إلى شريعة الغاب ويعطى كل دولة الحق أن تبادر إلى تدمير منشآت الدول الأخرى إذا اعتقدت أنها ستوجه ضدها وينطبق هذا بشكل خاص على العلاقات بين المعسكرين الشرقى والغربى. وهكذا أدت الغارة الإسرائيلية على العراق إلى أخطر الآثار فى المنطقة، دون أن يكون لها أى سند من قانون أو منطق. الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 لعدد ( 116 ) بتاريخ 1 / 4 / 1994 مكتبة السياسة الدولية (عروض كتب - كتب جديدة) السلاح النووى والصراع العربى الإسرائيلى (مؤلفات عربية) أحمد المسلمانى محمد عبد السلام، السلاح النووى والصراع العربى الإسرائيلى، رسالة ماجستير كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. القاهرة 1993 لعل رسالة الباحث محمد عبد السلام حول "السلاح النووى والصراع العربى الإسرائيلى: دراسة فى استخدامات القوة النووية فى إدارة الصراع.. هى الأولى التى تعرض لهذا الموضوع انطلاقا من أسس النظرية الاستراتيجية كما أرست مفاهيمها وتقاليدها المدارس الأوروبية والأمريكية الحديثة وهنا تكمن أولى غايات الرسالة - فهى تهدف إلى إعادة بناء ما يمكن تسميته "بعلم المصطلح الاستراتيجى".. بعد أن أصبحت هذه المصطلحات محل تداول واستخدام شديدين فى أوساط عديدة بغير معانيها الراسخة فى الدراسات الاستراتيجية المتقدمة.. ويمكن القول بأن هذا التحديد قد سمح للرسالة بأن تنطلق على هدى لدراسة موضوعها والذى تتزايد أهميته فى الآونة الراهنة نظرا لانهيار النظام العالمى الذى ظل قائما منذ عام 1945 وحتى وقت قريب مما سمح لبعض القوى بحرية الحركة فى اتجاه التسليح النووى. فى الوقت نفسه فإن تلاحق رخم الأحداث على صعيد مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية بما استدعى الكثيرين للتكهن بمستقبل القوة النووية الإسرائيلية ودورها المرتقب فيما لو حدث السلام الشامل ينتهى إلى البحث المتعمق فى حقيقة استخدامات القوة النووية فى إدارة الصراع العربى الإسرائيلى.. وهى الأمور التى أفردت لها رسالة الباحث فصولها عبر قرابة الخمسمائة صفحة. تتمثل مشكلة الدراسة فى تحليل الآثار الإستراتيجية للعامل النووى على مسار وتحولات الصراع العربى - الإسرائيلى كما يشير إليها واقع تفاعلات الصراع وسياسات أطرافه منذ دخول السلاح النووى كعنصر أساسى ضمن عناصر التوازن الاستراتيجى بين أطراف الصراع فى أواخر الستينات، وحتى نهاية عام 1991 التى شهدت تحولا غير مسبوق باتجاه التسوية الشاملة للصراع.. وتتناول الدراسة تلك المشكلة من خلال تحليل استخدامات القوة النووية فى إدارة الصراع على مستوين: الأول: توجهات وأشكال وأنماط ومحددات وحالات استخدام إسرائيل لعناصر قوتها النووية فى إدارة الصراع، وقدرتها على التأثير - بتلك الأشكال والأنماط - فى السلوك العربى فى الاتجاهات التى تحقق أهدافها الاستراتيجية. الثانى: مدى تأثر السلوك السياسى والعسكرى العربى فى إدارة الصراع بوجود السلاح النووى واستخدام إسرائيل له خلال مرحلة الاحتكار النووى الإسرائيلى فى الفترة الزمنية المحددة للدراسة. وفى إطار سعيها لتحليل الآثار الاستراتيجية للعامل النووى على مسار وتحولات الصراع العربى الإسرائيلى.. طرحت الرسالة عددا من الأسئلة البحثية.. منها: 1- ما هى عناصر وخصائص القوة النووية الإسرائيلية؟ ويطرح هذا السؤال على أساس أن تحديد عناصر وخصائص تلك القوة ومدى قابليتها للاستخدام الفعلى يعد شرطا أساسيا لتحليل استخداماتها. 2- ما هى مستويات وأشكال وأنماط ومحددات استخدام القوة النووية الإسرائيلية فى إدارة الصراع؟ ويهدف هذا السؤال إلى بناء تصور محدد حول الاستخدامات الأساسية ذات المصداقية التى يتصور أن تكون قد مارست تأثيراتها فى تفاعلات الصراع. 