حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
لقاء مع المفكر الدكتور عبد الرزاق عيد - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: لقاء مع المفكر الدكتور عبد الرزاق عيد (/showthread.php?tid=19611)



لقاء مع المفكر الدكتور عبد الرزاق عيد - Mr.Glory - 03-19-2006

لقاء مع المفكر الدكتور عبد الرزاق عيد
حول ثلاثة أيام من التحقيق في فرع الأمن العسكري ( فلسطين ) في دمشق .

أولا : نشكرك د. عبد الرزاق على موافقتك اجراء الحوار حول غيابك عن حلب ثلاثة أيام ، وسمع وعرف الناس أنك كنت خلالها مستدعى للتحقيق لدى الأمن العسكري ( فرع فلسطين ) في دمشق ، في نفس الفترة واليوم الذي يجري التحقيق فيه مع رياض سيف لدى فرع الأمن الداخلي " أمن الدولة " لكن قبل دخولنا بهذا الحوار لابد أن نمهد له ببطاقة تعريف بالدكتور عبد الرزاق عيد لمن لايعرفه من القرّاء العرب غيرنا نحن السوريين أبناء موطنه :
الدكتور عبد الرزاق عيد من مواليد حلب 1950 حاصل على شهادة دبلوم الدراسات المعمقة في السرديات وتحليل النص وعلم المناهج من السوربون في باريس، وعلى شهادة الدكتوراه من الجامعة نفسها. ناهزت مؤلفاته العشرين مؤلفا في التنوير العقلاني والتأسيس لعقل نقدي، أصدر مؤخرا كتاب (يسألونك عن المجتمع المدني "ربيع دمشق الموؤد ") الصادر عن مركز الإنماء الحضاري في القاهرة ودار الفارابي في بيروت. ومن أبرز المؤلفات الأخرى التي أصدرها: "طه حسين، العقل والدين، بحث في مشكلة المنهج" ـ "الثقافة الوطنية، الحداثة، مشكلة المنهج" "ياسين الحافظ، نقد حداثة التأخر" - "العالم القصي لزكريا تامر" و"الثقافي الجمالي الايديولوجي"، (أزمة التنوير، شرعنة الفوات الحضاري) – دار الأهالي – دمشق 1997، الديموقراطية بين العلمانية والإسلام – مشترك – سلسلة حوارات لقرن جديد – دار الفكر- دمشق 1999، إنجاز بحث حول النظام الأبوي وعلاقته بحقوق الإنسان لينشر كفصل في كتاب سيصدر بالإنكليزية من قبل ملتقى الثقافات (الغرب والشرق) في كمبردج – الولايات المتحدة الأمريكية – بإدارة د. سلمى الخضراء الجيوسي – عام 1998، أبو حيان التوحيدي (فصل الدين عن الدولة/ فصل الدين عن الفلسفة) – الأهالي - دمشق عام 2001، قراءة سوسيودلالية في "مدن الملح" – الأهالي – دمشق 2002، ذهنية التحريم أم ثقافة الفتنة (حوارات في التعدد والتغاير والاختلاف) دار الحوار– اللاذقية- 2001، نقد العقل الفقهي (سَدَنة هياكل الوهم / البوطي أنموذجا) دار الطليعة– بيروت 2003. كما صدر له الجزء الثاني من نقد العقل الفقهي/ سدنة هياكل الوهم، متناولا نموذجا آخرا تحت عنوان "يوسف القرضاوي بين التسامح والإرهاب".

وهو من مؤسسي "لجان إحياء المجتمع المدني" وناشط سياسي معروف، يكتب أيضاً الكثير من المقالات سواء في متابعة الشأن السياسي بجانبه الحدثي أو جانبه الفكري منها مقاله الشهير عن "ثقافة الخوف" حاولنا في هذا الحوار أن نبتعد عن السياسي إلا أن الدكتور عبد الرزاق عيد بدى في الآونة الاخيرة ذا صوت سياسي واضح وإن لم يلحق السياسة بمعناها المباشر فهي تلحقه، فمن المطالبة من قبل (أحدهم: عضو مجلس شعب) لإحالته الى القضاء (قضاء: محكمة امن الدولة) بسبب مقالة له، إلى احالته الى القضاء العسكري فيما بعد بسبب عدد من مقالاته إلى تبرئته.
