حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
علاقة الشرق غرب بين قنديل أم هاشم والحب في المنفى - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78) +--- الموضوع: علاقة الشرق غرب بين قنديل أم هاشم والحب في المنفى (/showthread.php?tid=2408) |
علاقة الشرق غرب بين قنديل أم هاشم والحب في المنفى - هاله - 11-06-2008 فريدة التقاش خمسون عاما أو يزيد قليلا تفصل بين رواية يحيى حقي " قنديل أم هاشم "، ورواية بهاء طاهر "الحب في المنفى " اللتين تعالجان نفس القضية أي علاقة الشرق بالغرب عبر قصة حب جارف بين رجل شرقي وامرأة غربية، إذ انها نادرة جدا تلك الروايات العربية التي تنهض على الموضوع العكسي : أي حب امرأة عربية شرقية لرجل غربي (...) ولأن العلاقة الاساسية التي تكشف الطابع الخاص لهذا الجدل شرق - غرب تتمثل أساسا في علاقة الرجل بالمرأة سواء في وطنه أو في تجربته الاوروبية بل أنها هي مفتاح علاقته بمحيطه كله هنا وهناك منها يطل عليه ، وعلى أساسها تتحدد مواقعه ورؤيته للعالم ولدوره واختياراته فسوف تكون هذه العلاقة هي محور هذا المقال . في "قنديل أم هاشم " نجد الامتثال المشابه للتقديس هو أساس العلاقة بين اسماعيل و"فاطمة النبوية " ابنة عمه اليتيمة الموعودة له من الأسرة بصرف النظر عن رأيها أو رأيه : "الحكمة عندها تتمثل في كلامه اذا نطق " . صحيح أن الحكمة ليست نابعة من جنسه كرجل ، فالرجال كثير، ولكنها منسوبة الى العلم الذي يتحصل هو عليه دونها. والذي تشقى الأسرة كلها للوصول اليه لدفع ابنها عبر التعليم الى أعلى الدرجات الاجتماعية . (يا الله ! كيف تحوي الكتب كل هذه الأسرار والألغاز، وكيف يقوى اللسان على الرطانة بلغة الأعاجم ؟). وكلما كبر اسماعيل في نظرها انكمشت أمامه وتضاءلت . . أما هو فان نظرته لها تنطلق من رؤية مسبقة جاهزة لجنس النساء كله باعتباره أدنى بطبيعته وليس لأنه محروم من تلقي العلم مثلما يتلقاه هو. ورغم أن السرد يتم على لسان صبي صغير هو ابن شقيق البطل . . الا أن صيغة التعميم تشي بتجذر هذه الفكرة اليقينية - عن دونية المرأة في التراث الثقافي للجميع كبارا وصغارا. "قد يعلق بصره بضفيرتيها فيتريث ويبتسم . . . هؤلاء الفتيات ! لو يعلمن كم هي فارغة رؤوسهن !! ولكنه يغير نظرته تلك للمرأة حين تجاهد أسرته وتقتر على نفسها لتوفده يتعلم الطب في انجلترا بعد أن عجز عن الحصول على الدرجات التي تساعده على دراسة الطب في مصر. وهناك يتعرف على امرأة من نوع آخر. كانت "ماري " زميلته الانجليزية هي التي فتحت له أبواب العالم الجديد، عالم الفرد المتحرر المكتفي بذاته القادر على هزيمة هواجسه وخرافاته . ويستحضر اسماعيل تراثه الحضاري العريق ، فيحقق بعد تحرره الجسدي والروحي تفوقا نادرا كطبيب عيون حتى أن أستاذه كان يمزح معه ويقول له - " أراهن أن روح طبيب كاهن من الفراعنة قد تقمصت فيك يا مستر اسماعيل ان بلادك بحاجة اليك ، فهي بلد العميان " . رأى فيه دراية كأنها ملهمة ، وصفاء هو سليل نضج أجيال طويلة، ورشاقة أصابع هي وريثة الأيدي التي نحتت من الحجر الصلد وهي تكاد تحيا !! ومع ذلك ورغم هذه الحضارة التي بقيت شواهدها قائمة على مر العصور فقد ظل عالم المصريين مقفلا وراكدا .. انه بحق " بلد العميان " ألم يحاصر الرمد عيون "فاطمة النبوية " ويعالجها أهلها بوضع نقاط من زيت " قنديل أم هاشم " الكاوي في عينيها كل مساء، وتقترب الفتاة من فقد بصرها لا فحسب دون أن تحتج وانما أيضا دون أن تعي أن ما يحدث لها هو تدمير منظم لقدرتها على الابصار يدفع بها تدريجيا في اتجاه العمي الكامل . ولكون المرأة هي الضحية الأساسية للتخلف والخرافة في مجتمع مازال الشكل الرئيسي للانتاج فيه ما قبل رأسمالي سواء كان زراعيا أو حرفيا تجاريا بدائيا مجتمع مكبوت ، فاقد للتنظيم والعقلانية المرتبطين بالتنوير والإصلاح الديني والصناعة..... . ينظر اليه اسماعيل بعد عودته من أوروبا كأنه يكتشفه لأول مرة بما فيه من جوع وقذارة ، مجتمع يعيد انتاج نفسه كما هي بالضبط "لعل كل والد أورث ابنه مهنته وصوته وموضعه في الميدان . . مساكين" " هؤلاء المصريون : جنس سمج ثرثار، أقرع أمرد، عار ، حاف ، بوله دم ، وبرازه ديدان ، يتلقى الصفعة على قفاه الطويل بابتسامة ذليلة تطفح على وجهه ، ومصر؟ قطعة (مبرطشة) من الطين أسنت في الصحراء، تطن عليها أسراب من الذباب والبعوض ، ويغوص فيها الى قوائمه قطيع من الجاموس نجيل .. يزدحم الميدان ببائعي اللب والفول ' وحب العزيز، ونبوت الغفير، والهريسة والسمبوكسة، بمليم . الواحدة في جنباته مقاه كثيرة على الرصيف بجوار الجدران ، قوامها موقد وابريق وجوزة، أجساد لم تعرف الماء سنين ، الصابون عندها والعنقاء سواء تمر أمامه فتاة مزججة الحواجب مكحلة العينين ، شدت ملاءتها لتبرز عجيزتها وطرف ثوبها وتحجبت ببرقع يكشف عن وجهها وما معنى هذه القصبة التي تضعها على أنفها؟ أف ما أبشع رياء هذا المنظر وما أقبحه سرعان ما بدأ الناس يتحككون بها كأنهم لم يروا في حياتهم أنثى ! هنا جمود يقتل كل تقدم وعدم لا معنى فيه للزمن وخيالات المخدر وأحلام النائم والشمس طالعة ". ومرة أخرى المرأة محور، فلا هي تحررت ولا الرجل لنفسه تحرر وعجز كل منهما عن الالتقاء بالآخر لقاء انسانيا حميما وحقيقيا فكان هذا الوصف القاسي لكليهما. "كأنهم كلاب لم يروا في حياتهم أنثى. . " " كان هو القادم من أوروبا ، من مجتمع شمسه طالعة قد تعرف على المرأة كحبيبة وزميلة وصديقة بل وقائدة له في الدروب الجديدة التي كان يجلها فهي بنت المجتمع الرأسمالي الناجح الذي تبلورت فيه الفردية والعقل الناقد " علمته ماري " كيف يستقل بنفسه ، بل وكانت هي التي فضت براءته الشراء، أخرجته من الوخم والخمول الى النشاط والوثوق فتحت له آفاقا يجهلها من الجمال : في الفن ، في الموسيقى في الطبيعة بل في الروح الانسانية أيضا. . قال لها يوما. سأستريح عندما أضع لحياتي برنامجا أسير عليه . فضحكت وأجابته : * يا عزيزي اسماعيل ، الحياة ليست برنامجا ثابتا بل مجادلة متجددة... يقول لها تعالي نجلس ، فتقول له : "قم نسير " "يكلمها عن الزواج ، -فتكلمه عن الحب ، يحدثها عن المستقبل فتحدثه عن حافر اللحظة، كان من - قبل يبحث دائما خارج نفسه عن شيء يتمسك به ويستند إليه : دينه وعبادته ، وتربيته وأصولها، هي منه مشجب يعلق عليه معطفه الثمين ، أما هي فكانت تقول له " أن من يلجأ الى المشجب ، يظل طول عمره أسيرا بجانبه يحرس معطفه يجب أن يكون مشجبك في نفسك " أن أخشى ما تخشاه هي : القيود وأخشى ما يخشاه هو : الحرية لقد عاونته "ماري " باخلاص حتى تحرر منها هي نفسها : تحرر من الوصاية وارتهان الارادة والروح أصبح لا يجلس بين يديها جلسة المريد أمام القطب بل جلسة الزميل الى زميلة.. وعاهد نفسه بعد كل الذي علمته له أوروبا -ماري "عاهد نفسه في حبه لمصر ألا يرى منكرا إلا دفعه ، علمته ماري كيف يستقل بنفسه ، وهيهات لهم بعد ذلك أن يجرعوه خرافاتهم وأوهامهم وعاداتهم ليس عبثا ان عاش في أوروبا وصلى معها للعلم ومنطقة علم أن سيكون -بينه وبن من يحتك بهم نضال طويل ، ولكن شبابه هون عليه القتال ومتاعبه .. " وتكون معركته الأولى ضد الخرافة مع أمه ومع قطرات، زيت القنديل التي تقطرها في عيني "فاطمة " التي تقترب من العمى، بل ومع القنديل نفسه الذي يحطمه اسماعيل في حالة هياج عصبي بعد أن كان قد صاح في وجه أمه : -أهي دي أم هاشم بتاعتكم هي اللي ح تجيب للبنت العمى، سترون كيف أداويها فتنال على يدي أنا الشفاء الذي لم تجده عند الست أم هاشم . - يا ابني ده ناس كتير بيتباركوا بزيت قنديل أم العواجز، جربوه سربنا شفاهم عليه احنا طول عمرنا جاعلين تكالنا على الله وعلى ام هاشم ده ، سرها باتع . -أنا لا أعرف أم هاشم ولا أم عفريت .. كان اسماعيل قد وضع كل ثقته في " العلم " دون أن يلتفت لضرورة أن يكون هناك ، مدخل للروح . . شيء يضع الناس ثقتهم فيه غير ذلك العلم الغريب على حياتهم القادم لهم من بلاد بره دون أن يعرفوا عنه شيئا، فكم كانت المسافة شاسعة بينهم وبين العلم .. أدواته ومناهجه ونتائجه ، هم الذين يعيشون على "السر الباتع لام هاشم ".. في مجتمع ما قبل رأسمالي لم يعرف لا العلم ولا الصناعة . إن الصدام في هذه الرواية بين الخرافة والعلم حتمي ومأساوي لأن الأخير لم يكن قد ضرب بأي جذور في التربة التي تعشش فيها الخرافة، لم تكن نظم الإدارة الحديثة أو الانتاج الرأسمالي الكبير - قد فرضت نفسها على مجتمع أخذ بالكاد يستيقظ من نوم القرون الوسطى . ويعود اسماعيل بعد رحلة قلق وضياع طويلة بعيدا عن البيت بعد أن كان علاجه قد أفضى الى عمى فاطمة بالكامل ويتعلم الصبر والثقة في مداواتها عن طريق العلم مجددا موهما اياها أنه يعالجها بزيت القنديل ليوقظ في روحها الثقة التي لم يجد إليها مدخلا آخر ويشحذ إرادتها التي تتكيء على الايمان المطلق بقدرة الست وقنسيلها مخاطبا فيها الشعب الذي أحبه لتصبح فاطمة رمزا لمصر كلها. " تعالوا جميعا إلي ! فيكم من اذاني ومن كذب على ومن غشني ، ولكنني رغم هذا لا يزال في قلبي مكان لقذارتكم وجهلكم وانحطاطكم وأنتم مني أنا منكم ، أنا ابن هذا الحي ، أنا ابن هذا الميدان لقد جار عليكم الزمان ، وكلما جار واستبد كان اعزازي لكم أقوى وأشد.. " . " فتتح اسماعيل عيادته في حي البغالة بجوار التلال في منزل يصلح لكل شيء إلا لاستقبال مرضى العيون ، الزيارة بقرش واحد لا يزيد ليس من زبائنه متأنقون ومتأنقات بل كلهم فقراء حفاة وحافيات " . وامتزج علمه الأوروبي بقوة الروح "كم من عملية شاقة نجحت على يديه ، بوسائل لو رآها طبيب أوروبا لشهق عجبا استمسك من علمه بروحه وأساسه وترك المبالغة في الآلات والوسائل ، اعتمد على الله ، ثم على علمه ويديه فبارك الله في علمه ويديه . . "كانت طريقته في شفاء " فاطمة" التي تزوجها وأنسلها خمسة بنين وست بنات توحي له بالطريقة التي يمكن أن يوقظ بها شعبه .. أن تنفذ الى أعمق أعماق روحه .. دسن أن يفكر أبدا في تعليمه . "هذا شعب شاخ فارتد الى طفولته لو وجد من يقوده لقفز الى الرجولة من جديد في خطوة واحدة، فالطريق عنده معهود والمجد قديم والذكريات باقية.." . انه يتطلع الى عالم يستطيع فيه المصريون أن يحافظوا على قيم الأخوة والتضامن والتفاني والعطاء وسخاء الروح ويدخلوا الى عصر الفردية والحرية والعقل في ذات الوقت لتحل الثنائية القديمة بين روحانية الشرق ومادية الغرب ، بين القلب والعقل بين المرأة والرجل . . بين القديم والحديث بين الأسرة والفرد . تساءل اسماعيل في أوج حيرته . هل في أوروبا كلها ميدان كالسيدة زينب ؟ هناك أبنية فخمة جميلة، وفن راق ، وأناس وحيدون فرادى، وقتال بالأظافر، والأنياب ، وطعن من الخلف ، واستغلال بكل الوسائل مكان الشفقة والمحبة عندهم بعد العمل وانتهاء النهار يروحون بها عن أنفسهم كما يروحون عنها بالسينما والتياترو..". ولكن لا . . . لا .. لو أسلم نفسه لهذا المنطق لأنكر عقله وعلمه . . فمن يستطيع أن ينكر حضارة أوروبا وتقدمها، وذل الشرق وجهله ومرضه ، لقد حكم التاريخ ولا مرد لحكمه ، ولا سبيل الى أن ننكر أننا شجرة أينعت وأثمرت زمنا ثم ذبلت . .". يتصالح اسماعيل مع واقع الإيمان الأعمى وينزلق اليه وقد تلاشت "ماري " لتبقى "فاطمة " التي خرجت من العمى لتدخل في سباق الانجاب الكثير وتتلاشى بدوها كامكانية للتحرر من نوع آخر . . وكأنما بقيت المرأتان كرمزين للعالمين في مكانهما دسن أن تراوحه واحدة تحررت في سياق تحرر مجتمعها وأخرى تسلسلها العبودية في سياق تخلف مجتمعها. . يتبع .. علاقة الشرق غرب بين قنديل أم هاشم والحب في المنفى - هاله - 11-07-2008 الحب في المنفى يتحدث بطل الحب في المنفى عن نفسه قائلا: كنت مراسلا لصحيفة لا يهمها أن أراسلها .. ومن قبل كان قد أصبح مستشارا في هذه الصحيفة بعد أن ركنه نظام السادات ، ولكنه المستشار الذي لا يستشيره أحد. وهكذا نشأت العلاقة بين بطلنا و"بريجيت " على خلفية من الانكسار الشخصي والعام فالبطل أيضا مطلق فشلت قصة حبه وتحطمت على صخرة التحول القاسي في المجتمع وهي أيضا مطلقة فقدت طفلها من زوجها الافريقي الأسود " البرت " - بضربة من الشباب العنصري المعادي للسود وللعالم الثالث . "أنا مثلك مطلق وأسرتي تعيش هناك ". والعلاقة قتناقضة من البداية، فهو كهل وهي صبية يمكن أن تكون ابنته "قد اشتهيتها اشتهاء عاجز كخوف الدنس بالمحارم ..". ولقد تحابا في الخريف والتقيا لأول مرة في مؤتمر صحفي نظمته جمعية طبية لحقوق الإنسان تدافع عن الذين يتعرضون للتعذيب في العالم الثالث . . ونعرف فيما بعد انهما معا يتجذران في الثقافة التقدمية "خريف من هوإذن ؟" "كيف غاب عن عيني هذا الخريف الجميل الذي بدأ هذا العام مبكرا عن موعده ..." "كنت يومها أطفو فوق تلك الموجة سعيدا ومغرورا - اني أنا -هذا العجوز، قد أحبته هي تلك الصغيرة الجميلة ..." وعلى المستوى الرمزي سيكون الراوي هو الشرق القديم العجوز مريض القلب ومقطوع اللسان لأنه ضحية الاستبداد في بلده . . "أ نتهى عمري ولكني أحبك وكأني أبدا هذا العمر.. ". وستكون "بريجيت " هي