حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
القبط في معصرة الأيوبيين ...HISTORY - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +---- المنتدى: تـاريخ و ميثولوجيـا (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=7) +---- الموضوع: القبط في معصرة الأيوبيين ...HISTORY (/showthread.php?tid=2198) |
القبط في معصرة الأيوبيين ...HISTORY - بسام الخوري - 11-23-2008 القبط في معصرة الأيوبيين GMT 15:30:00 2008 السبت 22 نوفمبر عادل جندي -------------------------------------------------------------------------------- حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (٩) نستمر في مراجعة تاريخ مصر استنادا إلى حوليات كتاب "تاريخ البطاركة" الذي استمر بعد وفاة مؤلفه ساوري (ساويرس ابن المقفع، حوالي سنة ١٠٠٠) بيد كتّاب آخرين. ماذا حدث بعد رحيل صلاح الدين (١١٩٣) ذلك العاهل الذي ترك مملكة واسعة وعددا كبيرا من الورثة؟؟ ٢٥ ـ في أيام الأنبا يوأنس، البطريرك الرابع والسبعون (١١٨٩ـ ١٢١٦). يذكر كاتب السيرة أبو المكارم ابن بركات ابن أبو العلا: [[وملك بعد (صلاح الدين) ولده العزيز عثمان ديار مصر وأعمالها والبيت المقدس وأعماله. وقد كان صلاح الدين قد هادن الفرنج فلم يغدروا بعد موته ولا فسخوا هدنة (..) ولم يكن للأجناد (عملٌ) مدة سنين الهدنة فمسكوا أيديهم عن بيع الغلة فبلغ القمح مائة وسبعون دينارا للمائة أردب وكان السعر لا يثبت على حال (..) فتضرر الناس ثلاث سنين. ثم أن الملك العزيز جمع العسكر وسار من مصر إلى دمشق (١١٩٤) يريد أخذها (من أخيه) الأفضل، فلم يقدر فعاد للقاهرة. ثم تبعه (عمه) الملك العادل (الذي على مملكة الكرك، جنوب مدينة عمان الحالية) وحاصر القاهرة شهورا ثم تصالح مع العزيز وعادا معا لدمشق فأخذوها من الأفضل]]. [[وفي (١١٩٧) تواصلت مراكب الفرنج إلى عكا فبادر الملك العادل ونزل على يافا وقاتلها ثلاثة أيام ففتحها وقتل فيها خلقا كثيرا وسبى أكثر مما قتل. ثم تواصلت مراكب الفرنج وطلع منهم إلى الساحل خلق كثير (..) وسار الملك العزيز إلى الشام لمساندة عمه (..) ثم هادن العادل الفرنج على البر دون البحر مدة ستة سنين (..)]]. [[مات الملك العزيز (في ١١٩٨ إثر حادث صيد) وتولى ولده يوسف، وكان صغيرا فجاء (عمه) الملك الأفضل وملك ثم جمع العسكر وسار إلى دمشق يطلب استعادتها من عمه العادل (ففشل) وعاد لمصر (..) فجاء العادل (أخ صلاح الدين) (يطارده) وحاصر القاهرة واستولى على الحكم (في ١٢٠٠) وأحضر ولده الكامل من دمشق وسلطنه على مصر وضرب اسمه على (النقود) وأمر خطباء الديار المصرية ألا يذكر أحد منهم صلاح الدين ولا أحدا من أولاده، بل يذكروا الخليفة (العباسي) أولا، ثم الملك العادل ثانيا، ثم (السلطان) الملك الكامل ثالثا (..)]] **لاحظ مشاكل "التوريث" بعد رحيل "المالك" وكأن البلاد مجرد إقطاعيات. [[ثم قطع الله (الفيضان) في تلك السنة فشرقت البلاد وخربت وهلكت الرعية وتشتت الخلائق ومضى خلق كثير من ديار مصر للشام بأموالهم وأولادهم لكنهم ماتوا (في الطريق) بالبرد والجوع والقتل من العربان وأخذ النفوس والأموال وكانت رمم الخلق من باب بلبيس إلى باب غزة هم ودوابهم ومواشيهم؛ فكانت ثلاث ضربات ضرب الله بها المصريين: الغلاء والجلاء والوباء (..) وبلغ القمح دينارا الويبة مغربلة، وقدح الترمس المبلول درهما. فباع الناس من الأثاث والقنايات والدور والجواري والعبيد مما قيمته دينار بدرهم. وناس كثيرن باعوا بنيهم وبناتهم كالمماليك للخدمة (..) وكان الولد يخطف الخبز من أبيه حتى يحيي نفسه. وأكل الناس لحوم (الحيوانات) الميتة. وكانت نساء يعجزن عن الرضاعة فيرموا أولادهم في الجوامع والمساجد والطرقات فيأتي آخرون ويأخذوهم، وأمسكت الشرطة نساء كثير ومعهم قدور بها لحوم ناس صغار وكبار مطبوخين (..). وكان القوي يقوى على الضعيف فيأكله وهان الموت وانقطعت الحنّيّة من قلوب الناس وانقطع الرجاء وحصل اليأس وخربت المدن والقرى (..) وكان كبار الناس بمصر والقاهرة من أهل الخير من المسلمين والنصارى يتصدقون على الفقراء كلْ قدر طاقته. واستمرت هذه الأمور سنتين حتى نظر الله جلت قدرته ورحم الخلق (..)]]. [[وكان الملك العادل قد احتوى على مُلك مصر والبيت المقدس ودمشق ومن خلف الفرات وحران وعدة أماكن وقرى لم نعرف أسماءها، وكان ملكا عادلا حريزا قويا كثير الغزوات في (أراضي) الفرنجة والمسلمين]]. [[وأرسل ملك الحبشة يطلب أن يرسم له البطرك مطرانا وكان بصحبة الرسل تاج ذهب هدية للبطرك وهدية جليلة للسلطان (تشمل) فيل وسبع زراف وحمار وحشي، فأخذ البطركُ الرسلَ والهدايا للملك الكامل فاستحسن التاج وقال ما كنت أظن أن عندهم من يعمل هذا فقال الرسول: «يامولاي الملك نعرف اتضاع البطرك وإنه ما يلبسه وإلا كنا كللناه بجواهر قيمتها خراج ديار مصر جميعها». فتعجب السلطان وسأله عن ملك (الحبشة) وعسكره وحروبه، فأخرج كتابا منه للسلطان فقرأه ووجد من جملته يقول «ومملكتك أيها الملك محفوظة بصلوات البطرك الكبير العظيم الجليل فاحفظه واكرمه، وتقدم له أن يقسم لنا مطرانا». (..) وأمر بتسلم الهدية لكن البطرك ترك له التاج، وحلف بحياة والده الملك العادل أن يأخذه أيضا، فقبل؛ وأمر بعودة رسل الملك وأن يقسم لهم مطرانا]]. **لاحظ أن تبعية كنيسة الحبشة (والنوبة) للكنيسة القبطية كانت من أهم عوامل استقرار أحوال مصر على حدودها الجنوبية، وهو ما جعل الحكام المسلمين يتحاشون القضاء عليها (الكنيسة القبطية) بل اعتبرها بعضهم من مصادر قوتهم في الحكم... [[ثم أسلم راهب من دير أبو مقار اسمه يوحنا على يد الملك الكامل، فجعله على منية غمر وأقام فيها ثلاث سنين محتسبا. وبعد ذلك تذكر دينه ورهبانيته فأخذ (قطعة قماش) ومنديل ووقف للملك الكامل وقال هذا كفني: إما تقتلني أو ترد لي ديني، فوقع له إلى كافة الولاة بأن يرد له دينه، فلبس ثياب الرهبنة و (تظاهر) بدين النصرانية. وأقام على ذلك زمانا إلى أن اتفق أن رجلا نصرانيا من أهل الصعيد أسلم ثم ندم فأخذ كفنه للملك العادل قبل سفره لدمشق وقال له: ترد لي ديني كما رد ابنك الملك الكامل على الراهب دينه، فلما سمع الملك (استدعى الراهب) وجدد إسلامه على يده وأعاده محتسبا على منية غمر (..)]]