حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي (/showthread.php?tid=15299) الصفحات:
1
2
|
الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - الكندي - 08-31-2006 ملخّص الموقف الحالي في العالم العربي - الحلقة الأولى بقلم محمد حمزة العالم العربي هو منطقة تمتد من المغرب في الغرب إلى البحرين في الشّرق، حاضنة أجزاء من إفريقيا، آسيا، المحيطين الهندي والأطلسي، البحر المتوسّط والبحر الاحمر، بالإضافة للخليج العربيّ . ويُقَسَّم العالم العربي الى منطقتين : المغرب بما فيه من بلاد شمال افريقيا، و المشرق الذي يحتوي على مصر و ما تلاها الى الشرق. ويستوطن هذا العالم حوالي 275 مليون نسمة تعيش في 22 بلد ؛ فهو مكان تتعايش فيه دّيناميات اجتماعيّة وسّياسيّة وثّقافيّة مختلفة تخلق اختلافات و تّشابهات واسعة اهمّها التنوع المذهبي والأثني واللغوي ضمن إطار الهويّة العربيّة المبنية على اللغة العربيّة والتاريخ المشترك. إنتمت المنطقة العربيّة الى الإمبراطوريّة العثمانيّة لأكثر من أربعة قرون في التاريخ الحديث. و بعد العثمانيون جاء الاستعمار الأوروبي الذي رسم الحدود الجيوسياسية الحالية لمعظم البلاد العربية عبر اتّفاقية سايكس-بيكو (1916)، وسمح بخلق الدولة اليهوديّة في فلسطين تنفيذا لوعد بلفور (1917) . و يمكن القول ان اسس معظم –إن لم نقل كل- النّزاعات اللاحقة في المنطقة مزروعة في هذا التّاريخ الاستعماري القصير . حقّقت معظم البلاد العربيّة استقلالها من الاستعمار بعد الحرب العالميّة الثّانية، بالرغم من أن حرب الإستقلال دامت في الجزائر حتّى عام 1962. بذلك الوقت، كان الصّراع العربيّ الإسرائيليّ قد تطور تماما وأصبحت المنطقة مميّزة بالحروب و الإختلال. بالإضافة لذلك، جاء ازدهار البترول في شبه الجزيرة العربية ليجذب صراعا حول المصالح النفطية بين أمريكا وأوروبا من جهة، وبين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي من جهة أخرى. وتمحور صراع هذه الدول حول إيجاد التحالفات والمحاور الإقليمية وذلك للسيطرة على المنطقة بأقصى سرعة ممكنة وكسب مواقع استراتيجيّة استثنائيّة أوجدها النفط والتمركز الجيوغرافي للعالم العربي. ولقد أدّت هذه الإهتمامات الى سلسلة من التدخّلات الأجنبيّة وتفاقم التعقيد في النّزاعات المحليّة مما خلق توترات إقليميّة متفجّرة. هذا التعقيد في الموقف الإقليمي كان دائما الحجّة الرئيسية لتأخير الإصلاحات الدّيمقراطيّة، والتعليل الرسمي لفرض الإجراءات الأمنيّة و قوانين الطوارئ على المجتمعات العربيّة. و بشكل متناقض تماما، جائت عمليّة السّلام بين العرب وإسرائيل لتوجد مبرّر آخر لتأخير تحقيق الدّيموقراطيّة بحجة خلق و تأسيس استقرار اقتصاديّ و سياسيّ وأمني يطمح لجذب الاستثمار الأجنبيّ في فترة ما بعد اتّفاقيّة السّلام. هذا بالإضافة لاحتواء ردود الفعل الشّعبيّة ضدّ اتّفاقيّات السّلام التي يعتبرها الشارع العربي اتفاقيات ظالمة فرضتها الدول الغربية بواسطة تفاوت القوى الحالي. وأدى هذا الواقع التاريخي الى تأثيرات جوهرية في النّواحي الاقتصاديّة و الثّقافيّة والسياسيّة للمجتمعات العربيّة الى درجة أن مفهوم الدّولة و مؤسّساتها التنفيذيّة والتشريعيّة وإلإدارية والقضائية، بالإضافة الى قوّاتها العسكريّة و الأمنيّة، بقيت كلها متميزة بالتأثير العثماني والتجارب الاستعمارية . ببساطة، أدّت هذه التأثيرات الى تغييب المسؤوليّة والشّفافيّة والخيار السّياسي؛ اي كل العوامل التي تتولد عن نظم الانتخابات الشعبية والتناوب الدوري والسلمي للسّلطة. نتيجة لذلك، بقيت االمواطنة والمشاركة السّياسيّة ضعيفتان جدًّا. على هذه الاسس الاجتماعية والسياسية ، بدأ تسلل أيديولوجيّات متعددة لم ينجح أي منها في تحقيق الدّيمقراطيّة أو حل المشاكل الاقتصادية أو حتى إدراج التطوّر الإجتماعي في المجتمعات العربية، بالرغم من تحقيق مكاسب تنويرية على صعيد مكافحة الأمية، والتعليم والتوعية الشعبية. الأ أن هذه الصحوة أنحسرت نوعيا وعدديا لصالح المدّ الأصولي السلفي المموّل بالبترودولار والناتج، بشكل مهمّ، عن هزائم العرب العسكرية وفشل الأنظمة في تحقيق الطموحات الشعبية ، وكانت نتيجة فشل هذه الأيديولوجيّات المتنوّعة وتراكم الهزائم العسكرية والمشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة، بالإضافة الى الغزو الثقافي الذي رافق العولمة والغزو العسكري الغربي المباشر بعد سقوط الإتحاد السوفييتي، أن تجسّدت أزمة الهوية العربية والإنتماء الحضاري لقسم كبير من الأجيال العربية الطالعة؛ هذا الفراغ أوجد أرضا خصبة لعدة أشكال من الأصوليّة الدّينيّة الممولة بالبترودولار، المدفوعة باليأس والإحباط والفقر المدقع. ويعتبر قدوم الليبراليون الجدد، المرحبون بالإحتلال، المروّجون للإستسلام، آخر حلقة في سلسلة التجارب السياسية الفاشلة التي سلخت النخب المثقفة عن اهتمامات وتطلعات وآمال القاعدة الشعبية. بالرغم من أنّ بوادر الديمقراطية قد بدأت تتجلّى في عدد من الدول العربية في الآونة الأخيرة، سواء كان هذا بشكل المشاركة الديمقراطية أو التغيير السّياسي للسّلطة من خلال مؤسّسات الدّولة، أو فيما يخصّ ظهور بوادر مجتمع مدنيّ يشكّل نواة تعمل إلى تطوير السلطة الشعبية وتوسيع فسحة الحريّات وحقوق المواطنة الرئيسيّة، غير أن هذه البوادر ما تزال محدودة وهشة. أما في المجمل، فإن العالم العربي ما يزال يعاني قيودا جوهرية بوجه الديمقراطي والإقتصادي بالرغم من المشروع الأمريكي المعلن في العراق. الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - الكندي - 08-31-2006 التحوّل الى الديمقراطيّة في الدول العربية يعني الانتقال من دكتاتوريّات وملكيّات مستندة الى تحالفات مصلحيّة سلبيّة بين أقليّات سياسيّة، الى حكم الشعب نفسه عبر ممثلين حقيقيين يختارهم بحريّة في انتخابات نزيهة تعدديّة تنتج نظاما للحكم يعبّر بصدق عن عقد اجتماعيّ يمثل إرادة الشعب في احترام هويته والدفاع عن مصالحه. هذا التحوّل، ولئن كانت المجتمعات العربية غير مهيئة له تماما بسبب انتشار الفساد وتفاقم