نادي الفكر العربي
البصرة تحت ظلال صـــدام - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: البصرة تحت ظلال صـــدام (/showthread.php?tid=22322)



البصرة تحت ظلال صـــدام - طريف سردست - 12-09-2005

البصرة تحت ظلال صدام * ترجمة عن السويدية : سهر العامري

قيل مرة أن البصرة كانت تدعى بندقية الشرق ، لكن من الصعوبة أن يعتقد المرء بذلك ، وهو يسير راكبا على امتداد شوارعها المتربة الآن ، ففي كل مكان منها تتصاعد مرتفعات من النفايات ، وتتنابح كلاب سائبة في طرقاتها ، ثم روائح الصيف الكريهة التي لا تطاق ، حين تقرقع مياه المجاري ، والجداول الآسنة في الحر .
ومن هنا يمكن للمرء أن يفهم بسهولة خيبة الأمل الكبيرة عند الناس العاديين ، فالعراق يُطبق جناحيه على أكبر احتياطيات العالم من النفط تقريبا ، وإن سبعين بالمئة من احتياطي العراق هذا يتركز في هذه المنطقة التي تحيط بالبصرة ، وفي هذا الجزء من العراق يقع ميناؤه الوحيد ، وممره الى الخليج . ومع ذلك لا يزال الكثير من مواطني البصرة ، المليون والنصف ، والذين يشكل الشيعة أكثريتهم ، يعيشون تحت ظروف غاية في التعاسة ، فلعشر سنوات من الحرب ، وللإهمال تحت حكم صدام ، حرمت ثاني أكبر مدن العراق من الرخاء الاقتصادي .
من أفق البصرة المغبر يظهر دون شك ، وبإغراء ، حل عقد مشاكل الأجزاء الأخرى من البلاد ، وأن يعتنى بالجزء الأكبر من الذهب الأسود نفسه ، والفكرة ، عن تشكيل إقليم متطور في الجنوب بعد نموذج كردستان في الشمال ، قد وقفت بثبات على أرض في الآونة الأخيرة . هذا في ذات الوقت الذي تعلم فيه الأحزاب الشيعية أن فكرة الإتحاد الفدرالي قد تؤدي الى خطر اندلاع حرب أهلية مدمرة في العراق ، وعليه فالإشارات التي تصدر من تلك الأحزاب هي أن هذه الأفكار يجب أن تظل في القارب ، انتظارا لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات في الخامس عشر من كانون الأول / ديسمبر ، ومع هذا لا تزال خطط قيام الدولة الشيعية في الجنوب موضوعة في الجيب الخلفي .
إن الكفاح من أجل حكم ذاتي ليست هو غيمة القلق الوحيدة التي تتعلق فوق جنوب العراق ، فبعد سقوط صدام غطت المجتمع موجة إسلامية ، عدوانية ، بعد أن كانت البصرة في فترة من الزمان مركزا تجاريا مهما ، كانت الناس تركب لها من جميع بلدان الخليج ، وذلك من أجل أن يسعدوا أنفسهم بنزهة تحت ظلال النخيل في مشية على ضفاف الأنهر ، إذ اللباس سراويل الجنز والتنانير ، لكن النساء الآن ، ومثلما شاهدتهن في الشوارع ، متلفعات بعباءات ، ثقال ، سود .
لقد دمر كل ما سُمي بار أو ناد في البصرة الآن ، وحتى الحوانيت التي تبيع أشرطة الموسيقى تهاجم بالقنابل غالبا ، وعندما قامت الجامعة بتنظيم سفرة نزهة لطلابها في ربيع ماض ، انتهت تلك السفر بتعذيب الطلاب والطالبات من قبل رجال مسلمين من جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر ، لقد كانت جريمة هؤلاء الطلبة والطالبات أنهم جلسوا سوية ، وكانت من بينهم طالبة مسيحية لم تغطِ شعر رأسها بخرقة .
أنا قابلت أثنين من هؤلاء الطلاب اللذين كانا معهم ، حسن 22 سنة ، وأحمد 25 سنة في غرفة ، وفي قاطع محمي من البصرة ، وقد قالا : إنهما في قلق كبير من هيمنة الدين المتنامية ، ولهذا فهما سيصوتان لعلاوي العلماني في الانتخابات ، لكنهما لا يتجرآن التحدث عاليا عن ذلك بالجامعة المسيطر عليها من قبل المتأسلمين ، وعليه يكون من الأفضل أن يحتفظ المرء بتصرف مقبول في مثل هذه الحال .
أ هكذا تكون الديمقراطية المحتملة في العراق ؟ أم إنها كما قال لي صحفي عراقي مجهول الاسم : ( لا شيء تغير ! لدينا نفس المجتمع ، ونفس التصرفات ، مثلما هي الحال زمن صدام . )
بعد بضعة أيام في البصرة يكون من السهل عليك أن تستشعر الألم ، فمشكلة العراق ، مثلما اعتقد أنا ، هي أبعد كثيرا من التصدع الطائفي ما بين السنة والشيعة ، فالعراق الجديد يئن أيضا من هيمنة الميليشيات ، والفساد الإداري ، والجريمة المنظمة ، والنزاعات العشائرية ، والعادات المتخلفة ، السيئة ، وأضيف الى ذلك أن جميع دول الجوار ترغب في أن تضع أصابعها في اللعبة هذه من أجل أن تعزز مخططاتها فيها .
قبولا بكل ما تقدم يجب أن يُعد العراق الجديد على هذا النحو ، فكل العراقيين الذين قابلتهم ، ورغم كل ذلك ، سعداء لتحريرهم من ظلم وإرهاب صدام ، ويعتقدون أنهم سيبنون الديمقراطية بمرور الوقت في وطنهم .
ليس من الخطأ أن تطبق الديمقراطية في العراق ، لكن الخطأ هو الوضعية التي جرى بها هذا التطبيق من خلال الحرب التي عُجل بها ، دونما قوات عسكرية ، وخطط كافية لمراقبة ما ينجز في العراق ، أو دونما الظفر بثقة الشارع العربي أولا .
بينما كانت الشمس تغطس في نهر شط العرب المسافر نحو الخليج ، هناك حيث يلتقي حبلا الحياة ، دجلة والفرات ، كلاهما ، فكرت مليا بالطلبة ، والصحفيين ، والسياسيين الذين التقيتهم خلال رحلتي ، فشجاعتهم هي التي جعلتني متفائلة أكثر بمستقبل العراق ، وخوفهم هو الذي جعلني خائبة الأمل .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - -
* هذه المقالة للصحفية السويدية ، أنّا دالبري ( Anna Dahlberg ) ، وقد نشرت في جريدة :Expressen في عددها 341 ، وبتاريخ الأربعاء المصادف 7/12/2005