3- هل مارست القوة النووية الإسرائيلية - بعناصرها واستخداماتها السابقة.. تأثيرات أساسية على السلوك السياسى والعسكرى العربى عبر مسار الصراع؟ وفقا لذلك يقسم الباحث رسالته إلى أربعة فصول بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة.. يتناول الفصل الأول القوة النووية واستخداماتها فى إدارة الصراعات الدولية وذلك بهدف تحديد عناصر الأساس النظرى للدراسة من خلال طرح أهم المفاهيم والقضايا المتصلة بعناصر وأبعاد ومضمون "القوة فى العصر النووى واستخدامات عناصر القوة النووية فى إدارة الصراعات الدولية، ومحددات القدرة على التأثير باستخدام الأسلحة النووية، خاصة فى ظل وضع الاحتكار النووى. وينقسم الفصل إلى ثلاثة مباحث رئيسية تسبقها مقدمة حول مفهوم إدارة الصراع يتناول كل منها ما يلى: الأول. يتناول مفهوم وقضايا القدرة النووية والقوات النووية والقوة (القدرة على التأثير) النووية. العلاقة بينهما بغرض تحديد طبيعة القوة النووية ودوافع امتلاكها.. وعناصرها التسليحية، والتوازنات المرتبطة بها، ومحددات القدرة على التأثير بواسطتها وشروط قابليتها للاستخدام. الثانى: يتناول مستويات وأشكال وأنماط استخدام القوة النووية فى إدارة الصراع فى؟إطار الاستخدامات العامة للقوة العسكرية ويهدف إلى تحليل الاعتبارات والأطر الاستراتيجية المحيطة باستخدام عاصر القوة النووية ومحددات استخدامها، ومصداقية تأثير كل نمط من أنماط استخدام تلك العناصر سواء على مستوى التهديد باستخدامها أو استخدامها الفعلى أو على مستوى الاستخدامات غير المباشرة لعناصر القوة النووية. الثالث يتناول تحليل خبرة استخدام الأسلحة النووية خلال مرحلة الاحتكار والتفوق النووى الأمريكى على مستوى الصراع الدولى فيما بين عامى 1945 - 1957، ويهدف إلى تحديد العوامل والمحددات الحاكمة لاستخدام القوة النووية من جانب واحد فى تلك الحالة مع الإشارة إلى أوجه التشابه والاختلاف بين الظروف المحيطة بالاحتكار النووى الأمريكى فى تلك المرحلة بغرض تحديد العوامل والمحددات الحاكمة لاستخدام القوة النووية من جانب واحد فى تلك الحالة مع الإشارة إلى أوجه التشابه والاختلاف بين الظروف المحيطة بالاحتكار النووى الأمريكى فى تلك المرحلة، والاحتكار النووى الإسرائيلى فى الفترة الحالية. أما الفصل الثانى، فإنه يركز على القوة النووية الإسرائيلية بهدف التوصل إلى صورة أقرب للدقة لعناصر وخصائص قوة إسرائيل النووية، والاعتبارات الاستراتيجية التى أحاطت بعملية بنائها وتطويرها عبر مسار الصراع. وذلك بفرض بناء تحليل أكثر دقة لاستخداماتها القائمة أو المحتملة، ومصداقية تلك الاستخدامات استنادا على واقع تلك القوة. وينقسم هذا الفصل إلى مبحثين: الأول: يتناول عملية بناء وتطوير القوة النووية الإسرائيلية من زاوية الدلالات الاستراتيجية لتلك العملية عل مستويين، يتصل المستوى الأول بعناصر بنية إسرائيل النووية وتطور تلك العناصر عبر الزمن ويرتبط المستوى الثانى بالقرارات النووية الأساسية التى شكلت ملامح محلية بناء القوة النووية فى إسرائيل مركزا عل ظروف وملابسات اتخاذ القرارات الخاصة بامتلاك خيار عسكرى نووى. المبحث الثانى: يتناول عناصر وخصائص الترسانة النووية الإسرائيلية فى تطورها الزمنى عبر مسار الصراع من خلال محورين. يركز المحور الأول على عدد ونوعيات الرؤوس النووية الإسرائيلية الاستراتيجية والتكتيكية ووسائل التوصيل الجوية والصاروخية، وأنظمة التوصيل التكتيكية لها. ويركز المحور الثانى على دراسة مدى قابلية الأسلحة النووية الإسرائيلية للاستخدام الفعلى من خلال تحليل قضايا "حد الكفاية " لترسانة إسرائيل النووية، و "خط أمان" التفجيرات النووية الإسرائيلية، واختبارات