حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
الاتهامات المتبادلة بين الأرباب: "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي" - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58)
+--- الموضوع: الاتهامات المتبادلة بين الأرباب: "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي" (/showthread.php?tid=16636)



الاتهامات المتبادلة بين الأرباب: "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي" - arfan - 07-04-2006

الاتهامات المتبادلة بين الأرباب ليست "إعلامية" فقط، بل هي جوهر الموضوع العقائدي للمذاهب الإسلامية. وإن التسمية الجامعة حول كلمة الله ليست غير تسمية شكلية، تتطابق مع التسمية الدينية لهذه المذاهب حينما تكون هناك صورة إعلامية للتعبير عن وجهات النظر الشكلية في رأي المذاهب بعضها ببعض. وإن بعض المذاهب تتجاوز هذا الشكل الإعلامي، الذي كان منضويًا تحت مسمَّى "المصلحة العليا للدين"، إلى تكفير بعض المذاهب، بل الإفتاء في تحليل قتل معتنقيه جماعيًّا، دون أية رحمة من الرب الذي يؤمنون به: "تعرض عليهم التوبة، فإن لم يتوبوا فتكون دماؤهم حلال وأموالهم من الفيء."

هذا ما يتبنَّاه المذهب السلفي، أو ما يسمَّى بالوهابي أو "التكفيري" أو غيرها من التسميات، معتبرًا المذهب الشيعي والصوفي وباقي المذاهب مذاهب ضالة ومنحرفة عن الدين الأصل. ويتصرف المذهب الشيعي (أو الرب الشيعي) مع باقي المذاهب بالسلوك نفسه في إزاحة باقي المذاهب عن الانتماء إلى الأصل الديني، ولو أنه أقل حدة واندفاعًا من الربِّ السُّني أو السلفي حول الصراع التكراري والمستمر على مفهوم "الأصالة". ويبقى هذا المفهوم عائمًا وغير محدد، على الرغم من أن المصادر واحدة للرجوع إلى النظام الاستنباطي العقائدي والتشريعي لمنظومة المذاهب نفسها.

وفي عملية قراءة التاريخ المذهبي والسلوك الجمعي للمذاهب، نرى أن الاختلاف ليس في عملية المسمَّيات والمصادر الأولى للنظام الداخلي للمذهب، بل في حقيقة التكوينات الربوبية للمذاهب حول تشكيل الربِّ الذي يُعبَد. والاختلاف الجوهري في التكوين، وفقًا لقواعد سلوكية وكيفيات ظهورية، متعلق بالمزاج والتذوق والمعرفة وحتى بالصفات. وإن الصراع القائم ليس على الأصالة والحفاظ على التراث الديني الأصل، بل هو صراع أرباب، تكوَّنوا وفقًا لضرورات تاريخية ومعرفية، وتشكَّلوا ضمن حوادث تاريخية مرت بالدين الواحد، بحيث صار رب كلٍّ من هذه المذاهب لا يقبل أرباب المذاهب الأخرى، بل يرفضها كليًّا. وليس هناك ما يميز أصالة واحد عن الآخر لأن مفهوم "الأصالة"، كما ذكرنا، هو مفهوم عائم وينتمي إلى السياق اللغوي المليء بالتضمينات والتأويلات اللامتناهية تبعًا للمصدر الأول نفسه، وهو القرآن الكريم، بما هو كتاب لغوي ودلالي مطلق التقديس لتمثيله لمدار الوحي ولحقيقة الخطاب والمعنى الإلهيين.

وكما ذكرنا، فإن معنى الألوهية معنى لا يمكن حصره أو تجميعه في ما يسمَّى بالديانات التوحيدية إلا على مستوى الخطاب التبادلي بين هذه الحقيقة الإلهية وبين "النبي" الناقل لهذا الخطاب. لهذا يتحول الله، بالمعنى الإطلاقي للكلمة، إلى لغة مقدسة لا يمكن المساس بها، لأنها أول السمات الواضحة لهذه الحقيقة المطلقة التي تحولت إلى كلمات وجُمَل وعبارات لغوية تحمل من الترميز والتجريد ما لا يمكن حصر معانيه في أغلب خطاباته. وتلك العملية المعقدة من إحراز اللغة الربوبية في القرآن إحرازًا واضحًا أدت إلى انفلات المعنى الأول والتماسك الإطلاقي والتوحيدي في الديانة الواحدة نفسها. ومن حقيقة هذا الانفلات والتشتت لوحدة الرب الأول، أو بالأحرى، من مفهوم التوحيد نفسه، تتكون القدرة الهائلة على إنتاج أرباب متعددين، لأن هذا المفهوم نفسه ينطلق من التجريد المطلق القابل لاحتواء أيِّ شي وانقسام أيِّ شي من دون أن يؤثر على مفهوم المطلق نفسه: فهو التجريد اللغوي والمعرفي الذي تتمخض حقيقتُه الذاتية ذاتها عن أرباب متعددين يحملون هموم المعترضين أو المشككين ومشكلاتهم في تأويل الشكل الظهوري للربِّ أو الامتيازات التي يتمتع بها أو الشكل السلطوي في قيادة رحلة الدين الواحد.

بذا يمكن القول بأن الربَّ الأول الإسلامي يتصف بالقدرة الذاتية على إنتاج أرباب آخرين نظرًا لقربه من المعنى الإطلاقي الأول والمجرد، على الرغم من وجود الدعوة الشكلية، في المذاهب الإسلامية كلِّها، إلى الانتماء للرب الواحد. وهذه القدرة الذاتية لمعنى الربِّ الواحد المجرد، المتكون من نصوص لغوية ودلالية متعددة المعاني والأغراض، وفَّرتْ إمكانيةً غير مدرَكة للإنسان لصنع أربابه الذين يمثلونه على وجه الدقة، نظرًا لوجود ثغرات معرفية وواقعية في المعنى الشمولي أو في إدراك المتدينين لهذا المعنى الشمولي الذي غالبًا ما يتحول إلى سلطة إطلاقية وحاكمية إلزامية توجب على الآخرين اتِّباع شمولية المعنى وتسليم المحتوى الزمني لديهم برمَّته والاستيلاء على جميع مفردات زمن المتدينين والتحكم فيه، أكان يمثل الزمن الدنيوي أو الأخروي، وذلك على الرغم من جميع التحولات الهائلة في رحلة الإنسان ومن تراكم التراث الديني، بكلِّ ما يحمل من انتصارات وهزائم للإنسان، حتى أصيب هذا التراث الربوبي بالتخمة والانتفاخ المعلوماتي المكرِّر للسلوك والمعرفة.

على هذا الأساس، كان من الإلزام الوجودي والواقعي انشطار مفهوم الرب الواحد واستقلال الأرباب وانفرادهم في معتقدات تتماشى مع تكوينات جديدة من المعرفة أو السلوك تتلاءم مع واقع معيَّن. وقد تمت هذه العملية مباشرة بعد موت النبي الذي يُعتبَر الشكل الجامع لحضور الرب بين معتنقيه الذي تحوَّل بعد موت النبي، كما ذكرنا، إلى الشكل اللغوي المقدس في الكتاب والسنَّة اللذين تجسد فيهما الشكل الحضوري للرب. ومن خلال هذا الشكل وإمكانية تجريده إلى ما لا نهاية، تكوَّن الصراعُ بين الأرباب وادعاء كلٍّ منهم أنه يمثل لطريق الحق والأصالة الأولى للشكل الربوبي الموحي للخطابات الإلهية المقدسة التي تحولت، بفعل الزمن، إلى الشكل الربوبي المعبود.

