حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$archive_pages - Line: 2 - File: printthread.php(287) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(287) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 287 eval
/printthread.php 117 printthread_multipage
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ (/showthread.php?tid=21124)

الصفحات: 1 2


فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - كوكب الأرض - 01-25-2006

فلسفة التأويل تعتبر من الفلسفات الجديدة نسبياً والتي نشأت في الغرب وعالجت مفهوم النص والخطاب .. والتي اشتهر فيها كثير من الفلاسفة وخصوصاً غادامر وبول ريكو وميشيل فوكو ودلتاي وغيرهم .. ولا شك أن كثير من المثقفين في هذا النادي لهم اطلاع على هذه الفلسفة ..ومن المعروف في مثل هذه المواضيع الجافة نوعاً ما يصعب على المبتدئ الدخول في قراءة الكتب الجامدة في هذه الفلسفة ولا بد من كتب وأبحاث تلخص نوعاً ما الفكرة وأفكار فلاسفتها أولاً قبل الشروع في القراءة المعمقة فيها ..

السؤال هل هناك من يرشح كتب تلخيصية أو مساعِدة في نظرية فلسفة النص والتأويل تكون عوناً على معرفة أصل الفكرة إضافة إلى معرفة اختلاف الفلاسفة فيها قبل الدخول في الدراسات المعمقة ..

أتمنى الإفادة ..



فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - محارب النور - 01-25-2006

علوم الالسنيات حديثة نسبيا بدءت من جاكبوسن ودي سوسر ,وغيرهم في تفكيك اللغة ,واعطاء بعد فلسفي للغة والكلمات ,تحليل النصوص ,فكرتهم تتركز على ان الكلمة هي عبارة عن مفتاح او نافذة تقود الى عالم المعنى ,والكلمة هي رمز ,او دالة الى مدلول خفي ,مدارس عدة ,نشأت تهتم باللغة.

اول مدرسة هي مدرسة البنوية ,وهذة المدرسة تركز على تحجيم ان صح التعبير "تصغير او تقليل من احتمالات المعنى للنص المطروح " مع دراسة التاريخ الذي عاصر النص ومؤلف النص" نفسية الكاتب نفسة وحالتة الاجتماعية والجو الذي كان يعيش فية",وتاثير هذة العوامل في ولادة النص ,وبالتالي معرفة التفسير والهدف من النص ككل ,عموما هي تتركز على بناء المعنى وتفسير المقنن والمحدود للنص من اعمدة هذة المدرس شتاروس وغيرة.

هناك المدرسة المثيرة للجدل وهي التفكيكة ,وهذة المدرسة بدءت من هايدغر كفكرة عن فك اوصال الكلمة او النص ,نزع المعنى منها ,فكرة المؤسس الحقيقي للتفكيكية هو دريدا ,فلسفتة غريبة بعض الشي ان النص ,الكلمات,عبارة عن طبقات ان صح تعبير مثل الاحافير كلما نبشنا الكلمة نجد تحتها كم هائل من الدلائل والمعاني ,حتى وهنا وجه الغرابة ان النص تفاعلي مستمر يعطي معاني غابت عن الكاتب نفسة وهنا مكمن الخطورة ,لان اللغة حية متفاعلة الكثير من المعاني لم تكن في ذهن الكاتب عندما الف النص .

فكرة التفكيك ان الكلمة تكون تحت مصطلح الاختلاف والارجاء ومصطلح غريب بعض الشي ,ان الدال ,وهنا الدال هي الكلمة ,والمترابطة بالمدلول ,وعندنا في النص الكثير من الدوال ,المترابطة مع كم من المدلولات ,ان اعطاء المعنى من قبل الدال الى مدلولة يكون عن طريقة شبكة معقدة من العلاقات مع الدوال من جنسة ,ولا يكون المعنى من دون هذة العلاقة .

نقدر ان نشبة هذة الفكرة ,ان النص هو الذي يحمل الكلمة معنها ,وليست الكلمة لها معنى معين وحدها لولا وجود الدوال الاخرى في النص ,اذن العلاقات بين الدوال من ضمن سياق النص ,وهي الذي يعطى للكلمة معناها ,اذن الاختلاف في موقع الكلمة وسياق الكلام هو الذي يحمل الكلمة معناها وربطها بالمدلول .

فكرة ديدرا خطيرة النص متفاعل حي مستمر في اعطاء معاني جديدة مع الوقت .

اعتقد ان الدكتور نصر حامد ابو زيد من العرب الذين اهتمو في تطبيق هذة المدارس الالسنية على كتب التراث وخاصة القران ,ومحمد اركون الجزائري ولكن محمد اركون يتية في تفصيلات صغيرة وتضيع عليك الثمية الاصلية للكتاب لا احبذ ان تقراء لهذا الكاتب .

ابدء مع نصر حامد ابو زيد

محارب النور

(f)


فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - محارب النور - 01-25-2006

وهذا اقتباس عن سياق التفكيك لان دريد يرفض فكرة ان تسمى افكارة فلسفة

__________________________________
الأثر “ TRAC ” :
صب دريدا جام غضبه على ما زعم البنيويون أنه طموح إلى اتباع المنهج العلمي، فالعلم في نظره – مثله في ذلك مثل الدين والفلسفة الميتافيزيقية – يقيم نظامه على ما يسميه "الحضور" ومعناه التسليم بوجود نظام خارج اللغة يبرر الإحالة إلى الحقائق أو الحقيقة. وهو يبسط حجته على النحو التالي: "تحاول الفلسفة الغربية منذ أفلاطون تقديم أو افتراض وجود شيء يسمى الحقيقة أو الحقيقة السامية المتميزة" أو ما يسميه هو "المدلول المتعالي" أي المعنى الذي يتعالى على (أو يتجاوز) نطاق الحواس ونطاق مفردات الحياة المحددة. ويمكن في رأيه إدراك ذلك من خلال مجموعة من الكيانات الميتافيزيقية التي احتلت مركز الصدراة في كل المذاهب الفلسفية مثل: الصورة، المبدأ الأول، الأزل، الغاية، الهيولي، الرب، ويمكن اعتبار اللغة المرشح الأخير للانضمام لهذه القائمة(8).

فمفهوم "الأثر" في التفكيكية/ التقويضية مرتبط بمفهوم الحضور الذاتي ودريدا يرى في الأثر شيئا يمحو المفهوم الميتافيزيقي للأثر وللحضور(9). وهدف دريدا هو تفكيك الفلسفة وتفكيك تطلعاتها إلى إدراك الحضور عن طريق ما حاول إثباته من أن عمل اللغة نفسه يحول دون الوصول إلى تلك الغاية. وفي مقابل التركيز على المقابلة بين الدال والمدلول (اللفظ والمعنى) عند سوسير يرفض دريدا أسبقية المدلول على الدال، لأن تصور سوسير كان يعني وجود مفاهيم "حاضرة" خارج الألفاظ(10).

الاختلاف/ الإرجاء “ DEFFERANCE ” :
هذا المصطلح سبب مشكلة في الترجمة بسبب الالتباس الحتمي المرتبط به، فترجمه البعض (الاختلاف والإرجاء)(11) وترجمه آخرون (الاختـ(ت)ـلاف)(12)، أما الدكتور عبد الوهاب المسيري فترجم هذا الاصطلاح إلى "الاخترجلاف" وهي كلمة قام بنحتها من كلمتي "اختلاف" و"إرجاء" على غرار كلمة “ LADIFFERANCE ” التي نحتها دريدا من الكلمة الفرنسية “ DIFFER ” ومعناها أرجأ والكلمة “ DIFFERENCE ” بمعنى اختلاف وتحمل معنى الاختلاف (في المكان) والإرجاء (في الزمان). ويرى دريدا أن المعنى يتولد من خلال اختلاف دال عن آخر، فكل دال متميز عن الدوال الأخرى ومع ذلك فهناك ترابط واتصال بينهما، وكل دال يتحدد معناه داخل شبكة العلاقات مع الدوال الأخرى، لكن معنى كل دال لا يوجد بشكل كامل في أية لحظة (فهو دائما غائب رغم حضوره)، وهكذا فالاخترجلاف عكس الحضور والغياب بل يسبقهما(13).

الانتشار أو التشتيت “ DIFFERENCE ” :
هذا المصطلح وأصله الإنجليزي “ DISSEMINATION ” ، كانت ترجمته هو الآخر موضوع اختلاف بين النقاد العرب، فبينما اختار الرويلي والبازعي ترجمته " الانتشار والتشتيت " اختار المسيري ترجمته "تناثر المعنى"، والكلمة يستخدمها دريدا في مقام كلمة دلالة وهي من فعل “ DISSEMINAT ” بمعنى : يبث أو ينثر الحبوب، وللكلمة معان أهمها: أن معنى النص منتشر فيه ومبعثر فيه كبذور تنثر في كل الاتجاهات ومن ثم لا يمكن الإمساك به. ومن معانيه أيضا: تشتيت المعنى – لعب حر لا متناه لأكبر عدد ممكن من الدوال، تأخذ الكلمة معنى وكأن لها دلالة دون أن تكون لها دلالة أي أنها تحدث أثر الدلالة وحسب(14). ويأخذ مصطلح تناثر المعنى بعدا خاصا عند دريدا الذي يركز على فائض المعنى وتفسخه وهو سمة تصف استخدام اللغة عامة(15).
_______________________________

هذة هي المباني الثلاثة لسياق التفكيك

محارب النور

(f)


فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - كوكب الأرض - 01-25-2006


شكراً يا أستاذي محارب النور على هذا التحليل الرائع والموجز ويبدو أنك على اطلاع واسع في هذا المضمار ..

في الحقيقة أن هذه المدارس متشابكة ومتداخلة فيما بينها وبينها اتفاق من أوجه واختلاف من أوجه أخرى..

أستاذي محارب النور المحترم .. قرأت لنصر حامد أبو زيد وأيضاً لمحمد أركون وغيرهم ممن يحاول تنزيل النظرية الغربية على نصوص القرآن .. لكن الذي لاحظته أن هؤلاء أستطيع أن أقول إن نظرتهم لهذه المدارس انتقائية نوعاً ما إن صح التعبير فليسوا ملتزمين بكل أطراف النظرية ولا يتبعون مدرسة معينة في تأويلهم للنصوص .. أستطيع أن أقول إن تأويلهم للنص مبني على رأي مسبق وجد تبريره في النظريات الغربية .. وربما كان الكاتب اللبناني علي حرب أوسع من نقد هؤلاء وغيرهم في مشروعهم النقدي في عدد من أبحاثه ..

الذي أريده من ذلك معرفة المدارس الغربية في تأويل النص وفلسفته وسبر تطورها ومعرفة متغيراتها بأسلوب أستطيع أن افهمه كقارئ متواضع الفهم أحادي اللغة ..وبمعرفتي بذلك أستطيع أن أقيّم كتابات أركون وأبو زيد في مشروعهم النقدي ففي معروفة لدي لكن الذي أبحث عنه أصلها الغربي ..

وعلى العموم أشكرك على إيضاحك وأتمنى منك المزيد وخصوصاً أنك على اطلاع في هذا المجال ..



فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - كوكب الأرض - 02-18-2006

لإثراء الموضوع ..


فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - إبراهيم - 02-18-2006


أخي الغالي أسقف مكة، مكة ذات الأسقف الشامخة.. حياك الله بالخير!

كيف حالك؟ وينك؟ اشتقت لأخبارك و لسماع كل خير عنك..

صديقي.. موضوعك جميل و أسئلتك ممتازة. لكن اسمح لي أن أقترح عليك أن تقرأ كتب انكليزية كمقدمات في البداية في علم الهرمونطيقا hermeneutics و لنبدأ بمقالات بسيطة بدائية على مستوى الجامعة و من المرحلة التمهيدية قبل أن نخوض عالم ريكور العملاق و كذلك جدامار و هيدجر و غيرهم. ما رأيك في أن نبدأ بقراءة مقال بسيط كهذا ثم نتوسع تدريجيا؟

http://en.wikipedia.org/wiki/Hermeneutics

أرجوك أن تقرأه و تترجمه و لو تريد أي مساعدة في الترجمة أو في شرح أي شيء فأنا خدّامك. و أرجو أن لا يفوتك قراءة هذا المقال في جامعة ستانفورد:

http://plato.stanford.edu/entries/hermeneutics/

فهي موسوعة فلسفية قيمة. حاول أن تطبع المقال و تقرأه و القاموس إلى جوارك و تهضمه هضما بعد أن تكون طحنته طحنا مبينا في ذهنك و تشبعت به.
هذه خطوة لابد منها يا صديقي... (f)


لكن رجاء.. رجاء أن نؤجل ريكور لمرحلة لاحقة فيما بعد.

بالنسبة للكتاب العرب الذين ذكرت، بصراحة لا أقيم وزن أكاديمي لما يقولون لأني أشعر أنهم انتقائيين رغم أني لم أقرأ كل شيء لهم من باب الإنصاف.
أريدك أن تتقن، لهذا السبب، اللغة الإنكليزية و هذا أقل ما يجب عمله و أنت في مشوارك الأكاديمي. مع أمنياتي لك بكل التفوق و التقدم و المجد و كم أنا فخور بك و بسماع كل الأخبار الحلوة عن مشوارك العلمي.