كفاءة الرؤوس النووية الإسرائيلية وطاقتها التدميرية، ثم إدماج ونشر عناصر القوة النووية فى هيكل القيادة والقوات الإسرائيلية. أما الفصل الثالث: فإنه يتناول السياسة النووية الإسرائيلية بهدف التوصل إلى صورة دقيقة للأشكال والأنماط العسكرية والعسكرية السياسية والسياسية لاستخدام القوة النووية فى التخطيط النووى الرسمى أو شبه الرسمى لإسرائيل من ناحية، والأنماط المحتملة لاستخدام القوة النووية الإسرائيلية، من ناحية أخرى، ويستند تحليل الأنماط الرسمية لاستخدامات الأسلحة النووية الإسرائيلية على "قاعدة القوة" المشار إليها بشكل شبه رسمى من جانب قيادات إسرائيل، والمدركة من جانب الدول العربية - بينما يستند تحليل الأنماط المحتملة على العناصر التسليحية والخصائص المتطورة التى تشير إليها مصادر مختلفة فى تناولها لهيكل القوة النووية الإسرائيلية. وينقسم هذا أنفصل إلى مبحثين. يتناول المبحث الأول أسس وعناصر الاستراتيجية النووية الرسمية لإسرائيل وتطورها عبر الزمن، واستخدامات القوة النووية التى تتصورها القيادة الإسرائيلية - ويدركها العرب - فى تخطيطها النووى الرسمى، وتشير الرسالة إلى استخدام إسرائيل لقوتها النووية على هذا المستوى كأداة "ردع نهائى" ضد الدول العربية، وأداة مساومة سياسية فى التعامل مع الولايات المتحدة والضغط على الدول العربية، وإدارة وأداة للتفسير النفسى العام وأداة لإجبار العرب عل الاتجاه إلى الخيار السلمى لتسوية الصراع ويناقش هذا المبحث أيضا أسس الاستمرارية ودوافع التغيير الخاصة باستراتيجية الغموض النووى الإسرائيلية الرسمية المستمرة حتى الآن.. ويركز المبحث الثانى.. على الاستخدامات المحتملة لأسلحة إسرائيل النووية وهى الاستخدامات التى يحتمل أن تكون إسرائيل قد فكرت فيها عبر تطور الصراع دون أن يكون ذلك مؤكدا.. ويطرح هذا المبحث قضية تفور الدوافع والتوجهات النووية لإسرائيل خلال فترة الدراسة، ويرصد المحددات العامة المحيطة بالاستخدامات "المحتملة" لأسلحة إسرائيل النووية، إضافة إلى تحليل مصداقية تلك الاستخدامات "المحتملة" فى إطار محدداتها الخاصة، على مستويات التهديد باستخدام القوة النووية (الردع، الإجبار) والاستخدام الفعلى لها (الدفاع، الهجوم) والاستخدامات غير المباشرة للقوة النووية الإسرائيلية. ويتناول الفصل الرابع.. الأسلحة النووية ومسار الصراع العربى الإسرائيلى، بهدف تحليل تأثير القوة النووية - بعناصرها وخصائصها وأنماط استخدامها ذات المصداقية التى تم تحديدها - على أساس مسار الصراع العربى الإسرائيلى حتى نهاية عام 1991، وذلك من خلال تحليل مدى تأثير السلوك العربى بالتهديد النووى الإسرائيلى المتمثل فى وجود السلاح النووى وتصورات استخدامه بصفة عامة، واحتمالات تأثر السلوك العربى فى حالات محددة توجد معلومات بشأن حدوث تهديدات نووية إسرائيلية فعلا أو مخاوف نووية عربية حقيقية خلالها. وذلك فى مبحثين يتناول البحث الأول التأثير المحتمل للسلاح النووى على السلوك العسكرى العربى عبر مسار الصراع من خلال بحث تأثيره على الخيارات/ الإستراتيجيات العسكرية العربية.. ثم تعرض الرسالة لدراسة تطبيقية لحالة حرب السادس من أكتوبر 1973 يتم من خلالها بحث التأثيرات المحتملة لوجود السلاح النووى الإسرائيلى أو التهديد باستخدامه قبل وأثناء الحرب على مستوى قرار الحرب والتخطيط لنطاق عملياتها العسكرية من جانب مصر وسوريا أو التأثير فى مسار محلياتها الفعلية بعد نشوبها. ويتناول المبحث الثانى التأثير المحتمل للسلاح النووى على السلوك السياسى العربى عبر مسار الصراع من خلال بحث تأثيره كأداة للإجبار على الاتجاه إلى الخيار السلمى، أو أداة مساومة للضغط باتجاه التفاوض المباشر مع