. **لاحظ كيف أن «حرية العقيدة» في الدولة الإسلامية دائما "أحادية الاتجاه"، والقصة أعلاه بالسماح "بالارتداد" استثناء نادر ـ وإن كانت النهاية «السعيدة» هي أن الراهب السابق قد انتهى، على أي حال، وبتشجيع من الملك "العادل"، بالبقاء في الإسلام... [[ ثم حضر (ذلك الراهب السابق) إلى الملك الكامل وقال له أن الرهبان حفروا بئرا في دير أبو مقار فوجدوا فيها (كنزا من عهد الروم) أواني و (مصوغات) كثيرة (..). فندب الملك الكامل معه ثلاثة مماليك وشهودا، وساروا للدير (..) وأخذوا كل ما وجدوا (بما فيه) أواني القربان وستر حرير للهيكل وأثبتها الشهود في الأوراق وحملوها للقاهرة بين يدي الملك (..) فأحضر الملك عرفاء الصاغة والبرازين وقوّموا المصاغ والستور الحرير وجميع الآنية (..) وأحضروا رجلا من أهل اسكندرية اسمه بطرس ابن يوحنا كان شماسا ببيعة السيدة بها وأسلم، فقرأ للملك الكتابة القبطية التي على الكاسات والصواني والصلبان والملاعق، اسم كل من صنع شيئا عليه (أي أنها ليست من عهد الروم). فتعجب الملك الكامل وأمر أن يستحلف ثلاثة شيوخ من الرهبان أن هذه الآنية لم توجد في بئر. ثم أحضروا البنّاء الذي حفر لهم البئر، وكان رجلا مسلما، فشهد بين يدى السلطان أنه الذي حفر البئر وبناها ولم يكن فيها شيء فصدقه السلطان. وقال له الحكيم أبو شاكر: «يا مولانا، كان قد رُفع للملك الناصر صلاح الدين رحمه الله (شكوى) في هذه الآنية وأحضرها وعلم كذب الشاكي وأعادها لديرها». فعند ذلك أمر الملك الكامل بتسليمها للبطرك فخرج واشترى شمعا كثيرا ودار به في شوارع القاهرة وأسواقها والنصارى تصرخ بالدعاء للسلطان وكان يوما مشهودا وصعب على الشامتين بمصر دوران الصلبان في أسواقها وشوارعها ولكن لم يجسر أحد يتكلم أو يمد يده بسبب هيبة الملك الكامل خلد الله أيامه]]. **لاحظ أولا قدر طفاسة وهيافة وجشع الملوك «الكاملين العادلين»، وكم أضاعوا من وقتهم الثمين في الاستقصاء حول "كنز" مزعوم؛ ولاحظ ثانيا كيف أن تاريخ خيانة الأقباط لذويهم قديم؛ ولاحظ ثالثا مقدار سذاجة الأقباط وتهافتهم وقد خرجوا في الشوارع يهتفون للسلطان لأنه أعاد لهم آنية كنسية لم يكن من حقه الاستيلاء عليها أصلا، وكيف شعروا بالفرح لأن أحدا لم يتعرض لهم وهم يدعون للسلطان في الشوارع (!) وكله مما يبين حقيقة أحوالهم وانخفاض «سقف طموحاتهم» ليتوافق مع أوضاع ذميتهم الذليلة في الدولة الإسلامية العادلة... [[وبعد ذلك جاء راهب آخر من دير أبو مقار، اسمه عبد المسيح المصور، وقف للملك الكامل وكتب له رقعة في حق البطرك أنه «في كل سنة يحمل إليه الأساقفة مال كثير، وكان البطاركة الذين قبله قد جرت عادتهم أن ينفقوا على مراكب الأسطول (السلطاني) من أموالهم». فعرض القاضي الأعز صاحب الديوان الرقعة على الملك الذي (تحقق من كذب الرقعة) وقال: إن كان غيرنا ظالما ما نكون نحن مثله، دع هذا الراهب بمضي إلى ديره حتى نطلبه (!!) فمضى بوجه مخزي وحرس الله البطرك من كيده (..)]] [[وجرت في أيام (البطرك) من الأمور الصعبة ما قدمنا ذكره ولو ذكرنا كل ما جرى في أيام رئاسته في جميع الديارات المصرية لم نبلغ ذلك (..) ثم تنيح يوم (٧ يناير ١٢١٦) وهو يوم الغطاس المقدس (*)]]. (*) لاحظ أن الأعياد عند جميع المسيحيين في العالم كانت متفقة حتى عام ١٥٨٢م، حين ضبط الغربيون تقويمهم بالتعديل الجريجوري. ٢٦ـ بعد وفاة الأنبا يوأنس بقي الكرسي شاغرا حوالي ٢٠ عاما نتيجة عوامل متعددة. وكان الحكيم أبي شاكر عند السلطان عندما بلغه خبر الوفاة فسأله كيف يعملون لاختيار البطرك، فقال: «يا مولانا نختار ثلاثة رجال أخيار أتقياء علماء يقع الاتفاق عليهم ويكتب أسماؤهم في ثلاث رقاع ونكتب في رقعة أخرى إسم السيد المسيح ويترك الجميع على الهيكل ونصلي ثلاثة أيام بطلبات كثيرة وابتهال متواتر ثم نحضر طفلا صغيرا ليرفع واحدة من الرقاع بحضور الشعب كله فإن وجدنا فيها إسما من الثلاثة قدمناه بطركا علينا وإن وجدنا اسم السيد المسيح علمنا أنه لم يرض عن أحد من أولئك ونرجع نختار ثلاثة أخر ولا نزال هكذا حتى يطلع اسم فنقدمه (*)». فأعجب السلطان بذلك. وسأل عن عمل الأنبا يوأنس (المتوفي) قبل بطركيته [[فقال له قسان (من مقدمي الجماعة): كان تاجرا. فسأل: فمن خلّف من الورثة، قالا: أخته. فسأل كم لها من الميراث. قالا النصف، وقد غلطا في هذا لأنهما عملا على شرع المسلمين بينما شريعة النصرانية توجب للأخت جميع الميراث إذا لم يخلف غيرها. فسأل لمن النصف الآخر، فقالا لك يا مولانا. فطلب نصيبه. فقالا بل اسأل أولاد اخته، فأمر الوالي أن يحضر المتبقي واسمه مكارم فأحضره معتقلا...]]