حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79) +--- الموضوع: أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج (/showthread.php?tid=17022) الصفحات:
1
2
|
أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - عربية - 06-19-2006 [CENTER]تحياتي العطرة للزملاء الأعزاء و الزميلات العزيزات (f) هذه أشعار من ديوان الحلاج في الحب الإلهي , قام بجمعها لويس ماسينيون . :redrose: :redrose: أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - محارب النور - 06-19-2006 الحلاج جميل بشكل ..بعد ان قطعو كفية ..مسح بيدة المقطوعتين بوجه ..مسح بالدم على وجهة ..قالو له ماذا تفعل ؟. رد عليهم انه وضوء الالهي ..هذة صلاة العشاق ..عشق الحب الالهي .. جميل مرة كنت في مقبرة معروف الكرخي في بغداد ووجدت بيت قديم جدا ..مكتوب هنا دفن الحلاج ..مع اني اعرف انه احرق ..ممكن رمادة هناك او السجن الذي كان فية قبل صلب ؟. ولكن يا عربية ..ماسنيون اخطاء عندما قال ان الحلاج كان شيعي المذهب ,لان زوجتة كانت ابنه احدى قواد الشيعة في البصرة وصاحب ثورة ضد العباسين وبرء من التهمة عندما حوكم في المرة الاولى ..وبعض الروايات التاريخية تقول انه ادعى السفارة ..سفارة الامام المهدي ..ولكن اظن ان الرجل برحلتة الى هند وافغنستان تاثر بالراهمة ..وقيل ان هناك مراسلات بينه وبين هولاء الكهان ..وعندي بحث يقول انه كان يراسلهم عن طريق التلباثية .. لان السنين التي قضها هناك في تلك المناطق النائية تدرب فيها على تقوية قواه العقلية . محارب النور (f) أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - bassel - 06-19-2006 لويس ماسينيون أهم من قام بالتحقيق في سيرة و اشعار الحلاج .. يوجد لدي كتاب اشعار و طواسين الحلاج .. لكن لا أجد الوقت الى الآن لمسحه و رفعه :cry: جزيل الشكر لك عربية :wr: أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - bassel - 06-19-2006 الحسين الحلاج.. بين خيال الشعروشطحات التصوف ومآرب الإستشراق د.علي ثويني ـ معمار وباحث- ستوكهولم مازال اسم الحلاج يتردد على السنة العامة في الآسيتين الصغرى والوسطى وفي حلقات المتصوفة (البكتاشيين) ولاسيما في البلقان . وتتضرع ألسّنة النسوة له شفاعة عند الله من شر متربص لذريتهن أوحتى يبعد الخوف والبكاء عنهم . ومكث مريدوه قرون بعد صلبه على ضفة دجلة في بغداد ينتظرون ظهوره مبعوثا من السماء .أنه من أكثر الشخصيات العراقية المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي بالرغم من أننا لا نسمع الكثيرعنه في خضم زحمة الأسماء والأعلام والأئمة . هو أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج' رجل تناسته الأيام وغشت على اسمه غمامة الدهر واكتنف الحديث عنه غمز ولغط المتبارين في سجالات المشارب ،حتى كاد أن يكون أسطورة يتناقلها المتهامسون باطنا أو ظاهرا. وثمة تنويهات عنه هنا وهناك بسلب أو بإيجاب أو باقتطاف أو إسهاب . واليوم أعاده لنا وتقمص شخصه رجل فرنسي تناغمت بينهما السجايا وتداخلا روحيا حتى وسم لويس ماسينيون توأم الحلاج .لقد وجد الرجل في صاحبه الدفء والملاذ الذي يبحث عنه في ظلمة الروح المعتمة ،فوهبه الحظوة وأنار سيرته وأثاره ،و أعاد لنا إنتاج قصته من روافدها المشتتة التي أصبحت أشلاءا بين دفات الكتب والرسائل و أخبار أهل التصوف . يلفت النظر الاهتمام الذي أولاه رجالات الأستشراقي الغربي لهذه الشخصية البعيدة على عكس ما ألفنا قراءته او سماعه عن شخصيات الإسلام "المرموقة" من سلاطين وأمراء وفاتحين وفقهاء وعلماء ،حتى بدا لنا الأمر مختلفاً عما أريد "إسماعنا" . ووجد كل باحث عن مظالم التاريخ في هذا الرجل نموذجية الغبن والاضطهاد الفكري ،وغالى القوم في سردها، وتمادى أصحاب الأحاسيس المرهفة فشبهوه بسقراط أثينا أو غاليلو القرون الوسطى ومنهم من بحث له عن مخرج ومنهم من أعطاه الحق كل الحق ومنهم من رثا حاله وأعتبره ضحية مس من الجنون ورهط من المتزمتين تشفى به وأعتبره مارق وزنديق ..الخ . لقد اطلع مثقفو مصر والمغرب قبل أهل المشرق العربي على سيرة هذا الرجل تبعا لإطلاعهم المبكر على الثقافة الفرنسية ومكتوبات (ماسينيون) ، الذي عمل في العراق وعاش ردحا من الزمن في المغرب والجزائر ودرس ودرّس في مصر في أوائل القرن العشرين ووصل ذروة الاهتمام بقصة هذا الرجل الأسطوري حتى أماط اللثام عن تفاصيل دقيقة من سيرته. الحلاج والاسكندينافيون كل ذلك كان معقولا ، ولكن أن يقفز اسم الحلاج الى الصدارة في اهتمام أهل الشمال الاسكندنافي فهو حدث له دلالة واحدة هي عالمية الفكر الإنساني ومشاعية الثقافة وانطلاق المعلومة مثل إنتقال الهواء . الأمر الذي جعل أهم شعراء السويد (أنغمار ليكيوس) ينظم أجمل قصائده في ذكر هذا الرجل .حتى تكاد عندما تقرأها (ولاسيما بلغتها الأم) أن ينتابك شعور بأنك أحد الحاضرين لحظة إعدامه وينقلك فيها الى أجواء بغدادية لترثي حالها و حاله.وكانك تقف جنب إحدى النسوة التي أغمي عليها أو خلف رجل أطلق زفرة حزينة من أعماقه. و(أنغمار) هذا من فحول الشعر السويدي بالرغم من عدم وجود جذور عميقة للشعر في أعراف الشماليين ، ورثة (الفايكنك) ولكن حالته مع مجموعة أخرى من الشعر الاسكندنافي تشكل حالة فذه. وقد يكون أطلاعنا كعرب على الشعر السويدي شحيحاً،وبالمقابل فان اطلاع السويديين على الشعر العربي ليس ببعيد أمد .وتوجد اليوم حركة ترجمة للشعر العربي ومن الشعراء المحدثين المعروفين هنا (عبدالوهاب البياتي) و(علي أحمد سعيد(أدونيس)) . و الشاعر (أنغمار ليكيوس) العاشق الثاني للحلاج ولد عام 1928 في مدينة (كريستينا ستاد) جنوب السويد ودرس في جامعة لوند الواقعة على أطراف مدينة مالمو السويدية وحصل على شهادة جامعية بالأدب عام 1954 .وهو بالإضافة الى موهبته الشعرية فقد مارس الترجمة من الآداب الفرنسية والإسبانية وطرق النقد الأدبي وله إهتمام بأدب أمريكا اللاتينية إضافة الى اهتمامه بالإسلاميات . من دواوينه (طقوس أخرى )1951 و(نحو نور مجهول )1982 ، ولكن ما يهمنا هنا هو ديوانه (المسلك الصاعد) الذي صدر عام 1977 والذي نجد فيه ملامح عميقة للتأثيرات الإسلامية والعربية المنحدرة من اضطلاعه بقراءة الأدب الفرنسي والإسباني . ويمكن أن تكون قصيدته التي يصور فيها مصاب الحلاج من أجمل ما يمكن أن تعرب من شعره بالرغم من فقدانها لبعض دفقها الشعري كما هو حال الترجمات الأدبية. ونقرأ فيها: أيها الجدي الوحشي ! فجرٌ في بغداد، وشمس ملتهبة، ها هو حسين بن منصور الحلاج أيها الجدي الوحشي ! فجرٌ في بغداد، وشمس ملتهبة، ها هو حسين بن منصور الحلاج يسمو في معراجه الليلي . انتهت المحاكمة، والحلاج يقدم خارطة لفوضى الحقائق . من بوابة سجن يخُرج الزاهد ، ضاحكا تحت وَابل حجارة، راقصا في أغلاله. غنيمة بلا عدالة . أنظر إلى ذلك الممتلئ بالله ، وهو يعرض ِودّا في الأسواق ! أنظر كيف يشق طريقه وسط علماء متجادلين وبين متفرّجين متلهفين وجلادين متحمسين بينما يتصّاعد الغبار رَحمة.ً يا سّر الأسرار! أيها الحلاج ، يا من ذهبت من مكة، إلى كَشكَر، من بهروج إلى القدس، ها أنت تقف أمام البعد الخامس فالكعبة في أعماقك . (سيطير قلبك مثل نيزك، حجراً أبيض وشرارة فردوس ) ظل المؤذن النحيف يتهاوى عند ساحة المدينة . أوصالُك تقطع أربا أربا وأنت تغسلها في دمك قبل صلاة العصر. حين تغدو الشمس في سمت السماء سوف تكون أنت على الصليب ، شجرة الإبادة التي تمد فروعها مثل البرق ، شجرة(اللوتس) التي لا ينطق بإسمها . وعلى الأرض يمسك السياف بسيفه ، فيسقط رأسك متدحرجا ويستقر وجبهته على الأرض : الله أكبر! وتسّود الشّمس ويقذفُ الظلام شراره وتعانق الحسين بن منصور ألسنة لهيب لا إسم لها، وقد حول نفسه إلى هشيم ، خط معطر. وفى حين يتبدّد الرّماد من المئذنة ، تصدح صيحة من الغيب : أحد أحد ... أحد ... أحد ..أحد أخر كلمات كان يرددها الحلاج إنها صورة تشخيصية لحدث مضى عليه إحد عشر قرنا وتحديدا يوم الأحد الرابع والعشرين من شهر آذار(مارس) سنة 922م . ومن الصدف الغريبة أن هذا العام بالتحديد هو الذي أرخ لانطلاق الداعية المغامر أحمد بن فضلان البغدادي الى بلاد البلغار ثم عروجه الى اسكندنافيا ليكتب بعد ذلك إحدى أقدم الأخبار المكتوبة عنها. و تؤكد هذه القصيدة خيال (إنغمار) الملتهب الجامح ،عندما جسدها مرسومة بالكلمات. أنها ملحمة إعدام حياة الحلاج في ميدان من ميادين بغداد مدينته التي عاش في كنفها كاسبا الحضوة والمنزلة التي لم يطأها إلا القليل وأحبوه كثير من عامتها وخاصتها، ثم حدث أن هبط من علياءه حينما كفره بعض فقهائها وسيق الى المقصلة، ليأكد تقلب الدنيا في بغداد السلام أم التقلبات. يسمو في معراجه الليلي . انتهت المحاكمة، والحلاج يقدم خارطة لفوضى الحقائق . من بوابة سجن يخُرج الزاهد ، ضاحكا تحت وَابل حجارة، راقصا في أغلاله. غنيمة بلا عدالة . أنظر إلى ذلك الممتلئ بالله ، وهو يعرض ِودّا في الأسواق ! أنظر كيف يشق طريقه وسط علماء متجادلين وبين متفرّجين متلهفين وجلادين متحمسين بينما يتصّاعد الغبار رَحمة.ً يا سّر الأسرار! أيها الحلاج ، يا من ذهبت من مكة، إلى كَشكَر، من بهروج إلى القدس، ها أنت تقف أمام البعد الخامس فالكعبة في أعماقك . (سيطير قلبك مثل نيزك، حجراً أبيض وشرارة فردوس ) ظل المؤذن النحيف يتهاوى عند ساحة المدينة . أوصالُك تقطع أربا أربا وأنت تغسلها في دمك قبل صلاة العصر. حين تغدو الشمس في سمت السماء سوف تكون أنت على الصليب ، شجرة الإبادة التي تمد فروعها مثل البرق ، شجرة(اللوتس) التي لا ينطق بإسمها . وعلى الأرض يمسك السياف بسيفه ، فيسقط رأسك متدحرجا ويستقر وجبهته على الأرض : الله أكبر! وتسّود الشّمس ويقذفُ الظلام شراره وتعانق الحسين بن منصور ألسنة لهيب لا إسم لها، وقد حول نفسه إلى هشيم ، خط معطر. وفى حين يتبدّد الرّماد من المئذنة ، تصدح صيحة من الغيب : أحد أحد ... أحد ... أحد ..أحد أخر كلمات كان يرددها الحلاج إنها صورة تشخيصية لحدث مضى عليه إحد عشر قرنا وتحديدا يوم الأحد الرابع والعشرين من شهر آذار(مارس) سنة 922م . ومن الصدف الغريبة أن هذا العام بالتحديد هو الذي أرخ لانطلاق الداعية المغامر أحمد بن فضلان البغدادي الى بلاد البلغار ثم عروجه الى اسكندنافيا ليكتب بعد ذلك إحدى أقدم الأخبار المكتوبة عنها. و تؤكد هذه القصيدة خيال (إنغمار) الملتهب الجامح ،عندما جسدها مرسومة بالكلمات. أنها ملحمة إعدام حياة الحلاج في ميدان من ميادين بغداد مدينته التي عاش في كنفها كاسبا الحضوة والمنزلة التي لم يطأها إلا القليل وأحبوه كثير من عامتها وخاصتها، ثم حدث أن هبط من علياءه حينما كفره بعض فقهائها وسيق الى المقصلة، ليأكد تقلب الدنيا في بغداد السلام أم التقلبات. الاصل العراقي للحلاج وبالرغم من اقتران اسم الحلاج ببغداد فأنه لم يولد فيها وإنما ولد في أطراف واسط القريبة من جنوبها عام 858م في منطقة (البيضاء) التي يقال لها (الطور) وربما يكون ذلك الموضع يقع في تخوم (أهوار) العراق التي تدعى (البيضاء) حتى يومنا هذا,ويؤكد مسقط رأسه هذا المؤرخ (الاصطخري) الذي عاصره وذكر ذلك أبن الجوزي في (المنتظم) حيث ذكر(الحسين بن منصور المعروف بالحلاج من أهل البيضاء)،وهكذا فأنه عراقي المولد والمنشأ بالرغم من دعاوى البعض بفارسيته .