زميلك و صديقك في مشوار الدراسة،

إبراهيم



فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - oskar - 02-18-2006




الفينومينولوجيا وفن التأويل


لا تزال قضايا الفينومينولوجيا (phénoménologie) وفن التأويل (herméneutique) تطرح إشكاليات جديدة ورؤى ومناهج متنوعة نظرا للمسائل التي أثارتها في تاريخها المعرفي والمعياري والتي تحتل اليوم الصدارة في ميدان الأبحاث المنهجية والنفسية والاجتماعية والتاريخية والإنسانية. يتعلق الأمر في هذه المحاولة بإبراز أوجه الالتقاء البنيوي والوظيفي والتفتح المنهجي والانفتاح النقدي وربما التأثير والتأثر الكائنة بين الفينومينولوجيا كما تجلت -في صورتها النسقية والفلسفية- عند "هوسرل" وبين فن التأويل -المنهجي والفلسفي- كما طرح مسائله وقضاياه "هانس-غيورغ غادامير". فإذا حاولت الفينومينولوجيا معالجة مشكل "فهم الوجود:، فإن فن التأويل انصب اهتمامه على إشكالية "وجود الفهم" أو بالأحرى "كينونة الفهم" لا كتصور نفسي وإنما كتصوير فينومينولوجي يراعي خصوصية افنتاح الكائن على ذاته وعلى الوجود.
قبل التطرق إلى موضوع الفهم والأبعاد الأنطولوجية والتاريخية والجمالية التي اتخذها في فلسفة فن التأويل، نتطرق ابتداءا إلى المصدر (والذي لا يمكن اعتباره المنبع الضروري والكافي لفن التأويل على اعتبار أن هذا الأخير يجد مصدره أيضا في الأزمات التي نشأت عن قراءة الكتابات المقدسة وتأويل المقاصد والأفعال في الممارسات القانونية والأحكام القضائية) الذي استقى منه فن التأويل المعاصر مناهجه وآلياته وكذا المضامين المعرفية التي ينطوي عليها (وهي مضامين يتقاطع فيها مع الفلسفات الذاتية والمتعالية مع كنط وفخته وهيغل وديكارت ويتجاوزها). يتمثل هذا المصدر (الذي بدوره استفاد من الإشكاليات التأويلية التي طرحها سبينوزا ودلتاي وشلايرماخر وتجاوزها) في الظواهرية أو الفينومينولوجيا التي عرض أفكارها "برانتانو" (Brentano) وارتقى بها "ادموند هسرل" إلى درجة النسقية والتنظير.

1 - الفينومينولوجيا: فلسفة في "المعنى"
الفينومينولوجيا هي علم الظواهر (phénomènes). استعملت أولا في ميدان علم النفس لتدل على الظواهر السيكولوجية (الرغبة، الإدراك، الإحساس،…) ومظاهر الوعي في محتواه النفسي، والقائمة على ملاحظة ووصف الظاهرة "كما هي" معطاة، قصد تحليلها وتحديد خصائصها وفهمها على وجه الخصوص. وتعني الفينومينولوجيا في إطارها الفلسفي والأنطولوجي تحديد بنية الظواهر وشروطها العامة؛ بمعنى مشكل الظهور أو الانبثاق (لأي ظاهرة كانت) الذي يتصل لأول وهلة اتصالا مباشرا بالوعي. فأول التقاء للوعي الذي أثارته وجلبت انتباهه ظاهرة معينة هو صلب المسائل التي تحاول الفينومينولوجيا معالجتها. ويمكن تصوير هذه المسألة بأول وميض يثير انتباه البصر إليه(1). وهذه "الإثارة" (أو الانتباه) لا تبقى في محيط الانفعالات السيكولوجية، بل ترتقي في مضمونها الفلسفي-الأنطولوجي إلى فضاء "الماهيات" (essences) قصد "رصد" ماهية الظاهرة التي تتجلى للوعي (وتتجلى "في" الوعي كما سنفصل ذلك لاحقا): "يهتم علم النفس بـ"الوعي التجريبي"، بالوعي في الموقف التجريبي، باعتباره كائنا هنا ضمن نظام الطبيعة؛ بينما تهتم الفينومينولوجيا بالوعي "الخالص" "(2).
لا تسعى الفينومينولوجيا إلى تفسير العالم من خلال البحث عن شروطه الممكنة كما يصرح بذلك "م.ميرلو-بونتي"، وإنما تهتم بتشكيل التجربة، كأول لقاء -أنطولوجي- بين الوعي والعالم والذي يعتبر لقاءا سابقا على كل تفكير حول هذا العالم.
نميز في الفينومينولوجيا بين ثلاثة أنواع من الاتجاهات:
1 - الفينومينولوجيا النقدية مع كنط (Kant) وهي تلك التي تسعى إلى تبيان الشروط الممكنة للموضوعية تؤطرها بينة الذات (Sujet) والتي تحدد، بالمقابل، حدود المعرفة التي تجد نفسها في مواجهة فكر "المطلق".
2 - فينومينولوجيا المظاهر (apparences) التي يحددها مراتب ظهور الكائن عند هيغل (Hegel) ومساره الأنطولوجي نحو المعرفة المطلقة: "لقد طرحت في "فينومينولوجيا الفكر" تطور الوعي من أول معارضته المباشرة بينه وبين الموضوع حتى المعرفة المطلقة"(4)
3 - فينومينولوجيا التأسيس (Ursprung): عوض البحث عن الشروط الممكنة لكل تفكير أو تعبير أو تدبير وخلافا لتجليات الكائن عبر مراحل أنطولوجية يبتغي من ورائها الفكر المطلق، يطرح هسرل فينومينولوجيا التأسيس التي تبحث عن قاعدة أو دعامة تنبثق من خلالها، أو تتأسس بموجبها، أو ترى الوجود على إثرها كل ظاهرة معينة. فمشكلة الفينومينولوجيا هي مشكلة النشوء أو التكون (genèse) لا بالمعنى البيولوجي لتكون الجنين أو نشوء الكائنات (وإن كانت هذه الظواهر لا تخلو من مساءلات فينومينولوجية)(5)، لكن بالمعنى الذي يجعل من الظاهرة، ظاهرة ذات ماهية وقابلة لتلقي المعنى الذي يضفيه الوعي عليها في أول لقاء له بها. من هنا كان معنى الظاهرة أيضا هو معنى "التشكيل" أو "إضفاء الشكل أو الصورة" (mise en forme) وذلك أن الظاهرة، بالمعنى الأرسطي، هيولى وصورة (hylè/morphè). فالظواهر تتميز عن بعضها البعض بالصور أو الأشكال وإن كانت تشترك أحيانا في المادة. فالمادة الأولى (materia prima) عبارة عن كمونات (potentialités) غير محددة ولكنها تتحدد بالمواد الثانوية التي تفصل بين مختلف خصائص هذه المادة.
هذا الاختلاف بين صور الظواهر هو محل الإشكال الذي طرحته الفينومينولوجيا: كيف يمكننا التمييز بين الظواهر؟ بأية وسيلة يمكننا الحكم على أن الظاهرة (أ) تختلف عن الظاهرة (ب)؟ باختصار يتبلور الإشكال في الفكر الفينومينولوجي كما يلي: ماذا يعني أن نضفي "المعنى" على الظواهر حتى يمكننا الإقرار بالاختلاف الكائن بينها؟ فمشكل الفينومينولوجيا يتجلى في مسألة "معنوية" (Signifier) الظواهر. وهذا المعنى الذي يسنده الوعي إلى الظاهرة في أول لقاء بينهما ليس هو نتاج حدوس أو تخمينات ينسجها هذا الوعي حول الظاهرة المعطاة أمامه، بل إسناد للمعنى يسبقه "إدراك" الظاهرة. والإدراك هو مجموع الدلالات التي يضفيها الوعي على الظاهرة، هو صياغة "الصورة" (forme) لظاهرة معينة بعدما كانت غير محددة المعالم وغير متميزة الأحكام. بهذه الصياغة، تكتسب الظاهرة دلالة معينة أي تتحلى بماهية تخصها. تختص إذن الفينومينولوجيا بصياغة صور الظواهر من خلال إضفاء المعاني والدلالات عليها وإكسابها ماهيات تعبر عن خصوصيتها وتميزها. ومراحل الصياغة والدلالة هي مراتب الالتقاء بين الوعي والأشياء الكائنة خارجه. فالروابط -الأنطولوجية والدلالية والصورية- بين الوعي والشيء كظاهرة هو الذي يحدد موضوع الفكر الفينومينولوجي بامتياز. بتعبير آخر، يتشكل المعنى من التوجه الذي يباشره الوعي تجاه موضوعه وهو ما يسميه هسرل بـ"القصدية" (intentionnalité) وهي نمط العلاقة التي تربط الوعي بمضمون الظاهرة: "نتصور العلاقة القصدية -مدركة في دلالتها الوصفية الخالصة- كخاصية ضمنية لبعض [ التجارب ] المعيشة، كتحديد لماهية "الظواهر" أو "الأفعال النفسية".."(6) فالوعي هو دائما الوعي "بـ" شيء ما (conscience "de"…)(7): "أن نقول إن الوعي هو الوعي بشيء ما هو أنه لا يوجد فكر (noèse) دون موضوع الفكر (noème)، ولا الأنا المفكر (cogito) بدون الموضوع المفكر فيه (cogitatum)"(8)، هو الفكر عندما "يتوجه نحو" موضوعه (وهنا يتجلى المعنى الاشتقاقي للكلمة اللاتينية "intentio" بمعنى "التوجه نحو"): "القصدية هي القدرة التي يمتلكها الوعي في رصد الموضوع أو بالأحرى كينونة الوعي كانفتاح على الموضوع"(9).
فالوعي "بـ" الموضوع هو رصده وإدراكه وتحديده ضمن قوالب دلالية محددة، هو إدراك "ماهية" (eidos) هذا الموضوع وبالتالي فهو رصد "معنى" يحتمله. والإدراك الحدسي نوعان:
1 - إدراك حدسي تجريبي (intuition empirique) ويتمثل في التجربة وهو الوعي بالموضوع الفردي كمعطى أصلي (une donnée originaire) يدرك أساسا في خصوصيته المادية (ipséité corporelle).
2 - إدراك حدسي ماهوي (intuition eidétique)، هو الوعي بشيء ما، الوعي بموضوع ترصده رؤية الإدراك الحدسي.
وعليه، تشكيل الصور وإضفاء المعاني وصياغة الماهيات هي معطيات ينسجها الوعي حول موضوعه. لكن لا تنشأ هنا علاقة حميمية بينهما، بحيث يتلون الوعي بتلون موضوعه، وإنما يستقل الوعي بخصوصيته الثابتة والمطلقة والخالصة عن موضوعه مهما طرأت عوارض وتبدلات وتحولات إزاء هذا الموضوع. وعليه، يعتبر هسرل أن الوعي "نسق وجود مغلق على نفسه"(10)، دوامة تشد إليها كل الأشياء مع أنها تنفر كل الأشياء. فعالم الأشياء هو عالم "معطى" من أجل الوعي، يستثمره هذا الأخير في تجاربه الخاصة، عالم يفقد كل وجود وكل معنى خارج هذا الوعي. فعوض أطروحة الارتباط والتلازم المنطقي (corrélation) بين العالم والوعي مثل تلازم وجهي القطعة النقدية، يركز هسرل على الوعي في كينونته المطلقة والخالصة، باختزال عالم الأشياء وتعليق حكمه (épochè) وهو ما يصطلح عليه اسم "الإرجاع الفينومينولوجي" (réduction phénoménol) الذي يعتبر معطيات التجربة كظواهر ويضع بين قوسين عالم الأشياء بما فيه "الأنا التجريبي" (le moi empirique)، بمعنى تعليق حكم وجود هذا العالم تعليقا مؤقتا يخلو من كل عدمية، وهذا التعليق يؤكد على الحقل اللانهائي للحياة الخالصة التي يتمتع بها الوعي "كأنا متعالي" (Ego transcendantal) وعلى العالم-الظاهرة كموضوعه القصدي. أما "الإرجاع الماهوي" (réduction eidétique) فهو الذي يأخذ بعين الاعتبار الماهيات المجردة عن العوارض والأحداث.
ينكشف إذن الوعي كنشاط خلاق للمعنى من خلال المراحل الوجودية والتجارب المعيشة التي تتوالى عليه أو بالأحرى التي يمارسها في نشاطه الدلالي. لكن هل ينحصر نشاط الوعي في إدراكه لعالم الأشياء فقط على هذه الميزة المتعالية وعلى هذه السلطة المطلقة في إضفاء المعاني وتأسيس الأحكام؟ بتعبير آخر: ما هي طبيعة العلاقة الكائنة ليس فقط بين الوعي والشيء كظاهرة وإنما أيضا بين الوعي و"وعي آخر" يفرض ذاته أمامه؟
في علاقة الوعي "بالآخر" (autrui) يستند هسرل على تجربة "الجسد" (corps) كتجربة أساسية بامتياز في عملية الإدراك هذه. فبوجود "جسدي" الخاص ضمن حقل إدراكي الخاص كجسد عضوي موجود هنا والآن، يمكن إدراك الأجساد الأخرى كأجساد عضوية "موجودة" فعلا، كمعطيات مباشرة لحقل إدراكي الخاص. وجود جسد "الآخر" بمعنى وجود الآخر كـ"جسد" هو الإدراك الذي أباشره وبالتالي الذي أعيه بوجود شيء كـ"جسد" "آخر" أمامي ضمن الحقل الذي يجوبه إدراكي الخاص. فإدراك "جسدي" كحقل لتجاربي المعيشة، ضمن إطار ذاتي خاص يجعلني أدرك "جسد" الآخر بنفس الإدراك الذي أدركت به جسدي الخاص. فهو "تأويل أصلي" interprétation originaire) يجعل إدراك جسد "ي" وإدراك جسد "الآخر" على قدم المساواة. فهذا التشابه العضوي والحركي والسلوكي في إطار زماني-مكاني خاص بين جسد "ي" وجسد "الآخر" هو الذي يجعل الإدراك متطابقا في كلتا الحالتين. لقد رأينا من قبل أن الوعي هو الذي يؤسس "ظاهرية" (phénoménalité) العالم بفعل التوجه (= القصدية) والمعنى المعطى؛ ومن ثم إذا أسست (كوعي) العالم، فهذا العالم هو في الحقيقة "عالم "ي" " الخاص، وكل التأسيسات التي يباشرها الآخرون هي تأسيسات غريبة عن "عالم "ي" "، هي تأسيسات لعالم لم أكن الأصل في إدراكه ووعيه، عالم "الـ"لا" أنا" (un monde du non-moi). غير أنه، رغم الاختلافات التي يمكن الشعور بها في إدراك العالم الذي يتواجد فيه الجسد وخصوصا الاختلاف الزماني والمكاني، فإن إدراك العالم "موضوعية" (par objectivité) أو إدراك العالم "الموضوعي" (Le monde objectif) -بمعنى أن "مواضيع" العالم "تتساوى" أو على الأقل تدرك من زوايا متشابهة- تعطي للإدراك الحدسي للعالم ولمواضيعه قيمته ودلالته. وهذا الإدراك "المشترك" أو بالأحرى "الموضوعي" يسمح ببناء هذه العلاقة غير المرئية ولا المدركة والتي يسميها هسرل "التواصل الذاتي" (l'intersubjectivité) والذي هو شرط أساسي لكل "موضوعية" ممكنة: لا يمكننا الانتقال من الذاتية (subjectivité) إلى الموضوعية (objectivité) إلا بواسطة التواصل الذاتي (intersubjectivité)"(11).
فالتواصل الذاتي يضمن "التفاهم" بين مختلف الذوات حول نفس العالم التي تنتمي إليه. فهو مجموع الإدراكات الحدسية، كل واحد على حدة، التي اتصلت اتصالا مباشرا بمواضيع العالم وأدركت ماهياته وحقائقه. بفكرة التواصل الذاتي يتخلص هسرل من مشكلة "أحادية الذات" أو "الأنا وحدية" (Solipsisme)، التي تعتبر أن الأنا فريد من نوعه ولا يوجد في العالم سوى "الأنا" مثل الذرة الروحية (monade) عند ليبنتز (Leibniz) التي تخلو من نوافذ وبالتالي تقطع حركة الذهاب والإياب بين ما هو كائن في الداخل (في الذرة الروحية) وبين ما هو كائن في الخارج (في العالم الخارجي). ربما الحل الذي يفترضه ليبنتز لمشكلة علاقة النفس بالجسد أو التواصل بين الذرات الروحية يكمن في فكرة "الانسجام الأزلي" (harmonie préétablie). لكن "الانسجام الأزلي" عند ليبنتز لا يقترب دلاليا ولا فلسفيا من فكرة "التواصل الذاتي" عند هسرل، لأن الفكرة الأولى هي تواصل مفارق يجعل الإدراك الذاتي بين الذرات الروحية تضمنه العناية الأزلية بفضل "الموناد" الأكبر، غير أن التواصل الذاتي في الفكر الفينومينولوجي هو إدراك موضوعي لظواهر العالم تقتسمه الذوات بحكم انتمائها المشترك لهذا العالم، تؤطره موضوعية الزمان والمكان اللذين تتواجد فيه.

