حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. (/showthread.php?tid=22467) الصفحات:
1
2
|
قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - داعية السلام مع الله - 12-03-2005 [CENTER][/CENTER] عملاق ! هذا هو مختصر ماأستطيع قوله في هذا الرجل .. لن أسهب في مقدمات باردة ... ونتعرف على شمس تركيا ونورها : [CENTER]بديع الزمان .. سعيد النورسي ... [SIZE=5]بداية حياته ... المولد والنشأة 1877م (1294هـ) هويته الشخصية: الاسم واللقب: بديع الزمان سعيد.. اسم الوالد: ميرزا.1 اسم الوالدة: نورية.2 تأريخ الولادة: سنة 1293 3 مسقط الرأس: قرية نورس التابعة لناحية إسپاريت المرتبطة بقضاء خيزان من أعمال ولاية بتليس. بتركيا . الملة: مسلم الشكل: طويل القامة، عسلي العيون، حنطي اللون. [وعلاوة على ما سبق سجل في الوثيقة التي أملاها في دار الحكمة الإسلامية المعلومات الآتية:] إسمي: سعيد - لقبي: بديع الزمان -إسم والدي: ميرزا لا أنتسب إلى سلالة معروفة - شافعي المذهب - أحد مواطني الدولة العلية العثمانية. يقول : في مستهل دراستي العلمية درستُ عند أخي عبدالله ما يقارب السنتين في ناحية اسپاريت. ثم انضممت إلى حلقة تدريس الشيخ محمد الجلالي فأكملت الدروس المقررة كلها، وذلك في قصبة بايزيد التابعة لولاية أرضروم. ثم بدأت بتدريس شتى العلوم في مدينة وان طوال خمس عشرة سنة. وعندما أعلنت الحرب الحاضرة - العالمية الأولى - اشتركت فيها بصفة قائد المتطوعين. ووقعتُ اسيراً بيد الروس في بتليس ثم هربت من الأسر وعدت إلى استانبول. واصبحت عضواً في دار الحكمة الإسلامية منذ تأسيسها. فقدتُ إجازتي العلمية التي أخذتها من الشيخ محمد الجلالي في أثناء الأسر. لي سبعة عشر مؤلفاً باللغة العربية، هي: إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، تعليقات، قزل إيجاز، الخطبة الشامية. وبقية المؤلفات باللغة التركية وهي: نقطة، شعاعات، سنوحات، مناظرات، محاكمات، طلوعات، لمعات، رموز، اشارات، خطوات ستة، ايكي مكتب شهادتنامه سي [المحكمة العسكرية العرفية] حقيقت چكردكلري [نوى الحقائق]. أتكلم باللغة التركية والكردية كما أقرأ وأكتب باللغة العربية والفارسية.1 أسرته: إنني لم أشاهد والدتي الرؤوفة منذ التاسعة من عمري، فلم أحظ بتبادل الحوار اللطيف معها فى جلساتها. فبتّ محروماً من تلك المحبة الرفيعة. ولم أتمكن من مشاهدة أخواتي الثلاث2 منذ الخامسة عشر من عمري، حيث ذهبن مع والدتي إلى عالم البرزخ. فبتّ محروماً من كثير من ألطاف الرحمة و الاحترام التي تنثر فى الجلسات الأخوية الطيبة اللذيذة في الدنيا. ولم أشاهد ايضاً أخويّ من ثلاثة اخوة3 - منذ خمسين سنة - رحمهم الله - فبتّ محروماً من السرور المنبثق من الاخوة الودودة والشفقة العطوفة في مجالسة أولئك الأعزاء المتقين العلماء. يقول : وعندما كنت أتجول اليوم مع أبنائي المعنويين الأربعة الذين يعاونونني في شؤوني، اُخطر على قلبي بيقين جزءٌ من بذرة الجنة التي ينطوي عليها الإيمان، مثلما أظهرتها رسائل النور. وحيث إنني قضيت حياتي عزباً فلم أنجب الأولاد. لذا بتّ محروماً من مذاقات محبتهم البريئة ومن إبتهاجهم وانشراحهم. ومع كل هذا ما كنت أشعر بهذا النقص قط، حيث أنعم سبحانه وتعالى عليّ في هذا اليوم معنىً في منتهى الذوق واللذة فضمد جراحاتي الأربعة المذكورة من جهات ثلاث: الأولى: إنه عوضاً عن اللذة الآتية من العطف الخاص لوالدتي، أحسن الرحيم سبحانه وتعالى عليّ، اُلوفاً من الوالدات اللائي يستفدن من رسائل النور إستفادة تفوق المعتاد ويتذوقن منها اذواقاً روحية خالصة، بـمثل ما جاء في الحديث الشريف (عليكم بدين العجائز)1 المذكور في رسائل النور. وعوضاً عن السرور والبهجة والعطف الأخوي الناشئ من مجالسة أخواتي الثلاث - رحمهن الله - أحسن المولى الكريم عليّ الألوف من السيدات والشابات، وجعلهن سبحانه وتعالى في موضع أخوات لي، فاستفيد من دعواتهن وتعلقهن بـرسائل النور ألوفاً من الفوائد والثمرات المعنوية والمسرات الروحية، وهناك امارات عديدة على صدق هذا القسم الثاني يعرفها اخوتي. وعوضاً عن حرماني من العون المادي والمعنوي الذي كان يمدانني به في الدنيا أخوايّ المرحومان ومن عطفهما ورأفتهما، فقد أحسن سبحانه وتعالى برحـمته عليّ مئات الألوف من اخوة حقيقيين مضحين في خدمة رسائل النور يحملون عطفاً خالصاً ويـمدّون إليّ يد العون بل يفدون رأسمال حياتهم الأخروية فضلاً عن حياتهم الدنيوية. وعوضاً عن حرماني من أذواق العطف والحنان النابعة من الأولاد - حيث لا أولاد لي فى الدنيا - أنعم سبحانه وتعالى عليّ مئات الألوف من الأولاد الأبرياء، من حيث استفادتهم من رسائل النور مستقبلاً. فحوّل سبحانه وتعالى هذه العواطف الثلاث والشفقة الرؤوفة الجزئية إلى مئات الألوف منها.2 أخوه عبدالمجيد:1 إن أخي عبد المجيد، قد شعر بانهيار واضطراب شديدين بسبب إنتقال إبن أخي عبد الرحمن إلى رحمة الله. ولأحوال أليمة وأوضاع محزنة ألـمّت به. كان يأمل مني ما لا أقدر عليه من هـمة ومدد معنوي. ومع أني ما كنت أتراسل معه، إلا أنني بعثت إليـه فجأة بضع رسائل من الكلمات. كتب اليّ بعد أن قرأها: لقد نجوتُ، والحمد لله، فقد كنت على وشك الجنون، ولكن بفضل الله أخذت كل كلمة من تلك الكلمات موقع مرشد لي. ولئن فارقت مرشداً واحداً فقد وجدت - دفعة واحدة - مرشدين كثيرين2 فنجوت والحمد لله. وأنا بدوري تأملت في حاله، فعلمت انه حقاً قد دخل مسلكاً جميلاً وقد نجا بفضل الله من أوضاعه السابقة3. وهو من طلابي العاملين المخلصين المضحين.. كان يملك داراً أنيقة جميلة في وان وحالته المعاشية على مايرام، فضلاً عن أنه كان يزاول مهنة التدريس.. فعندما استوجبت خدمة القرآن ذهابي إلى مكان بعيد عن المدينة وان على الحدود، أردت استصحـابه، إلا أنه لم يوافق وكأنه رأى أنه من الأفضل عدم ذهابي أنا كذلك، حيث قد يشوب العمل للقرآن شئ من السياسة وقد يعرّضه للنفي، وفضّل المكوث حيث هو ولم يشترك معنا. ولكن جاءته اللطمة الرحمانية بما هو ضد مقصوده، وعلى غير توقع منه، إذ أُخرج من المدينة وأُبعد عن منـزله الجميل وأُرغم على الذهاب إلى أرغاني4 ابن أخته عُبيد: كان ابن أختي عُبيد أحد طلابي، قد استشهد بقربي بدلاً عنى، في الحرب العالمية الأولى. فرأيت في المنام رؤيا صادقة عندي: أنني قد دخلت قبره الشبيه بمنـزل تحت الأرض، رغم أنى في الأسر على بعد مسيرة ثلاثة أشهر منه، وأجهل مكان دفنه. ورأيته في طبقة حياة الشهداء. وقد كان يعتقد أنني ميت، وذكر أنه قد بكى عليّ كثيـراً، ويعتقد أنه ما زال على قيد الحياة، إلاّ انه قد بنى له منـزلاً جميلاً تحت الأرض حذراً من استيلاء الروس.1 إبن أخيه عبد الرحمن:2 لقد تركني ابن أخي عبد الرحمن منذ ثماني سنوات، وعلى الرغم من تلوثه بغفلات الدنيا وشبهاتـها وأوهامها فإنه كان يحمل تجاهي ظناً حسناً بما يفوق حدي بكثير. لذا طلب مني أن أسعفه وأمده بما ليس عندي وليس في طوقي من همة. ولكن همة القرآن ومدده قد أغاثه، وذلك بأن أوصل إليه (الكلمة العاشرة) التي تخص (الحشر) قبل وفاته بثلاثة اشهر. فأدت تلك الرسالة دورها في تطهيره من لوثات معنوية وكدورات الأوهام والشبهات والغفلة، حتى كأنه قد ارتفع إلى ما يشبه مرتبة الولاية. حيث أظهر ثلاث كرامات في رسالته التي كتبها الي قبل وفاته، وقد أدرجت رسالته تلك ضمن فقرات المكتوب السابع والعشرين فليراجَع.3 نسبه:4 ان الخبراء في محكمة دنيزلى قالوا عن طلاب النور - حسب اعتقاد بعضهم-: إذا ادّعى سعيد النورسي أنه المهدي فإن جميع طلابه يصدّقونه برحابة صدر. وأنا قد قلت لهم في المحكمة: ( ينقل شهود كثيرون أن الأستاذ النورسي كان قد ذكر في مجالسه الخاصة: أن نسبه ينتهي من جهة الأب الى الإمام الحسن ومن جهة الأم إلى الإمام الحسين