نادي الفكر العربي
الاسلاميون و المثقفون - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79)
+--- الموضوع: الاسلاميون و المثقفون (/showthread.php?tid=24070)



الاسلاميون و المثقفون - اسحق - 10-01-2005

الإسلاميون والمثقفون: السيف فى مواجهة القلم


العفيف الأخضر-باريس



نفض الإسلاميون المعاصرون الغبار عما هو معاد للثقافة والحياة في التراث لتكفير التفكير وتبديع الإبداع. حرّم فقهاء القرون الوسطى الرسم، النحت، الفلسفة وحتى المنطق: "من تمنطق فقد تزندق" (السيوطي)، "المنطق يؤدي إلي الفلسفة وما يؤدي إلي الكفر كفر" (ابن الصلاح). ويوم نكب ابن رشد أنشد فقهاء قرطبة في جوقة: اشتغلوا بالمنطق فقالوا حقيقة / إن البلاء موكل بالمنطق. إتكأ الإسلاميون على هذا التراث الظلامي أي المعادي لنور العقل واستمدوا منه سلاحين من أسلحة الدمار الثقافي الشامل: الرقابة والقتل. يصف الكاتب الإيراني سركوهي الفصامية التي فرضتها الرقابة الإسلامية على المثقفين على هذا النحو: "يتساكن في كل صحفي وكاتب شخصان، أحدهما يكتب، والآخر يمحو ويحوّل الجمل إلي مجازات وتعابير مزدوجة المعنى" (الاكسبرس 8/6/200). أما حزب الله الإيراني الذي لا يمكن التنبؤ بالممنوع والمسموح في رقابته، فإنه كثيراً ما أحرق كتباً سمحت لها الرقابة الرسمية بالصدور، وأحرق الدور التي أصدرتها وطارد مؤلفيها.
لم يكتف الإسلاميون في اضطهادهم للمثقفين بالرقابة، بل عززوها بالتكفير والقتل. فقد ظل الخميني طوال حياته "يفخر بالفتوى التي أصدرها بقتل المفكر الإيراني أحمد كسراوي سنة 1947" (أمير طاهري). ولما سئل الخميني عام 1979 عن سبب إصداره أمراً بإعدام المعارضين دون محاكمة أجاب: "لأنهم مذنبون ولا حاجة لإضاعة الوقت في محاكمتهم" (نفس المصدر). واصل خلفاؤه المتشددون باسم الشريعة، تطبيق شريعة الغاب على المثقفين داخل وخارج إيران: تنص المادة 228 من " قانون الجزاء الإسلامي" على تبرئة الجاني: "إذا أثبت للمحكمة أن القتيل مهدور الدم" أي مرتد! وبإسم هذا القانون الغابي رصدت مؤسسة الشهداء التابعة لمرشد الثورة جائزة بمليوني دولار إضافة إلي النفقات، لقتل الروائي سلمان رشدي. وباسم هذا القانون أهدر البوليس السياسي الإسلامي دماء 180 مثقفاً إيرانياً سجلوا على "القائمة السوداء" الشهيرة، اغتيل منهم أربعة، ولولا تدخل الرئيس محمد خاتمي لكان أعضاء القائمة اليوم تراباً في التراب!
حمام الدم الإيراني الذي دشنة الانقلاب الإسلامي في 1979 أيقظ في نفوس الإسلاميين خارج إيران الحقد على الاخر المتأصل في نفسيتهم التي تشربت الآخر كمنتهك لـ "طهارة الأم" إذن كعدو برسم التصفية. مثلاً لا حصراً، شنق حسن الترابي في 1985 الفيلسوف المتصوف محمد محمود طه بتهمة "الردة"، وسنة 1999 أقرت محكمة الاستئناف في الخرطوم الحكم على فنان ب 260 جلدة بالتهمة التفتيشية التي نفض الإسلاميون عنها الغبار: "الإساءة إلي الدين". في لبنان اغتال إسلاميون من جزب الله مهدي عامل وحسين مروة الذي كان على فراش الموت! في مصر أقام إسلاميون دعوى الردة على محمد عبد الوهاب من أجل أغنية "من غير ليه؟" وأصدروا حكماً بردة نصر حامد أبو زيد وغرس إسلاميون آخرون خنجراً في رقبة نجيب محفوظ تنفيذاً لفتوى بردته من أجل "أولاد حارتنا".بفتوى مماثلة اغتال إسلاميون فرج فوده، عندما سأل القاضي الجاني لماذا إغتاله؟ أجاب: لأنه علماني، ولما سأله مرة أخرى: ما معني علماني؟ أجاب: لا أعرف! ولما سئل القاضي محمد الغزالي، أحد أقطاب الإخوان المسلمين عن حكم الله في القتلة، أجاب بكل يقين المتعصب: "لقد نفذوا فيه حكم الردة الذي تقاعس الإمام عن تنفيذه"، عاد القاضي يسأله: وما حكمهم إذن؟ أجاب الغزالي، رمز الإعتدال: "لقد افتأتوا على الإمام والافتئات (الاستبداد بالرأي) لا عقوبة له في الإسلام"، بعد سماع فتوى الغزالي بإهدار دم فرج فوده صرخ القاتل: "الآن أموت وضميري مرتاح". لأن وظيفة الفتوى هي استكمال تجفيف ضمير المتعصب الأخلاقي برفع الذنب عنه، ليغدو جاهزاً ككلب الطريدة للانقضاض على فريسته دون تفكير.