2 - فن التأويل: فلسفة في "الفهم":
فلسفة "المعنى" التي أسسها الفكر الفينومينولوجي تجد صداها واسعا في فلسفة "الفهم" التي بلورتها فلسفة فن التأويل المعاصرة (philosophie herméneutique). وسنعمل في القسم الثاني من هذا البحث على إبراز: أ ـ دلالة فن التأويل كما تجلت في الفكر الغربي؛ ب ـ أسس فن التأويل والتي نختصرها في مفاهيم: التجربة المعيشة، الفهم، الحوار، التراث؛ جـ ـ الآفاق النظرية التي يشترك فيها فن التأويل مع الفكر الفينومينولوجي.
أ ـ فن التأويل: مرفولوجيا وجنيالوجيا.
تجدر الإشارة إلى أننا ترجمنا كلمة "herméneutique" بـ"فن التأويل" تمييزا لها عن "التأويل" بمعنى "interprétation" والعلة في ذلك سنذكرها في معرض تحليلنا الاشتقاقي لكلمة "herméneutique".
"Herméneutique" (بالإغريقية herméneutikè) تتضمن في اشتقاقها اللغوي كلمة "technè" التي تحيل إلى "الفن" بمعنى الاستعمال التقني لآليات ووسائل لغوية ومنطقية وتصويرية ورمزية واستعارية. وبما أن "الفن" كآلية لا ينفك عن الغائية (téléologie =finalité) فإن الهدف الذي لأجله تجند هذه الوسائل والآليات هو "الكشف" عن حقيقة شيء ما. وتنطبق جملة هذه الوسائل على النصوص قصد تحليلها وتفسيرها وإبراز القيم التي تختزنها والمعايير والغايات التي تحيل إليها. وعليه، تعني "herméneutique" "فن" تأويل وتفسير وترجمة النصوص": "التأويل هو فن"(12) بمعنى طريقة الاشتغال على النصوص بتبيان بنيتها الداخلية والوصفية ووظيفتها المعيارية والمعرفية؛ والبحث عن حقائق مضمرة في النصوص وربما المطموسة لاعتبارات تاريخية وإيديولوجية هو ما يجعل فن التأويل يلتمس البدايات الأولى والمصادر الأصلية لكل تأسيس معرفي وبرهاني وجدلي: "والفهم عندما يعمل لا يلغو فقط، أي لا يقول رموزا، وإنما هو يؤول. أي أنه يبحث عما هو أول في الشيء، عما هو الأس والأصل"(13) نفس الدلالة يمنحها "لسان العرب" لابن منظور: "التأويل المرجع والمصير مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه"(14): نجد في اشتقاقات كلمة "تأويل" الآل بمعنى عمد الشيء الذي يستند عليه والآل بمعنى السراب، والقيمة الدلالية والأنطولوجية التي يمكن أن نمنحها إلى (الآل = السراب) هو أن الأصل الذي تؤول إليه الأشياء والذي يبحث عنه التأويل هو تأسيس متعدد الأوجه أو هو حقل تجوبه جملة العلاقات الاختلافية والاستعارية دون إرجاع الأشياء إلى قيم متعالية أو أصل مطلق، بحيث يصبح المعنى المكتشف مجرد دلالات نسبية وعلاقات وإحالات متبادلة. والآلة = الشدة وهو الصرامة في فحص وقراءة النصوص التي تستدعي الآلة = الأداة بمعنى الوسائل والآليات اللغوية والتركيبية والفنية الموظفة في قراءة هذه النصوص.
تاريخيا، ارتبط فن التأويل (الهرمينوطيقا) بإشكالية قراءة الكتابات اللاهوتية والنصوص المقدسة، مما دفع أحد اللوثريين (نسبة إلى رائد الإصلاح "Réforme" مارتن لوثر M.Luther) وهو "ماتياس فلاسيوس (Matthias Flacius) إلى الثورة على سلطة الكنيسة (L'Eglise de Trente) في مسألة مصادرة حرية قراءة النص المقدس ليقترح أولوية التراث في تأويل بعض المقاطع الغامضة من النص وطابع الاستقلالية في فهم محتوياته بمعزل عن كل إكراه أو توجيه قسري. مواجهة سلطة القراءة "الأحادية" للنص سمحت "ولهلم دلتاي" (Wilhelm Dilthey) باعتبارها المبدأ الأساسي لنظرية فن التأويل الحديثة: ينبغي أن نفهم النصوص انطلاقا من النصوص نفسها وليس اعتبارا من المذهب الذي ننتمي إليه (بحيث لا يوجه المذهب النص وإنما يستقل هذا الأخير بحقيقته عن كل توجه يسجنه ضمن إطاره الخاص)، بحيث "إن الفهم يستند في هذا الإطار لا على التفسير اللاهوتي في معالجة النصوص وإنما بالتطبيق المنهجي لقواعد التأويل من لغة ونحو ومنطق وترجمة"(15).
وحسب دلتاي، يعود الفضل إلى فلاسيوس في تأسيس حلقة فن التأويل (le cercle herméneutique) والتي تنتقل من الفهم الكلي والشامل للمعنى الذي يختزنه النص إلى فهم أجزاء هذا النص. وعليه ينشأ تأويل شبه دوري يستند فيه الفهم الكلي للنص على فهم أجزائه وعكسه. فمثلا تأويل الإنجيل (La Bible)، كما يرى دلتاي، ينبغي أن يفهم كل كتاب وكل مقطع انطلاقا من الدلالة العامة لمجموع الكتب، وهذه الدلالة الشاملة تتشكل بالاستناد إلى فهم كل جزء على حدة.
هذه الإزاحة التي مارسها فلا سيوس في قضايا تأويل وفهم النصوص بعيدا عن الإطار الإيديولوجي والسياج الدوغمائي المغلق الذي تنحصر فيه، ليست كافية من منظور دلتاي لأن هناك عوامل أخرى أغفلها فلاسيوس وهي قراءة كل كتاب على ضوء مختلف الظروف (التاريخية والاجتماعية) والسياقات والاستعمالات (اللغوية). يطرح كل من "سبينوزا" (Spinoza) و"كلادينيوس" (Chladénius) مسألة الفهم من وجهة نظر قيمية وأكسيولوجية: فهم النص هو فهم حقيقة هذا النص. لكن لا يخلو هذا الفهم من معايير لغوية وفنية وحتى نفسية تحاول فك العقد المبهمة التي ينطوي عليها النص، مثل مسألة "المعجزات" (Miracles) في النص المقدس. نشاط فن التأويل من منظور سبينوزا وكلادينيوس هو تداول الفهم الأساسي للنص. "ماير" (G.F.Meier) و"شلايرماخر" (Schleiermacher) افتتحا عهدا جديدا من خلال توسيع حركة التأويل من قراءة النص المقدس إلى فحص وتمحيص مختلف النصوص المرتبطة بميادين متعددة (الأدب، الفن، الفلسفة…). خلافا لسبينوزا وكلادينيوس، لا يتعلق مشكل الفهم عند "شلايرماخر" بين فهم عادي وفهم أفضل للنصوص قصد إدراك طبيعة الموضوع. بتعبير آخر، لا يولي شلايرماخر الاهتمام بشرعية الفهم وصلاحيته، وإنما يرتبط الفهم من منظوره بفردانية الفكر لشخص معين الذي يتلفظ بخطاب معين ضمن سياق زماني ومكاني خاص ومعين. وممارسة الفهم عند شلايرماخر على نوعين:
1 - فهم غير صارم يتجنب من خلاله عدم التفاهم (les malentendus).
2 - فهم صارم يقر بحقيقة عدم التفاهم كظاهرة عادية وطبيعية وينصب اهتمامه على البحث عن فهم مشترك.
يعقد فن التأويل بذلك علاقات نقدية ومعرفية مع الميادين الفكرية المتنوعة وخصوصا أن دلتاي يعتبره القاعدة الأساسية للعلوم الإنسانية أو علوم الفكر (Geisteswissenschaften) والمفتاح الهام الذي لا يمكن الاستغناء عنه ليس فقط في فهم النصوص المكتوبة (حكايات، روايات، قصص، رموز، أساطير) وإنما أيضا النصوص المرئية المتمثلة في شبكة العلاقات والممارسات الاجتماعية والتاريخية والتحف الفنية.
الانتقال والإزاحة اللذان مارسهما دلتاي لهما أهمية قصوى، بحيث سمحت باستحداث "نموذج جديد" (nouveau paradigme) غير الواجهة المعرفية والقيمية في التعامل مع النصوص بحيث تتجه حركة التأويل من المكتوب إلى المرئي مرورا بالمقروء كما أنها لا تغفل تلك الذات الناسجة للنصوص، الكائنة خلفها: "يهدف فن التأويل إلى فهم وتفسير أفكار الآخرين عبر علاماتهم. يحصل الفهم عندما تستيقظ التمثلات والإحساسات في نفس القارئ وفقا للنظام والعلاقة الكائنين في نفسية المؤلف"(16).
والنص من هذا المنظور ليس نسقا مغلقا من الرموز والإشارات والدلالات وإنما هو خطاب مثبت ومفتوح لا تنفك عنه حركة القراءة والنقد والتواصل الفكري وتداول المفاهيم ورؤوس أموال معرفية بين القارئ والكاتب. هذا النشاط الفكري والنقدي الدؤوب والحوار الدائم بين القارئ والمقروء، دفع فلاسفة فن التأويل إلى دراسة ظاهرة فهم المعنى الذي يحتويه النص ومعرفة ما إذا كان هذا المعنى يعبر "فعلا" عن مقاصد وأهداف المؤلف (ومن ثم اي فعل أو حركة يمكن معالجتهما بنفس المنحى من خلال رصد مقاصد الفاعل وإدراك المعنى الذي تنطوي عليه أفعاله). فالاتجاه الوضعي يرى أن فهم المعنى ينحصر فقط في إعادة تركيب ذهني لجملة المقاصد والأهداف. لكن هذا الرأي يؤسس فقط الفرضيات التي تفسر الأسباب التي من خلالها يسلك الفعل هذا السلوك أو ذاك دون أن يرتقي إلى درجة المنطقية والعلم. وهذه الدرجة تتجلى في الحالة التي تتأسس فيه الفرضيات التفسرية ضمن نظريات عامة للسلوك البشري ومن ثم التحقق من هذه الفرضيات عبر مناهج الملاحظات التجريبية. لكن يلح مفكرو فن التأويل على أسبقية "فهم" طبيعة فعل ما أو اعتقاد معين كنشاط علمي على "تفسير" انبثاق أو ظهور هذه المقاصد والاعتقادات. ويبقى الإشكال في علاقة التفسير بالفهم وخصوصا أن دلتاي أرجع التفسير إلى ميدان علوم الطبيعة والفهم إلى علوم الفكر: "إننا نفسر الطبيعة ونفهم الحياة النفسية"(17).
ب ـ أسس فن التأويل: بين "الحقيقة" و"المنهج".
لقد تبين إذن الحقل المعرفي الذي يشتغل عليه فن التأويل في فحص النصوص داخليا وربطها بسياقها العام خارجيا وأنه يطمح -أي فن التأويل- إلى درجة العالمية (L'universalité) بحكم أنه تجاوز التصور الكلاسيكي لفهم النصوص ومستويات الحقيقة التي تتضمنه إلى فهم الظواهر الاجتماعية والسلوكات والأحداث التاريخية والإبداعات الفنية والجمالية. هذا التحول الذي شهده فن التأويل ابتدأ مع شلايرماخر الذي اعتبر أن الفهم لا يرتبط بإدراك الحقيقة التي ينطوي عليها تصريح أو تأكيد بقدر ما يبحث عن الشروط الخاصة الكامنة في التعبير الذي بلوره هذا التأكيد أو التصريح. بمعنى أنه يميز بين فهم "محتوى الحقيقة" وفهم "المقاصد". وعليه يميز شلايرماخر بين منهجين في الممارسة التأويلية:
1 - منهج قواعد اللغة (l'interprétation grammaticale) الذي يعالج النص أو أي تعبير كان انطلاقا من لغته الخاصة (لغة إقليمية، تركيب نحوي، شكل أدبي) وتحديد دلالة الكلمات انطلاقا من الجمل التي تركبها ودلالة هذه الجمل على ضوء الأثر في كليته: "التأويل اللغوي هو إذن فن إيجاد المعنى الدقيق لخطاب معين انطلاقا وبمساعدة اللغة"(18).
2 - منهج التأويل النفسي (l'interprétation psychologique) والذي يعتمد على بيوغرافيا المؤلف، حياته الفكرية والعامة والدوافع (motivations) والحوافز الذي دفعته للتعبير والكتابة. فهو يموقع الأثر (= النص) في سياق حياة المؤلف وفي السياق التاريخي الذي ينتمي إليه.
فهم النص أو الأثر بارغانون (Organon) لغوي وتركيبي في سياق بيوغرافي وتاريخي خاص هو أنه يحل المؤول محل المؤلف ويعيش ذهنيا نفس التجارب والأفكار التي كانت سببا في ميلاد هذا النص أو الأثر، ليدرك لحظة انبثاق المعنى وتوجه القصد. يعمل إذن كل من الأورغانون اللغوي والسياق البيوغرافي على إعادة إنتاج المعنى كما بلوره المؤلف نفسه، ومنه يصبح الفهم هو إعادة تأسيس المقاصد الأصلية والأولية لهذا المؤلف على ضوء حياته الفكرية وما أراد قوله والتعبير عنه في أثره ونصوصه. بينما كان مشكل الفهم عند سبينوزا وكلادينيوس هو البحث عن "حقيقة" متوارية خلف النصوص والتعبيرات؛ يصبح عند شلايرماخر "إنتاجا أصليا" للإبداعات الأصليةللمؤلف؛ إعادة تذهّن اللحظة الخلاقة التي فاض عنها المعنى وتوجه فيها الوعي إلى موضوعه. انتقل شلايرماخر إذن من "الحقيقة" إلى "المنهج". يتجاوز دلتاي صرامة المنهج عند شلايرماخر ليركز جهوده على مفهوم "التجربة". فهو يميز بين نوعين من التجربة:
1 - التجربة المعيشة (Erlebnis) التي استعملها في وصف علوم الفكر أو العلوم الإنسانية (Geistes wissenschaften).
2 - التجربة العلمية (Erfahrung) التي تخص علوم الطبيعة (Natur wissenschaften). وهذه التجربة العلمية تتمتع بطابع "العلمية" (scientificité) الذي يجعل من التجربة المعيشة والتجربة الممارسة وجهين لنفس الحقيقة؛ وبطابع الجدلية والتاريخية. فالتجربة في طابعها العلمي تعني تكرار المعطيات والنتائج للوصول إلى تنظير عام ومتفق عليه؛ في طابعها التاريخي-الجدلي هي تجربة لا تتكرر، تنفي كل ما سبقها بحيث لا يمكن معاينة ومعايشة التجارب السابقة بنفس المقاصد والدوافع وتختفي هي الأخرى بخصوصيتها وفرديتها.
لكن الطابع التجريبي للعلوم الإنسانية لا يتجلى في محور تكرار التجارب. فهذه العلوم هي متجذرة في تجارب الممارسات التاريخية؛ إذ المؤرخ أكثر إدراكا لتجربة التاريخ من الذين عاينوا الأحداث التي يتولى دراستها: "لا يقوم المؤرخ في تفكيره [حول الأحداث] سوى بتعميق ما فكر فيه في تجربة الحياة"(19).
فالتجربة المعيشة والممارسة (Erlebnis) تعني ما هو معطى مباشرة للوعي الفردي، فلها بذلك وظيفة معرفية تؤطرها الذات (fonction cognitive). تختلف إذن التجارب المعيشة (Erlebnisse) عن تجريدات العلوم الطبيعية من حيث إنها تطرح موضوعاتها في إطار الإدراك المباشر للوعي: "يحدد مفهوم التجربة المعيشة كلية وحدة التجربة البشرية في مقابل التجريد العلمي. فالتجربة هي، بهذا المعنى، حامل غزارة الإحساسات والانفعالات التي تعتبر أن كل تجربة فردية تخص الفرد بعينه"(20) وهذه التجارب المعيشة هي جملة الممارسات والمقاصد المتوجهة نحو الموضوع المعطى للوعي والتي تنتظم حولها حياة الفرد بحيث لا يعيش هذا الأخير "في" العالم وإنما يعيش "العالم" كعلاقة انتماء جذري. فالفرد يدرك تجربته الخاصة بناءا على نمط إدراكه لحياته في مجموعها وإدراكه لحياته هو تأويل حيوي وفعال للتجارب المعيشة. فيمكن القول إذن إن فلسفة دلتاي التأويلية هي رؤية متميزة لـ"حياة" الفرد ولتجاربه المعيشة. وبالتالي تتطور وتتبلور بنية الفهم الذاتي (فهم الذات) حول التجربة الفردية والتأويل وإعادة التأسيس: فهم الذات = التجربة المعيشة. لكن أين يتموقع فهم الذات ضمن تجربة الآخر؟ أو بأي معنى يمكننا الحديث عن وعي فردي في سياق متعدد ومتنوع التجارب والممارسات؟ وهل فهم الذات يقصي كل انفتاح على تجربة الآخر كمعطى لكل ممارسة تأويلية؟
يواجه دلتاي مشكلة فهم تجربة الآخر باقتراحه لمفهوم "الفكر" أو "الروح" (Geist) كسياق معياري وعام يجمع الأفراد حول حياتهم الخاصة، ومن ثم "تاريخ حياة الفرد لا يتماشى وفق محور عمودي لحياته بل وأيضا وفق محور أفقي يدمج إطاره الاجتماعي والتاريخي"(21).
يكون دلتاي بذلك قد أنزل "الفكر" (في مفهومه الهيغلي) من السماء إلى الأرض ليدل لا على المعرفة المطلقة والمتعالية على التاريخ وإنما على معرفة تاريخية ومتجذرة في تجربة الحياة: فالفن والدين والفلسفة والعلوم والمنطق ليست معارف أو أشكال معرفية مذابة في معرفة مطلقة ومغلقة وإنما هي تجارب حيوية واستعمالات تعبر عن الطابع الخلاق للحياة وتجليات للفكر التاريخي.
حسب "هانس-غيورغ غادامير" (H.G.Gadamer) لم يفلح "فن التأويل الرومانطيقي" كما رسم معالمه شاليرماخر ودلتاي في فحص بنية الفهم ووظيفته التأويلية في ميدان العلوم الإنسانية والممارسات الاجتماعية والتاريخية. فهو يميز بين نوعين من الفهم:
1 - الفهم الجوهري وهو فهم محتوى الحقيقة (التي تنكشف بقراءة النصوص)
2 - الفهم القصدي وهو فهم مقاصد وأهداف المؤلف.
هذا التمييز يفصل بين فهم "أن الكميتين المساويتين لكمية ثالثة متساويتان" وبين فهم الدوافع والأسباب التي تدفع الفرد إلى التعبير عن خاصية التساوي هذه. فالفهم هو إدراك المعطيات النفسية والفردية والتاريخية التي ينطوي عليها التصريح بقضية معينة في مقابل فهم ماهية هذا التصريح أو الفعل أو السلوك في حد ذاته. فما نفهمه ليس هو حقيقة أو دلالة التصريح وإنما الحيثيات والملابسات (ربما المعقدة والمتشعبة) التي سمحت في ظرف خاص وضمن سياق معطى للفرد أن يصرح عن أمر معين. "فالفهم القصدي" هو وسيلة "استراتيجية" يستعان بها في اللحظة التي يخفق فيها "الفهم الجوهري" في إدراك حقيقة ما؛ ويؤطره التساؤل التالي: ماذا كان يقصده هذا الفرد بالذات؟ (ماكس فيبر (Max Weber) يتحدث هو الآخر عن الفهم التنسيقي وهو فهم دلالة العبارة أو السلوك والفهم السياقي وهو إدراك السياق التي قيلت فيه العبارة وبوشر فيه السلوك).
لتوضيح فكرة الفهم (الجوهري/القصدي)، يلجأ غادامير إلى تجربة الفن، كتجربة تتجلى فيها حقيقة الفهم في فهم حقيقة الأثار الفنية على ضوء المقاصد والأطر الفردية والاجتماعية والتاريخية الداخلة في تشكيلها كجملة شروط معقدة ومتعددة الأبعاد. فالأثر الفني (Oeuvre d'art) يدخل في سياقه الاهتمامات الخاصة للأفراد ليحتويها بحذافيرها مثله مثل استراتيجية اللعبة التي تستغرق المهتمين بها وتنسج حولهم عالما جديدا بمعزل عن انشغالاتهم اليومية في حياتهم الخاصة؛ بحيث تصبح اللعبة أو التجربة الفنية كحلم (Rêve) يجتث الأفراد من واقعهم وتجاربهم المعيشة ويدخلهم في متاهات عالم استغرابي (monde aliénant) وهو ما يذهب إليه "شيلر" (Schiller) في نقده لغرائبية اللعبة. يستغرق الوعي إذن في لحظات عالم غريب عن انشغالاته وهمومه ولكنه يتكيف مع قواعده ومعاييره ومقتضياته الخاصة. يتمتع الأثر الفني (اللعبة والنص ينتميان إلى نفس المنطق) إذن بسلطة سحرية تخضع الأفراد إلى نظامها المعياري. لا يصبح الأثر الفني إذن وهما (illusion) أو خداعا أو تشابه (simulacre) وإنما تقييما وإعادة تأسيس حياة الفرد؛ لأن هذا التواصل بين عالم الأثار الفنية وبين عالمه المعيش يكسبه أنماطا جديدة من الرؤية والتدبير. من جانب آخر، عندما يستغرق الأفراد في الأثر الفني، فإنهم لا يقفون موقف المتفرج والمنفعل لأن وجودهم الفعلي أمام الأثر الفني يكسب هذا الأخير بدوره حقيقة وجوده وسلطته المعيارية. فعلاقة الفرد بالأثر الفني هي علاقة "المشاركة" (participation). قد يستقل الأثر الفني عن الأفراد ليؤكد وجوده الخاص دونهم (لكنه يرتد من هذا المنظور إلى مجرد لوحة أو تمثال أو معمار "مادي" يخلو من حيوية التأثير وإثارة الإعجاب في نفوس الأفراد)، لكن، كما يقول غادامير، وجد الكتاب للقراءة ووجدت القطعة الموسيقية للسماع. فالعلة الغائية هي شرط ضروري للوجود الفعلي للأثر الفني الذي يتمثله الأفراد. تنشأ إذن "حلقة شرطية" Cercle conditionnel تمنح للأفراد سلطة تقييم وإضفاء المعنى على الأثر الفني وتمنح لهذا الأخير سلطة إشراك الأفراد ضمن حقيقته المعيارية وكشفه عن حقيقة يعيها هؤلاء الأفراد.
يتجاوز غادامير بذلك الفهم القصدي لتصبح قراءة الأثار الفنية لا تنصب فقط على رؤى ومقاصد المؤلف وإنما أيضا تقيم الأثر من خلال قدرته المعيارية ودوافعه التي تحفز الأفراد على إبداع أنماط حياتية جديدة والانفتاح الحيوي على الأثر. عكس شلايرماخر، ينتقل غادامير من "المنهج" إلى "الحقيقة"؛ لأن علاقة القارئ بالأثر الفني أو الأدبي أو الفلسفي هو علاقته بالحقيقة (Vérité) كانفتاح وانكشاف بالمفهوم الهيدغري الذي يعطيه لكلمة "aletheia": "فهم الأثر الفني هو فهم حقيقته"(22). غير أن هذه الحقيقة لا تنفك عن نمط التجارب المعيشة والممارسة. لا يتعلق الأمر بحقيقة متعالية عابرة للحظات التاريخية، وإنما بحقيقة محايثة لمنطق التجارب والممارسات والمقاصد والأفعال. انخراط الحقيقة في التجربة هو اعتبار الفهم كسماع شاعري لما يمكن أن يقول الأثر أو النص في سياق لحظتنا الراهنة، هو "انصهار الآفاق" (fusion d'horizons)، آفاق المعنى الذي نستخلصه من فهمنا للنص وعلاقة هذا المعنى بوضعيتنا الراهنة: العلاقة الجدلية التي تتأسس بين المعنى المنتج والسياق المستهلك.
لكن بنية الفهم التي يحللها غادامير بإسهاب لا يمكن أن تغفل "ما قبل" الفهم أو الإطار النظري والعملي الذي يتموقع فيه "الافتراض المسبق" (Préjugé). بينما كان هذا الأخير عنصرا مبهما يعيق البداهة في عصر الأنوار، يرتد في الفكر التأويلي الغاداميري، عنصرا فعالا في الفهم التأويلي. فقبل أي تأويل أو رصد للمعنى يحتمله النص أو الأثر، تتشكل هندسة قبلية تضع هذا النص أو الأثر في سياق خاص وضمن منظور معين، تعبر عن السيلان أو التدفق (Flux) اللانهائي للمعاني التي تتجه من الوعي إلى الموضوع (النص/الأثر)؛ والافتراض المسبق يدل على انخراط الوعي في سياق تاريخي ولغوي خاص. فكل فهم أو تأويل يتجه من القارئ إلى المقروء يؤطره عامل اللغة والتاريخ ليس كعائق ابستمولوجي للفهم وإنما كتوجيه منهجي ينير السبيل الذي يسلكه الوعي في رصد موضوعاته: "ففي الواقع، ليس فقط وحدة المعنى المحايث الذي تفترضه العملية الفعلية للفهم: كل فهم لنص ما يفترض أن تكون موجهة من طرف الافتراضات المتعالية والتي ينبغي أن تكون موجهة منها عن الأصل في علاقة أهداف النص بالحقيقة"(23) منطق "الافتراض المسبق" يعتبر أن "قبل" النص هناك نص آخر "نص قبلي" و"قبل" الفهم هناك فهم آخر "فهم قبلي" و"قبل" التأويل هناك تأويل آخر، "تأويل قبلي". وهذه التأسيسات القبلية تعتبر أن المواضيع التي يقصدها الوعي وأن النصوص التي يؤولها القارئ ليست مواضيع أو نصوص مستقلة ومعطيات مطلقة، وإنما هي "آفاق منصهرة" من تأويلات وقراءات آنية تشكلت في الحاضر هنا والآن وأخرى تاسست في الماضي. وعليه ينخرط "التراث" Tradition بكل إمكانياته وكموناته الدلالية والرمزية والتأويلية والتاريخية في آنية الحاضر. تصبح كل قراءة لنص أو أثر فني هي قراءة وتأويلا للتراث، ما دام هذا النص أو هذا الأثر هو نسيج علاقات تأويلية وخطابية مثبتة تشكلت في التاريخ. يتخذ النص أو الأثر بذلك صورة وعاء قد احتوى على تأويلات وخطابات ورؤى ومناهج سابقة ليحتوي أيضا على افتراضاتنا الخاصة وتأويلاتنا وقراءاتنا الراهنة.
نخلص إذن إلى النتائج التالية:
1 - انفتاح النص على الوجود (التاريخي، الإجماعي، الفردي، المعرفي، المعياري).
2 - العلاقة بالنص تؤول إلى الالتقاء بالتراث.
3 - "ما قبل" "التأويل-الفهم-القراءة" و"التأويل-الفهم-القراءة" "الراهن" هي "آفاق منصهرة".
4 - "ما قبل" النص (والمتضمن أيضا في النص) ينصهر مع "النص" في "أفق" (=سياق) متبدل ومتغير.
Pré-texte
"ماقبل" النص

