حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
وفاة الكاتب والصحفي المصري صلاح الدين حافظ - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: حول الحدث (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=64) +--- الموضوع: وفاة الكاتب والصحفي المصري صلاح الدين حافظ (/showthread.php?tid=2245) |
وفاة الكاتب والصحفي المصري صلاح الدين حافظ - بسام الخوري - 11-17-2008 أُعلن في القاهرة عن وفاة صلاح الدين حافظ، الكاتب والصحفي المصري والأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب، عن عمر يناهز السبعين عاما، أمضى الجزء الأخير منها يدافع عن حرية الصحافة. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية إن حافظ تُوفي يوم أمس الأحد في منزله، وذلك دون أن تذكر سبب الوفاة. وقد ألف صلاح الدين حافظ خلال مسيرته الأدبية والصحفية 15 كتابا، خصص آخرها، وكان بعنوان "تحريم السياسة وتجريم الصحافة"، لانتقاد ظاهرة غياب الحريات في مصر. كتابه الأخير وقال في مقدمة كتابه الأخير: "الصحافة في جوهرها تشتغل بالسياسة، والسياسة من ناحيتها تمارس الصحافة، والمعني هنا أن الصحفيين سياسيون بالضرورة، والسياسيين صحفيون بحكم العمل". تخرج حافظ من قسم الصحافة في كلية الآداب في جامعة القاهرة عام 1960 وانضم لاحقا إلى أسرة تحرير جريدة الأهرام حيث عمل حتى وفاته مديرا للتحرير فيها. تبنى صلاح الدين حافظ طوال حياته المهنية مواقف سياسية مستقلة وظل يدافع عن الحريات العامة والحريات السياسية وحرية التعبير وعن العدالة الاجتماعية وينتقد السلطة السياسية بجرأة. وقد ساهم في تسعينيات القرن الماضي بتأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان. دعوة للمثقفين أمضى حافظ الجزء الأخير من حياته يدافع عن حرية الصحافة وقبل وفاته بأشهر، أطلق حافظ دعوة إلى عقد مؤتمر للمثقفين المصريين لتشخيص المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد ووضع تصور لعلاجها. ولد صلاح الدين حافظ في مصر عام 1938 ميلادية وعمل في مؤسستي الأخبار والتعاون حتى انتقل عام 1965 إلى مؤسسة الأهرام التي عمل بها حتى وافته المنية. في العام الماضي فاز صلاح الدين حافظ بالجائزة التقديرية للصحافة التي تمنحها النقابة المصرية لرموز الصحافة سنويا. وقد كتب حافظ قُبيل وفاته مقالا بصحيفة الأهرام المصرية بعنوان "نحن وأوباما.. هل سيُغير أم سنتغير؟" وقال فيه: "إن باراك أوباما قد فعلها أخيراً في انتخابات الرئاسة الأمريكية يوم 4 نوفمبر2008 وهو يوم يؤرخ له بقوة، يوم اقتحام أول رئيس أسود للبيت الأبيض، قارعاً جرس التاريخ". ****************************** نحن وأوباما.. هل سيُغير أم سنتغير؟ آخر تحديث:الأربعاء ,12/11/2008 صلاح الدين حافظ في ضربة واحدة، وفي لحظة نادرة من لحظات الزمن، تمكن باراك حسين أوباما من تحقيق حلمين كبيرين لرجلين كبيرين. فلم يكن الأب حسين أوباما يحلم وهو يغادر قريته الكينية الفقيرة، هارباً من الجوع والفقر، بأكثر من عمل بسيط يقيه شر العوز والمذلة، فساح غرباً وشرقاً في أرجاء المعمورة، وتزوج بأمريكية بيضاء، تحت إغراء الاستقرار، فأنجبت له باراك، الذي تركه منفصلاً عن أمه وهو في عمر السنتين.. هل راوده ذات لحظة حلم بعيد المنال، بأن