ويمكن تحديد هذا التراكم في الصراع القائم كلِّه، ليس على مستوى اختلاف العقائد، في شكل عام، أو تحديد مدار التفاصيل الدينية، في شكل خاص، بل في قيامة التكوين والمعرفة المنجَزة في التشكل الأول للرب بعد وفات النبي محمد. والصراع القائم هو صراع الأرباب المستقلين عن هذه القيامة التكوينية والمعرفية في نحت الربِّ الديني وفقًا لصياغات تتلاءم مع القوة التأويلية، ليس للمعرفة الدينية وحسب، بل وللقوة الإلزامية المتعلقة بالنماذج القيادية المرافقة للفعل النبوي ورحلته، المتمثلة في النخبة الأولى المرافقة للنبي، كالصحابة في تكاتفهم للحفاظ على الشكل الأول للرب وفقًا لإدراكهم وطموحاتهم الإيمانية والتاريخية.

لكن هذه المحاولات كلها لم توقف الانشطار الربوبي؛ بل إن الفعالية نفسها في الحفاظ على الشكل الأول للرب هي، في حدِّ ذاتها، عملية انفصالية لتحديد سمات ربوبية جديدة وفقًا لقياسات نخبة متفقة على تفسير رحلة النبي واقعيًّا أو تأويل النص المقدس معرفيًّا. وهذا الرب الجديد يُشحَن بكلِّ الإمكانات المقدسة من النماذج الإيمانية الأولى، وحتى من الشواهد النصِّية المقدسة، من أجل قيامته التكوينية وهيمنته المعرفية وبسط نفوذه على باقي الأرباب من الديانات الأخرى والمذاهب والملل والنحل إلخ. وإن هذا الصراع لا يمكن أن ينتهي إلا بنهاية الآخر ودماره كليًّا.

وهذه الحقيقة الصريحة هي مدار الواقع المعاصر والمعيش مع المذاهب الإسلامية التي نحتت أربابَها من خلال المسيرة الإيمانية لشكلانية المذهب القائم على خلفيات تاريخية ووقائع لأفراد لهم حضور مقدس في بداية الظهور الديني، أو لجماعات تكونت لها أمزجة وتذوق ديني خاصة بها. وهذا ما حدث في الرب الأول نفسه الذي تشكَّل وفقًا للسياق نفسه على يد الأنبياء.

ويبقى الأمر قطعًا محصورًا في المعنى الإلهي المطلق. ولا يخلو أي ربٍّ في المذاهب من الزيادات والحذوف والإضافات على الشكل الربوبي، حتى لا يشبه ربٌّ الربَّ الآخر في باقي المذاهب إلا في التسمية العامة، كما ذكرنا؛ وتنعكس حقائقه وسلوكياته على سلوك معتنقيه ومن خلال تراثهم ومسيرتهم التاريخية ورؤيتهم لشكل الحياة الدينية. ومن خلال هذا التراكم كلِّه، ينمو "النظام الداخلي" للمذهب نفسه.

وإذا ما سألنا عن سبب هذا الاختلاف أو الاستقلال عن الرب الواحد في الديانة نفسها أو حتى في مذهب بعينه، يكون منشأ هذا الاختلاف عادةً في تركيبة الديانات الكتابية الأولى التي تعتمد الكتب المقدسة كمصدر وحيد وإلزامي، ليس على مستوى الفرد وحسب، وبل على تفاصيل التشريع القانوني والسعي إلى تعميمه كسلوك جمعي بالقوة. وهو تراث لغوي هائل يحمل ما يحمل من العلامات والرموز والإشارات القابلة للتأويل والترميز. وأصل المشكلة في عمومية الكتاب واختزال الحياة، في أبعادها الوجودية والتاريخية كلِّها، في كتاب واحد شامل يصلح للإنسانية قاطبة، مما يسبب تخمة معرفية وتشريعية وتأويلية لكثير من نصوصه، تؤدي في النهاية إلى الانفجار الهائل الذي يولِّد المذاهب والملل والنحل. وهذه العملية الانفجارية في الدين نفسه سببها الأول عدم تطور الديانات مع السياق التاريخي والزمني للإنسان، بل توسعها في الدائرة الدينية نفسها؛ مما يسبب هذه التخمة التي لا يمكن حلها إلا في تكوين أرباب آخرين قادرين على حمل معارف وتأويلات وسلوكيات تتماشى مع التغيرات التاريخية والزمنية للإنسان والتحديات التي تواجه الدين نفسه. وتتكرر العملية نفسها في المذهب الواحد نفسه الذي يسير وفقًا للمنهج التوسعي نفسه للدين الأول وفي المدار نفسه، حتى يصل إلى عجزه عن تحمُّل هذه التوسعات إلى ما لا نهاية.

فالصراع القائم بين المذاهب الإسلامية ليس صراعًا عقائديًّا أو فكريًّا أو خلافيًّا حول المصادر أو الأصل فحسب، على الرغم من أن الصورة العلمية والأكاديمية توحي بذلك، بل إن الصراع هو صراع ربوبي للمذاهب نفسها. لهذا لا نرى لقاءً حميميًّا وإنسانيًّا للمذاهب نفسها في أية دائرة واقعية وسلوكية، بل نرى بالأحرى الاختلاف في الرؤية الإنسانية بعضها لبعض، على الأصعدة الواقعية كلِّها، حتى التوحش والعداء، لاعتقاد أصحاب المذاهب بأن الربَّ الذي يعبدونه هو الحق والآخر هو الباطل، ولحرصهم على حصر هذا الصراع في هذين المعنيين (الحق/الباطل) من أجل الاحتفاظ بالسلطة المركزية للربِّ المذهبي، كونه هو الحق، بينما باقي الحقائق التي تدَّعي الربوبية هي الباطل.

لا بدَّ هنا من القول بأن هاتين الصفتين (الحق/الباطل) عائمتان، ولا يمكن حصر معانيهما في أيِّ شكل واقعي، نظرًا لعدم وجود أيِّ مصداق سلوكي يرتبط بالإنسان عمومًا، بل يرتبط بالإنسان الذي يتبنى هذا المذهب حصرًا أو يؤمن به. وتنتمي هاتان الصفتان إلى العقل الإيماني المتمركز على ثوابت، معظمها في مدار التخيل والحس المتوهَّم والمنطق الاستهلاكي غير المنتج وغير المنتمي إلى الفعل التاريخي انتماءً صارمًا. والأديان والمذاهب كلها تدَّعي الحق لها؛ فهي، في صراعها مع باقي المذاهب أو الديانات، في شكل عام، وفي تكوُّن عقائدها ومعارفها وحقائقها وشخصياتها، تتلبس الحقَّ المطلق: ففي حروبها يكون "قتلانا" شهداء، مثواهم الجنة التي أُعِدَّتْ لهم أصلاً لأنهم الحق (بينما الآخرون، هم وأربابهم، باطل)، و"قتلاهم" في النار التي أُعِدَّتْ للكافرين أو المخالفين أو المرتدين أو الملحدين الذين لهم عقاب واحد، وإن اختلفت معاييره، إلا أنه الموت والخزي والعار في الدنيا والنار في الآخرة!

