حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
مذكرات على خارطة الشمس \ قصة \ - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78)
+--- الموضوع: مذكرات على خارطة الشمس \ قصة \ (/showthread.php?tid=24443)



مذكرات على خارطة الشمس \ قصة \ - داليا - 09-18-2005

جلست في محراب ذكرياتها تستجمع الأسى الذي هيّج أمسها , جلست في محراب عينيه تستعيد بقايا الوهم العاثر
يتآكلها الغد إلى متى ؟ كيف ستلقى المصير
جلست و الليل بتهافت أنقاض مساء ....
جلست و الحنين ينظر إليها من زاوية الغد ...كيف لها أن ترمي أثقال الوهن و تتابع حياتها دون زيف أو خوف تائه
كانت تتمنى أن تهفو لمرتع النجوم , لمرتع الخيال و أن تزين زهرة زمردية تعبها الواهي
كيف ستبدأ ....كيف ؟
في حكايا الليل تبزغ الأحلام ,و في أحضان الأساطير يغفو الواقع .
جلست تنادي الحياة ....تعال أيها القدر داعب مخيلة الغياب , داعب ما أرقته السنون في عينيّ
على قارعة القدر يتوقف الزمان برهة , يمزق رسائل الشمس و يغزل ألف خيط و خيط من أسطورة الخيال
على قارعة الحنين تعود أغاني الزمان القادم و أغاني زمان لم يلمسنا
تعود بنا أهازيج العشق إلى حالة من اللا وعي الشارد ..الذي يقارب دقائق صمتنا
سفر المذكرات يفتح ملذاتنا اليومية ننفتح على أنفسنا ككتاب يخاطب قارئه ينتظر رحيل أنفاسه كي يشق عباب السماء
رحل الحنين , رحل المطر ..عادت أرض الواقع
جلست في زاوية تعقد أفكارها ضفيرة لوّحتها الشمس بأطياف قزحية الملامح , لوّنت قلبها بمارد العشق و جلست في كهنوت الليل تمارس طقوسها الوردية , جلست و القمر يلازم سكونها النفسي....
على حرير النفس قضّت سكونها و كتبت لعين الشمس أغنية ..ترحل بها إلى عالم الأرواح و عالم لا خيال فيه سوى الإله
مزّقت آلهة يوما عشقتها , كانت قد ظنت أنها بشر لكنهم كانوا صورا تختلف ملامحهم من وجه لآخر
سهم الغدر يصيب قلب العشق , يلّوح وجهه بالخيانة الماثلة أمام عينيه, تتجمد النظرات أمام وهج اللحظة أمام بشر لا يفقهون من الصدق شيئا
مزّقت تماثيل عشقها ....خلعت أثواب وثنيتها , و اتجهت لشمس لا تغيب ..لشمس لا تعرف الخيانة ..لشمس الحقيقة ..لشمس الغد
لملمت شتات نفسها , بعثرت مآقيها , بعثرت الليل و الغد و الشمس
قررت أن تهاجر لأرض لا تعرفها , لشمس لم تطأ جسدها ...لحب لم يقارب قلبها
سترحل ...ستنطلق من أول نقطة في الكون قد تحدد مسار قدرها
كانت قادمة من ليل الأعاصير , و هولا يدري من أين أتى ؟
مزّقتها الآلام ...تمرّدت على أحضانه , و انشق الفجر من عينيها لآلىء دمع أضاءت الماضي
خرجت من شرنقة الغياب , حزمت حقائب الوله و اتجهت صوب حقيقية لا تغيب , صوب شمس لا تغيب ...هو القلم
ستكتب فلن يطالوا أعناق حروفها . لن تطال المقصلة أفواه كلماتها
لن يمل النور جسدها , خلف أوهام الوجع عرّّّشّت ذاكرتها , خلف أوهام الأمس ترعرعت ..
بدأ قلبها الواجف ينبض حين تلمست شطآن الأمس , أحصت رماله و غرقت في دوامة اللا وعي...