تحمل هذه البطاقة أكثر من دلالة في مجتمعات الاستبداد والطغيان العربية حيث تبلغ مؤلفات الرجل حوالي خمس وعشرين كتابا في شتى مجالات الانتاج الثقافي ، النقد الأدبي – النقد الثقافي – نقد العقل الفقهي – نقد بنية النظام الشمولي لتشمل أعماله هذه ممارسة فكرية ونظرية تغطي حيزات عديدة في الفضاء الثقافي والفكري والسياسي العربي ، بما يذكرنا بكتاب النهضة العظام وخاصة أستاذه الأثير على وجدانه طه حسين الذي كتب -منذ عشر سنوات- عنه كتابا ، ويقوم اليوم بإعادة كتابة هذا الكتاب-كما أخبرنا- على ضوء أسئلة أكثر راهنية من اللحظة التي كان قد كتب فيها كتابه الأول ، تقديرا للعقل المبدع والمتجدد لأستاذه طه حسين : العقلاني الشجاع ، العصياني المتمرد على المألوف والانصياع ، تجديدا لإشكالية طه حسين التي أشكل فيها عليه زمنه بمقدار ما أشكل على زمنه الحافل بالأوغاد كتاب تقارير الأرض والسماء ، فاعتبره في كتابه السابق ، أنه يمثل البطل الاشكالي لنص رواية التاريخ العربي الحديث خلال النصف الأول من القرن العشرين .
بعد هذه السيرة الحافلة من النشاط الفكري والثقافي والسياسي الذي كونت من خلاله هذه القامة في الثقافة العربي ، كيف تنظر لاستدعائك من قبل أي جهاز أمني كان في سوريا ، فأية مفارقة محبطة في مجتمعاتنا الاستبدادية المتخلفة أن أن تقوم السلطات في بلادك بالتحقيق معك ، عوضا من أن تكرمك كقيمة معنوية تعتز بها وطنيا وتقدمها للعالم كسفير للمعنى والحضارة والسؤدد ؟! فقد سمعنا أنك ذهبت في اليوم الثاني للتحقيق برفقة رياض سيف وبسيارته ، باعتبار أنكما الاثنان على موعد مع المخابرات في الساعة 11 صباح الأربعاء ، أنت مع المخابرات العسكرية ورياض سيف مع جهاز الأمن الداخلي ( أمن الدولة ) ، والضابطان اللذان يحققان معكما هما عميدان يشاع أنهما الأكثر ثقافة وفهما في المخابرات ، سيما أن أحدهما متخصص أكاديميا في الفلسفة ( الابستمولوجيا ) ما هي دلالة ذلك ؟
- دلالتها أن أهل النظام مصرون على سلوك ادارة الظهر للمجتمع المدني الداخلي ، والمجتمع الدولي والعالمي ، وذاهبون أكثر فأكثر ايغالا في فلسفة "النكاية" ذات (الابستمية ) الأصولية ما دمنا نحاور جنرالات في " الابستمولوجيا " .