. (*) لاحظ أسلوب «القرعة الهيكلية» في ذلك الوقت... وانقسم القبط إلى شيع وجماعات تحبذ كل منها مرشحها. وتدخّل السلطان ومعاونوه وبعض الولاة في صالح هذا المرشح أو ذاك، وطلب السلطان أتاوة. وحاول البعض دفع الرشاوى.. وإلى أن تحل الأمور، سجل كاتب السيرة: [[وفي (سبتمبر ١٢١٧) تواصلت أخبار أن أحد ملوك الفرنج يقال له الهنكر (هنجاريا، أو المجر) وصل إلى عكا بحرا (..) فجمع الملك العادل عساكره ونزل على نابلس قريبا من الإفرنج (..) وأرسل إلى أولاد أخيه صلاح الدين وغيرهم من ملوك المسلمين أن يساعدوه فلم يجبه أحد، فتوجه لدمشق (..) وعلم أن بعض الفرنجة توجه إلى الطور لأخذ حصنها الذي على جبل عال، يعاونهم عرب من بني عقبة (المتحالفين) معهم. فجاء الملك المعظم (عيسى ابن العادل، ملك دمشق) وأرسل إلى بني عقبة فأفسدهم على الفرنج وحلف لهم أنه يدفع لهم مالا قرره معهم، ويُُقطعهم بلادا (..)، فأطاعوا وحلفوا له (..) وقالوا إن الفرنج ينامون بالليل فاكبس عليهم نصف الليل (..) فانتصر عليهم وقتل أكثرهم (..)]]. [[ولما رجع ملك الافرنج من الطور إلى عكا عبر على قرية من قرى الغور فيها نصارى ملكية وسريان ومسلمين، فترك عندهم أربعة فرسان جرحى ليداووهم، ثم مضى. فقام مسلمو القرية على النصارى وأخذوا (الفرسان) وقتلوهم (..) ووصل الخبر إلى الملك بعكا فأرسل عسكره وقتل كل من بالقرية، لأنه كان قد سأل النصارى هل عندكم مسلمين قالوا لا، فلما رجعوا يعتذرون أن المسلمين قتلوا الفرسان لم يقبل عذرهم. وقتل قسيس الكنيسة لأنه كان قد حلف لهم أنه ما في القرية مسلما]]. [[وفي تلك السنة مات (الكثيرون) من الناس والأبقار في جميع ديار مصر (بسبب الطاعون) كما حدث قبل زوال دولة الخلفاء الفاطميين]]. ** ويستكمل السيرة يوحنا ابن وهب، التي قام بجمعها «علم الملك ابن شمس الرياسات»: [[وحدث أن صبيا نصرانيا صعيديا يعمل في بعض معامل الزيت، اتهمه انسان من المسلمين بابنه صغير السن (..) فاعتُقل أياما وعُرض عليه الأسلام فأبي، فأفتى الفقهاء برجمه وأن يعملوا دائرة من الناس ويجعل فيها فرجة فإن هو خرج وسلم لا يُعارَض وإن مات كان بحقه. ففعلوا، فضربه عبدٌ لأبي الصبي بحجر في فكه فوقع وتواتر عليه الرجم إلى أن مات. وبعد هنيهة (اعترف) الولد أن النصراني كان بريئا وأن الفاعل للقبيح هو ذلك العبد..]] [[وفي هذه الأيام أمر السلطان عز نصره بعرض المسجونين عليه، وكان بينهم رجل حائك، يسمي أسد، وكان قد تخاصم مع امرأته فأخذته إلى (محكمة) الشرع، فجرت منه لفظة شهد عليه بالإسلام ولكنه أنكر، فاعتقل وبقي مدة سنة إلى أن أحضروه للسلطان فرغّبه ووعده بمال وكسوة فامتنع وقال: «ما أنا إلا نصراني، وعلى نصرانيتي أموت» (..) ولم يزل الحال يتردد إلى يوم الغطاس المجيد فأمر السلطان بضرب رقبته، فأحضره والي القاهرة عند باب زويلة وأحضر الشهود وعرض عليه الإسلام قدامهم فامتنع. فتقدم إليه أحد المماليك فنخسه بالسيف إلى أن دخل منه قدر أربع أصابع. ثم قال له: مد عنقك، فمده فضربه ضربة طارت بها رأسه عن جسده وعُلق بدنه على باب زويلة. وبقي معلقا ثلاثة أيام (*) ومجد الناس الله على صبر الرجل وحسن إيمانه، واجتمعت جماعة من النصارى المباركين فأخذوه ودفنوه]]. (*) كم من الناس البسطاء مثل هذا الرجل دفعوا حياتهم ثمنا للعدل والحرية الدينية في الدولة الإسلامية؟! [[وفي (يونيو ١٢١٨) جاءت مراكب كثيرة ونزل (جنود الفرنجة) مقابل دمياط (وتبادلوا مع المسلمين القصف بالمنجنيقات) وقتل وجرح من الفريقين كثير (..) ثم أخذوا برج دمياط. وفي نفس في اليوم مات الملك العادل بدمشق من تخمة أصابته فدفنوه بجانب أخيه صلاح الدين (..)]]. [[واجتمع على الناس في تلك السنة موت السلطان ونزول العدو على البلاد وشحة النيل والكنيسة خالية من بطرك. ثم أن المسلمين اجتمع رأيهم على أن يزحفوا إلى الفرنج وكانت وقعة عظيمة (هُزموا فيها) (..) واشتد الرعب وخافت نفوس الناس وعظمت مهابة الافرنج وانحلت العزائم عن لقياهم. ودخل الشتاء (..). ثم (وشى) المدعو عماد الدين ابن المشطوب بين الملك الكامل وبين أخيه الملك الفائز، فخاف (الكامل) أن يقتله الجنود الأكراد ويولوا مكانه الفائز، فهرب بالليل مع خواصه ومماليكه إلى أشمون (..) ووقف معه الأمراء الأكابر. فأما المغاربة والطواشين فإنهم ساحوا في البلاد وبقي الناس متخبطين وكثرت الشناعات على النصارى واشتد بعض القوم عليهم. (..)]]. [[وثار أهل منية (ميت) بني سلسيل (بين أشمون والمنزلة) على النصارى وأهلكوا منهم جماعة وكان الزمن كلما مر اشتد، والفتنة كلما مرت عظمت..]]. ثم فرضت أن تدفع جزية القبط لسنة قادمة قبل موعدها [[(..) وبعد ذلك ورد أمر السلطان بإخراج نصف أهل مصر والقاهرة إلى القتال اختيارا واضطرارا. وخرج أكثر الناس وصار (الأغنياء) الذين لا يليق بهم الخروج يفدون أنفسهم بما يقومون به من الذهب كل على قدر حاله. وأما النصارى الذين بالقاهرة فإنهم جبوا منهم مع أصحاب المعايش كل من كان متمعشا مع أهل معيشته (..) وأحضر الوالي قسس كنائس القبط والملكية وقال لهم (إذا) خرجتم مع المسلمين، فما تصلون إلى باب المدينة حتى يقتلوكم وما يقدر أحد أن يقول لهم شيئا. وكان الميل في القول بالأكثر على الملكية لأنهم كانوا يشنعون عليهم بأنهم يحبون الافرنج وأنهم على سُنّتهم في تربية الشعر وترك الختان وما شابه، فعمل فيهم الخوف وقال واحد منهم عندنا ألف دينار فقال مبارك، وقال لقسوس القبط وأنت عليكم عشرة أضعاف وآخر الحال قرر عليهم ثلاثة آلاف دينار (..). وعلقت سلبة (*) في كنيسة المعلقة وكنيسة الملكية وكنيس اليهود (..) وصار الضرب في الناس والتعليق والترسيم والهوان (..) وكان الصوم المقدس وكانت أياما صعبة شديدة واضطهاد عـظيم. فأما الملكية فإنهم جبوا من شعبهم الذي قدروا عليه وبقي عليهم، فأخرجوا آنية (الهيكل) الفضة ورهنوها عند واحد من المسلمين، الفقيه نصر، على مائتي دينار (تدفع) بمائتي وخمسين (**). ولا أحد بقي بدون غرامة إلا النادر القليل. وكان جملة ما حصله (القبط) ألف ومائة دينار (..) وما تبقى قضوه على الكنائس، كلٌ بقدرتها حتى وصلوا إلى الديارات البرانية مثل دير طموه ودير الشمع وأخذوا منها الغرامات المقررة وطلعوا للقاهرة يطلبون تبرعات (..) وكانت أياما شديدة وكثير من الكنائس أغلقت أياما كثيرة]]. (*) فلكة من الخشب والحبال ليجلد عليها من لا يدفع الجزية أو الغرامة. (**) أي ربا بنسبة ٢٥٪ [[وكان (السلطان) قد استخدم (لمحاربة الفرنج) من القاهرة عشرة آلاف راجل، أكثرهم مغاربة، فهدموا كل كنيسة وجدوها في طريقهم للمعسكر (..) ولم ينالوا غرضا لأن الفرنج عملوا خندقا وتحصينات (..). ثم أن السلطان هدم أسوار القدس الشريف بعد أن أخلاه من أهله (..) وهدم الدور والفنادق (..)]]