كيف تبدأ .......؟
أذهلها هذا السؤال ....قررت أن تطأ بقدميها مهاد ذاكرتها ..أن تمشي على أمسها , أن تعبر فوقه , أن تعبر جسوره لا أن يعبرها
وضعت أولى خطواتها باتجاه فجر الخطيئة ...فجر الحرية الذي قد يأتي و قد لا يأتي
حزمت أنفاسها الأخيرة , جمعتها في قارورة عشقها الأنثوي الجديدة
حزمت أنفاس اللحظات الثملة في جسدها , عطرّت بها روحها المسكينة
عليها الرحيل من جدران ضاقت على حضورها
خطت آخر كلماتها على ورقة بيضاء ..سأرحل......
سترسلها إليه بعد رحيلها عن الأرض التي قتلتها , انطلق صوت أناملها على الورق , بدأت الصفحات تئن و حروفها تضعف ..لكن قلبها كان يزهو على الورق
حررت نفسها من ضعفها , كانت تغادر أرض عشقها
سترسل قصتها إليه و ليبقى هو سجين أوراقها و كلماتها
كان تأثيرها عليه طاغيا , حين يكون جليس روحها بين ثمل السطور التي تخطها , لا تدري ماذا سيكون موقفه حين يعلم ما فعل بها ..؟
هل سيبكي ......؟
لا تدري .....
بدأت تخط أولى حروفها المقعدة الأماني ..
كان رجلا من فيض الغيب قد أتى مكللا بنسيج الأمل , أما هي فتاة تلثغ أولى حروف أبجدية الحياة
علّمها أبجدية العشق و صفعها بكف الخيانة ..تسلّل لقبلها كأوراق الخريف التي تسقط على أرض عارية ...
كساها كفصل من حياة فارغة فكان مهد ذكرياتها ...
كانت تعمل في مقهى لا يلوح فيه سوى وجوه الأدباء و لشعراء و المثقفين الذين تجاوزوا سن الأمل , في بلد عربي لا يفقه فن صناعة الحلم ...
كانت ابنة رجل لا يعرف من الحياة سوى رغيف الخبز اليومي , كان قد توفي و هي لازالت في سرير الأمل
كانت قد أنهت دراستها الجامعية لكنها لم تجد بعد فرصة عمل سانحة لها , سافرت خارج وطنها كي تعيل عائلتها , كانت تعمل كساقية في مقهى صباحي أفضل من أن تفقد آخر ما قدر لها من كبرياء و عزة بالنفس .
أتى إلى ركن هادىء رجل لم تره من قبل . كانت تحاور رجلا آخر كان طاعنا في السن حول ما يريد ارتشافه ..
أشار إليها ذاك الغريب من بعيد دون أن يرّف له جفن و هو مغمض عينيه نصف إغفاءة و الجريدة تغطي القسم الأعلى من صدره .
عملها يقتضي أ تسرع تلبية لحاجة للزبون , ذهبت إليه و هي تمقت تصرفها اللا مبالي . طلب منها أن تحضر له فنجان قهوة دون أن يرفع وجهه عن الجريدة . أجابت طلبه على الفور و أغفلت عجرفته عن ناظريها , وضعت فنجانه على الطاولة دون أن ينظر إليها
تأملته ....وجه قاس الملامح لكنه أنيق المظهر ..رجل بمعنى المقاييس الشرقية . بدأت تغادر حين رفع عينيه إليها قليلا كان الليل يلّوح سواد نظرته تلك.
ارتجفت من قوة حضوره و من نظرته الثاقبة التي كادت أن تلامس وجهها , غادرته بصمت و أدرات ظهرها له و ذهبت إلى طاولة أخرى.

كان لا يزال يتابعها بعينيه و هي تتحرك بين الحضور اللاهث الى التشدق بما يملأ به آذان الغير , كانت تلك حقيقة مقاهي الصباح الصاخبة , يجتمع فيها الناس . كانت كفجر أوطان لاهثة نحو المغيب .
كان قدرها المجهول الأهازيج المحمّلة بالغيوم , كان قدرها وجوه لا تركها و شطآن لا تدنو منها.