النّزاعات المحليّة والتوترات الإقليميّة بأوجهها العشائرية والطائفية، الا أنّه يمثّل، بالتأكيد، طموحات الشارع العربي والنخبة المثقفة على حد السواء. تجلت الطموحات العربية هذه ببروز أفواج وأجيال من المعارضين المنتمين الى أطياف واسعة من الإنتماءات لا يكاد يجمعها سوى رفض نماذج الحكم المفروضة بالقوة داخليا، وبميزان قوى عالمي خارجيا مؤيد للأنظمة القمعية في دول العالم النامي. وبالرغم من ضخامة التّضحيات التي قدّمتها قوى المعارضة العربيّة في سعيها نحو الحريّة والتغيير، الا أنها لم تفلح الا في تصعيد اعتماد الأنظمة لوسائل قمعية أشدّ شراسة وضراوة، والى لجوئها المتزايد الى الظهير الدولي لتدعيم سلطتها ولو على حساب المصالح الوطنية. بإيجاز، تنقسم العوائق الرئيسيّة للإنتقال نحو الديمقراطيّة في الدول العربيّة الى قسمين: داخليّة وخارجيّة. العوائق الداخليّة تتمثل العوائق الداخليّة، بشكل رئيسي، في رسوخ حكم "الحزب الواحد" وما ارتبط به من طبقات مصالح تطورت الى شبكة محسوبيّات وحماية متكاملة ترفض الديمقراطيّة ولا تأبه لحقوق المواطن أو الإنسان. هذه الطبقات الحاكمة غدت معنيّة بالدفاع عن مصالحها ومواقع نفوذها أولا وبأي ثمن ولو كان ذلك مقايضة استقلال البلاد وسيادتها، أو التضحية بمستقبل أجيالها القادمة. وقد يتفاقم صراع المصالح بين الفئات المتحكمة الى العنف المسلّح وسفك الدماء أحيانا. وتمثّل النخب المثقّفة العربية وما يشقـّها من صراعات إيدولوجيّة ومصالح ذاتيّة ومنازعات شخصيّة ثاني أهم العقبات في طريق التحوّل نحو الديمقراطية. ذلك لأنّ النخبة، على قلّة نسبتها العدديّة وضعف تمثيلها للشعب، عنصر أساسي في معادلة الحكم. فالنخبة قد تكون أداة للدكتاتورية تسبغ عليها لبوس الشرعية والحداثة وحقوق الانسان، أو تكون ممثلة لطموحات الشارع تسلب الحكم شرعيته وتتركه في العراء. في كلّ حركات التغيير المهمّة تاريخيا، كان المجهود الجماهيري يمثل التجسيد والتضخّم التنفيذي للمجهود الفكري لنخب التغيير المثقفة. هذه النخب كانت هي المسؤولة عن صنع وتطوير خطاب التغيير، وتأطير حركة الشارع الشعبي والتجمعات المهنية بما يحرّض على فساد السلطة ويبلور أهداف التغيير وقيمه ورموزه. النخب العربية المثقفة اليوم تتميز أما بالتفافها حول السلطة، وإما بمناكفاتها الايدولوجية ومصالحها الفئوية والشخصية مما يهمّشها ويقوّض أمكانيّة تشكيلها جبهة موحّدة قادرة على تحدى قوة السلطة ونفوذها. أما ظاهرة الليبراليين الجدد الأخيرة فهس تمثل مجموعات نخبوية تعتمد على القوى الخارجية لتعويض افتقارها للقاعدة الشعبية. وتتمثل العوائق المتمثلة في النخب المثقفة في تلك المؤثرات التي تحول دون تكوين جبهة سياسية موحدة على قواسم مشتركة وخطوط عريضة لبرنامج جامع يمثل أوسع طيف أجتماعي وسياسي ممكن قادر على تقديم بديل داخلي يكون نواة لمشروع التغيير والمجتمع المدني. العوائق الخارجية أما العوائق الخارجية فتتمثل في مصالح الدول الغربية الناتجة عن واقع الصّراع العربيّ الإسرائيليّ وتفوق النفوذ اليهودي عالميا، بالإضافة الى ازدهار البترول في شبه الجزيرة العربية وما رافقه من صراع أمريكي-أوروبي من جهة، وشرقي-غربي من جهة أخرى. وتجلّى هذا الواقع بتفضيل الدول الغربية المسيطرة عالميا دعم الأنظمة الديكتاتورية والملكية في المنطقة لما ينتج عن ذلك من تيسير لمصالحها في علاقاتها مع الدول العربية ؛ إن عقد الصفقات هي أيسر مع نخبة حاكمة غير منتخبة غير مسؤولية شعبيا من جهة، خصوصا إذا وضعت هذه المجموعة مصالحها فوق المصلحة الوطنية من جهة أخرى. الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - الكندي - 08-31-2006 صلاحية المشاركة الدينية إن تنوّع الآراء في العالم العربيّ حول العلاقة بين الدّين و السّياسة تعكس اهتماما مهمّا فيما يخصّ بصلاحيّة أو عدم صلاحيّة الاسلام السياسي كمشارك مقبول في النقاش الديمقراطي . تقول بعض الآراء أن حلبة المناقشة الدّيمقراطيّة يجب تكون حصرا على النقاش السّياسي العلماني حيث أنّ السياسة الدينية تمتلك، لدى مؤيّديها، صفة إلهيّة تستقصي من يخالفها تلقائيًّا كمستحدثين غربيين. بينما تؤكّد الآراء الاخرى انّ الاسلام السّياسي قد شكّل بالفعل معارضة سياسيّة ناجحة و لهذا يجب إدخاله في أيّ نقاش سياسيّ بدلاً من إبقائه متجاهلا و مهمّـشـا . الخطر هو أن نبذ بعض الحركات السياسية، كالاسلام السياسي مثلا، يمكن أن يؤدّي إلى تنافر إضافيّ خلال عدد من المجتمعات وتهميش أو إقصاء شرائح أجتماعية مهمّة؛ هذا بالتالي قد يؤدّي الى اعاقة الدّيمقراطيّة الحقيقيّة. وفي الحين الذي يعي فيه الكلّ أن الديمقراطيّة هي حكم الشعب وأنها تمثّل التطوّر الطبيعي للعقد الإجتماعي، تبقى المشاعر حول نقطة المشاركة السياسية للحركات الدينية مشحونة جدا ويمكن تلخيصها في معسكرين: من ناحية أولى، هناك من يفضّلون مشاركة الأحزاب الدينية بشكل فعّال أو على الاقل عدم نبذ مؤيّديهم من الحوار الديمقراطي، وهناك، من ناحية أخرى، من يعترض بشدّة على اساس ان الأديان كلـّها تدعو الى التفرقة وعدم المساواة والاوتوكراسية الدينية ورفض الشرائع الوضعية، فهي بذلك معارضة للديمقراطية. هذه المناقشة ليست جديدة على الفكر الدّيمقراطي، لكنها تشكّل نقطة ساخنة في سياق الحركة الإسلامية الكبيرة التي تتغلل خلال العالم العربيّ بأجمعه وهو تطوّر يصعب تجاهله أوتجاوزه. وبالرغم من أن المخاوف الرئيسية من مشاركة الأسلاميين السياسيين في اللعبة الديمقراطية تتعلق بتمسّك هؤلاء بتأويلات عقائدية لا تقبل النظام الديمقراطي الا كمرحلة أنتقالية ضرورية، الا أنها تتعلق أيضا برفض هؤلاء للأحكام الوضعية ومجاراة ما توصّلت اليه الإنسانية المعاصرة في مجالات الحرية وحقوق الإنسان. وكمثال عن هذه الخلافات، يرى البعض أن في تطبيق الحدود والشريعة الاسلامية بحرفيتها عنف وتخلف لا يتماشى وقيم العصر. في الوقت ذاته، هناك آراء ترى في تطبيق الشريعة الدواء الامثل لشفاء الكثير من الآفات الإجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية في العالم العربي . بالنسبة لهؤلاء