رضي الله عنهما إلا انه لم يصرح بذلك في رسائله حفاظاً على الإخلاص وتجنبا عن إحراز مقام معنوي في نظر الناس. فمثلاً: "يا أخي إن المنتسب إلى سيدنا علي رضي الله عنه هو أنا، فما أتاني من شئ إلا من سبيله..". Son sahitler 1/ 240 ومثلا: "يا أخي صالح إنك سيد - من أهل البيت - حقاّ، ونورية كذلك سيدة، ومرزا أيضا سيد". Son sahitler 3/ 201 ومثلا: "إنني سيد - من أهل البيت - ولكن إحذر أن تذكر هذا لأحد، فوالدتي حسينية ، ووالدي حسني". Son sahitler 3/ 238 وقد حقق الباحثون نجم الدين شاهين أر وعبد القادر بادللي ومحمد ملا زاهد الملازكردي نسب الأستاذ النورسي وتوصلوا إلى الآتي: والده: صوفي ميرزا بن علي بن خضر بن ميرزا خالد بن ميرزا رشان، من عشيرة إسباريت. أما والدته: فهي نورية بنت ملا طاهر من قرية "بلكان" التي تبعد عن قرية "نورس" ثلاث ساعات. وهي من عشيرة خاكيف. والعشيرتان من قبائل الأكراد الهكارية) . يقول : إنني لا أستطيع أن اعدّ نفسي من آل البيت حيث الأنساب مختلطة في هذا الزمان بما لا يمكن تمييزها، بينما مهدي آخر الزمان سيكون من آل البيت. رغم أنني بـمثابة ابن معنوي لسيدنا علي كرم الله وجهه وتلقيت درس الحقيقة منه، وإن معنىً من معاني آل محمد صلى الله عليه وسلم يشمل طلاب النور الحقيقيين، فأعدّ أنا ايضاً من آل البيت، الاّ ان هذا الزمان هو زمان الشخص المعنوي، وليس في مسلك النور - بأية جهة كانت - الرغبة في الأنانية و حب الشخصية والتطلع إلى المقامات والحصول على الشرف و ذيوع الصيت، وكل ذلك منافٍ لسر الإخلاص تماماً. فأنا اشكر ربي الجليل بما لا نهاية له من الشكر انه لم يجعلني أُعجب بنفسي، لذا لا أتطلع إلى مثل هذه المقامات الشخصية التي تفوق حدي بدرجات لا تعد ولا تحصى، بل لو اُعطيت مقامات رفيعة أخروية فإنني أجد نفسي مضطراً إلى التخلى عنها لئلا أخلّ بالإخلاص الذي في النور. هكذا قلت للخبراء وسكتوا...1 مخايل النبوغ في عهد الصبا: لقد حدّثتُ خيالي في عهد صباي..: أي الأمرين تفضّل؟ قضاء عمر سعيد يدوم ألف ألف سنة مع سلطنة الدنيا وأبهتها على أن ينتهي ذلك إلى العدم، أم وجوداً باقياً مع حياة اعتيادية شاقة؟ فرأيته يرغب في الثانية ويضجر من الأولى، قائلاً: إنني لا أريد العدم بل البقاء ولو كان في جهنم!2 وحينما كنت صبياً خسف القمر، فسألت والدتي: ما هذا الذي حدث للقمر؟. قالت: ابتلعته الحية!. قلت: ولكنه يتبين! قالت: إن الحيات في السماء شفافة كالزجاج تشف عما في بطنها. كنت أتذكر هذه الحادثة كثيراً و أسائل نفسي: كيف تدور خرافة بعيدة عن الحقيقة إلى هذه الدرجة على لسان والدتي الحصيفة الجادة في كلامها؟. يتبع .. (f) قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - محارب النور - 12-03-2005 اقتباس:قرية نورس التابعة لناحية إسپاريت المرتبطة بقضاء خيزان من أعمال ولاية بتليس. بتركيا ولاية بتليس ,اعتقد ان الاسم الصحيح هو بدليس ,وينتمي اليها شرف الدين بدليسي اول كاتب كردي كتب عن تاريخ هذة الامارة الجميلة والتي يوجد فيها اجمل طبيعة شاهدتها في حياتي . ملاحظة اعتقد ان بطلك يا داعية السلام كردي لان هذة الولاية كردية مائة في المائة محارب النور (f) قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - داعية السلام مع الله - 12-03-2005 اقتباس: محارب النور كتب/كتبت صلاح الدين الايوبي ايضا كان كردي ........... الاكراد هؤلاء أمة عظماء ..........ظلمهم كثيرا قتلا وتشريدا : صدام حسين صدمه الله ....... وهم من خيار أمم الارض . اعتقد انك نهم محارب ؟ أصلك من الاكراد صح ؟ قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - محارب النور - 12-03-2005 الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي الكردي هذا الألمُ، أثقلُ بمراتبَ من لذّةِ الوِصالِ (اعلم): يا (أنا!) لك أمورٌ تسعةٌ في دنياك، تعاميتَ عن ماهيتها وعواقبها: أما جسدك فكالثمرة المتزهرة المتزينة صيفاً، المنكمشة المتفسخة شتاءً. وأما حيوانيتكَ، فانظر إلى جنس الحيوان كيف يسرع فيهم الموتُ والزوالُ. وأما إنسانيتك، فمترددة بين الإنطفاء والإصطفاء والزوال والبقاء.. فاستحفظ على مابقي، بما من شأنه أن يبقى بذكر الدائم الباقي. وأما حياتك، فكقامتك قصيرة، معينة الحدود، لاتقدم، ولاتأخر.. فلا تتألم ولاتحزن ولاتخف لها، ولاتحمل عليها مالاطاقة به مما تطاول إليه طول الأمل. وأما وجودك، فليس ملكاً لك، فله مالك الملك له، واشفق به منك.. فمداخلتك بغير ما أمرك به. فكما أنها من الفضول وشغل فضولي، فكثيراً ماتضرّ، ألا ترى الحرص ومرق النوم كيف يفعلان ويجلبان الخيبة والسهر! وأما مصائبك، فلا تمرّ حقيقةً، لأنها تمر سريعاً، بل تحلو لأنها تحول.. فتحول وجهكَ من الفناء في الفاني، إلى البقاء بالباقي.. وأما أنت هنا الآن، فمسافر، ثم مسافرٌ، والمسافر لايعلق قلبُه بما لايتعلق به، ويفارقه بسرعة. فكما ترتحل من هذا المنزل في هذا المسجد البتة، كذلك تفارق هذه البلدة قطعاً، أما إلى بطنها، أو إلى خارجها.. فكما ستفارق بالضرورة، كذلك تذهب، بل تخرج وتطرد (شئتَ، أم أبيتَ) من هذه الدنيا الفانية، فاخرج، وأنت عزيز، قبل أن تُطردَ، وأنت ذليلٌ.. وأما وجودك، فافديه لموجده الذي يشتريه بثمنٍ غالٍ، فسارع إلى البيع، بل الفداء، أما أولاً، فلأنه يزول مجاناً، وثانياً، لأنه مالُه، وإليه يؤول، وثالثاً، لأنه إن إعتمدتَ عليه، سقطتَ في العدم، لأنه (باب إليه)، وإذا فتحته بالترك، وصلتَ إلى الوجود الثابت.. ورابعاً، لأنه إذا تمسّكتَ به، كان في يدكَ نقطة وجود فقط. ويحيط بك مالا يتناهى من الاعدام الهائلة.. وإذا نفضتَ يدَكَ منه، إستبدلتَ لمعةً بشمسٍ، فينقلب محيطُكَ إلى مالا يتناهى من أنوار الوجود. وأما لذائذ الدنيا، فقسمتك تأتيكَ، فلا تطشْ في طلبها. ولزوالها سرعة لايليق بالعاقل تعليق القلب بها. وكيف ما كانت عاقبة دنياكَ، فترك اللذائذ أولى. إذ أما إلى السعادة، وهي تستلزم تركها، وأما إلى الشقاوة، ومن ينتظر الصلب كيف يلتذ ويستعذب مايزيد عذابه من تزيينات آلات الصلب، وان توهمتَ بالكفر العدم، العياذ بالله، فأولى بالترك، إذ بزوال اللذة، يحس ذلك العدمُ الهائلُ ألمَه الأليم آناً فآناً في ضمن زوال اللذائذ. وهذا الألم أثقل بمراتبَ من لذة الوصال، إن كنتَ تشعرُ.. نعم انا كردي وانا ممتلى بالفخر باصلي نحن ابناء الشمس وارضنا من ذهب مغرور شوية :D قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - داعية السلام مع الله - 12-03-2005 اقتباس: محارب النور كتب/كتبت لك حق .........مين قدّك ياعم . (f) قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - داعية السلام مع الله - 12-04-2005 [CENTER][/CENTER] يقول بديع الزمان ... كنت أتذكر هذه الحادثة كثيراً و أسائل نفسي: كيف تدور خرافة بعيدة عن الحقيقة إلى هذه الدرجة على لسان والدتي الحصيفة الجادة في كلامها؟. ولكن حينما طالعت علم الفلك رأيت أن الذين يقولون كما تقول والدتي، قد تلقوا التشبيه حقيقةً واقعيةً؛ لأن الفلكييـن شبهوا القوسين الناشئين من تداخل دائرة الشمس، وهي منطقة البـروج ومدار درجاتها، مع دائرة القمر وهي ميل القمر ومدار منازله، شبهوهما تشبيهاً لطيفاً بحيتين ضخمتين، وسموهما تنينين ... وأطلقوا على إحدى نقطتي تقاطع تلك الدائرتين الرأس والأخرى الذنب. فحينما يبلغ القمر الرأس والشمس الذنب تحصل حيلولة الأرض -كما يصطلح عليها الفلكيون - أي: تقع الأرض بينهما تماماً، وعندها يخسف القمر. أي كأن القمر يدخل في فم التنين، حسب التشبيه السابق. وهكذا عندما سرى هذا التشبيه العلمي الراقي بمرور الزمن إلى كلام العوام غدا التشبيه تنيناً عظيماً مجسماً يبتلع القمر!. وفي حوالي التاسعة من عمري وجميع الاهلين وأقاربي ينتسبون إلى الطريقة النقشبندية ويستمدون من شيخ مشهور هناك هو الغوث الخيزاني كنت على خلافهم أقول: أيها الشيخ الگيلاني اقرأ لك سورة الفاتحة جد لي ما ضيعته من جوز مثلاً او أي شئ تافه آخر. وانه لأمر عجيب فوالله لقد أمدني الشيخ بدعائه وهمته ألف مرة. ولهذا ما قرأت من أوراد وأذكار طوال حياتي الاّ و أهديتها اولاً إلى حضرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ثم إلى الشيخ الگيلاني، وعلى الرغم من أنني منتسب إلى الطريقة النقشبندية بثلاث جهات فإن محبة الطريقة القادرية ومشربـها يجري فيّ حكمه دون اختيار مني. الاّ أن الانشغال بالعلم كان يعيق الاشتغال بالطريقة الصوفية. ومع ذلك كنت احمل حالة روحية تتسم بالفخر و الاعتـزاز، يوم كنت في العاشـرة من عمري، بل حتى أحياناً بصورة حب للمدح والثناء. فكنت أتقلد طور بطل عظيم ورائد كبير وصاحب عمل عظيم خلاف رغبتي. فكنت أقول لنفسي: ما هذا الظهور والاختيال ولاسيما في الشجاعة، وأنت لا تساوي شروى نقير؟ فكنت حائراً وجاهلاً بالجواب. ولكن منذ شهرين، أجيبت تلك الحيرة، بأن رسائل النور كانت تُشعر بنفسها بحس مسبَق. أما أنت فلست الاّ بذرة صغيرة لا تساوي شيئاً ولكن لإحساسك قبل الوقوع تعدّ تلك العناقيد الفردوسية رسائل النور كأنها ملكك، فتزهو وتتباهى. أما قريتنا نورس فان أهلها و طلابي القدامي يعرفون: ان أهالينا كانوا يحبون المدح والثناء عليهم كثيراً لإظهارهم أنهم السابقون في الشجاعة والإقدام. فيرغبون تقلّد طور البطولة وكأنهم قد فتحوا مملكة كبيرة. فكنت اعجب من نفسي ومن طورها هذا. والآن عرفت السر بإخطار حقيقي: ان أولئك النورسيين، يتباهون لأن قريتهم نورس ستكسب فخراً عظيماً بنور رسائل النور. حتى ان الذين لم يسـمعوا باسم الولاية والناحية سيعرفون تلك القرية باهتمام بالغ. فهؤلاء النورسيون يظهرون شكرانهم - بحس مسبق - لتلك النعمة الإلهية على صورة زهو وتباهٍ. نعم انه عندما كان جميع كردستان يتخذ وضع المفتخر المختال بغزارة الطلاب والأئمة والعلماء المتخرجين بهمة وجهود الشيخ عبدالرحمن تاغي الشهير والملقب بـ سيدا في ناحيتنا إسپاريت التابعة لقضاء خيزان كنت اشعر بينهم ايضاً ضمن تلك المناظرات العالية والهمة العالية والدائرة الواسعة العلمية والصوفية، كأن أولئك العلماء سيفتحون الأرض كلها. فكنت استمع - وأنا لم أتجاوز العاشرة من عمري - مناقب العلماء القدامى المشهورين و الأولياء العظام و السـادة الأقطاب، ويرد إلى قلبي: ان هؤلاء الطلاب العلماء سيفتحون آفاقاً عظيمة في العلم والدين. إذ لو تفوق أحدهم بشئ من الذكاء فالاهتمام يوجّـه إليه، وان ظهر أحدهم في مسألة لدى مناظرة علمية يفتخر ويزهو كثيراً. فكنت أتحير من هذا، إذ كانت عندي تلك المشاعر ايضاً. حتى كان بين شيوخ الطرق الصوفية وضمن دائرتهم في ناحيتنا وقضائنا وولايتنا مسابقة تثير الحيرة لم اقف عليها في مدن أخرى إلى هذا الحد. فإن شئت فاذهب بخيالك إلى مجلس سيدا قدّس سره في قرية نورشين.. وما أظهرت من المدنية الإسلامية بصحبته القدسية، تَرَ فيها ملوكاً في زي الفقراء وملائكة في زي الأنـاسي. ثم اذهب إلى باريس وادخل في لجنة الأعاظم تَرَ فيها عقارب، تلبسوا بلباس الأناسي، وعفاريت تصوروا بصور الآدميين. يتبع ... (f) قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - داعية السلام مع الله - 12-04-2005 [CENTER][/CENTER] خطواته نحو العلم وشيوخه: أقسم بالله إن ارسخ درس أخذته، وكأنه يتجدد عليّ، إنما هو تلقينات والدتي رحمها الله ودروسها المعنوية، حتى استقرت في أعماق فطرتي واصبحت كالبذور في جسدي، في غضون عمري الذي يناهز الثمانين رغم اني قد أخذت دروساً من ثمانين ألف شخص،1 بل أرى يقينا ان سائر الدروس إنما تبنى على تلك البذور. بمعنى اني أشاهد درس والدتي - رحمها الله - وتلقيناتها لفطرتي وروحي وأنا في السنة الأولي من عمري، البذور الأساس ضمن الحقائق العظيمة التي أراها الآن وأنا في الثمانين من عمري.2 وكانت بداية تحصيل العلم سنة 1885م ( 1303 هـ) بتعلّم القرآن الكريم3 حيث ساقته حالته الروحية إلى مراقبة ما يستفيضه أخوه الكبير عبدالله من العلوم فأعجب بمزاياه الراقية وتكامل خصاله الرفيعة بتحصيله العلوم، وشاهد كيف انه بزّ أقرانه في القرية وهم لا يستطيعون القراءة والكتابة. فدفعه هذا الإعجاب إلى شوق عظيم جاد لتلقي العلم؛ لذا شدّ الرحال إلى طلبه في القرى المجاورة لـنورس حتى حطها في قرية تاغ عند مدرسة الملا محمد أمين أفندي إلاّ أنه لم يتحمل المكوث فيها، فتركها. فعاد إلى قريته نورس وهي المحرومة من كتّاب او مدرسة لتلقي العلم، واكتفى بما يدرّسه له أخوه الكبير الملا عبدالله في أثناء زيارته الأسبوعية للعائلة. وبعد مدة قصيرة ذهب إلى قرية برمس ومن بعدها إلى مراعي شيخان -أي شيخ تاغي - ثم إلى قرية نورشين وبعدها إلى قرية خيزان ولرفضه التحكم به تشاجر في قرية برمس مع أربعة من الطلاب، حيث اتفق هؤلاء الأربعة على مشاكسته باستمرار مما دفعه إلى المثول بين يدي الشيخ سيد نور محمد شاكياً إليه هؤلاء الأربعة قائلاً باعتزاز: - أيها الشيخ المحترم! أرجو أن تقول لهؤلاء ألاّ يأتوا للشجار معي جميعاً فليأتوا مثنى مثنى! انشرح الشيخ سيد نور محمد من هذه الرجولة المبكرة في سعيد الصغير وقال ملاطفاً: - أنت تلميذي، لن يتعرض لك أحد. وبعد هذه الحادثة أُطلق عليه تلميذ الشيخ فظل في هذه المدرسة مدة، ثم تركها ذاهباً مع أخيه الملا عبد الله إلى قرية نورشين. وكان يحق لكل عالم حصل على إجازة العالِمية ان يفتح كتّاباً (مدرسة) في القرية التي يرغب فيها حسبةً لله. وتقع مصاريف الطلاب عليه إن كان قادراً على ذلك، وإلاّ فالأهلون يتداركونها من الزكاة والصدقات والتبـرعات. بمعنى أن العالم عليه التدريس مجاناً والاهلون يتعهدون بدفع احتياجات الطلاب ولوازمهم. إلاّ أن سعيداً الصغير كان ينفرد من بين الطلاب جميعهم في عدم أخذه الزكاة من أحد.1 الإباء والشمم: على الرغم من أن سعيداً القديم فقير الحال منذ أيام طفولته، كما ان والده فقير الحال، فإن عدم قبوله الصدقات والهدايا من الآخرين، بل عدم استطاعته قبولها، إلا بمقابل، رغم حاجته الشديدة جدا، وعدم ذهاب سعيد قط في أي وقت من الأوقات لاخذ الأرزاق من الناس وعدم تسـلمه الزكاة من أحد - عن علم - كما كانت العادة جارية في كردستان، حيث كانت أرزاق طلاب العلم تدفع من بيوت الاهلين وتسد مصاريفهم من أموال الزكاة. أقول اني على قناعة تامة الآن من ان حكمة هذا الأمر هي: عدم جعل[SIZE=4] رسائل النور - التي هي خدمة سامية خالصة للإيمان والآخرة - في آخر أيامي وسيلة لمغانم الدنيا، وعدم جعلها ذريعة لجرّ المنافع الشخصية. ( قلت انا داعية السلام : رسائل النور هي مجموع مؤلفات الامام النورسي رحمه الله في التصوف والاخلاق وعلم المنطق والفلسفة وغيرذلك ) .. فلأجل هذه الحكمة اُعطيتْ لي هذه الحالة، حالة النفور من تلك العادة المقبولة وتلك السجية غير المضرة، والهروب منها، وعدم فتح يد المسألة من الناس. فرضيتُ بالعيش الكفاف وشدة الفقر والضنك. وذلك لئلا يفسد الإخلاص الحقيقي الذي هو القوة الحقيقية لرسائل النور. واشعر كذلك ان في هذا الأمر إشارة فيها مغزى، بأن هذه الحاجة هي التي تدفع أهل العلم إلى الانهماك بهموم العيش حتى يُغلبوا على أمرهم في الزمان القابل.2 بشارة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ظل مدة في نورشين ثم انتقل إلى خيزان ثم ترك الحياة الدراسية وعاد إلى كنف والديه في قرية نورس وظل فيها حتى اخضرّ الربيع. وفي هذه الأثناء رأى فيما يرى النائم: أن القيامة قد قامت، والكائنات بعثت من جديد. ففكر كيف يتمكن من زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ثم تذكر أن عليه الانتظار في بداية الصراط الذي يمرّ عليه كل