ومن خلال هذه الثقافة الدموية الواضحة في ترتيبها، لا يمكن لهؤلاء الأرباب الركون إلى السِّلم مطلقًا مادامت رحلتهم التاريخية تمتلئ بالأبطال والشهداء الذين مضوا والذين ينتظرون دورهم في البطولة والشهادة، أو الذين ضحوا لنصرة المذهب والدين وقدموا أنفسهم قرابين لربِّ المذهب والدين. فهذا التجييش الهائل كله من الشخصيات التاريخية والمؤمنين المعتنقين في قوة للرب المذهبي – هذا التجييش الذي يستتبع الفناءَ التام لكلِّ إبداع إنساني داخل منظومة هذه الربوبية وتبنِّي ثقافة الإزاحة والتوحش والتدمير كسلوك تبادلي بين الأرباب – لا يدعو هؤلاء الأرباب إلى نشدان الصفاء والسِّلم والأمان، ولا يمكِّنهم أن يعترف بعضهم ببعض، لسبب بسيط جدًّا هو أن أيَّ ربٍّ لا يرضى ولا يقبل أن يزاحمه أي ربٍّ آخر على مملكته التي هي العالم كله، من الديار إلى العباد، التي تمَّ تقسيمها، بحسب الولاء والانتماء إلى الربِّ، إلى "دار كفر" و"دار إيمان"، كما تم تقسيم العباد إلى "مؤمن" و"كافر"، وهكذا إلى ما لا نهاية له من التقسيمات بحسب رؤية الرب والصفات التي يتمتع بها واقعيًّا وسلوكيًّا ومزاجيًّا وذوقيًّا، المتأثرة حتمًا بالعوامل الحضارية والذوقية والأخلاقية وبطبيعة العباد المعرفية والعقائدية والسلوكية.

وهكذا يتم، بالتالي، تقسيم الصفات المتعلقة بالتسمية الجامعة للدين الأول – وهو الله – وتبعيضها وفقًا للرؤية المذهبية، أو بالأحرى وفقًا للرب المذهبي، كما يتم توزيع إرث الله على باقي أرباب المذاهب ومعتنقيهم: يتم تطبيق جميع الصفات القهارية أو التي بها سلطة قهرية وتنفيذها عليهم (كالمهمين والقهار والرقيب والقوي والمميت والقيوم والمتعالي والضار والمُذِل) – والصفات كلها تطبَّق واقعيًّا على الآخرين وتمارَس ممارسةً سلوكية مباشرة أو غير مباشرة؛ بالإضافة إلى الصفات الأخرى المهينة في الكتاب (القرآن الكريم) على العباد المنحرفين والفاسقين والفجَّار والكفار والمرتدين والمشركين والضالين عن طريق الحق. والآيات التي تدعو إلى قتل المشركين والكفار والظالمين ستطبَّق بحق على باقي المذاهب فعليًّا إنْ توفرت الفرصة، أو يؤجَّل تطبيقها لحين ظهور الواقع الموضوعي لإخراجها أو توفُّر الضرورة الواقعية لتطبيقها تطبيقًا فعالاً ومؤثرًا ومبرَّرًا ومدعومًا بالنصوص المقدسة. وقطعًا سيكون من حصَّة المذهب الذي يدَّعي الحق باقي الصفات الإيمانية العظيمة التي يتصف بها المؤمنون في طريق الحق (كالصالحين والمجاهدين والصدِّيقين والأولياء والمتوكلين والتائبين والساجدين والراكعين والكرماء والصابرين والوارثين للحق).

هذه العملية التأويلية للنصوص الأولى كلها هي في الحقيقة، كما ذكرنا ونكرر، تراث سلوكي لأرباب متعددين لنقل الخطاب الغيبي، بحسب المصطلح الديني، من خلال الترجمة النبوية لهذا الخطاب وفقًا لسياقات لغوية متصلة بلغة النبي وسلوكه الذي سيصبح في ما بعد، بدوره، تراثًا لغويًّا من خلال الأحاديث والفعاليات السلوكية للنبي والمرافقين له في بداية تكوين الديانة والتابعين والمقيمين على حفظ التراث الديني من الانقراض – هذه الفعاليات كلها ستصبح تراثًا هائلاً من اللغة والمفاهيم قابلة للتفسير والتأويل. وبالنتيجة، تتكون الأرباب من خلال العملية التأويلية نفسها للُّغة وصراع المفاهيم. وستمارس هذه العملية التأويلية الدور الداعم لكلِّ عملية انفصالية لتكوين رؤية ربوبية جديدة مرتبطة بفعل تاريخي خارج النمط الربوبي الأصلي.

ومن خلال عملية تعدد الرؤى وتكثُّر التأويلات، تتكثَّر الأرباب زمنيًّا وتاريخيًّا. لذلك نرى أن الإسلام، من حيث الشكل الظاهري وكفى، مرتبط في التسمية العامة الجامعة للمسمَّى الديني (الإسلام)، بينما هو في الحقيقة مجموعة من المذاهب والملل والنحل. وكل مذهب وملة وفئة دينية معينة لها "رب" ذو صفات سلوكية ومعرفية مختلفة اختلافًا جذريًّا أو مختلفة في بعض التكوينات. وهذه المجموعة من الأرباب يحتدم بينها صراعٌ فكري وعقائدي، وحتى جسدي، في عملية متواصلة ومستمرة لإثبات مصداقية ربوبيتهم وانتمائهم التمثيلي لحقيقة الرب الأول (الله). وكذلك فإن المذاهب كلها تدَّعي تمثيل حقيقة النبي وسلوكه وفعله وانتمائه للحقيقة الإلهية.

والأدلة على أن الصراع المذهبي في الإسلام صراع أرباب هو التراث الهائل من الكتب "الخلافية" التي هي في الحقيقة بيان لحقيقة الربوبية المذهبية. وإن التراث الهائل من الكتب الخلافية والعقائدية هو شكل طبيعي لفعل الزمن وتطور الحياة؛ لكنْ يؤخذ من الأطراف كلِّها على أن هذا الخلاف هو خروج عن الأصل الأول للدين. لهذا يجب على كلِّ مذهب إثبات ادعائه أنه يمثل الحق المطلق للأصل. وهذا التراكم الادعائي، الذي جنَّد عقولاً هائلة من أهل المذاهب المختلفة بذلت جهودًا فكرية ودفاعية لإثبات هذه الحقيقة الانتمائية للأصل الأول – هذا التراكم استهلك في هذه العملية طاقةً كبيرة، غير منتجة واقعيًّا، وليست لها أية ثمرة معرفية رئيسية غير إثبات مصداقية الرب المذهبي أو أصالة تشكيل هويته الحضورية في الواقع الإيماني. ولو تضافرت هذه الجهود العقلية والسلوكية في إنتاج أنماط سلوكية متطورة مع حركة الحياة والعالم ومعارف واقعية قابلة لحلِّ مشكلات الإنسان الروحية وتهذيب السلوك الإيماني لتطوير القدرات الربوبية على المشاركة الفعلية وعلى تطوير مفاهيم الإنسان عن الحياة الوجدانية والغيبية، لكانت أجدى من الضياع في متاهات الصراعات المفهومية غير المنتجة أصلاً إلا لشكل واحد هو التوحش الديني.

وهذه الصراعات حول المفاهيم تمثل المحور الأساسي لأصل الصراع الفكري والعقائدي بين المذاهب، الذي غالبًا ما تحول إلى صراع دموي عبر التاريخ وترك ضحايا من الأطراف كلِّها عبر التاريخ، ومازال إلى يومنا هذا، وسيستمر حتى تهدأ نفوس الأرباب – هذا الأمر الذي لن يكون على ما يبدو إلا من خلال رؤية الإنسان لتاريخه المرير في المدار الديني للأديان كلِّها في شكل عام وللإسلام في شكل خاص. ونقول "الإسلام في شكل خاص" نظرًا لتوقف الرب الأول في هذا الدين عن التطور على أيدي معتنقيه، ولتضخُّم هذا الرب وتوقف القيمة الإبداعية عند لحظة ظهور هذه الربوبية فقط، حتى انشطر إلى أرباب لمذاهب شتى تحت مظلة المسمَّى الديني نفسه. وإن التراث الإسلامي الديني كلَّه، في دائرة النصوص الدينية، يعاني تخمة فكرية وعقائدية هائلة لفداحة التقديس المفرط لتلك النصوص وعدم السماح لأيِّ فكر إبداعي باستخدام هذه النصوص لبناء قواعد ونُظُم تتوافق مع الضرورة الوجودية والسلوكية للإنسان ومع جعل الإنسان المحورَ الوجودي للعطاء والإبداع والتقدم، بعدم تسخير حياة الإنسان وموته للمسمَّيات الأولى للظهور الديني. إذ إن على الدين تقديم العطاء والإنتاج الفعلي والتطوري لحاجات الإنسان الروحية والمادية ولتكامله الإنساني. وإن أيَّ تضخم فكري أو عقائدي، ديني أو دنيوي، يؤدي في النتيجة إلى انفجار هائل، يؤدي، بدوره، إلى استهلاك الدين نفسَه بنفسه، وبالتالي، إلى ممارسته سلطةَ السحق والتدمير للإنسان والقيم االمنتِجة للخير، كالأمان والسلام والمحبة، وتبنِّيه اللغة القهارية، كالتوحش والإزاحة والتدمير.