أوروبا الجديدة أوروبا المستقبل البعيد المتحررة من التمركز على ذاتها الخالية من العنصرية والتعصب . ان لبريجيت قصة حب مجهضة مع مناضل افريقي ضد الديكتاتورية، عرفته وأحبته أيضا عن طريق الثقافة التقدمية . "لم أعرف البرت في المرقص لكني عرفته في المكتبة كان يعد رسالة عن لوركا" . وعلى امتداد الرواية لن تكون أوروبا شيئا واحدا ولا مختزلا تماما كما أن - الشرق أومصر ليسا شيئا واحدا أو كتلة متجانسة، كل أمة هي أمتان على طريقتها وان كانت الأمة المهيمنة أقوى بما لا يقاس هنا وهناك . سوف نتعرف على "برنار" الصحفي التقدمي القادم من أصول عمالية الذي يملك الشجاعة لانتقاد اسرائيل والصهيونية رغم التحريم العام والحماية المفروضة ضمنيا عليهما حتى بعد أن تبينت الحقائق المرعبة حول مذبحة صبرا وشاتيلا "فهي الصحفية الوحيدة على ما أظن التي تشن حملة على استخدام اسرائيل للقنابل المحرمة دوليا ضد المدنيين في لبنان " . وهناك "ماريان اريكسون " الممرضة النرويجية التي عملت مع الفلسطينيين في المخيمات وشهدت المذابح . "مع المدفعية الثقيلة التي كانت تدك البيوت والأرض تحولت معظم هذه المخابيء الى مقابر لمن لجأوا إليها، وكانوا يتكدسون بالعشرات أطفالا ورجالا ونساء في هذه المخابيء ، رأيت واحدا منها وقد تحول الى بحيرة صغيرة تطفو فوقها رؤوس ، وسيقان وأذرع واستطعت أن أحمي الجثث الطافية..." وحين يسالها الصحفيان لماذا ذهبت الى لبنان تقول : "بعد أن سافرت كممرضة عادية أول مرة ذهبت بعد ذلك لأني لم أصدق ما رأيت لم أصدق أن شعبا بأكمله يمكن أن يكون مباحا للقتل ، وأن يكون دمه رخيصا الى هذا الحد. . مازلت حتى الآن لا أصدق أن كل هؤلاء الآلاف يموتون لأن ، هناك شخصا واحدا ضربه مجهول بالنار في لندن .. أنا لم أنجب أطفالا وكانت في نفسي غصة لذلك ولكن عندما شاهدت عذاب كل الأمهات هناك وكل هؤلاء الأطفال ". . تجرى عملية استدعاء تاريخ الصراع بين أوروبا وذاتها لتبرز لنا أوروبا الأخرى فنجد " رالف " اليهودي الامريكي المعادي للصيونية الذي يشارك في مظاهرة العرب ضد المذبحة ويخطب فيها. "كنت أول من دخل صبرا بعد المذبحة إن أبي أيضا قد قتله هتلر في أوشفيتز ولكن عندما رأيت ما حدث في صبرا وشاتيلا عرفت أنه مات مرتين ، لأن - من أبيدوا في صبرا وشاتيلا هم أيضا ستة ملايين . . ويحدث استدعاء آخر للصراع القائم في الزمن المضارع على أشده فنجد أنطوان النائب الاشراكي - والاستاذ الجامعي الذي ظل على مدى سنوات ينشر كتبا ومقالات عن استغلال الغرب وشركاته الكبيرة لبلاد العالم الثالث كان يقول دائما أن البلاد الفقيرة تدفع ثمن رفاهية البلاد الغنية ويثبت ذلك بالأرقام والاحصاءات وعقب كل كتاب له كانت الشركات ترفع عليه قضايا واعتدت ان أجد في صندوق البريد منشورات غير موقعة تطالبني بالحاح بألا أعيد انتخاب هذا النائب للبرلمان ..." وعلى الجانب الآخر من الشرق أو في الوطن العربي سوف . تحكي لنا الممرضة النرويجية في الماضي القريب عن "غسان حمود" اللبناني صاحب المستشفى - الخاص في الجنوب اللبناني "قال لي هذا مستشفى خاص له سمعته ومرضاك قذرون للغاية . . لابد لي أن أحافظ على سمعة المكان . . ولم تنفع معه أية محاولة فعدت بمرضاي وتركتهم أمام باب المستشفى