حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
عصا سليمان - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: عصا سليمان (/showthread.php?tid=2273) |
عصا سليمان - Waleed - 11-15-2008 تنويه: هذا الشريط هو إمتداد لشرائط سابقة: العلم , الدين , اليقين و أزمة الحضارة الإسلامية بين الحقيقي و الكاذب من قضايانا المعاصرة صدام الحضارات حول الفوضى عصا سليمان - Waleed - 11-15-2008 مقدمة
في واحدة من أجمل الأساطير الدينية و أعمقها معنى إعتاد الملك النبي سليمان تسخير الجان في أعمال البناء و التشييد في مملكته حيث لم لا يملك أحدهم عصيانا لأوامره. و قد إعتاد الملك أن يشرف على أعمال التشييد من على كرسيه من مكان علي. في آخر مهمة تشييد للملك سليمان - كعادته - جلس على كرسيه يشرف على مسار و نظام العمل متكئا على عصاه حين باغته ملك الموت فجأة و قبض روحه. ظل جسد سليمان الملك على وضعه جالسا على كرسيه و متكئا على عصاه شاخصا ببصره ناحية موقع العمل حيث حالت عصاه دون إختلال توازنه و سقوطه من على كرسيه. ظل الوضع كما هو عليه لزمن قد طال. لم يشعر الجان للحظة بأن سليمان قد مات و تباعا فقد ظل النظام محتفظا بكامل تفاصيله. فالعمل يجري كما ينبغي له بدون تأخير أو إبطاء. و تكفي نظرة عابرة لجني يعمل على موقع سليمان الملك في بث الرعب إلى قلبه و إخماد أي رغبة في الفكاك من هذه العبودية الشاقة. لهذا - و لهذا فقط - ظل الجان يعمل بنفس نظامه الذي سنه الملك. ما منع الإنهيار الكامل للنظام أعلاه هو القصور الذاتي للعمل علاوة على الخوف من السلطة. إستمر النظام إذا بالرغم من موته فعليا. و بالرغم من أنه لو تمرد أضعف جني في تلك الفترة الطويلة لتيقن باقي الجان من أن الملك قد مات و أنه لم يعد هناك من سلطة حقيقية لحماية ذلك النظام و تكريسه. و بالرغم من عدم التمرد على النظام و كسره داخليا إلا أن القدر كان قد إدخر نهاية أخرى لتلك الحقبة - على ضآلته - فقد كان النمل قد بدأ منذ زمن بالفعل في ممارسة ما يفعله عادة ليقتات, نخر النمل طرف عصا سليمان. لم يتآمر النمل مع أحد من الجان لنخر العصاه و تعرية حقيقة موت النبي الملك. بل فعل فقط ما هو مقدر لفعله - النخر - و لو كان سليمان حيا لهش على ذلك النمل أو لكان قد إستبدل عصاه أو حتى قد إستغنى عنها نهائيا. بعد فترة ليست بالقصيرة من النخر و الذي لم يحس به أحدا, لا الملك الميت و لا أحد رعاياه من الجان بطبيعة الحال لم تحتمل قاعدة العصا ثقل جثة الملك فحدث أن إنهارت جثة الملك على الأرض في مفاجأة مدوية للرعايا الجان. أدرك الجميع أن الملك قد مات منذ زمن. و أنه لم تعد هناك من سلطة تقهرهم على ما هم فيه من شقاء. لقد إنهار كامل نظام حياتهم على حين غرة - بل و في الواقع فهو منهار منذ زمن بعيد إستمروا فيه يمارسون أعمالهم الموكلة إليهم - و الآن و قد أدركوا ذلك - و هذا هو المعول الأساسي في الواقع - سادت الفوضى و إنتهى النظام و ذهب كل إلى حال سبيله. و قد يسأل سائل "ألم يخالج أي جني مجرد شك في موت الملك طوال تلك الفترة التي لم يحرك فيها ساكنا؟ أم أنه قد حدث لكن قد منعه الخوف من جبروت سليمان أن ينبس ببنت شفه؟ أم أنهم كانوا كالأطفال لا يستطيعون مجرد تصور موت الأب الإله؟ أم قد يكون خوفا أعمق من هذا و ذاك و هو خوف فقد الهدف و ضياع المصير حتى و لو كان قاسيا كمصيرهم؟" قد تكون الإجابة في إحدى تلك الإحتمالاات أو فيها مجتمعة. و قد لا نعرف الإجابة أبدا. و الآن دعنا نسقط تلك القصة عميقة المغزى على واقع منطقتنا و دعنا نترك التنظير جانبا هذه المرة لكي نقترب من مجتمع ما ببنطقة الشرق الأوسط لكي نرى هل تتحقق تلك الأسطورة على أرض الواقع بدرجة أو بأخرى. و في تلك المحاولة فقد وقع إختياري على مصر لأسباب عدة أولها معرفتي بها كونها بلدي و الثاني كون مصر من أوائل المجتمعات التي إنفتحت على الغرب و من أكبرها إنفتاحا و أخيرا لدورها القيادي - النسبي - في المنطقة. و هذا الإختيار لا ينفي الخطر عن باقي الدول - لكن و للأسباب السابقة فقد تكون الأقرب لهذا الخطر. هل الهدوء النسبي السائد بمصر الآن هو دليل على قوة و إستقرار النظام - أم أن النظام قد مات كما مات الملك سليمان في قصتنا و نحن الآن بإنتظار النمل كي ينخر آخر متكأ للسلطة لتنهار و نفاجأ ذات صباح بأننا كنا غافلين - عن جهل أو عمد - لموت النظام منذ زمن بعيد و أننا لا نعلم - كما لم يعلم جان سليمان من قبل - لماذا كنا مستمرين في قصورنا الذاتي متجاهلين حقيقة السكون المميت في بدن السلطة. هل تفككت بنيات المجتمع و لم يعد هناك ما يربطها سوى القصور الذاتي - في إنتظار أي قوة و لو طفيفة لإنهيارها و للأبد؟ هل من الممكن أن ندرس واقع الأمر بشئ من العقل قبل أن نفاجأ - كما الجان - بأنه لا يوجد نظام و لا سلطة تحميه و قبل أن نلوم النمل على ما نعلم يقينا أنه يفعل ما هو مقدر له أن يفعله و لا شئ آخر. أم أنه مقدر لنا أن نفيق ذات صباح و لا يعلم أي فرد فينا إلى أين يذهب و ما هو مصيره؟ عصا سليمان - بهجت - 11-16-2008 الأخ وليد . مرحبا بعودتك للمشاركة من جديد . في إنتظار مداخلاتك العميقة التي اعتدنا عليها كبعض من أفضل تقاليد نادي الفكر العربي ، ساحة الفكر الحر على الخصوص . كلنا آذان صاغية ،و أصابع متحفزة على الكي بورد للمشاركة . تحياتي . عصا سليمان - Waleed - 11-16-2008 الزميل المحترم و العزيز / د. بهجت (f) لا أخفيك سرا فما يدفعني دائما لإستكمال الكتابة هو أحد مواضيعك التي أتابعها بإنتظام. و ما دفعني آنيا هو شريطك الجميل "تأملات حرة في العرب و الحداثة". و الذي سأتعرض لأجزاء منه في هذا الشريط و في حينه. شرفني ترحيبك و يشرفني إنتظار مداخلاتك. خالص تقديري ,,, عصا سليمان - Waleed - 11-16-2008 في شريط سابق( حول الفوضى ) كنا قد إفترضنا أن شياع حالة من العقم بكل مناحي الحياة بمصر و بلوغ قضايانا المصيرية على مفترق طرق لا نريد مبارحته هي مؤشر على وجودنا على أعتاب الفوضى و هي الحالة