http://www.maaber.50megs.com


الاتهامات المتبادلة بين الأرباب: "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي" - arfan - 07-04-2006

يشترك "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي" في عوامل أساسية مشتركة، لكنه يختلف معه في أساسيات سلوكية وتفاصيل إيمانية، وله ملامح خاصة في التعامل مع الحياة؛ وكذلك من حيث انتماؤه للأصل الديني والرب السلفي، نسبة إلى "السلف الصالح" لصحابة الرسول الأوائل، بحسب التعبير الاصطلاحي للمذهب. ويُعتبَر الرب الشيعي والصوفي المنافس العدوَّ الألدَّ للرب السنِّي، في شكل عام، وللرب السلفي، في شكل خاص. ومع أننا أكملنا بحثًا منفردًا عن الصفات السلوكية للأرباب في المنظومة الدينية للإسلام في الزمن المعاصر، فسنستعرض جزءًا من هذه الصفات العامة للأرباب الثلاثة استعراضًا موجزًا. فمن أهم هذه الصفات وأكثرها تأثيرًا على الواقع السلوكي والتاريخي:

1. تُعتبَر السلطة من أهم الصفات المركزية في السلوك الربوبي في المذهب السنِّي: فالسيطرة على هذه السلطة وممارسة التسلط والحاكمية من المتع الهائلة للرب السنِّي.

تُعتبَر هذه الصفة الشكل الطبيعي للمذهب السنِّي، من حيث هو يمثل الأكثرية في الإسلام ويعتبرها من حقوقه، كونه هو الحق: "لا تجتمع أمَّتي على باطل"، بحسب الحديث النبوي. لهذا فأهل السنَّة والجماعة هم "الفرقة الناجية"، وهي من صفات المذهب السنِّي بحسب الحديث النبوي: "لتأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل..."، إلى أن يقول الحديث: "وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملَّة، وتفرَّقت أمتي على ثلاث وسبعين ملَّة – كلهم في النار، إلا ملة واحدة. قالوا: ومَن هي، يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي." (رواه البخاري) ويعتبر أهل المذهب السنِّي أنهم يمثلون الرسول والصحابة وأن هذا الحديث يخصهم وحدهم. وهذا الحديث يُعتبَر من الأحاديث التي خلَّفت وراءها إشكاليات ومهالك لا تنتهي مادام هذا الحديث معتبَرًا عند كثير من المذاهب، مع بعض الزيادات بحسب رواة الأحاديث الثقاة لدى المذاهب. وتثير هذه الأحاديث جملةً من المشكلات التي لا حلَّ لها، وخاصة الأحاديث التنبؤية بمستقبل الحياة على الأرض، في شكل عام، والحياة في العالم الإسلامي، في شكل خاص. وقد تركت هذه الأحاديث هزائم للوعي الإنساني ومهازل فكرية وعقلية، وراح ضحيتَها كثيرٌ من الناس، أكانوا ضحايا التصفيات الجسدية بين المذاهب الإسلامية أو ضحايا انشغال العقول الإسلامية بمعرفة لا طائل من وراءها غير التوحش والتسافل والاستهلاك.

ومن صفات المذهب السنِّي "الطائفة المنصورة" بحسب الحديث: "لا تزال طائفة من أمَّتي تقاتل على الحق ظاهرًا إلى يوم القيامة." إنهم يعتبرون، كما ذكرنا، أنهم المثال الحقيقي للسلف الصالح. وهذه الأحاديث، مع بعض الزيادات واختلاف المصادر، تُعتبَر من الأحاديث المهمة في المذاهب الإسلامية جميعًا، وتملأ ما هو موجود من تفاصيل أو خصوصيات في هذه الأحاديث عن الشكل الربوبي لها، بحيث يعتقد معتنقو المذهب الشيعي، كغيرهم من الفِرَق الإسلامية، أنهم "الفرقة الناجية"، فيما باقي المذاهب الأخرى في النار. بل لقد حدث صراع هائل على هذه الأحاديث لإثبات كلِّ مذهب أن "حديث الفرقة الناجية" يخصه بالذات؛ بل أخذت على أن أمَّة محمد لا يمكن لها أن تكون المذاهب والطوائف الإسلامية كلَّها لأنها باطلة في الأساس، بل إن المذهب نفسه، أكان سنيًّا أو شيعيًّا إلخ، هو الذي يمثل للمسمَّى العام لأمَّة محمد، وهو الذي ينقسم ويتشظَّى إلى فِرَق، واحدة منها "الفرقة الناجية"، ويتشعب ويتفرع حتى يصل إلى الأفراد. وإن مجمل الأحاديث في هذا السياق يتسم بنزعات القتال والاستمرار في العنف بشكل مباح وفقًا لأنساق لغوية مفتوحة؛ ومن الممكن استخدامها وفقًا لأيِّ شكل من أشكال المواجهة مع الآخر. وليس هناك أي بديل آخر للمواجهة، وخاصة في الزمن المعاصر للإسلام واستثمار الأحاديث أو الآيات التي تدعو إلى الاستمرار في القتال في سبيل الله، حيث لا يُعرَف بالدقة أي سبيل يتخذه المسلمون، نظرًا لتعدُّد السبل واختلافها على المسمَّيات المقدسة نفسها التي حُذِفَت تمامًا الضرورةُ التاريخية لإيجادها أو الضرورةُ الواقعية لاستخدامها في زمن النص وإطلاقها إلى مدى غير محدد، أي إخراجها من سياق الواقع والتاريخ وجعلها من المبادئ المحورية في الإسلام لإثبات صحة المذاهب وولائها للأصل الديني والنص المقدس في زمن الرسول.

2. يميل الرب السنِّي ميلاً واضحًا إلى الانتماء الأتم إلى الروح العربية، بأبعادها السلوكية كافة، المتمثلة في الجزيرة العربية بشكل أساسي، كونها مهبط الوحي الإسلامي والمكان الأول للظهور الديني للإسلام؛ ناهيك أن فيها الكعبة، بيت الله وقبلة المسلمين وأكثر الأماكن قدسية عند أتباع الرب السنِّي، وكذلك باقي البلاد العربية التي تتفاوت انتماءاتها للروح العربية نفسها، بحسب العادات والتقاليد المشتركة واللغة الواحدة.

ويعتبر الرب السنِّي هذا الانتماء إلى الروح العربية من المقدسات التي تمثل الشكل الأول للظهور الديني في بلاد الجزيرة العربية. لذا نرى الربَّ السنِّي يركز على تمثُّل هذه الروح، ويتعاضد تعاضدًا كاملاً مع هذه الثقافة القومية ويحاول دعمَها بجميع الوسائل المتاحة، من الآيات التي تمثل الروح العربية في الصفات والتعامل مع مفردات الحياة والمزاج العربي في الملبس والمأكل والأفراح والأحزان والتعامل مع الغرباء. أي أن الرب السنِّي، بكلِّ وضوح، يمثل المزاج العربي التام في التعامل مع الحياة، مع بعض التطورات التي حصلت فيها.