يصبح هذا الطفل الشريد رئيساً لأكبر دولة في العالم؟!.. مستحيل! ولم يكن الزعيم الزنجي الأشهر مارتن لوثر كنج، يحلم مع نهاية ستينات القرن الماضي بأن يحصل الزنوج الأمريكيون على حقوقهم وحرياتهم المدنية، في وقت كانت الولايات المتحدة أضخم ساحة للتفرقة العنصرية، حيث كانت لافتات “ممنوع دخول الزنوج والكلاب” ترفع على واجهات المطاعم والمسارح والمدارس والحافلات بل والأحياء السكنية كاملة، بينما الفصل العنصري يتم تحت قوة السلاح والقتل العلني لمن يكسر قواعده. فهل راوده حلم قبل اغتياله بأن شاباً زنجياً يافعاً اسمه باراك سوف يكتسح الانتخابات الأمريكية ليصبح رئيساً للولايات المتحدة، بعد أقل من أربعين عاماً من تلك الأحداث الدامية ذات الطابع العنصري المقيت! الحقيقة أن باراك أوباما قد فعلها أخيراً في انتخابات الرئاسة الأمريكية يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني ،2008 وهو يوم يؤرخ له بقوة، يوم اقتحام أول رئيس أسود للبيت الأبيض، قارعاً جرس التاريخ، مسقطاً النفوذ التاريخي “للواسب” أو “احتكار البيض الساكسون البروتستانت” الذين ظلوا يحكمون أمريكا على مدى أكثر من قرنين منذ الاستقلال حتى الرابع من نوفمبر ،2008 حارمين أصحاب البلاد الأصليين والمهاجرين الزنوج والهسبانكس من أبسط الحقوق المدنية. وأظن أن هذا هو المغزى الحقيقي لنجاح أوباما باكتساح في مواجهة واحد من أشد صقور الواسب، وهو نجاح لم تحققه الشخصية الكاريزمية للرجل، ولا قدرته الفائقة على اجتذاب مسامع ومخاطبة أفكار مشاهديه ومغازلة الطبقة الوسطى عماد المجتمع الأمريكي فقط، بل هو نجاح حققه المجتمع الأمريكي كله، حين قرر التحول في لحظة نادرة من لحظات تاريخه، من حالة احتكار حكم البيض على مدى قرنين من الزمان، إلى تجربة حكم جديد لرئيس جديد يمثل جيلاً جديداً، من أولئك الزنوج الفقراء، الذين خبروا الجوع ولكنهم تعلموا ودرسوا في هارفارد أعرق جامعات العالم، وصعدوا إلى الطبقة الوسطى ترقياً من أحراش الفقر التاريخي. ولا ندري هل كان من حسن حظ باراك أوباما أو من سوء حظه، أنه جاء للرئاسة الأمريكية مكتسحا بما لم يحدث من قبل وسط أنواء الأزمة المالية الاقتصادية الدولية، التي أورثها له الرئيس المغامر جورج بوش الابن، مثلما أورثه حروبا مشتعلة وصراعات دامية، تخوضها الجيوش الأمريكية من أفغانستان إلى العراق، من دون أن تحقق نصرا، بل من دون أن تقضي على الإرهاب كما ظل يدعي بوش. لكن الذي ندريه أنه بعد سبع سنوات من الحرب الأمريكية ضد أفغانستان، وبعد خمس سنوات من الحرب ضد العراق، لم تلح في الأفق القريب أو البعيد، ملامح نصر ولا حتى أوهام تسوية في ظل تورط أكبر جيوش العالم في مستنقعات وعرة وجبال أكثر وعورة، يجري استنزاف قواها يوما بعد يوم، بينما هي تمارس القتل العشوائي والإرهاب المنظم وتنفق تريليونات الدولارات أملا في نصر بلا طائل. وإذا جاز لنا أن نستنتج شيئاً جديداً، ربما شيئاً يثير الأمل من مجيء أوباما خلفا لبوش، ودون تهويل أو حتى تفاؤل شديد، فهو أن لغة سياسية جديدة بدأت تدخل القاموس الأمريكي في السياسة الخارجية خصوصا، على لسان الرئيس الجديد، وهي لغة أخف تطرفا وأكثر عقلانية وأقل عدوانية حتى الآن على الأقل من تلك اللغة العنصرية العدوانية الحادة، التي ظل بوش