إسرائيل أو كأداة للتأثير النفسى العام على التوجهات والمعتقدات العربية من واقع تفاعلات وتطورات وتحولات الصراع خلال فترة الدراسة. وقد توصلت الرسالة إلى نتيجة رئيسية تتمثل فى أن العامل النووى لم يمارس تأثيرا أساسيا على مسار وتحولات الصراع العربى الإسرائيلى منذ ظهوره فى أواخر الستينات وحتى أوائل التسعينات، فقد اقتصرت تأثيراته على إحداث بعض الآثار النفسية العامة والكراهية على توجهات ومعتقدات وليس بالضرورة سلوكيات- الأطراف العربية. إضافة إلى بعض التأثيرات غير محددة الاتجاه على مستوى المساومة السياسية، وتغطية الاستخدام الفعلى للقوة التقليدية وتفسر هذه النتيجة بثلاث مجموعات من العوامل.. الأولى: عوامل خاصة بطبيعة القوة النووية فعلى الرغم من امتلاك إسرائيل قوة نووية متكاملة، وقابلية عناصر تلك القوة للاستخدام الفعل فى إدارة الصراع، إلا أن ذلك لا يعد شرطا كافيا لامتلاك القدرة على التأثير، الثانية: عوامل خاصة باستخدامات القوة النووية، فتحليل أنماط استخدام الأسلحة النووية فى إستراتيجية إسرائيل النووية الرسمية فى إستراتيجية الغموض المتعمد - يشير إلى إنها تستخدم كأداة ردع نهائى، وأداة للمساومة السياسية وأداة للتأثير النفسى، لكنة لا تستخدم كأداة للإجبار كما هو متصور. الثالثة عوامل خاصة بالقدرة على التأثير فعلى الرغم من وجود حالة احتكار نووى، تمارس الأسلحة النووية الإسرائيلية تأثيراتها من خلالها، يشير تحليل تلك التأثيرات على السلوك العسكرى والسياسى العربى من واقع تفاعلات الصراع إلى إنها لم تؤثر على السلوك العربى. من واقع تفاعلات الصراع. لكن الدراسة تشير إلى أن النتيجة التى توصلت إليها لا تعنى أنه سلاح غير مؤثر، فما حدث هو أن هناك عوامل وسيطة قد تدخلت فى العلاقة بين امتلاك القوة والقدرة على التأثير كما لا تعنى أنه ليس سلاحا خطرا فعناصر التسلح التكتيكية الإسرائيلية والاستخدامات غير المحددة للسلاح النووى تمثل خطورة يجب التحسب لها، ولا تعنى كذلك أن عدم تأثير السلاح النووى سوف يستمر فى المرحلة القادمة، فالسلاح النووى سوف يلعب دورا هاما فى إطار عملية التسوية الشاملة للصراع. ويبقى القول.. أن رسالة الباحث محمد عبد السلام تميزت عبر مباحثها وفصولها بقدر هائل من الدقة العلمية. فعلى الرغم من الطبيعة السرية بدرجاتها المتعددة والتى طالما أحاطت بمثل هذه الموضوعات فإن الباحث قد استطاع أن يستفيد قدر المستطاع من مساحة المعلوم لاستجلاء المجهول حتى خرجت الرسالة عملا معلوماتيا متميزا فضلا من الرؤى التحليلية العميقة التى أعطت لهذا الكم المعلوماتى مساحته التفسيرية الصحيحة وإننا فى نهاية العرض نعضد ما جاء بالرسالة وما دار أثناء مناقشتها من أن العقل السياسى العربى قد حان وقت انطلاقه الصحيح لدراسة الوقائع والأفكار السياسية فى سبيل صياغة سياسات لها أرضيتها الثابتة.. وهو ما يعنى فى هذا المقام دفع الدراسات الإستراتيجية المعنية باستخدامات القوة والتى يقوم بها مدنيون خارج المؤسسة العسكرية نحو ترسيخ مدرسة استراتيجية عربية يمكنها التعامل بالند مع نظراتها فى العالم. الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 العدد ( 35 ) بتاريخ 1 / 1 / 1974 مكتبة السياسة الدولية (عروض كتب - كتب جديدة) الأسلحة النووية واستراتيجية إسرائيل (مؤلفات عربية) أحمد يوسف القرعى فؤاد جابر - الأسلحة النووية واستراتيجية إسرائيل - مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت - 1971.. تفضل الأستاذ فؤاد جابر، أحد الباحثين فى العلاقات الدولية بزيارتى. وأتحفنى بمؤلف له عن الأسلحة النووية واستراتيجية إسرائيل، وكان قد وضعه باللغة الإنجليزية، وقام بنشره معهد الدراسات الاستراتيجية