التالية و الضرورية لتجاوز ذلك العقم و فيها ستعاد ترتيب الأوراق من جديد. لتأسيس نظام جديد. و كنا قد إفترضنا أن هذا العقم و الذي يبدوا كما المتناقضات المنطقية الكلاسيكية Paradoxes في بعض الأحيان - هو تناقض في البنيات الإجتماعية الفوقية و بخاصة الأخلاقية و القانونية و يبدوا عديم الحل نظرا لأنه صدى لتناقض أعمق منه في البنية التحتية و هي المرجعية المعرفية للمجتمع. حيث تم تجميد التناقض الصارخ بين خلفيتنا المعرفية الدينية و بين بنية معرفية جديدة واردة من الخارج و هي البنية المعرفية العلمية و هذا بشكل عمدي نحا لتفادي الصدام و إكتفينا بوضع البنيتين المتناقضتين جنبا لجنب. إنتقينا منهما ما نحب أن يظهر للعامة كرؤوس جبال الجليد و إفترضنا - تدليسا - أن كليهما لابد أن يكون صحيحا. بينما قبع باقي جبال الجليد تحت الماء تحمل ما تحمل من تناقض و صدام. على رؤوس جبال الجليد تلك - و هي ما يرى المجتمع من البنيتين - بنى المجتمع باقي بنياته الفوقية من أخلاقية و قانونية و إقتصادية .. إلخ آمنا أن ما فعله هو الصواب و كفى الله المؤمنين شر القتال. لكن الطريق إلى جهنم دائما مفروش بالنوايا الطيبة. فقد بدأ الجزر في الكشف التدريجي عن قواعد تلك الجبال - التي تحمل من التناقض ما لن يتيح لها إطلاقا أن تمتزج - كما تحمل من الضخامة ما لم نكن نصدقه حين ننظر لمجرد ما نراه من رؤوسها الصغيرة فوق المياه. ذلك الصدع بين هذين الجبلين قد سبب تشققات في جميع البنى الفوقية للمجتمع - مولدا حالة من التناقض و الذهول - فمازلنا و للآن لا نريد النظر للقواعد و الأساسات التي بدأت في التنافر و التباعد. نريد معالجة الحوائط بدون النظر للأساسات. نقيم ألف لجنة منبثقة و ألف بحث لتقصي الحقائق لدراسة أسباب تشقق الحوائط. لكن أبدا لن ننظر للقواعد فتلك من المحظورات - و من ثم فالأفضل لنا أن نستمر إلى مالا نهاية في دراساتنا و لجاننا المنبثقة فيما قد يذكرنا بأحدى مسرحيات العبث القاتمة. في هذا الشريط و في محاولة لتطبيق هذا الإدعاء على أرض الواقع تم إختيار مصر كأحد أوائل الدول المرشحة للسقوط في بحر الفوضى بجانب أخريات مثل سوريا - الجزائر - المغرب - لبنان و غيرها من الدول العربية. و كما هو ملاحظ و على عكس ما قد نعتقد فالدول الأكثر ترشيحا للسقوط هي الدول العربية العلمانية - مجازا إن جاز التعبير - و ليس الدينية أو الخليجية. حيث أن الدول العربية ذات الطابع الديني أكثر إنغلاقا على العالم - من الناحية الثقافية - أو قد بدأت إنفتاحها قريبا نسبة للأخرى التي بدأت إنفتاحا - قسريا على الأغلب و بواسطة الإستعمار - أبعد و أعمق منها. كما لا ينبغي لنا أن نهمل عامل الإقتصاد و الذي و إن تساوت جميع الدول العربية في فشلها الحاد إقتصاديا - إلا أن دول الخليج ذات الطابع الديني تميزت بإقتصاد ريعي قوي متمثل في البترول و الذي يمثل عاملا مثبطا للسقوط - إلى حين. لكن و على عكس الشرائط السابقة - فمسار هذا الشريط سوف يبدأ من