ثم انتقل الى البصرة قبل وروده بغداد وهو في الثامنة عشر من عمره .. وأكتسب لقب الحلاج بسبب عمله في حلج القطن ومنه من ربط تلك الكنية بروحانيات التفاسير وأقرنها بالكرامات التي نسبت له ومنهم ولده أحمد الذي قال إنها واردة بسبب كلامه عن أسرار الناس وما يضمرون فدعي بـ(حلاج الأسرار) . قدم بغداد يافعا فكان مجبولا على طلب العلم فأصغى الى طبقات العلماء وجالس معاشر الصوفية والزهاد الذي كان قد انتقل فكرهم ودعاته إليها بعد استواء عودها في البصرة واختصاصها بالزهد أكثر من التصوف بعد ذلك. ولازم الشيخ (الجنيد بن محمد أبو القاسم الخزاز) والذي كان من أقطاب صوفية زمانه .ثم سعى في مناكب الأرض راحلا الى مكة حاجا مرات عديدة والى خراسان وأسيا الوسطى حتى وطأت أقدامة الهند واطلع فيها على أصول الفلسفة (الفيدية) واستمع الى نساك البوذية ودعى الى الصوفية أهلها الذين كانوا مستجدي عهد بالإسلام وفلسفته .وقد درس في سفراته علوم الطب والروحانيات والكيمياء والتاريخ وكذلك السحر، وأصبح قادرا على (التنويم المغناطيسي) .وكان تقيا ورعا دائب القيام شديد الصيام ، متنزهاً عن الملذات وكانت تأديته للشعائر ترافق إيمانه العميق ويحكى عنه انه كان يصلي يوميا أربعمائة ركعة وكان اعتقاده راسخا بأن الحقيقة الإلهية هي الأصل وكل طرق الوصول إليها هي سالكة دون تفريق أو تمييز أو غلو ،حتى تجرد عن الشللية المذهبية والعصبية الطائفية . وكان مذهبه سيان مع المعتزلة الذين أخذ عنهم فكرة تنزيه الذات الإلهية عن جميع الصفات الإنسانية وجميع صفات الحوادث .كما أخذ عنهم تسمية الذات الإلهية بأسم "الحق" وتلك الفكرة هي أخر ما يصل إليه الإنسان بطريق التنزيه .ولوان المستشرق (أدم ميتز) يعتبره قد اقتبس ذلك من الفكر (الغنوصي) أو (الأفلاطونية الجديدة) السابقة للإسلام. ومن أخباره انه كان يؤم المقابر ويصلى على قبور العلماء وخاصة (أحمد بن حنبل) وكان كثير الاستغراق في النوافل حتى يبلغ مقام الفناء فيتلاشى الحضور الواعي لجسده ، الذي يتحول الى شبه جثة لا تنبئ عن الحياة فيها إلا ظواهر النفس المتحشرج، وبعض الدم. ومما أعتقد به مؤمنا مدافعا هو: سيان بين النعمة والبلوى واللذة والعذاب وكان القربان الدائم هو جسده المرمي في حضرة الامتحان الدامي وإفناء الصفات من أجل التسليم المطلق للقدرة الإلهية. وكان يقرض الشعر ويشرح معتقداته في ثنايا بيوتها .فنجده قائلا. الاصل العراقي للحلاج وبالرغم من اقتران اسم الحلاج ببغداد فأنه لم يولد فيها وإنما ولد في أطراف واسط القريبة من جنوبها عام 858م في منطقة (البيضاء) التي يقال لها (الطور) وربما يكون ذلك الموضع يقع في تخوم (أهوار) العراق التي تدعى (البيضاء) حتى يومنا هذا,ويؤكد مسقط رأسه هذا المؤرخ (الاصطخري) الذي عاصره وذكر ذلك أبن الجوزي في (المنتظم) حيث ذكر(الحسين بن منصور المعروف بالحلاج من أهل البيضاء)،وهكذا فأنه عراقي المولد والمنشأ بالرغم من دعاوى البعض بفارسيته .ثم انتقل الى البصرة قبل وروده بغداد وهو في الثامنة عشر من عمره .. وأكتسب لقب الحلاج بسبب عمله في حلج القطن ومنه من ربط تلك الكنية بروحانيات التفاسير وأقرنها بالكرامات التي نسبت له ومنهم ولده أحمد الذي قال إنها واردة بسبب كلامه عن أسرار الناس وما يضمرون فدعي بـ(حلاج الأسرار) . قدم بغداد يافعا فكان مجبولا على طلب العلم فأصغى الى طبقات العلماء وجالس معاشر الصوفية والزهاد الذي كان قد انتقل فكرهم ودعاته إليها بعد استواء عودها في البصرة واختصاصها بالزهد أكثر من التصوف بعد ذلك. ولازم الشيخ (الجنيد بن محمد أبو القاسم الخزاز) والذي كان من أقطاب صوفية زمانه .ثم سعى في مناكب الأرض راحلا الى مكة حاجا مرات عديدة والى خراسان وأسيا الوسطى حتى وطأت أقدامة الهند واطلع فيها على أصول الفلسفة (الفيدية) واستمع الى نساك البوذية ودعى الى الصوفية أهلها الذين كانوا مستجدي عهد بالإسلام وفلسفته .وقد درس في سفراته علوم الطب والروحانيات والكيمياء والتاريخ وكذلك السحر، وأصبح قادرا على (التنويم المغناطيسي) .وكان تقيا ورعا دائب القيام شديد الصيام ، متنزهاً عن الملذات وكانت تأديته للشعائر ترافق إيمانه العميق ويحكى عنه انه كان يصلي يوميا أربعمائة ركعة وكان اعتقاده راسخا بأن الحقيقة الإلهية هي الأصل وكل طرق الوصول إليها هي سالكة دون تفريق أو تمييز أو غلو ،حتى تجرد عن الشللية المذهبية والعصبية الطائفية . وكان مذهبه سيان مع المعتزلة الذين أخذ عنهم فكرة تنزيه الذات الإلهية عن جميع الصفات الإنسانية وجميع صفات الحوادث .كما أخذ عنهم تسمية الذات الإلهية بأسم "الحق" وتلك الفكرة هي أخر ما يصل إليه الإنسان بطريق التنزيه .ولوان المستشرق (أدم ميتز) يعتبره قد اقتبس ذلك من الفكر (الغنوصي) أو (الأفلاطونية الجديدة) السابقة للإسلام. ومن أخباره انه كان يؤم المقابر ويصلى على قبور العلماء وخاصة (أحمد بن حنبل) وكان كثير الاستغراق في النوافل حتى يبلغ مقام الفناء فيتلاشى الحضور الواعي لجسده ، الذي يتحول الى شبه جثة لا تنبئ عن الحياة فيها إلا ظواهر النفس المتحشرج، وبعض الدم. ومما أعتقد به مؤمنا مدافعا هو: سيان بين النعمة والبلوى واللذة والعذاب وكان القربان الدائم هو جسده المرمي في حضرة الامتحان الدامي وإفناء الصفات من أجل التسليم المطلق للقدرة الإلهية. وكان يقرض الشعر ويشرح معتقداته في ثنايا بيوتها .فنجده قائلا. ياويح روحي من روحي فوا أسفي علي مني فإني أصل بلوائي ياويح روحي من روحي فوا أسفي علي مني فإني أصل بلوائي كأنني غرق تبدو أنامله تغوثاً وهو في بحر من الماء كأنني غرق تبدو أنامله تغوثاً وهو في بحر من الماء وليس يعلم ما لاقيت من أحد إلا الذي حل مني في سويدائي وليس يعلم ما لاقيت من أحد إلا الذي حل مني في سويدائي أو متفائلا ومنتظرا بفارغ الصبر ذلك المصير السرمدي حينما قال : أو متفائلا ومنتظرا بفارغ الصبر ذلك المصير السرمدي حينما قال : اقتلوني ياثقاتي أن في قتلي حياتي اقتلوني ياثقاتي أن في قتلي حياتي ومماتي في حياتي وحياتي في مماتي ومماتي في حياتي وحياتي في مماتي أن عندي محو ذاتي من أجل المكرمات أن عندي محو ذاتي من أجل المكرمات وبقائي في صفاتي من قبيح السيئات وبقائي في صفاتي من قبيح السيئات أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - bassel - 06-19-2006 لقد اخترقت الروحانيات كيانه وأصبح فكراً متحركاً ناطقاً لا يعبأ بأي مصير غير ما أوصلته إليه قناعاته.وأنعكس ذلك جليا في سلوكياته .وتناقل الناس كراماته وبلغوا فيها مثلما هو ديدن البشر،و بالرغم من وجود ما يقارب الأربعة آلاف صوفي غيره في بغداد . وتلمس بعض العامة كرمه وسخاءه مما يرده من كرماء القوم أو ما أسماه هو (دراهم القدرة) التي ترده من الغيب . فأجتمع حوله خلق كبير وأمن به صفوتهم ودهمائهم ، ويمكن أن يكون هذا بداية ما يبرر مناصبة بعض الشيوخ والفقهاء و"وعاظ السلاطين" العداء له بعد ذلك. وقد تزامن هذا مع مغازلاته السرية مع فرقة القرامطة التي اعتبروها (مارقة) و انتقاده اللاذع لفساد دوائر الدولة وتفشي الرشوة فيها. ولكنه كان يفرق بين ذلك المنحى الإصلاحي وبين أقامه العلاقات مع صفوة القوم ومنهم السيدة(شغب) والدة الخليفة المقتدر والتي اعتبرها البعض منبع الفساد والتي بقيت رؤوم ، شغوفة به حتى الرمق الأخير. لقد اخترقت الروحانيات كيانه وأصبح فكراً متحركاً ناطقاً لا يعبأ بأي مصير غير ما أوصلته إليه قناعاته.وأنعكس ذلك جليا في سلوكياته .وتناقل الناس كراماته وبلغوا فيها مثلما هو ديدن البشر،و بالرغم من وجود ما يقارب الأربعة آلاف صوفي غيره في بغداد . وتلمس بعض العامة كرمه وسخاءه مما يرده من كرماء القوم أو ما أسماه هو (دراهم القدرة) التي ترده من الغيب . فأجتمع حوله خلق كبير وأمن به صفوتهم ودهمائهم ، ويمكن أن يكون هذا بداية ما يبرر مناصبة بعض الشيوخ والفقهاء و"وعاظ السلاطين" العداء له بعد ذلك. وقد تزامن هذا مع مغازلاته السرية مع فرقة القرامطة التي اعتبروها (مارقة) و انتقاده اللاذع لفساد دوائر الدولة وتفشي الرشوة فيها. ولكنه كان يفرق بين ذلك المنحى الإصلاحي وبين أقامه العلاقات مع صفوة القوم ومنهم السيدة(شغب) والدة الخليفة المقتدر والتي اعتبرها البعض منبع الفساد والتي بقيت رؤوم ، شغوفة به حتى الرمق الأخير. لقد كان صوفيا ثائرا وربما استثنائيا بما وسم به الصوفية من الدعة والخنوع و"الدعوى للسلطان بطول العمر" . وتداخل لديه الإيمان مع الاحتكام الى المعرفة والإصلاح الاجتماعي والسياسي للدولة وكان يبشر بفكرة الحكومة المثالية . فانبرى بعض أقطاب الدولة بمهاجمته ثم أدانته بما ذهب إليه ثم رميه في غياهب السجن .ولم يطُلْ ذلك بسبب تدخل محبيه من ذوي التأثير وعلى رأسهم نساء البلاط اللاتي لهجن بمواهبه ومعرفته بأحوالهن وقدرته على استقطابه للمحبين. حتى أن السيدة السلطانة الوالدة (والدة الخليفة المقتدر بالله) قالت عنه بأنه( مجاب الدعوة).فتحول بذلك سجنه الى إقامة جبرية في بيته يستثنى منها إقامته الصلاة والحلقات الدراسية في جامع المنصور في بغداد المدورة (الكرخية الأولى) قبل أن تتوسع وتنتقل الى الرصافة.وبدأ يتردد على بلاط الخليفة ويعظه ويحيط بمجالسه خلق كثير.ونتيجة لوشايات حاشية الخليفة وعيونهم المبثوثة في كل ركن بدعم الوزير حامد وبعض الشيوخ من فقهاء بغداد التي تحركهم غرائز الغيرة منه .فحوكم والبس التهمة بالجدف والشرك وحل سفك دمه على يد القاضي أبو عمر .ونقلت الأخبار انه جلد أولا وكان يردد (أحد أحد) كما وردت في أبيات الشاعر (أنغمار) ، ثم مثل به وقطعت يداه ورجلاه ثم حز رأسه وأحرقت جثته لان لا تترك اثراً بعده يؤمها محبيه ، ولما صارت رمادا ألقيت في دجلة على تخوم الساحة التي أعدم بها . ونصب رأسه يومين على الجسر ليكون عبرة (للمارقين) الذين لا يتورعوا بقول ما يعتقدوه الحقيقة والتي دائما ما كانت "مرة" . وتذكرنا تلك التراجيديا بأكثر قصص التاريخ إيلاما مثل أساطير السوميريين والبابليين بمصير (دموزي أو تموز) زوج عشتار الذي اخذ عنها الأغريق تباعا وتجسدت لديهم في تراجيديا ارتشاف سقراط للسم ثم وطأت المسيحية وحاكى بها صلب السيد المسيح (ع) أو صلب الداعية (ماني البابلي) عام 277م على يد بهرام الثالث الفرثي، ثم نجد مايحاكيها في استشهاد الأمامين الحسين وأخيه العباس أولاد الإمام علي (ع)، والأخير تناقلت الأخبار حتى يومنا ان مثل بجسده مثلما حدث مع دموزي أو ماني قبله أو الحلاج بعده .