وبما أن المذهب السنِّي يمثل الأغلبية في الإسلام، فإن البلاد غير العربية التي تنتمي إلى المذهب السنِّي تحاول، قدر المستطاع، التقرب من الشكل العربي في الحياة أو التعامل مع الحياة في العادات والتقاليد الإسلامية السنِّية في السلوك، كونها هي الأصل النبوي للإيمان الديني بحسب اعتقادهم. ويعتبر الرب السلفي هذا الانتماء إلى الروح العربية من أكثر الشعارات قدسية لديه؛ بل يتحتم على المسلم اتِّباع الشكل الأول للحياة العربية في زمن الرسول، كونها تمثل عنده أقدس الفترات وأكثرها حضورًا وتوهجًا لوجود النبي فيها، أولاً، ولأنها من أكثر الفترات ازدهارًا للحضور الإسلامي وأكثر الفترات "عدالة" في نظره، ثانيًا. فالانتماء إليها يمثل الانتماء إلى الشكل النبوي وفعاليته الحياتية آنذاك. وهذا المذهب يقلِّد أشكال الحياة كافة في زمن الرسول تقريبًا تقليدًا سطحيًّا، وخاصة المزاج العربي في اقتناء الأشياء والملابس وطريقة التعامل مع مفردات الحياة والتعامل مع المرأة والأطفال والآخرين من ديانات أخرى. ولا يختلف تعامُله إطلاقًا عن شكل التعامل في زمن الجاهلية قبل النبوة، مع إضافة الشدة والتزمُّت والعصبية إضافة مفرطة: فالرب السلفي يعشق السلطة، بأشكالها كافة، ويضيف إليها التطبيق الفعلي للقتل والإزاحة من خلال هذه السلطة على المخالفين له في الرأي أو الاعتقاد. الرب السلفي يكفِّر جميع المذاهب الأخرى تقريبًا، بل يفتي بقتل أصحاب بعض المذاهب وإزاحتها من الوجود. وأشد أعدائه الشيعة والصوفية، بشكل خاص، وباقي الديانات الأخرى، بشكل عام.

أما الرب الشيعي فإنه أقل حدَّة في تمثُّل الشكل الانتمائي للروح العربية المتمثلة في السلوك والتعامل مع مفردات الحياة، وإنْ كان معتنقوه من العرب حتى: فإن معظم هؤلاء المعتنقين لهم تراث وعمق حضاري فكري ومعرفي قبل الإسلام؛ فلم يكترثوا كثيرًا للشكل القومي للدين، على الرغم من تسرُّب الكثير من ثقافاتهم ومعارفهم القديمة إلى معتقداتهم وانصهارها في الشكل الديني خاصتهم. والرب الشيعي له أمزجة متنوعة ومختلفة وقابلة للتعايش مع جميع الأمزجة، وله القدرة على تسخيرها وفقًا لما يعتقد ويرى.

3. يشجع الرب السنِّي من خلال بعض النصوص المقدسة (الكتاب والسنَّة) معتنقيه على مهادنة الحكام إذا كانوا يعتنقون – ولو اسمًا – المذهبَ السنِّي، مع بعض التحفظات الدينية عليهم. ويجب أن تتوفر فيهم شروط، ولو ظاهريًّا، كون هؤلاء الحكام يضطهدون باقي المذاهب والملل والنحل، ولا يعترفون بها صراحة، وخاصة المذاهب المنحرفة عند الرب السنِّي، كالشيعة والصوفية.

ويخرج عن هذا الالتزام الرب السلفي الذي له امتداد وجذور واشتراك مع الرب السنِّي، لأنه يمثل الشكل القهاري له؛ إذ يعتبر الرب السلفي الحكام الذين لا يمتثلون لأحكامه وقوانينه أعداء لله والدين، ويجب محاربتهم بأيِّ شكل من الأشكال. ويُعتبَر الرب السلفي من أشد الأرباب في الإسلام وأقساهم؛ إذ يمثل ربَّ الحرب أو، بالمعنى الديني، "رب الجهاد في سبيل الحق"، الذي يتمثل فيه. ويحشد هذا الرب جميع الآيات والنصوص من الكتاب والسنَّة لتعميق ثقافة الحرب والصراع المسلَّح بينه وبين جميع مَن يخالفه الرأي أو النظر بالنسبة للدين الإسلامي الذي يعتبر الحق المطلق لديه في تطبيق كلِّ ما يحتوي الكتاب والسنَّة ومباشرة فعاليتها الظهورية على الإنسان والواقع بشكل سطحي أو بما هو موجود في التعبير اللغوي للنصوص، من دون تأويل أو تفسير يرتبط بأيِّ شكل خارج الشكل التاريخي لفترة النبي وصحابته والتابعين له بإحسان.

أما الرب الشيعي فهو يمثل الشكل المعارض للحكام والولاة الذين يحاولون تهميش وجوده، كونه (الرب الشيعي) يمثل الأصل النبوي لبيت النبوة الذين حُرِمُوا من ممارسة دورهم السياسي، وكذلك من تسلُّم السلطة التي كانوا أولى بها من غيرهم. ولقد مورستْ ضد هذا الاعتقاد أنواعٌ من الحرب والتدمير مازالت مستمرة إلى يومنا هذا.

4. يُعتبَر الرب السني من أكثر الأرباب اضطهادًا للمرأة، يتعامل معها كما كانت في الجاهلية، مع بعض الزيادات في الاضطهاد ومصادرة حريتها وتهميش دورها الحياتي والفعلي، وكذلك إبداعها، كونها تمثل النقص الوجودي والتسافلي في نصوص التكوين وخلق البشرية ومصدرًا من مصادر الإغواء والخطيئة، بحسب الثقافة المتدينة في فهم أوليات الخلق الأول وخروج الأب الأول للبشرية من الجنة الإلهية إلى الأرض.

تُعتبَر المرأة، بحسب التصور الديني الساذج والسطحي، السبب الرئيس للخطايا البشرية. فكأن التفكير الذكوري الديني يطلب لدى المرأة ثأرًا أبديًّا لخروج الرجل من الجنة! وهذه الثقافة الذكورية تنعكس انعكاسًا مباشرًا أو غير مباشر على السلوك الديني أو البدائي أو الأسطوري، لاعتبارات مختلفة أو لأسباب أخرى. وكذلك هناك كم هائل من الأحاديث أو إشارات في الكتب المقدسة إلى تسافُل المرأة أو التعامل معها بقسوة أو تحديد فعاليتها ونشاطها وحصره داخل حدود ضيقة جدًّا، على الرغم من أن الرب السنِّي يعشق المرأة من جهة الالتذاذ المادي وكذلك المتعة الجسدية، كونها مصدرًا من مصادر الإمتاع الذكوري وكون الرب السنِّي يتصف بالصفات الذكورية التامة. وهذا التصور موجود في معظم الديانات الأخرى والمذاهب.

أما الرب السلفي فيمارس أقسى أنواع التطرف في حقِّ المرأة، بعزلها تمامًا عن المحيط الذي تعيش فيه، وتجهيلها بكلِّ شيء، وإلزامها بأقسى العقوبات على أخطاء طفيفة، على الرغم من أن السلوك الفعلي للربِّ السلفي فيه الكثير من الشهوة والشبق تجاه النساء، حتى يبدو أن الرب السلفي يعاني من عُقَد تاريخية وأمراض اجتماعية ونفسية لا حصر لها!