أصبح الشعار "الاسلام هو الحل" يعني ليس فقط العودة الى الله روحيا، بل تجديد القوانين والعادات لتوافق افتراضيًّا ما أُنزله الله على النبيّين والرسل وارتضاه للبشر. وبما ان المصالحة التامة بين هذين المعسكرين قد لا تكون ممكنة ، يستوجب الخلاف على كيفية التعامل مع الإسلاميّين الى ايجاد و تطوير قواعد اساسية للعبة الدّيمقراطيّة في ظلّ هذه المعطيات. وتجدر الإشارة أن الإسلاميين ليسوا وحدهم مصدر المخاوف في إفساد الديمقراطية، فتجربة العلمانيين الثوريين في الحكم كانت جميعا قسرية ديكتاتورية. الجدير بالملاحظة هو أنّ الاختلاف حول كيفية التعامل مع الاسلاميين انعكس ايضا في المواقف المختلفة التي تبنتها الانظمة العربية تجاه الاسلاميين . فبينما اختار لبنان والأردن و المغرب التعامل مع هذه الفئة بشكل ايجابي وفسح المجال أمام الإسلاميّين المعتدلين للمشاركة في نظام الحكم بواسطة انتخاب ممثّليهم إلى البرلمان، اختارت انظمة عربية اخرى اتجاها سلبيا معاكس. و هنا، كأمثلة و ليس حصرا، نذكر مصر و سوريا و الجزائر كأنظمة حاولت تجنيد الفكر الإسلامي، وعند فشلها، قامت بالإطباق بوحشية على مؤيّديه. وفي حين يقرر الحكام العرب كيفية التعامل مع الاسلاميين من موقع الامان النسبي الذي تتمع به انظمتهم ، يعكس النّاشطون السّياسيّون الآخرون واقعية مختلفة قد تصل الى مستوى التصادم الفكري مع الإسلام. كل هذه الجهات، مدنية كانت أو رسمية، عليها أن تستفيد من تجارب الماضي لاستنتاج المعطيات السياسية الضرورية لضمان نجاح اللعبة الديمقراطية. هذه المعطيات، بالرغم من كونها مستنتجة من خلال معاينة معضلة الاسلام السياسي، ستصلح كنموذج وركيزة اساسية في كيفية التفاعل الإيجابي بين السلطة والمعارضة من جهة، وبين المجتمع المدني وقوى التسلّط من جهة أخرى. إمكانية اشراك الاسلاميين في الحوار الديمقراطي، إذا، يجب ان تتحول الى مجهود لإيجاد القواعد الضرورية التي يمكن من خلالها خلق الثقة الكافية لإشراك هؤلاء في اللعبة الديمقراطية. وبمجرّد الوصول الى اتّفاق على قواعد اللّعبة وضماناتها، يمكن للمناقشات أن تتبنى أبعادا بناءة إضافية. بإعتقادنا، تكمن الخطوة الأولى نحو ديمقراطية شاملة وراسخة في تطوير حوار شامل وصريح يهدف الى خلق الثقة من خلال جدولة المخاوف والتناقضات ووجهات النظر تمهيدا لإيجاد الضمانات والحلول الوسط. ولا يخفى أن الإسلاميون لهم طروحات وأن للعلمانيين طروحات تختلف باختلاف البديهيات والأهداف. هذه الأهداف، بمصادرها المختلفة، ستتقارب وتتباعد. فوظيفة تأسيس الخلق الديمقراطي، إذا، تقتضي أن تتعاون الفئات الوطنية في تحقيق ما تقارب من أهدافها، وأن يترك أمر التفاوض في خلافاتها الى التحكيم الشعبي ضمن بيئة من المنافسة الشريفة و التسويق القانوني لسلعة هذا و سلعة ذاك. في سياق الإشارة الى ضرورة فتح المجال أمام أوسع طيف ممكن من فرق المجتمع للمشاركة في الممارسة الديمقراطية، لا بد من التأكيد على ضرورة بناء وتفعيل الوسائل والآلات التي تضمن حماية النظام الديمقراطي اوستمراره. الضمانات المنشودة هنا هي تلك التي تعزز وتمكّن سبل المساءلة الشعبية للحكم، التداول الدوري والسلمي للسلطة، وحق الأفراد والجماعات في حرية الممارسات التي يكفلها الدستور وحقوق الإنسان. بعبارة أخرى، التساؤل الحقيقي الذي يجب على الساعون الى تأسيس ديمقراطية مستمرّة طرحه لا يجب أن يكون عن وجوب إشراك طرف سياسي ما في الممارسة الوطنية، بل يجب ان يكون عن ايجاد الشّروط اللازمة لمشاركة هذا الطرف –وكلّ الأطراف- بشكل يضمن الممارسة الديمقراطية و استمراريتها. الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - الكندي - 08-31-2006 الديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين إن أهم العوائق التي تواجه التحول نحو الديمقراطية في الوطن العربي هو أن الديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين. فالديمقراطية يمكن لها ان تترقى الى قمة هرم الدولة من خلال ترقية الفاعدة الشعبية (من أسفل الى أعلى)، أو أن تترشح الى المجتمع من قمة هرم النظام الحاكم (من أعلى الى اسفل). في غياب هذين المسارين الطبيعيين، يضيف الليبراليون الجدد اليوم مسارا افتراضيا جديدا هو المسار الأفقي المتمثل بفرض الديمقراطية بقوة التدخل الأجنبي! مفارقة أحتياج الديمقراطية الى ديمقراطيين تتجلى في التداعي السريع للمؤسسات الديمقراطية التي خلـّـفها الإستعمار في بعض مستعمراته السابقة في الوطن العربي عند رحيله في أواسط القرن المنصرم. أما الغرب، فديمقراطياته لم تولد كاملة بل مرت ولا تزال بتطورات متلاحقة تدرجت فيها نحو الأفضل. الديمقراطية البريطانية لم تتحول الى ديمقراطية شعبية إلا في 1918 عندما انتقلت من اقتراع الأغنياء إلى الاقتراع العام. والديمقراطية الفرنسية لم تعترف بحق المرأة في التصويت إلا عام 1944. أما الولايات المتحدة، فلم نعترف بالحقوق المدنية لمواطنيها السود الا عام 1962. ومع ذلك فمازال الطريق طويلا أمام هذه الديمقراطيات العريقة لتدارك نقائصها والخروج سالمة من أزماتها بحل ما زال عالقا من تناقضاتها الاجتماعية – السياسية. الإنتقال الى الديمقراطية في العالم العربي يعني، في كنهه، التحول الثقافي من العشائرية والطائفية الى ثقافة التعددية الشعبية. هذا التحوّل، ليس بديهيا ومصاعبه كانت السبب الرئيسي في إجهاض المكاسب التنويرية للحركات الثورية التي حاولت حرق المراحل. على صعيد الواقع المتأصل في الثقافة التقليدية، يمثل الإجماع العشائري أغلبية نظم الحكم في الدول العربية. وهنا يمكن الإشارة الى أن أنظمة السعودية ومشيخات الخليج، والأردن والمغرب وحتى سوريا، وليبيا والنظام العراقي المخلوع كلّها هي أمثلة عن أنظمة مبنية على تحالفات عشائرية تسيطر على القوى الأمنية والمسلحة وبالتالي على مقاليد الحكم. هذه الأنظمة، كما يصفها الصحافي والمحلل الأمريكي توماس فريدمان، تحكم وفقا لقيم البادية كإتباع الملك العادل، وإفراد المخالفين وإبعادهم، والولاء للعشيرة والقريب ظالما كان أم مظلوما وغيرها. لا يوجد هناك فوارق