يستعملها طوال سنوات حكمه الثماني، المعبأة بكل الكراهية للعالم. والمعنى المباشر هو أن دخول أوباما إلى البيت الأبيض، سيزيح آخر عصابات المحافظين الجدد الليكود الصهيوني المتعصب، ويبعد فلولهم بعيدا عن صنع السياسات وسلطة اتخاذ القرار، فيهرب من يهرب قافزا من السفينة، كما فعل رامسفيلد وبيرل وولفويتز وفايث، ولم يصمد على مائدة اللئام من رموزهم الكبيرة إلى جانب بوش سوى نائبه ديك تشيني. فإن قرأنا مجمل الخطابات الانتخابية لباراك وحللنا مضمونها بموضوعية وأعملنا القليل من التفاؤل، لقلنا إن روحاً جديدة ولغة مغايرة تهب على السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى لسان رئيس جديد يريد أن تتصالح أمريكا مع نفسها أولا، ومع العالم الخارجي ثانيا، ويرفع شعارا مهما هو “التغيير” في سبيل تحقيق ذلك! فإن صدق فهو يريد تغيير ذلك الخط الملتهب الذي مارسه المحافظون الجدد مع بوش فأشعلوا العالم صراعات وحروبا، وعبّؤوا أجواءه بالكراهية، كراهيتهم للعالم وكراهية العالم لهم، فلم يجنوا سوى الخيبة والحسرة يجمعونها في حقائبهم وهم يفرون الآن، وانظر كيف قال ماكين، أحد خلفاء بوش ومرشحه للرئاسة في مواجهة أوباما، “إنني مستعد للبقاء في العراق مائة عام لكي أحقق النصر”، بينما قال أوباما إنه “سيعمل على الانسحاب من العراق خلال فترة قصيرة”. وأظن أن هذا بعض ما صنع الفارق بين المنافسين لدى الناخب الأمريكي، إضافة إلى عوامل أخرى حوّلها الإعلام الأمريكي الجبار إلى أدوات تأثير إيجابية لصالح أوباما الذي يريد لملمة جراح الحروب والصراعات غير المبررة، والتي تكلف الخزينة الأمريكية أعباء غير مسبوقة. مرة أخرى من دون إسراف أو تهويل في التفاؤل أو استباق متسرع لما نتوقعه من تغيير سيحدثه أوباما في السياسة الخارجية خصوصا، يجب أن نتمسك بلغته الجديدة الأقل تطرفا، ولا نقول الأكثر اعتدالا، فيما يتعلق بقضايانا العربية مثل العراق وفلسطين وابتزاز سوريا وإشعال دارفور وتدمير الصومال وإرباك الخليج العربي عبر معاداة إيران.. إلخ. لغة شبه التصالحية توحي إذن بقدر من التغيير في المفاهيم والسلوك والتعامل، نقول ذلك ونعلم حقيقتين ظاهرتين، الحقيقة الأولى أن باراك حين تعرض لأكبر حملة ابتزاز صهيونية بأنه مسلم اسماً ورسماً، قال إن اسمه “باراك” هو الاسم العبري “باروخ”، اكتساباً لتأييد اللوبي الصهيوني المؤثر انتخابيا، زار “إسرائيل” ووضع القلنسوة اليهودية على رأسه وحج إلى نصب ضحايا النازية، ورفض زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة. ثم أتبع ذلك بخطابه الشهير أمام منظمة “ايباك”، أقوى منظمات اللوبي الصهيوني، وتعهد فيه بالتعهدات التقليدية: “أن يضمن أمن “إسرائيل” جزءا من أمن أمريكا، أن يحافظ على “إسرائيل” قوية وأقوى من كل جيرانها العرب، أن تبقى القدس عاصمة أبدية للدولة العبرية”. وفي البداية والنهاية نعلم أن كل هذا كان من لوازم الحملات الانتخابية التقليدية الأمريكية، قد يلتزم بها المرشح وقد لا يلتزم. العبرة بالتطبيق وما من رئيس أمريكي جاء إلا والتزم ب”إسرائيل”! أما الحقيقة الثانية في مسار أوباما في البيت الأبيض، فهي أنه لا هو ولا أي رئيس أمريكي يحكم منفرداً كما يحكم العرب، إنه كرئيس منتخب خاضع لتوزيع سلطاته بين قوى عاتية النفوذ، خصوصا