أعلى لأسفل: * بداية سوف نرصد مع رجل الشارع و بشكل عشوائي ظواهر نراها كما يراها هو غريبة و غير مبررة و لا يجد لها حلا أو يظل يبرر و يرسم حلولا سوف تذهب كلها سدى كزبد البحر. * تباعا سوف نحاول تنظيم و تجميع تلك الظواهر كل في إطاره الذي ينتمي له و مكانه في بنيات المجتمع. * سوف ندرس نزولا من أعلى: - وحدات المجتمع الصغرى من أفراد و أسر العلاقات البينية لهم. - مؤسسات المجتمع الحالية و مدى آدائها للوظيفة المقدر لها عملها. - نظام الحكم الحالي بنيته و آداؤه و شرعيته و مدى إستقراره من عدمه. - البنية الثقافية للمجتمع. - البنية الأخلاقية للمجتمع. - البنية المعرفية للمجتمع. للجميع تحياتي ,,, يتبع... عصا سليمان - Waleed - 11-18-2008 يحدث في مصر
لعل الأمر لا يحتاج لراصد خبير كي نتيقن بأن مصر - أكثر من غيرها - تمر بواقع أليم. دعنا من المبررات الآن و لندع التنظير جانبا و لنرى من وجهة نظر الشارع المصري على أطيافه ما يحدث بمصر الآن. على الراصد أن ينزل يوما منذ صباحه الباكر لشوارع مدينة يختارها و لتكن العاصمة - حيث التنوع - القاهرة. عليه أن يتنقل بوسائل مواصلاتها من حافلات و سيارات أجرة. عليه أن يشتري أطيافا من الصحف اليومية و الإسبوعية - حكومية و معارضة و مستقلة - و أن يجلس على أي مقهى يختاره - شعبي كان أم سياحي - لتناول إفطاره. ثم عليه أن يقصد عدة مصالح و مؤسسات حكومية لقضاء بعض مصالحه. عليه أن يتجول ليخالط عينات عشوائية من الشعب في أحياء الفقر المدقع و الثراء الفاحش. ثم و بعد عناء يوم طويل عليه أن يجلس في أي مكان يختاره ليتابع قنوات و برامج التلفاز التي يتابعها الشعب. و ياليته بعدها يعد نفسه لدخول دار عرض سينمائي أو مسرحي. لا أظن أن الراصد - مصريا كان أم عربيا أم أجنبيا - سيحتاج لأكثر من هذا اليوم الواحد ليتأكد أنه بين ظهراني شعب تعيس. سيرصد الرجل المحايد أول ما يرصد منذ أن يطأ أرض الشارع إلى ركوبه الحافلات ثم سيارات الأجرة ثم المقاهي ظاهرة هي الأغرب و هي كره الشعب المصري لذاته. لا نقصد كره الحكومة بل كره الذات بكل ما في الجملة من معنى. سوف يرصد ذلك في حواراته مع كافة الأطياف غنيها و فقيرها, مثقفها و جاهلها... إلخ. إنه الكفر بالذات لا محالة. عدم الثقة بالحكومة و الأمن و الخدمات و النوايا و المنتجات و التعليم و الإعلام و الصحف. إنتشار تفاسير المؤامرات و التأويلات. سوف يسمع جملة مثل (شعب وسخ) أكثر مما يسمع عبارات الترحاب و السلام. و هذا في ظاهرة لا أعلم إن كان يشاركهم فيها أي شعب آخر. سوف يستزيد الراصد بقراءة الصحف رصده حالة من السخط العام و الهائل على كل شئ و أي شئ. سوف يجد كوارث سابقة لم يتم إتخاذ أي إجراءات بشأنها و إن كانت ببلد آخر كفيلة بنهاية الحومات و ثورات الشعوب. و سوف يرصد مع الصحف كوارث آتية لا يحرك لها أحدا ساكنا مهما زاد العويل و الصراخ. سوف يرصد إحتقانا سياسيا - إحتقانا إقتصاديا - إحتقانا طائفيا. و كلها على وشك الإنفجار. سيجد