هذه "الأبستمية الأصولية " أسس لها ابن تيمية في قاعدة تتحكم باللاشعور الثقافي الاسلامي ، ولاحقا القوموي التقليدي ، وهي قاعدة " اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم " هذه القاعدة تؤسس" لفلسفة " النكاية والتي على أساسها قسم ابن لادن العالم الى فسطاطين ، حيث وفق هذا المنظور يغدو الجميع من " أهل الجحيم " ما عدا الفرقة الناجية : وهي الممثلة اليوم بأهل النظام : فعلى المستوى الداخلي يعتبرون المجتمع ثكنة ، والشعب جنود ، والجنرالات- طبعا- لا يخضعون لأوامر الجنود ، وعلى المستوى الدولي يعتبرون العالم ( عدوا ) متآمرا عليهم باستشناء شركائهم في "فلسفة النكاية" ايران ، وفلسفة النكاية هذه تقوم على صيغة شفهية يومية تتحكم عادة بلسان الجنرالات ، إذ يرددونها عشرات المرات في اليوم " على صباطي ... على بوطي ... على قندرتي ) وذلك في مواجهة كل التحديات الدخلية والخارجية ، العميد الذي حقق معي لاتنطبق عليه هذه القاعدة ، فهو يضمر احتراما داخليا للثقافة والمثقفين وعقلا متسائلا وقابلا للحوار ، دون أن يكون ( الآخر ) المدني عدوا من أهل الجحيم ، وأنه إما جاسوس أو متآخر أو خائن وفق ابستمية اللاهوت ( البعثي ) الجديد الذي اكتشف أخيرا التلازم العضوي بين العروبة والاسلام ، رغم أن مبدعها هو المعلم الأول ميشيل عفلق (اليميني العفلقي ) حسب تعبير أبنائه وأحفاده من البعثيين !
بغض النظر عن المزايا الشخصية الايجابية لشخصية المحقق معي ، الذي أتمنى أن تكون نسبته واسعة داخل المخابرات السورية ، لكنه مع ذلك فالمحقق هو المحقق ، فمهما كان الحوار رفيعا ، فهو في الآخر تحقيق ، مما يقزم آدمية المحقق والمحقق معه ، ومهما كان إيجابيا فهو في الآخر ليس سوى استجواب واستنطاق ، مما يفقده أية قيمة وطنية ومعرفية ، لأن منطلقه الاكراه ومآله لا يمكن أن يؤول سوى إلى التهديد بالسجن ، وهذا ما فعله عميد آخر ، وأتمنى أن لا يكون في الأمر ثمة توزيع أدوار بين العمداء ، عندها سأشعر بالحزن والمرارة الأعمق تجاه وطني سوريا ومستقبلها !؟
س _ ماهي الموضوعات التي حققوا معك حولها ؟
ج _ تلك هي المشكلة : إذ أنك بعد هذا التحقيق تفكر متأملا بنتائجه فتجد أنه عبث ،وأن ثمة مرارة تهتف في داخلك : من أعطاهم هذا الحق ؟ وتستشعر أنك مستهدف وجوديا ، أنطولوجيا ، تصور أنك وأنت ذاهب نحو الستين ، ورياض سيف ما بعد الستين ، أننا مطلوب أن يعاد تأهيلنا عقليا ، وروحيا ، وسلوكيا ، بل وربما جسديا ، وذلك عندما تنظر إلى التفاوت ما بين حجمك وحجم المحقق !
س _ لحظة دكتور هل لك أن تتوقف عند هذه اللحظة ، لحظة التفاوت الجسدي بينك وبين المحقق ، وأنت في الأصل رجل أدب قبل أن تكون رجل فكر ، أي يفترض أنك قادر أن تشخص هذه الحالة وتصورها ؟
ج _ في الحقيقة أنا قلت هذه الجملة من باب الدعابة في استشعار العبث من هذا العقل المخابراتي الأنوي ، الذاتي ، الرغائبي الذي يتوهم أنه مركز الوجود بالقوة ، ولا أقصد به العميد الذي حقق معي –بل الجهاز- وذلك لأن الرجل كان في سلوكه لطيفا وودودا وخفيف الظل والثقل حتى على جنوده !