. [[وشغب المسلمون بكنيسة القديس مرقس بالاسكندرية (القمحا) وتقدم أمر السلطان بهدمها (..) (وحاول القبط إبقائها، لكن) هُدم أكثرها حتى لم يبق منها سوى قامة واحدة. فلما كان يوم الجمعة التالي صلى المسلمون صلاة الجمعة وخرجوا وهدموا باقيها إلى الأرض (*) وكان حزنا عظيما وكآبة متواترة وشدة متظاهرة]]. (*) بني جامع مكان الكنيسة بعد هدمها (هوامش ج ٤ ص ١٣١). [[وزحف الإفرنج برا وبحرا (..) ثم تراجعوا عند خندق المسلمين فطاردوهم وصارت عليهم كسرة عظيمة (..) وفرح المسلمون فرحا عظيما وطُيرت الطيور وزُينت القاهرة (..) وحُمل الأسرى (١١ سبتمبر ١٢١٩) للقاهرة المحروسة وجرى حديث حول الصلح وكاد يتقرر على أن يأخذوا القدس وجميع ما كان في أيديهم مما فتحه (صلاح الدين) ثم انتقض الصلح وأمر السلطان بإخراج كل من بالقاهرة ومصر للغزاة، وضربت الأجراس بذلك وخرج الناس على وجوههم (..)]]. [[وبعدها أمسك والي القاهرة النصارى وعلقهم على أبواب دورهم وجعلهم يديرون الطواحين (مثل الثيران) وقال لهم أريد منكم المال وأخذ منهم ما لا يطيقون حتى أن (الترزية) النصارى بالقاهرة قاموا بألف وثلاثمائة دينار. واشتد الأمر على الناس (..) وأحضر والي مصر (الفسطاط) قسس النصارى وطلب ألف دينار (..) وخرجوا للكنائس وشرعوا في (جمعها) وكانت الأيام صعبة..]]. واستولى الفرنج على دمياط بعد حصار دام ١٦ شهرا [[فرحل (كبار) المسلمين وتركوا العوام وصار هم كل انسان أن ينجو بنفسه (..) وجاء السلطان فنزل مقابل طلخا (حيث أقام معسكر «المنصورة»). واختلف القول في فتح دمياط (..) وقيل أنه كان بها ستة آلاف رجل وقيل أحد عشر ألفا وأما المسلمون فكانوا يقولون أنه لم يبق بها سوى ستمائة نفس، وذكر المحققون أن بها ستة وأربعون ألف رجل خلاف النساء والصغار (..)]] [[واستدعى السلطان صفيَّ الدين عبد الله بن على، الذي كان وزير أبيه، وقلده تدبير مملكته؛ فجمع الكتّاب مسلمين ونصارى ويهود وبسط عليهم العقوبات وطالبهم بالأموال فامتلأت السجون منهم، وخرج البعض من (دينه) من الشدة والعقوبة (..) وكانت أياما شديدة على الناس ولا يخرجون من شيء حتى يدخلوا ما هو أشد منه. وتوقفت دور الوكالات والفنادق التي تباع فيها البضائع. وتقرر ألا يباع شيء إلا بدار وكالة السلطان وتكون له السمسرة، وضاق الوقت على العالم ولو تمكنوا من الخروج لم يبق في البلاد أحد. وأما الإفرنج (بدمياط) فكانت ترد أخبارهم من العدل والرفاهية وحسن المعاملة ما لا يوصف (..)]]. [[ووصل مصر أمير مغربي، كان أبغض ما عنده النصارى؛ وأمسك أتباعُه النصارى واليهود بحبال ووضع عليهم العقوبة والهوان حتى أنه أخذ (صكوكا) بأحد عشر ألف دينار لكل منهم وسيرها للسطان فأكبر ذلك وأنكره (بسبب المبالغة الشديدة) وأعادها (..) وتوجه ذاك للصعيد للجباية على الديارية والثمار والنخيل واستمر الحال وزادت الشدة على الناس حتى أن جماعة شنقوا أنفسهم وجماعة خرجوا من الإيمان، ولم يفدهم ذلك]]. [[وأما أمر العدو (*) فكان على حال واحد (من المناوشات) (..) ووردت أخبار بخروج ملك من الشرق يقال له ملك الصين (جنكيز خان) ومعه خلق من الأتراك (التتار) وأنه كسر ملك الفرس وجاء لأرض بابل (العراق) (..)]]. (*) لاحظ الإشارة المتكررة للإفرنج باعتبارهم «عدوا». ثم جاء الملك المعظم (سلطان الشام) والملك الأشرف (سلطان الشرق، حران وسنجار) ومعهم صاحب حمص وصاحب حماة بجيوشهم لمصر لمساعدة أخيهم السلطان الكامل، وهاجموا الفرنج بدمياط برا وبحرا (تفاصيل مطولة للمعارك..) وأخيرا اتفق الجميع على الصلح، على تسليم دمياط وتبادل الأسرى. [[وأخذ الفرنج معهم رهائن من كبار القواد خشية الغدر بهم ثم تركوهم في مركب بالبحر المتوسط (..) وعاد السلطان للقاهرة وكان يوما مشهودا وفرح الناس (..) وصارت بينه وبين ملك عكا (جان دي برين) صداقة عظيمة أكيدة والهدايا تحمل من هذا لذاك..]]. [[وتحدث بعض الأراخنة مع الوزير في إقامة البطرك فطلب خمسمائة دينار لبيت المال، وشرعوا في طلب المبلغ وتقسيطه على الكنائس فلم يقدر عليه أحد فتوقفت القضية وانقطع الحديث (..) وكانت المصادرات على حالها والسجون مليئة من الكتاب، والوزير لا يعرف إلا أن يحصّل المال للسلطان من كل وجه (..) وفي (١٢٢٦) رسم السلطان بفتح دار لسك العملة بالقلعة وخرجت الدراهم الجديدة وأمر ببيعها ٣٧ درهما بدينار وكان العتيق ٤٢ درهما بدينار (*) وكان الناس في ضيق عظيم وتخبط فالسلطان يطلب الأموال ويجمعها من كل وجه]]. (*) لاحظ تلاعب السلطان بالعملة.. [[وفي هذه الأيام، أسلم راهب من دير أبو مقار ووشى عند السلطان أن (هناك من يدخل الرهبنة هربا من الجزية). فرسم السلطان أن يخرج معه أمير للكشف عنهم وصار إلى أديرة (وادي النطرون) ولم يجعله كشفا، بل أمسك الرهبان ضربهم وعلقهم