في الجزائر اغتال الإسلاميون أكثر من 60 مثقفا،ً بينهم الشاعر الطاهر جعوط والجامعي الجيلالي اليابس الذي تبنت جبهة الإنقاذ الإسلامية على لسان رئيس بعثتها في الخارج أنور هدام اغتياله في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية, والجدير بالذكر أن متطرفاً تونسياً كتب معلقاُ على اغتيال هذا المثقف الجزائري: "العلمانيون (التونسيون) المتحالفون مع النظام سيكون مصيرهم مصير اليابس". وأخيراً لا آخراً، أصدر يوسف القرضاوي الذي يكاد ينعقد الإجماع على اعتداله، فتوى بتكفير حيدر حيدر وتكفير روايته "وليمة لأعشاب البحر" و"تكفير كل من يقول عنها إنها إبداع" أي غالبية المثقفين والمبدعين والنقاد في مصر والعالم العربي. حتى من يختلف معه في مضمونها السياسي مثلي، لا يشك لحظة في شاعريتها الخلابة. فتوى التكفير إهداراً لدم من تم تكفيرهم وتحريض لكل مؤمن على تنفيذ حكم التكفير فيهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا!
اضطهاد الإسلاميين للمثقفين بمصادرة كتبهم، بمطاردتهم، بإصدار الفتاوى بقتلهم، بمحاكمتهم، بإعدامهم وباغتيالهم يأخذ بتكراره وانتظامه في الزمان والمكان حكم القانون. لا شك أن سؤالاً يرف على الشفاه: لماذا يكفر الإسلاميون التفكير والمفكرين والإبداع والمبدعين؟ كمشروع إجابة مفتوحة للنقاش أقدم خمس فرضيات متكاملة:
1- التعصب المتأصل في بنيتهم النفسية يوهمهم بأنهم يمتلكون المعرفة الإلهية التي لا مزيد بعدها لمستزيد. حقيقة المتعصب هي في الواقع وَهَم لذيذ يلوذ به كبديل عن حقيقة مريرة لا يستطيع مواجهتها دون أن يفكر في الانتحار. وهذا ما يجعله يعيش لا شعورياً كل معارضة لها أو حتى مجرد اعتراض عليها كعدوان شخصي عليه، كنفي للمعني الذي أعطاه بتعصبه لحياته، وهذا ما يهيّئه للعدوان والقتل كما لو كان في حالة دفاع شرعي عن النفس.
2- هم أيضاً مسكونون بروح تبشيرية تجعل رغبتهم في توجيه (LE DESIR DE DIRIGER )البشرية وهدايتها إلى سواء السبيل هَوَسيّة. هذه الرغبة في التوجيه هي كما يقول علم نفس الأعماق، مزيج من النرجسية والسادية والميل إلي التلصص من ثقب الباب مما يجعل المصاب بها مدفوعاً دفعاً إلى فرض وجهة نظره على الآخرين أي على جميع الذين لا يؤمنون بها كما لو كانت إرادة إلهية فيما هي لا تمثل في الواقع إلا تعبيراً باتولوجياً عن بواعثه وصراعاته الشخصية اللاشعورية.
3- عجز النخب السائدة في الفضاء العربي والإسلامي والفاقدة لشرعية الإنجازات عن الفصل الضروري بين المواطن والمؤمن، بين الدين والسياسة، وتالياً بين الدين والبحث العلمي والإبداع الأدبي والفني حتى يتشرب الوعي الجمعي هذا الفصل الذي هو لب الحداثة.
4- التشبّث بالمرجعية الفقهية القروسطية التي لم تجدد بعد، أي لم تتكيف مع روح قوانين العصر التي هي حقوق الإنسان التي تقدم حرية التعبير والتفكير والاعتقاد وتساوي بين جميع المعتقدات، وتعتبر كل قانون مناقض لها فاقداً للشرعية وجديراً فقط بأرشيفات تاريخ الأفكار. لقد بات لزاماً على جميع دولنا التي وقعت على مواثيق حقوق الإنسان التي صاغتها الأمم المتحدة أن تحترم توقيعها بإعادة تأسيس الفقه القديم على أسس حديثة تنقذه من ماضويته. وذلك يعني إصدار قوانين تكفل لجميع الاتجاهات الأدبية والفنية والفلسفية والعلمية بالتعبير عن نفسها، وبحرية البحث والشك والتجريب وتحرير العقل والخيال من جميع العوائق، على غرار ما هو سائد في القارات الخمس، فكل استثناء للذات من المكاسب الحديثة التي تتمتع بها جميع الذوات هو عنصرية ضد الذات.
5- الإسلاميون الذين احترفوا اضطهاد الفكر والإبداع هم في الواقع جلادون وضحايا في آن، جلادون لأنهم باسم الشريعة يطبقون شريعة الغاب على الثقافة والمثقفين فيصادرون حرياتهم ويهدرون دمائهم. ضحايا، لأنهم لُقّنوا في معظمهم منذ نعومة أظفارهم تعليماً دينياً قديماً وعقيماً لم يخصب بعلوم الحداثة من سسيولوجيا الأديان، تاريخ الأديان المقارن، الألسنية وسيكولوجيا الأعماق. مثل هذا التعليم غرس أو رعى في وعيهم كراهية الحياة والأحياء وتالياً الانغلاق على العصر أي تكفيره، وهم أيضاً ضحية إعلام لا يقل عن التعليم إياه في تخويف مستهلكيه من معانقة الحياة الحديثة كما هي: بوعدها ووعيدها.
حسبنا أن نعرف أن أحد المحامين الذي شارك في الإفتاء باغتيال فرج فوده كانت له حصة في التلفزيون المصري يطل منها بانتظام على ملايين المشاهدين لغسل أدمغتهم تحضيراً لهم ليكونوا قَتَلة وقتلى.




--------------------------------------------------------------------------------

الطباعة ارسل الموضوع لصديق

http://www.wataninet.com/article_ar.asp?ArticleID=3555