لكن في بداية لقائي معه وشخوصه أمامي ببنيته الرياضية الضخمة ، لا أعرف لماذا تذكرت صديقي الجميل عارف دليلة عندما لطمه المحقق المتوحش فأدمى وجهه ، تصورت أن أعيش مثل هذه اللحظة الرهيبة التي عاشها أخي عارف ممثل الجمال الإنساني في مواجهة القبح البشري ، فخطر لي مباشرة بأني – وأنا ابن بلد – أن لدي من القوة الداخلية والشجاعة الروحية ما أرد الإهانة على أي رجل في العالم مهما كان ذا شأن : مكانا أو مكانة ، حسب تمييزات شيخنا ابن عربي قدس الله ذكراه وذكرى تلميذة الصوفي العارف عارف دليلة ، أقول : لدي من القوة الروحية أن أرد ولو كان في ذلك حتفي ، ولكن تبادر لذهني هل سيتاح ذلك لي ذلك أما هذا التفاوت الجسدي ! أنا متأكد أن أخي عارف يملك شجاعتي الروحية هذه ولكن ماذا تفيد هذه الشجاعة الدخلية لرجل ستيني نحيل شفاف كالبلور جسدا وروحا وعقلا تجاه عضلات تربت وتدربت على ثقافة الاعتزاز بأنه "وحش" !
على كل حال لم تسر الأمور هذا المسار ، والحقيقة الأخلاقية تتطلب مني شجاعة الاعتراف بالخصال الحميدة لخصمي حتى ولو كان رجل مخابرات ، فذلك ثناء عليه شخصيا ، وليس على وظيفته ولاجهازه الذي لا يملك أية مشروعية قانونية أن يحاكم مدنيا مثلي ، لم يعد له في سنه أي شأن أو علاقة مع الخدمة العسكرية ، سوى شرعية القوانين الاستثنائية لحالة الطوارئ السيئة الذكر !؟
- إذن نعود إلى سؤالنا ماهي الموضوعات التي حقق معك فيها وحولها ؟
- سئلت عن كل شيء يتعلق بحياتي الفكرية والسياسية والاعلامية خلال سنتين لم أستدعَ بها للمخابرات ، لكن السؤال الرئيسي الملح والأساسي ، هو موضوع مضى عليه أكثر من عام ، وهو موضوع مشاركتي ببرنامج لقناة الجزيرة "الاتجاه المعاكس" الذي يتولى ادارته الاعلامي المعروف د. فيصل القاسم ، والتهمة هي أنني وجهت شتائما وسبابا للنظام ، وإهانات لأشخاص ، وأنني كنت في هذه المقابلة أحاور بطريقة وكأني " أدعوهم لاعتقالي " ، لكن وباعتبار أني اشتهي الاعتقال في سجونهم ، قرروا حينها عدم اعتقالي لإحباط أمنياتي وأحلامي في الرفاه في ردهات وفراديس سجونهم ، وأن شأني في ذلك شأن رياض سيف الذي يستفزهم في تصريحاته لوسائل الاعلام لكي يعتقلوه ، فكان عقابي أشد من عقاب رياض بحرماني من متعة السجن ، بينما حبسوه وتمتع هو بأربع سنوات أنقذوه فيها من شر نفسه !
لا أعرف أية (برانويا) هذه التي تذهب بعقل الجلاد حد توهم التلذذ (الماسوشي) للضحية بالعذاب والقهر والإهانة .
عرفنا ذلك في علم النفس الفرويدي ، أن الماسوشي يتلذذ بالألم لبلوغ ذروة الشهوة (الاورغاسم) ، لكن أن يصل (الذُهان) حد أن يتصور الحاكم أن مصفوفة مجتمعه قائمة على فسطاطين : فسطاط الشعب (الماسوشي) وفسطاط الحاكم (السادي) ، وأن معادلة (الوئام الوطني) والاستقرار السياسي والاجتماعي هو ثمرة ، التطابق بين تشهي الشعب (الماسوشي) للقهر والعبودية والاذلال ، واستجابة سادية الحاكم لأمنيات الشعب بالسجن والتمتع بالعذاب والاهانة ، في حين أن الآبقين من أمثالي يعاقبون بحرمانهم من هذه النشوة ، وهي نشوة دخول السجن والتلذذ بسادية السجان ، فطوبى إذن لكل سجناء العالم السعداء بالاضطهاد ...!!