كل هذا بالطبع بجرائد المعارضة و الأخرى المستقلة و على إستحياء ببعض الصحف المستقلة التي مازالت تحتفظ ببعض من قراء. و لدهشته سوف يجد جرائد حكومية أصبح قراءها محدودين - بل و الأدهى أنه توجد جرائد نسب توزيعها تكاد تقترب من الصفر لكنه سيجد أكواما منها عند بائعي الجرائد يتم تخصيصها في خامة المرتجع بمجرد ورودها - لدهشته سيجد راصدنا صحفنا تلك لا تتحدث عن أي من هذا و لا ذاك و كأن كهنتها و مريديها من بلد آخر. قبل هذا و بعدها حين يتوجه صاحبنا لقضاء مصالحه سوف يرصد فوضى عارمة في الشوارع و المرور و البيع و الشراء - في المواصلات و الطوابير - عشوائية تامة تحكم نظام الحياة - إن صح هذا التعبير. بين هذا و ذاك سوف يكتشف و بالتأكيد أن الفوضى الأوضح هي فوضى أخلاقية في المقام الأول. غابة لا أخلاقية لا يحكمها قانون. حسنا سيتغاضى الراصد و سيبتلع إهانات المشاه و السائقين و محاولات الإبتزاز - بخاصة لو لم يكن مصريا - و سوف يتوجه لقضاء مصالحه بعدة هيئات حكومية. و بغض النظر عما هو معروف بالضرورة من أن الرجل لن يقضى أية مصلحة إلا بعد دفع المعلوم - بالضرورة أيضا و بعد فوات الأوان عادة - بغض النظر فالرجل لن يعلم أبدا كيف أن النظام بعامة في تلك المصالح الحكومية لا يهدف لما هو مقدر له إطلاقا بل الأصح سيكتشف صاحبنا أن الأمر ليس فقط في الرشاوي و الفساد بل إن تلك الأنظمة و هؤلاء الموظفون لا يهدف لشئ على وجه الإطلاق. حيث لا هدف و تباعا لا إستراتيجيات لتنفيذها. بعد أن يكتشف صاحبنا سبب أن النسبة الغالبة من إقتصاد و أنشطة المصريين تخضع للإقتصاد الأسود - حيث لا يوجد هدف إستراتيجي إقتصادي لحكومات مصر أصلا - و تباعا فاإعاقة قد تكون هدف جيش موظفيها و بعد أن يصاب بتلك الغصة في حلقة من سوء المعاملة. سوف يتجول كما هو مقرر بين أحياء مصر الفقيرة العشوائية و بين الأخرى المتخمة ذات القصور. و حيث أن راصدنا عميق النظرة سوف يكتشف أنه على تلك الفروق الهائلة التي تكاد تجعل من هذه و تلك بلدانا مختلفة إلا أن العشوائية و إفتقار الأخلاق و سلوكيات الغابة هي عوامل مشتركة بين الجميع. متعبا سقرر رجلنا أن يستريح على أحدى المقاهي ليتابع الميديا المصرية لعله يرى في أخبارها - أو يستشف من برامجها الحوارية - أو يحس من فنها ما قد خفي عن عقله. سوف ينتقل على إرهاقه من مقهى إلى آخر - من كافي شوب إلى نادي نيلي و باخرة و صالة و فنادق بل و سيدخل البيوت المصرية ذاتها حتى و لو بالعنوة فالرجل يكاد يجن و بعد أن يساق لقسم الشرطة القريب بواسطة أصحاب المنازل و بعد فاصل قصير من الإهانات سوف يسأله الضابط (الباشا) عن سر إصراره دخول البيوت و التفتيش عن أجهزة التلفاز و إجابته ببراءة أنه أراد أن يرى الميديا المصرية الرائدة لعله يفهم ما قد خفي عنه - سيجيبه الضابط ببلادة (لا يوجد مصري يشاهد قنوات التليفيزيون المصرية!!) فالأخبار يشاهدها المصريون على قناة الجزيرة القطرية و قنوات الترفيه و الحوار على أخرى سعودية