فرد، فأسرع إليه.. وهكذا مرّ به جميع الأنبياء و الرسل الكرام فزارهم واحداً واحداً وقبّل أيديهم وعندما حظي بزيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم هوى على يديه فقبلها ثم طلب منه العلم. فبشّره الرسول صلى الله عليه وسلم: سيوهب لك علم القرآن ما لم تسأل احداً.1 فجّرت هذه الرؤيا شوقاً عظيماً فيه نحو طلب العلم. فاستأذن والده للذهاب إلى ناحية أرواس لتلقي العلم من الملا محمد امين افندي ولكن عندما أوصى الأخير أحد طلابه بتدريسه شعر سعيد الصغير بأنه قد ترفّع عن تدريسه فثقل عليه الأمر وحزّ في نفسه، حتى إنه اعترض على أستاذه في إحدى الدروس قائلاً: - انه ليس كذلك.. ياسيدى! ثم ذكّره بترفعه عن تدريسه. وبعد مدة وجيزة قضاها في ارواس قصد مدرسة مير حسن ولي وما ان شاهد هناك عدم الاهتمـام بالطلاب الجدد ايضاً ترك سبعةً من دروس الكتب المقررة وبدأ بالكتاب الثامن.. ثم ذهب للاستجمام في قصبة وسطان (گواش) لمدة شهر. ومن بعده توجّه برفقة صديقه الملا محمد نحو بايزيد وهي قضاء على الحدود الإيرانية تابعة لولاية آغرى.2 الدراسة الحقة: بدأت دراسته الحقة في بايزيد، إذ لم يكنِ قد قرأ حتى الآن سوى مبادئ النحو والصرف، وقد قرأ إلى الإظهار.3 وفي ذلك الوقت لم يبد على سعيد ذكاء خارق او قوة معنوية وحدها بل ظهرت ايضاً حالة عجيبة كانت خارجة عن نطاق استعداده وقابليـاته كلها، بحيث إنه بعد اطلاعه على مبادى الصرف والنحو خلال سنة او سنتين، ظهرت عليه الحالة العجيبة، فكأنه اكمل قراءة ما يقرب من خمسين كتابا خلال ثلاثة اشهر، وقد استوعبها واُجيز عليها وتسلم الشهادة بإكمالها.1 دامت هذه الدراسة الجادة والمكثفة ثلاثة اشهر على يد الشيخ محمد الجلالي والغريب انه أتم قراءة جميع الكتب المقررة للطلاب في شرقي الأناضول، ابتداءً من ملا جامي2 إذ كان يقرأ من كل كتاب درساً او درسين وربما إلى عشرة دروس، من دون أن يتم الكتاب ثم يبدأ بغيـره. وعندما استفسر منه أستاذه الشيخ محمد الجلالي عن سبب قيامه بهذا العمل - المخالف للعرف السائد - أجاب: - ليس في طوقي قراءة جميع هذه الكتب وفهمها، فهذه الكتب شبيهة بصندوق الجواهر، ومفتاحها لديكم. وكل ما أرجوه منكم إرشادي إلى ما يحتويه هذا الصندوق، أعني ماذا تبحث هذه الكتب، لكي أختار منها ما يوافق طبعي. وعندما سأله أستاذه: - أيّ من هذه العلوم يوافق طبعك؟ أجاب: - لا أستطيع التمييز بين هذه العلوم، فكلها سواء عندي، فإما أن افهم جميعها حق الفهم او لا افهم منها شيئا. كان يقرأ في هذه الشهور الثلاثة يومياً ما يقارب مئتي صفحة او يزيد من متون أمهات الكتب ... يتبع .. (f) قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - داعية السلام مع الله - 12-05-2005 كان يقرأ في هذه الشهور الثلاثة يومياً ما يقارب مئتي صفحة او يزيد من متون أمهات الكتب الفهم التام من دون معونة أحد. إلى حد أنه ما كان يُسـأل سؤالا عن أي علم كان إلاّ ويجيب عنه إجابة شافية. فاستغرق في القراءة والدراسة حتى انقطعت علاقته مع الحياة الاجتماعية. وكان نادراً ما يتكلم، ويقضي معظم أوقاته عند ضريح الشيخ احمد الخاني1 الأديب الكردي الشهير وخاصة في الليالي، علماً ان الناس يترهبون من دخوله نهاراً. ولهذا كان الناس يقولون: انه حظي بفيض من احمد الخاني ويسندون وضعه هذا إلى كرامة الشيخ. ثم قرر الذهاب إلى بغداد - لزيارة علمائها - وتزيا بزي الدراويش وانطلق يقطع الجبال الوعرة والغابات الكثيفة ليل نهار مشياً على الأقدام، سالكاً مسلك الزهاد، حيث بدأ بمزاولة الرياضة الروحية وممارسة التزهد، حتى هزل يوماً بعد يوم ونحل جسمه ولم يعد يطيق هذا النوع من الرياضـة، إذ كان يكتفي بقطعة من الخبز طوال ثلاثة ايام، سعياً لبلوغ حالة الحكماء الذين ينظرون إلى الرياضة الروحية إنها توقد الفكر. و اتخذ القاعدة النبوية الجليلة (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)2 دستوراً لحياته من زاوية التصوف الذي وصفه الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين فترك كل ما فيه شبهة، حتى بدأ يقتات على الأعشاب، إلى أن وصل بتليس.3 زي العلماء: عندما كنت في الرابعة عشر من العمر وجدت موانع حالت دون قيام أحد من الأساتذة على وضع العمامة ولفّها على رأسي وإلباسي الجبة، كدليل على الشهادة العلمية، كما كانت العادة جارية سابقاً. فما كان لبس الجبة الخاصة بالعلماء والكبار يلائم سني الصغير.. كان العلماء في ذلك الوقت، قد اتخذوا موقف المنافس لي او التسليم التام فلم يتمكنوا ان يتقلدوا طور الأستاذ. وحيث ان عدداً من الأولياء العظام قد ارتحلوا من الدنيا، لذا لم يجد أحد في نفسه الكفاءة ليلبسني الجبة او يضع على رأسي العمامة.4 كان ذلك في بتليس عندما توجه إلى الشيخ محمد امين افندي وحضر يومين في حلقة درسه، وكلّفه الشيخ ان يلبس زي العلماء (الجبة) ويدع زي الدراويش ولكنه ردّ تكليفه قائلا: - إنني لم أبلغ بعدُ الحلم. فلا أجدني لائقا بلبس ملابس العلماء. وكيف أكون عالماً وأنا مازلت صبياً؟1 إلى الأخ الملا عبدالله: ثم ذهب إلى أخيه الملا عبدالله في مدينة شيروان فقال له الملا عبد الله: لقد أنهيتُ كتاب شرح الشمسية2 فما قرأت أنت؟ بديع الزمان: لقد قرأت ثمانين كتاباً! الملا عبد الله: ماذا تعني؟ بديع الزمان: لقد أنهيت الكتب المقررة كلها بل قرأت كتباً أخرى علاوة عليها. الملا عبد الله: إذن سأمتحنك. بديع الزمان: أنا مستعد. سل ما بدا لك! ثم امتحنه الملا عبد الله بتوجيه الأسئلة اليه، ولما أصغى إلى أجوبته السديدة، قدر فيه كفاءته العلمية، حتى اتخذه استاذاً له، مع انه كان قبل ثمانية اشهر تلميذاً لديه.3 [وجرت بينهما في هذه الفترة المحاورة الآتية:] ميزان دقيق في محاورة: جرت بيني وبين أخي الكبير الملا عبد الله رحمه الله هذه المحاورة، سأوردها لكم: كان أخي المرحوم من خواص مريدي الشيخ ضياء الدين (قدس سره)4. وهو من الأولياء الصالحين. واهل الطرق الصوفية لا يرون بأساً في الإفراط في حب مرشدهم والمبالغة في حسن الظن بهم، بل يرضون بهذا الإفراط والمبالغة، لذا قال لي اخي ذات يوم: - ان الشيخ ضياء الدين على علم واسع جداً واطلاع على ما يجري في الكون، بمثل اطلاع القطب الأعظم!.. ثم سرد الكثير من الأمثلة على خوارق أعماله وعلو مقامه.. كل ذلك ليغريني بالانتساب إليه والارتباط به. ولكني قلت له: - يا أخي الكريم، أنت تغالي! فلو قابلت الشيخ ضياء الدين نفسه لألزمته الحجة في كثير من المسائل، وإنك لا تحبه حباً حقيقياً مثلي! لأنك يا أخي الكريم تحب ضياء الدين الذي تتخيله في ذهنك على صورة قطب أعظم له علم بما في الكون! فأنت مرتبط معه بهذا العنوان وتحبه لأجل هذه الصفة. فلو رُفع الحجاب وبانت حقيقته، لزالت محبتك له او قلّت كثيراً! أما أنا - يا أخي - فأُحب ذلك الشخص الصالح والولي المبارك حباً شديداً بمثل حبك له، بل أوقره توقيراً يليق به وأجلّه وأحترمه كثيراً، لأنه: مرشد عظيم لاهل الإيمان في طريق الحقيقة المستهدية بالسنة النبوية الشريفة. فليكن مقامه الحقيقي ما يكون، فأنا مستعد لأن أضحي بروحي لأجل خدمته الإيمان. فلو أُميط اللثام عن مقامه الحقيقي فلا أتراجع ولا أتخلى عنه ولا أقلل من محبتي له، بل أوثق الارتباط به اكثر، وأُوليه محبة أعظم و أبالغ في توقيره. فأنا إذن يا أخي الكريم أُحب ضياء الدين كما هو وعلى حقيقته. أما أنت فتحب ضياء الدين الذي في خيالك.1 ولما كان أخي المرحوم عالماً منصفا حقاً، فقد رضي بوجهة نظري وقبلها وقدرها.2 الرجولة المبكرة: إن مناظرة سعيد في ذلك الزمن البعيد علماء أجلاء وهو بعدُ في فترة الصبا، وإجابته عن أسئلتهم الغامضة - من دون ان يسأل أحداً - إجابة صائبة رغم كونـها في أعقد المسائل، هذه الحالة التي ظهرت، اعترف اعترافا قاطعا، واعتقد جازماً أنها