لقد ٌكتم صوته وطارت روحه الى بارئها ثم تكتم من أتى بعده على ما يضمر وما يظن،والتزم الناس "التقيه" وتفننوا بها و استحدثوا لها أحكام . وهذا هو حال الدنيا في كل زمان فقد يكون لطعم الحياة واستمرار الرمق أسبقية على استمرار الدنيا معافاة من أدران المنكر. وهكذا جاء الأيمان بالقصاص الرباني وتصاعد مفهومه الروحي بما يراد من جبر خواطر كل من هضم حقه وكتم سره. كتب عن تلك الحادثة د. عبدالرحمن بدوي في كتابه (شطحات الصوفية) ما نصه: (إنما كان الصوفية -الى ما قبل الحلاج- ينطقون بالكلمات الشطحية في غير تحرج ولا تحرز، لانه لم يكن للسلطان الخارجي بعد تأثير عليها ،أما منذ قضية الحلاج فقد بدأ الصوفية يتبينون ما سيترتب على أقوالهم من نتائج، عملية لابد لمن يؤثر العافية منهم أن يحسب لها الف حساب). ومثلما هي إصطلاحات الصوفية الخاصة بمفاهيمهم، فقد يطلق المتصوفة على كلمة الحق النابعة من دواخل النفس "بالشطحات" وتعريفها هو (كلام يترجمه اللسان عن وجد يفيض عن معدنه، مقرون بالدعوى) .وقد أودي الحلاج حتفه بسبب تلك "الشطحات" الصوفية التي لم يفهمها (أولياء الأمر) كما هو ديدنهم في عدم الفهم أو افتعال ذلك وهو الأرجح حتى أوصلو الأمم الى خواء العروش وخراب الديار وإهراق دماء عباد الله. وشطحة الحلاج هنا قوله (أنا الحق) و(ما في الجبة إلا الله) التي علق عليها لاحقا الأمام (ابوحامد الغزالي) البغدادي مبررا (إنها من فرط المحبة وشدة الوجد) . وقد كتب عن شطحة الحلاج تلك قطب الزمان الصوفي (عبدالقادر الكيلاني البغدادي) بعد قرنين (عثر الحلاج ولم يجد من يأخذ بيده، ولو أدركت زمانه لأخذت بيده). وقال عنه (أبو العباس المرسي الإسكندري): (أكره من الفقهاء خصلتين ،قولهم بكفر الحلاج ،وقولهم بموت الخضر عليه السلام ..أما الحلاج فلم يثبت عنه ما يوجب القتل،وما نقل عنه يصح تأويله.). وقد قال فيه حافظ الشيرازي شعرا (إن تصلبني الليلة ،فان دمي يخط على الأرض :أنا الحق، مثل منصور الحلاج) .لقد رفض الحلاج "التقية" التي مارسها (الشبلي) أستاذه وقدوته مما يدلل على اختلاف سجية البشر وحتى من خلال رأيهم بما آل إليه حاله ،فهذا (الصولي) يقول عنه (أنه رجل جاهل يتعاقل) ويتعاقل هذه مازال العامة في بغداد يقولونها اليوم للدلاله على المراءاة والمكابرة .إن استهلاك الحلاج لناسويته في اللاهوتية.هو ثمرة التجلي والكشف ،اللذين درج اليهما بالرياضيات، وقمع الذات. وحين أراد الذروة ،(عين الجمع) أدرك أنه ماءت لا محالة وقد كان دائم الاحتجاج على نفسه وحتى احتجاجه على أخطاء الدنيا كان يعمل على ترحيله الى ذاته، كاحتجاج عليها نفسها. لقد اعتنق المطلق وكان فناؤه في العشق لله وكان قلبه مفتوحا للملكوت. لقد غفر لكل من ناصبه العداء وسامحهم سماحة الإسلام المحمدي الدستوري ، فقال عمن كفروه(ان بعض الناس يشهدون علي بالكفر وبعضهم يشهدون لي بالولاية والذين يشهدون علي بالكفر أحب الي والى الله من الذين يقرون لي بالولاية).وهنا نرصد أن تاريخ الإسلام أشتمل في طياته على جموع من الشخصيات المرموقة التي لو كان ظهورها في كنف أمم أخرى لتسنى لهم تبوا منزلة الأنبياء والرسل والحكماء تماشيا مع غزارة مناقبهم وسمو سيرتهم ودفق فكرهم ابتداءا من الإمام علي بن أبي طالب(ع) الذي ألهته حتى بعض الفرق وأخيرا وليس أخرا الشيخ عبدالقادر الجيلي أو الكيلاني الذي طارت حظوته الأفاق وتمسك بسيرته ولهج بذكره من طرف الدنيا حتى طرفها . وجدير بنا أن نرصد سيرة المستشرق ماسينيون الذي أعاد لنا إكتشاف شخصية الحلاج التي وصفها(أن أقوال الحلاج ترسم له حياة بعد موته، ذات طابع حضاري عميق ، وأكثر صدقا من الناحية الاجتماعية من الشهرة الأدبية التي نالتها نماذج، مثل الاسكندر أو قيصر لدينا في الغرب). وربما تكون هذه دعوة لاعادة رسم صورة الشخصيات في التاريخ الإسلامي بعيدا عن الأهواء والنزوات والمحاباة وكذلك التمادي في روحانياتها. ماسينيون عاشق الحلاج لقد بحث وكتب الكثير من المسلمين والمستشرقين عن الحلاج ولكن كلهم يختلفون عن المستشرق المجتهد ( لويس ماسينيون Louis Massgnon) الذي سخر كل حياته في جمع وتمحيص كل ما كتب عن الرجل بحيث أزاح عن كاهلها ثقل وقع السنين وأفتراق الأهواء والمشارب ،حتى كنى بـ(صاحب الحلاج)، بالرغم من انه كتب عن سلمان الفارسي والجاحظ وعبدالقادر الكيلاني ورجال الشيعة والاسماعيلية وحتى عن ليون الافريقي (حسن الوزان الغرناطي الفاسي) وحتى عن الشاعرمعروف الرصافي ولكن اسمه لم يقترن بأي من هؤلاء . وبصدد ماسينيون العاشق للحلاج فقد ولد عام 1883 في باريس من أب طبيب فنان آثر أن يمتهن الفن بعد حين .دخل المدارس الفرنسية واكمل الثانوية العامة عام 1901 وحصل على أولى شهاداته في الآداب عام 1902 بالرغم من حبه الجم للرياضيات والعلوم العقلية "التي جمعته بالحلاج بعد حين". ثم أنخرط في العسكرية وبعد عام من ذلك أي 1904 سافر الى مراكش وكتب أول محاولاته الاستشراقية عنها عندما كانت تلك الدراسات تصب بالنهاية بالتحضير أو التدبير للحقبة الاستعمارية .وقد حصل من تلك الدراسة على أول شهادة عليا من (جامعة الصربون).وقد حفزه ذلك لدراسة العربية الفصحى عن أصولها ، وفي نيسان(أبريل) عام 1905سافر الى الجزائر وحضر فيها أول مؤتمر للمستشرقين ، ثم الى القاهرة في أكتوبر من نفس العام التالي حيث أنهى بعد رجوعه عام 1906 دراسته اللغوية ونشر أول أبحاثه تحت عنوان(لوحة جغرافية للمغرب في السنوات الخمسة عشر الأولى من القرن السادس عشر تبعا لليون الأفريقي) وطبع بـ305 صفحات في الجزائر ، ثم تلاه بكتابين هما (طريق فاس) ثم (مراكش بعد الفتح العربي) وكان يقصد بمراكش هي المغرب اليوم. ثم بدأت المرحلة المهمة التي رسمت له خط حياته عندما التقى بالصدفة شعر رثاء صوفي للحلاج نظمه الشاعر الفارسي (فريد الدين العطار) وتطرقت القصيدة الى بعض وصف عن مصرعه ، الأمر الذي شده كثيراً لقصة هذا الرجل وما حدث له . وفي ذلك الصدد نحدق في الدافع الخارجي الموجه للخطاب الاستشراقي الذي شجع البحث فيما يدين تاريخ الإسلام من الناحية الفكرية والعقيدية والذي كان يعينهم في إظهار الحجة الدامغة التي يستخدمها المبشرين والمنصرين في عملهم .وربما يكون ذلك سببا وجانبا من عدة جوانب أدت بالنتيجة أن يفلحو في مسعاهم الى حد بعيد عندما جعلوا عدد الكاثوليك يقفز من مليون نسمة في افريقيا عام 1900 الى 330 مليون نسمة عام 2000 . و من ضمن ذلك المنحى ترد دراسة شؤون الأقليات الدينية والعرقية في البلدان الإسلامية بغرض "حمايتها" من اضطهاد الأكثرية كما قيل في حينها و استمرت تلك الحركة أكثر بعد الحقبة الاستعمارية التي لم تنصفهم .وقد أستفاد(ماسينيون) من الخطاب الاستشراقي الداعي الى دراسة الفرق الإسلامية والحركات الفكرية ذات الطابع السري في الإسلام. فجاء اهتمامه بالشيعة والإسماعيلية والنصيرية والدروز واليزيدية وتاريخ القرامطة والزنج مع اهتمامه بالصوفية ورجالاتها. كل ذلك يضاف الى العامل الذاتي لشخص ماسينيون متماشيا مع هواه الباحث بالفطرة عن مكامن العمق الروحي وأسرارها وما يرتبط بذلك من الرياضيات العقلية والروحية. وعندما عاد (ماسينيون) الى باريس عام 1907 عهدت اليه مهمة القيام بأبحاث وحفائر تنقيبية عن آثار العراق "التائهة" .فأهتم بالموضوع كثيرا لما يعنيه من تقرب حقيقي الى الأجواء الأصلية التي عاش في كنفها الحلاج .فنزل في بغداد عند أكثر بيوتاتها علما وإطلاعا. وقد بحث عن مصادر البحث وثراءها في مكتبة عائلة الالوسي البغدادية .وقد أدهشهم اهتمامه بالحلاج حتى وفروا له الحد الأقصى من المساعدة. وبالتوازي مع ذلك فقد قام بمهمته في بيداء العراق الغربية باحثا فيها عن الآثار، فزار مدن الفرات الأوسط وعرج على مدن الكوفة والنجف وكربلاء ثم الى سلمان باك (المدائن) الواقعة على بعد 25 كلم جنوب بغداد وأطلع على أثارها وزار فيها قبر الصحابي (سلمان الفارسي)(رض) المسجى في إحدى مساجدها . وقد فتحت له تلك الزيارة له اهتماماً خاصا بهذا الصحابي الجليل . وتكللت رحلة الفرقة التي عمل بها الى أعاده اكتشاف (قصر الأخيضر) في ربيع عام 1908 والتي كانت مادة كتاب نشره في القاهرة أعوام 1910 و1912 تحت عنوان (بعثة أثرية في العراق) ،وحدث ذلك بمعية (المس بيل) (1869-1926) أو (الخاتون) كما كناها البغداديون.وخلال تلك الفترة درس الدين والتاريخ الإسلامي في الأزهر ومن مناقب الرجل انه لبس جبة وعمامة طلاب الأزهر وعاش مثل عيشهم وهي حالة قليلة الحدوث لدى الغربيين .وقد درّس ابتداءا من العام 1910 في الجامعة المصرية القديمة وكان أحد طلابه الدكتور طه حسين ، وحاضر أربعين مرة وكانت مواضيع محاضراته تدور حول المذاهب الفلسفية في الإسلام والمصطلحات الفلسفية المستعملة وألف بها كتاباً اسمه (تاريخ الاصطلاحات الفلسفية) . وكتب خلال تلك الفترة أبحاثاً عن (بغداد) و(المحمرة) وكتاباً عن (الحج في بغداد) ودراسة مستفيضة للمخطوطات القديمة في مكتبات بغداد ودراسة عن الطرق الصوفية وجوهر الخلاف بين الطريقتين الرفاعية والقادرية تحت عنوان(المعركة الأخيرة بين الرفاعية والقادرية). لقد كان صوفيا ثائرا وربما استثنائيا بما وسم به الصوفية من الدعة والخنوع و"الدعوى للسلطان بطول العمر" . وتداخل لديه الإيمان مع الاحتكام الى المعرفة والإصلاح الاجتماعي والسياسي للدولة وكان يبشر بفكرة الحكومة المثالية . فانبرى بعض أقطاب الدولة بمهاجمته ثم أدانته بما ذهب إليه ثم رميه في غياهب السجن .ولم يطُلْ ذلك بسبب تدخل محبيه من ذوي التأثير وعلى رأسهم نساء البلاط اللاتي لهجن بمواهبه ومعرفته بأحوالهن وقدرته على استقطابه للمحبين. حتى أن السيدة السلطانة الوالدة (والدة الخليفة المقتدر بالله) قالت عنه بأنه( مجاب الدعوة).فتحول بذلك سجنه الى إقامة جبرية في بيته يستثنى منها إقامته الصلاة والحلقات الدراسية في جامع المنصور في بغداد المدورة (الكرخية الأولى) قبل أن تتوسع وتنتقل الى الرصافة.وبدأ يتردد على بلاط الخليفة ويعظه ويحيط بمجالسه خلق كثير.ونتيجة لوشايات حاشية الخليفة وعيونهم المبثوثة في كل ركن بدعم الوزير حامد وبعض الشيوخ من فقهاء بغداد التي تحركهم غرائز الغيرة منه .فحوكم والبس التهمة بالجدف والشرك وحل سفك دمه على يد القاضي أبو عمر .ونقلت الأخبار انه جلد أولا وكان يردد (أحد أحد) كما وردت في أبيات الشاعر (أنغمار) ، ثم مثل به وقطعت يداه ورجلاه ثم حز رأسه وأحرقت جثته لان لا تترك اثراً بعده يؤمها محبيه ، ولما صارت رمادا ألقيت في دجلة على تخوم الساحة التي أعدم بها . ونصب رأسه يومين على الجسر ليكون عبرة (للمارقين) الذين لا يتورعوا بقول ما يعتقدوه الحقيقة والتي دائما ما كانت "مرة" . وتذكرنا تلك التراجيديا بأكثر قصص التاريخ إيلاما مثل أساطير السوميريين والبابليين بمصير (دموزي أو تموز) زوج عشتار الذي اخذ عنها الأغريق تباعا وتجسدت لديهم في تراجيديا ارتشاف سقراط للسم ثم وطأت المسيحية وحاكى بها صلب السيد المسيح (ع) أو صلب الداعية (ماني البابلي) عام 277م على يد بهرام الثالث الفرثي، ثم نجد مايحاكيها في استشهاد الأمامين الحسين وأخيه العباس أولاد الإمام علي (ع)، والأخير تناقلت الأخبار حتى يومنا ان مثل بجسده مثلما حدث مع دموزي أو ماني قبله أو الحلاج بعده .