تراث
tradition



Texte Contexte
السياق النص
فضلا عن بينة الفهم والافتراضات المسبقة والتقاء النص بالتراث، يطرح غادامير مسألة "الحوار" (dialogue) كبعد أساسي في فاعلية الفهم، على اعتبار أن التساؤلات التي طرحها بشأن مشكل الذاتية في الفهم والاعتباطية في التأويل وسلطة التراث في فهم النصوص ظلت عالقة لأسباب منهجية ومعرفية. فالحوار الذي يثيره ويثريه المشاركون لمعالجة موضوع حديثهم يفترض نسبية الآراء والافتراضات التي تطرح بشأنه؛ وأن المعرفة هي حصص موزعة (مهما اختلفت نسبها وتفاوتت مقاديرها) تنفي إطلاقية الاستنتاجات والأحكام التي يخلص إليها المشاركون: "كل حوار حقيقي يستلزم أننا نميل بالإنصات إلى الآخر ونمنح رأيه اهتماما خاصا ونلج إلى فكره لنفهم لا الفرد في عينه وإنما ما يقوله ويعبر عنه"(24).
الحوار الغاداميري هو حوار سقراطي يقصي التعسفية في الأحكام والاستبداد بالآراء ليرتد إلى "فن اتيكي" هدفه إعادة تقييم الأفكار والاعتقادات في ضوء التحام الآراء والافتراضات على سبيل الفحص والمجاوزة: "الفهم" هو قبل كل شيء "تفاهم" (entente). وعليه يصبح "الإجماع" (consensus) ضربا من ضروب الفهم التأويلي كتجربة وتمرن (apprentissage)؛ حلقة أخرى تضاف إلى حلقات التراث.
ج - المعنى/الفهم: بين الفينومينولوجيا وفن التأويل.
ترتبط الفينومينولوجيا بفن التأويل عضويا ووظيفيا مثلما يرتبط الأنثروبولوجي بالأنطولوجي والمنطقي بالشاعري. نحاول في هذه الفقرة التطرق إلى الحقول المعرفية والمنهجية التي تشترك فيها الفينومينولوجيا وفن التأويل ومن خلال المفاهيم التي يلتقي فيها هذان المنهجان أو هاتان الفلسفتان بالأنطولوجيا والميتافيزيقا عموما.
1 - الأصل والعودة إلى الأشياء: الفكر الفينومينولوجي هو فكر النشوء وإضفاء الصور، كما أنه فكر التأسيس (Ursprung) الذي يعبر عن العودة "إلى الشيء نفسه" (La chose elle-même) إلى ماهيته وجوهره. والبحث عن الأصل (Ursprung) هو أن يكون الوعي "مندفعا نحو.." أو مندفعا إلى الأمام نحو…" (être pro-jeté)، وهذا الاندفاع نحو (Pro-jet) هو جملة الكمونات والممكنات التي تنكشف للوجود في الحاضر ولا تنكشف هنا والآن إلا على ضوء التحديدات التي تلقتها في ماضيها: يتحدد اللاحق بما حدد في السابق. يقول غادامير: "ينبغي لفن التأويل أن ينطلق من مسألة أن الفهم هو الوجود في علاقة مع الشيء نفسه الذي يظهر عبر ومع التراث أين يمكن "للشيء" الاتصال بي"(25). فلا يمكن إدراك "الشيء نفسه" أو ماهية الشيء كما هو معطى للوعي الخالص إلا في عنصر "التراث"، ضمن سياق محدد. يصبح هنا التراث "القبلي" (a priori) الضروري لانكشاف الشيء نفسه كماهية يدركها الوعي؛ وبالتالي تنعكس المسألة في الفكر الفينومينولوجي والتأويلي من فهم الوجود إلى كينونة الفهم، الفهم كوجود في علاقة مع الشيء نفسه: "المسألة الرئيسية في "الوجود والزمان" ليست هي "كيف نفهم الوجود" (Comprendre l'être) وإنما "كيف نفهم، هو الوجود على نحو ما" (comprendre, c'est être)"(26) نمط الوجود هذا يحدد الكائن "كاندفاع نحو" (pro-jeter) أو كمشروع (projet) ملقى في العالم على حد تعبير هايدغر (Heidegger). من هنا كان مفهوم الوجود هو الانبثاق أو "الصدور عن" (عن الواحد عند أفلوطين، عن الممكن عند ليبنتز، عن العدم عند هيدغر): "الوجود سيكون نوعا من الانفصال ومن الانشقاق ومن الجرح من خلاله ينفصل شيئا ما عن الوحدة أو عن الممكن أو عن العدم"(27)؛ ولحظة الانبثاق أو الانفصال هي لحظة تجزيء أو تقطيع كلية الكائن إلى لحظات زمنية كتجارب معيشة في الحاضر الحي (Le présent vivant)؛ ومن ثم ينخرط هذا الكائن في نظام "الزمانية" (La temporalité) الذي يجزئ ويرتب التجارب المعيشة ضمن سيلان (flux) زماني مستمر. بتعبير آخر، ليست التجارب المعيشة للكائن سوى لحظات أو فترات تحول الزمن (le temps) كبنية للتفكير (noèse) إلى زمانية (temporalité) كوظيفة تجزيئية لهذا التفكير (noème).
2 - التجربة المعيشة في صلب الحاضر الحي: لا يمكن اعتبار الحاضر كزمان آني يختلف عن الماضي (كزمان يمكن استحضاره ذهنيا anamnestic) وعن المستقبل (كزمان يمكن التنبؤ به pronostic على غرار ماهية "النفس الممتدة" Distention animi عند أغسطين Augustin؛ بل هو سيلان لا نهائي وتدفق دائم للحظات التجارب المعيشة المنخرطة في نظام الزمانية، يجعل الوعي يتصل اتصالا مباشرا بموضوعه "هنا" و"الآن" hic et nunc ويدرك ذاته كوعي خالص. وقد تقدم لنا تبيان أهمية "الحياة" (Leben) كمفهوم إجرائي يوظفه دلتاي في فهم الذات. تنشأ بذلك حلقة الفهم (cercle de compréhension) بين الحياة والذات على اعتبار أن هذه الأخيرة تدرك تجاربها المعيشة وممارساتها الخاصة بناءا على إدراكها لحياتها كوحدة وبنية متناسقة الأبعاد ومرتبطة الأجزاء وتدرك شمولية هذه الحياة على ضوء التجارب المعيشة كلحظات تجزيئية وترتيبية في عمق سيلان وتدفق الحاضر الحي.باختصار: الحياة تنشط الوجود والوجود يؤكد الحياة. فلا تنفصل أنماط الوجود باي وجه من الوجوه عن طاقة الحياة، أو بتعبير نيتشه إبداعات أنماط الوجود لا تنفك عن إرادة القوة الكامنة في عنصر الحياة(28).
3 - فهم الذات وتجربة "الآخر": كل إدراك للآخر لا بد أن يمر بتجربة "الجسد". هذه القاعدة الفينومينولوجية تجعل من تجربة الحياة في صورتها الواقعية شرط إمكان لمختلف التجارب المعيشة والممارسات لأن "كل معرفة تبتدئ بالتجربة"(29) ولأن "الجسد" ايضا هو المساحة الطوبولوجية (topologie) والأنطولوجية (Ontologie) التي تتحرك فيها وتنتقل عبرها جملة التجارب المعيشة والممارسات والسلوكات. ليس فقط لأن الجسد الحامل للإدراك الحسي عبر الأعضاء التي تتصل اتصالا مباشرا بالعالم الخارجي بل ولأنه يحمل أيضا إدراكا حدسيا يجعل الوعي الخالص والمتعالي يدرك موضوعه مباشرة. لا يستغني الوعي عما يفيده به الإدراك الحسي من إحساسات وانطباعات حسية ولكنه يستقل بتعاليه وإدراكه الحدسي في فهم أشياء العالم عبر القصدية المتضمنة فيه عند هسرل أو عبر اندفاعه الأنطولوجي "نحو" موضوعه (pro-jeté) عند هيدغر. لكن يبقى الجسد مع ذلك هو المبدأ والمسار لأنه الموضوع أو الظاهرة -الموجودة في العالم- والمتصلة والمرتبطة بالمواضيع والظواهر الأخرى. الإحساسات والانطباعات والعواطف والهيجانات والآلام واللذات كلها تجارب تخترق الجسد وتتموقع على هامشه في نقطة اتصاله بالأشياء وانفتاحه على العالم. هكذا تدرك الأجساد والذوات بعضها البعض بحكم انتمائها إلى عالم مشترك معطى لمجموع هطه الإدراكات كتجارب معاشة. والإدراك الموضوعي لهذا العالم تحدده ماهية التواصل الذاتي "intersubjectivité". يتحدث هيدغر بدوره عن نمط وجود "الكائن-في-العالم" (Dasein) المتجذر في الزمان كإمكانيات وكمونات محتفظة ومحددة بالمعنى الذي رايناه سابقا، لكنه كائن منفتح على الآخر أو بالأحرى "كائن-مع-الآخر" (Mitsein)، تجمعهما تقاسم الانشغالات والهموم إزاء نفس العالم اللذان ينتميان إليه: فهناك انهمام بالذات واهتمام بالآخر. في تحليله وتعميقه لبنية ووظيفة الفهم، يعتبر غادامير هذا الأخير كمشاركة يتأكد ويتعزز بفاعلية الحوار (Dialogue)، لأن الفهم تفاهم وفن اتيكي يعيد النظر في منطق التجارب والممارسات قصد تقييمها وتمحيصها. والتفاهم (entente) يعكس جملة الانتظارات (attentes) التي تميز مختلف الأفراد: "جوانية" الانتظار (attente) تستلزم التفاهم (entente) كلحظة من لحظات يتجاوز فيه الـDasein عالمه وحدوده ليرتبط بالـMitsein ويتآلف مع الآخر.


