حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
إذا كفّرنا المعتزلة! - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79) +--- الموضوع: إذا كفّرنا المعتزلة! (/showthread.php?tid=22488) |
إذا كفّرنا المعتزلة! - زياد - 12-03-2005 قرأنا وسمعنا كثيراً عمّن يكفِّرون أبا تمام والمتنبي، وأيضاً عمّن يكفِّرون المعرّي وعددنا ذلك فيما كتبنا ضرباً من ضروب قلة حيلة من أعياهم النيل من الإبداع الأدبي لهذه القامات الشامخة فعمدوا إلى الغمز في عقيدتهم وهو تكتيك معروف تم استخدامه على نطاق واسع ضد المفكرين والمبدعين بدءاً من سقراط وليس انتهاءً بهمنغواي. على أن احدث نغمة تكفيرية سمعناها على هذا الصعيد، تنال من المعتزلة بوجه عام ومن الجاحظ بوجه خاص، وقيض لنا أن نستمع لأساتذة جامعيين وطلاب وهم يكفِّرون المعتزلة ويحرّمون كتب الجاحظ، فشهقنا وما زلنا نشهق، لا لأننا نرفض التكفير منهجاً في التفكير جملةً وتفصيلا فقط، بل لأننا نتساءل: ماذا سيبقى من الثقافة العربية إذا كفّرنا المعتزلة؟ فهل يعلم أولئك الذين يلهجون بتكفير المعتزلة حجم المعركة التي خاضها المعتزلة الأوائل مع تيار المجسّمين الذين حاولوا المراهنة على سذاجة العوام، وكادوا يقنعونهم بالتفسير الحرفي لبعض الآيات القرآنية (يد الله فوق أيديهم" وقوله سبحانه:" ثم استوى على العرش" ؟ وهل يعلمون حجم المعركة التي خاضها المعتزلة مع تيار الجبريين الذين حاولوا إقناع الناس بأن كل ما يحل بهم من محن سياسية لا بدّ من التسليم به لأن الخليفة الأموي ليس إلا منفذاً للمشيئة الإلهية؟ وهل يعلمون حجم هاتين المعركتين الصاخبتين اللتين خاضهما المعتزلة باقتدار بالغ فنزهوا الخالق عن أي شبه بالمخلوق كما نزهوه عن أن يقدّر على مخلوق خطيئة ثم يعاقبه على ارتكابها فاستحقوا بذلك لقب (أصحاب التوحيد والعدل) دون سائر أصحاب المذاهب؟ وهل يعلم هؤلاء أن مبحث البلاغة العربية ما كان ليستوي على سوقه لولا المعتزلة الذين فتحوا بابه بالبيان والتبيين وابقوا الباب مفتوحاً لمئات السنين بالكشّاف؟ وهل يعلمون أن الدراسات القرآنية مثّلت أولاً وآخراً لبّ المبحث البلاغي ولبابه وانه لولا هذه الدراسات لما تمكن عبد القاهر الجرجاني من إتحافنا بنظرية النظم عبر كتابيه (دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة) وهل يعلم هؤلاء أن المعتزلة هم من خاض غمار الحرب الضروس التي أعلنت على العرب باسم الشعوبية فنهضوا وفي مقدمتهم الجاحظ للذود عن كل ما هو نبيل عند العرب ولدرء التهم التي كالها الشعوبيون لهم فصوّروهم على أنهم مجرد رعاة جهلة لا علم لهم بالتحضر والمدنية وكأن العرب ليسوا مثل كل الشعوب التي مرّت بأطوار التطور حتى تاخمت المدنية! الخطير في هذا النهج الاستئصالي أننا لو سايرناه فسوف نضطر لشطب اكثر من 95% من فلاسفة وعلماء ومثقفي ونصوص العربية في العصور الوسطى، سنشطب ابن المقفع لأنه زنديق وسوف نشطب المتنبي لأنه شيعي وسوف نشطب