نادي الفكر العربي
كليوباترا.. المُفتَرَى عليها.. - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+---- المنتدى: تـاريخ و ميثولوجيـا (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=7)
+---- الموضوع: كليوباترا.. المُفتَرَى عليها.. (/showthread.php?tid=19956)



كليوباترا.. المُفتَرَى عليها.. - بسام الخوري - 03-07-2006

كليوباترا.. المُفتَرَى عليها..
GMT 7:00:00 2006 الثلائاء 7 مارس
د. نجم عبد الكريم



--------------------------------------------------------------------------------


• يسائلني البعض لماذا أكتب في زاوية (كُتّاب إيلاف) قضايا متنوعة قد لا تعني القارئ الباحث عن التحليلات السياسية الراهنة، أجيب.. إن الكُتّاب في هذه الزاوية قد حصر البعض منهم نفسه ضمن دوائر محددة، مما جعل بعض مقالاتهم شبه مكررة. وقد وجدت أنه لا بدّ لي من الخروج من شرنقة هذه النمطية، لكي أعطي القارئ ومضات مما حفلت به قضايا الإنسان المتنوعة والمختلفة، والتي لا يخلو البعض منها من ضرورة الوقوف على أحداثها ليتبين للقارئ ما أراه جديداً فيها.. فبالأمس القريب كنا مع عظماء أوروبا و رأيهم في الإسلام، ومن قبلها كانت هناك قصص كثيرة حول مواضيع متعددة، واليوم.. تعالوا بنا نقف أمام (كليوباترا) التي حفل التاريخ بالكثير من الروايات وتناقلها عنها في وجوه متعددة..

* * *
• لقد حرقت (كليوباترا) بجمالها وجاذبيتها الطاغية، قلوب كثير من الرجال ممن كانوا يتبوأون القمة في عهدها. وبسبب فشلهم في الحصول على مآربهم منها، فقد قدّموها إلى التاريخ في صورةٍ مشوَّهة..

• فشيشرون خطيب روما المفوّه، بعد أن أصيب بخيبة أمل في التعامل معها، كتب عنها:
" كليوباترا عنوان الرذيلة.. وهي لا تعرف من فرط تسفّلها ، الفرق بين العفة والتمرغ في أحضان العبيد!!"
كان يكذب.. ويعرف أنه يكذب.. ويعرف الناس أنه يكذب لدرجة أن البعض منهم كان يقول:
ـ مسكين.. أفقده حب كليوباترا عقله.
ـ (بسخرية) أغلب الظن أنه كان يتمنى أن يكون أحد عبيدها.

• كاسيوس قائد روما العظيم، والعضو البارز في مجلس الشيوخ الروماني.. كاد أن يترك زوجته لترضى عنه الملكة، ولكنها سخرت منه، فوقف في المجلس خطيباً ومحرضاً حيث قال:
"إن لنا الآن عدواً أخطر على روما من هانيبال!!.. إنها كليوباترا ملكة مصر.. حطموها يا أبناء روما، كما حطمتم هانيبال".

• بل إن المؤرخ بلوتارك منعته أحقاد الحب الخائب عن أن ينصف التي أحبها، لأنها لم تبادله الحب.. كتب في تأريخه يقول:
" وفي رأيي إنه لن يهدأ بال روما حتى تقع تلك المرأة الداعرة أسيرةً في أيدي قواتنا.. فنراها ذليلةً في شوارع روما وهي مقيدة بالحديد أمام موكب النصر.."
وهناك من كتب يقول:
" ظلموها جميعاً.. فإن التاريخ المنصف يؤكد أن الذي فاز بقلبها لم يكن الأجمل أو الأذكى أو الأنضر شباباً أو الأكثر علماً، أو الأعلى فناً.. الذي فاز بحبها هو الذي همس لها بالجملة السحرية.. بالمفتاح الحقيقي لقلبها، وطموحها:
" مصر و روما سنحكمهما معاً يا كليوباترا.."
هذا ما همس به لها يوليوس قيصر.. أما همسة مارك أنطونيو لها، فقد كانت أشد جاذبية:
" سننشر ظل مصر على العالم كله يا كليوباترا.. سأكون زوجك.. وسيفك الذي تضربين به.."
لنرى في هذه الحكاية، كيف قيلت لها الجملة الأولى:

• كان قيصر في قمة مجده، بعد أن انتصر على بومبى، وجاء إلى الإسكندرية في زيارةٍ ودية.. لكنه وصلها في وقتٍ حرج، إذ كان الصراع على أشدّه بشأن التاج المصري..!!
كان بطليموس ملك مصر قد مات.. وترك التاج مناصفةً بين ولده الصبي النزق، وابنته الحلوة الذكية بنت العشرين.. ويقع التنازع الذي لا مفرّ منه.. فالصبي يقول:
" لن أسمح لأختي كليوباترا أن تجلس على العرش بجانبي كشريكة في الملك!!.. لا حق لها في ذلك.. رغم وصية أبي المخرّف..!! ولا مانع عندي أن أتزوجها، فهذا حقها أن تكون زوجة لملك.. أما أن تشاركني في الحكم؟!.. فإن ذلك مستحيل!!"
وكليوباترا كانت تقول:
"كيف بحق الآلهة، أترك مجد مصر ليتحكم به صبي في الرابعة عشرة ليبدده؟!
والعجيب .. أنه يريد أن يتزوجني؟!.. كيف؟!.. وأنا في العشرين، وهو بعد في طفل لا يدري كنه الزواج أو الحب؟!.."
وتبعث إلى يوليوس قيصر الذي كان يقضي أيام راحته في الإسكندرية، تبعث إليه، وتطلب منه أن يساعدها بالوقوف معها في مواجهة أخيها..
لكن قيصر، لا يبدي استعداداً للتدخل في شأن العرش المصري!!
وطلب إلى حرّاسه أن يمنعوها من الدخول عليه فيما لو حضرت إلى الإسكندرية، فهو لا يريد لروما أن تتدخل في شأن مصر..
وقد علمت كليوباترا بعدم ترحيبه بها.. فابتكرت أسلوباً عجيباُ يفوق في إبداعه خيال أذكى الكتّاب..!!

• كان قيصر يجلس في شرفة قصره المطل على البحر في ليلة قمرية ساجية، فأقدم عليه أحد مساعديه وقال له:
" مولاي، تاجر وصل لتوه من لبنان ومعه مجموعة من السجاد الثمين والنادر، وهو يسأل إذا كانت لكم رغبة لمشاهدة ما معه من تحف فنية..!!"
وكان من عادة قيصر أن يقدم إلى زوجته في روما من الهدايا التي يجلبها إليها أثناء رحلاته.. فوجدها فرصةً لأن ينتقي سجّادة يهديها لزوجته..
وأُذن للتاجر بالدخول وكان يحمل سجّادة مطوية، وقد وضعها على الأرض ثم قام بفرشها أمام القيصر.. ففوجئ القائد الروماني بـ كليوباترا تخرج من السجّادة معتذرةً له:
" كان يجب أن ألقاك يا سيدي، ولم أجد من وسيلة للدخول إليك إلا بهذه الحيلة..!!"

• وكان اللقاء الذي صالت وجالت به كل الكتب التي تناولت حياة كليوباترا..
وأول شعورٍ انتاب الرجل الكهل ابن الخمسين، بعد أن رأى الشابة ابنة العشرين نائمة أمامه على السجّادة، أن وقع في غرامها، وقد توّج ذلك الغرام بالزواج منها، وثبّتها على عرش مصر، بعد أن قطع الطريق أمام أخيها، وأنجبت له طفلها الأول ( قيصرون)، وكان دائماً يقول لها: " مليكتي كليوباترا.. تعالي معي إلى روما.. هناك سترين كيف أُتَوَّجُ ملكاً على كل الرومانيين، ونضمّ روما إلى مصر تحت تاج ولدي، وولدك قيصرون.."

* * *
• ولكنهم في روما قتلوه قبل أن يضعوا التاج على رأسه.
وفرّت كليوباترا إلى بلادها، ومعها ولدها الذي منّاه أبوه بتاجي الشرق والغرب..
وأوفدت روما قائدها المحلىّ " مارك أنطونيو" ليقهر الملكة التي أرادت أن تفسد على روما نظامها الديموقراطي..
وفي الإسكندرية، يكون اللقاء الثاني.. والهمسة الثانية:
"سننشر ظل مصر على العالم كله يا كليوباترا.. وسأكون زوجك، وسيفك الذي تضربين به.."