ليست ناشئة من حدة ذكائي، ولا من خارق استعدادي قط. فأنا الذي كنت صبياً صغيـراً، مبتلىً بأمور كثيرة ، مبتدءاً بعد في العلوم، سارح الفكر، ومثيراً للمناقشات، فما كان في طوقي قطعا الإجابة على أسئلة علماء أفذاذ. بل كنت اُغلب في مناقشات صغار العلماء وصغار طلاب العلم، لذا فأنا على اقتناع تام بأن إجاباتي الصائبة تلك، ليست ناشئة من استعدادي ولا من ذكائي. فلقد كنت طوال السنوات السبعيـن الماضية في حيرة من هذا الأمر، ولكن الآن بفضل الله وإحسانه فهمت حكمة منها وهي: ستُمنح علوم المدارس الدينية التي هي بمثابة بذرة تلك العلوم شجرةٌ طيبةٌ وسيكون لخادم تلك الشجرة حسّاد ومعارضون كثيرون. وهكذا فإن قيام أصحاب المشارب والمسالك المختلفة بين المسلمين في هذا الزمان بانتقاد عمل خدام تلك الشجرة، شجرة النور، ولاسيما من علماء الدين سواء بسبب المنافسة او بسبب اختلاف المشارب. فضلا عما تثير رسائل النور كثيراً من عرق علماء الدين. كما كان دأب أهل السنة والمعتزلة سابقًا في دحض بعضهم بعضًا ونشر مؤلفات في تفنيد آراء الآخرين والظهور عليهم.. أقول بينما كان الأمر لابد أن يؤول إلى هذا إلاّ أن الله سبحانه أراد أن يجري الأمر على خلاف تلك العادة المتبعة منذ القدم. فألف شكر وشكر لله سبحانه. وأنا على اعتقاد جازم ان سبب عدم تأليفهم أي كتاب لنقد رسائل النور او الإعتراض عليها إنما هو: إجابة سعيد الصغير إجابة صائبة على علماء عظام، في ذلك الوقت. إذ تلك الإجابات السديدة قد فتّت من عضد شجاعتهم وجرأتهم، حتى انهم لم يتصدوا لرسائل النور ولم يعارضوها رغم مخالفتهم لها مشرباً، ورغم ما يحملون من روح المنافسة والغيرة العلميتين. لذا اقتنعت اقتناعا تاماً ان هذه هي حكمة واحدة لعدم قيام العلماء بالإعتراض على الرسائل. إذ لو بدأ الإعتراض لكان أعداؤنا المتسترون والملحدون ومن يوالونـهم يتخذون ذلك الإعتراض ذريعة مهمة جداً لتهوين شأن رسائل النور وعلماء الدين معا. فالحمد لله حمداً لا حد له، لم يقاوم رسائل النور حتى أولئك العلماء الرسميون الذين تعرضت لهم الرسائل كثيراً.1 يتبع .. (f) قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - داعية السلام مع الله - 12-05-2005 إلى سعرد بعد ان مكث مدة شهرين عند أخيه، ذهب إلى مدرسة الملا فتح الله افندي في سعرد، فسأله الشيخ: - كنت تقرأ السيوطي1 في السنة الماضية فهل تقرأ الملا جامي2 هذه السنة.؟ - نعم ... لقد أنهيت قراءة الجامي. فايّما كتاب سأله، أجاب بأنه أتمه. فتعجب من أمره إذ كيف يستطيع أحد ان يقرأ كل هذه الكتب في هذه الفترة القصيـرة، حتى عبّر عن حيرته بأسلوب الملاطفة والمزاح: - كنت مجنوناً في السنة السابقة، فهل ما زلت على جنونك؟ أجابه الملا سعيد: - قد يكتم الإنسان الحقيقة عن الآخرين لئلا يداخله الغرور وليكسر نفسه الأمارة بالسوء، ولكن الطالب لا يستطيع سوى قول الحقيقة المحضة لأستاذه الذي يجلّه اكثر من والده. فإن تفضلتم بالأمر فأنا على استعداد للامتحان في الكتب التي ذكرتها. فبدأ الملا فتح الله بطرح الأسئلة. فما سأل سؤالاً من أي كتاب كان الاّ وكان الجواب شافياً ووافياً. وممن شاهد هذه المحاورة الملا على الصوران الذي بدأ يتلقي الدرس من الملا سعيد علماً انه كان قبل سنة واحدة استاذاً لأستاذه. ثم سأله الملا فتح الله: - حسناً.. إن ذكاءك خارق، ولكن دعنا نرى قوة حفظك! فهل تستطيع ان تحفظ بضعة اسطر من كتاب مقامات الحريري بعد قراءتها مرتين؟ وتناول الملا سعيد الكتاب، وقرأ منه صحيفة واحدة مرة واحدة، فإذا بها كافية لحفظها. وقرأها لأستاذه حفظاً، فلم يملك أستاذه نفسه من القول في إعجاب ودهشة: - ان اجتماع الذكاء الخارق مع القابلية الخارقة للحفظ في شخص واحد من اندر الأمور. وهناك حفظ الملا سعيد كتاب جمع الجوامع عن ظهر قلب بقراءته ساعة او ساعتين في اليوم لمدة أسبوع. مما دفع هذا الأمر الملا فتح الله إلى كتابة العبارة الآتية على غلاف الكتاب:قد جمع في حفظه جمع الجوامع جميعه في جمعة وبدأ أستاذه الملا فتح الله بالثناء عليه والإعجاب به في جلساته مع العلماء قائلاً: لقد أتى إلى مدرستنا طالب في أوج شبابه، وأجاب عن كل ما سألته عنه دون توقف. فأعجبت بذكائه النادر وعلمه الوافر أيما إعجاب.1 ولهذا شاعت أحواله في سعرد مما أثار فضول علمائها، فأقبلوا عليه يمتحنونه ويحاولون إحراجه بأسئلتهم وذلك في اجتماع واسع حضره الملا فتح الله ايضاً وكان بديع الزمان كلما يوجّه إليه سؤال يـمعن النظر في وجه أستاذه الملا فتح الله ويجيب وكأنه ينظر إلى كتاب ويقرأ، فالعلماء الذين شاهدوا هذا المنظر حكموا بأنه شاب خارق وأثنوا على ذكائه وعلمه ومنـزلته. وما لبث خبر هذا الشاب ان شاع وانتشر بين الاهلين في سعرد حتى بدأ الناس يوقرونه كتوقيرهم لولي من الصالحين، مما أثار الحسد عند بعض العلماء وطلاب العلوم الآخرين. ولما كانوا غير قادرين على منازلته والتغلب عليه في ساحة المعرفة وميدان العلوم حاول بعض الشباب إيذاءه بالقوة والصراع والعراك. فطرق سمع أهالي سعرد هذا الخبر فحالوا دون ذلك وأنقذوه من بين ايديهم، ووضعوه في غرفة حفاظاً عليه، ولكنـه لفرط حبه لأهل العلم، اندفع من الغرفة خارجاً وقرر ان يدافع عن معارضيه من طلاب العلوم حتى لو قضوا عليه، وذلك لئلا يكونوا هدفاً للجهلاء. فتوجّه إلى أحد الطلاب قائلاً: - اقتلوني... ولكن حافظوا على شرف العلم ومكانته. وانصرف دون ان يهاجمه أحد من الطلبة... وهكذا زال الخلاف. ولكن عندما سمع متصرف مدينة سعرد الخبر أرسل إلى الملا سعيد ثلة من الجندرمة ليبلغوه أنه أمر بنفي المعارضين له حفاظاً عليه وأنه يستدعيه لمقابلته. ولكن بديع الزمان خاطب رئيس الجندرمة: - نحن طلاب العلم، قد نتخاصم، ثم نتصالح ونتصافى فيما بيننا. فلا نرى من المناسب ان يتدخل من ليس من مسلكنا فيما يدور بيننا.على ان الخطأ قد صدر مني فأرجو إبلاغ المتصرف اعتذاري عن المجئ . كان الملا سعيد في هذه الأثناء في الخامسة عشر من عمره يتمتع بقوة البدن والنشاط فضلاً عن إفحامه جميع العلماء مما جعلهم يطلقون عليه سعيدي مشهور أي السعيد المشهور، حيث أعلن في سعرد انه مستعد للإجابة عن أي سؤال كان يرد منهم دون ان يسأل احداً سؤالاً. عاد مرة أخرى إلى بتليس وطرق سمعه ان هناك سوء تفاهم بين الشيخ محمد أمين أفندي وشيوخ خيزان فحذّر الناس من مغبة الغيبة التي لا تليق بالمسلمين. فشكوه إلى الشيخ محمد أمين أفندي الذي قال: - انه مازال صبياً ليس اهلاً للخطاب. بلغ هذا الكلام سمع الملا سعيد، وهو الذي لا يتحمل أدنى من هذا الكلام. فحضر مجلس الشيخ، وقبّل يده وقال: - سيدي... أرجو التفضل بامتحاني، فإنني على استعداد لأن أثبت أنني أهل للخطاب. فأعدّ الشيخ أمين أفندي ستة عشر سؤالاً من اعقد المسائل لمختلف العلوم1 ليوجهها إلى الملا سعيد. ولم يتوان الملا سعيد من الإجابة عليها جميعاً. وبعدها ذهب إلى جامع قريشي وبدأ بموعظة الناس وإرشادهم. وعلى إثره بدأ قسم من أهالي بتليس بتأييد بديع الزمان ومناصرته والآخرون بدأوا يناصرون الشيخ محمد أمين أفندي. فخشي متصرف المدينة من وقوع احتكاك بين الجماعتين فأصدر أمره بنفي الملا سعيد من المدينة إلى شيروان. وقدّر الله ان تفوته صلاة الفجر ذات يوم. وما ان علم خصماؤه هذا الأمر حتى أشاعوا في المدينة: قد ترك الملا سعيد الصلاة. وعندما سئل: - لماذا يتكلم الناس جميعاً هذا الكلام؟ قال: انه لا يشيع أمر لا أساس له بين الناس بهذه السرعة. فالخطأ مني، وقد عوقبتُ به بعقوبتين، أولاها: عتاب الله سبحانه، والأخرى: كلام الناس عليّ. أما السبب الأساس لهذا الأمر فهو تركي الورد الشريف الذي اعتدت على قراءتـه كل ليلة. فلقد احسّتْ روحُ الناس هذه الحقيقة الاّ انها لم تستوعبها تماماً ولم تعرف الخطأ فأطلقت إسماً آخر على تلك الحقيقة. وفي شيروان جاءه رجل من إحدى قرى سعرد وقال له: - لقد ظهر في سعرد عالم صغير يترواح عمره بين الرابعة عشر والخامسة عشر عاماً ولكنه غلب كل علماء المدينة، لذا أرجو منكم الذهاب إلى هناك لمناظرته. لبّى سعيد هذه الدعوة وتهيأ للسفر معه، وبعد أن تركا المدينة وسارا لمدة ساعتين سأل سعيد مرافقه الداعي عن أوصاف ذلك الفتى العالم. فقال له: - إنني لا أعرف اسمه، ولكنه كان يلبس ملابس الدراويش عند قدومه مدينتنا ثم تزيّا بزي طلاب المدارس الدينية، وأفحم جميع العلماء. عند ذلك علم سعيد بأن ذلك العالم الفتى لم يكن الاّ نفسه، أي انه كان مسافراًِ لمناظرة نفسه! لذا رجع إلى شيروان. ثم ذهب إلى إحدى قصبات مدينة سعرد تدعى تيللو1 حيث اعتكف هناك.2 1894م (1311هـ) إنزواؤه في تيللو: كنت آنذاك منـزوياً - كحالي الآن - تحت قبة خالية، فكانوا يأتون لي بالحساء، وكنت أقوم بإعطاء حبات الحساء إلى النمل واكتفي بغمس الخبز في سائل الحسـاء. سألوني (في محكمة أسكي شهر) عن السبب فقلت: ان أمة النمل وكذلك النحل تعيـش في نظام جمهوري، وأنا أعطي الحبات للنمل احتراماً لنظامها الجمهوري. ( قلت أنا داعية السلام : كان رجلا غريبا حقا ...........وهذا الفكر هو أثر من آثار التفكير العميق في حقائق الكون وصنع الله فيه ) ثم قالوا: أنت تخالف بذلك السلف الصالح. فأجبتهم: - لقد كان الخلفاء الراشدون خلفاء ورؤساء جمهورية في الوقت نفسه. فالصديق الأكبر (رضي الله عنه) كان دون شك بمثابة رئيس جمهورية للعشرة المبشرة وللصحابة الكرام. ولكن ليس تحت عنوان او شكل فارغ، بل كل منهم رئيس جمهورية متدين يحمل معنى العدالة الحقيقية والحرية الشرعية.3 وفي أثناء اعتكافه في تيللو حفظ من كتاب القاموس المحيط للفيروزآبادي حتى باب السين ( وهذا من اصعب الامور ) . وعندما سئل عن سبب قيامه بذلك أجاب: - إن القاموس يورد المعاني المختلفة لكل كلمة، وقد خطر لي أن أضع قاموساً أنحو فيه عكس هذا المنحى، أي أورد فيه عدد الكلمات المختلفة التي تشير إلى المعنى نفسه.4 دفع الظلم: وفي إحدى الليالي رأى في المـنام الشيخ عبد القادر الگيلاني (قدس سره) وهو يخاطبه: - ملا سعيد! اذهب إلى رئيس عشيرة ميران مصطفى پاشا،1 وادعه إلى الهداية والرشاد والإقلاع عن الظلم، وليقم الصلاة ويأمر بالمعروف.. واقتله إن لم يستجب. بادر الملا سعيد إلى الذهاب إلى عشيرة ميران قاصداً خيمة مصطفى پاشا، ولكن لم يجده فجلس ليأخذ قسطاً من الراحة. وما أن دخل مصطفى پاشا الخيمة حتى هبّ الحاضرون قياماً، احتراماً له، سوى الملا سعيد لم يحرك ساكناً. لمح الپاشا ذلك فسأل أحد أمراء العشيرة فتاح آغا عن هذا الشاب فأعلمه انه ملا سعيد المشهور وحاول الپاشا كظم غيظه، وهو الذي ما كان ينشرح للعلماء، وسأل الملا سعيد: - لِمَ أتيت إلى هنا؟ - جئت لإرشادك إلى الحق، فإما أن تتخلّ عن الظلم وتقيم الصلاة، او أقتلك! لم يتحمل الپاشا هذا الكلام فاندفع خارج الخيمة، وتجول قليلاً ثم عاد إليها وكرر السؤال نفسه. فأجابه الملا سعيد: لقد قلت لك ... جئت من اجل ما ذكرت! أشار الپاشا إلى السيف المعلق بعماد الخيمة وقال بسخرية: - أبهذا السيف الصدئ تقتلني!؟ - اليد هي التي تقطع لا السيف! مرة أخرى ترك الپاشا الخيمة وهو يفور غضباً. ثم دخلها مخاطباً الملا سعيد: - إن لي جمعاً غفيراً من العلماء في منطقة الجزيرة جزيرة ابن عمر وسأعقد مناظرة علمية فيما بينكم. فإن أقمت الحجة عليهم وألزمتهم، انفّذ طلبك وإلاّ فسألقيك في النهر. قال الملا سعيد: - كما انه ليس من شأني إلزام جميع العلماء ، فليس باستطاعتك إن تلقيني في النهر. ولكن إن تفوقت عليهم اطلب منك بندقية ماوزر لأقتلك بـها ان لم تحافظ على وعدك. عقب هذه المشادة العنيفة ذهبا معاً على الخيول إلى الجزيرة، ولم يتكلم الپاشا مع ملا سعيد طول الطريق. ولما وصلا إلى أحراش باني خاني أخلد الملا سعيد إلى النوم بعد أن أصابه الإرهاق. ولما أفاق وجد علماء الجزيرة ومعهم كتبهم ينتظرون ساعة المناظرة. انعقد المجلس... وبعد تبادل السلام دارت أقداح الشاى على الحاضرين ولكن العلماء كانوا في شغل شاغل عن الشاي، إذ كانوا يقلبون صفحات الكتب، مأخوذين بشـهرة الملا سعيد ومنتظرين اسئلته، بينما لم يحفل الملا سعيد بالأمر، ولم يكتف بشرب شايه، بل بدأ بارتشاف الشاي الموضوع أمام إثنين أو أكثر ممن حوله من العلماء المشغولين بالنظر في الكتب . وعندها خاطب مصطفى پاشا العلماء وهو يراقب مجرى الأمور: - على الرغم من أنني لست متعلماً فإنني أرى أنكم ستُغلبون أمام الملا سعيد في مناظرتكم، لأني لاحظت ان إنكبابكم على الكتب ألهاكم عن شرب الشاي، بينما شرب الملا سعيد شايه ثم عدداً من أقداح غيره. بدأ الملا سعيد بالملاطفة وشئ من المزاح مع العلماء ثم قال: - أيها السادة! لقد عاهدت ألاّ اسأل أحداً، وها أنا منتظر أسئلتكم. فاطمأن العلماء! وبدأوا بطرح ما يقارب الأربعين سؤالاً. وأجاب الملا سعيد عن الأسئلة كلها إجابات صائبة، سوى سؤال واحد أخطأ في جوابه، دون أن ينتبه إليه العلماء، حيث صدرت من الجميع علامات التصديق. وبعد أن انفضّ المجلس، تبعهم الملا سعيد قائلاً: - أرجو المعذرة.. لقد سهوت في جواب السؤال الفلاني ولم تفطنوا إليه. والجواب الصحيح هو كذا وكذا... فقالوا: حقاً إنك قد ألزمتنا الحجة، فإننا معترفون بذلك! ثم باشر قسم من هؤلاء العلماء يجلسون منه مجلس الطالب لينهلوا من فيض علمه. أما مصطفى پاشا فقد وفى بوعده وأهدى إلى الملا سعيد بندقية ماوزر وبدأ بإقامة الصلاة. خرج مصطفى پاشا معه يوماً إلى سباق الخيل، ودبّر خفية جلب فرس جموح للملا سعيد. فامتطى الفرس وهو الشاب في مقتبل السـادسة عشر من العمر واخذ يوجهها يمنة ويسرة، الاّ ان الفرس اندفعت إلى وجهات مخالفة. ومهما حاول ضبطها لم يفلح، حتى انطلقت إلى موضع أطفال يلعبون ويمرحون، فطرح أحدهمأرضاً - وهو ابن أحد سادات الجزيرة - وصار الطفل تحت أقدام الفرس يضطرب. سارع الناس للنجدة، ولكنهم رأوا أن الطفل لا حراك له فهمّوا حالاً بقتل الملا سعيد وسلّوا خناجرهم، وعندها وضع الملا سعيد يده على مسدسه، وخاطبهم: - في نظر الحقيقة؛ ان الله سبحانه هو الذي أمات الطفل، أما في ظاهر الأمر فالفرس هي القاتلة. واذا ما نظر إلى الأمر من زاوية السبب، فإن مصطفى الأقرع الذي أعطاني الفرس هو الذي قتله… إذن فلننظر اولاً إلى الطفل، إن كان ميتاً فلنتعارك. ثم نزل من على الفرس واحتضن الطفل، ولما لم يجد فيه حراكاً غمسه في ماء بارد، وأخرجه حالاً. ففتح الطفل عينه مبتسماً، وظل الناس في حيرة مما حدث. وبعد ان ظل مدة في الجزيرة توجه مع أحد طلابه الملا صالح إلى بيرو وهي منطقة بدو العرب. ومكث فيها مدة حتى طرق سمعه ان مصطفى پاشـا قد عاد إلى عادته القديمة في ظلم الناس. فذهب إليه وأبدى له النصائح مدة ثم هدده قائلاً: - أوَ بدأت بالظلم مرة أخرى؟ سأقتلك باسم الحق. ولكن كاتب الپاشا تدخل في الأمر وهدّأ الموقف، بينما الملا سعيد استمر في تعنيفه الپاشا وتوبيخه لكثرة مظالمه، فلم يتحمل الپاشا هذه الإهانات وهمّ بقتله فحال شيوخ عشيرة ميران دون ذلك. ثم تقرّب نجل الپاشا عبد الكريم من الملا سعيد ورجاه قائلا: - لا تكترث بصنيع أبي انه لا يسمع كلاماً من أحد.. عقيدته فاسدة.. أرجوك رجاء خالصاً أن تتشـرف إلى مكان آخر.. فمال الملا سعيد إلى كلام عبد الكريم ورجائه، وغادر المكان متوغلاً في صحراء بيرو واذا به يصادف الأشقياء المسلحين بالحراب والخناجر، ولما كان الملا سعيد يحمل بندقية أطلق عليهم عدة عيارات نارية، فانصرفوا. واستمر في سيـره الاّ انه بعد مدة رأى نفسه محاصراً بين عدد من قطاع الطرق، وعندما همّوا بقتله لمحه أحدهم وقال: - إنه شخص مشهور شاهدته في عشيرة ميران. وما أن سمعوا هذا الكلام حتى أخلوا سبيله معتذرين منه، بل أرادوا مرافقته لئلا يصيبه أذى في تلك الأماكن الخطرة. فردّ الملا سعيد طلبهم واستمر في طريقه وحده. وبعد أيام وصل إلى ماردين. فأراد علماؤها الإعتراض على الملا سعيد وإفحامه في المناقشات. ولكنهم لم يوفقوا، بل رضوا به أستاذاً لهم، لما لمسوا منه من قدرة علمية فائقة، رغم انه شاب وفي عمر أبنائهم. وفي هذه الأثناء إلتقى طالبين؛ أحدهما من طلاب السيد جمال الدين الأفغاني والآخر من منتسبي الطريقة السنوسية. فاطلع بوساطتهما على منهج السيد جمال الدين الأفغاني والطريقة السنوسية.1 بداية إهتمامه بالسياسة وأمور العالم الإسلامي: لقد التقيت شخصاً فاضلاً حوالي مدينة ماردين وذلك قبل الإنقلاب2 بست عشرة سنة، فأرشدني إلى الحق وبيّن لي المسلك المعتدل القويم في السياسة. فأفقت من نومي برؤيا - كمال - المشهور3 حيث أنني بايعت السلطان سليم وقبلت فكره في الإتحاد الإسلامي، لان ذلك الفكر هو الذي أيقظ الولايات الشرقية، فهم قد بايعوه على ذلك. فالشـرقيون الآن هم أولئك لم يتغيروا. فأسلافي في هذه المسألة هم: السيد جمال الدين الأفغاني، ومفتي الديار المصـرية الشيخ محمد عبده. ومن العلماء الإعلام على صعاوي، و العالم تحسين. والشاعر نامق كمال الذي دعا إلى الإتحاد الإسلامي والسلطان سليم الذي قال: إن مغبة الاختلاف والتفرقة يقلقاني حتى في قبري فسلاحنا في دفع صولة الأعداء إنما هو الإتحاد ان لم تتحد الأمة فإنّي أتحرّق أسىً ............. يتبع ........ قصة حياة أحد عظماء القرن العشرين ..... البطل المجاهد الصوفي المفكر ... بديع الزمان سعيد النورسي .. - داعية السلام مع الله - 12-07-2005 [CENTER][/CENTER] كرامة الصلاة : ولأنه أبدى نشاطاً دائباً ومناصرة للمنادين بالحرية واهتماماً بالأمور الاجتماعية والسياسية، قرر متصرف ماردين سوقه مكبلاً بالأغلال إلى مدينة بتليس بصحبة اثنين من الجندرمة. وفي طريقهم إلى بتليس حان وقت الصلاة، فطلب من الجندرمة فك القيود الاّ انهم أبوا، ففكّها بيسر كمن يفك منديلاً، وألقاها أمامهم. فظل الجندرمة مبهوتين من هذا الأمر، وعدّوه كرامة. فقالوا متوسلين راجين: - كنا حراسك إلى الآن، أما بعد الآن فنحن خدامك! و حينما كان يُسأل: كيف انحلّت القيود؟ يقول: وأنا كذلك لا أعلم وإن هو إلاّ كرامة الصلاة ليس إلاّ.1 وطرق سمعه يوماً في بتليس ان الوالي وعدداً من الموظفين يشربون الخمر فثارت ثائرته وقال: لن يرتكب هذا الفعل شخص يمثل الحكومة في مدينة مسلمة مثل بتليس! فذهب فوراً إلى مجلس الخمر، ووعظهم موعظة بليغة اولاً واستهلها بحديث شريف حول الخمر، ثم اخذ ينهال عليهم بكلام جارح، وكانت يده على مسدسه يتوقع إشارة من الوالي للتعدي عليه. إلاّ ان الوالي كان حليماً صبوراً لم ينبس ببنت شفة. وعندما انصرف الملا سعيد من المجلس قال له مرافق الوالي: - ماذا فعلتم إن كلامكم هذا يوجب الإعدام. - لم يرد على خاطري الإعدام، بل كنت أحسب العقاب سجناً او نفياً.. وعلى كل حال.. ما ضرّ إن مت في سبيل دفع منكر واحد! وبعد ما يقرب من ساعتين من عودته من المجلس ، أرسل إليه الوالي شرطيين لاستدعائه.. فدخل عليه واستقبله الوالي بإعظام وإجلال، وهمّ بتقبيل يده، وقال: لكل أحد أستاذ قدوة، فأنت أستاذي القدوة.2 شفقة الوالدين: عندما كانت تُنقل أخبار سيئة إلى والدي ووالدتي، كأن يقول أحدهم: إن إبنكم قد قُتل او ضُرب أو سُجن. كان أبى يبتهج ويضحك كلما سمع مثل هذه الأخبار، ويقول: ما شاء الله... قد كبر إذن إبني حتى يُظهر بطولة أو عملاً عظيماً بحيث يتكلم عنه الناس. أما والدتي فكانت تبكي بكاءً مراً مقابل سرور والدي. ثم اظهر الزمان ان والدي كان محقاً في كثير من الأحيان.3 النظر الحرام: مكثت سنتين في مضيف الوالي المرحوم عمر پاشا في بتليس بناء على إصراره الشديد ولفرط احترامه للعلم والعلماء.. كان له من البنات ست؛ ثلاث منهن صغيرات وثلاث بالغات كبيرات.. ومع أني كنت أعيش معهم في سكن واحد طوال سنتين الاّ أنني لم أكن أميّز بين الثلاث الكبيرات؛ إذ لم اكن اسدد النظر إليهن كي أعرفهن وأميّز بينهن. حتى نـزل أحد العلماء يوماً ضيفاً عليّ، فعرفهن في ظرف يومين فقط وميّز بينهن، فأخذت الحيرة الذين من حولي، لعدم معرفتي إياهن. وبدأوا بالاستفسار: - لماذا لا تنظر إليهن؟. فكنت أجيبهم: - صون عزة العلم يمنعني من النظر الحرام !.1 حفظ المتون : وعندما ناهز الملا سعيد سن البلوغ في بتليس، بدأت سانحاته القلبية وفيوضاته الوهبية - التي كان يتغلب بها على العلماء في مناظراته - تقل شيئاً فشيئاً. ولا يعرف السبب الحقيقي في هذا التغير الذي طرأ على حالاته، فلربـما هو من مقتضيات سن البلوغ، أو من اهتمامه بالأمور الاجتماعية والسياسية. لذا انكب على حفظ المتون من كل علم، فحفظ عن ظهر قلب خلال سنتين من متون الكتب كـ المطالع2 والمواقف وأمثالهما من الكتب التي تردّ الشبهات وتدفع الشكوك الواردة على الدين، فضلاً عن حفظه متون كتب العلوم الآلية كالنحو والصرف والمنطق وغيرها، ومتون كتب العلوم العالية كالتفسير وعلم الكلام والحديث والفقه. فبدأ بحفظ متن كتاب المرقاة3 دون حواشيه وشروحه، ثم قارن بين وجهة نظره ومبلغ فهمه، وما ورد في حواشي الكتاب وشروحه. فرأى ان جميع مسائله مطابقة لما في ذهنه، الاّ في ثلاث كلمات، لم تتطابق مع الشرح. واستحسن العلماء عمله هذا واعجبوا به. ولهذا اهتم بحفظ تلك المتون من أمهات الكتب الإسلامية في مختلف العلوم والفلسفة، لتصبح مفاتيح للحقائق القرآنية، ورداً للشبهات الواردة على الدين.4 [واستمر على ذلك حتى نهاية عمره فيقول عن نفسه:] إن ومضة نور معنوي، في دماغ إنسان يملك قوة حافظة لا تتجاوز حجم ظفر، هذا الشخص ادرج في دماغه كلمات تسعيـن كتابا، ويتم قراءة هذا الجزء فقط من حافظته في ثلاثة اشهر بمعدل ثلاث ساعات يوميا، ويمكنه ان يراجع ويخرج من تلك الحافظة ما يشاء ومتى يشاء مما شاهده وسمعه وما تراءت أمامه من صور ومعان وكلمات اعجب بها او تحير منها، او رغب فيها.. مع جميع الصور والأصوات طوال عمره الذي ناهز الثمانين.. كل ذلك مجموعة في صحيفة تلك الحافظة. لذا يرى ان تلك الحافظة كأنها مكتبة ضخمة نسقت فيها المحفوظات منتظمة مرصوفة.1 فكانت تلك الملكة نعمة عظمى إذ لو كنت أجيد الكتابة، لما كانت المسائل تقرٍ في القلب، فما من علم بدأت به سابقا إلا وكنت أكتبه في روحي لحرماني من الكتابة الجيدة.2 درس أخير: وقد أشاع أحدهم ذات يوم قولاً: ان الشيخ محمداً الكفروي3 قد دعا بسوء على الملا سعيد. فما ان سمع هذا الخبر حتى انطلق إلى زيارة الشيخ الكفروي.. فتلقاه الشيخ بالترحاب وحضر درساً له، كان هذا الدرس هو الدرس الأخير الذي تلقاه سعيد الشاب.4 حيث ارتجل الشيخ الدرس بـ الحمد لله الذي قدّر مقادير الأشياء بقدرته وصوّر تصاوير الأشكال بحكمته والصلاة على محمد محيط مركز دائرة النبوة وعلى آله حبيب كسـوة الفتوة والمروة ما دارت على سطوح الأفلاك والنجوم، وما سارت في روايا الغبراء الغيوم.5 نعم ان الدرس الأخير والأكثر بركة قد تلقيته من الشيخ محمد الكفروي (قدس سره) الذي أظهر شفقته وعطفه عليّ بما يفوق حدي بكثير.6 وفي إحدى الليالي يرى ما يراه النائم: ان الشيخ محمد الكفروي يخاطبه: يا ملا سعيد تعال لزيارتي، فإني سأرحل. ويبادر إلى زيارته حالاً. ولكن يشاهد رحيل الشيخ طائراً من البيت. وينـتبه من النوم، وينظر إلى الساعة فإذا هي السابعة - حسب التوقيت الغروبي - (أي منتصف الليل) ثم يعود إلى النوم ثانية. وفي الصباح يسمع نداء النعي يتصاعد من بيت الشيخ، فيذهب لاستقصاء الخبر فيعلم انه قد توفي في الساعة السابعة مساءً ويرجع محـزوناً مردداً ]إنّا لله وإنّا إليه راجعون) رحمة الله عليه...