الكونجرس بمجلسيه، والبنتاجون، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية، وتأثير الصحافة والإعلام، وكلها تضع على سياساته كوابح وضغوطاً واضحة لا يستطيع أن يعبر حدودها بسهولة ويسر، وبالتالي فإن حلمه بالتغيير الواسع، كما عبر عنه في حملاته الانتخابية يظل محكوماً بهذه الكوابح، حتى لو غامر بتحدي الجميع، ولعل ذلك ينطبق أكثر مما ينطبق على تغيير مواقفه من قضايانا العربية. نستطيع المجازفة بالقول إن الرئيس الجديد غير ذلك الغارب حتما، من حيث الفكر والفهم والسلوك، وأنه لديه رغبة عارمة في تغيير كثير من السياسات الأمريكية، بصرف النظر عن قدرته عليها، لكن رغبة التغيير لديه يجب أن تقابل بترحيب أولاً من داخل أمريكا، وثانياً من خارجها، لأنها إن نجحت فستشكل لحظة تاريخية نادرة من التصالح الأمريكي مع العالم كله، بعد عقود من الحروب والصراعات والاحتكارات. وفي النهاية نسأل أنفسنا: أين نحن من هذه الرغبة التغييرية والحركة الجديدة؟.. هل ندخل في إطار التصالح بعد جفاء، أم ننتظر متشككين خائفين من خديعة أخرى يخفيها أوباما في جراب الحاوي؟ أثق أن على المسؤولين ومراكز البحوث العربية الجادة (إن وجدت) أن تبذل جهودا مكثفة، لاستكشاف توجهات التغيير الجديدة في السياسة الأمريكية، تجاه القضايا العربية الساخنة وخصوصا فلسطين والعراق حتى يمكن بناء مواقف محددة، قبل أن يفلت الزمام، ويسقط أوباما في براثن عصابات متصهينة متعصبة، كما حدث مع بوش من قبل! وفاة الكاتب والصحفي المصري صلاح الدين حافظ - بسام الخوري - 11-17-2008 درس الرأسمالية المتوحشة للهواة الجدد آخر تحديث:الأربعاء ,15/10/2008 صلاح الدين حافظ لو أن واحداً من الفقراء أو العلماء، خرج علينا قبل شهرين أو ثلاثة، يعلن ضرورة العودة واللجوء للتأميم، في مواجهة الأزمة الكارثة الاقتصادية العالمية، لهاجت الدنيا ووصفه الجميع بالجنون عند الحد الأقصى، أو اتهموه بالشيوعية والاشتراكية عند الحد الأدنى.. ليس التأميم من ممارسات هذه وتلك. لكن في ظل الكارثة المالية الاقتصادية الراهنة، التي ضربت أسس الاقتصاد في أكبر الدول الرأسمالية، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي أصحاب نصف الاقتصاد العالمي، لجأت هذه الدول الرأسمالية العريقة إلى التأميم.. تأميم العديد من البنوك والمصارف والمؤسسات المالية الكبرى، ولم يكن ذلك التأميم جنوحا رأسماليا نحو الشيوعية كما يتصور البعض، لكنه جاء علاجا لأزمة، كان هو الاختيار الأنسب لمواجهتها من وجهة نظر المسؤولين. والمغزى أن التأميم بقدر ما هو إجراء مكروه في الغرب الرأسمالي، وفي بلادنا أيضاً، بقدر ما هو أصبح علاجا فوريا لأزمة عالمية، أصابت قلب الاقتصاد العالمي، بجلطة شبه قاتلة، خصوصا إذا ما دخل هذا الاقتصاد في ركود شديد وطويل بحيث يشبه حالة الغيبوبة العميقة. وقد لاحظنا أن ردود الفعل الأولية في بلادنا العربية عموما على هذه الأزمة جاءت ملتبسة ومتناقضة، وتراوحت ما بين التهوين والتهويل، فقد سمعنا تصريحات لمسؤولين كبار يدّعون أن الأزمة التي هزت العالم كله لن تؤثر فينا، فاقتصادنا قوي وبعيد عن الآثار السلبية لهذه الأزمة وهو كلام مضحك، إن لم نصفه بأوصاف أخرى يعاقب عليها القانون، لأن بلادنا سواء كانت فقيرة ضعيفة الموارد والمصادر، أو