الحكومي . . " . وزمن آخر للاندماج بين رؤوس الأموال فنجد الأمير النفطي "حامد" الذي يمتلك المليارات ويعيش في قصر منيف في هذه المدينة الأوروبية الساحرة ويشارك رؤوس الأموال اليهودية في تجارة الخيول العربية "في الواقع يا يوسف إن أميرك هو أكر شريك لدافيديان الرأسمالي الصهيوني المهاجر من مصر". ولكل من الراوي وبريجيت طفولة تعيسة ولكن التعاسة نسبية فقد كان فقر الراوي ، الناصري ابن فراش المدرسة شأنه شأن غنى صديقه الشيوعي ابراهيم المحلاوي نقمة عليهما تركت ندوبها في روحيهما . ودفعتهما معا للبحث عن خيارات أخرى عن مستقبل آخر. ولكن تعاسة "بريجيت" تعود لتعلقها بأبيها ومعرفتها بوجود عشيق لأمها، وعجزها عن بسط حمايتها على الأب من طغيان عشيق الأم" مولر" المفتون بذاته والمنغمس فيها والذي ينهض في هذا النص كمعادل لأ وروبا المزيفة التي تتباهى بحضارتها وانسانيتها. تتحطم تجربة الحب على صخرة تواطؤ الرأسمالية العربية النفطية الشرسة مع الرأسمالية الأوروبية فتطرد بريجيت من عملها وتستدعي الجريدة الراوي الى مصر لأنها ستغلق المكتب من باب التقشف . . ويعود كل منهما الى بلده بعد أن عاشا معا تجربة حب للمستقبل تنحل فيها كل الثنائيات وتنشيء التناقضات واقعا جديدا. وسوف نكتشف في مقارنتنا بين الروايتين العلاقة بين الحضارتين ان -الفارق بينهما ليس زمنيا فقط بين منتصف القرن ونهايته ، ولكنه أيضا فاسق فكري ورؤيوي ومعرفي وجمالي ينعكس على بنية الروايتين وموقف الكاتبين برؤيتيهما للعالم ، وعلى الأخص صورة امرأة الشرق وامرأة أوروبا. يقع الزمن الروائي في قنديل أم هاشم في مصر معظم الوقت على العكس من الحب في المنفى وأوروبا عند " يحيى حقي " هي بلاد برة هي الأخرى بصورة مطلقة تتسق مع السرد الخطي الذي يتم على لسان الطفل الصغير ابن شقيق البطل الذي يحكي حكاية عمه من الطفولة حتى الموت .. ويتبادلان الحكى هو واسماعيل على العكس من " الحب في المنفى " التي تتعدد فيها الأصوات ، تعددا هائلا يغني الأفكار الجديدة التي تنطوي عليها الرواية حول علاقة الشرق بالغرب . وبينما تتقدم مصر على طريقة السلحفاة فان الشمال الغني يقفز قفزة هائلة ان يكاد تساؤل الراوي في قنديل أم هاشم - " ما هذا الظلم الخفي الذي يشكون منه ، وما هذا العبي الذي يجثم على صدورهم جميعهم . ." - أن يتكرر بحذافيره وربما بنفس الألفاظ حين يقف الفتى للأ ابراهيم له بيى الأغنياء الريفيين وقفة مشابهة ويتساءل أيضا عن الظلم وامامه فلاحون يتعرضون لأنواع الاستعباد والقهر والنصب وهم مذعورون . جاءتنا "ماري" في قنديل ام هاشم مكتملة فردا حرا كامل الحرية جاءت نموذجا دقيقا لامرأة بل لانسان أوروبي أطلقت الرأسمالية والتنوير والعقلانية طاقاته وسلحته بالعلم والإرادة الحرة بينما بقيت فاطمة حتى بعد أن عالجها اسماعيل وتزوجها رحما للانجاب الكثير لايريد أن يرى وجه فاطمة لمه أو يسمع صوتها، فاطمة ضحيته ومع ذلك لم تثر، لم تشك لم تلمه أسلمت إليه نفسها عن رضا، تسبب لها في التلف فما قالت لذابحها تريث ، وتأتي "منار" التي تمردت على أرث فاطمة والقهر الذي تعرضت له ودافعت عن حرية المرأة وأحبت وتزوجت من اختاره قلبها لتعود في آخر رحلتها وتضع الحجاب متنكرة لكل ما دافعت عنه ، تحملها