لقد ٌكتم صوته وطارت روحه الى بارئها ثم تكتم من أتى بعده على ما يضمر وما يظن،والتزم الناس "التقيه" وتفننوا بها و استحدثوا لها أحكام . وهذا هو حال الدنيا في كل زمان فقد يكون لطعم الحياة واستمرار الرمق أسبقية على استمرار الدنيا معافاة من أدران المنكر. وهكذا جاء الأيمان بالقصاص الرباني وتصاعد مفهومه الروحي بما يراد من جبر خواطر كل من هضم حقه وكتم سره. كتب عن تلك الحادثة د. عبدالرحمن بدوي في كتابه (شطحات الصوفية) ما نصه: (إنما كان الصوفية -الى ما قبل الحلاج- ينطقون بالكلمات الشطحية في غير تحرج ولا تحرز، لانه لم يكن للسلطان الخارجي بعد تأثير عليها ،أما منذ قضية الحلاج فقد بدأ الصوفية يتبينون ما سيترتب على أقوالهم من نتائج، عملية لابد لمن يؤثر العافية منهم أن يحسب لها الف حساب). ومثلما هي إصطلاحات الصوفية الخاصة بمفاهيمهم، فقد يطلق المتصوفة على كلمة الحق النابعة من دواخل النفس "بالشطحات" وتعريفها هو (كلام يترجمه اللسان عن وجد يفيض عن معدنه، مقرون بالدعوى) .وقد أودي الحلاج حتفه بسبب تلك "الشطحات" الصوفية التي لم يفهمها (أولياء الأمر) كما هو ديدنهم في عدم الفهم أو افتعال ذلك وهو الأرجح حتى أوصلو الأمم الى خواء العروش وخراب الديار وإهراق دماء عباد الله. وشطحة الحلاج هنا قوله (أنا الحق) و(ما في الجبة إلا الله) التي علق عليها لاحقا الأمام (ابوحامد الغزالي) البغدادي مبررا (إنها من فرط المحبة وشدة الوجد) . وقد كتب عن شطحة الحلاج تلك قطب الزمان الصوفي (عبدالقادر الكيلاني البغدادي) بعد قرنين (عثر الحلاج ولم يجد من يأخذ بيده، ولو أدركت زمانه لأخذت بيده). وقال عنه (أبو العباس المرسي الإسكندري): (أكره من الفقهاء خصلتين ،قولهم بكفر الحلاج ،وقولهم بموت الخضر عليه السلام ..أما الحلاج فلم يثبت عنه ما يوجب القتل،وما نقل عنه يصح تأويله.). وقد قال فيه حافظ الشيرازي شعرا (إن تصلبني الليلة ،فان دمي يخط على الأرض :أنا الحق، مثل منصور الحلاج) .لقد رفض الحلاج "التقية" التي مارسها (الشبلي) أستاذه وقدوته مما يدلل على اختلاف سجية البشر وحتى من خلال رأيهم بما آل إليه حاله ،فهذا (الصولي) يقول عنه (أنه رجل جاهل يتعاقل) ويتعاقل هذه مازال العامة في بغداد يقولونها اليوم للدلاله على المراءاة والمكابرة .إن استهلاك الحلاج لناسويته في اللاهوتية.هو ثمرة التجلي والكشف ،اللذين درج اليهما بالرياضيات، وقمع الذات. وحين أراد الذروة ،(عين الجمع) أدرك أنه ماءت لا محالة وقد كان دائم الاحتجاج على نفسه وحتى احتجاجه على أخطاء الدنيا كان يعمل على ترحيله الى ذاته، كاحتجاج عليها نفسها. لقد اعتنق المطلق وكان فناؤه في العشق لله وكان قلبه مفتوحا للملكوت. لقد غفر لكل من ناصبه العداء وسامحهم سماحة الإسلام المحمدي الدستوري ، فقال عمن كفروه(ان بعض الناس يشهدون علي بالكفر وبعضهم يشهدون لي بالولاية والذين يشهدون علي بالكفر أحب الي والى الله من الذين يقرون لي بالولاية).وهنا نرصد أن تاريخ الإسلام أشتمل في طياته على جموع من الشخصيات المرموقة التي لو كان ظهورها في كنف أمم أخرى لتسنى لهم تبوا منزلة الأنبياء والرسل والحكماء تماشيا مع غزارة مناقبهم وسمو سيرتهم ودفق فكرهم ابتداءا من الإمام علي بن أبي طالب(ع) الذي ألهته حتى بعض الفرق وأخيرا وليس أخرا الشيخ عبدالقادر الجيلي أو الكيلاني الذي طارت حظوته الأفاق وتمسك بسيرته ولهج بذكره من طرف الدنيا حتى طرفها . وجدير بنا أن نرصد سيرة المستشرق ماسينيون الذي أعاد لنا إكتشاف شخصية الحلاج التي وصفها(أن أقوال الحلاج ترسم له حياة بعد موته، ذات طابع حضاري عميق ، وأكثر صدقا من الناحية الاجتماعية من الشهرة الأدبية التي نالتها نماذج، مثل الاسكندر أو قيصر لدينا في الغرب). وربما تكون هذه دعوة لاعادة رسم صورة الشخصيات في التاريخ الإسلامي بعيدا عن الأهواء والنزوات والمحاباة وكذلك التمادي في روحانياتها. ماسينيون عاشق الحلاج لقد بحث وكتب الكثير من المسلمين والمستشرقين عن الحلاج ولكن كلهم يختلفون عن المستشرق المجتهد ( لويس ماسينيون Louis Massgnon) الذي سخر كل حياته في جمع وتمحيص كل ما كتب عن الرجل بحيث أزاح عن كاهلها ثقل وقع السنين وأفتراق الأهواء والمشارب ،حتى كنى بـ(صاحب الحلاج)، بالرغم من انه كتب عن سلمان الفارسي والجاحظ وعبدالقادر الكيلاني ورجال الشيعة والاسماعيلية وحتى عن ليون الافريقي (حسن الوزان الغرناطي الفاسي) وحتى عن الشاعرمعروف الرصافي ولكن اسمه لم يقترن بأي من هؤلاء . وبصدد ماسينيون العاشق للحلاج فقد ولد عام 1883 في باريس من أب طبيب فنان آثر أن يمتهن الفن بعد حين .دخل المدارس الفرنسية واكمل الثانوية العامة عام 1901 وحصل على أولى شهاداته في الآداب عام 1902 بالرغم من حبه الجم للرياضيات والعلوم العقلية "التي جمعته بالحلاج بعد حين". ثم أنخرط في العسكرية وبعد عام من ذلك أي 1904 سافر الى مراكش وكتب أول محاولاته الاستشراقية عنها عندما كانت تلك الدراسات تصب بالنهاية بالتحضير أو التدبير للحقبة الاستعمارية .وقد حصل من تلك الدراسة على أول شهادة عليا من (جامعة الصربون).وقد حفزه ذلك لدراسة العربية الفصحى عن أصولها ، وفي نيسان(أبريل) عام 1905سافر الى الجزائر وحضر فيها أول مؤتمر للمستشرقين ، ثم الى القاهرة في أكتوبر من نفس العام التالي حيث أنهى بعد رجوعه عام 1906 دراسته اللغوية ونشر أول أبحاثه تحت عنوان(لوحة جغرافية للمغرب في السنوات الخمسة عشر الأولى من القرن السادس عشر تبعا لليون الأفريقي) وطبع بـ305 صفحات في الجزائر ، ثم تلاه بكتابين هما (طريق فاس) ثم (مراكش بعد الفتح العربي) وكان يقصد بمراكش هي المغرب اليوم. ثم بدأت المرحلة المهمة التي رسمت له خط حياته عندما التقى بالصدفة شعر رثاء صوفي للحلاج نظمه الشاعر الفارسي (فريد الدين العطار) وتطرقت القصيدة الى بعض وصف عن مصرعه ، الأمر الذي شده كثيراً لقصة هذا الرجل وما حدث له . وفي ذلك الصدد نحدق في الدافع الخارجي الموجه للخطاب الاستشراقي الذي شجع البحث فيما يدين تاريخ الإسلام من الناحية الفكرية والعقيدية والذي كان يعينهم في إظهار الحجة الدامغة التي يستخدمها المبشرين والمنصرين في عملهم .وربما يكون ذلك سببا وجانبا من عدة جوانب أدت بالنتيجة أن يفلحو في مسعاهم الى حد بعيد عندما جعلوا عدد الكاثوليك يقفز من مليون نسمة في افريقيا عام 1900 الى 330 مليون نسمة عام 2000 . و من ضمن ذلك المنحى ترد دراسة شؤون الأقليات الدينية والعرقية في البلدان الإسلامية بغرض "حمايتها" من اضطهاد الأكثرية كما قيل في حينها و استمرت تلك الحركة أكثر بعد الحقبة الاستعمارية التي لم تنصفهم .وقد أستفاد(ماسينيون) من الخطاب الاستشراقي الداعي الى دراسة الفرق الإسلامية والحركات الفكرية ذات الطابع السري في الإسلام. فجاء اهتمامه بالشيعة والإسماعيلية والنصيرية والدروز واليزيدية وتاريخ القرامطة والزنج مع اهتمامه بالصوفية ورجالاتها. كل ذلك يضاف الى العامل الذاتي لشخص ماسينيون متماشيا مع هواه الباحث بالفطرة عن مكامن العمق الروحي وأسرارها وما يرتبط بذلك من الرياضيات العقلية والروحية. وعندما عاد (ماسينيون) الى باريس عام 1907 عهدت اليه مهمة القيام بأبحاث وحفائر تنقيبية عن آثار العراق "التائهة" .فأهتم بالموضوع كثيرا لما يعنيه من تقرب حقيقي الى الأجواء الأصلية التي عاش في كنفها الحلاج .فنزل في بغداد عند أكثر بيوتاتها علما وإطلاعا. وقد بحث عن مصادر البحث وثراءها في مكتبة عائلة الالوسي البغدادية .وقد أدهشهم اهتمامه بالحلاج حتى وفروا له الحد الأقصى من المساعدة. وبالتوازي مع ذلك فقد قام بمهمته في بيداء العراق الغربية باحثا فيها عن الآثار، فزار مدن الفرات الأوسط وعرج على مدن الكوفة والنجف وكربلاء ثم الى سلمان باك (المدائن) الواقعة على بعد 25 كلم جنوب بغداد وأطلع على أثارها وزار فيها قبر الصحابي (سلمان الفارسي)(رض) المسجى في إحدى مساجدها . وقد فتحت له تلك الزيارة له اهتماماً خاصا بهذا الصحابي الجليل . وتكللت رحلة الفرقة التي عمل بها الى أعاده اكتشاف (قصر الأخيضر) في ربيع عام 1908 والتي كانت مادة كتاب نشره في القاهرة أعوام 1910 و1912 تحت عنوان (بعثة أثرية في العراق) ،وحدث ذلك بمعية (المس بيل) (1869-1926) أو (الخاتون) كما كناها البغداديون.وخلال تلك الفترة درس الدين والتاريخ الإسلامي في الأزهر ومن مناقب الرجل انه لبس جبة وعمامة طلاب الأزهر وعاش مثل عيشهم وهي حالة قليلة الحدوث لدى الغربيين .وقد درّس ابتداءا من العام 1910 في الجامعة المصرية القديمة وكان أحد طلابه الدكتور طه حسين ، وحاضر أربعين مرة وكانت مواضيع محاضراته تدور حول المذاهب الفلسفية في الإسلام والمصطلحات الفلسفية المستعملة وألف بها كتاباً اسمه (تاريخ الاصطلاحات الفلسفية) . وكتب خلال تلك الفترة أبحاثاً عن (بغداد) و(المحمرة) وكتاباً عن (الحج في بغداد) ودراسة مستفيضة للمخطوطات القديمة في مكتبات بغداد ودراسة عن الطرق الصوفية وجوهر الخلاف بين الطريقتين الرفاعية والقادرية تحت عنوان(المعركة الأخيرة بين الرفاعية والقادرية). ولقد باشر بأول دراسة له عن الحلاج عام 1909 عنوانها(عذاب الحلاج والطريقة الحلاجية) تبعتها دراسة أخرى عام 1911 بعنوان (الحلاج ،الشبح المصلوب والشيطان عند اليزيدية) والتي أراد فيها استظهار العلاقة الباطنية بين فكر الحلاج المتداخل مع فكر فرقة دينية تعيش في شمال غرب العراق وبالتحديد في جبل سنجار، ولديها طقوس غريبة ، يعبدون خلالها الشيطان. وهي ديانة محلية قديمة متداخلة مع حدث تاريخي إسلامي يتعلق بسقوط الدولة الأموية والهاجس الذي تبعها في ظهور الأموي المنقذ .ومازال أسم فرقتهم (اليزيدية) يثير جدلا ولغطا. وقد تسنى له ان يطلع على عدد وفير من المخطوطات الفارسية محفوظة في متاحف اسطنبول ولندن تتحدث عن قصة الحلاج. فاصدر من تلك المصادر دراسة موسعة عام 1913. ثم توسع بحثه لكل ما وصلت إليه يداه بحيث قرر أن تكون موضوع اطروحتة لنيل شهادة الدكتوراه. وإبان ذلك نشبت الحرب العالمية الأولى 1914التي رافقها حدثان أولهما انخراطه في العسكرية ومعمعة الحرب وثانيهما زواجه الذي أثمر عن ولدين وبنت . وقد نُسّب الى خدمات وزارة الخارجية واشترك في معركة الدردنيل ضد العثمانيين ودخل مدينة القدس عام 1917 مع الجيش الذي قاده الإنكليزي (اللنبي Allenby) .ثم الحق بمكتب المندوب السامي الفرنسي في سوريا وفلسطين وقليقيله بعيد الحرب عام 1919 .ثم سرح بعد ذلك من الجيش وعين في مدرسة (كوليج دو فرانس) كاستاذ لمادة (الاسلام الاجتماعي).ومما أسف عليه ماسينيون هنا انه وقبل انشغاله بالحرب ، أوكل مهمة طبع أطروحة الدكتوراه لإحدى المطابع في بلجيكا التي من سوء طالعه أنها قصفت واحترقت إبان أحداث الحرب تلك .ولكنه أفلح في جمع أشلائها و إعادة كثير من موادها و أخرجها في كتاب(عذاب الحلاج شهيد التصوف في الإسلام) واتسعت لتشمل الف صفحة . ومن لطائف الأمور هنا انه طلب ان يناقشها كأطروحة لنيل الدكتوراه في الجامعة في يوم محدد يحمل دلالات تعلقه الروحي بالحلاج وكان ذلك اليوم هو 24 آذار(مارس) عام 1922 أي نفس يوم إعدامه بعد الف عام بالتمام والكمال .