الزمخشري لأنه معتزلي وسوف نشطب رسائل إخوان الصفا لأنها باطنية وسوف نشطب ألف ليلة وليلة لأنها مجونية! وعلى هذا النحو فلن يتبقى لنا من مثقفي ونصوص العربية في العصور الوسطى إلا أقل القليل، وبذلك سوف نكون الحضارة الوحيدة في هذا العالم التي تتبرأ من فلاسفتها وعلمائها ومثقفيها ونصوصها، فيما تفتخر أوروبا بأن النسخ الأصلية من مخطوطات ابن رشد رهن مكتباتها وفيما تفتخر أيضاً بأن ألف ليلة وليلة هو الكتاب الأكثر طباعة بعد الإنجيل!! فأي خواء يريد لنا هؤلاء أن نتجه إليه؟ ولماذا لم يتساءلوا كما نتساءل: أية حضارة عظيمة هذه التي اتسعت لكل هذه التيارات وأعطتها الدافع والفرصة كي تتفاعل وتستمر؟ ولماذا أصر ابن حزم على أن يصف غريمه الباجي بعد أن الحق به الهزيمة في المناظرة المشهورة التي تمت بينهما، لماذا أصر على أن يصفه بأنه اعلم أهل الأندلس؟ ولماذا أصر الباجي أيضاً على أن يصف ابن حزم بأنه اعلم أهل الأندلس؟ وما الذي حدث؟ أي مسخ تناسخ على نحو مرعب حتى دمّر كل ذلك الائتلاف؟! وقد يتعلل هؤلاء الغلاة بما نسب للمعتزلة من دور تحريضي في المحنة التي أجراها المأمون، وهي محنة ما زال يكتنفها كثير من الملابسات التي حاول أستاذنا الدكتور فهمي جدعان أن يجلوها واحدة تلو الأخرى في كتابه المحنة: بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام. ولعلّ أبرز ما انتهى إليه الدكتور فهمي جدعان يتمثل في ضرورة النظر إلى المحنة على اعتبار أنها اختبار لمركزية الدولة وهيبتها في مواجهة السلطة الموازية التي راحت تتشكل في الشارع وتنافس الدولة على أخص خصائصها ونظراً لأن الدولة العباسية شهدت انقلاباً فكرياً داخلها تمخض عن تحولها إلى المذهب الأشعري، فقد أسهم المؤرخون الموالون للدولة العباسية بعد المتوكل في كتابة التاريخ على نحو يظهر المعتزلة بمظهر المحرض والجلاد اعتماداً على إسهام بعض المعتزلة - بحكم موقعهم الوظيفي في الدولة – في هذه المحنة. علماً بأن التتبع الدقيق للمحنة يظهر أن المأمون تمكن من توظيف الفكر الاعتزالي في معركته السياسية إلى الحد الذي لم يعد المعتزلة معه قادرين على نفي تورطهم. وأيا كان مبلغ إسهام المعتزلة في هذه الحملة الفكرية التطهيرية التي قادها المأمون فإن من الظلم الفادح أن لا تغفر لهم هذه الخطيئة إن هي صحت تماماً، إذ ما زال التاريخ يحتفظ لنا بالعديد من الحملات الفكرية التطهيرية ولذات الأسباب التي دعت المأمون لإعلان المحنة. لقد رأينا الأمويين يشنون حملات تطهير لا هوادة فيها ضد العلويين كما رأينا المرابطين والموحدين يشنون حملات تطهير حاسمة باسم المذهب المالكي، فلماذا نتناسى كل هذه الحملات ونغض النظر عن القائمين بها ونغفر لهم كل أخطائهم وخطاياهم ولكننا نصر في المقابل على التذكير بهذه الخطيئة التي ارتكبها بعض المعتزلة بحكم موقعهم الوظيفي في الدولة. هذا إذا صح كل ما نسب إليهم من أدوار. غسان اسماعيل عبد الخالق استاذ النقد القديم في جامعة فيلادلفي |