• ويكون لأنطونيو ما أراد.. الزوجة الجميلة.. وقيادة الجيش.. والمجد..
لكن روما لا تهدأ، ففي مجلس الشيوخ وُصمت كليوباترا بكل الأوصاف المشينة، وفيهم من أخذ يصرخ:
" اقتلوا من لطّخت بالعار أبطال روما.. قيصر أولاً.. والآن مارك أنطونيو.."
ويتخذ المجلس قراراً بانتداب أكتافيوس ـ صهر مارك أنطونيو ـ الذي وقف أمام مجلس الشيوخ الروماني مبدياً استعداده للقضاء على كليوباترا، حيث قال:
" أقسم أن أقضي نهائياً على النفوذ المصري في اليونان والبحر الأبيض، وأن أعود إلى روما، ومعي كليوباترا وابنها وزوجها .. أسرى مكبّلين في الحديد، في ذلةٍ أمام مواكب نصر روما.."

* * *
• وقد تعرضت كليوباترا لتشويهات المؤرخين في تلك الفترة من تاريخ العالم.. إذ زعموا أنها، لم، تكن مستعدة للحرب بسبب انغماسها في الغرام الطائش مع مارك أنطونيو، علماً بأن مارك أنطونيو لم يكن مجرد صديق أو عاشق ، بل كان زوجاً لها، وله منها ثلاثة أبناء.
لكن سبب الهزيمة التي لحقت بها أن أنطونيو، قد وثق بمن لم يكونوا جديرين بتلك الثقة.. إذ وضع القيادة البحرية في أيدي ربابنة من الرومان واليونان، وأقصى المصريين عنها.. فكان من السهل على أكتافيوس أن يشتريهم بالمال، ويتفق معهم على الفرار من أمامه ليلة المعركة..
ورغم قلة ما كان مع كليوباترا من سفن فإن أكتافيوس لم يجسر على مطاردتها في البحر، بل إنها دخلت بسفينة القيادة إلى ميناء الإسكندرية، وبجانبها مارك أنطونيو، وأولادهما في موكب نصرٍ عظيم.. لكن أكتافيوس قد هاجم مصر من البرّ وحقق انتصاراً كبيراً..
ولما شعر مارك أنطونيو أنه أُخذ على حين غرة، وفوجئ بالهزيمة.. فما كان منه إلا أن فقد اتزانه، وأقدم على الانتحار..
ويكذّب المؤرخون بعضهم البعض حول زمن انتحار كليوباترا، فمنهم من قال:
ـ إنها انتحرت فور سماعها بخبر موت أنطونيو.
ـ والبعض قال: إنما انتحرت بعد ستة اشهر بسبب أنها لم تكن تريد أن تسير في ذلة في موكب نصر أكتافيوس في شوارع روما..
واختلف المؤرخون أيضاً حول الطريقة التي انتحرت بها.. حيث كتب بعضهم:
ـ أن كليوباترا تزينت أحسن زينة، ثم جاؤوها بسلة فيها فاكهة التين، نام بين حباته ثعبان رهيب، فأخذته في جرأةٍ ليلدغها اللدغة القاتلة..
ـ تلك صورة رومانسية درامية مثيرة.. لكنها تجافي الحقيقة.
ـ والحقيقة هي: أن كليوباترا كانت تخفي دائماً في خاتما كمية قاتلة من السمّ الذي اشتهر بإعداده كهنة آمون.. وكانت تلك الكمية تكفي لقتل عشرة رجال..

• وحين أبلغوها بأن أكتافيوس قرر أن يحملها في الغد إلى روما، ابتلعت السّم... بعد أن ابتلعه أمامها كل أولادها، و وصيفاتها..
ورفض الجميع الحياة ثمناً لمسيرة ساعةٍ في موكب الذل أمام القائد الروماني المنتصر في شوارع روما.

* * *
لعلنا إذا ما انتقلنا في موضوعنا القادم إلى مأساة أجمل صداقة ربطت بين شاعرين هما: المعتمد بن عباد، والشاعر بن عمار، يكون الانتقال ما بين عصر كليوباترا وعصر الأندلس.. وإلى أن نلتقي..