بلندن، وقررت مؤسسة الدراسات الفلسطينية نقله إلى العربية، لما اشتمل عليه من معلومات علمية قيمة عن البرنامج الذرى الإسرائيلى وقد اضطلع بمهمة الترجمة الأستاذ زهدى جاد الله.. ولم تسنح لى فرصة قراءة الكتاب، مع إننى وعدت المؤلف بقراءته، وعرضه على القراء. ثم نشبت حرب السادس من أكتوبر، فكانت دافعا لى على قراءة الكتاب، ومع ذلك لم تكن الظروف مواتية، وقد أثير أخيرا موضوع احتمالات أن إسرائيل قد تكون محرزة، أو قد تحرز سلاحا ذريا، فكان ذلك حافزا جديدا على اختلاس وقت لقراءة هذا الكتاب. يقول المؤلف فى مطلع كتابه، أنه على الرغم من جميع الحجج التى قدمت فى مختلف المعاهد الاستراتيجية ضد ملاءمة الاستراتيجية النووية لطبيعة الصراع العربى الإسرائيلى، فإن الحقيقة القاسية، هى أن إسرائيل أنفقت مئات الملايين من الدولارات، لإنتاج البلوتونيوم اللازم لصنع السلاح النووى وأن كان المفاعل الذرى لإسرائيل أنشئ أصلا للاستغلال السلمى للطاقة النووية. وقد خصص المؤلف القسم الأول من كتابة لدراسة المؤسسة النووية، ومنشآتها، ومعاهدة البحث فيها، والهيئات التى تضع لها سياستها، وخطط توسعها مستقبلا. وأشار المؤلف إلى النفوذ الكبير للمجموعة المسئولة عن الإشراف على هذا البرنامج النووى من عسكريين، وعلماء، وسياسيين. كما أوضح ما يمكن أن يكون قد جد لإقامة مصنع نووى كبير، لتحويل مياه البحر إلى مياه عذبة وتأثير ذلك على قدرة البلاد على بناء مصنع أخر لإنتاج الأسلحة الذرية. وفى القسم الثانى من الكتاب، أبان المؤلف أهم متطلبات إنتاج الأسلحة النووية بالنسبة للمصنع الإسرائيلى، كما أشار إلى الموارد المادية والعلمية التى ستكون إسرائيل فى حاجة إليها لتنفيذ مثل هذا المشروع، وعرض أيضا لمشكلة الحصول على الوقود، ومشكلة صناعة الصواريخ اللازمة لحمل أجهزة القذف الذرى، ويقول أنه يجب ألا يغيب عن أذهاننا، احتمال أن إسرائيل قد تستعمل فى ذلك وسائل غير متوقعة، مثل الطائرات التجارية، أو الهليكوبتر لأن قصر المسافة بين الطرفين المتنازعين، يجعل استعمال هذه الوسائل أمرا ممكنا، ويقول أيضا إذا طورت إسرائيل أسلحة نووية فإن إيصالها إلى الأهداف التى تعنيها، لن يكون أكبر مشكلاتها. والقسم الثالث من الكتاب، مخصص لعقيدة إسرائيل الاستراتيجية، فبعد أن تعرض لبرنامج إسرائيل النووى، من حيث المنشآت والمؤسسات والإمكانات العسكرية، خصص القسم الثالث هذا، للاحتمالات الاستراتيجية التى ينطوى عليها إدخال القوة النووية فى الشرق الأوسط، وتحدث عن الأسلحة التقليدية فى الاستراتيجية الإسرائيلية، ثم خصص بحثا للأسلحة النووية فى تلك الاستراتيجية، ويقول أن إسرائيل تستميت فى سبيل إحراز السلاح النووى، لتحقيق ردع نفسانى على العالم العربى، يزيل حلم إزالة إسرائيل من خريطة العالم. إن حرب أكتوبر سنة 1973 سوف تغير كثيرا من الاستراتيجية الإسرائيلية، وأملنا كبير فى أن يقدم لنا الأستاذ فؤاد جابر طبعة جديدة من هذا الكتاب، بعد أن يضف إليه، تصوراته الجديدة المترتبة على أحداث السادس من أكتوبر التى غيرت من عقائد إسرائيل الاستراتيجية، وبعثت احتمالات جديدة لإحراز السلاح الذرى لدى أطراف المواجهة فى منطقة الشرق الأوسط. والكتاب يتسم بالطابع العلمى الجاد والعميق، يستند إلى أحداث المراجع العسكرية والسياسية، والوثائق الرسمية الإسرائيلية، مما يرفع شأن هذا الإنتاج العلمى القيم، ومما يحدو بكل مهتم بالشئون العسكرية إلى قراءته وتفهمه. .. محمد فيصل عبد المنعم - فلسطين والغزو الصهيونى - مكتبة القاهرة الحديثة - القاهرة - 1970.. لا جدال فى أن الكتب الموضوعية والوثائقية الجادة التى تعالج جانبا أو مرحلة من مراجل الصراع العربى الإسرائيلى، هذه الكتب لا تفقد