وعاقبهم إلى أن قطع عليهم ستمائة دينار وأحضر معه أربعمائة على أن يعود ليحصل الباقي (..) وحضر جماعة من مشايخ الرهبان ووقفوا للسلطان أعز الله نصره وشكوا قضيتهم فأمر أن يعاد لهم ما أخذ منهم، فأوقدوا الشمع وداروا به القاهرة كلها وكانت (إعادة السلطان المال) قضية تعجب منها كل أحد ومعجزة ظهرت من آباء الأديرة]] (!) [[ثم تحرك أصحاب القس داود (ابن لقلق) لطلب البطريركية له واجتمعوا بإنسان قريب من السلطان أعز الله نصره وجعلوا للسلطان خلد الله ملكه ألفي دينار فطلب منهم ألفا معجلة والأخرى عند إنجاز القسمة (..) فمضوا واستدانوا ألف دينار بألف ومائتي إلى شهرين (..) لكن التناحر والمنازعة (بين القبط) كانت قوية، فأعيدت الألف دينار لصاحبها مع ربحها (..) وكانت الجزية في هذه السنة من (أهل) الذمة على كل رأس مائة درهم في القاهرة ومصر ومائة وعشرين في البلاد البرانية (*)]]. (*) أي أن الجزية زادت حوالي الثلث مع تغيير "العملة".. [[وندب من المقام السلطاني قوم يقال لهم الصقاعون والكشاف خرجوا وطلبوا من الناس حق الجبانات والمقابر وثمن الطوب والحجارة التي بنوا بها بيوتهم، وادعوا ملكية الدور وقالوا البلاد كلها مٍلك السلطان وأنتم من أين ملكتم هذه؟ اثبتوا بالشرع وإلا قوموا بالأجرة منذ سكنتم (..) وكان رجل له التزام مكوس الذمة (الجزية وغيرها) بالقاهرة ومصر وكان عليهم منه ضرر عظيم وكان يظلمهم ظلما فاحشا]]. [[وفي أواخر كيهك عاد السلطان من الاسكندرية وجعل طريقه على دير أبو مقار واستضافه الرهبان ومن معه بما يوجد عند الرهبان. وأنعم عليهم السلطان بخمسمائة أردب غلة وكتب منشورا بأن من ترهّب لا يطلب منه جزية (*) وأن أي راهب يموت يكون ميراثه (للدير) وليس (للأقارب أو السلطان) وتحدثوا معه في أمر البطرك وقالوا يا مولانا قد تلفت أحوالنا وكان بهذا الدير حوالي ثمانين قسا وما فيه اليوم إلا أربعة فقال لهم اختاروا من شئتم وأنا أقدمه لكم (..)]]. (*) هذا يدل على أن الجزية كانت قبلها مفروضة علي الرهبان.. وفي ١٢٢٨ قدم الإمبراطور فريردريك من صقلية إلى عكا بناء على دعوة الملك الكامل للاستعانة به على أخيه المعظم ولكنه (المعظم) مات قبل وصوله، وتبودلت الهدايا وزادت الصداقة بينهما. وفي ١٢٢٩ [[أشيع أن السلطان عز نصره صالح الإنبرور (الإمبراطور) على أن يعطيه القدس الشريف (*) وبلاد على الطريق إلى عكا ومنها بيت لحم (..) واستتب الأمر بينه وبين السلطان خلد الله ملكه (..)]]. (*) كان هذا جزءا من اتفاق هدنة لمدة عشر سنوات، وبشرط ألا تبنى الأسوار وألا يتعرض الفرنج لقبة الصخرة أو للجامع الأقصى، ويكون الحكم في الرساتيق (القرى والحقول التابعة) إلى والي المسلمين. [[وفي سنة (١٢٣٢) كانت زوجة أخ قسيس راهب، يعرف بابن سعيد، قد اشترت جارية رومية من رجل فرنجي ثم باعتها إلى أحد التجار المترددين من بلاد الفرنج. فلما بلغ مولانا السلطان ذلك أنكره غاية الإنكار وأمر أن يباع القس وامرأة أخيه وأختها (راهبة) ونودي عليهم في سوق الرقيق وكانت شدة ما سمع بمثلها فاشتراهم رجل مبارك أصله من الشام من المارونية وقد أسلم، فابتاعهم بستين دينارا (..) وأطلق سبيلهم]]. **غير مفهوم ماالذي أثار السلطان، وما ذنب أخ وأخت المرأة إن كانت أخطأت في هذه الحكاية التي تدل على هوائية وغرابة الحكام... [[وحدث أن جماعة من الصبيان صاروا يلبسون الثياب الصوف ويتزيون بزي الرهبنة وهم في المدن ليحتموا من الجزية فأمر السلطان أن أي راهب لا يكون مقيما في دير منقطعا في البرية مشهود له بذلك تؤخذ منه جزيه. وما احتاج المستخدمون أكثر من هذه الكلمة ومدوا أيديهم إلى الرهبان وصاروا يأخذون الشيوخ الذين لهم خمسون سنة في البرية (وفرضوا الجزية عليهم) وخصوصا بالغربية كان فيها ناظر يقال له ابن القرمسيني وكان مبغضا للنصارى فجعل كيده في الرهبان فنالتهم أذية عظيمة (..) وجاء جماعة من الرهبان إلى باب السلطان عز نصره بهدية على قدر حالهم (..) وبعدها خرج الأمر بأن يجروا على (سابق) عادتهم بشرط ألا يُخفوا أحدا ممن يجب عليهم الجزية ولا يرهبنوا أحدا إلا بعد تنزيله في الديوان (السلطاني) ممن يستحق الرهبنة. وأخذوا الكتاب ومضوا به إلى الغربية ولم يفدهم شيئا]]. *** وإلى مقال آخر لنتابع ما جري في أواخر أيام الأيوبيين... adel.guindy@gmail.com أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه القبط في معصرة الأيوبيين ...HISTORY - بسام الخوري - 11-23-2008 حكايات الاحتلال وتصحيح بعض المفاهيم (٨) GMT 23:45:00 2008 السبت 15 نوفمبر عادل جندي -------------------------------------------------------------------------------- صلاح الدين وحروبه ضد الكفار نعاود مراجعة تاريخ مصر استنادا إلى حوليات كتاب "تاريخ البطاركة" الذي استمر بعد وفاة مؤلفه ساوري (ساويرس ابن المقفع، حوالي سنة ١٠٠٠) بيد كتّاب آخرين. وقد تم تغطية أحداث الفترة الأيوبية بتوسع وتعدت ألف صفحة ولذا سنعرض لها في أكثر من مقال.. *** بعد التخلص من الدولة الفاطمية في ١١٧١بدأ صلاح الدين في توطيد دعائم ملكه في مصر، وقضى على أنصار الفاطميين وأعاد تنظيم الجيش فأصبح عماد المقاتلين من الأكراد والسلاجقة الذين حلوا محل السودانيين والبربر والأرمن. وفي ١١٧٥ منح خليفة بغداد صلاح الدين لقب سلطان. [[ وفي (١١٨٢) جمع صلاح الدين العسكر ومضى إلى دمشق بعد موت نور الدين بن قسيم الدولة ففتحها وتسلمها وجميع أعمالها وتوجه إلى حلب وحاصرها فلم يقدر يأخذها، ففتح حمص وبعلبك وعبر الفرات وفتح مدنا كثيرة في أرض الموصل (..) وعاد فأخذ حلب (..) ثم نزل على نابلس فهدمها وأخذ منه مالا وسبيا ثم عاد لمصر (١١٨٤)]]. وإذ أصبح صلاح الدين أقوى حاكم في العالم الإسلامي فقد عقد العزم على شن الجهاد ضد أعداء الإسلام ووجه موارد الدولة إلى النضال ضد الفرنج. [[وعمل مع الرعية بديار مصر الخير (..) وأزال مظالم كثيرة وأمر بإبطال الملاهي في جميع ديار مصر وأنكر كل منكر وأقام الحدود الشرعية (..)]