وهنيئا لك يا أخي عارف تحقيقك لأمانيك بدخول السجن والتمتع بحرياته ...! ولعل هذه السخرية السوداء ستتحول إلى واقعة سوداء عندما أخبرك بأن زملاءك في السجن من أصدقائنا في لجان إحياء المجتمع المدني بعد أن خرجوا من السجن لم يجدوا فرقا بين سجنهم الصغير وسجننا الكبير، ولذا فهم اليوم أكثر الناس تحررا من الخوف من السجن ، بل وشوقا له كما يهذي عقل (البارانويا والعُصاب ) السادي لدى بعض أهل النظام .
س_ إذن كيف تفسر استدعاءك والتحقيق معك ؟
ج_ مادمنا نتحدث بالمفردات المفاهيمية لعلم النفس ، فأستطيع أن أقوم بوضع ترسيمة مضادة لترسيمتهم ، وذلك من خلال استخدام مفردات فرويد حول (الناتوس) الرغبة في الحياة و (التاناتوس) الرغبة في التدمير الذاتي ، فالأنظمة التي تبلغ بها الجرأة الأخلاقية والسياسية حد استدعاء أو اعتقال نخبتها الفكرية والاجتماعية ، تكون قد دخلت مرحلة (التاناتوس) وهو الفتك بالذات وتغلب شهوة العدم على إرادة الحياة ، وتلك هي القاعدة البسيكولوجية ، لفلسفة (النكاية) المؤسسة على فقه "اقتضاء الصراط المستقيم في نشر الكره العميم " ، على المجتمع الوطني ، والمجتمع الدولي أجمعين .
ومثال ذلك أن كل تاريخ العنف في سوريا أو العراق مثلا ، لم يعرف سجينا ، مثقفا بالمعنى الاحترافي : مفكرا ، أديبا ، فنانا ، وذلك وفق الفلسفة الأمنية التي تلقوها من المخابرات السوفيتية والألمانية الشرقية القائلة : لا تصنع من المثقف بطلا ، لأنك لن تضمن إن فعلت ، أن يتحول إلى نبي في المخيال الاجتماعي والشعبي " ، فعندما يبلغ النظام حد أن يكون معظم سجنائه مثقفين نا شطين في المجتمع المدني ، بل ويبلغ به الأمر الاستدعاء والتحقيق مع رموز اجتماعية وثقافية معروفة على المستوى العالمي فأعلم أنه دخل سديمية برزخ العدم .
ولعل ثقافة الخوف التي أشاعها النظام في المجتمع ، خلال عقود ، بدأت تعطي ذبذبات ترجيعاتها عليه نفسه ، فأصبح خائفا من الجميع من الداخل والخارج ، ولذا فتلك المرة الأولى التي أسأل فيها عن سفري للخارج ، رغم عشرات الندوات والمؤتمرات التي كنت قد حضرتها وشاركت في فعالياتها : فكرية أم سياسية أم أدبية ، حيث تتضخم الهواجس والشكوك بأقرب المقربين لدرجة اعتبار أن العالم والمجتمع والأهل والكل متآمر ، مما يذكرك بالسنوات الأخيرة للدولة العثمانية ، حيث وصل السلطان عبد الحميد حد الشكوك فيمن حوله ، بلغت حد ( الرُهاب ) حتى تجاه ابنائه . ولذلك تعدت العلاقة بين النظام والمجتمع حدود التوازنات السياسية والاجتماعية ، لتدخل في حيز التعقيدات والأمراض النفسية ، مما يتطلب تدخل العلاج النفسي العيادي ، وهذا ما يفسر عدم تمكن أهل النظام من ايجاد خريطة طريق ترسم وسائل الخروج من المأزق الوطني والعالمي الذي يعيشه ، حيث لم يعد يثق بأحد سوى بخروتشوف ايران ، وإلا فخريطة الطريق المغربية تقدم مثالا واضحا ومأمونا لخروج النظام والمجتمع من عنق الزجاجة ، وذلك لتشابه ماضي ومصائر النظامين المغربي والسوري ، رغم الفروق الشكلية : ملكي / جمهوري ...