كانت تسير في خطى متثائبة حين غادرت المقهى إلى منزلها مساء .
كانت تفكر في شرق لا يفقه فن صناعة الحلم , كيف اضطرتها ظروف الحياة أن تغادر وطنا خانها عندما لم تجد فيه فرصة للعمل .
كانت تتذّكر هموم الدراسة الجامعية , كانت تريد فقط أن تخرج للحياة من شرنقة الغياب , فكم من المرّات التي تقدّمت بها إلى فرص للعمل في وطنها الأم و كيف لم يتم قبولها لأنها لم تستطع تأمين الرشوة المناسبة لهذا العمل الجليل , إما النفوذ أو النقود أو أن تسلك طرقات نهايتها الرذيلة .
الغربة مؤلمة ..من الصعب أن تسير في طرقات لا تدركك ..لم تشاركك الطفولة , لم تلامس أحزانك يوما .
كانت غيوم الحياة تتسلّل إلى قلبها ببطء و الليل يبلل دموعها و يتثاءب لأحلامها المقعدة
كانت تفكر في والدتها التي تركتها خلفها تعاني الوحدة مع طفلين لا يزالان على مقاعد الدراسة الأولى . تذكرّت وجه والدتها حين أخبرتها بقرارها بالسفر للخارج . بكت حينها أمها بشدة فزادت دموعا من سواد ثوبها وكحّلت ثوبها الواجف الذي يرتجف من القلق على طفلتها الصغيرة , لكنها كانت قد أعدّت العدة لتنطلق نحو حياة جديدة .
كانت في ارتباط الحياة بالمجهول و بالقدر و في حتمية الوجود ....
و كيف تسوقنا الأقدار إلى بلدان لا نعرفها , تضم وجعنا المرهق
جدلية الحياة أرهقتها و أرّقت سنين حياتها الأولى ..
لم تكن تدرك كيف عليها أن تلاقي الغد ..كانت تحسبه يوما أخرق في جدول المصادفات الذي لا ينتهي .
كم تمنت أن تحفر في الأرض أناملها طريقا يسير عليه التائهون من بعدها , لكن جدول الٌقدر الأحمق ضاق على أمنياتها و رماها في مهملات الآخرين .
كانت قد نسيت قلبها في وطنها الأم , كانت تفكر في حياة أخرى لا تعرف وجهها البائس ..لا تقارب نيران موقدها الخافت .
رمت ورقة يوم آخر في جدول المصادفات ..و اتجهت الى عملها الرتيب الذي يتكرّر كزبد الموج الذي يتلاطم في ذاكرتها
بدأت صباحها الشرقي وكانت قد جعلت النيران تأكل ضجرها و الليل ينشب أظفاره في خوفها .

دخلت بهو المقهى و كانت الأفكار تتقاذفها من شرفت الطفولة حتى شرفات الحاضر ...هل غادرها الأمل ..؟
كان وجوه الرجال الذين تلقاهم في المقهى جافة لا حياة فيها ...لكن اليوم استوقفتها نظرات غريبة سمرّتها في مكانها ..جعلتها تشرد فيهما كثيرا , كان يلاحق بنظراته عينيها التائهتين ...أشاحت وجهها عنه و تساءلت من يكون ؟
أكملت عملها و هو يتابعها بعيني نسر ينتظر الانقضاض على فريسته ...كانت قد تعودت على تلك النظرات الفضولية لذا ام تعره اهتماما
كانت تسير بين الطاولات تنصت للثرثرات القائمة بين الشعراء و تضحك بسخرية ..للأحاديث المتداولة
كانوا ينتقدون بعضهم البعض بشكل لاذع ينتقص من قيمة الآخر , فكرّت لما الغيرة فلو لم يكن للأديب مقومات الشهرة لما كان استحقها يوما.