موجة النزوع السلفي والعودة الى الماضي شأنها شأن ابنها اللامع لملاخالد" الذي يمنع أخته من الذهاب الى النادي ويقول ان " الشطرنج " حرام في بلد تهيمن عليه التبعية والرأسمالية الطفيلية وترز فيه النزعات المحافظة والمعادية للعقل . أما بريجيت حفيدة "ماري" التي حققت حريتها وتكاملها الانساني في اختباراتها الصعبة فانها. تنضج فاذا كانت الرأسمالية قد حررت "ماري" الى الأبد فانها قذفت بها الى ما يمكن أن يهدد انسانيتها من "فراغ الروح" ذلك الفراغ الذي تملؤه (بريجيت) بقصص حبها المجهضة لكن المفتوحة على المستقبل الآخر للبشرية الذي تتحطم فيه السدود بين الشعوب وتتحاور الحضارات ، حوارا نديا أساسه الحب والمساواة وتنحل ثنائية الشرق والغرب الروح الجسد المرأة الرجل ليبرز الانسان غنيا ومتنوعا متضامنا ومحبا حين يكون تجاوز هيمنة رأس المال والعنصرية والاستغلال امكانية ولو صغيرة لكنها مفتوحة للمستقبل ، في قنديل أم هاشم لا نجد سوى مصر واحدة متجانسة جاءت من الأزل سوف تبقى الى الأبد، ويبلغ هذا ا لتجانس المفعم بالحنان ان اسماعيل ينظر الى البشر في الميناء وهو عائد الى مصر بعد الغربة ليرى" خواننا المحتلين". كذلك فان أوروبا هي واحدة متجانسة هي "ماري" وذلك على العكس من الحب في المنفى "حيث مصر هي اثنتان وكذلك أوروبا التي ينشأ فيها جنين الحب الجديد. في العلاقة بين "اسماعيل" "وماري" تلعب ماري دور القائد اسبر الشجاع ولا يحدث العكس في علاقة راوي الحب في المنفى مع "بريجيت" بل إن في هذه العلاقة نسية وانسجاما بل وتجسيدا لشباب ذلك العجوز الذي يعشق فتاة له ضعف عمرها، وتنهل الحب في المنفى من النبع الثري للعلوم الحديثة من علم النفس للسياسة للاجتماع وتوظف هذه المعرفة توظيفا جماليا وتعليميا بينما تنصب المعرفة في قنديل ام هاشم على خبايا الروح المطلقة اتساقا مع رؤية كاتبها وفلسفته المثالية الرومانسية التي تقف على الطرف الآخر للرؤية الواقعية لـ"الحب في المنفى" وقد انعكست هذه المنطلقات على بنية اللغة واستراتيجية السرد والعلاقات الداخلية لكل من الروايتين وهذا موضوع آخر . ويقع يحيى حقي في أسر الصورة التقليدية التي راجت في ظل ثقافة مليئة بالتحيزات ومديح الذات "العفيفة" في الشرق فيطلق الحكم المعمم التالي على لسان الكاتب لا البطل ولا الراوي : "نساء العصر الحديث! كم ذا يواجهن الاحتمالات بقلوب ثابتة شجرة الحياة أمامهن مثقلة بالثمر منوعة لهن شهية مفتوحة فلم اليأس والبكاء على ثمرة والشجرة مفعمة؟ وهو يجرد هذا الحكم من واقعيته وملموسيته حول تجربة إسماعيل مع ماري لتكون كل نساء العصر الحديث من وجهة نظره مقبلات وراغبات في اقامة علاقات جنسية متعددة في آن واحد بصرف النظر عن الحب ويصبح الجنس المجرد من المحتوى الانساني والعاطفي وكأنه هدف قائم بذاته . بينما تدلنا التجربة الواقعية الملموسة "بريجيت " و"البرت" في رواية بهاء طاهر على العكس تماما ومن بعدها علاقتها بالراوي ان للجنس محتوى انسانيا وليس مجرد علاقة ميكانيكية عابرة ، هما روايتان علامتان دالتان كل بطريقتها تعالجان بتقنية عالية معضلة ما تزال قائمة وسوف تبقى لزمن قادم هي علاقة الشرق والغرب على مستويات متعددة. http://www.nizwa.com/volume9/p103_107.html |