كانت نفطية، ستكون من أكثر بلاد العالم تأثرا، لأن اقتصادنا على صغره وهامشيته، هو جزء من ذلك الاقتصاد الرأسمالي الغربي والدولي، الذي هزته الكارثة، بل وهو الأضعف. وبالمقابل سمعنا تهليلا ساذجا من جانب آخرين ومنهم كتاب ومثقفون، يطلقون الأفراح، ابتهاجا بهزيمة الرأسمالية الغربية في عقر دارها، وعجزها عن مواجهة انهياراتها المدوية، ومن ثم لجوئها لاستعادة النموذج الاشتراكي بتأميم البنوك والمصارف والهيئات المالية ووضعها تحت سيطرة الدولة مباشرة، وإطلاق يد الدولة في التدخل في حركة الاقتصاد والسوق والتجارة تناقضا مع المبادئ الليبرالية والرأسمالية المستقرة. وما بين التهوين والتهويل يجدر بنا أن نفكر بعقلانية ونعمل بواقعية بحثا عن أساليب جديدة وأفكار مختلفة، للتخفيف من تأثيرات الأزمة العالمية هذه على أوضاعنا بشكل عام، وعلى اقتصادنا بشكل خاص، فليس صحيحا أننا بعيدون عنها وعن إعصارها المدمر، ولكن الصحيح والواضح أننا جميعا في قلب الأزمة، سواء كنا فقراء أو أغنياء، لأن كل اقتصادنا وحركتنا المالية والتجارية مرتبطة باقتصاد الأزمة في الغرب الرأسمالي. * * * وخذ على سبيل المثال أولا نموذج الدول العربية النفطية، التي يعتمد اقتصادها على استخراج وبيع النفط، وكلها مرتبط بالضرورة بالاقتصاد الغربي صاحب خبرة استخراج النفط ونقله وتسويقه وبيعه في الأسواق المفتوحة من اليابان شرقا إلى أوروبا وأمريكا غربا. ولقد راكمت هذه الدول أموالا هائلة من مداخيل النفط، لم تستهلكها كلها في التنمية والتحديث وإصلاح الأوضاع الاجتماعية لشعوبها، ولكنها عمدت إلى استثمار جزء كبير من مداخيل النفط في الأسواق الأوروبية والأمريكية، وأنشأت صناديق سيادية خاصة أودعت فيها مئات المليارات من الدولارت، ودخلت في مشروعات عملاقة واشترت أذون الخزانة الأمريكية وأودعت أرصدتها (الحكومية والشخصية والأهلية) في بنوك الغرب، ويقدر خبراء اقتصاديون مجمل هذه الأموال النفطية المستثمرة في الغرب بثلاثة تريليونات دولار على الأقل، أصبح الآن رهينة بل ربما ضحية للأزمة المالية الجارية، إن لم تستنزف كلها فجزء كبير منها حتما يضيع هباء مما يشكل ضربة موجعة لاقتصاديات هذه الدول. النموذج الثاني، بعد الدول النفطية، هو نموذج مصر ذات الإمكانات المحدودة، والقدرات الاقتصادية القليلة المستنزفة بزيادة عدد السكان، وبالفساد والتهريب وبإساءة توزيع الثروة، ثم وهبها الله فوق ذلك بعض أصحاب القرار الهواة ممن فهموا الرأسمالية بطريقة قاصرة، ولم ينتبهوا إلى أن الرأسمالية تجدد نفسها باستمرار. على مدى السنوات الثلاث الماضية أخذت الحكومة المصرية على نفسها عهداً بأن تنتهي سريعا من برنامج ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي، وأن تبيع كل شيء بما في ذلك البنوك وأصول الدولة وأراضيها ومصانعها ومؤسساتها، وهي في طريقها لخصخصة السكك الحديدية والطرق والمرافق العامة وربما التمهيد لخصخصة قناة السويس والنيل والمجاري المائية، إيمانا منها بضرورة تفكيك سلطة الدولة وهيمنتها على مصادر الإنتاج وعلى مجمل الاقتصاد، وترك كل شيء للقطاع الخاص تحت نظرية حرية السوق والاقتصاد الحر، وكأنها لا تزال متوقفة متجمدة عند مبدأ “آدم سميث” فيلسوف الاقتصاد الرأسمالي قبل ثلاثة قرون، الذي قال “دعه يعمل دعه