محمد شوقي الزين



فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - oskar - 02-18-2006


خصائص التأويل المعاصر


م.فوكو
ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي

إذا كان تطور الفكر الغربي خلال القرنين السابع والثامن عشر قد ترك تقنيات التأويل التي عرفها القرن السادس عشر معلقة، وإذا كان النقد الذي وجهه (بيكون) و(ديكارت) للتشابه قد لعب دورا كبيرا في وضع تلك التقنيات بين قوسين، فإن القرن التاسع عشر، وعلى الأخص ماركس ونيتشه وفرويد، قد طرحوا أمامنا إمكانية أخرى للتأويل. إنهم أسسوا إمكانية قيام تأويل جديد.[…]
إن أول سؤال أود أن أطرحه هو السؤال الآتي: ألم يحدث ماركس وفرويد ونيتشه تغيرات عميقة على المكان الذي تتوزع فيه الدلائل والعلامات فتتحدد بموقعها فيه؟
ففي العهد الذي انطلقنا منه واتخذناه مرجعا لنا، وأعني خلال القرن السادس عشر، كانت الدلائل والعلامات تتوزع بكيفية متجانسة في مكان كان هو ذاته مكانا متجانسا، كما أن هذا التوزيع كان يتم حسب جميع اتجاهات ذلك المكان. فدلائل الأرض وآياتها كانت تحيل إلى السماء، ولكنها كانت ترد في الوقت ذاته إلى عالم ما تحت الأرض. إنها كانت تحيل من الإنسان إلى الحيوان، ومن الحيوان إلى النبات والعكس. وابتداء من القرن التاسع عشر، أي مع فرويد وماركس ونيتشه أصبحت الدلائل والعلامات تتدرج في مكان متفاوت الأجزاء وحسب بعد يمكننا أن نطلق عليه بعد الأعماق، شريطة ألا نفهم من هذا، البعد الباطني وإنما بعد العمق الخارجي. […]
أما الفكرة الثانية التي أود أن أعرضها عليكم، والتي لا تخلو من ارتباط مع هاته النقطة الأولى، فهي كون التأويل قد أصبح، انطلاقا من هؤلاء المفكرين الثلاثة الذين نتحدث عنهم مهمة لا نهاية لها.
والحق أنه كان كذلك حتى خلال القرن السادس عشر. ولكن العلامات كانت تحيل إلى بعضها بعض لسبب بسيط وهو أن التشابه لا يمكن أن يكون إلا محدودا. وابتداء من القرن التاسع عشر أصبحت الدلائل تترابط فيمابينها لتشكل سلسلة لا نهاية لها، ولا يؤتى على نهايتها لا لكونها تقوم على تشابه عديم الحدود بل لأن هناك انفتاحا وفوهة لا يمكن أن تنغلق.
إن عدم اكتمال التأويل وقابليته الدائمة للفحص، وكونه يظل دوما تأويلا معلقا، كل هذا نجده بصفة متماثلة سواء عند ماركس أو نيتشه أو فرويد وذلك في صورة رفض للبداية. فماركس كان يرفض الحديث عن حياة (حي بن يقظان)، ونيتشه كان يعطي أهمية شديدة للتمييز بين البداية والأصل والفصل بينهما، أما فرويد فإنه كان يلح على الصبغة اللامكتملة للطريقة التراجعية التحليلية. ونحن نلاحظ هذه التجربة بكيفية أكثر حدة عند نيتشه وفرويد على الخصوص، أكثر مما نلفيها عند ماركس. وأظن أنها تجربة أساسية بالنسبة للتأويل المعاصر. وهي تتلخص في كوننا، كلما أغرقنا في التأويل، نقترب، في الوقت ذاته من منطقة شديدة الخطورة لا يرد عندها التأويل على أعقابه فحسب، بل يختفي كتأويل محدثا معه اختفاء المؤول ذاته. فبما أن النقطة النهائية للتأويل تظل دوما نقطة تقريبية، فإن ذلك يعني وجود نقطة انفصال. […]
أعتقد أن خاصية عدم الاكتمال هاته، وهي خاصية أساسية في التأويل، ترتبط بمبدأين آخرين أساسيين هما أيضا. وهما يشكلان إلى جانب المبدأين السابقين مصادرات التأويل الحديث. أول هذين المبدأين هو أنه إذا لم يكن في استطاعة التأويل أن يكتمل فذلك لسبب بسيط وهو عدم وجود ما يؤول. فليس هناك عنصر أول ينبغي تأويله وينطلق منه التأويل. لأن العناصر كلها تكون في الحقيقة تأويلا. وكل دليل لا يشكل في ذاته الشيء الذي يعرض نفسه للتأويل وإنما هو تأويل لعلامات أخرى.
وإذا شئتم فلنقل إنه لا يكون هناك موضوع ما من موضوعات التأويل إلا وقد أول من قبل، بحيث تكون العلاقة التي تقوم في عملية التأويل علاقة عنف بقدر ما تكون علاقة توضيح وكشف. وبالفعل، فإن التأويل لا يكشف خفايا مادة للتأويل تعطي نفسها بشكل سلبي منفعل، إن التأويل لا يمكنه إلا أن يستحوذ وبعنف على تأويل آخر سبق وجوده من قبل فيقبله ويقلبه وينزل عليه ضربات عنيفة. […]
إن القول بأن التأويل يسبق الدليل ويتقدمه يفترض أن الدليل ليس كائنا بسيطا (طيبا) مثلما كانت الحال خلال القرن السادس عشر، حيث كانت غزارة الدلائل والعلامات ووجود تشابه بين الأشياء، دليلين على طيبة الرب، ولم يكونا ليفصلا الدليل عن فحواه إلا عن طريق حجاب شفاف. وعلى العكس من ذلك يبدو لي أنه انطلاقا من فرويد وماركس ونيتشه، سيصبح الدليل شريرا خبيثا وسيتخلى عن طيبته، أعني أنه أصبح يضمر، بكيفية غامضة، نوعا من سوء النية. وهذا بمقدرا ما أن الدليل تأويل لا يعطي نفسه ولا يقدمها على أنها كذلك. فالعلامات هي تأويلات تحاول أن تبرر ذاتها، وليس العكس. […]
لنعرض في النهاية السمة الأخيرة للتأويل: فالتأويل يجد نفسه مرغما على أن يؤول ذاته إلى ما لا نهاية، وأن يتناول ذاته من جديد وعلى الدوام. تتمخض عن ذلك نتيجتان أساسيتان: أولاهما أن التأويل يكون دوما للمجهول الذي قام بالتأويل. فنحن لا نؤول المعنى الذي يوجد في المدلول وإنما نؤول هذا الذي قام بالتأويل. فليس مبدأ التأويل إلا المؤول. ولعل ذلك هو المعنى الذي يعطيه نيتشه لكلمة (سيكولوجيا). أما النتيجة الثانية فهي أن التأويل يكون عليه دوما أن يؤول ذاته. وهو لا يملك بدا من أن يؤول ذاته على الدوام. فمقابل زمن العلامات الذي هو زمن الأجل المحدود، ومقابل زمن الجدل الذي هو بالرغم من كل شيء زمن خطي، لدينا زمن التأويل الذي هو زمن دائري. فهذا الزمن مرغم على أن يمر من الموقع نفسه الذي مر به من قبل. الأمر الذي ينتج عنه أن الخطر الوحيد الذي يتهدد التأويل هو أن نؤمن بوجود علامات تتمتع بوجود أصلي، أولي، حقيقي، كما لو كانت آثارا منسجمة بارزة واضحة منسقة.
وعلى العكس من ذلك، فإن ما يضمن حياة التأويل هو ألا نؤمن إلا بوجود تأويلات. ويبدو أن علينا أن ندرك جيدا هذا الأمر الذي يتناساه معظم المفكرين المعاصرين، وهو أن التأويل والسيميولوجيا عدوان لدودان. فإذا كان تأويل ما يرد نفسه إلى السيميولوجيا فإنه سيكون مضطرا لأن يؤمن بوجود العلامات والدلائل وجودا مطلقا. وحينئذ سيتخلى عن العنف وعدم الاكتمال ولا نهائية التأويل كي يدع المجال شاغرا لرعب الإشارات ولكي يتهم اللغة. وهاهنا نجد الماركسية كما آلت بعد ماركس. وعلى العكس من ذلك فإذا ما انطوى التأويل على ذاته، فإنه سيقتحم مجال اللغات التي لا تنفك يفضي بعضها إلى بعض، وسيلج ذلك الميدان الذي يفصل الحمق عن اللغة الخالصة. وها هنا نلفي نيتشه.





فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - oskar - 02-20-2006



[CENTER]إشكالية تأويل النص الديني
بين الألسنة والأنسنة



عمر بيشو

ويعلمنا الدرس القرآني أن نصوصه ليست من طبيعة واحدة من حيث النزول التشكيلي لمكونات صيغه اللسانية، فمنه "ما نزل ابتداء، ومنه ما نزل عقب حادثة أو سؤال"، هذا النزول التأسيسي سيشكل فيما بعد نصا متعدد الأنماط والدلالة، يمنحه "ذاتا" قريبة من معناها التحليلنفسي، حيث البعد النمذجي والوجودي والاجتماعي والدينامي.
إذا كان التأويل، يأخذ أهميته من خاصيته المميزة، كما يعرف ككلمة حق وصدق، ليست صادقة فحسب، وإنما منحدرة من زمانها (H.Ey) أو ما يسميها تلميذه (Lacan) "الكلمة المؤسسة Parole constituante"، فإن إقامة جسور بين تأويلين ليس إلا وثبا وقفزا على زمانيتين كلاميتين متغايرتين، مما يجعل تطابق المعرفة بالنص المؤول مع الواقع (التاريخي والشعوري) –أي بمعناه التحليلنفسي- والبحث عن المعرفية الخالص، ضربا من اليوتوبيا، كما لا يمكن أن يفرز إلا المفارقات والتناقضات، ما دامت طبيعة اختلاف التأويلين تضاديا لا تنوعيا. وهذا ما وقع فيه بعض محللي الخطاب في دراستهم الاستكشافية لأنماط دلالة النص الديني، مما جعل تأويلهم تاريخيا وليس تاريخانيا، ما دام ينتزع النص من سياقه العام الذي تدوول فيه، ويجثه من مساقه الخطابي العام، الذي يمكن أن يفسر على ضوئه، لصعوبة مناله على مخاطبيه الأوائل، وإنما يمكن أن يفهمه فلاسفة اللغة والهيرمينوطيقا ونظريات تحليل الخطاب، وغيرها من الحقول المعرفية المتقاطعة مع منطلقات وأهداف هذا النمط الخطابي. وهنا ينساب سؤال ملح في هذا الإطار، أليس من المفارقة أن يتم توظيف المنهج "العقلاني" على "الآخر"، في حين يتم إهداره على "الذات"؟ وإذا كانت نهاية تأويل النصوص من الزاوية التاريخية والاجتماعية هي التفرقة بين "الدلالة" و"المغزى" الذي يمكن استنباطه من الدلالة ذاتها (هيرش)، فكيف تم كشف دلالة النصوص التأسيسية من معناها الذي يمنح ثباته لها؟
لم يكن الباحث نصر حامد أبو زيد –المفترى عليه- مخالفا لقضية النزول المقدس المعلومة –لديه كذلك- من الدين بالضرورة، وأن له وجود مفارق لهذا الواقع قبل أن يهبط إليه –وهذا سوء تأويل يحسب على الباحث محمد عمارة، قارئا خطابه النقدي للخطاب الديني- فكل ما في الأمر أن –نصر- قرأ النص الديني من خلال مفاهيم العصر خاصة علم العلامات، واللسانيات وفلسفة النقد الأدبي، باعتبار براعته التأويلية في هذه المجالات بشهادة المفكر الفلسفي حسن حنفي، الذي أعتبره من أحسن من أجاد قراءة أعمال "نصر" بعيدا عن كل تشنج وأحكام مسبقة. فأبو زيد لم يتبن المادية الماركسية –كما زعم محمد عمارة- في دراسته للظاهرة القرآنية بوصفها ظاهرة تاريخية محضة، تهدر السياق الميتافيزيقي المتعالي كما يذهب التيار التاريخاني الجذري، وبالتالي بما أنه "هستر" (أخضعه للتاريخ) النص –إذا كان كذلك- فيجب أن "نمركسه"، وهذا غلط في حق هذا المفكر الناقد/المؤول، الذي لم يختلف مع أحد قديما ولا حديثا في جوهر الإسلام وروحه "لا خلاف أن الإسلام بالفعل حرر الإنسان من سيطرة الأوهام والأساطير على عقله، وحرر وجدانه وعقائده من كل ما يعوق حريته". وهذا كاف لأن يخرج هذا الباحث من النظرة المغالية المتطرفة في الجرم والنقد إلى درجة Cynisme، أي الكل معاب لا يحتوي على ما هو إيجابي.
إن هذا الخطاب النقدي للخطاب الديني –منظورا إليه تأويليا- إنما هو صوت اجتهادي ناقد، يؤسس البنى التحتية لآلية التأويل والمشروع العقلاني، كامتداد للمعركة الضاربة في القدم، مواجها بذلك مجتمعا يسوده "النفاق" والخطاب المزدوج، كما تشكل أطروحته تحديا تأويليا للخطاب الديني الاجتهادي بعيدا عن كل هذيان تأويلي محموم وبغض النظر عن الخلفية الفكرية التي سكلجت خطابه النقدي. وهل يستطيع من انقطع للبحث والكتابة أن يبقى بدون مشروع للتفكير؟ بعبارة محمد عابد الجابري. وما دام تأويله صادقا ومنحدرا من زمانه (H.Ey) وكذلك قصده، فإن من حقه أن يقول "ولن أتنازل عن أي اجتهاد من اجتهاداتي، إلا إذا ثبت لي بالبرهان والحجة أنني مخطئ". لا يهمنا هل خطأ الرجل أم أصاب، فله أجره المعلوم، بقدر ما يهمنا أن نناقش الجوانب العقلانية والمشروع النقدي الذي بلور أفكارا سجالية وجدلية حول قضية النص تأويلا وتفكيكا.
يعلمنا الدرس اللساني أن اللغة ليست نظاما فرديا، وإنما نظام جماعي في الذاكرة الجمعية، وإن غايته اكتشاف حكمة واضع اللغة ونظامها، بصرف النظر عن كونها توقيفا أو اصطلاحا، بعبارة أخرى. إن مدلول لفظ من الألفاظ، ودلالة مصطلح من المصطلحات يتحددان بالسياق الذي تم فيه التلفظ بهما واستخدامهما، وهذا ما يبيح الكلام عن دلالية سياقية ترتبط بمقام معين، كما يستفاد من دروس دي سوسير اللسانية، وكما يعزوها "لاكان" إلى "زمانية الكلام بين الذوات".
ويعلمنا الدرس القرآني أن نصوصه ليست من طبيعة واحدة من حيث النزول التشكيلي لمكونات صيغه اللسانية، فمنه "ما نزل ابتداء، ومنه ما نزل عقب حادثة أو سؤال"، هذا النزول التأسيسي سيشكل فيما بعد نصا متعدد الأنماط والدلالة، يمنحه "ذاتا" قريبة من معناها التحليلنفسي، حيث البعد النمذجي والوجودي والاجتماعي والدينامي.
وإذا كان من باب العبث، والخوض فيما لا طائل تحته، الاشتغال في هذا الحقل المعرفي (أسباب النزول) كما ينص عليه بعض دارسيه قديما، من حيث مساهمته في فهم النص الديني نزولا وورودا، وفي الوقوف على جوانبه التأريخية فحسب، فإن هذه الأخيرة أصبحت ضرورة ملحة مع تطور الحقل اللساني وعلوم التأويل عامة في علاقتها بالظاهرة القرآنية، مما يتيح إمكانية الوقوع في صدامات تأويلية، ما دامت دراسة هذه الظاهرة الفريدة، لم تمتح بعد، وبشكل كاف من علوم التأويل القديمة والحديثة، كعلوم القرآن ومقاصده التكليفية، والسميوطيقا في ارتباط الفكر باللغة، والسيميولوجيا الطبعقلية وصلتها بالتحليل النفسي على المستوى الظاهراتي…الخ.
من بين هذه الصدامات، نسجل ذلك الذي ينصرف نحو جعل النص الديني نصا لسانيا محضا، مختزلا إياه ككائن لساني، انطلاقا من تحديد لغوي صرف للنصوص عامة. فـ "النصوص أبنية لغوية، لا تفارق النظام الدلالي للغتها إلا في حدود خاصة مشروعة بطبيعية وظيفتها المقصودة في الثقافة". اعتبار هذا التعريف المعاصر للنص كعنصر وسيط في البنيوية المعاصرة التي تعزو له وجودا مستقلا كسلسلة من العلامات المنتظمة، في نسق من العلامات تنتج معنى كليا يحمل رسالة سواء كانت تلك العلامات باللغة أي الألفاظ، أو بأية إشارات أخرى- إنما جاء كرد فعل لمفهوم النص في الخطاب الديني الذي انحصر حديثا في "عدم الاجتهاد" تم ذلك بعد سلسلة من التعريفات الكرونولوجية التي قام باكتشافها في بطن النظام البياني العربي، الباحث نصر حامد أبو زيد، متتبعا مراحل تطوره الدلالي، من الحسي إلى الاصطلاحي مرورا بالمعنوي. فالنص عند الشافعي هو أحد أنماط البيان، وعند الزمخشري المحكم الواضح، وعند ابن عربي الواضح الذي لا يحتمل التأويل.
هل يمكن اعتبار هذا التحديد للنص بريئا بالمعنى الألتوسيري للعبارة، أو موضوعيا؟ أم أن الموضوعية "ادعاء وضرب من الأسطورة روجها الغرب لإخفاء أبعاده الإيديولوجية، وأحكامه المسبقة، وتابعناها رغبة في البحث عن الخالص والتجرد من الأهواء"؟ كيف يمكن إذن حماية النص من سوء الفهم، وسوء تنزيل المفاهيم المعاصرة وتبيئتها لتجنب الإضفاء السلبي للمعنى ما أمكن، حتى نكون بإزاء تأويل "حقيقي" منسجم عقلاني، مجذرا ومؤطرا في أسسه المادية، يليق بالظاهرة القرآنية؟ سؤال هيرمينوطيقي يستدعي تدخل التأويل سيميولوجيا، أو السيميولوجيا المستعجلة (H.Ey) للوقوف على حقيقة هذه الأعراض الطارئة بعيدا عن كل تفسير سببي (K. Jaspers).
لنرجع إلى طبيعة النزول والتشكيل المميز للنص القرآني، الذي اكتسى منه بناءه اللغوي نمطا خاصا، جعل صيغه اللسانية ذات حمولات دلالية عالية، تقتضي قراءتها تساؤليا واستفهاميا، وإشكاليا. إنه كما قال جاك بيرك "رغم أساسه الواقعي الذي يضاف إلى نداء السماء المتعالية، فإنه يولد مفعولا ديداكتيكيا، أو يحدث صدمة سيكولوجية قد تصل إلى التحويل الكلي". هذا النداء العلوي أو الذي نزل ابتداء هو ما يشكل البناء الشعوري للنص الديني، بجانب البناء التاريخي على التكامل لا الاستبعاد. فالتاريخ –يقول حسن حنفي- "لا يمكن معرفته خارج الإدراك البشري، سواء النصوص القديمة في مرحلة تدوينها الأول، أو قراءتها في مرحلة إعادة إنتاجها الثاني، التاريخ خارج الشعور ادعاء، ووقوع في النزعة التاريخية، وتشدق بالموضوعية". ثم ما الذي يبرهن على وجود المعنى في العالم الخارجي؟ إنه لا يمكن ذلك، ما دام يتحدد الشيء في قياسه فيزيائيا، لانتمائه إلى عالم الأشياء، وليس الشعور بما هو وسيط بين النص والواقع. ثم إن اصطلاح الشريعة والعقيدة إنما التجأ إليه الفقهاء القدماء، ديداكتيكيا للفصل بين ما هو شعوري وجداني وما هو تاريخي اجتماعي، مما ساهم في انشطار "النص، وتمفصله موضوعيا يصعب النظر إليه جملة، ولأول وهلة كذات جامعة". "إن علينا جمعه وقرآنه" (17/القيامة)، كيف تم هذا التماس اللحظي، الذي جمع النظام الاجتماعي والنظام الإلهي ("عرف" – "معجزة")، وبين الإدراك المشتت والإبانة الدقيقة ("مخالطة".. "نداء")؟؟
صحيح أن النص الديني بمجرد نزوله "تأنسن" كما يحلو للخطاب النقدي للخطاب الديني، لكن في حدود "التألسن" فقط، وهو ما يسمح به تأويل النص، "وهذا لسان عربي مبين" (103/النحل) و"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" (كما جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي) وقد استعملت هذه الكلمة الجعلية بصيغها المتعددة في النص القرآني حوالي 200 مرة للدلالة على تصيير الشيء على حالة دون حالة. فالنص القرآني تألسن عربيا، كما تألسن الوحي سابقا بألسنة أخرى، وهذا موضوع لصيق ببحثنا غير أنه يحتاج تأملا آخر.
إن مبدأ الأنسنة يحيلنا إلى المبدأ التالي وهو "التنميط للنصوص" وبالتالي رفع الطابع القدسي عن النص الديني "المتعبد تلاوة" مبدئيا. وإخلال الزمني والنسبي مكانه، بعبارة أخرى، إقصاء النص الأعلى في مقابل إثباتها للأنا البشرية، أليس في الأنسنة تنميط للذات والأنا؟ هذا التألسن يتمظهر بشكل جلي على مستوى التأنسن –إذا ما اعتبرنا الأمر مجرد مشاحة لغوية- في النص السفلي المتشكلة مفاهيمه اجتماعيا وثقافيا، ومن هنا تأتي خطورة التفسير الحرفي اللاتاريخاني، كما تأتي خطورة التاريخاني في إصدار البعد التعبدي للنص على السواء، وحيث إنه لا يمكن للذات أنتروبولوجيا أن تنخرط في السيرورة التاريخية إلا في إطار خصوصية وضعياتية تضمنها لها الوحدة والهوية، فإن هذه الخاصية تبقى ضرورة وجودية للذات في احتكاكها بعالمها بالمعنى التحليلنفسي للعبارة.
إن النص القرآني ذات بما تحمل الذات من خصائص مميزة، وهو ما أثار الجدل قديما حول حقيقتها الكلامية بين المعتزلة والأشاعرة إبستيمولوجيا في قضية خلقها وقدمها، كما أدخلت عبد القاهر الجرجاني في جدال مع نصوص الكهانة والشعر من خلال قوانين هذا الأخير، وأسرار البلاغة منظورا إليها إعجازيا. هل كان ذلك الجدال طبيعيا سواء أكان من إفراز النص ذاته أم الواقع؟ إن نظرة في التحليل النفسي تجعلنا نقف على حقيقة الكلام المتصدي لهذه الظاهرة بوصف آليته "منهجا لدراسة الجدل بين البشر في الكلام الإنساني" وما دام هذا الجدل الكلامي يعبر عن زمانية كلامية بين الذوات، وما دام –كذلك- يتيح النص/الذات "للرجال" التناظر والكلام "إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق، وإنما يتكلم به الرجال" –وهو النص الذي اعتمده صاحبنا في تأسيس أطروحته المؤنسنة والتي أثارت هي الأخرى جدلا على جدل، كيف ننتقد النص، ونحن لم نتخلص بعد من لغته وسلطته؟- فإن هذه المعطيات تجعلنا ننغمس إذن، في التحليل النفسي باعتبار شعورية ورمزية هذا النص الديني وبذلك التجسيد الإلهي في صورة التماس اللحظي، الذي منح النص ذاتا كما أبرزنا من قبل. فالنص استجابة لواقع بدليل "أسباب النزول"، ولتطور الزمان بدليل "الناسخ والمنسوخ"، كما أنه شعور استجابة للنداء السماوي المتعالي عن مجريات الأحداث وفضاءاتها بدليل التماس اللحظي، الذي يمثل منظومته الرمزية، والصلة الوجودية الأم التي تتفرع عنها الصلات الأخرى، ومن أبرزها الصلة الوجودية العيانية المكونة لحقيقة الذات في مجابهتها لعالمها. ولذلك، فلا المعيار اللساني ولا السوسيولوجي يكفي لتحديد طبيعته ما دام ذاتا، كما يستفاد من الدرس التحليلنفسي وصلته بالسميولوجيا الطبعقلية خاصة فيما يتعلق بحدود الحالات، التي توحي بدورها بحدود التأويل وقيمة المؤول معرفيا وتجريبيا. التجربة بما هي علاقة بينية وتواصل مع الذات، حيث يكون هدف هذه العلاقة أو التجربة سيميولوجيا: الوصف والفهم. نتحدث إذن عن سيميولوجيا التواصل بين الذوات التي تهتم في دراستها بكشف نموذج التواصل ونمطه الخاص، الذي يتمحور في نهاية المطاف حول تقييم التأويل في حد ذاته، وإذا كان الجهاز العلائقي لا ينتظم إلا في ارتباطه النسبي بنظام الحقيقة، فإن تأسيس هذا الأخير لا يتأتى إلا في إيجاد تواصل الأنا أو الوجه الظاهر للذات مع الآخر، وهذا لا يتم إلا عبر اللغة (J. BOBON)، مما يتيح للسيكولسانية كآلية تحليلية أن تنفتح على القنوات الاجتماعية التي تؤسس موضوع "الميكروسوسيولوجيا" أو "المنطق العلائقي" للتفاعلات البينية، وسيبرنتيكا الأنظمة البين-موضوعية (Kurtlevin). ولعل هذا كاف لبيان مدى مساهمة هذه الحقول المعرفية في دراسة الظواهر ذات البعد السميولوجي التواصلي، وأن اضطراب هذا المجال –يضيف (H.Ey)- يتيح فرصة للهذيان "Délire" والتجربة الهذيانية "délirium"، بمعنى التحدث بلسانه ولغته باعتباره ثاويته فيهما. وهنا يمكن الحديث عن التأويل الهذياني في صورته المنتظمة، كـ"العقلانية المعتلة" (Minkowski)، و"التأويل الفيلولوجي" (P.Fersdorff)، حيث يتم اللعب بالقواعد واللغة لتضليل الذكاء وتمويهه.
إن النص عندما يتعرض لاستنطاق "الرجال" يصبح "مفهوما"، فيتحرك وتتعدد دلالته، مما ينزع عنه ثباته، ويعرضه للتحول، إلى درجة الاضطراب أحيانا في غياب شروط حقيقية للتواصل/التأويل، المتمثلة في التجربة الحقيقية والمعرفة العميقة. وهنا يتحدد مجال التواصل الذاتي، ويتم تأطير التأويل كآلية تواصلية، ويستبعد بذلك، المعيار اللساني لوحده أن يستحوذ على العملية هاته، باعتباره لا يستوفي أبعادها، ولا يسبر أغوارها ما دام يهدر البعد الرمزي للتجربة الدينية، كما عبر عنها قديما الفخر الرازي بقوله "ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي". وهذا من مجمل ما وقع فيه الخطاب النقدي للنص الديني لا بوصفه ذاتا (شعور/وتاريخ)، وإنما بوصفه نص لغوي محض، يتمتع بسلطة ما.
إن التأويل لكي ينجز تحليلنفسيا على المستوى الظاهراتي لا بد وأن يكون قريبا من الأنا (Bouvet)، مجال الاحتكاك بالواقع فحسب، وليس في المكونات الأخرى التي تشكل الذات ككل. وهذا ما يفرضه النص الديني –تماما- تجاه التأويل والتجربة التأويلية في استبعاد الخوض فيه خارج حدود دائرة اشتغاله، الذي يسميه "المتشابه"، إذ لا يسمح للتأويل أن ينجز في حقل هذا الأخير، لأنه بعيد من "أنا" النص/الذات، والتي تدخل في مواجهة مع الواقع. بعبارة أخرى، إن التأويل الذي يسمح به النص، هو الذي ينصب أساسا على الجانب النزولي الذي تأسست مفاهيمه اجتماعيا وتاريخيا وثقافيا، وهو ما يشكل "الأنا" مقارنة مع الذات الإنسانية، مجال تقاطع الوجود بالحقيقة أو ما يمثل عالم الظاهر.
إن النص ذات حية لا يمكن الفصل بينها وبين المجال الاجتماعي والعلاقات البينية التي تتشكل الذات عبرها باستمرار، كما تتشكل الذات البشرية على السواء، وبالتالي فكل محاولة تمس هذا البناء النصي بهدف زعزعة مكوناته في الفصل بين مجاله الشعوري ومجاله الاجتماعي والثقافي، إنما هو إضفاء نوعي لطابع الهيستيريا عليه "كنتيجة لصدمة تقع بين الذات والمجال الاجتماعي" كما أولها فرويد. هل نحن –إذن- أمام تجربة لا واعية لعلاقتها بالآخرين؟ لنجعل النص المتعالي –من منظور تحليلنفسي- كإطار لا واعي، والنص الواقعي كإطار واعي، فإن مدلول العلاقات بين هذا الأخير والأول على الاستبعاد لا التكامل يؤدي إلى الخطأ، وهذا ما يتحاشاه الدرس القرآني كذلك في تناوله تأويليا لظاهرته، ليس في البحث عن كيفية تشكيل ذاته، فالكيف هنا معلوم بدليل ما سبق، وإنما المجهول الكيفي في التماس اللحظي، إذ يجوز البحث في مساهمة النص المتعالي في تأسيس شطره التجريدي "اللاتاريخاني" –إن شئت- وهو ما سمح بالتفرقة المعروفة في قضية النزول التي اعتنى بها علماء القرآن قديما، كما نكون قد زحزحنا عن الاستفهام الإنكاري للفيلسوف الفقيه ابن رشد "ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتد به؟" في أفق الكشف عن حقيقة التأويل وحدوده وما اعتراهما من غموض واضطراب في الثقافة العربية الإسلامية.
نكون إذن أمام قراءة "……" حينما يتم إقصاء السياق الاجتماعي من النص، أو إهدار السياق المتعالي منه على السواء، وهذا ما لا يسمح به الدرس التحليلنفسي والدرس القرآني كذلك، فباعتبار السياق التاريخي المندرج في الشق الثاني من طبيعة النص النزولي ذي الصبغة الثقافية والحضارية، والخاضع لقانون التطور الطبيعي بما فيه اللغوي، هو المعبر عنه بقول الشاطبي "إنا وجدنا الشارع قاصدا لمصالح العباد، والأحكام تدور معه حيث دارت، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز". وعبارة القرافي "إن الأحكام المترتبة على العوائد، تدور معه حيثما دارت، وتبطل معها إذا بطلت، وعلى هذا القانون تراعي الفتاوي على طول الأيام، فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور طول عمرك" وغيرذلك من النصوص التي تقرر هذه الحقيقة الاجتماعية والإيكولوجية، والتي كشف عنها مجموعة من مجتهدي الإسلام قديما وحديثا، انطلاقا من ملاحظة تأثير الظروف الجغرافية البيئية في صياغة الأحكام الشرعية، ومنه كان تقعيدها وتقنينها فقهيا : "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، وأن الحكم يدور مع العلة والمصلحة وجودا وعدما، كما يمكن تعدية الحكم قياسا واستحسانا..الخ" ما دامت "الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية والنصوص والأفعال والإقرارات متناهية، ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى" كما قال ابن رشد. وإلى هذا جنح ابن خلدون والشهرستاني في اعتبار مسألة الاجتهاد ضرورة عقلية بالإضافة إلى شرعيتها، أخذا بروح العصر، وروح التشريع، وروح التاريخ. فاللغة والعقل والتاريخ تتفاعل وفق أسس بيولوجية من أجل تجديد الخطاب، وتحديث المجتمع "فالقياس مجاز منطقي والمجاز قياس عقلي"، ولا داعي للاستطراد في بيان أهمية هذه الآلية الذهنية في توليد نظريات ومعارف جديدة للإسهام في حل المشاكل، فيكفي أن الشاطبي صاحب نظرية المقاصد التي جعلت منه منعطفا في تاريخ الفكر الإسلامي، بنى "الموافقات" على الظنيات أساسا ثم التي اقتنص القطع واليقين منها فكانت خاصية كتابه المذكور، هذه النظرية التي تمثل وسطا بين طرفين متضادين: التأويلات اللامتناهية التي قد تكون متناقضة ومهدرة لمقاصد الشارع ومعتبرة النص بصلا لا ينتهي من التقشير، كما هو الشأن بالنسبة للتيار التفكيكي الحديث، واتجاه آخر حرفي جامد على المسطور، وبالتالي فالنص –حسب هذه النظرية- ثابت غير متغير من حيث روحه ومقاصده وإنما تختلف التجارب التأويلية باختلاف القراءات، وتبقى مهمة الاجتهاد في تفكيك الأحكام الثانية والأنماط المثالية، لبيان نشأتها الأولى ثم يعاد توظيفها كبنيات ثقافية جديدة ومعاصرة، دونما إهدار لبعديها التعبدي والاجتهادي! وهنا تكمن معضلة التأويل وإشكالية كيف يمكن إضفاء المعنى المقدس على النسبي والمتحول؟ كما تشكل هذه التأويلات مفترق الطرق بين الخطاب الديني والخطاب النقدي له (نصر حامد أبو زيد)، والخطاب العلماني (خليل عبد الكريم..) صاحب "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية" الذي يحاول هسترة النص الديني في البحث عن اجتثات جذوره التاريخية من نسيجه الذاتي العام والهدف هو الهدم والتفكيك من أجل التفكيك، وهذا مظهر آخر من مظاهر الاضطراب التواصلي الهذياني، كما لا يمكن تسمية هذا الاتجاه "لا دينيا" ما دامت منطلقاته الفكرية التاريخانية النافية لكل محتوى رمزي وأخروي للزمن، والتي تختزل هذا الأخير في حركة مستقيمة، وكمية لا محدودة في الزمان تندرج في المفهوم اللغوي الواسع للدين باعتباره كما قال جيلبير دوران "عبادة التاريخ كوثن". فالقراءة من أجل التأويل وإعادة البناء لا تتطلب باستمرار التاريخ. البنية شيء، والتاريخ شيء آخر، -يضيف حسن حنفي- فـ"هوسرل، لم يحاول بحث تاريخية نقد العقل الخالص، بل قرأه، أي أعاد بناءه وتوظيفه وتأويله بالتعبير عن المسكوت عنه عند المؤلف، أو عن المرغوب عنه عند القارئ، ولم يحاول هيدجر البحث عن المعنى الموضوعي التاريخ السياقي لنصوص السابقين على سقراط، بل أولها بحيث تكون حاملا لرؤيته".
وبخصوص النص الديني إذا كانت الفلسفة التأويلية التاريخانية المعتدلة لا الجذرية، تروم تحكيم العقل بالرجوع إلى الجذور التاريخية والاجتماعية للمفاهيم كبنيات ثقافية فإن هذا الطرح لا ينكره الخطاب الديني الاجتهادي بدليل طبيعة النص ذاته، شرط ثباته تعبديا ونطوقيا، وبالتالي ينخرط هذا النمط من الخطاب –إلى حد ما- في الأطروحة التأويلية الإسلامية منظورا إليه مقاصديا وتحليل نفسيا






