جوهرية، كما يشير فريدمان، بين نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي بطش بمدينة حماة وبين النظام السعودي الخيّر، مثلا، الا في الظروف. فسيف آل سعود لا يبعد كثيرا عن رقاب الثارين والمعارضين إذا وجدت الضرورة لاستخدامه. ثقافة الولاء للإجماع العشائري هذه، وإن كانت متأصلة في ضرورات حياة البداوة، وجدت حافزا مهما في الثروة الهائلة التي أتاحتها السلطة. فتضافرت بذلك فطرة البادية وقوانينها مع المصالح المادية الشخصية للأفراد لتشكّل حافزا جبارا للحفاظ على هذه المكاسب، خصوصا وأن خسارتها أصبحت تعني مصيرا مشؤوما كالإعدام أو السجن أو النفي. وبهدف الحفاظ على السلطة، تم توزيع مراكز القوى الأهم في الدولة، كالجيش والأمن الداخلي والمخابرات، على الصلات العائلية والعشائرية وذلك بهدف تشكيل طبقة حاكمة معنيّة أولا بالدفاع عن مصالحها ومواقع نفوذها. ومن ثم، خدمة لزيادة أمن الدولة الذي أصبح ملازما لأمن النظام، تم استخدام الثروات الوطنية لتوظيف الخبرات المحلية والعالمية الضرورية لتدريب الأجهزة الأمينة، على رأسها الجيش والمخابرات، لزيادة بطشها وفعاليتها. هذه العوامل والخبرات المتضافرة تم تطويرها مع الوقت والتجارب الى درجة الكمال حتى أصبح من المستحيل أختراقها شعبيا. هذا ما منح للديكتاتوريات العربية استقرارها النوعي في العقود الأخيرة الماضية. من ناحية أخرى، تتفشي الطائفية في المجتمعات العربية لتصبح موازية أو داعمة للعشائرية القبلية. ففي التجربة اللبنانية التي تسيّس الطائفية، على سبيل المثال، تنصّ الأعراف على توزيع مناصب الدولة بالتحاصص على الطوائف مكرّسة بذلك نظاما من الإجماع الطائفي يوازي الإجماع العشائري في الأنظمة العربية الأخرى: كل طائفة تنتخب ممثليها التقليديين ثم يقرر هؤلاء بإجماعهم منصب رئيس الجمهورية وكيفية تقاسم السلطة. والجدير بالملاحظة هو أن الزعامات الطائفية لا تختلف جوهريا عن الزعامات العشائرية فهي طبقية وراثية بطبيعتها الا في الحلات الإستثنائية كالحرب الأهلية اللبنانية التي شاهدت صعود زعامات غير تقليدية كسمير جعجع ونبيه برّي وغيرهم. أما من الناحية الشعبية، فالولاء الطائفي لا يختلف جوهريا أيضا عن الولاء القبلي. وكما تشكّل الزعامات العشائرية شبكة من المحسوبيات والأزلام من المستفيدين لتكون صلة وصلها بالقاعدة الشعبية، كذلك تفعل الزعامات الطائفية. معضلة الولاء الطائفي هذه ليست حصرا على الدول التي تسيّس الطائفة، كلبنان تقليديا والعراق مؤخرا، بل انها تتوغل في كل المجتمعات العربية لتشكّل شرخا اجتماعيا يحدد ليس فقط الولاء الطائفي في الأزمات، بل المصالح والتوجهات العامة للشرائح الطائفية المتعدّدة في المجتمع. من هذه القاعدة يؤيد السنّة في العراق –بشكل عام- نظام الرئيس المخلوع صدّام حسين، في الحين الذي تؤيد فيه شيعته التدخل الأمريكي. ومن هذه القاعدة ذاتها عارضت الشيعة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى حرب الخليج الأولى خلافا للوهابية. ومن هذه القاعدة الطائفية العامة تؤيّد الأقليات العلوية والدرزية والمسيحية في سوريا –كتوجّه عام- نظام الأقليّة الحاكم. ومنها تظهر التيّارات المسيحيّة في مصر ولبنان والعراق والجزائر التي تنادي بالعودة الى الهويّات المسيحيّة التي سبقت ظهور الإسلام. الأمثلة على الشروخ التي يخلقها الإنحياز الطائفي على البنية التحتية للمجتمعات العربية عديدة تكاد تكون لا تحصى وهي تمثّل في أقطار عديدة أهم التحديات لإستمرار اللحمة الوطنية في حال زوال الديكتاتوريات الحاكمة. في الخلاصة، تمثّل الطائفية والعشائرية القبلية، بالإضافة الى الفقر والأمية، أهم أسباب انعدام وجود الديمقراطيين شعبيا في الوطن العربي. الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - الكندي - 08-31-2006 الخلق الديمقراطي، تعريفا، هو خلق تعدّدي يتقبل الآخر، آراءه، وحقوقه، ولو كان ذلك على حساب الإرادة والإحتياجات الشخصية. علي ذلك، فإن انعدام الديمقراطية في الوطن العربي يعكس، بشكل أو بآخر، انعدام التسامح والتفهّم الديمقراطي وتفشّي التطرّف على صعيد الفرد العربي ذاته وبذلك في القاعدة الشعبية للمجتمع. تمثّل ظاهرة منتديات الحوار أقرب نماذج الممارسة الديمقراطية الفعلية في الشارع العربي من خلال فسحة حرية الفكر والكلمة التي تمنحها طبيعة الشبكة. من خلال مراقبة عدد من أنماط التطرّف التي يشارك فيها الشارع العربي أنظمته المتسلطة، يمكن جدولة بعض هذه المعوقات السلوكية المشتركة كما يلي: 1. إغتيال الفكر: قد تجسّد ظاهرة إغتيال الفكر التي يمارسها الفرد العربيّ وأنظمته المتسلّطة على حدّ السّواء أهمّ مظاهر التطرّف ومعوقات التحوّل نحو التعددية الديمقراطيّة في المجتمعات العربيّة. هذه الظاهرة تتجلّي بداية في محاولات نهي أصحاب الأفكار المخالفة عن أفكارهم أو عن نشرها من خلال الضغوطات الشخصية التي يمارسها الأقارب والأصدقاء بشكل نصائح وعتاب وتأنيب وتقريع قد تتطور الى نبذ وإبعاد. وقد تصاحب هذه المحاولات الشخصيّة الأوليّة محاولات لمنع تمكّن المفكّر من النشر وذلك من خلال الحول دونه والوسائل، أو ممارسة الرقابة على الأعمال الفكرية أو حظرها أو حذفها أومنع وصولها الى الجمهور. ومن مظاهر الميل الى اغتيال الفكر المعارض هو اللجوء الى مهاجمة أشخاص الغرماء بدل نقد ومعالجة الأفكار والمعضلات المطروحة. التهجم على الأشخاص هذا يأخذ صورا متعددة منها التشكيك بنوايا أصحاب الكلمة ومحفزاتهم، و التعرّض لمؤهلاتهم أو قيمهم الأفتراضية أو حتى صحتهم النفسية والعقلية بهدف عكس الإنتباه عن الأفكار وتهميشها. وقد تتطوّر محاولة تهميش الفكر المعارض، في الحالات الأكثر تطرّفا، الى العنف اللغوي كالشتائم والتشهر والتهديد، وقد يتطوّر، في أكثر الحالات تطرّفا، الى المضايقات الشخصية والملاحقات القانونية وقطع سبل العيش والسجن والعنف والتصفية الجسدية. 