وزخرت تلك الأطروحة بكنز من المعلومات والتحاليل والآراء عن الحياة الروحية والعقلية في الإسلام والمكتبة الإسلامية مدينة له بهذا الإنجاز الفذ. أصدر ماسينيون بعد ذلك كتاب(بحث في نشأة المصطلح الفني في التصوف الإسلامي )الذي طبع مرات عديدة وكان قد استعرض فيه نشأة التصوف في كنف الإسلام وأقر فيه رأيه القائل بأن التصوف ظاهرة إسلامية خالصة مستمدة جذورها من القرآن والسنة ومعارضا بذلك رهطاً كبيراً من الغربيين ممن يرجع أصلها الى جذور الأفلاطونية الحديثة و الغنوصية أو حتى من المذاهب الفلسفية الهندية . أما رأيه بالموقف التصوفي للحلاج فقال ماسينيون في ذلك :(إن الحلاج سعى لتحرير نفسه خارج الجماعة السنية بالبحث عن الصلب عينه الذي ناله في نهاية المطاف وهو الأمر الذي يرفضه الاسلام رفضا قاطعا) .وكان الرسول محمد (ص) كما يرى ماسينيون قد رفض الفرصة التي اتيحت له لعبور الهوة التي كانت تفصله عن الله .ولذلك فأن أنجاز الحلاج تمثل بكونه قد حقق وحدة أسرارية بالله معاكساً طبيعة النظرية للاسلام.ومن الجدير بالذكر أن السياسة الاستعمارية لفرنسا وإنكلترا في مستعمراتها الإسلامية قد أهتمت ودعمت الطرق الصوفية حتى كاد أن ينخدع العامة ويظنوا ان المستعمرين يخافوا من لعنة شيوخ الصوفية و سطوة مراقدهم .وتذكر لنا الأخبار بالتسهيلات التي كانت تقدم في مصر لنقل زوار تلك (المشاهد )على القطارات الإنكليزية في مواسم الزيارة .ويتذكر الجزائريون العلاقة الممتازة التي تمتع بها بعض صوفيي (مرابطي) الجزائر مع الفرنسيين حتى بنوا القباب لأولياء الله الصالحين(مرابط Marabou) على قمم الروابي في مزارع المستوطنين الفرنسيين . ثم كتب ماسينيون الكثير من البحوث التي شارك بها في مؤتمرات المستشرقين المتوالية وظهر له مؤلف (مجموع نصوص غير منشورة تتعلق بتاريخ التصوف في الإسلام) الصادر في باريس عام 1929 ثم بحوث عن التيارات الفكرية التي لم يجمعها أحد قبله مثل فرق (القرامطة) و(النصيرية) و(الشيعة) و(الاسماعيلية) بعد دراسته لهم على الطبيعة في منطقة (السلمية) السورية وكذلك عن (الطريقة السنوسية) في ليبيا ثم كتب عن شخصيات إسلامية متعددة صوفية وعلمية ومنها مثلاً (الخراز) و(الكندي) و(المحاسبي) و(النوبختي) و(نور محمدي) و(سهل التستري) و(السري السقطي) و(الترمذي) و(الوراق) وحتى الشاعر العراقي (معروف الرصافي) .ثم شرح بإسهاب بعض المصطلحات مثل (شطح) و (طريقة) و(تصوف) و(ورد) و(زنج) و(زنديق) و(زهد) وحتى وصل به البحث ليكتب عن عمارة (قصر الأخيضر) في بادية العراق ويحلل عناصرها العمارية وبعد ذلك الى أي طراز تمت الصلة والى أي تاريخ تنتمي .لقد نشط في شرح أفكاره ومذهبه خلال تدريسه في مدرسة (كوليج دو فرانس)بين عامي 1926 و1954 حيث تقاعد العمل بعدها ولكنه استمر بنشاطه البحثي كمشارك في مجامع اللغة العربية في القاهرة (تاسس عام 1933) ودمشق . وقد أعيد عام 1957 كتابه عن شعر الحلاج الذي كان قد أخرجه العام 1931 . ومما يلفت النظر في سيرة هذا الرجل الذي تحتار الألباب في القرار عن مصداقيتها أو تذبذب الظن بكونها كانت مسيرة استشراقيا أم مخيرة تماشيا مع كل ما قدمه و أماط اللثام عنه من الكنوز المخفية في الثقافة الإسلامية .وربما يكون أحد الأمرين أو كلاهما ما ينطبق على حالته .وبصدد تلك الكنوز التي أزال الغبار عنها كتابته عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي عام 1934 ونشره بحث في ذلك تحت عنوان (سلمان باك والبواكير الأولى للإسلام الإيراني) وكتبه الدقيقة ومنها كتابه عن (الأسس الشيعية لاسرة بني فرات) وكذلك كتابه الصادر عام 1938 عن (فاطمة الزهراء بنت الرسول(ص)) التي أسهب في تحليل مبرر مكانتها الاستثنائية لدى أصحاب المذهب الشيعي في الإسلام . ولقد باشر بأول دراسة له عن الحلاج عام 1909 عنوانها(عذاب الحلاج والطريقة الحلاجية) تبعتها دراسة أخرى عام 1911 بعنوان (الحلاج ،الشبح المصلوب والشيطان عند اليزيدية) والتي أراد فيها استظهار العلاقة الباطنية بين فكر الحلاج المتداخل مع فكر فرقة دينية تعيش في شمال غرب العراق وبالتحديد في جبل سنجار، ولديها طقوس غريبة ، يعبدون خلالها الشيطان. وهي ديانة محلية قديمة متداخلة مع حدث تاريخي إسلامي يتعلق بسقوط الدولة الأموية والهاجس الذي تبعها في ظهور الأموي المنقذ .ومازال أسم فرقتهم (اليزيدية) يثير جدلا ولغطا. وقد تسنى له ان يطلع على عدد وفير من المخطوطات الفارسية محفوظة في متاحف اسطنبول ولندن تتحدث عن قصة الحلاج. فاصدر من تلك المصادر دراسة موسعة عام 1913. ثم توسع بحثه لكل ما وصلت إليه يداه بحيث قرر أن تكون موضوع اطروحتة لنيل شهادة الدكتوراه. وإبان ذلك نشبت الحرب العالمية الأولى 1914التي رافقها حدثان أولهما انخراطه في العسكرية ومعمعة الحرب وثانيهما زواجه الذي أثمر عن ولدين وبنت . وقد نُسّب الى خدمات وزارة الخارجية واشترك في معركة الدردنيل ضد العثمانيين ودخل مدينة القدس عام 1917 مع الجيش الذي قاده الإنكليزي (اللنبي Allenby) .ثم الحق بمكتب المندوب السامي الفرنسي في سوريا وفلسطين وقليقيله بعيد الحرب عام 1919 .ثم سرح بعد ذلك من الجيش وعين في مدرسة (كوليج دو فرانس) كاستاذ لمادة (الاسلام الاجتماعي).ومما أسف عليه ماسينيون هنا انه وقبل انشغاله بالحرب ، أوكل مهمة طبع أطروحة الدكتوراه لإحدى المطابع في بلجيكا التي من سوء طالعه أنها قصفت واحترقت إبان أحداث الحرب تلك .ولكنه أفلح في جمع أشلائها و إعادة كثير من موادها و أخرجها في كتاب(عذاب الحلاج شهيد التصوف في الإسلام) واتسعت لتشمل الف صفحة . ومن لطائف الأمور هنا انه طلب ان يناقشها كأطروحة لنيل الدكتوراه في الجامعة في يوم محدد يحمل دلالات تعلقه الروحي بالحلاج وكان ذلك اليوم هو 24 آذار(مارس) عام 1922 أي نفس يوم إعدامه بعد الف عام بالتمام والكمال .وزخرت تلك الأطروحة بكنز من المعلومات والتحاليل والآراء عن الحياة الروحية والعقلية في الإسلام والمكتبة الإسلامية مدينة له بهذا الإنجاز الفذ. أصدر ماسينيون بعد ذلك كتاب(بحث في نشأة المصطلح الفني في التصوف الإسلامي )الذي طبع مرات عديدة وكان قد استعرض فيه نشأة التصوف في كنف الإسلام وأقر فيه رأيه القائل بأن التصوف ظاهرة إسلامية خالصة مستمدة جذورها من القرآن والسنة ومعارضا بذلك رهطاً كبيراً من الغربيين ممن يرجع أصلها الى جذور الأفلاطونية الحديثة و الغنوصية أو حتى من المذاهب الفلسفية الهندية . أما رأيه بالموقف التصوفي للحلاج فقال ماسينيون في ذلك :(إن الحلاج سعى لتحرير نفسه خارج الجماعة السنية بالبحث عن الصلب عينه الذي ناله في نهاية المطاف وهو الأمر الذي يرفضه الاسلام رفضا قاطعا) .وكان الرسول محمد (ص) كما يرى ماسينيون قد رفض الفرصة التي اتيحت له لعبور الهوة التي كانت تفصله عن الله .ولذلك فأن أنجاز الحلاج تمثل بكونه قد حقق وحدة أسرارية بالله معاكساً طبيعة النظرية للاسلام.ومن الجدير بالذكر أن السياسة الاستعمارية لفرنسا وإنكلترا في مستعمراتها الإسلامية قد أهتمت ودعمت الطرق الصوفية حتى كاد أن ينخدع العامة ويظنوا ان المستعمرين يخافوا من لعنة شيوخ الصوفية و سطوة مراقدهم .وتذكر لنا الأخبار بالتسهيلات التي كانت تقدم في مصر لنقل زوار تلك (المشاهد )على القطارات الإنكليزية في مواسم الزيارة .ويتذكر الجزائريون العلاقة الممتازة التي تمتع بها بعض صوفيي (مرابطي) الجزائر مع الفرنسيين حتى بنوا القباب لأولياء الله الصالحين(مرابط Marabou) على قمم الروابي في مزارع المستوطنين الفرنسيين . ثم كتب ماسينيون الكثير من البحوث التي شارك بها في مؤتمرات المستشرقين المتوالية وظهر له مؤلف (مجموع نصوص غير منشورة تتعلق بتاريخ التصوف في الإسلام) الصادر في باريس عام 1929 ثم بحوث عن التيارات الفكرية التي لم يجمعها أحد قبله مثل فرق (القرامطة) و(النصيرية) و(الشيعة) و(الاسماعيلية) بعد دراسته لهم على الطبيعة في منطقة (السلمية) السورية وكذلك عن (الطريقة السنوسية) في ليبيا ثم كتب عن شخصيات إسلامية متعددة صوفية وعلمية ومنها مثلاً (الخراز) و(الكندي) و(المحاسبي) و(النوبختي) و(نور محمدي) و(سهل التستري) و(السري السقطي) و(الترمذي) و(الوراق) وحتى الشاعر العراقي (معروف الرصافي) .ثم شرح بإسهاب بعض المصطلحات مثل (شطح) و (طريقة) و(تصوف) و(ورد) و(زنج) و(زنديق) و(زهد) وحتى وصل به البحث ليكتب عن عمارة (قصر الأخيضر) في بادية العراق ويحلل عناصرها العمارية وبعد ذلك الى أي طراز تمت الصلة والى أي تاريخ تنتمي .لقد نشط في شرح أفكاره ومذهبه خلال تدريسه في مدرسة (كوليج دو فرانس)بين عامي 1926 و1954 حيث تقاعد العمل بعدها ولكنه استمر بنشاطه البحثي كمشارك في مجامع اللغة العربية في القاهرة (تاسس عام 1933) ودمشق . وقد أعيد عام 1957 كتابه عن شعر الحلاج الذي كان قد أخرجه العام 1931 . ومما يلفت النظر في سيرة هذا الرجل الذي تحتار الألباب في القرار عن مصداقيتها أو تذبذب الظن بكونها كانت مسيرة استشراقيا أم مخيرة تماشيا مع كل ما قدمه و أماط اللثام عنه من الكنوز المخفية في الثقافة الإسلامية .وربما يكون أحد الأمرين أو كلاهما ما ينطبق على حالته .وبصدد تلك الكنوز التي أزال الغبار عنها كتابته عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي عام 1934 ونشره بحث في ذلك تحت عنوان (سلمان باك والبواكير الأولى للإسلام الإيراني) وكتبه الدقيقة ومنها كتابه عن (الأسس الشيعية لاسرة بني فرات) وكذلك كتابه الصادر عام 1938 عن (فاطمة الزهراء بنت الرسول(ص)) التي أسهب في تحليل مبرر مكانتها الاستثنائية لدى أصحاب المذهب الشيعي في الإسلام . وكان شغل ماسينيون الشاغل في أخر أيامه بقصة (أهل الكهف) وتوسع في البحث عنها عام 1955 الذي كان امتداداً للبحوث التي كتبها أعوام 1938-1940. ومن خصائص ذلك البحث انه طرق فيه المقارنة بين ما ورد في ذلك بين النصوص والمفاهيم الإسلامية والمسيحية . وأخر بحث قام به هو بعنوان (غيوم ماجلان واكتشاف العرب لها) وهي تشرح رائدية المسلمين بمعرفة النجوم التي اهتدى بها الرحالة ماجلان عند اختراقه للمحيط الهادئ والتي كان العرب يسمونها في كتب الفلكيين نجوم (البقر) . وكان دائب البحث في شؤون الساعة والتزم خطا ثابتا بالدعوة الى التسامح والإخاء بين الأديان وبين الشعوب ،وأستمر منتجا حتى وافته المنية يوم 31 تشرين الاول (اكتوبر) عام 1962 ويذكر أصدقاؤه انه كان يردد في لحظاته الأخيرة الآيتين الكريمتين التي تعوّد ترديدها طوال حياته مقلدا في ذلك صديقة وتوأمه الروحي الحسين الحلاج وهما (لن يجيرني من الله أحد) (سورة الجن الآية 22 )، وكذلك الآيتة الكريمة (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ) (سورة الشورى الآية 1). و الآية الأخيرة كان قد رددها الحلاج قبل أن يفصل رأسه عن جسده ثم سمت روحه الى بارئها كما أراد هو أن يستعجلها .