يمر”، أي كل واحد يفعل ما يريد بحرية، بعيداً عن أي سلطة للدولة. لقد سيطرت فكرة تخلي الدولة عن مسؤوليتها، على عقول وأفكار هؤلاء الهواة، الذين رأوا في المجتمعات الأوروبية والأمريكية نموذجا فذا للنجاح والتقدم، مؤمنين بطريقة عشوائية بما قال المفكر الأمريكي الياباني الأصل فرانسيس فوكاياما، بنهاية التاريخ انتصار الرأسمالية إلى الأبد. وأشك أن الهواة بحكم استسهال خطف الأفكار السابحة في الفضاء، لم يعرفوا أن فوكاياما قد راجع أفكاره، وتراجع كثيرا على مدى السنوات الخمس الأخيرة عن بعض مواقفه، اتساقا مع حركة التطور والتاريخ وأحداثه، وبالتالي لم يدركوا أن الاندفاع المفاجئ والخطوات المتسرعة، في نقل مجتمع قديم مثل المجتمع المصري من أوضاعه شبه المستقرة على مدى عقود، إلى مجتمع يأكل فيه القوي والغني الفقير والصغير، بلا تدخل من دولة أو حكومة تحمي وترعى وتضبط ميزان توزيع الثروة وحركة التنافس الصراع بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، إنما هو انتحار، بل هو نحر غير شرعي للمجتمع كله، ولنا أن نتأمل الآثار السلبية الهائلة على الطبقات الاجتماعية المختلفة جراء هذه السياسات، التي جاءت في وقت وقعت فيه الرأسمالية المتوحشة في واحدة من أخطر أزمات التاريخ. وأظن أن الهواة الجدد يعرفون أن مصر تعتمد على خمسة مصادر رئيسية في اقتصادها، هي قناة السويس والبترول وتحويلات المصريين العاملين في الخارج والتصدير الذي يتضاءل أمام شهوة الاستيراد المفتوح، والسياحة المتذبذبة بحكم متغيرات السياسة والأمن.. وكلها مصادر عرضة للتأثر السريع بحركة الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن الأزمة المالية العالمية تصيبها مباشرة وربما بآثار قاسية ستكشف عنها الأيام القادمة. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الأزمة العالمية ستؤدي بالضرورة إلى كساد وجمود، يؤثران على حركة الاستثمار العالمي، لعرفنا أن الاستثمارات الأجنبية في مصر، وكم هي محدودة، ستتناقص، وكذلك فإن المساعدات والمعونات التي تتلقاها مصر من أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي ستنكمش وربما تتوقف نهائيا، وهو أمر خطير يستدعي اهتماما أعمق من جانب الدولة والحكومة، والبحث عن سبل تخفيف وطأة الأزمة المالية على البلد عموما وعلى الفقراء خصوصا، بدلا من استسهال اللجوء إلى التهوين والتعمية وإنكار الحقائق ثم إطلاق التصريحات الوردية التي لا تقنع أحدا على الإطلاق إلا السذج. نختتم بالتذكير بأن الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى عام ،1929 ظلت تراكم آثارها المدمرة على الاقتصاد العالمي، حتى وصلت بالعالم إلى إشعال الحرب العالمية الثانية بكل عنفوانها التدميري وضحاياها الستين مليونا، لكي تضخ ماء الحياة وحركة الازدهار في الصناعات العسكرية التي كانت تعاني آنذاك من الكساد، وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر وأقوى صناعات عسكرية في تاريخ البشرية. فهل ستؤدي الأزمة المالية الراهنة وكساد الاقتصاد العالمي المتوقع، إلى إشعال الحرب العالمية الثالثة، التي نرى مقدمتها جارية في أفغانستان والعراق والصومال، حتى تزدهر الصناعات العسكرية مرة جديدة؟ مجرد سؤال يحمل من الشك أكثر مما يعني التساؤل فقط. |