2. الخطاب الفارغ: يشارك الفرد العربي أنظمته المتسلطة، أيضا، الميل نحو استخدام الخطابات الفارغة لمخاطبة المشاعر كوسيلة لسدّ فراغ سوء التأدية وتفادي المسؤولية. الخطاب الفارغ، بحد ذاته، ليس معوقا من معوقات الديمقراطية الا حيث يتمّ توظيفته لتعطيل عقل الفرد وإعماءه عن حقائق الظروف. فالخطاب الفارغ يعتمد عادة التعميمات العارمة التي تختزل الواقع وأطيافه في نموذج أو نماذج نمطية محدودة لا يمكن أن ترسم صورة مفيدة عن تشكّلات الواقع. والخطاب الفارغ يعتمد معلومات مطروحة خارج سياقها أو عصرها، أو مفردات مبهمة غير محددة، أو افتراضات ثقيلة اللغة تسبغ عليها حلـّة الحقائق بدون أية إثباتات صخرية خدمة لاستنتاجات مسبقة لا يمليها الواقع أو أية قراءة منهجية له. ومن أكثر الخطابات الفارغة توظيفا للشعور العربي أو الإسلامي هو الخطاب التاريخي الذي يستعيد أمجاد الماضي أو مآسيه لاستنباط حلول أو استنتاجات لا يمكن أن تمتّ بصلة للقضايا المعاصرة بسبب الإختلاف الكلّي في السياق والمعطيات بين الحدث التاريخي والوضع القائم. هذا النوع من الخطاب شائع جدا ويلازم ليس فقط الخطاب الديني أو الأصولي، بل أيضا الخطاب الطائفي، والخطاب الثوري وحتى خطاب الليبراليون الجدد الذي يروجون للعودة الى قوميات ما قبل الإسلام الأثرية. وقد تبرر بعض الكوادر القومية أو الثورية استخدام الخطاب الحماسي بحجة أن التوجه القومي أو الثوري هو عملية حقن تفرض الحاجة الى الإنفجار. لكن العمل النهضوي هو أبعد من أن يكون عملية حقن. فالحقن وإثارة الحماس والهمم والغرائز لا تطلق نهضة ولا تبني مجتمعات، خصوصا بالنسبة لمن وضع نصب عينيه مسؤولية وهدف تأسيس نهضة وبناء مجتمع. 3. الإزدواجية الأخلاقية و تعدد المعايير المعيار الأخلاقي الموحّد عند الفرد لا بد وأن يتوافق مع قيم المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، ومع مبدأ عامل الناس كما تحبهمّ أن يعاملونك. الا أن العلاقات السائدة في المجتمعات العربية، وحتى في الجاليات العربية في المهجر، تسودها إزدواجية أخلاقية وتعدّد في المعايير بشكل يضرب جذوره في الأخلاق والدّين والفلكلور من خلال مباديء نصرة الأخ ظالما كان أو مظلوما، والولاء والبراء، وقول "أنا وأخي على إبن عمّي، وأنا ابن عمّي على الغريب". على الصّعيد الإجتماعي، تشكّل الإزدواجية الأخلاقية وتعدد المعايير الإسس الأكثر أهميّة للسلوك الطائفي والعشائري حيث يقيّم الفرد أفعال حزبه بغير المعيار الذي يقيّم به أفعال الآخرين، وقد يتقبـّل منهم سلوكا وتصرفات ما كان ليتقبـّلها لو صدرت عن غيرهم. بذلك، تصبح الأخلاق والقيم رهنا لولاء الفرد وخياره لا العكس، فتسقط المساءلة وتبطل المعايير واللغة وتتقزّم الأخلاق والعدالة والمساواة الى مصالح ميكافيلية تتغيّر بتغيّر جهة هبوب الريح. ولا تقتصر الإزدواجية وتعدد المعايير على السياسية والإنتماء المذهبي، بل تمتد لتشمل أبسط العلاقات كعلاقة الأسرة بالأطفال وتفضيل الذكر على الأنثى، والكبير على الصغير وأبن الزوجة على ابن المطلقة. وللإزدواجية أوجه شنيعة أخرى تتمثل بالوساطة، والغشّ وتفضيل الخبرات الأجنبية على العربية لا لمؤهلاتها بل لاعتبارات أخرى. لا يمكن إهمال الدور الذي لعبته الحكومات العربية في الانحطاط الذي تعيشه المنطقة. لكن واقع الحال يكشف أن الأزمة لا تقتصر على مشكلة الحكم وغياب الإصلاحات الديمقراطية وعدم الالتزام بحقوق الإنسان من قبل السلطات الحاكمة، على أهميتهاـ فحسب. الأزمة، كما يبدو، تتعدى أمور الحكم إلى أزمة أخلاقيـّة وفكريـّة تطال المكوّنات الأساسيّة في الشخصيّة العربيّة، وتبرر الشكّ في البديهيات والمسلمات جميعا بما في ذلك القيم السائدة، الموروث منها والمستجد. عندما اندلعت فضيحة سجن أبي غريب في ربيع عام 2005، رافق انتشار الخبر في الصحافة الغربية تغطية إعلامية صاخبة في الصحف العربية وغضب شعبي عارم في الشارع العربي يدين انتهاك حقوق الإنسان العراقي على يد قوات التحالف. وفي الحين الذي استمرت فيه الأوساط الأمريكية في مساءلة أجهزتها عن ما حدث في سجن أبي غريب، بهتت تغطية الفضيحة في صفحات الإعلام العربي ثم تلاشت مع تلاشي ردة الفعل الشعبية للخبر؛ المذهل هو أن أحدا لم يطرح قضية سجناء الضمير في السجون العربية والانتهاكات المعروفة لحقوقهم الإنسانية في المعتقلات! 4. الوصاية النخبوية الوصاية النخبوية على القيم باسم التنوير والدفاع عن الحقوق يقوض ارتباط النخب بالقاعدة ويلغي مبدأ المساواة. الوصاية النخبوية تفترض في النخبة أحقية وجدارة وأفضلية غير مبررة، فيتحول داعية الحرية والعدالة الى طاغية بإسم الحرية والعدالة، والمفكر الى منظر أو سياسي فاشل معزول عن تطلعات القاعدة الشعبية وقضاياها وهمومها. ولكم هي عديدة المشاريع الثورية في الوطن العربي التي فقدت أهميتها الشعبية فتحوّلت خطاباتها المعزولة عن تطلعات المجتمع الى خطابات فارغة وتهويمات عقائدية وشعارات طوباوية لا تلامس الواقع بشيء. السلوك النخبوي لا يطرح آراء أواقتراحات تستفيد من النقد والمساءلة والتقويم، لكنه يطرح حقائق مطلقة في اعتباره، يجب تبنيها بدون نقد أو تشكيك لعدم توفر الوعي اللازم للإستيعاب والفهم لدى العوام. لأجل ذلك كان لابد من الوصاية على الجماهير لأنهم لا يعرفون مصلحتهم. مشكلة السلوك النخبوي هو أنه يفتقر الى المرونة والتجدد والإبداع المتوفر في النظم الفكرية الغير مغلقة حيث يقوم بالمشاركة أوسع طيف وأكبر عدد ممكن من الخبرات والثقافات والإهتمامت. فحصر القرار بيد نخبة متشابهة في القيم والتوجهات يحرم المجتمع من التطوّر والتطوير الناتج عن النقد والمساءلة، ومن الإبداع الناتج عن اصطدام الأفكار وتزاوجها. والمراقب للوضع العربي يلاحظ أنه بالرغم من كل ما حدث ويحدث على الساحات السياسية والاجتماعية، فإن الفكر العربي النخبوى ما يزال يتمسّك بمسلمات نفذت صلاحيتها بسبب تغيّر الإحتياجات الشعبية العربية، وتبدل المعطيات السياسية على الصعيدين العربي والدولي. والطريف في الأمر هو تمخّض الأحداث المعاصرة عن فئة نخبوية جديدة، ولدت منفصمة تماما عن الشارع العربي واهتماماته، هي فئة الليبراليون الجدد. هيمنة هذا النمط من الوصاية النخبوية على العوام أدى إلى شل فاعلية النخب المثقفة في المجتمع. الخروج من هذا الطريق المسدود يستوجب معرفة النخبة المثقفة لموقعها الإجتماعي، وإدراكها أن أهميتها تأتي من كونها جزء من حركة المجتمع ومكوناته لا من كونها جزيرة منعزلة تنأى بنفسها عن بحر تصادمه وتناقضه اللامتناهي، وان المعرفة القائمة على واقع المجتمع وحركته لابد أن تترجم الى مشاريع وحلول حيوية منحونة من صلب معانات المجتمع، متطلباته واحتياجاته. 