أما الرب الشيعي فيشترك في تحديد دور المرأة تحديدًا أقل قسوة من باقي الأرباب، لكنه لا يخرج من دائرة التصور الديني لها، كونها "عورة"! وهو يختلف مع الرب السلفي والسنِّي في القسوة المفرطة الممارسة ضد المرأة وفقًا للنصوص التي يؤمن بها، فيعطي المرأة بعض الأدوار الحياتية، حتى في ممارسة السلطة، لكن وفقًا لضوابط معدَّة سلفًا لها.

5. يمثل الرب السنِّي الشكل الأحادي أو الدكتاتوري لممارسة السلطة، أو يشجع السلطات التي تتبنى هذا الشكل الاستبدادي، مستوحيًا هذا الفهم من النصوص المقدسة أو الشكل المدرَك للحقيقة الإلهية في الوجود أو الفهم الأحادي للرب أو الدين، كون هذا الاعتقاد هو الشكل الأوحد لقيادة الحياة والأصلح في تقديم الشكل الأمثل لها، وكونه يمثل المصدر الأساس للوحي أو المعنى الغيبي للوجود أو ما يطلبه الله من البشر، بحسب الفهم الديني لهذه التسمية.

ويتبنَّى هذا الفهمَ الرب السلفي، ويطالب باتخاذه بشكل واقعي وتطبيقي والسعي إلى تحقيقه على أرض الواقع، بالوسائل والسبل كافة، باعتبار أن هذا الرب هو الشكل العملي للرب السنِّي، مع زيادة في التطرف، أو "يده الضاربة في أرض الله". فعلى الرغم من أن الرب السلفي يختلف عن الرب السنِّي من بعض وجهات النظر التطبيقية، إلا أن هناك جذورًا مشتركة تجعله لا يمارس الإلغاء الكلِّي أو الفعلي على الرب السنِّي. بل إن الرب السلفي يشجع الرب السنِّي على اتخاذ سياسة العنف والتدمير، بحسب ما هو موجود في النصوص الأولى للدين، أو بحسب الفهم السلفي لهذه النصوص الكثيرة، التي يمثل شكلها الظاهري العنف والتدمير والتهميش لكثير من جوانب الحياة والواقع. لهذا تُعتبَر الحرب، أو التفنن في صنع الأعداء، من أفضل هوايات الرب السلفي وأكبر متعه، بما يضمن لهذه الربوبية حياةً وظهورًا أكبر وأوسع. لا يستطيع هذا الرب العيش من دون أعداء!

ويشترك الرب الشيعي مع هذه الرؤية الأحادية للسلطة، وكذلك مع الشكل الأوحد في تسلُّط النظام الديني على الحياة والتدخل في تفاصيل الإنسان الدنيوية. وعلى الرغم من اختلاف الشكل الظاهري للسلطة الدينية، إلا أن مضمون الحاكمية يبقى واحدًا عند الأرباب في المذاهب الثلاثة كافة.

6. ليس للعقل قيمة فعلية وتميُّز ذاتي للقدرة والقابلية المبدعة عند الرب السنِّي، بل هو يستخدم العقل كقدرة تابعة لضمان التصور المنطقي لسلوك الرب أو خادم يبرِّر الاختلافات والمشكلات الجمَّة في النصوص الدينية.

ويمارس الرب السنِّي نوعًا من التعسف والتسفيه للقدرة العقلية والإبداعية للإنسان كلما حاولتْ هذه أن تستقل عن المنظومة الدينية، أو لدى أية محاولة تشكيكية من الممكن أن تخلق نوعًا من الفهم المخالف للتصور الربوبي في المنظومة الدينية أو التماسك الشكلي للرب السنِّي. ويضيف الرب السلفي الإلغاء التام لأية مقدرة تأويلية أو فلسفية، ويشن حربًا تكفيرية على أية عقلية فلسفية من الممكن أن تجد لها منافذ معرفية تبيح التساؤل خارج سياق المنظومة الدينية، وكذلك لأية محاولة ثقافية أو إبداعية أخرى للإنسان في مجالات الفكر عمومًا.

ويختلف الرب الشيعي مع الأرباب الآخرين في اتخاذ تشجيع الفلسفة أو اتخاذها ضمن الأدوات المعرفية لإثبات صحة عقائده وأفكاره التي يُعتبَر الكثيرُ منها لا يمثل الشكل الظاهري للدين الإسلامي ويتخذ من التأويل أداةً لإثبات أحقِّية الأشخاص الذين يعتبرهم مقدَّسين ضمن مداره العقائدي، كالأئمة والأولياء. وهذا الاستخدام لمجالات فكرية مختلفة طوَّر أدواتٍ كثيرة في التعامل مع المشكلات الدينية وفقًا لتصوراته الخاصة للدين.

ويشترك الرب الشيعي مع السنِّي والوهابي في استثناء الشعر، بوضعه في دائرة المهمل والمفيد من التراث الثقافي والفكري، وخاصة الشعر المنظوم وفقًا للسياقات العلمية القديمة للشعر، الذي يمثل جزءًا مهمًّا من العقلية العربية الفكرية، ويتصف كذلك بالسياقات العلامتية نفسها للنصوص المقدسة، ويُعتبَر الشكل الأوحد للتعبير عن الحكمة العربية في سياقاتها اللغوية الأولى المرافِقة لِلُغة النصوص أو الداعمة لها. ويتغنى الرب السنِّي، وكذلك السلفي (ويشترك معهما الرب الشيعي في هذه الصفة)، بالشعر والشعراء الأوائل للعرب، كونهم الحصيلة الفكرية للتراث العربي، وبالأخص الشعراء في زمن البعثة النبوية الأولى وما بعدهم، ولأن التركيبة الشعرية للمعنى تخدم المعتنقين في إثبات قيمة اللغة العربية وإمكاناتها التخيلية والتعبيرية، التي من خلالها تظهر الصورةُ الإعجازية للنصوص المقدسة في الكتاب والسنَّة. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبَر الشعر العربي المكوِّن الأساسيَّ للشعارات المعتبَرة في التراث الديني التي يستشهد بها المعتنقون لإثبات مقدرتهم الفكرية والتخيلية؛ وكذلك يُعتبَر الشعرُ من التراث الذي يساعد على إثارة الفهم الأحادي للوعي والسلطة والحاكمية للدين. أما باقي العلوم فليست لها أية قيمة إلا في تقديم العون الفكري والتأييد العلمي لخدمة النص الديني. وإن الفقه وعلوم القرآن والحديث واللغة من العلوم الشريفة للإنسان المسلم الذي يسعى جاهدًا بتحصيلها إلى كسب رضا الأرباب في المجالات كافة.

ويمكن أن نواصل إلى ما لا نهاية تعدادَ الصفات السلوكية والتفصيلية في تاريخ الأرباب في المذاهب جميعًا، نظرًا لكثرة الوقائع التي حدثت في تراث الإسلام. وقد أفردنا بحثًا مفصلاً حول هذه السلوكيات على امتداد التاريخ الإسلامي، وخاصة المعاصر، في تقلُّبات الأرباب والأمزجة المختلفة والتذوقات لأشكال مختلفة من الحياة والواقع والعنف الذي مورس ممارسةً مباشرة أو غير مباشرة ضد الإنسان في أمكنة وأزمنة مختلفة.

والأرباب كلهم، في الديانات عمومًا، وفي الإسلام خصوصًا، في حرب مستمرة ضد المعنى الإنساني؛ إذ هي تحوِّل الإنسانَ إلى عدوٍّ لدود للرب في الديانات بعدما كان الجوهر الحقيقي للوجود والشكل الأمثل لصورة الله في العالم. وإن هذا التحول الكبير، وخاصة في زمننا المعاصر، يُعَدُّ أخطر التحولات في الفكر الديني للقضاء على كلِّ إبداع إنساني أو أية حقيقة وجودية قد تختلف مع التفكير الديني في إدراكها للحياة والعالم والوجود والإنسان.