فلسفة النص التأويل.. هل هناك كتب مساعدة ؟؟ - كوكب الأرض - 02-21-2006

أستاذي إبراهيم أهلاً بك فأنا مشتاق لك كثيراً ولا زلت أحتفظ بعنوانك البريدي في قائمة الأصدقاء ( الاسبشل ) وكم افتخر أن أجلس بين يديك تلميذاً يتمنى أن يكون نجيباً ومخلصاً .. فكم استفدت منك مرات ومرات فأنا مدين لك بذلك و أرجو ألا تنقطع العلائق بيننا ..

أستاذي إبراهيم لا تتصور ضعفي في اللغة الأجنبية كباقي سكان الخليج وليس عندي دورات في الانجليزية إلا ما أستطيع به أن أتعامل به مع سائق التاكسي عندما أسافر إلى دولة أجنبية أما عندما أكون في مكتبة عامة أجنبية فضيع المراجل هناك !! .. فنحن يا أستاذ إبراهيم لم نتعلم اللغة منذ الصغر بل لما بلغنا من العمر عتيّاً واشتعل الرأس شيباً ولما بدأ الأجانب يختفون من الأسواق العامة ليتحصنوا بالمجمعات الخاصة المحروسة بالنار ، وبدأت لا ترى في الشارع إلا بنغالياً قواداً أو هندياً فقيراً أو أفغانياً بدوياً بدأنا في المشوار الصعب بعد أن ضعفت القوى .. وتعددت الاهتمامات ..
صدقني يا أستاذي كلما تكلمي في هذا الموضوع تزيد من حماسي وإصراري على المشوار .. وعلى العموم فأنا فخور أني أعرفك ..


أستاذي أوسكار .. شكراً لك من أعماق القلب .. فهذه المواضيع التي ذكرتها مهمة ومفيدة وخصوصاً ما يتعلق منها في الجانب الديني ..

إلا أني مع قراءاتي في الموضوع تتداخل عندي كثير من المصطلحات فيستخدم بعضها في مكان غير ما استخدم فيه في مكان آخر بل حتى الكتّاب أيضاً فالمصطلح ذاته يفسر بين كاتب وآخر بتفسيرات مختلفة واستعمالات مختلفة أيضاً .. وهذا يربك القارئ المبتدئ من أمثالي .. وقد أُرجع ذلك إلى إشكالية الترجمة وإشكالية المصطلح في الفلسفة العربية المعاصرة ...
وعلى العموم فأنا مدين لك في التعقيب والإثراء ..


وأتمنى الإفادة من الجميع ..