5. الحساسية من النقد تعاني الشخصية ومن ثمّ المؤسسات العربية من أزمة الحساسية المفرطة من النقد. النقد هو آلية المساءلة، وهو الخطوة الضرورية للإصلاح. بدون نقد، تقف الحركة الفكرية وينعدم التطوير. من الطباع المتأصلة في الفرد العربي المعاصر، للأسف، هو أنه لا يقبل الإختلاف بسهولة. في ظل قيم تعلي من شأن الأنا وتهوّن من شأن الآخر يبدو أقل اختلاف مدعاة لنزاع وإصطدام يمكن أن يخرج الأفراد عن هيبتهم إلى غلواء الطيش والجهل، أو ما هو أنكى الى الإقتتال وإهراقة الدماء. هذا ما كثـفه محمود درويش عندما عالج اختلافات الناس في الشرق قائلاً: وربما تقتلني أو أقتلك إذا اختلفنا حول تفسير الأنوثة فكيف بنا إذا اختلفنا حول فهم العالم أو الحياة أو الدين أو السياسة. ربما أننا لن نكتفي بأن نقتل المتورطين مباشرة في الصراع الفعلي بل ربما سنقتل أقارب المتورط وجيرانه وأبناء عشيرته الأقربين والأبعدين. ومن هذه الناحية فإننا نفعل بالضبط عكس ما اقترح فولتير:"ربما أختلف معك إلى حد التناقض، ولكنني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لكي تقول رأيك بحرية". الله درّ فولتير كم هو العالم العربي بحاجة الى أمثاله اليوم. كيف يمكن للتعددية الديمقراطية أن تنمو في مناخ يرى في اختلاف الآراء شذوذ بحاجة الى تقويم، ويرى في النقد عدوان يجب أن يـُرد ويـُردع. في هكذا مناخات تتحول الديمقراطية من وسيلة للتطوّر والتطوير، ومن آلية لخلق الحلول وصهر القناعات والتوجهات، الى ديكتاتورية أغلبية تفرض آرائها بقوة التفوّق العددي. يكفي القول أن الحساسية من النقد هي السبب الرئيسي في انتهاك حقوق الإنسان في الوطن العربي، والمحرّض الأول على حشو السجون العربية بسجناء الضمير. 6. فكر القطيع فكر أوثقافة القطيع هو تعبير يصف حالة فكر جماعي يسير بانتظام قطعان الماشية في اتجاه الزخم السائد. فكر القطيع ظاهرة ومعضلة تواجه فكر المجتمعات والشرائح الشعبية، كما أنها تصيب النخب والمجموعات بما يسمّى بالفكر الجماعي (groupthink). يعتبر الفكر الوجودي والفردية من أهم الإنجازات البشرية في التاريخ على الإطلاق. هذه التطورات لم تبن الأسس الفكرية اللازمة لتقديم مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان فحسب، بل أنها أوجدت الأسس الضرورية للديمقراطية ذاتها. لا يمكن تصور ديمقراطية لا تقوم على الفردية وحرية التفكير. ثقافة القطيع هي الوعاء الذي يشمل الطائفية والعشائرية والتعصّب الحزبي والإيديولوجي بكلّ أشكاله وأنواعه. ذلك لأن حركة القطيع لا تتوافق بطبيعتها مع الحريات، ولا يمكن أن تسمح للفرد بالمناورة الا في مسار القطيع ذاته. ذلك قد لا يكون عن عجز في قدرة الفرد على التفكير والقرار، لكن عن استحالة الحركة الا في المسار القائم بسبب زخم الكتلة ومشاق أو مخاطر السباحة عكس التيار. ثقافة القطيع لا يمكن ان تفرز الا السلبية، فالإيجابية هي موقف فردي للإنسان بوصفه كيانا مستقلا بذاته لا عضواً من أعضاء القطيع. والإستقلال الفكري هو ما يمهّد لمفهوم المواطن على نقيض فكرة "الشعب" (القطيع) الذي يسوسه نظام شمولي (راع). هذه االثقافة تعبّر عن استسلام ورضوخ الفرد تحت وطأة أشكال عديدة من الترويض الفكري، ويمثـَل تسليم هذا الفرد الإختياري لحرياته ومشيئته الى رعاة القطيع. ثقافة القطيع في العالم العربي تظهر في عصا الشرطي الغليظة التي تمزق حق الاحتجاج السلمي، وفي بندقية مستعدة لإطلاق النار على أبناء الشعب لحفظ الأمن والإستقرار. وتظهر في الهلع الذي يصيب أي فرد عربي تم استدعائه الى فرع المخابرات، وفي وجوه محبطة خائبة وهي تستمع الى أخبار آخر هزيمة عسكرية عربية أو مجزرة دموية تم ارتكابها ضد الآمنين العزّل في ركن من أركان الوطن الجريح. المثير للجزع هو أن ثقافة القطيع هي من أهم المبادئ التي تربي الأحزاب والحركات العربية النهضوية أعضاءها عليه، والتي يتم ربطها بمفاهيم الوطنية والولاء. الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - الكندي - 09-05-2006 نور الدين العويديدي - لندن يُثار منذ أعوام العديد من التساؤلات عن مدى التزام التيار الإسلامي بالخيار الديمقراطي لحل مشكلة السلطة وشرعية الحكم في الدول العربية والإسلامية، ومن ثَمّ مدى مشروعية مشاركة هذا التيار في الحياة السياسية. كما تُطرح التساؤلات بشكل متزايد عن العوائق، التي تقف في وجه انتقال العرب والمسلمين من نظم الاستبداد السياسي إلى نظم ديمقراطية تطمح شعوبنا إلى الوصول إليها، ولكن دون طائل.. فما عوائق التحول الديمقراطي العربي والإسلامي؟ وهل الحركة الإسلامية عائق في وجه الديمقراطية؟ وهل العلمانية شرط ضروري للديمقراطية؟ قراءة النوايا باستثناء عدد محدود من الأقلام، التي دافعت عن مشاركة الحركات الإسلامية على قدم المساواة مع غيرها من القوى الأخرى في الحياة السياسية، عمدت أغلبية الكتابات السيارة في الصحف والمجلات ومنابر الحوار والنقاش، أو تلك المعمقة التي صدرت في كتب وبحوث دراسية، إلى الدعوة إلى استبعاد الطرف الإسلامي من المشاركة في الحياة السياسية، بحجة عدم تبني هذا التيار للخيار الديمقراطي، واتهامه بالسعي لإحياء الحكم الديني، وفرض النموذج الاستبدادي الثيوقراطي (الذي تكون السيطرة فيه لرجال الدين) على الشعوب العربية والإسلامية. وفسَّرت معظم تلك الكتابات استعداد التيار الإسلامي للانخراط العملي في المناسبات الانتخابية المختلفة في دول متعددة، بأنه مجرد تعويل على الانتخابات للوصول إلى السلطة، بعد أن أقفلت في وجهه الطرق الأخرى، ومن ثم الانقلاب على الخيار الديمقراطي، وإقامة الدولة الإسلامية التي تتناقض، بحسب رؤية أصحاب تلك الكتابات، مع الدولة الديمقراطية. ولقد شهد الوضع العربي، وخاصة