متى تكف الأرباب وتقتنع – وخاصة في الإسلام – بعدم التدخل القسري في حياة الناس وتحديد حرياتهم ورسم وجودهم وفقًا لقراءات تعسفية للمعنى الإلهي في الوجود؟ متى تستريح الأرباب من حشد أبطالها وشهدائها وتجييش معتنقيها وحثِّهم على العنف والدمار وصنع القتلى الذين ماتوا من أجل "مجهول" لا يعلمه حتى أرباب المذاهب – قتلى من أجل شعارات لغوية مقدسة، قتلى ينتمون إلى أشكال من التاريخ قد مضت، لم يعد لها حضور فعلي إلا في ذاكرة الإرث الممزوج بأشكال مختلفة من الوهم التاريخي والإنساني؟

لم تفعل أرباب المذاهب طوال عقود كثيرة إلا ترجمة شرورها وقليل من الخير! ألم يحنِ الوقتُ لنرى ما يمتلكون من خير كثير؟ إننا نتمنى على الأرباب أن ينسوا مفهوم المزاحمة الوجودية. فالوجود يتسع لهم جميعًا إذا حاصروا مفهوم العداوة وأوقفوا تجنيد قدرتهم العظيمة لصناعة الأعداء إلى ما لانهاية.

http://www.maaber.50megs.com/issue_may06/s...spotlights3.htm


الاتهامات المتبادلة بين الأرباب: "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي" - arfan - 07-04-2006


شهد تاريخ المنطقة العربية القديم، الكثير من الصراعات، والثورات، ومن أبرز الخلافات التي أثرت على التطور السياسي الخلاف السني الشيعي، الذي أثرت انعكاساته السلبية، على تطور الدولة الإسلامية في بداياتها الأولى، وترك بصماته على العلاقات البينية داخل المجتمعات الإسلامية، لاسيما على طول الخط الفاصل بين العراق والخليج العربي من جهة والدولة الإيرانية من الجهة الأخرى.
كذلك في هذه المجتمعات الإسلامية، برزت ظاهرة الأقليات الدينية، فهناك أقليات شيعية في الخليج العربي واليمن وساحل شرق إفريقيا، كذلك هناك أقليات سنية في المنطقة الإيرانية.
أولاً: البعد الهيكلي البنائي:
- الشيعة: في البلدان العربية، يشكل الشيعة أغلبية تصل إلى 67% من سكان العراق، وحوالي 15% من سكان السعودية، حيث يتمركزون في الجزء الشرقي من المملكة حصراً، كذلك يشكل الشيعة أغلبية سكانية في دولة البحرين، وهناك وجود شيعي معتبر في لبنان وسورية.
- السنة: في البلدان العربية يشكل السنة أغلبية كبيرة في كل البلدان العربية، ماعدا العراق والبحرين، وكذلك ينقسم السنة إلى العديد من الكيانات الدينية الفرعية، وتتميز بشكل أساس بالطابع السلفي.

ثانياً: البعد القيمي:
على أساس اعتبارات معطيات الخبرة التاريخية، كانت المجتمعات الشيعية تقود الثورات، وهناك تسلسل كبير من وقائع الثورات التي قامت في مناطق الشيعة في بلاد فارس ضد الخلافة الإسلامية، كذلك يتميز الشيعة بالحركية الفكرية، والاجتهاد العقلي، واستخدام معطيات الفكر الفلسفي، الأمر الذي جعلهم في مواجهات دائمة مع العقل السني المحافظ، الذي يلتزم بمبدأ طاعة أولي الأمر، وأمراء المؤمنين، وعلى هذه الخلفية استطاع علماء الشيعة تشكيل العديد من المذاهب والمدارس الفكرية التي استطاعت بلورة المزيد من تيارات الاستنارة في حركة العقل الإسلامي.
الخلاف السني الشيعي، ظل طوال هذه الفترة الطويلة كامناً داخل البنى الفكرية للعقل العربي والإسلامي، وعلى أساس اعتبارات المبدأ الجدلي القائل بأن الأفكار عندما تملك ذهن الإنسان فإنه تتحول –ضمن شروط معينة- إلى قوة مادية، فقد ظل الشيعة يسعون دائماً إلى التغيير والتجديد بينما ظلت القوى السنية تعمل على أساس السياقات القيمية المحافظة التي أرساها ابن تيمية مؤخراً.
برز المشروع السني، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وذلك ضمن حركة الأخوان المسلمين، التي قامت كرد فعل على سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية، وذلك لجهة التأكيد على استمرارية المشروع الإسلامي، أما المشروع الشيعي، فقد بدأ بشكل قوي في الثورة الإسلامية الإيرانية، التي أعطت حركة النهوض الشيعي دفعة قوية.
كان للحركات السنية دوراً كبيراً في معارضة التيارات العلمانية في العالم العربي والإسلامي، وكانت الأكثر تحالفاً مع أمريكا والغرب، لاسيما في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينات من القرن الماضي. أما الحركات الشيعية فقد كانت الأكثر عداء لأمريكا والغرب، ويبدو أن ذلك العداء قد تعزز أكثر على خلفية الدعم الأمريكي الغربي للحكومات الخليجية وللحركات السنية.
في الفترة الأخيرة تبلور البعد القيمي بين التيارين، على النحو الآتي:
- المشروع السني: وتمثله بشكل أساسي حركات الأخوان المسلمين والتنظيمات الوهابية والسلفية وأنصار الاتجاه المدرسي الشرعي الإسلامي.
- المشروع الشيعي: وتمثله بشكل أساسي الكيانات الدينية الشيعية ومرجعياتها الدينية ومدارس الحوزات الدينية.

ثالثاً: البعد التفاعلي:
الصياغة السياسية للمشروعين السني والشيعي، تقدمت إلى الأمام، وأصبحت أكثر مؤسسية، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي.
- المملكة العربية السعودية:
تأكد وجود (حزب الله السعودي)، وذلك بعد قيامه بتنفيذ إحدى العمليات النوعية الكبيرة، عندما فجر مقاتلوه أبراج مدينة الخبر، وقتل 19 من عناصر القوات الجوية الأمريكية.
الخلافات والعداوات السنية –الشيعية في السعودية تعود إلى عام 1801م، عندما قام رجال القبائل الوهابيون بمهاجمة مدينة النجف الأشرف، والحقوا الكثير من الأضرار بمرقد الإمام الحسين، وبالمقابل قام الشيعة بالانتقام عام 1803م، عندما قام أحد رجالات الشيعة باغتيال عبد العزيز ملك السعودية، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، وبعدها استمر حدوث الكثير من المناوشات والمنازعات بين الشيعة والسنة في السعودية والخليج، وحالياً يتبنى شيعة المملكة السعودية وبلدان الخليج العديد من المطالب الاقتصادية فيما يتعلق باستحقاقاتهم من التنمية والثروة وعائدات النفط، بالإضافة إلى مطالبتهم بوجود ممثلين عنهم في هياكل الحكم والسلطة.
- لبنان:
يتمركز الشيعة في لبنان بشكل أساسي في جنوب لبنان، وفي مناطق طرابلس وبعلبك، ويشكلون ثالث أكبر كتلة سكانية، على أساس اعتبارات الاستفتاء الذي أجرته فرنسا في النصف الأول من القرن الماضي، وينص الدستور اللبناني، القائم على أساس المحاصصة الطائفية على أن يكون رئيس مجلس النواب من الشيعة، ومن أبزر تنظيمات الشيعة السياسية نجد حركة أمل، وحزب الله، وقد شاركت الفصائل الشيعية في الحرب الأهلية اللبنانية.
يتميز الشيعة في لبنان بمواقفهم الصلبة ضد المخططات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، أما المجتمع السني اللبناني، فقد أصبح موحداً بقدر كبير تحت قيادة الراحل رفيق الحريري، وإلى الآن لا زال العدد الأكبر من سنة لبنان يدعمون تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري.
والمراقب للأحداث في المنطقة يستطيع أن يرى أن هناك صراع سني –شيعي، أخذ بالتزايد منذ الوجود الأمريكي فيها، وسنقوم بتسليط الضوء على أطراف ودوائر هذا الصراع.