و قنوات الرياضة و الأطفال على ما تيسر من هذا و ذاك. سيخرج صاحبنا من القسم فاقدا ما قد تبقى له من عقل - و كرامة - و سيذهب لدار سينما تعرض فيلما مصريا و يخرج بعد مشادة ليدخل أخرى متخمة ثم مسرح و آخر ليفاجأ بأنه يشاهد ذات الموضوع عن فتى جاهل جهول متخلف - و يا حبذا لو كان قصيرا أو سمينا يحمل سمات التخلف العقلي - ينجح بفهلوته في إيقاع النساء و تكوين الملايين و تركيع شعوب الغرب المنحل لأنه بالأول أو الآخر مصري أصيل مؤمن و موحد بالله بالرغم من عتهه و تخلفه و إنحطاط أخلاقه الظاهر. لكنه و بالصدفة و في أحد مسارح الدولة سيجد مسرحا من نوع آخر يدخله بعد أن يسمع عن جديته و أهدافه السامية - سوف يجد موضوعا عن الإستعمار و كيف أن الإنجليز قساة القلب. و آخر عن الوحدة العربية و أخوة الأشقاء و ثالث عن أصالة الفلاح المصري الذي لن يبيع أرضه بالمليارات على الرغم من أنه لا يجد قوت يومه. بعد كل هذا العناء سوف يذهب راصدنا فجرا لأحد مقاهي المثقفين لعله يجد الإجابة الشافية لهذا الإنحدار العام. و سوف يسمع ألف إجابة فورية: "بسبب البعد عن الدين" "بسبب الحكم الديكتاتوري الفاسد" "بسبب إنحدار الأخلاق" "بسبب مؤامرات الغرب" "بسبب المؤامرة الصهيونية الكبرى" حسنا قد يكون أحد تلك الإجابات - على تباعدها - صحيحا أو كلها مجتمعة - قد لا يهم الآن البكاء على اللبن المسكوب. لكنه لن يسمع قط إجابة شافية للسؤال "و ماذا بعد؟ ماذا تريدون؟؟" في الصباح الباكر: - سيغادر صاحبنا مصر بلا عودة لو كان أجنبيا. - سوف يحاول إسعاد وقته بأي وسيلة لو كان عربيا. - سوف يواصل حياته و كأن شيئا لم يكن لو كان مصريا مع ترديد (شعب وسخ) بين كل لحظة و أخرى. حسنا و الآن قد تتفق مع صاحبنا أو تختلف في درجة تشاؤمه. قد تصفه بالمبالغة في هذه أو تلك. لكنك لن تستطيع سوى أن تسلم معه بأن في الأمر خطأ ما ينذر بإنهيار جسيم. دعنا نترك صاحبنا لمصيره و نعود لقليل من التنظير لكي نجتهد في محاولة تأطير و دراسة و تفسير بعضا من هذا الإنهيار. يتبع ,,, عصا سليمان - الحر - 11-18-2008 متابع. (f) عصا سليمان - فرعون مصر - 11-19-2008 الزميل العزيز وليد ما أمتع ان نقرأ تحليلاتك العميقة وافكارك تحياتى:redrose: عصا سليمان - Waleed - 11-20-2008 الزميل المحترم / الحر (f) تشرفني متابعتك و أحب أن أسجل بدوري إعجابي الشخصي بموقفك العقلاني المتوازن من الدين و العالم. الزميل المحترم / فرعون مصر (f) طالت غيبتك علك تكون بخير. أتمنى أن تشرفنا بتعليقاتك و مداخلاتك الثرية. عصا سليمان - Waleed - 11-20-2008 لماذا ؟؟ (محاولة 1)