آمين.7 1897م (1314هـ) جهوده في المصالحة بين العشائر لما لم يكن في مدينة وان عالم معروف دعاه الوالي حسن پاشا إليها فذهب إليها واستقر فيها خمس عشرة سنة، قضاها في التجوال بين العشائر لإرشـادهم وفي تدريـس الطلاب. فضلاً عن تكوين علاقات مع الوالي والموظفين في المدينة. كان جلّ اهتمامه في هذه الفترة المصالحة بين العشائر. فما كان يطرق سمعه نزاع بين العشائر الاّ ويتوجه إليهم ويرشدهم، حتى انه استطاع إجراء الصلح بين شكر آغا ومصطفى پاشارئيس عشيرة ميران بينما أخفقت الإدارة العثمانية من فض النـزاع بينهما. وعندها خاطب الملا سعيد مصطفى پاشا: - ألم تتب إلى الآن؟ - سيدا إنني طوع كلامك ! وقدّم له فرساً مع كمية من النقود الاّ ان الملا سعيد رفض ذلك قائلاً. - ألم تسمع أنني لم آخذ مالاً من أحد لحد الآن؟ فكيف آخذه من أمثالك من الظالمين! يبدو أنكم قد أفسدتم توبتكم! وعلى هذا لا تصل إلى الجزيرة بسلامة. وفعلاً مات مصطفى پاشا في الطريق لم يصل إلى الجزيرة. وكأن دعاءه عليه قد استجيب.1 إطلاعه على العلوم الحديثة في وان : وقد اقتنع يقيناً ان أسلوب علم الكلام القديم قاصر عن ردّ الشبهات والشكوك الواردة حول الدين، فينبغي استحصال العلوم الحديثة ايضاً. وقد حقق تشخيصه الداء هذا وهو الشاب اليافع تـهيئة الأجواء للخدمة القرآنية العظيمة والعمل الإسلامي الجليل في المستقبل، إذ وفقه سبحانه وتعالى بعد حوالي ثلاثين سنة إلى تأليف رسائل النور التي تجدد في علم الكلام. فطفق يطالع كتب العلوم الحديثة حتى استحصل على أسسها من تاريخ وجغرافية ورياضيات وجيولوجيا وفيزياء وكيمياء وفلك وفلسفة وامثالها من العلوم. وذلك خلال مدة قصيرة جداً. وسبر أغوار هذه العلوم بنفسه دون معونة أحد ودون اللجوء إلى مدرس يدرّسها إياه. فمثلاً: حفظ عن ظهر قلب خلال أربع وعشرين ساعة كتاباً في الجغرافية، قبل ان يناظر في اليوم التالي مدرس الجغرافية ويلزمه الحجة في دار الوالي طاهر پاشا. وعلى الشاكلة نفسها ألزم مدرس الكيمياء، بعد ان حفظ كتاباً في الكيمياء غير العضوية. كان الوالي طاهر پاشا يوجه أسئلة - علمية فلسفية - إليه مستخرجاً إياها من بطون الكتب الأوروبية وكان يجيب عن تلك الأسئلة أجوبة قاطعة مع انه لم يطلع على تلك الكتب ولم يك يتقن اللغة التركية بعدُ، حيث بدأ التكلم بها حديثاً. وعندما شاهد - بعد فترة - تلك الكتب علم ان طاهر پاشا يستخرج الأسئلة منها، فباشر بدراستها وهضم مضامينها في مدة قصيرة. وخلال فترة بقائه في وان وضع طريقة خاصة به في التدريس تختلف عن الطرق المـتبعة آنذاك في المدارس الدينية، استخلصها من العلوم الحديثة التي استوعبها ومن ممارسته تدريس الطلاب،ومن أساليب الدراسة في المنطقة عامة آخذاً بنظر الاعتبار متطلبات العصر الحاضر وحاجاته الملحة. وترتكز طريقته هذه على إعطاء الحقائق الدينية (ممتزجة بالعلوم الحديثة) بأسلوب قريب لمدارك أبناء هذا العصر وإثباتها بأوضح أسلوب وعرضها بما يلائم تفكيرهم. وذات يوم ذكر لـطاهر پاشا وجود الجليد على قمم جبال باشيد حتى في شهر تموز، فاعترض عليه طاهر پاشا قائلاً: لا تبقى الثلوج قطعاً على تلك القمم في شهر تموز.. وفي أثناء قضائه الصيف في مصايف باشيد و بيت الشباب تذكر هذه المحاورة التي جرت بينهما فكتب إليه رسالة هي أول رسالة له باللغة التركية وهي: يا پاشـا! الجليد كسى قمة باشيد.. لا تنكر ما لا تراه عينك.. لا ينحصر كل شئ ضمن معلوماتك.. والسلام وفي أثناء المناقشات العلمية مع طاهر پاشا طرح عليه السؤال الآتي: لو فرضنا وجود خمسة عشر مسلماً وخمسة عشر غير مسلم. وقد اصطف كل غير مسلم وراء مسلم في صف واحد. وطلب إجراء قرعة خمس عشرة مرة بحيث تقع على غير المسلم في كل مرة. فكيف يمكن إجراء التقسيم؟ فأجاب: هناك مائة وأربعة وعشرون احتمالاً لهذا. ثم أعقب قوله: إنني أحدث مسألة اكثر إشكالاً من هذه فاجعلها باحتمال ألفين وخمسمائة. فأوجد مسألة باحتمال ألفين وخمسمائة، بحيث يكون عدد المسلمين خمسين شخصاً وعدد غير المسلمين خمسين شخصاً وقدّمها إلى طاهر پاشا ضمن رسالة ألّفها في الرياضيات بيد انها فقدت في إحدى الحرائق التي نشبت في مدينة وان. وهكذا كانت تدور مناقشات رياضية وعلمية أمثال هذه بكثرة، مما يبين الذكاء الخارق الذي كان يتمتع به، فما من مسألة رياضية طرحت أمامه إلاّ وحلهّا في ذهنه ويسبق الجميع في أمثال هذه المسابقات الذهنية. وهكذا لتعدد مواهبه ولذكائه الخارق وقوة ذاكرته، أطلق العلماء عليه لقب بديع الزمان.1 لقب بديع الزمان : ان هذا الفقير، الغريب، النورسي، الذي يستحق ان يُطلق عليه اسم بدعة الزمان الاّ انه اشتهر - دون رضاه - بـ(بديع الزمان). فهذا المسكين يستغيث ألماً من حرقة فؤاده على تدني الأمة ويقول: آه.. آه… وا أسفى..لقد انخدعنا فتركنا جوهر الإسلام ولبابه، وحصرنا النظر في قشره وظاهره.2 [وعندما سئل] - أنت تذيّل مقالاتك وتمضيها باسم بديع الزمان وهذا يومئ إلى المدح؟ الجواب: كلا، ليس للمدح! وانما أريد أن اُبين - بهذا الإمضاء - تقصيري. وتعليلي هو: ان البديع يعني الغريب فأخلاقي غريبة كمظهري، وأسلوب بياني غريب كملابسي، كلها مخالفة للآخرين. فأنا أرجو بلسان حال هذا العنوان عدم جعل المحاكمات العقلية والأساليب المتداولة والرائجة مقياساً لمحاكماتي العقلية ومحكاً لأساليب بياني. ثم ان قصدي من البديع هو العجيب فلقد أصبحتُ مصداقاً لما قيل: إليّ لَعَمْري قَصْدُ كُلِّ عَجيبَةٍ كَأني عَجيبٌ في عُيُون العَجَائب3 هذا وان لقب بديع الزمان الذي مُنحته مع عدم استحقاقي له، ليس لي وإنما هو اسم معنوي لرسائل النور، قد قُلّد مؤلفها الظاهر إعارة وأمانة. والآن أعيد ذلك الاسم الأمانة إلى صاحبه الحقيقي.4 نعم، ان الأهمية كلها منحصرة في رسائل النور، المعجزة القرآنية، حتى ان ما كنت احمله سابقاً من اسم بديع الزمان هو ملكها، وقد اُعيد إليها ايضاً. و لا جرم ان رسائل النور ملك القرآن ومعناه.1 إذ قبل خمس وخمسين سنة شبّه أستاذي المرحوم الملا فتح الله2 من سعرد، سعيداً القديم ببديع الزمان [الهمدانيٍ]3 فأعطى اسم بديع الزمان له.4 بديع الزمان الهمداني هو احمد بن الحسيـن (358هـ - 398هـ ) كان آية في قوة الذكاء وسرعة الحفظ وصفاء الذهن وقوة النفس، كان يُنشَد الشعرَ فيحفظ القصيدة كلها وينظر في الأربعة والخمسة الأوراق في كتاب نظرة واحدة، ثم يهزّها عن ظهر قلب هزّاً. (عن معجم الأدباء 1/ 161-202باختصار 1899م (1316هـ ) إنقلابه الفكري: إنه لجدير بالأهمية والتأمل، ان مؤلف رسائل النور قد حدث له انقلاب مهم في حوالي سنة 1899م ( 1316هـ) إذ كان يهتم بالعلوم المتنوعة إلى هذا التأريخ لاجل استيعاب العلوم والتنور بها. أما بعده فقد علم من الوالي المرحوم طاهر پاشا ان أوروبا تحيك مؤامرة خبيثة حول القرآن الكريم، إذ سمع منه ان وزير المستعمرات البريطاني5 قد قال: ما دام هذا القرآن بيد المسلمين فلن نحكمهم حكماً حقيقياً، فلنسع إلى نزعه منهم. فثارت ثائرته واحتدّ وغضب.. وغيّر إهتمامه من جراء هذا الانقلاب الفكري فيه.. جاعلاً جميع العلوم المتنوعة المخزونة في ذهنه مدارج للوصول إلى إدراك معاني القرآن الكريم واثبات حقائقه. ولم يعرف بعد ذلك سوى القرآن هدفاً لعلمه وغاية لحياته. واصبحت المعجزة المعنوية للقرآن الكريم دليلاً ومرشداً واستاذاًله1 حتى انه أعلن لمن حوله: لأبرهننّ للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها.2 1906م (1324هـ) خادم القرآن: هذا التاريخ يطابق إتخاذ مؤلّف رسائل النور طور خادم القرآن بتوجهه المباشر إلى الحكمة القرآنية، بعد أن أكمل العلوم الآلية. وبعد هذا التاريخ بسنة ذهب إلى استانبول وبدأ بجهاده المعنوي.3 [وظل خادماً للقرآن طوال حياته حتى أنه أجاب الحاكم في آخر محكمة له:] - إنني لست اهلاً لكلمات الثناء التي أضفاها عليّ موكلي المحترمون، إذ إنني لست سوى خادم عاجز للقرآن وللإيمان. ليس عندي ما أقوله سوى هذا . |