أهميتها بمرور الزمن، فالصراع بعقده وتعقيداته لم يحسم بعد ومرحلته الحالية بعد 6 أكتوبر 1973 حلقة من حلقاته، بل أن دروس وملابسات المراحل السابقة للصراع كانت فى حسبان واضعى استراتيجية وتكتيك عملية 6 أكتوبر. ومن هنا تكتسب الدراسات الموضوعية المعنية بمراحل الصراع العربى الإسرائيلى السابقة أهميتها، وكتاب الأستاذ فيصل عبد المنعم " فلسطين والغزو الصهيونى " إضافة جديدة لهذه الدراسات. والكتاب كما أشار المؤلف فى مقدمته هو خطوة " نحو معرفة أعمق بأساليب العدو ". يقع الكتاب فى نحو 500 صفحة من القطع الكبير ومقسم إلى عشرة أبواب ومزود بعدد من الوثائق والصور التى لم يسبق نشر بعضها من قبل. وأبواب الكتاب فى تتابعها تنقل القارئ من دعاوى الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بال حتى وعد بلفور، وهو موضوع الباب الأول، إلى دور بريطانيا فى تهويد فلسطين فى الباب الثانى، إلى أبعاد الهجرة اليهودية فى الباب الثالث، إلى اندلاع الثورات الفلسطينية العربية أبان سنوات الانتداب فى الباب الرابع إلى قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين فى الباب الخامس إلى أعمل البطش الصهيونى عام 47 /1948 فى الباب السادس، إلى إعلان قيام إسرائيل فى الباب السابع، إلى الحرب العربية الإسرائيلية الأولى فى الباب الثامن، إلى توقيع اتفاقات الهدنة فى الباب التاسع، وأخيرا يختم المؤلف كتابه بخلاصة للفكر الصهيونى العدوانى التوسعى. والكتاب فى مجمله جديد فى عرضه الموضوعى المبسط لأبعاد الغزو الصهيونى لفلسطين خاصة الجانب العسكرى بهذا الغزو عام 1948. الطاقة النووية بين السلم والحرب - مجلة السياسة الدولية (من أرشيف المجلة) - نزار عثمان - 09-09-2006 العدد ( 159 ) بتاريخ 1 / 1 / 2005 مكتبة السياسة الدولية (عروض كتب - كتب جديدة) الردع العربى فى مواجهة الخيار النووى الإسرائيلى (1991 - 2001) (مؤلفات عربية) نسرين جاويش الردع العربى فى مواجهة الخيار النووى الإسرائيلى (1991 - 2001)، محمد سليمان مفلح الزيود - رسالة دكتوراه، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية 2004. * تكتسب هذه الدراسة أهمية بالغة من كونها دراسة أكاديمية متكاملة لموضوع الردع العربى، حيث لم يتم تناول هذه الظاهرة فى الأدبيات العربية إلا نادرا، بسبب وجود قناعة لدى البعض بعدم وجود ردع عربى. وتنقسم أهمية هذه الدراسة إلى أهمية علمية نظرية وأخرى عملية. فيما يتعلق بالأبعاد العلمية، فإن الدراسة تركز على أحد الجوانب التى لم تحظ باهتمام كبير من قبل علماء الاستراتيجية، وهو أن الردع لا يتم بواسطة أسلحة الدمار الشامل، خاصة الأسلحة النووية فقط، بل أن الردع يمكن أن يكون ذا أبعاد شعبية تتمثل فى آليات وإجراءات ذات طابع جماهيرى اجتماعى، مثل عمليات المقاومة الشعبية والعصيان المدنى والمقاطعة ومقاومة التطبيع، ودراسة القوانين الخاصة بالحرب الشعبية، والاستفادة من الخبرات العالمية فى استخدام المقاومة كدعم للجيوش النظامية. أما فيما يتعلق بالأبعاد العملية، فالدراسة تؤكد على ضرورة تفعيل قدرات الردع العربى بمفهومه الشامل من خلال تنسيق الجهود العربية لتفعيله، وهو ما يحقق للجانب العربى سلاما يبنى على أساس توازن المصالح، وليس على أساس توازن القوى، كذلك إيجاد آلية لاستغلال القدرات العربية، ومعرفة ما هو كامن منها لتحريكه، وتحسين توظيفه لمجابهة القدرة النووية الإسرائيلية، وإيجاد آلية لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى ظل وجود ردع عربى فعال من خلال تقديم المعلومات عما هو كائن لصانع القرار. وفى إطار أن قضية مجابهة التحدى النووى الإسرائيلى تأخذ درجة متقدمة على سلم أولويات العمل العربى، فإن الدراسة تحاول الإجابة على تساؤل بحثى رئيسى هو إلى أى حد تشكل الإمكانات والقدرات العربية ردعا حقيقيا لمنع إسرائيل من استخدام خيارها النووى؟ وكيف يمكن استغلال ما هو موجود على أرض الواقع منها، وتحريك ما هو كامن وتوظيفها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية من خلال عدد من التساؤلات البحثية الفرعية المرتبطة بالتساؤل الرئيسى؟ وللإجابة على هذه التساؤلات، فقد تم تقسيم الدراسة إلى أربعة فصول: حيث تناولت الدراسة فى الفصل الأول "الاتجاهات النظرية فى دراسة مفهومى الردع والخيار النووى" من خلال مبحثين، تناول الأول اتجاهات تعريف الردع وانتهى إلى أن الباحث يعرف الردع، على أنه (استراتيجية تركز على الأداة الدبلوماسية والاستخبارية لإكراه الخصم، أو حرمانه من الإقدام على عمل ما ومساومته وابتزازه سياسيا بفرض تسويات غير عادلة، وإنهاكه بالاستنزاف التدريجى لقدراته الاقتصادية، واستمالة أعداء المردوع محليا وإقليميا، لإحداث ثغرة بين الرأى العام المحلى والإقليمى وبين النظام من أجل زعزعته دون مواجهة فعلية) ويتطرق المبحث إلى تحليل العناصر المكونة للردع وتعريف مفرداتها، ثم نظرية الردع، انتهاء بعرض أنواع الردع وشروطه ومستوياته. أما الثانى فيتناول اتجاهات تعريف مفهوم الخيار النووى، وينتهى إلى أن الخيار النووى هنا (يتمثل فى السلاح ذى القدرة التدميرية الهائلة الناتجة عن قوة العصف والحرارة، ويتم اتخاذ القرار بامتلاكه على أعلى المستويات كخيار استراتيجى يتسم بالخطورة الكاملة والحساسية البالغة، إذ يغير من توازن القوى الإقليمى بشكل حاد، كما يغير من طبيعة العلاقات الأفقية بين الدول الإقليمية والعلاقات الرأسية مع الدول العظمى). وتأسيسا على ما سبق، ينتهى الباحث إلى تعريف المتغيرين الرئيسيين للدراسة، حيث يعرف الردع العربى للخيار النووى الإسرائيلى بأنه (إرغام إسرائيل على وقف العدوان فى الداخل والخارج والانسحاب من الأراضى العربية، والالتزام بالقوانين الدولية، ووقف التهديد بسلاحها النووى أو التلويح به كأداة سياسية، للترهيب من الحرب أو الترغيب بالسلام، وذلك بتوظيف كافة القدرات وتنسيقها وتطويرها إلى إمكانيات ردعية قادرة على الحفاظ على قيم الأمة ومصالحها العليا وأهدافها الاستراتيجية). ثم تتناول الدراسة فى الفصل الثانى "القدرات العربية والإسرائيلية" والمقارنة بينهما، بداية من القدرات العسكرية التى تشكل أحد أركان ومقومات الدولة الأساسية. وينتهى فيها الباحث إلى أن التفوق النوعى الإسرائيلى تفوق مفاجئ ومؤقت ولا يبطل مفعول الكم، فالأقطار العربية لديها قابلية تحمل وقوع إصابات بنسبة عالية، بالإضافة إلى أنه من الصعوبة بمكان وضع ميزان عسكرى دقيق لطرفى الصراع بسبب وجود عناصر غير محسوسة مثل مستوى التدريب والانضباط، كذلك يدخل فى هذا المجال التحيز الذاتى والآراء الشخصية، وكذلك التطور التقنى، والأحلاف الإقليمية والدولية. وفى آخر الأمر فإنه مهما يكن التسليح العربى، فإن إسرائيل تحقق بشكل عام تفوقا نوعيا ملحوظا على جميع الجيوش العربية. ومرورا بالقدرات السياسية القائمة على القوة الدبلوماسية والتى كانت أقوى من تلك الإسرائيلية وذلك بسبب تعدد الدول العربية وتنوع المصالح الدولية لدى العرب، إلا أن التدخل الأمريكى يتدخل لقلب هذه المعادلة فى معظم الأحيان. ثم يعرض الفصل الثالث والمعنون "الخيار النووى الإسرائيلى" بداية إلى أن هذا الخيار، لا يعنى السلاح النووى الإسرائيلى فحسب، ولكنه يقوم على توافر القاعدة العلمية والتكنولوجية التى تستطيع التعامل مع الخامات النووية، وكذلك توافر هذه الخامات والمنشآت النووية، وبالتالى القدرة الاقتصادية على تنفيذ البرامج النووية، ثم يتناول