وبذلك رسم الحلاج بروحه الصاعدة خطاً لصعود النفوس الباحثة عن الحق والجاعلة من الحقيقة الطريق الأوحد إليها. وهو مانحتاجه اليوم أمس الحاجة. وكان شغل ماسينيون الشاغل في أخر أيامه بقصة (أهل الكهف) وتوسع في البحث عنها عام 1955 الذي كان امتداداً للبحوث التي كتبها أعوام 1938-1940. ومن خصائص ذلك البحث انه طرق فيه المقارنة بين ما ورد في ذلك بين النصوص والمفاهيم الإسلامية والمسيحية . وأخر بحث قام به هو بعنوان (غيوم ماجلان واكتشاف العرب لها) وهي تشرح رائدية المسلمين بمعرفة النجوم التي اهتدى بها الرحالة ماجلان عند اختراقه للمحيط الهادئ والتي كان العرب يسمونها في كتب الفلكيين نجوم (البقر) . وكان دائب البحث في شؤون الساعة والتزم خطا ثابتا بالدعوة الى التسامح والإخاء بين الأديان وبين الشعوب ،وأستمر منتجا حتى وافته المنية يوم 31 تشرين الاول (اكتوبر) عام 1962 ويذكر أصدقاؤه انه كان يردد في لحظاته الأخيرة الآيتين الكريمتين التي تعوّد ترديدها طوال حياته مقلدا في ذلك صديقة وتوأمه الروحي الحسين الحلاج وهما (لن يجيرني من الله أحد) (سورة الجن الآية 22 )، وكذلك الآيتة الكريمة (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ) (سورة الشورى الآية 1). و الآية الأخيرة كان قد رددها الحلاج قبل أن يفصل رأسه عن جسده ثم سمت روحه الى بارئها كما أراد هو أن يستعجلها .وبذلك رسم الحلاج بروحه الصاعدة خطاً لصعود النفوس الباحثة عن الحق والجاعلة من الحقيقة الطريق الأوحد إليها. وهو مانحتاجه اليوم أمس الحاجة. المصادر : المصادر : 1. القرآن الكريم 1. القرآن الكريم 2. بدوي د.عبدالرحمن موسوعة المستشرقين بيروت 1984. 2. بدوي د.عبدالرحمن موسوعة المستشرقين بيروت 1984. 3. السيد جاسم عزيز متصوفة بغداد - بغداد 1990 3. السيد جاسم عزيز متصوفة بغداد - بغداد 1990 4. القبة د.فاروق همسات من الشمال تونس 1998 . 4. القبة د.فاروق همسات من الشمال تونس 1998 . 5. متز آدم - الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري أو عصر النهضة في الاسلام- بيروت 1985 5. متز آدم - الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري أو عصر النهضة في الاسلام- بيروت 1985 6. ماسنيون وكراوس - أخبار الحلاج - بيروت 1965 . 6. ماسنيون وكراوس - أخبار الحلاج - بيروت 1965 . 7. سعيد أدوار- الاستشراق . المعرفة .السلطة.الأثار - بيروت 1991 7. سعيد أدوار- الاستشراق . المعرفة .السلطة.الأثار - بيروت 1991 8. الطبري أبي جعفر محمد بن جرير - تـاريخ الأمم والملوك-بيروت 1988 . 8. الطبري أبي جعفر محمد بن جرير - تـاريخ الأمم والملوك-بيروت 1988 . أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - محارب النور - 06-19-2006 اقتباس:د.علي ثويني ـ معمار وباحث- ستوكهولم علي ثويني مرة زارني هنا في الامارات ..بعد ان تعارفنا في موقع البرلمان العراقي ..راقي بشكل .. اوف ابو حسين كم انت رائع ..موسوعة متحركة... كان في طريقة الى سلطنة عمان لتصميم احدى قصور السلطان قابوس ومر هنا وعمل مقابلة مع قناة الفيحاء واتصل بي ..فوق الوصف رجل مدرك . محارب النور أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - عربية - 06-20-2006 [CENTER]عزيزي محارب النور شكراً على المرور و الإضافة الكريمة :redrose: عزيزي باسل مقال رائع يستحق القراءة , أشكرك على الإضافة القيمة :redrose: تحياتي العطرة لكما :97: :97: أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - عربية - 07-12-2006 [CENTER](( أخبار الحلاج من كتاب أخبار الحلاج لإبن الساعي )) كتاب مشهور، ويتضمن أخبار الحلاج في سجنه، ومحاكمته، وكلماته وهو على صليبه، مقطوع اليدين والرجلين، وبعض أخباره التي كانت سبباً لإعدامه في بغداد يوم الأربعاء 24/ ذي القعدة/ 309هـ الموافق 26/ 3/ 922م بسعي الوزير حامد بن العباس أيام المقتدر العباسي. ارتبط اسم الحلاج في العصر الحديث بالدراسات التي قام بها المستشرق الفرنسي ماسنيون، والتي استمر يواليها زهاء نصف قرن، منذ أن أصدر كتاب الطواسين (باريس 1913) وهو الأثر الوحيد الباقي من آثار الحلاج التي تجاوزت الأربعين كتاباً، ويشتمل الطواسين على 400 فقرة منثورة و 150 قطعة شعرية. وقد كتبت في أخبار الحلاج كتب كثيرة، أهمها كتاب علي بن أنجب الساعي المتوفى سنة (674هـ) الذي نشره ماسنيون مضيفاً إليه كثيراً من أخبار الحلاج التي عثر عليها، وأهمها: كتاب (ذكر مقتل الحلاج) لابن الزنجي ونشر عمله هذا سنة 1936م. وللحلاج سيرة شعبية طبعت قديماً في مطبعة الترقي بدمشق عام 1939 وقام ماسنيون بنشرها في مجلة الدراسات الشرقية 1954 (م 3 عدد 422) وأعاد نشرها رضوان السح (دار صادر بيروت) وانظر في (دائرة المعارف) قائمة بأسماء من قال بكفره ومن قال بولايته من الأولياء والمتكلمين والفلاسفة والفقهاء. قال أدم متز: (وأغلب ما انتهى إلينا من أخبار الحلاج إنما ذكره خصومه. ويؤخذ من هذه الأخبار بوضوح أن الحلاج قد أثر في كبراء أهل بغداد تأثيراً قوياً نادر المثال. ويدل على عظيم شانه أن كلا من الذهبي وابن الجوزي كتب عنه كتاباً خاصاً) (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 2 / 43) . أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - عربية - 07-12-2006 [CENTER]عن إبراهيم بن فاتك قال: لما أُتي بالحسين بن منصور ليصلب رأى الخشبة والمسامير فضحك كثيراً حتى دمعت عيناه. ثم التفت إلى القوم فرأى الشبليّ فيما بينهم فقال له: يا أبا بكر هل معك سجادتك. فقال: بلى يا شيخ. قال: افرشها لي. ففرشها فصلى الحسين بن منصور عليها ركعتين وكنت قريباً منه. فقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقوله تعالى (لنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع) الآية، وقرأ في الثانية فاتحة الكتاب وقوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت) الآية، فلما سلم عنها ذكر أشياء لم أحفظها وكان مما حفظته: اللهم إنك المتجلي عن كل جهة، المتخلي من كل جهة. بحق قيامك بحقي، وبحق قيامي بحقك. وقيامي بحقك يخالف قيامك بحقي. فإنّ قيامي بحقك ناسوتيّة، وقيامك بحقي لاهوتيّة. وكما أنّ ناسوتيّتي مستهلكة في لاهوتيّتك غير ممازجة إياها فلاهوتيتك مستولية على ناسوتيتي غير مماسّة لها. وبحق قِدَمك على حدثي، وحق حدثي تحت ملابس قدمك، أن ترزقني شكر هذه النعمة التي أنعمت بها عليَّ حيث غيّبت أغياري عمّا كشفت لي من مطالع وجهك وحرمت على غيري ما أبحت لي من النظر في مكنونات سرّك، وهؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصُّباً لدينك وتقرُّباً إليك. فاغفر لهم، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي لَما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عني ما سترت عنهم لَما ابتُليتُ. فلك الحمد فيما تفعل ولك الحمد فيما تريد، ثم سكت وناجى سراً. فتقدم أبو الحارث السياف فلطمه لطمةً هشم أنفه وسال الدم على شيبه. فصاح الشبليّ ومزق ثوبه وغشى على أبي الحسين الواسطيّ وعلى جماعة من الفقراء المشهورين. وكادت الفتنة تهيج ففعل أصحاب الحرس ما فعلوا. ذكر عن قاضي القضاة أبي بكر بن الحدّاد المصريّ قال: لمّا كانت الليلة التي قُتل في صبيحتها الحلاّج قام واستقبل القبلة متوشحاً بردائه ورفع يديه وتكلم بكلام كثير جاوز الحفظ. فكان مما حفظته منه أن قال: نحن بشواهدك نلوذ. وبسنا عزتك نستضيء، لتبدي ما شئت من شأنك. وأنت الذي في السماء عرشك، وأنت (الذي في السماء إله وفي الأرض إله). تتجلى كما تشاء مثل تجلّيك في مشيئتك كأحسن صورة، والصورة فيها الروح الناطقة بالعلم والبيان والقدرة والبرهان. ثم أوعزتَ إلى شاهدك الأنيّ في ذاتك الهويّ. كيف أنت إذا مثّلت بذاتي، عند عقيب كرّاتي، ودعوت إلى ذاتي بذاتي، وأبديت حقائق علومي ومعجزاتي، صاعداً في معارجي إلى عروش أزلياتي، عند القول من بريّاتي. إني أُخذت وحُبست وأُحضرت وصُلبت وقُتلت وأُحرقت واحتملت السافيات الذاريات أجزائي. وإنّ لذرّةً من ينجوج مظانَّ هاكول متجليّاتي اعظم من الراسيات. ثم أنشأ يقول: أنعَي إليك نفوساً طاح شـاهـدُهـا فيما ورا الحيثِ بل في شاهد القِدَمِ أنعي إليك قلوباً طالما هـطَـلـت سحائبُ الوحي فيها أبحُرَ الحِكَـمِ أنعي إليك لسانَ الحـقّ مـذ زَمَـنٍ أوْدَى وتذكارُه في الوهمِ كالعـدمِ أنعي إليك بياناً تـسـتـكـين لـه أقوالُ كلّ فصيحٍ مقـوَلٍ فَـهِـمِ أنعي إليك إِشاراتِ العقـول مـعـاً لم يبقَ منهنّ إِلاّ دارسُ الـرِمَـمِ أنعي وحُبِّـك أخـلاقـاً لـطـائفةٍ كانت مطاياهمُ من مُكمِد الكَظَـمِ مضى الجميعُ فلا عـينٌ ولا أثـرٌ مُضِيَّ عادٍ وفُـقـدانَ الأُلـي إِرَمِ وخلّفوا معشراً يحذون لُـبـسَـهـمُ أعمى من البَهْم بل أعمى من النَعَمِ وقال إبراهيم بن فاتك: دخلت يوماً على الحلاّج في بيت له على غفلة منه فرأيته قائماً على هامة رأسه وهو يقول: يا من لازمني في خَلَدي قرباً، وباعدني بُعد القِدَم من الحدث غيباً. تتجلّى عليَّ حتى ظننتك الكل، وتُسلَب عنّي حتى أشهد بنفيك. فلا بُعدك يبقى، ولا قُربك ينفع، ولا حربك يغني، ولا سِلْمك يؤمن. فلمّا أحسّ بي قعد مستوياً وقال: أدخل ولا عليك. فدخلت وجلست بين يديه، فإذا عيناه كشعلتي نار. ثم قال: يا بنيّ إنّ بعض الناس يشهدون لي بالكفر، وبعضهم يشهدون لي بالولاية. والذين يشهدون عليّ بالكفر أحبّ إليّ وإلى الله من الذين يقرّون لي بالولاية. فقلت: يا شيخ ولِمَ ذلك. فقال: لأنّ الذين يشهدون لي بالولاية من حُسن ظنهم بي. والذين يشهدون عليّ بالكفر تعصّباً لدينهم، ومن تعصّب لدينه أحبّ إلى الله ممّن أحسن الظن بأحدٍ. ثم قال لي: وكيف أنت يا إبراهيم حين تراني وقد صُلبت وقُتلت وأحرقت وذلك أسعد يوم من أيام عمري جميعةً. ثم قال لي: لا تجلس واخرج في أمان الله. وعن الشيخ إبراهيم بن عمران النيلي أنه قال: سمعت الحلاج يقول: النقطة أصل كل خط، والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنىً للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحقّ من كل ما يُشاهَد وترائيه عن كل ما يُعايَن. ومن هذا قُلت: ما رأيتُ شيئاً إلاّ ورأيت الله فيه. وعن بن الحدّاد المصري قال: خرجت في ليلة مُقمرة إلى قبر أحمد بن حنبل رحمه الله، فرأيت هناك من بعيد رجلاً قائماً مستقبلاً القبلة. فدنوت منه من غير أن يعلم، فإذا هو الحسين بن منصور وهو يبكي ويقول: يا من أسكرني بحُبه، وحيّرني في ميادين قُربه، أنت المنفرد بالقِدَم، والمتوحّد بالقيام على مقعد الصدق، قيامك بالعدل لا بالاعتدال، وبُعدك بالعزل لا بالاعتزال، وحضورك بالعلم لا بالانتقال، وغيبتك بالاحتجاب لا بالارتحال. فلا شيء فوقك فيُظلَّك، ولا شيء تحتك فيُقلّك. ولا أمامك شيء فيجدك، ولا وراءَك شيء فيدركك. أسئلك بحرمة هذه التُرَب المقبولة والمراتب المسئولة، أن لا تردّني إليّ بعد ما اختطفتني منّي، ولا تُريني نفسي بعد ما حجبتها عنّي، وأكثر أعدائي في بلادك، والقائمين لقتلي من عبادك. فلمّا أحسّ بي التفت وضحك في وجهي ورجع وقال لي: يا أبا الحسن، هذا الذي أنا فيه أوّل مقام المريدين. فقلت تعجّباً: ما تقول يا شيخ، إن كان هذا أول مقام المريدين فما مقام من هو فوق ذلك؟ قال: كذبتُ هو أول مقام المسلمين لا بل كذبت هو أول مقام الكافرين. ثم زعق ثلث زعقات وسقط وسال الدم من حلقه. وأشار إليّ بكفّه أن أذهب، فذهبت وتركته. فلما أصبحت رأيته في جامع المنصور فأخذ بيدي ومال بي إلى زاوية وقال: بالله عليك لا تُعلم أحداً بما رأيت منّي البارحة. وعن أبي إسحق إبراهيم بن عبد الكريم الحلواني قال: خدمت الحلاّج عشر سنين وكنت من أقرب الناس إليه. ومن كثرة ما سمعت الناس يقولون فيه ويقولون إنه زنديق توهمتُ في نفسي فأخبرته. فقلت له يوماً: يا شيخ أريد أن أعلم شيئاً من مذهب الباطن. فقال: باطن الباطل أو باطن الحق؟ فبقيت متفكراً فقال: أمّا باطن الحقّ فظاهره الشريعة، ومن يحقق في ظاهر الشريعة ينكشف له باطنها، وباطنها المعرفة بالله. وأما باطن الباطل فباطنه أقبح من ظاهره. وظاهره أشنع من باطنه، فلا تشتغل به. يا بني أذكر لك شيئاً من تحقيقي في ظاهر الشريعة. ما تمذهبتُ بمذهب أحد من الأيّمة جملةً وإنما أخذت من كل مذهب أصعبه وأشدّه وأنا الآن على ذلك. وما صلّيتُ صلوة الفرض قطُّ إلا وقد اغتسلت أولاً ثم توضّأت لها. وها أنا ابن سبعين سنة وفي خمسين سنة صلّيت صلوة ألفي سنة، كل صلوة قضاء لما قبلها. وقال إبراهيم الحلوانيّ: دخلت على الحلاج بين المغرب والعشاء فوجدته يصلّي. فجلست في زاوية البيت كأنه لم يحسّ بي لاشتغاله بالصلوة. فقرأ سورة البقرة في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية آل عمران. فلما سلّم سجد وتكلّم بأشياء لم أسمع بمثلها. فلمّا خاض في الدعاء رفع صوته كأنه مأخوذ عن نفسه ثم قال: يا إله الآلهة، ويا ربّ الأرباب، ويا من (لا تأخذه سِنةٌ ولا نومُ) رُدّ إليّ نفسي لئلا يفتنن بي عبادك. يا هو أنا وأنا هو، لا فرق بين أنيّتي وهويّتك إلاّ الحدث والقِدَم. ثم رفع رأسه ونظر إليّ وضحك في وجهي ضحكات، ثم قال: يا أبا إسحق أما ترى أن ربّي قِدَمه في حدثي حتى استهلك حدثي في قدمه، فلم يبقَ لي صفة إلاّ صفة القديم، ونُطقي في تلك الصفة. والخلق كلّهم أحداث ينطقون عن حدث. ثم إذا نطقتُ عن القدم ينكرون عليّ ويشهدون بكفري ويسعَون إلى قتلي. وهم بذلك معذورون، بكل ما يفعلون بي مأجورون. وقال الحلواني: كنت مع الحلاج وثلثة نفر من تلاميذه وواسطت قافلتي من واسط إلى بغداد. وكان الحلاّج يتكلم فجرى في كلامه حديث الحلاوة. فقلنا: على الشيخ الحلاوة. فرفع رأسه وقال: يا من لم تصل إليه الضمائر، ولم تمسّه شُبه الخواطر والظنون، وهو المترائي عن كل هيكل وصورة، من غير مماسّة ومزاج. وأنت المتجلّي عن كل أحد، والمتحلي بالأزل والأبد. لا توجد إلاّ عند اليأس، ولا تظهر إلا حال الالتباس. إن كان لقربي عندك قيمة، ولإعراضي لديك عن الخلق مزيّة، فائتنا بحلاوة يرتضيها أصحابي. ثم مال عن الطريق مقدار ميل فرأينا هناك قطعاً من الحلاوة المتلونة، فأكلنا ولم يأكل منه. فلمّا استوفينا ورجعنا خطر ببالي سوء ظنّ بحاله، وكنت لا أقطع النظر عن ذلك المكان وحافظته أحوَط ما يحافظ مثله. ثم عدلت عن الطريق للطهارة وهم ذاهبون، ورجعت إلى المكان فلم أرَ شيئاً. فصلّيت ركعتين وقلت: اللهم خلّصني من هذه التهمة الدنيّة. فهتف لي هاتف: يا هذا أكلتم الحلاوة على جبل قاف وتطلب القِطَع ههنا أحسن همّك، فما هذا الشيخ إلاّ ملك الدنيا والآخرة. وعن علي بن مردويه قال: سمعت الحسين بن منصور قد سلّم عن الصلوة فقال: اللهم، أنت الواحد الذي لا يتم به عدد ناقص، والأحد الذي لا تدركه فطنة غائض، وأنت (في السماء إِله الأرض إِله) أسئلك بنور وجهك الذي أضاءت به قلوب العارفين، وأظلمت منه أرواح المتمرّدين، وأسئلك بقدسك الذي تخصصت به عن غيرك، وتفرّدت به عمّن سواك، أن لا تُسرحني في ميادين الحيرة، وتنجيني من غمرات التفكّر، وتوحشني عن العالم، وتؤنسني بمناجاتك، يا أرحم الراحمين. ثم سكت ساعةً وترنّم، ورفع صوته في ذلك الترنّم وقال: يا من استهلك المحبّون فيه، واغترّ الظالمون بأياديه. لا يبلغ كنه ذاتك أوهام العباد، ولا يصل إلى غاية معرفتك أهل البلاد. فلا فرق بيني وبينك إلاّ الالهيّة والربوبية. وكانت عيناه في خلال الكلام تقطر دماً. فلمّا التفت إلي ضحك فقال: يا أبا الحسن خذ من كلامي ما يبلغ إليه علمك، وما أنكره علمك فاضرب بوجهي ولا تتعلّق به، فتضلّ عن الطريق. وعن أبي الحسن عليّ بن أحمد بن مردويه قال: رأيت الحلاج في سوق القطيعة ببغداد باكياً يصيح: أيها الناس أغيثوني عن الله، ثلاث مرات، فإنه اختطفني منّي وليس يردّني عليّ، ولا أطيق مراعاة تلك الحضرة، وأخاف الهجران فأكون غائباً محروماً. والويل لمن يغيب بعد الحضور، ويهجر بعد الوصل. فبكى الناس لبكائه حتى بلغ مسجد عتّاب فوقف على بابه وأخذ في كلامٍ فهم الناس بعضه وأشكل عليهم بعضه. فكان مما فهمه الناس أنه قال: أيها الناس. إنه يحدّث الخلق تلطّفاً فيتجلّى لهم، ثم يستتر عنهم تربيةً لهم. فلولا تجليه لكفروا جملةً، ولولا ستره لفُتنوا جميعاً، فلا يديم عليهم إحدى الحالتين. لكني ليس يستتر عني لحظةً فأستريح حتى استهلكت ناسوتيتي في لاهوتيته وتلاشى جسمي في أنوار ذاته، فلا عين لي ولا أثر، ولا وجه ولا خبر. وكان مما أشكل على الناس معناه أنه قال: إعلموا أن الهياكل قائمة بياهوه، والأجسام متحرّكة بياسينه، والهو والسين طريقان إلى معرفة النقطة الأصلية. ثم أنشأ يقول: عقْدُ النبوّةِ مِصباحٌ من الـنـورِ مُعَلَّقُ الوحيِ في مِشكاة تأمورِ باللهِ يَنْفَخُ نَفْخُ الرُّوحِ فـي خَـلَـدي لِخَاطِرِي نَفْخَ إسرافيلَ في الصـورِ إذا تجلّى بِطـوري أن يُكـلّـمـنـي رأيتُ في غَيبتي موسى على الطُورِ وقال عبد الكريم بن عبد الواحد الزعفراني: دخلت على الحلاج وهو في مسجد وحوله جماعة وهو يتكلم فأوّل ما اتصل بي من كلامه أنه قال: لو أُلقيَ مما في قلبي ذرة على الأرض لذابت، وإنيّ لو كنت يوم القيامة في النار لأُحرقت النار، ولو دخلت الجنة لانهدم بنيانها. ثم أنشأ يقول: عجِبتُ لِكلّي كيف يحملُه بَـعـضِـي ومِن ثِقلِ بعضي ليس تحملني أرضي لئن كان في بسطٍ من الأرض مَضجعٌ فقلبي على بسطٍ من الخَلق في قبضِ وقال أحمد بن أبي التح بن عاصم البيضاوي: سمعت الحلاج يملي على بعض تلامذته: إن الله تبارك وتعالى وله الحمد ذات واحد قائم بنفسه، منفرد عن غيره بقدمه، متوحد عمّن سواه بربوبيته. لا يمازجه شيء، ولا يخالطه غير، ولا يحويه مكان، ولا يدركه زمان، ولا تقدّره فكرة، ولا تصوّره خطرة، ولا تدركه نظرة، ولا تعتريه فترة. ثم طاب وقته وأنشأ يقول: جنوني لك تـقـديسُ وظنّي فيك تهويسُ وقد حيّرنـي حـبٌّ وطَرْفٌ فيه تقويسُ وقد دلّ دلـيلُ الـحُ بّ أنّ القربَ تلبيسُ ثم قال: يا ولدي، صُن قلبك عن فكره، ولسانك عن ذكره، واستعملهما بإدامة شكره. فإن الفكرة في ذاته والخطرة في صفاته والنطق في إثباته، من الذنب العظيم والتكبّر الكبير. وعن أبي نصر أحمد بن سعيد الاسبينجاني يقول: سمعت الحلاج يقول: ألزم الكلّ الحدث لأن القدم له. فالذي بالجسم ظهوره فالعرض يلزمه، والذي بالإرادة اجتماعه فقواها تمسكه، والذي يؤلّفه وقت يفرّقه وقت. والذي يقيمه غيره فالضرورة تمسه، والذي الوهم يظفر به فالتصوير يرتقي إليه. ومن آواه محلّ أدركه أين. ومن كان له جنس طالبه كيف. إنه تعالى يظلّه فوق، ولا يُقلّه فوق، ولا يُقلّه تحت، ولا يقابله حدّ، ولا يزاحمه عند، ولا يأخذه خلف، ولا يحدّه أمام، ولا يظهره قبل. ولا يُفيته قبل. ولا يُفيته بعد. ولا يجمعه كلّ، ولا يوجده كان، ولا يُفقده ليس. وصفُه لا صفة له، وفعله لا علة له، وكونه لا أمد له. تنزه عن أحوال خلقه، ليس له من خلقه مزاج، ولا في فعله علاج. باينهم بِقدَمه كما باينوه بحدوثهم. إن قلت متى فقد سبق الوقت كونه، وإن قلت هو فالهاء والواو خلقه، وإن قلت أين فقد تقدّم المكان وجوده، فالحروف آياته، ووجوده إثباته، ومعرفته توحيده، وتوحيده تمييزه من خلقه، ما تصوّر في الأوهام فهو بخلافه. كيف يحلّ به ما منه بدأ، أو يعود ما هو أنشأه. لا تماثله العيون، ولا تقابله الظنون. قُربه كرامته، وبعده إهانته، علوّه من غير توقُّل، ومجيئه من غير تنقُّل. (هو الأوَّل والآخر والظاهر والباطن) القريب البعيد (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). أشعار في الحب الإلهي من ديوان الحلاج - عربية - 07-12-2006 [CENTER]عن يونس بن الخضر الحلواني قال: سمعت الحلاّج يقول: دعوى العلم جهل، توالي الخدمة سقوط الحرمة. الاحتراز من حربه جنون، الاغترار بصلحه حماقة. النطق في صفاته هَوَس. السكوت عن ثباته خرس. طلب القرب منه جسارة، والرضى ببعده من دنائه الهمّة. عن موسى بن أبي ذرّ البيضاويّ قال: كنت أمشي خلف الحلاج في سكك البيضاء فوقع ظلّ شخص من بعض السطوح عليه، فرفع الحلاج رأسه فوقع بصره على امرأة حسناء فالتفت إليّ وقال: سَتَرى وبالَ هذا عليّ ولو بعد حين. فلما كان يوم صلبه كنتُ بين القوم أبكي فوقع بصره عليّ من رأس الخشبة فقال: يا موسى. مَن رفع رأسه كما رأيتَ وأشرف إلى ما لا يحلّ له أُشرِفَ على الخلق هكذا وأشار إلى الخشبة. وعن أبي الحسن الحلواني قال: حضرت الحلاج يوم وقعته فأُتي به مسلسلاً مقيَّداً وهو يتبختر في قيده وهو يضحك ويقول: نديمي غير منـسـوبٍ إلى شيءٍ من الحـيفِ دَعانـي ثـم حـيّانـي كفعل الضيفِ بالضيفِ فلمّـا دارتِ الـكـأسُ دعا بالنطع والسـيفِ كذا مَن يشربُ الـراحَ مع التنينِ في الصيفِ وعن أبي بكر الشبلي قال: قصدتُ الحلاج وقد قُطعت يداه ورجلاه وصلب على جذع فقلت له: ما التصوف. فقال: أهون مرقاة منه ما ترى. فقلت له: ما أعلاه. فقال: ليس لك به سبيل، ولكن سترى غداً، فإنّ في الغيب ما شهدته وغاب عنك. فلما كان وقت العشاء جاء الإذن من الخليفة أن تضرب رقبته. فقال الحرس: قد أمسينا: نؤخّر إلى الغد. فلما كان من الغد أُنزل من الجذع وقُدّم لتُضرب عنقه فقال بأعلى صوته: حسب الواحد إفراد الواحد له. ثم قرأ (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) الآية. وقيل هذا آخر شيء سُمع منه. ثم ضربت عنقه ولفّ في بارية وصُبّ عليه النفط وأُحرق وحمل رماده على رأس منارة لتنسفه الريح. عن أبي محمد الجسري قال: رأيت الجنيد ينكر على الحلاّج وكذلك عمرو بن عثمان المكي وأبو يعقوب النهرجوري وعليّ بن سهل الأصبهاني ومحمد بن داود الأصبهاني وأما أبو يعقوب فقد رجع عن إنكاره في آخر عمره. وأما عمرو بن عثمان فكان علّة إنكاره أن الحلاج دخل مكة ولقي عمراً فلما دخل عليه قال له: الفتى من أين. فقال الحلاج. لو كانت رؤيتك بالله لرأيت كل شيء مكانه فإن الله تعالى يرى كل شيء. فخجل عمرو وحَرِد عليه ولم يُظهر وحشته حتى مضت مدّة. ثم أشاع عنه أنه قال: يمكنني أن أتكلم بمثل هذا القرآن. وأما عليّ بن سهل فدخل الحلاج أصفهان وكان علي بن سهل مقبولاً عند أهلها فأخذ عليّ بن سهل يتكلم في المعرفة فقال الحسين بن منصور: يا سوقيّ، تتكلم في المعرفة وأنا حيّ. فقال عليّ بن سهل: هذا زنديق. فاجتمعوا عليه وأخرجوه منها. وأما الجنيد فكنت عنده إذ دخل شاب حسن الوجه والمنظر وعليه قميصان وجلس سويعةً ثم قال للجنيد: ما الذي يصدّ الخلق عن رسوم الطبيعة. فقال الجنيد: أرى في كلامك فضولاً أيّ خشبة تفسدها. فخرج الشاب باكياً وخرجت على أثره وقلت: رجل غريب قد أوحشه الشيخ. فدخل المقابر وقعد فب زاوية ووضع رأسه على ركبته. فرأيت صديقاً لي فقلت له: رأيت بالعجلة شيئاً من الشواء والفالوذج والسكر وخبزاً حُواريَ وماء مبرّداً والخَلال وقدراً من الأشنان وأنا في الموضع الفلانيّ. فأتيت الشابّ وجلست بين يديه أُلاطفه وأُداريه حتى جاء بما التمست منه فوضعته بين يديه وقلت له: تفضّل. فمدّ يده وتناول. ثم قلت: الفتى من أين. قال: من بيضاء فارس إلاّ أنني رُبيت بالبصرة. فاعتذرت