لكن للأسف نحن شرق لا يدرك فن الحوار , نعرف فقط انتهاك حرمة الآخر بتسويق الشائعات عن حريته الشخصية ...تساءلت لما لا يلتفت كل منا إلى همومه اليومية لكنا تقدمنا و لاختلفت تسمية أوطاننا من دول العلم الثالث أو الدول النامية كنوع من تخفيف لوطأة الكلمة , كم هزّتها تلك التسمية أثناء مطالعتها لها على صفحات الاقتصاد السياسي , كم كانت تذهلها الأرقام التي تدل على مدى مديونيتنا للغرب ......
لو أننا كنا مدينين لدولة صديقة لا فرق ...لكن مديونيتنا كانت لمن يمرّغ رؤوسنا في التراب
ابتسمت ابتسامة شاحبة لهذا الفكرة , فوجدته يبتسم لها ابتسامة مماثلة
. أشاحت وجهها عنه مرّة أخرى ..من يكون ؟ . انه رجل غريب ...واثق المظهر برجوازي , يستسيغ الحياة بملعقته الذهبية , ما قد يهمه من رغيف الحياة و أطنان القمح و مديونية العرب للغرب و أمها الجائعة .., ما قد يؤثر فيه هو رجل ممتلىء بالنقود التي تدفأ قلبه.
عاد قلبها يناور و يسترق النظر إليه دون أن يستأذنها . كان يشرب سيجارة و قداحته الذهبية تلمع في أشعة الشمس الغافية على أنامله الجميلة .
ما قد يهمه ..استدارت لتنهي عملها ...؟
كانت معدلة رغيف الخبز مقابل السلام في الشرق تضحكها , كانت لا تفقه من شرقها هذا التناقض , أن يحني هامته لعدو يحتل أرضه وكان يوما سيد العالم ...هو مهد الحضارات و الديانات السماوية .
لا تدري فلا حلول لهذه الأزمة في الشرق , فالغرب يريد أن يزيلنا عن وجه البسيطة و نحن بكل بساطة نعطيهم المفتاح لضعفنا و تشتتنا و لكي يحكموا السيطرة على أوطاننا . للأسف شرقنا بلا حلول فقط بآمال معلقة تنتظر قدوم الأجيال القادمة .
ما ذنبنا أن نكون جيل الهزائم النفسية و الوطنية , ما ذنبنا أن نكون جيل الخوف و الرشوة و الفساد و البيروقراطية ..ما ذنبنا ..؟
أن تحيى دون أمل في التغيير هو انتحار صامت لوجودك في الكون .
خرجت من المقهى و أشعة الشمس تحاول أن تودع الكون , كانت تذوب في أحضان البحر و هي من يحتضنها ..لا أحد ؟
تمنت أن تأخذها معها في رحلة أبدية لا عودة منها .....سرت دمعة وحيدة على خدها المتورم من الحزن ...فلا أحد يجفف شجنها
لم تكن قد أنهت أفكارها دورتها حتى أحست بهدير سيارة يتوقف خلفها . أسرعت الخطى ...سمعت صوت اغلاق باب السيارة و خطى تسرع خلفها ...
كان رجلا طويل القامة يستوقفها قائلا :
آنستي لو سمحت ...
نظرت إلى عينين لم تفقه منهما شيئا سوى التمني القارس و الذهول الحذر...
أجابته : نعم ....
لقد رأيتك صباحا في المقهى و قد استوقفتني كثيرا و أنا قليلا ما ألتفت إلى فتاة ...
ضحكت بسخرية : من يظن نفسه
تابع قائلا : يوجد فيك سحر خاص ..
سكت برهة و تابع قائلا : هل لك ِ أن تخبريني من تكونين ..
صمتت ماذا تقول له من هي ...لما لا يجيبه القدر من تكون ,كيف أتت إلى هذا البلد الصاخب بالحياة الفاقد لمعنى الراحة .., كيف لهذا المكان من العالم أن يتدفق ليل نهار دون ارتياح ؟
كيف له أن يسكنه هوس الشهوة لهذا الحد ...شهوة اغتنام اللحظات , شهوة اغتيال ضوء الملذات ...