نشأة وتطور الخيار النووى ومحدداته واستراتيجيات استخدامه، ويؤكد على أن الإنجازات النووية ما كان لها أن تتم لولا المساعدات الأمريكية والغربية، ثم يتطرق الفصل إلى استعراض الرؤية الإسرائيلية للخيار النووى، والتى تنقسم إلى رؤية رسمية وأخرى غير رسمية، ولكن كلتا الرؤيتين تشجع على امتلاك السلاح النووى. وحسب تقديرات الباحث، فإن أكثر من 70% من الإسرائيليين، يؤيدون امتلاك السلاح النووى، وهذه النسبة تؤيد عدم الإعلان عن هذا السلاح النووى، يشذ عن هذا التقدير أصحاب الرؤية غير الرسمية فى مسألة فاعلية الردع، وأن أكثر من 80% من الإسرائيليين يؤيدون وجود هذا السلاح من أجل الردع، وليس من أجل الاستخدام. أما من حيث فاعلية هذا الردع فى الأوساط العربية، فلم يسفر عن اعتقادات مؤكدة، حيث شن العرب بعض الحروب، مع علمهم أن إسرائيل تمتلك خيارا نوويا. وشهدت نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحادى والعشرين مقاومة عنيفة من قبل حزب الله فى جنوب لبنان، وفى عمق إسرائيل من قبل بعض الفصائل الفلسطينية. وينتهى باستعراض السياق الإقليمى والدولى للخيار النووى الإسرائيلى، ويخلص منه إلى أن الدولة العبرية بدأت خيارها النووى لمعالجة الخلل القائم فى الميزان الاستراتيجى بينها وبين العرب، إلا أنها لم تعالج هذا الخلل فحسب، بل تعدت ذلك إلى التفوق النوعى والمطلق. ثم يتناول الفصل الرابع "البدائل الاستراتيجية للردع العربى فى مواجهة الخيار النووى الإسرائيلى" ويؤكد الباحث من خلاله على ترجيح البديل الدبلوماسى مع عدم إسقاط البديل العسكرى الذى يمكن أن يفرض فرضا فى حالة فشل عملية السلام، ويقوم البديل الدبلوماسى على إقامة السلام العادل والمنطقة الخالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، ويتطلب ذلك عملا دبلوماسيا دؤوبا على المستوى القومى، بينما يقوم البديل العسكرى على الإعداد على المستوى القومى بالاعتماد على الأسلحة التقليدية وفوق التقليدية والمقاومة المسلحة. وقد خلص الباحث فى هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها: * أن مرحلة النظام العالمى الجديد (أحادى القطبية) قد أدخلت تغييرا جذريا على سياسة الردع التى أخذت مناحى أخرى اتسمت بالهيمنة، والحصار الاقتصادى، وفرض العقوبات السياسية والاقتصادية. * أن ميزان القوى العسكرى فى الشرق الأوسط يميل لصالح إسرائيل مع كل دولة من الدول العربية منفردة، كذلك تحقق إسرائيل تفوقا سياسيا ودبلوماسيا على جميع الدول العربية فى تحالفها مع الولايات المتحدة. * أما فيما يخص ميزان القوى فى النواحى الاجتماعية وعناصر القوة الثابتة (المساحة والكم البشرى والموقع)، فإنه يميل لصالح الدول العربية. * تراجع البديل العسكرى أمام البديل السياسى فى نهاية عقد التسعينيات وبداية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وأصبح البديل الدبلوماسى هو البديل الأهم، وهو ما يدل على فشل إسرائيل فى استراتيجية الردع والعدوان، ومن ثم سعيها إلى استراتيجية هيمنة جديدة، سياسية واقتصادية. وتأسيسا على ما سبق، فإن الدراسة توصى بما يلى: بداية أن أية مواجهة حقيقية لا تقوم إلا بالتعاون بين الدول العربية، من خلال الدول القطرية، التى تعتبر واقعا لا مناص لتجاهله أو التخلى عنه. فضلا عن ضرورة الموازنة بين المتطلبات العديدة للردع، ومنها القيادة السياسية، والقوى البشرية المدربة على أسس علمية، والسلاح المتطور، وتوفر قاعدة صلبة للديمقراطية والتى هى ليست مسئولية الحكومات وحدها، بل أن كل مواطن فى موقعه مسئول عن إرساء دعائمها، وكذلك البحث عن أحلاف جديدة كضرورة تتناسب مع خطورة المرحلة القائمة. ------ انتهى المحور الثالث - البقية تأتي (f) |