منه للجنيد فقال: ليس له إلاّ الشيخوخة وإنما منزلة الرجال تُعطى ولا تتعاطى. وأمّا محمد بن داود فكان فقيهاً والفقيه من شأنه الإنكار على التصوّف. إلا ما شاء الله. أبو يعقوب النهرجوري قال: دخل الحسين بن منصور مكّة في المرة الثانية ومعه أربعمائة رجل. فلمّا وصلوا إلى مكة تفرّقوا عنه وبقى معه شرذمة قليلة. فلما أمسوا قلت له: دبّر في عشاء القوم. فقال: أخرج بهم إلى أبي قبيس. فخرجت بهم ومعنا ما نفطر عليه. فلما أكلنا قال الحلاج: ألا تأكلون الحلاوة. قلنا: قد أكلنا التمر. فقال: أريد شيئاً مسته النار. فغاب لحظة ثم رجع ومعه طبق عليه من الحلواء شيء كثير. فوقع في قلبي شبهة فأمسكت من الحلواء قطعة ودخلت السوق فأريتها الحلوائيين فلم يعرفوها. فقالوا: هذه لا تتخذ بمكة. فرأيت امرأة طباخة فأريتها فقالت: هذه تتخذ بزبيد ولكن لا يمكن حملها ولا أدري كيف حُملت. فتأكدت تلك الشبهة. وكانت المرأة عازمة على الخروج إلى زبيد فأوصيتها أن تفحص وتسأل الحلوائيين هل ضاع لأحد منهم طبق حلواء. فلما كان بعد أيام كاتبتني أنّ أحد الحلوائيين بزبيد ضاع له طبق حلواء فتيقنت أنه ساحر ليس يحترز من المظالم. حتى ورد عليّ كتاب آخر من المرأة أن الحسين بن منصور نفذ إلى الحلوائي ثمن الحلواء وقيمة الطبق وأكثر من ذلك. فزال من قلبي الإنكار عليه وعلمت أنّ ذلك من كراماته. قال أحمد بن فاتك: لما قُطعت يدا الحلاج ورجلاه قال: إلهي أصبحت في دار الرغائب، أنظر إلى العجائب. إلهي إنك تتودّد إلى من يؤذيك، فكيف لا تتودّد إلى من يُؤذَى فيك. عن أبي يعقوب النهرجوري قال: دخل الحلاج مكة أول دخله وجلس في صحن المسجد سنةً لم يبرح من موضعه إلاّ للطهارة والطواف ولم يحترز من الشمس ولا من المطر. وكان يُحمل إليه في كل عشية كوز ماء وقرص من أقراص مكة، وكان عند الصباح يُرى القرص على رأس الكوز وقد عضّ منه ثلث عضّات أو أربعاً فيحمل من عنده. وقال أحمد بن فاتك: كنا بنهاوند مع الحلاج وكان يوم النيروز فسمعنا صوت البوق فقال الحلاج: أيّ شيء هذا. فقلت: يوم النيروز. فتأوّه وقال: متى نُنَورَز. فقلت: متى تعني. قال: يوم أُصلب. فلما كان يوم صلبه بعد ثلث عشرة سنةً نظر إليّ من رأس الجذع وقال: يا أحمد نُورِزْنا. فقلت: أيها الشيخ. هل أُتحفتَ. قال: بلى أُتحفتُ بالكشف واليقين، وأنا مما أُتحفت به خَجِل غير أني تعجّلت الفرح. وعن أحمد بن كوكب بن عمر الواسطي قال: صحبت الحلاج سبع سنين فما رأيته ذاق من الأُدم سوى الملح والخلّ، ولم يكن عليه غير مرقّعة واحدة وكان على رأسه برنس. وكلما فُتح عليه بإزار قبله وآثر به. ولم ينم الليل أصلاً إلاّ سويعةً من النهار. عن خوراوزاد بن فيروز البيضاوي وكان من أخصّ الجيران وأقربهم إلى الحلاج أنه قال: كان الحلاج ينوي في أول رمضان ويفطر يوم العيد وكان يختم القرآن كل ليلة في ركعتين وكل يوم في مائتي ركعة. وكان يلبس السواد يوم العيد ويقول: هذا لباس من يُردّ عليه عمله. وقال أحمد بن فاتك قال الحلاج: من ظنّ أن الالهيّة تمتزج بالبشريّة أو البشرية بالإلهية فقد كفر. فإن الله تعالى تفرّد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم، فلا يشبههم بوجه من الوجوه، ولا يشبهونه بشيء من الأشياء. وكيف يُتصوَّر الشبه بين القديم والمحدَث. ومن زعم أن الباري في كل مكان أو على مكان أو متصل بمكان أو يُتصوّر على الضمير أو يتخايل في الأوهام أو يدخل تحت الصفة والنعت فقد أشرك. عن عثمان بن معاوية أنه قال: بات الحلاج في جامع دِينَور ومعه جماعة. فسأله واحد منهم وقال: يا شيخ ما تقول فيما قال فرعون. قال: كلمة حقّ. فقال: ما تقول فيما قال موسى. قال: كلمة حقّ، لأنهما كلمتان جرتا في الأبد كما جرتا في الأزل. وعنه أيضاً أنه قال: ما ظهرت النقطة الأصلية إلاّ لقيام الحجّة بتصحيح عين الحقيقة، وما قامت الحجّة بتصحيح عين الحقيقة إلاّ لثبوت الدليل على أمر الحقيقة. وقال: سين ياسين وموسى هما لوح أنوار الحقيقة وإلى الحقّ أقرب من يا ومو وقال أيضاً: صفات البشرية لسان الحجة لثبوت صفات الصمديّة وصفات الصمديّة لسان الإشارة إلى فناء صفات البشرية. وهما طريقان إلى معرفة الأصل الذي هو قوام التوحيد. وقال: نزول الجمع ورطة وغبطة، وحلول الفرق فكاك وهلاك. وبينهما يتردد الخاطران، إما متعلّق بأستار القِدَم، أو مستهلك في بحار العدم. وقال: من لاحظ الأزليّة والأبديّة وغمض عينيه عمّا بينهما فقد أثبت التوحيد. ومن غمض عينيه عن الأزلية والأبدية ولاحظ ما بينهما فقد أتى بالعبادة. ومن أعرض عن البين والطرفين فقد تمسك بعروة الحقيقة. وقال: من طلب التوحيد في غير لام ألف فقد تعرّض للخَوَضان في الكفر، ومن تعرّف هو الهويّة في غير خطّ الاستواء فقد جاس خلال الحيرة المذمومة التي لا استراحة بعدها. وقال: عين التوحيد مودعة في السرّ مودع بين الخاطرين، والخاطران مودَعان بين الفكرتين، والفكرة أسرع من لواحظ العيون ثم أنشأ يقول: لأنوارِ نور النور في الخلق أنوارُ وللسرّ في سرّ المُسرّين أسرارُ وللكون في الأكوان كونُ مُكـوّنٍ يكنّ له قلبي ويهدى ويخـتـارُ تأمّل بعين العقل ما أنا واصـفٌ فللعقل أسماعٌ وُعاةٌ وأبصـارٌ وقال: القرآن لسان كل علم، ولسان القرآن الأحرف المؤلّفة، وهب مأخوذة من خطّ الاستواء، أصله ثابت وفرعه في السماء، وهو ما دار عليه التوحيد. وقال: الكفر والإيمان يفترقان من حيث الاسم، وأما من حيث الحقيقة فلا فرق بينهما. وقال أحمد بن فارس: رأيت الحلاج في سوق القطيعة قائماً على باب المسجد وهو يقول: يا أيها الناس، إذا استولى الحقّ على قلبٍ أخلاه عن غيره، وإذا لازم أحداً أفناه عمّن سواه، وإذا أحبّ عبداً حثّ عباده بالعداوة عليه، حتى يتقرّب العبد مقبلاً عليه. فكيف لي ولم أجد من الله شمّةً، ولا قرباً منه لمحةً، وقد ظلّ الناس يعادونني. ثم بكى حتى أخذ أهل السوق بالبكاء. فلما بكوا عاد ضاحكاً وكاد يقهقه، ثم أخذ في الصياح صيحاتٍ متوالياتٍ مزعجات وأنشأ يقول: مَواجيدُ حقٍّ أَوجَدَ الحقُّ كلَّـهـا وإن عجزت عنها فهومُ الأكابرِ وما الوجدُ إلاّ خَطرةٌ ثمّ نَظـرةٌ تُنّشى لهيباً بين تلك الـسـرائرِ ذا سَكَن الحق السَّريرةَ ضُوعِفَت ثلاثةَ أحوالٍ لأهلِ البـصـائرِ فحالٌ يُبيدُ السِرَّ عن كُنهِ وَصفـهِ ويُحضِرهُ لِلوَجدِ في حال حائرِ وحالٌ بِه زُمَّت ذُرَى السرّ فانثَنَت إلى مَنظرٍ أفناهُ عن كلّ ناظرِ يروى عن مسعود بن الحارث الواسطي أنه قال: سمعت الحسين بن منصور الحلاج يقول لابراهيم بن فاتك وأنا أسمع وكنت منزوعاً: يا إبراهيم، إن الله تعالى لا تحيط به القلوب، ولا تدركه الأبصار، ولا تمسكه الأماكن، ولا تحويه الجهات. ولا يتصوّر في الأوهام، ولا يتخايل للفكر، ولا يدخل تحت كيف، ولا يُنعت بالشرح والوصف. ولا تتحرك ولا تسكن ولا تتنفّس إلاّ وهو معك، فانظر كيف تعيش. وهذا لسان العوامّ، وأما لسان الخواصّ فلا نطق له. والحقّ حقّ والعبد باطل، وإذا اجتمع الحقّ والباطل فيضرب (الحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل ممّا تصفون). وقال أحمد بن القاسم الزاهد: سمعت الحلاج في سوق بغداد يصيح: يا أهل الإسلام أغيثوني. فليس يتركني ونفسي فآنس بها، وليس يأخذني من نفسي فأستريح منها، وهذا دلال لا أُطيقه. ثم أنشأ يقول: حَويتُ بكلّي كلَّ كـلّـك يا قُـدسـي تُكاشفُنِي حتّى كأنّك في نـفـسـي أُقلّب قلبـي فـي سِـواك فـلا أُرَى سِوى وَحشتي منه وأنت به أُنسـي فها أَنا في حبس الحـيوة مُـمَـنَّـعٌ عن الأُنس فاقبِضني إليك من الحَبسِ وقال أبو القاسم عبد اله بن جعفر المحبّ: لما دخل الحلاج بغداد واجتمع حوله أهلها حضر بعض الشيوخ عند بعض رؤساء بغداد يقال له أبو طاهر الساوي وكان محبّاً للفقراء فسأله الشيخ أن يعمل دعوة ويحضر فيها الحلاج. فأجابه إلى ذلك وجمع المشايخ في داره وحضر الحلاج. فقال للقوّال: قل ما يختار الشيخ، يعني به الحلاج. فقال الحلاج: إنما يوقظ النائم وقوّال الفقراء ليس بنائم. فقال القوّال وطلب وقت القوم. ووثب الحلاج وسطهم وتواجد تواجداً تلألأت منه أنوار الحقيقة وأنشد: ثلاثة أحرُف لا عُجمَ فـيهـا ومعجومان وانقطع الكلامُ فمعجومٌ يُشـاكـل وَاجِـدِيهِ ومتروكٌ يصدّقـهُ الأنـامُ وباقِي الحرفِ مرموزٌ مُعَمّى فلا سَفَرٌ هناك ولا مُـقـامُ ويروى عنه أيضاً أن رجلاً من الأكابر بُسمى ابن هرون المدايني استحضر الحلاج وجماعة من مشايخ بغداد ليناظروه. فلما اجتمعوا تفرس الحسين بن منصور فيهم النكارة فأنشأ يقول: يا غافلاً لِجـهـالةٍ عـن شـاْنـي هلاّ عرفتَ حقيقتـي وبـيانـي أَ عِبَادتـي لـلـه سـتّةُ أحـرُفٍ من بينها حرفانِ معـجـومـانِ حرفان أصليٌّ وآخَـرُ شـكـلـه في العُجم منسوبٌ إلى إيمـانـي فإذا بدا رأسَ الحروفِ أمـامَـهـا حرفٌ يقوم مقامَ حرفٍ ثـانـي أبصرتَني بمكان موسـى قـائمـاً في النور فوق الطور حين تراني فبهت القوم. وكان لابن هرون ابنٌ مريض مشرف على الموت فقال الحلاج ادعُ له. فقال الحلاج: قد عوفي فلا تخف. فدخل الابن كأنه لم يمرض قط. فتعجّب الحاضرون من ذلك. فأتى ابن هرون بكيس مختوم وقال: يا شيخ فيه ثلثة آلف دينار أصرفها فيما تريد. وكان القوم في غرفة على الشطّ فأخذ الحلاج الكيس ورمى به إلى دجلة وقال للمشايخ: تريدون مناظرتي، على ماذا أناظر أنا أعرف أنكم على الحقّ وأنا على الباطل، وخرج. فلمّا أصبحنا استحضر ابن هرون الجماعة ووضع الكيس بين أيديهم وقال: البارحة كنت أتفكر فيما أعطيت الحلاج وندمت على ذلك. فلم تمضِ ساعة على ذلك إذ جاء فقير من أصحاب الحلاج وقال: الشيخ يُقرئك السلام ويقول: لا تندم فإنّ هذا كيسك، فإنّ من أطاع الله أطاعه البرّ والبحر. عن جندب بن زادان الواسطي وكان من تلامذة الحلاّج، قال: كتب الحسين بن منصور كتاباً هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم المتجلي عن كل شيء لمن يشاء. السلام عليك يا ولدي، ستر الله عنك ظاهر الشريعة، وكشف لك حقيقة الكفر. فإنّ ظاهر الشريعة كفر خفيّ، وحقيقة الكفر معرفة جليّة. أما بعد حمد لله الذي يتجلّى على رأس إبرة لمن يشاء، ويستتر في السموات والأرضين عمّن يشاء، حتى يشهد هذا بأن لا هو، ويشهد ذلك بأن لا غيره. فلا الشاهد على نفيه مردود، ولا الشاهد بإثباته محمود. والمقصود من هذا الكتاب أني أوصيك أن لا تغتر بالله ولا تيأس منه، ولا ترغب في محبنه ولا ترض أن تكون غير محبّ، ولا تقل بإثباته ولا تَمِلْ إلى نفيه، وإيّاك والتوحيد. والسلام. وقال جندب: دخل عليّ في نصف الليل ببغداد بهرام بن مرزبان المجوسيّ وكان مُكثراً ومعه كيس فيه ألفا دينار وقال لي: تذهب معي إلى الحلاج فلعلّه يحتشمك فتعطيه هذا الكيس. فذهبت معه ودخلنا عليه وكان قاعداً على سجادته يقرأ القرآن ظاهراً. فأجلسنا وقال: ما الحاجة في هذا الوقت. فتكلمت في ذلك فأبي أن يقبل. فألححت عليه وكان يُحبّني فقبل. وقال لي: لا تخرج. فوقفت وخرج المجوسيّ. فلما ذهب المجوسي قام الحلاج وخرجت معه حتى دخل جامع المنصور ومعه الكيس والفقراء نيام. فأيقظهم وفرّق الدنانير عليهم بعد أن يفضّهم حتى لم يبق في الكيس شيء. فقلت: يا شيخ هلاّ صبرت إلى الغد. فقال: الفقير إذا بات في عقارب نصيبين خير له من أن يبيت مع المعلوم. |