كيف تخبره أنها أتت من وطن يئن من الفقر ؟
كيف تصف له التناقض الصارخ بين الواقع الذي عاشته و بين الواقع الذي تعيشه اليوم ...كيف أن حبها لشاب تعتبر خطيئة في وطنها ؟
كيف تخبره الفرق بين وطنها المدقع الآمال و بين هذا المكان الذي يعتمد اقتصاده على فن صناعة الجسد و السياحة
لن تخبره فسوف يعتبرها ساذجة لا تدرك من الحياة سوى أوراق التوت التي تستر عورة جهلها , لا تعرف من الحياة سوى أوراقها الصفراء التي تسقط على واحة قلبها .
أمسكت معطفها بارتباك بعد صمت طويل ...و تململت قليلا ...
كان يحاول أن يسبر أغوار عينيها ...لمس بأنامله ذقنها بحنان
فابتعدت عنه بخوف و أجابته : أنا غريبة عن هذا البلد يا سيدي
فابتسم لها قائلا : الوقت متأخر هل تسمين لي أن أقلك
أجابته : لا أشكرك الدرب قريب
أكملت طريقها و وقف يتأملها بهدوء ..يفكر فيها , ما بال تلك الفتاة الحزينة .
ذهبت إلى منزلها ..فتحت الباب ببطء فوجدت قطتها البيضاء الصغيرة تنتظر عودتها ..داعبتها قليلا فهي رفيقة وحدتها في ليالي الأرق الباكي.
كانت قد وضعت صورة لعائلتها قرب سريرها , و في درج واه وضعت صورة لشخص تمنت لو أنها لم تقابله يوما ...فتحت الدرج نظرت إليه ..إنه قابع الآن في أحضان أخرى
خاطبت نفسها قائلة : هنيئا لك يا سيدي ها أنت تعلقني وساما آخر على معلقة نصرك ها أنا غبية أخرى يحظيك بها القدر لتلهو بها قليلا وترمي رفاتها بعد ذلك .....
لديها قلب مجروح و دمه دام يهطل على وجنتيها , يستقر بمحاذاة شفاهها ...يحرق ذاكرتها و يشعل فتيل الألم في قلبها
عادت إلى العمل صباحا و في قلبها ارتياح جديد يحبو على شرفات الفجر بعد ليلة أمضتها في أرق باك .
يبقى للذكرى ندوب في اللا وعي تعود فتبرز على ملامح وجوهنا عند أول مواجهة لنا مع الحرمان .
لا نستطيع أن ننظر لوجهنا المشوه الذي تركناه وحيدا يجالس حزننا , نحاول هجره لنستطيع مواصلة الحياة .....
سارت في أشعة ضوء خافت يتسلل من غيوم الشتاء , احتضنها النور قليلا و أدخل لقلبها الدفء و أشاح عن وجهها وردة الاغتراب .
كانت ترتاح لشمس النهار , كانت تشعر أن روحها تشبه شمس الشتاء عندما تخترق أشعتها الغيوم الغارقة في الأزل .
كانت تشعر بتبشير جديد , بأمل جديد يحبو على شرفات الغد بعد أمس اختنق من الماضي .
كم تمنت أن تركع لتعترف أمام مذبح ذاكرتها ؟
كم تمنت أن يأتي من يستأصل عنق أوهامها ...., و يسرّي فيها شريان الحياة . كانت الشمس بالنسبة إليها شريان الحياة الدائم الدفق , و الذي لا ينتهي رغم الليل الذي يغادرها دون أدنى التفاتة أو حنين .
لطالما كانت ترسم على لوحة وجهها المشّوه و تخاطبه و تجلده و تؤنبه إن أصرّ على النحيب ..
في داخل كل منا هذا الوجه الذي لا يظهر لنا إلا عندما نواجه أحزاننا على مذبح اعترافنا .كانت تخبأ وجهها المشوه تحت وسادتها خوفا من أن يراه أحد غيرها ...لكنها في الأمس احتضنته بشوق و حرقة و دموعها تهطل على وجهها المبلل بالوقت . كانت قد قررت أن تتصالح مع ذاتها , مع واقعها من جديد , أن تعيش يومها لحظة بلحظة ..لا تريد أن تعاني أكثر .