. ** هذه أول مرة يأتي فيها ذكر "الحدود الشرعية" لكن الغريب أن كاتب الحوليات لا يعطي أي تفاصيل عن ماهيتها وكيفية ومدى تطبيقها، وهل طبقت على الأقباط أم لا؛ وإذا طبقت فكيف، وماذا كانت تداعياتها وردود أفعالهم؟ أسئلة كثيرة تحتاج لبحث تاريخي جاد. أخذت الغيوم تتلبد ودخل الانتقام الإسلامي مرحلة حاسمة. يحكي الكاتب موقعة كوم حطين بين صلاح الدين والإفرنج (يوليو ١١٨٧): [[فلم يزالوا يقاتلوا حتى نصر الله صلاح الدين عليهم فكسرهم وأسر من أسر وقتل من قتل وقد تهلل أهل الخير لما يعلمه الله في ذلك من صلاحهم. ولما ظفر بهم صلاح الدين (أحضروا بين يديه) البرنس أرناط (رينو دو شاتيون) صاحب (مدينة) الكرك، وخاطبه بكلام غليظ (..) ثم ذبحه بيده وغسل يديه بدمه (*)، وكان حاضرا الكونت جودفري (فطمأنه صلاح الدين وحكى له لماذا قتل البرنس ارناط: بسبب اعتدائه على قوافل المسلمين العابرة حول مدينته). ثم أطلق الكونت (..) فرحل إلى قبرص (..)]]. (*) أمر صلاح الدين أيضا بإعدام حوالي ٢٠٠ من الفرسان الأسرى، واحتفظ بالباقين للحصول على فدية. [[ وكتب صلاح الدين لولده العزيز، الذي سلطنه على ديار مصر، يصف له الأحوال: « (..) كتابنا هذا ناطقا بما جاء من نصر الله العزيز وفتحه المبين وما أنتج من الظفر الذي (محا) آثار المشركين وشفا صدور المؤمنين (..) وأوضح أن الله عز وجل اطلع على النية السلطانية في نصرة دينه فنصره وعرف عزمه فأقدره وعضده وظفّره وأيّده بجنوده على من جحد تفرده بالوحدانية وكفره، وأمات بسيفه سلطان الشرك فأقبره (..) وذكر النصرة الرادة لعدو الله على عقبيه. وإن من جملة ما أنعم الله به أن نوزلت جموع الإفرنجية وكُسروا الكسرة التي تركت البلاد منهم خاوية (..) وجمعت من طواغيت الكفر وبين أمهم الهاوية وأذاقتهم النار الحامية. وفي يوم الأحد تسلمت طبرية، وقُتل الابرنس ارناط (الأمير رينو) باليد العالية السلطانية (وأُسِر آخرون) (..) وفي يوم الثلاثاء انتقل الركب السلطاني إلى مدينة عكا لينازلها وفي يوم الخميس فتحت صلحاً، واستقر الإسلام فيها بوطنه وعاد إلى سكنه (..) وفي يوم الجمعة مستهل جمادى الأول أقيمت خطبة الإسلام في مسجدها وقام المؤذن مكان النواقيس معلنا كلمة التوحيد (..) (ثم فتحت الناصرة وحيفا والحولة واسكندرونة ونابلس) (..) وأشير أن عدد من قُتل وأسر يزيد عن عشرين ألف آدمي (..) ولم يعدم من المسلمين سوى نفر دون العشرة (..) وسلّمت عسقلان (في أغسطس ١١٨٧) (..) أفضل عروسة في الدنيا وأنقذها من يد الكفر (..) ونصبت أعلام المسلمين على أبراجها وعمرت بموحديها و(تخلصت من) مشركيها وكفارها، وكثر المؤذنون في أرجائها وزالت سمة الصلبان من جهاتها وأنحائها، وأعلن الخطيب بلا إله إلا الله على منبرها. ومن قصص الفتح أنها لما واجهتها جيوش الإسلام الناصرية وأنصار المؤمنين والتوحيد الصلاحية وأحاط بكفارها سخط الله (..) لجأ المشركين (المشركون!) إلى الفرار فنصبنا لهم آلات القتال وأذقناهم من طعم الطعن شديد الوبال (..) فلما خشوا بأسنا جنحوا للسلم (..) وتسلمت المدينة ونصبت أعلام الإسلام عليها (..) »]] [[ورحل السلطان فنزل على بيت المقدس يوم الخميس (..) ورتب العسكر محاصرا المدينة من جميع جهاتها، وصلى المسلمين (المسلمون) على الجبل الذي حولها يوم الجمعة وزحفوا للقتال بعد الصلاة (..) وأرسل السلطان لباليان (*) أن يسلم البلد بالأمان فلم يفعل. وكان هناك رجل نصراني من الملكية يسمى يوسف البطيط من أهل القدس، كان قد سكن في دمشق وعرف صلاح الدين وإخوته، وأباه وعمَّه أسد الدين شيركوه وهم بدمشق في خدمة نور الدين ابن زنكي. فلما ملك صلاح الدين ديار مصر، جاء (البطيط) إليهم فأخذه الملك العادل أخو صلاح الدين عنده وأنعم عليه (..) وكان صلاح الدين يترسل به إلى ملوك الإفرنج فصار يعرف أحوال بلادهم ويعرف كبار فرسانهم. (فالآن) لما رأى السلطان أن الحرب شديدة ولم يقدر على المدينة المقدسة، أحضر يوسف البطيط واتفق معه أن يرسل إلى النصارى الملكية يوعدهم بكل خير ويطلب منهم عدم مساعدة الإفرنج في القتال وأن يسلموا المدينة لصلاح الدين من ناحيتهم (..). فلما علم باليان، وكان النصارى الملكية (الملكانية، الروم الأرثوذكس) في المدينة أكثر من الفرنج (**)، خاف أن يسلموها فيهلك الفرنج جميعهم بالسيف، فأذعن للصلح (..) واتفق مع السلطان على (فدية) على كل رجل وامرأة وصبي]]. (*) فارس الإفرنج الذي كان يقود الحامية. (**) هذا الدور الحاسم الذي قام به نصارى القدس في استسلام الفرنجة وتسليم مدينة القدس لصلاح الدين يندر ذكره في كتابات المؤرخين المسلمين. وكتب صلاح الدين إلى نصر الدين ابن بهرام، والي الأعمال الغربية، يخبره بما يحدث، مستخدما أسلوبه المفعم بالسجع والفشخرة المعتادة: [[كتابنا إلى الأمير الأجلّ الاسفهسلار (؟) الكبير نصير الدين فخر الإسلام عمدة المجاهدين (..) فقد طلعت على أسوار البيت المقدس أعلامنا ونفذت فيه أحكامنا وذهبت أيام العدو الكافر واستقبلته أيامنا، وثبت بتأييد الله أقدامنا وكانت مدة المنازلة ثلاثة عشر يوما وأيام المقاتلة سبعة، رمي بالمناجيق حتى خربت أسوارها وحطمتها وحدرت الجدران وهدمتها وأقامت كلمة التوحيد وقومتها وأظهرت شعائر الدين الحنيف