في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن المنصرم، مع صعود التيار الإسلامي في أكثر من بلد عربي وإسلامي - وخاصة الجزائر التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بمعظم مقاعد الدور الأول من انتخابات 26 ديسمبر 1991م - موجة عاتية من التشكيك في تبنِّي التيار الإسلامي للديمقراطية. وصدرت بحوث ودراسات كثيرة عمدت إلى رصد تصريحات مسؤولين في جبهة الإنقاذ، تتحدث عن رؤيتهم للدولة الإسلامية، وتعلن رفضهم للخيار الديمقراطي، وجرى تعميمها على اعتبار أنّها تمثل تصورات ومواقف كل قادة الإنقاذ، ثم جرى في وقت لاحق تعميم هذه المواقف على بقية القوى والفصائل الإسلامية في الجزائر وخارجها، وتم بذلك وضع جميع التيارات الإسلامية - بالرغم من الاختلافات بينها فيما يخص التعامل مع الموضوع الديمقراطي - في سلَّة واحدة، وصُنِّفت جميعها باعتبارها قوى معادية للديمقراطية!. وهكذا جرى تنميط القوى الإسلامية المختلفة، وأقيمت قراءة غيبية في نيات قادتها، وتأويل استعدادها للمشاركة في العملية الانتخابية في مختلف الأقطار التي توجد فيها، باعتبارها مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة. ومن ثَمّ صدرت أحكام قاطعة، اعتمادًا على تلك القراءة في النوايا بأن هذه الحركات ستعمد إلى إلغاء العملية الانتخابية، وستتشبث بالبقاء في الحكم بالقوة بعد الوصول إليه بالانتخاب، وأنها ستلغي المعارضة، وستفرض حكمًا دينيًّا ثيوقراطيًّا، واستبدادًا مدعومًا بالدين هو أخطر من أنواع الاستبداد الأخرى كافة، باعتبار أنه سيكون محروسًا بالمقدس، وقائمًا على أسس لا تقبل الجدال والنقاش بحسب تلك القراءة. وكانت الخلاصة النظرية والعملية لهذه القراءة في النيات ولهذه الأحكام هي التأكيد على ضرورة إقصاء التيار الإسلامي من الحياة السياسية، وحرمانه من العمل العلني والقانوني، ومنعه من المشاركة في العملية الانتخابية؛ حتى لا تتكرر تجربة الجزائر من جديد. تباين في التجارب العربية وبالرغم من أن هذا الموقف لم يجد تجسيده الكامل سوى في بعض الدول العربية؛ إذ سمح للتيار الإسلامي بالعمل القانوني والمشاركة في الانتخابات، بل حتى المشاركة في السلطة لفترة محدودة في دول، مثل: الأردن، واليمن، والكويت، وتركيا، والمغرب، ولبنان، فإن خيار الإقصاء كان هو الخيار الأكثر اتساعًا، وكانت له نتائج مدمِّرة في بعض البلاد العربية، وعلى رأسها الجزائر التي لا تزال تعاني من حرب دامية بين السلطة وبعض القوى الإسلامية المسلحة. وتتمايز المواقف بين دعاة خيار إقصاء التيار الإسلامي في الدرجة، فهناك نموذج الإقصاء المخفف، وهو يقوم على حرمان التيار الإسلامي من العمل القانوني، مع تجاهل نشاطه، وغضِّ الطرف عنه أحيانًا، وتسليط موجات محدودة من الاعتقالات في صفوف كوادره وناشطيه، وهذا هو النموذج المصري في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، وإن كانت مصر قد شهدت حربًا لا هوادة فيها على الجماعات الإسلامية، التي حملت السلاح ومارست العنف. وهناك نموذج الإقصاء المغلظ أو المتطرف، وهو قائم على الاستئصال والحرب الشاملة ضد التيار الإسلامي. وقد تدرّج هذا النموذج من محاولة تجفيف ينابيع التنظيمات الإسلامية إلى تجفيف ينابيع التدين والدين ذاته، باعتباره التربة التي تعشِّش فيها الحركات "الأصولية المتطرفة"، بحسب زعم بعض منظِّري هذا الاتجاه في التعامل مع الحركة الإسلامية. وتجسَّد هذا الطرح الاستئصالي المتطرف بدرجات مختلفة في كل من التجارب التونسية، والسورية، والليبية، والجزائرية، وذلك بالرغم مما حملته التجربة الجزائرية من تناقض وتلفيق وانتقائية في التعامل مع القوى الإسلامية؛ إذ عمدت السلطة إلى الاعتراف ببعض الجماعات الصغيرة أو الموالية لها، وتشريك بعضها في الحكم، في حين عمدت إلى شنِّ حملة شعواء على القوة الإسلامية الرئيسية في البلاد: الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي مثَّلت في يوم من الأيام بديلاً ناجزًا للنظام الجزائري. الإسلاميون والعلمانيون والديمقراطية يستند الطرح الاستئصالي - كما سبق التوضيح - إلى حجج مفادها أن التيار الإسلامي تيار معادٍ للديمقراطية بطبيعته، ويعتبر عائقًا من عوائق حصولها وتقدمها في بلداننا. وتبرِّر عمليات الاستئصال - كما حصل في التجربة التونسية والجزائرية - باعتبارها مقدِّمة ضرورية لتحقيق الديمقراطية في غياب الطرف "الأصولي المعادي لقيم الحداثة والمعاصرة"، أو باعتبارها خطوة ضرورية "للحفاظ على الجمهورية"، وحماية المجتمع من "غول الأصولية الزاحف". فإلى أي حدٍّ يصلح هذا القول؟ يقع بعض الدارسين في عدد من الأخطاء والمغالطات عند حديثهم عن العلاقة بين الإسلام والحركة الإسلامية والديمقراطية، وهم يطلقون هنا الأحكام جزافًا وارتجالاً، ويجري تعميم تلك الأحكام المتسرِّعة على مختلف تيارات الحركة الإسلامية، بالرغم مما بينها من فروق واختلافات في مقاربة الموضوع الديمقراطي، وهو ما يكشف في الواقع عن عدم إدراك أولئك الدارسين لتلك الفروق، وجهلهم بما يكتب في الساحة الإسلامية في هذا الموضوع. فبعض الباحثين يُصِرّون على دمغ الحركة الإسلامية بمعاداة الديمقراطية، بمجرد تبنيها لتطبيق الشريعة في الدولة الإسلامية التي تنشدها، دون أن يدركوا ما طوَّره التيار الإسلامي من خطاب، يجعل من تطبيق الشريعة الإسلامية مطلبًا شعبيًّا يمرُّ عبر الإرادة الشعبية والاختيار الحر، ولا يتم فرضه على الناس فرضًا. وهذا جهل منهم بما أقامه هذا التيار من تصور يقوم على النظر للديمقراطية باعتبارها جملة آليات لتنظيم علاقة السلطة السياسية بالمجتمع، ولتنظيم عملية التداول على الحكم، ولكن ضمن ثقافة شعوبنا وعقائدها وموروثها الديني والثقافي، وعلى رأسه الشريعة الإسلامية. إن هؤلاء الباحثين يعتبرون الإسلام والحركة الإسلامية العائق الأبرز أمام التحول الديمقراطي في الدول العربية والإسلامية، ويرجعون عدم إقبال تلك الدول على النهج الديمقراطي إلى الثقافة الإسلامية، وإلى ممانعة الحركة الإسلامية للتوجُّه الديمقراطي، وعملها على تعويقه. ولا يقدِّم هؤلاء أدلة شافية من الثقافة