بداية و قبل الخوض في أية تفاسير وجب علينا تحديد ما نحن بصدده: * ماذا تمتلك مصر من موارد طبيعية و غيرها نسبة للقوة البشرية بها (و التي و حتما تعتبر طبقا لمعايير عصرنا - بل و لمصر بخاصة - من الموارد أيضا) و هل توجد فجوة بين هذه و تلك من الضخامة بحيث تسبب كل هذا العوز و تباعا ما نراه كنتيجة مباشرة للفقر من فوضى و تسيب و فساد؟ ربما. و حينئذ لربما يمكننا أن نصيغ الوضع في الجملة الآتية: "توجد فجوة هائلة بين الموارد في مصر نسبة لعدد السكان تسبب حالة من العوز للسكان ضاغطة على أفراده في إتجاه الفساد و إنحدار الأخلاق بعامة و تلك الأخيرة - و في تغذية عكسية - تسبب فقرا على فقر في دائرة شريرة لا نهائية. و يمكننا أن نرجع لأبحاث علم النفس الإجتماعي الآن لدراسة سلوك العوز و الحاجة لكي نتأكد من ذلك." و يمكننا أيضا صياغة الحل في الجملة الآتية: "تحديد النسل واجب قومي لتقليل تلك الفجوة و تباعا حل جميع تلك المشاكل." و هذا بالطبع مع ملاحظة إغفالنا التام للقوة البشرية كمورد من الموارد. و طبعا فقد لاحظ القارئ أن الصياغة بعاليه هي الصياغة الرسمية الحكومية لمصر - و الحل الذي يتبعه كذلك هو الحل الرسمي للفشل. لكن مهلا .. مهلا .. هل تفتقر مصر فعلا للموارد الطبيعية و غيرها لهذه الدرجة؟ دعنا من الإحصاءات الحكومية و لنلق نظرة سريعة بالعين المجردة (و عذرا مقدما للقارئ إن كنت سأسوق له بعضا من مناهج مدارس مصر بمدارسها الإبتدائية): - زراعيا: مصر بلد زراعي بالمقام الأول تمتلك مساحات خصبة هائلة بوادي النيل و الدلتا (نقوم بتدميرها لصالح المباني بشكل منهجي و مكثف) بالإضافة لمساحات صحراوية قابلة للإستصلاح (إعتمادا على وجود مياه جوفية إقتصادية أو غيرها). و منذ عدة عقود مضت كانت تمتلك محاصيل مميزة عالميا مثل القطن لا يعلم أحدا على وجه التحديد سبب تراجع إنتاجها و جودتها أمام المنافسة. - تمتلك مصر موقعا إستراتيجيا فريدا على شواطئ البحرين الأبيض و المتوسط و القناة بينهما و لترجمة ذلك الوضع إقتصاديا و سياسيا و سياحيا و في مجالات مثل الثروة السمكية .. إلخ (و التي تعود كلها إقتصاديا) يمكن للقارئ الإكتفاء بالرجوع لكتاب مثل عبقرية مصر للكاتب جمال حمدان. - الطاقة: تمتلك مصر حدودا أقل ما يقال عنها أنها آمنة بالنسبة للطاقة فإنتاج البترول يدع هامشا ليس بالكبير للإستيراد لكفاية الإستهلاك أما الغاز الطبيعي فيكفي الإستهلاك و يتم تصدير باقي الإنتاج بشكل قد يكون مبالغ فيه و غير آمن أما عن مصادر الطاقة النظيفة فحدث و لا حرج عن المتاح من الطاقة الشمسية و طاقة الرياح و طاقة المياه و المستغل جزء منها بواسطة السد العالي... إلخ أي أننا و بثقة نستطيع التفوه أننا لا نعاني مشكلة في توفير عصب الحضارة اليوم - الطاقة. - السياحة: تمتلك مصر أكثر من نصف آثار السياحة التاريخية بالعالم تقريبا كما تملك الكثير من مقومات السياحة الدينية و سياحة الأنشطة البحرية بخاصة بالبحر الأحمر و السياحة البيئية حتى سياحة السفاري .. إلخ. مقومات مصر بإختصار في هذا المجال وحده كفيلة بأن تفوق مقومات قارة كاملة مثل أوروبا - و التي تتجاوز ميزانية دولة واحدة فيها و هي أسبانيا و بنفس السبب و هو المقومات السياحية - تتجاوز ميزانية جميع الدول العربية مجتمعة. - تنوع مصادر الغذاء: بالرغم من كون مصر بلدا زراعيا بالإضافة لإمتلاكه قدرا