قوى الصراع وخارطة التحالفات:
* في العراق:
- الأطراف الشيعية: كتائب بدر، جيش المهدي.
- الأطراف السنية: الجيش الإسلامي في العراق، جيش محمد، جيش المجاهدين، تنظيم القاعدة في بلاد ما بين النهرين، إضافة إلى بعض الجماعات المسلحة التابعة لزعماء القبائل السنية.
* في لبنان:
- الأطراف الشيعية: حركة أمل، حزب الله.
- الأطراف السنية: تنظيم عصبة الأنصار، حزب التحرير، تنظيم القاعدة.
* في السعودية:
الأطراف الشيعية: حزب الله السعودي.
الأطراف السنية: جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجماعة الوهابية، الجماعة السلفية، أنصار السنة المحمدية، تنظيم القاعدة.
يجب الإشارة إلى أن القوى والأطراف المشار إليها، ليست هي الوحيدة في العالم العربي، بل توجد قوى أخرى منتشرة في كل البلدان العربية، تقريباً.. فهناك الجماعات الإسلامية الأصولية المصرية مثلاً.. مثل: تنظيم الجهاد، جماعة التكفير والهجرة، الأخوان المسلمين.
كذلك أوردت الأنباء وجود تنظيم يسمى جند الشام، بالإضافة إلى الكثير من التنظيمات الأصولية، التي أسستها مجموعات أمضت فترة مع المتطوعين الإسلاميين الذين كانوا يقاتلون في أفغانستان، وعادوا إلى بلدانهم العربية، وعملوا على تشكيل العديد من التنظيمات السياسية الأصولية السنية الطابع.
ويوجد أيضاً أطراف أخرى خارجية تعمل في المنطقة، تتمثل بشكل أساسي في إسرائيل، الولايات المتحدة، بريطانية، فرنسا، وبعض المنظمات الدولية الرسمية والدولية غير الحكومية.

دوائر الصراع:
برغم وجود العديد من الصراعات في العالم العربي، مثل الصراع الجزائري، والصراعات السعودية، والصراع المصري، والصراع المغاربي حول الصحراء الغربية، إلا أننا سوف نركز هنا على الصراعات السنية والشيعية التي تتضمن وجودواً سنياً شيعياً سياسياً مزدوجاً، وعلى أساس من هذه الاعتبارات، يمكن القول بوجود أربعة دوائر رئيسية للصراع في العالم العربي.
الدائرة الأولى: الصراع الفلسطيني
الدائرة الثانية: الصراع العراقي
الدائرة الثالثة: الصراع في منطقة الخليج والمملكة السعودية
الدائرة الرابعة: الصراع اللبناني
نلاحظ أن كل هذه الدوائر تتضمن وجود فصائلياً سنياً وشيعياً، على نحو ينعكس في ازدواجية خطابها السياسي والحربي، فالخطاب السياسي الشيعي في العراق ولبنان والسعودية يختلف عن الخطاب السياسي السني في المنطقة نفسها..

خارطة التحالفات:
تشير خارطة التحالفات إلى أوضاع تجريبية غير مألوفة، ففي الوقت الذي تقوم به المنظمات والحركات الشيعية مثل حزب الله، وحركة أمل اللبنانيان، وحزب الله السعودي، بمناهضة الوجود الأمريكي والإسرائيلي والمخططات الأجنبية، تجد أن المنظمات الشيعية في العراق أكثر سلبية، إن لم تكن متواطئة مع الوجود الأمريكي البريطاني.
كذلك، في الوقت الذي تقاتل فيه التنظيمات والجماعات السنية القوات الأمريكية والوجود الأجنبي في العراق، تجد أن الأنظمة السنية الموجودة في الخليج والكويت والسعودية تعمل على دعم الوجود الأمريكي...

إدارة الصراع وتوازنات المصالح:
* توازنات الأطراف الداخلية:
- دائرة الصراع الفلسطيني: تقدم التيار السني تحت زعامة حماس، وأصبح يسيطر على السلطة الفلسطينية، ولكن تيار حركة الجهاد الإسلامي المدعوم إيرانياً وشيعياً، ما زال يواصل حركته ومن المتوقع أن تزداد تعقيدات الحالة الفلسطينية، لاسيما وأن التناقضات الحادة العدائية بين الفصائل الفلسطينية لا تتجاوز حدود المناوشات، وذلك لأن هجمات إسرائيل تؤدي لتوحيد التيارات والفصائل الفلسطينية، وعلى أقل تقدير إلى تجميد صراعاتها.
- دائرة الصراع العراقي: تطورت الصراعات البينية العراقية –العراقية، على خلفية الموقف من الاحتلال الأمريكي، والمرجعيات المتعددة العلمانية –الدينية (السنية – الشيعية).
- دائرة الصراع في منطقة الخليج والمملكة السعودية: لا تزال الحركات ذات الطابع السياسي محدودة واقل تأثيراً، لكن هناك نفوذ كبير للحركات السلفية الدينية ذات الطابع السني.
- دائرة الصراع اللبناني: توجد في لبنان كل (البنيات التحتية) للصراع الداخلي، وعلى خلفية خروج القوات السورية من لبنان، عادت من جديد حالة الشحن والاحتقان والتوتر السلبي بين الأطراف اللبنانية.

* توازنات الأطراف الخارجية:
الدور الذي تقوم به الأطراف الخارجية، هو الأكثر خطورة في المنطقة، وذلك لأنها تفهم جيداً طبيعة وخطورة التقسيمات الاجتماعية والثقافية والدينية في هذه المنطقة، وهي تعمل على تحريك التفاعلات وفقاً لمعطيات هذه الحقائق المجتمعية.
الواضح تماماً أن البنية الاجتماعية العربية تختزن قدراً هائلاً من العنف الكامن والمتراكم على مدى مئات السنوات بين طوائفها الدينية وفئاتها الاجتماعية،

يشير هذا وبوضوح إلى نتيجة واحدة هي: تحريك العنف الكامن ضمن الجماعات السنية ليتحول إلى عنف سلوكي وظيفي ضد الجماعات الشيعية.. وبالتالي إشعال الحرب الأهلية.
أما بالنسبة للحالة اللبنانية القادمة، فلن تكون أفضل من ذلك، فإن ظهور الأنصار، ومنظمة القاعدة وحزب التحرير، كمنظمات سنية متشددة، ووضعها أمام حزب الله وحركة أمل الشيعيان، ثم قيام الأطراف الأجنبية بعمليات لتحريك العنف الكامن وتحويله إلى عنف سلوكي لاسيما بعد خروج القوات السورية، حيث أصبح لبنان ساحة مكشوفة لتلك الأطراف الأجنبية.
وبعد ذلك تكون المرحلة الأكثر خطورة، وهي نقل عدوى الصراعات العابرة للحدود، بحيث تتم عملية نقل العدوى إلى سورية، عبر ثلاثة محاور: المحور اللبناني، المحور العراقي، إضافة إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به الأطراف الدولية والأجنبية في دعم عملية نقل هذه العدوى عن طريق العقوبات والضغوط الدولية.



aljaml.com