وعظمتها، وكيف يدوم مع الحق الضلالة (..) ومازالت الكفار في شقاء وعناء منذ يوم المنازلة إلى يوم التسليم، وإذ خمدت حميتهم (وأدركوا أن) مدة ولايتهم انصرمت وأن (أهل القدس) سيلقون بهم إلى أولياء الله (المسلمين) فيمضوا فيهم حكم السيف والنار، وأن المسجد الأقصى قد لبس حلتي الفرح والاستبشار (..) ولما كان يوم الخميس سادس يوم المقاتلة، زحف المؤمنون وتقدم الموحدون وبأيديهم كؤوس الحتف والمنون (..) فعندها لاذوا بالأمان وأرسلوا يسألون (في تقرير الفدية)، وتقررت أمور قرت بها عيني النبي صلوات الله عليه في ضريحه ونطق بها لسان الرأي الصحيح مع صريحه، وهو عشرة دنانير على الرجل وخمسة على المرأة ودينارا واحدا على الصبي الذي لم يبلغ الحكم (الرشد) والصبية. وعدد من في البلد قارب مائة ألف أو يزيدون. وقطعوا ثلاثين ألف دينار فدية لسبعة آلاف رجل ضعفاء لا يقدرون، يقدمها كبارهم صدقة. والحمد لله الذي أخفت دعوتهم واستأصل بالسيوف الناصرية غيهم (..)]] [[ولما تسلم الملك الناصر صلاح الدين البيت المقدس (*) بالأمان والفدية في رجب سنة ٥٨٣ هلالية (سبتمبر ١١٨٧م) أقام فيها إلى أن صام رمضان وصلى العيد (..) وخطب الخطيب في العيد يقول: « الحمد لله، الله أكبر على ما سهل ويسر، وفتح ونصر، ومنّ علينا بالمسجد الأقصى المطهر، وأخرج منه الكفر والأعلاج بني الأصفر، وشتتهم وبددهم ودمرهم ورد إلى الملة الإسلامية الأرض المقدسة، أرض المحشر والمنشر (..) أحمد الله على تغيير البيع والصوامع بالمساجد والجوامع، وتبديل النواقيس بالتأذين والتقديس، وتحويل تعظيم صليب المصلوب بتمجيد الحي الذي لا يموت (..) »]] (*) جاء نبأ سقوط القدس بمثابة الصاعقة في أوروبا الغربية، وبدأت الدعوة لحملة جديدة، اشترك فيها الإقطاعيون الكبار والفرسان إذ بدأت الدوافع الدينية (تخليص قبر المسيح وتأمين طرق الحجاج) تتراجع، لترك مكانها المصالح التجارية في المنطقة. [[ثم خرج صلاح الدين وحاصر الكرك فأخذه وتوجه إلى صيدا وبيروت وجبيلة وسار في طول الساحل ففتح مدن وقلاع وقرى، وفتح وملك بالأمان أكثر مما فتح بالسيف وأوفى بعهوده ولم ينكث بكلمة من قوله ولا غدر، وكان فرسان الفرنج وأمراؤهم وكبارهم يخرجون من حصونهم وقلاعهم بأموالهم ومواشيهم ونسائهم وأولادهم وجميع ما يملكوه من المال والخيل والبغال والجمال والجواري والمماليك حتى الأسرى من المسلمين، ومن رضي منهم يبيع أسيره (لصلاح الدين)، ومن لا يرضى قال له خذ أسيرك ولكن افعل معه الخير كما فعلت معك، وكان كثير من الفرسان يدفعون له بأسراهم ويحلفوا ما يأخذوا ثمنا (..). ولما فتح الساحل جميعه أعطى الهبات لأجناده وأصحابه ومن عاونوه من ملوك المسلمين وأمرائهم من المواشي والأسري والخلع ما لا يحصى عدده. وقد بلغني عن غلام من غلمان الأجناد أنه أسر رجلا من الإفرنج فباعه لفقاعي (تاجر شعير مخمّر، أي بيره) بكوز فقاع (أي بكوب بيره)، وظهر بعد ذلك أنه فارس كبير؛ فأعوذ بالله من زوال النعم وحلول النقم (..)]]. [[ثم نعود إلى شرح ما أيد الله به صلاح الدين وما مكنه له من النصر والظفر والتمكين، وما صنع له مع أعداء دينه ودولته، كقول التوراة: إذا عبر عليك حمار عدوك وأنت جالس، ووسقُه مائل فقم إليه واعدل وسقه عليه، وقول الإنجيل بما هو أعظم من هذا: أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم وصلوا لأجل من يشتمكم وأحسنوا إلى من أساء إليكم. فعمل صلاح الدين بأمر هذين الشريعتين من غير معرفة ولا قراءة بل بإلهام من الله، ولأجل ذلك مات على فراشه وكانت عاقبته حميدة في نفسه وذريته]]. [[ولم تزل الحرب قائمة (مع الإفرنج) إلى أن حشد ملك الألمان (فردريك باربا روسا) ٦٠٠ ألف رمح (؟؟) ووصل بعد سنة كاملة إلى (قرب أنطاكية) ولما أراد أن يعبر البحر إلي قسطنطينية حشد ملك الروم جيشه (*) فقهره (فردريك) وحاصر قسطنطينية وجبى خراجها وجميع مدنها وقراها (..) ثم سار في طريقه لبيت المقدس وجاز على جميع بلدان ملوك الروم والأرمن والمسلمين والفرنج بالسيف ولم يقف أحد قدامه فلما قرب من أنطاكية قطع الملك المظفر تقي الدين ماء نهر الكلب فغرقت جميع الطرق. فركب (فردريك) المراكب من أنطاكية ومضي في البحر إلى عكا ونزل عند عسكر الإفرنج (..) ثم مات ومات ولده ومات أكثر أصحابه بسبب تغيير الهواء، وخمد ذكره وبطل أمره وكأنه لم يكن فسبحان الله الدائم الحياة (..)]]. (*) عندما تأكد صلاح الدين من أنباء الحملة الجديدة، عاود توطيد علاقاته بالإمبراطور البيزنطي كي يضمن مساعدته وفاقت هداياه هذه المرة كل ما سبق أن أرسله في الماضي ووعد البيزنطيين بأن تصبح كل كنائس فلسطين وفقا لمذهب بيزنطة، كما وعد الإمبراطور من ناحيته بأن يكون جامع القسطنطينية في يد السنة. وهكذا وضع الإمبرطور العراقيل في طريق الحملة الألمانية، وعندما عجز عن وقفها كان يمد صلاح الدين بأخبار تحركاتها.. [[ولو أخذت في شرح ما جرى بين المسلمين والفرنج على عكا وغيرها (..) لطال الشرح وعظم الوصف. وقد تقدم في سير الأولين ما هو أعظم من هذه السيرة ولم تزل هذه صفته مادامت الدنيا: كل أمة ترتكب الفساد وتعمل ضد (نواميسه) يرسل الله عليها أمة غليظة لا ترحم ولا تشفق تخرجها منه بالسيف والسبي والجوع والحصار ونهب الأموال وبيع الأولاد والحريم (..) لأن الله يريد من الملك أن يكون في (مملكته) من الطهارة والعدل وصلاح السيرة وملازمة الصلوات الصدقات مثلما فعل داوود (في أيام ملكه)]]. يلتزم كاتب الحوليات بمدرسة "التفسير الديني للتاريخ" التي كانت شائعة في العصور القديمة والوسطى.. [[ولم تزل الحرب بين الفرنج والمسلمين في عكا (من ١١٨٩ إلى ١١٩١). ثم وصل ملك الفرنسيس (فرنسا) بجنوده بحرا ونزل مع عسكر الإفرنج (قرب عكا) واتفق معهم علي مهاجمة عكا. وكان صلاح الدين قد أدخل بها عسكر جديد فيه جماعة من الأمراء الكبار المعروفين من مقدمي (قادة ألوية) الأكراد والمماليك الصلاحية (أتباع صلاح الدين) والمماليك الأسدية (جند أسد الدين شيركوه) والتركمان (*). وشدد ملك الفرنسيس حصاره ثم فتحها ظهر الجمعة نصف شعبان. وأخبرني رجل كان في عكا أنه لما فتحها صلاح الدين أول مرة وجدوا جامعها قد جعله الفرنج كنيسة فجمع الأسري الفرنج وغلسوا حيطانه وأبوابه وكشطوا منه الصور وبالجير بيضوه حتي ما بقي للصور أثر ولا خبر. ثم لما فتحها ملك افرنس أخذ الإفرنج أسراهم المسلمين إلي الجامع وغسلوه وجددوا بياضه وصوره كما كان. فسبحان الله الذي بيده ملكوت كل شيء يعز من يشاء ويذل من يشاء ويجازي كل أحد بأعماله (..) وعاد ملك افرنس في البحر لبلاده ثم وصلها (ريتشارد) ملك الانكتار (الانجليز) وكان بطل شجاع لا يخاف ولا يهاب (..) وخرج من عكا إلى حيفا (واستمرت الحروب لفترة)]]. (*) من الواضح، كما تبين كتب التاريخ، أن حروب صلاح الدين ضد الفرنجة واستعادة القدس وغيرها، قام بها جنود مماليك ومرتزقة من الأكراد والترك السلاجقة، وأن المصريين ـ بعكس بعض الأوهام الشائعة ـ لم يشاركوا فيها بجهد بشري يذكر. [[ولم يزل (صلاح الدين) يدبر والله يعضده بالتوفيق إلي أن تصوب رأيه في الهدنة والصلح وحقن الدماء للفريقين، وتقررت الهدنة أربعون شهرا على أن يبقي للمسلمين ما فتحوه من مدن الساحل ويبقى للفرنج ما كان بيدهم (..) أما البيت المقدس فيبقى بيد المسلمين وقرر صلاح الدين أن يحج (الإفرنج) إليه بشرط ألا يدخلوا بسلاح (*) (..). وصار الفرنج والمسلمون بعد الصلح مثل الإخوة وكذلك الملوك مع صلاح الدين وحمل إليهم أموالا وهدايا وحملوا إليه هدايا وخيل و(دروع) وسيوف ألمانية ورماح. فسبحان الله المؤلف بين القلوب المتباعدة والطباع المتضادة (..) وأما أسرى المسلمين لدى الفرنج وأسري الفرنج لدى المسلمين فلم يتقرر في أمرهم شيء (..) ثم عاد (ريتشارد) لبلاده وتوجه صلاح الدين إلى دمشق، وطاهر (اختتن) أولاده الخمسة عشر ـ وهم ليسوا من امرأة واحدة بل عدة نساء (وهم الذين أقامهم ملوكا على أنحاء مملكته الواسعة)]]. (*) طلب الإمبراطور البيزنطي أن تعود للمسيحيين البيزنطيين السيطرة على الأماكن المقدسة كما سبق أن وعد صلاح الدين، لكنه رفض أن يكون لمذهب من المذاهب السيادة وأنه سوف يكون الفيصل والحكم بينها، وقال بأن على الإمبراطور دفع مائتي ألف دينار إذا رغب في الحصول على صليب الصلبوت. (جمال الدين ج٣ـ ص ١٢١٦). [[وكانت أيام دولته كلها حسنة طيبة وأحوال الرعية مستقيمة ولم يظلم أحدا كعادة من سبقوه، والطرق آمنة والأمور صالحة. ومات في قلعة دمشق (فبراير ١١٩٣) عن سبعين سنة]]. وبعد هذا العرض التاريخي البالغ الإعجاب بصلاح الدين، والذي لا يذكر فيه شيئا حتى عن عودة القبط للحج إلى بيت المقدس، لا ينسى كاتب السيرة أن يُذكّر، على استحياء، بما حدث في بداية أيام حكمه مع الأقباط: [[وكان الأب الأنبا مرقس ابن زرعة قد قاسى من المصاعب وشاهد من الشدائد في بداية مملكة صلاح الدين لما خرج أمره بنزع الصلبان من كل قبة في كل كنيسة من الكنائس التي بديار مصر وكل من رأى كنيسة ظاهرها مبيض، تليس بالطين الأسود من فوق البياض، وأن لا يدق ناقوس في جميع ديار مصر ولا يدور النصارى بالزيتونة (أحد الزعف) في مدينة أو قرية كالعادة الأولى وأن يغير النصارى زيهم ليُعرفوا من المسلمين بأن يشدوا زنانيرهم في أوساطهم ولا يسيروا بطيلسان ويرفعوا عدب عمائمهم ولا يركبوا الخيل ولا البغال بل الحمير ولا يتظاهروا بشرب الخمر وأن يخفضوا أصواتهم في صلواتهم. وقد طمع أوباش المسلمين فيهم في ذلك الوقت وأهانوهم ورتبوا على بعض الكنائس في المدن والقرى فهدموها ونال الناس من ذلك مشقة عظيمة حتي خرج جماعة من كتاب مصر والقاهرة من دينهم وجحدوا مسيحهم (..) وما زال الأنبا يجاهد في صلواته من أجل شعبه إلى أن أصلح الله لهم قلب سلطانهم فقربهم وأدناهم واستخدمهم في ديوانه في أموال دولته وأنعم عليهم فعادوا إلي أرفع مما كانوا عليه وركبوا الخيل والبغال ولبسوا الخفاف والثياب المفرحة وساروا معه في الغزوات كتّابا لديوانه وأهله وأقاربه وأجناده (..) ونقل الله، بصبرهم وصلوات بطركهم ورجوعهم إلى الله وطاعتهم لرئيسهم، ذلهم إلى عز وإهانتهم إلى كرامة وبغضهم إلى محبة وضعفهم إلى قوة، وأكثروا من الصدقات ولازموا الصلوات وتشبهوا ببعضهم البعض في المسارعة إلى فعل الخيرات فنمت أرزاقهم وصحت أجسامهم وكثر بنوهم وبناتهم وصلحت أمورهم وطابت قلوبهم وانشرحت صدورهم (..)]]. ومن الغريب ألا يشير كاتب السيرة إلى ما ذكرته المصادر الأخرى حول العقوبات الصارمة، وصلت لحد الصلب والإعدام، التي أوقعها صلاح الدين بالقبط في سنوات (١١٦٨ـ ١١٧٣ م) بالرغم من مشاعرهم المعادية للفرنجة ومن ولائهم وتعضيدهم التام له. (ج٣ـ ص ١٢٢٨). على أي حال، فهكذا تماهى القبط مع ذميتهم واعتبروا غاية المنال البقاء في الحياة، وطاعة رئيسهم الخ. وبهذا بدأت عصور الاضمحلال كما يتضح فيما حدث أيام الأيوبيين، بعد صلاح الدين.. adel.guindy@gmail.com أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه القبط في معصرة الأيوبيين ...HISTORY - خالق محجوب - 11-23-2008 شكرا بسام على هذه المقالات:98: القبط في معصرة الأيوبيين ...HISTORY - بسام الخوري - 05-13-2009 http://souria.com/club/forums/1291514/ShowPost.aspx all 13 article together |