لا بأس به و قابل للتنمية من الثروة الحيوانية بالإضافة لطول شواطئه على بحرين و نهره و بحيراته العذبة و المالحة و التي يمكن ترجمتها لثروة سمكية هائلة - بالرغم من كل هذا فمصر تستورد جميع مصادر الغذاء بدءا من القمح صعودا للحوم و الأسماك. - الصناعة: و يمكننا أن نفرد صفحات عن الصناعة و التت لا نعلم يقينا سبب فشلها نظرا لإمتلاكنا جميع مقوماتها بدءا بالأهم و هو القوة البشرية مرورا بتوفر المواد الخام و الأسواق المتاخمة و الطاقة الفائضة و التي نصدرها بأقل من أسعارها وصولا لرؤوس الأموال. - و عودة لما كنا قد أهملناه في صياغتنا الحكومية بأول المداخلة - القوة البشرية. و التي يمكن إعتبارها بمصر و بجدارة من معطيات الموارد و ليس مجرد عامل مستهلك. و يكفي أن نعلم أن عدد المهاجرين المؤقتين لدول عربية فقط يعد بالملايين و ليس الآلاف. و لا توجد مشكلة كما في الخليج مثلا في تشغيل كافة المصادر السابقة من طاقة و زراعة و صناعة سياحة و صيد .. إلخ بواسطة إستيراد عمالة. فليسق المعترض ما شاء من أرقام و إحصاءات لنفي ما سبق لكن نظرة عابرة أيضا و بالعين المجردة لدول مثل اليابان بتعدادها و فقر مواردها بالمقارنة بمصر و لم نقل دولة مثل الصين ناهيك عن دولة مثل أسبانيا و غيرها مثل دول إسكندنافيا - نظرة عابرة كتلك كفيلة بقطع الجدل و فورا. فالقاعدة الذهبية: حين يخالف الواقع نتائج التنظير فليذهب الأخير إلى الجحيم - لكن قبل أن يذهب يجب أن نرى أين أخطأنا فيه. و أخيرا و ليس آخرا .. يبدو أننا قد فشلنا في هذه المحاولة و في الإجابة عن السؤال"لماذا؟" و يبدوا أن كلا التفسير الحكومي الرسمي متهافت و الحل الحومي الرسمي أيضا هو مجرد تبرير فشل ليس أكثر. لكن الأمر ليس شرا كله. فحسنا أن تأكدنا الآن أنه لا توجد تلك الفجوة بين الموارد و السكان حقيقة بمصر و تباعا فتركيز محاولاتنا لإنقاص السكان ليس هو الحل السحري - و إن كان مطلوبا ليس كحل وحيد بل كتيكتيك مرحلي و عامل مسرع للخروج من الأزمة و التي نعلم الآن أنها ليست نقص موارد - و إن كانت تلك الجهود لتحديد النسل مشكوك في جدواها في الواقع كما تعلم الحكومة قبل أن نعلم نحن حيث أنها تتعارض مع الخلفية الدينية للمجتمع من ناحية أضف لذلك بعض العادات الإجتماعية ذات الأصل الديني أيضا مثل حب الذكور و العزوة .. إلخ. بالإضافة لما قد يكون أهم من السابق و هو العامل الإقتصادي حيث أنه و في أغلب قرى مصر و صعيدها - بعيدا عن القرية الذكية - كلما كثر أولادك كثر دخلك لأنهم يترجمون لأيدي عاملة. مما يجعلك تتساءل حتما عن مدى جدية الحكومة المصرية من تلك الدعاوى. لكن تبقى الإستفادة الأكبر من هذا الفشل و هو تأكدنا من أنه إن لم يكن الأمر نقص في الموارد نسبة للسكان فهو تباعا بل و حتما سوء إدارة تلك الموارد مجتمعة بما فيها القوى البشرية ذاتها. فهل الأمر كله إذا و كما قال بعض مثقفينا لراصدنا التعس بأول الشريط "السبب كله في الحكم الديكتاتوري الفاسد" ؟؟ يتبع ,,, |