مثقفوا المغرب اليوم يدعمون اصلاحات الملك السادس أكثر من دعمهم للأحزاب السياسية الشائحة والمتقادمة ، إذ راحوا ينزحون من أحزابهم لدعم خطوات الملك التي يرونها أكثر شجاعة وجرأة من الأحزاب السياسية المعارضة ، فتاريخ المغرب الذي يواجه الملك الشاب استحقاقاته اليوم ليس أقل شمولية وعسفا من التاريخ السوري ، والشعب السوري ليس أقل تسامحا نحو ظلامه من الشعب المغربي ، لكن مع الأسف بمقدار ما يوسع النظام المغربي جبهة المشاركة الوطنية ، والتعايش الوطني ، وترحيب الأسرة الدولية بقبوله في صفوفها ، تبتعد سوريا عن الاجماع الوطني على المصالحة ، وتتباعد الحدود بين السلطة والمجتمع ، ويزداد ويستفحل احتقان التوتر الداخلي الوطني ، بل وما قبل الوطني ، ومن ثم تفاقم العزلة عن الأسرة الدولية ، وكل يوم يمر على هذا المسار سيشتد عمق الأخدود الفاصل بين أهل النظام وشعبهم ومجتمعهم عمقا واتساعا، والتباعد عن الأسرة الدولية عزلة وانفصالا ، ليصل إلى درجة أنا لن ندفع أتاوة تضيع فرص التاريخ الداخلي ، بل ودفع ثمن برنامج التسلح النووي الايراني الذي يتحدى العالم ، ويعيده خمسين سنة للخلف ليعيد سيرتنا من جديد على طريق اعادة انتاج هزيمة / 5 / حزيران ، واهمين –كما كنا نحن العرب نتوهم- أن التاريخ لا تصنعه التصريحات الصادرة عن انتفاخ الصدر ، المعروف مآل هذا الانتفاخ كيف يتسرب الى الأمعاء وكيف يخرج منها !؟
أية كارثة تلك التي نعيشها على شكل متوالية من الشقاء الذي لا ينتهي (نتحدى فننهزم ثم نعود فنتحدى لنعود لننهزم وهكذا حتى قيام الساعة ) ، دون أن تتجرأ وتسأل القوم أن الرد على التحدي بالثأر لن يقود إلا إلى القهر ، وان الرد هو عملية لاتنتهي من نقد الذات حتى تتقشر عن ذات مكافئة للآخر حضاريا ومدنيا وسياسيا أولا وعسكرية ثانيا ، وإلا فأي مصير للحلم العربي الذي بدأ مع حملة نابليون يتفتح على الحلم الباريسي المثال ، وبعد هزيمة نابليون على نموذج لندن الأفق ، وبعد ثورة اوكتوبر على حلم موسكو المثال والمستقبل ، وأخيرا يستفيق هذا الحلم فجأة على كابوس طهران بوصفها الحلم والمثال والحليف ! فيا للهول ؟
س - لماذا الحديث في هذا الاطار عن ايران والعلاقة بها ؟
ج – لأنه يتعلق بأحد مفاصل التحقيق ، وذلك عندما عبرت عن درجة عزلة سوريا الدولية ، حيث لم يبق أمامها سوى ايران لتتحالف معها ، فانتفض أحد الجنرالات بحدة وغضب جعلتني أتندم لماذا تطرقت لهذا الموضوع ، وأنا المتهم بكاسر الخطوط الحمر ! فالجنرال لايستطيع أن يسمع للأخبار الا مفلترة اعلاميا بما يتناسب مع رغباته ، والا كان استفاد من معطياتي حتى ولو كانت واهمة ... ففي حواري مع أحد الصحفيين الأمريكان أبديت له وجهة نظر سوريا بأن تحالفها مع ايران عزز موقفها تجاه ضغوطهم ، وأن سوريا استطاعت أن تخرج من حالة الحصار ، فأبدى وجهة نظر معاكسة تماما من المفيد للجنرال أن يسمعها ، وهي أن موقف سوريا هذا عزز من قوة التيار المحافظ الداعي الى اسقاط النظام بوصفه نظاما راديكاليا معاديا ( مثله مثل ايران ) في حين أن بعض المسحة العلمانية والحداثية للنظام السوري كانت تعطى فسحة أكبر للتيار المعتدل الداعي لتغيير سياسات النظام وليس تغيير النظام بذاته ، فهذا الاندفاع نحو النهايات قد يفيد ايران من حيث توسيع جبهة المواجهة مع الولايات المتحدة ، بينما لا تكسب سوريا سوى مزيد من الاجماع ضدها بوصفها مماثلة لايران من حيث درجة استهداف الأمريكان لها ، وذلك على حساب تناقص قوة موقف المعتدين لصالح رأي المتشددين على المستوى الاستراتيجي .