الإسلامية، ولا من تجربة الحركة الإسلامية للتدليل على هذه المسلّمات التي يردِّدونها باستمرار. إن هؤلاء الدارسين يغفلون جهلاً أو عمدًا العديد من البحوث الجادة والمعمقة التي كتبها بعض الغربيين، مثل: الأمريكي "جون سبوزيتو"، أو تلك التي كتبها كتاب ومفكرون عرب ومسلمون، مثل: الدكتور محمد سليم العوا، والشيخ راشد الغنوشي، والشيخ فيصل مولوي؛ ومفادها أن الثقافة الإسلامية لا يمكن أن تكون عائقًا من عوائق الديمقراطية، وأن لديها الكثير من القابلية والقدرة على التعايش مع الثقافة الديمقراطية، بل المساهمة في تطويرها، وتلافي النقائص التي اعترتها في التجربة الغربية. إن العديد من هؤلاء الباحثين يقيمون تلازمًا حتميًّا بين العلمانية والديمقراطية، ويعتبرون العلمانية شرطًا للديمقراطية، وتراهم يتحدثون عن التيار العلماني باعتباره تيارًا ديمقراطيًّا بالضرورة وبالتعريف؛ مغفلين أن العلمانية في أوروبا لم تكن في يوم من الأيام قرينًا ملازمًا للديمقراطية، فقد عرفت أوروبا تجارب علمانية فاشية ونازية وشيوعية، وهو ما يعني أن العلمانية لا تجلب وراءها الديمقراطية بالضرورة. كما أن التجربة العربية والإسلامية مع العلمانية تثبت - بما لا يدع مجالاً للشك - أن دولنا وشعوبنا عرفت العلمانية مقترنة منذ البداية بالقمع والاستبداد والتسلط؛ فهي جاءت إلينا على حراب الدبابات، ومدافع المستعمر، وجيوشه، وبوارجه الغازية، ولم تخترها شعوبنا عن طيب خاطر، وجرى تهميش النمط الإسلامي في الحكم في الأغلبية الساحقة من بلدان العرب والمسلمين. لكن العلمانية لم تجلب لنا الديمقراطية، بل جلبت لنا أشكالاً معقَّدة من الاستبداد والتسلط، وتجربة كمال أتاتورك في تركيا، والحبيب بورقيبة في تونس ما زالت ماثلة للأذهان، وتبرز كيف عمدت الدولة في التجربة العلمانية الأولى في دار الإسلام والعروبة إلى التدخل في عقائد الناس وملابسهم وهيئاتهم، وشكَّلت ما يشبه محاكم التفتيش الكنسية لفرض نمط من العيش، والثقافة، واللغة على الناس بالقوة. عوائق الديمقراطية إن تصوير الإسلام والحركة الإسلامية باعتبارهما عائقًا أمام التحول الديمقراطي عربيًّا وإسلاميًّا، وفي المقابل اعتبار كل ما هو علماني ديمقراطيًّا، يجري بالتوازي وبشكل شبه آلي مع تجاهل التساؤل عن العوائق الحقيقية للديمقراطية في العالم العربي والإسلامي؛ فما العوائق الحقيقية للديمقراطية في البلاد العربية والإسلامية؟ أ – عوائق خارجية: تكمن في دعم قوى دولية وإقليمية مهيمنة على المنطقة لأوضاع الاستبداد، والحرص على حمايتها؛ حفاظًا على مصالحها التي لا يمكن حمايتها إلا في أجواء الاستبداد والتبعية والتناحر الداخلي. ففي أجواء ديمقراطية حقيقية لا يمكن أن تسمح شعوبنا بتمرير منطق التبعية، والإلحاق الحضاري، والتطبيع مع العدو الصهيوني. ويستطيع الدارس أن يلمس ذلك من مؤشرات عديدة: ففي استطلاعات الرأي، وفي العديد من الانتخابات الطلابية والنقابية، وحتى البرلمانية التي وقعت في الدول العربية، كشفت شعوبنا عن ميل جارف نحو التيارات المعادية للصهيونية وللإلحاق الحضاري بالغرب؛ ولهذه الأسباب تحُول القوى الدولية المهيمنة بين العرب والمسلمين والديمقراطية؛ لأن الديمقراطية تعني لديها انقلابًا في موازين الوضع الراهن الذي صُمِّم بعناية على امتداد زمني طويل؛ لرعاية مصالح تلك القوى المحمية بالأساطيل العملاقة والجيوش الجرارة. ب - عوائق داخلية: ترجع في معظمها إلى لحظة ولادة الدولة العربية الحديثة من رحم الدولة الاستعمارية، وهو ما جعل هذه الدولة تحافظ غالبًا على النمط نفسه من العلاقة بين الدولة الاستعمارية وشعوبنا العربية والإسلامية، وهي علاقة قائمة على الصراع والتنابذ الحار أحيانًا، كما في الحالة الجزائرية، والبارد أحيانًا أخرى كما في معظم الدول العربية والإسلامية، وهو ما لا يسمح بإقامة تجربة ديمقراطية. فانفصال النخب الحاكمة عن شعوبها، ونظرها إلى تلك الشعوب باعتبارها شعوبًا قاصرة ومتخلفة تحتاج إلى غسيل دماغ، وإلى أن تتغير ثقافتها وعقليتها، فضلاً عن انتشار الفساد في الأوضاع العربية، واقتران الحكم بالتمتع بكل الامتيازات والثروة، واقتران المعارضة بالتهميش والاضطهاد والمتابعة. كل ذلك يجعل الحاكم العربي غير مستعد لإقامة ديمقراطية حقيقية؛ لأن معظم الحكام سيجدون أنفسهم خارج السلطة ومغانمها، وربما في السجون، أو على شفرات المقاصل، أو في أحسن الأحوال في المعارضة ومغارمها. ولا بد أن نسجِّل ضمن العوائق أيضًا أن بعض القوى الإسلامية لا ترى الديمقراطية مطلبًا من مطالبها، وأخرى تعادي الديمقراطية وتعتبرها كفرًا، وترى في محاولة إقامتها استجلابًا لنظام غير النظام الإسلامي، بل لنظام كفر بواح. لكن هذه القوى أقلية جدًّا في الصف الإسلامي العريض. وهي بالرغم من معارضتها للديمقراطية يمكن استيعابها ضمن ديمقراطية جادة وحقيقية؛ لأن الديمقراطية ربما تكون أقدر الأنظمة السياسية على الاستيعاب. أما العمل على استئصال تلك القوى، وإغلاق كل أبواب التغيير في وجه القوى الاجتماعية الحيَّة والفاعلة، وسيطرة نماذج للديمقراطية الديكورية في معظم الدول العربية والإسلامية، فمن شأنها أن تُيَئِّس الناس من التغيير عبر صناديق الاقتراع، وبالطرق الشرعية والديمقراطية، وهو ما يمثل العائق الأساسي أمام الديمقراطية، وهذا ما يجعل من إقامتها أمرًا عسيرًا الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - إبراهيم - 09-06-2006 مجهود جبار وممتاز وتستحق الشكر الحار عليه وإن كان لي عليه بعض التساؤلات ولا أريد أن يُساء فهمي.. بس لي فضول: قريت مقالة أنيس فريحة عن العرب والديموقراطية في كتابه دراسات في التاريخ؟ لو تريدها ممكن أعمل لها سكان وأرسلها لك لو تحب. (f) الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - الكندي - 09-06-2006 لا أريد أن أجهدك عزيزي ابراهيم. لكن الفضول قتل القطة كما يقال (f) الديمقراطية وعوائقها في العالم العربي - إبراهيم - 09-06-2006 تؤمر يابو حميد(f). سيكون عندك المقال قريبا جدا وأتمنى أن أسمع رأيك both opinion& critique فيه متى توفر عندك الوقت. |