إنهم يجمعون الأحزاب العربية والصحفيين العرب ليهتفوا لهم بما يرغبون سماعه ، تلك هي مشكلة الأنظمة التوتاليتارية الطاووسية ، لا تريد سماع سوى كلمات الثناء على ريشها الزاهي ، وهم بذلك يمثلون موقع المتلقي في (أوندكسا ) أرسطو الذي هو جمهور العوام الذين لا يفهمون ويلتذون إلا بما يعرفون ، أي أنهم لا يشنفون الآذان إلا على مقول القول أي على ما هم له حافظون ، وكل جديد من القول هم له كارهون!
س – كيف تفسر عدم اعتقالهم لك ، ما دامو تخلو عن حكمة الآباء القائلة : لاتعتقلوا الكاتب لكي لايغدو نبيا ؟ وما دمت ترفض تفسيرهم بأنهم لن يحققوا لك أمنياتك بدخول السجن ، رغم أنك ترفع السقف الى الحد الأقصى !
ج – لقد قلت لهم أن المقابلة التي أثارتهم ، وكل كتاباتي المثيرة عندهم شهوة الاعتقال ، تراعي محرما وحيدا ، وهو محرم عالمي ، يقوم على الاحترام الدستوري لمنصب رئاسة الجمهورية ، الذي يفترض أنه يمثل رمزيا مجموع الأمة ، وكلية المجتمع ، فلا ينبغي ادخاله في صراعات الأطراف الاجتماعية السياسية وتبادل الاتهامات والادانات .
ولقد احترمت هذا الخط بغض النظر عن درجة الشرعية التي يمثلها هذا المنصب ، طوال تاريخي السياسي ، وذات مرة عبرت أمام أحد رؤساء فروع الأمن ، أني أتحمل كل الضرائب التي تفرضونها علي ، من حيث عزلي عن الناس واستدعائهم وتهديدهم اذا اتصلوا بي هاتفيا ، الى تضييع حقوقي المالية البالغة / 2 / مليون ليرة جهد الغربة في العمل بجامعة اليمن ، الى حملات الشتائم والسباب التي ينظمونها ضدي على مواقع الأنترنت ، ولقد تحملت طوال حياتي حرماني من حقي الدستوري بالعمل ، أي فرض الاقامة الجبرية غير المعلنة ، لكن أن تفرضوها على عائلتي محاصرة للقمة العيش ، عندها سأقرر دخول السجن الأصغر ، وأغادر السجن الأكبر ، وطريقي إلى ذلك أعرفه ، وأنها هي بضع كلمات هي بمثابة كلمة السر مضمونة لدخول السجن ، فلا تجبروني على قولها !؟
وقد قالها رياض الترك ذات مرة فلم يترددوا على اعادته للسجن حتى بعد سجن 17 سنة قضاها في المنفردة .
فهم حتى اليوم ينظرون الى ميزان حسناتي وسيئاتي ، فيجدوا أن مما يخفف كفة موازين خطاياي أني رغم تجاوزي كل الخطوط الحمر فاني لم أتجاوز هذا الخط ، إذ لازلت بعيدا عنه ايجابا أم سلبا ، ولذا فهم يعتبرون أن خسارتهم بادخالي السجن ستكون أكبر من تركي حرا في سجن الوطن الكبير ..... اذن فكل معاصيّ حتى اليوم هي دون الشرك ... .
أجرى الحوار : حسيب خير الدين
حلب : 18/3/2006