وصلت إلى المقهى , التفتت إلى زاوية في المكان تطل على الشارع , فوجدته يقرأ جريدة اليومية و يشرب سيجاره الفاخر . أحنى رأسه لها لدى دخولها المقهى كنوع من التحية مع ابتسامة خفيفة .
حدثت نفسها : إنه هو ...
أشار إليها من فذهبت إليه لتلبي طلبه , ابتدأ قائلا : صباح الخير آنستي ...هل لي بفنجان قهوة ...
فأجابته بلطف : نعم ...يا سيدي
كان يجلس في بقعة الضوء تلك التي كانت تهواها , كأنه أدرك ما تحب , كانت تحب الحقيقة رغم وجهها اللاسع ..كان يرتدي ربطة سماوية اللون تحاكي لون بشرته الأسمر ...و قميصه الأبيض قد تركه مفتوحا قليلا عند العنق ..استرقت النظر إليه من بعيد كان زغب صدره يشعل آمالها الطفولية دون أن تدري بأن تلامسه ..أبعدت وهج أفكارها عن عينيه فهو بالتأكيد يراقبها , أحضرت فنجان قهوته و ضعته جانبا و يداها ترتجفان , تمنت أن يذوبها كقطعة سكر في حنايا فنجانه ليرتشفها فتتذوق بذلك طعم رجولته الطاغية ...كان قد تنبه لتأملها لمطول له ...وبخّت نفسها على تلك المخيلة الواسعة ..كانت تخاطب نفسها ما أجمل أن تدخل المرأة في تفاصيل رجل ..
باشر بالقول : هل لي أن ألقاك مساء آنستي
استغربت لما يريد أن يلقاها ..فهناك من النساء من هن أكثر ثراء و قد يناسبن ذوقه الفاخر بلا شك . لكنها لم ترد أن تظهر له ضعفها
أجابته قائلة : لما أنا يا سيدي
أجابها : هناك ما أود معرفته عنك ..
فكرّت قليلا ليس هناك ما يشغلها بعد العمل و هي ملّت وحدتها .
أجابته : لا بأس بذلك
سألها : هل لي بعنوانك
كتبته على ورقة صغيرة و أعطته إياه ..فبادرها بالقول : الخط يدل على شخصية صاحبه ....
ارتبكت قليلا , هل يعقل أن يكون قد سبر أغوار ذاتها ...
غادرته بصمت .............و ليمزق أوراق حيرته وحيدا
نزلت بهدوء الدرج المؤدي إلى فناء البناية , و صعدت في سيارته و ألقت التحية : مساء الخير
فأجابها بفرنسية طليقة : مساء النور
امتعضت قليلا فهي لم تكن تجيد ثقافة الصالونات الراقية تلك . لم تكن تجيد سوى لغتين و هم في هذا البلد يتقنون العديد من اللغات .
ذهبا إلى بحيرة نائية تتخلل الجبال البعيدة و المنحنية كناسك يصلي عند فجر الخطيئة , كان الضباب يعلو السماء و طيور الشوق تملأ السماء
كانت طيور البجع ترقص وحيدة في البحيرة في جماعات منفردة , و زورق فيه عاشقان يغفو على كتف المغيب .
كانت تمشي بعيدا عنه , سارا قليلا وجلسا على نقعد ناء تغطيه أشجار الزيزفون وتتدلى أغصانها بشكل يلامس وجنتيها , أحسّ بشوق يماثل شوق أوراق شجرة الزيزفون ليلمس نعومة بشرتها .
كانت الشمس بأشعتها المخملية تلقي إطلالتها الأخيرة على الكون و الأشجار بظلالها الدافئة تفيء الى القلوب التائهة .
ابتدأ يحدثها عن طفولته ...و عن أصله البرجوازي وعن اغترابه و عن عمله . لكن عن ماذا ستحدثه فلم تكن تمتلك من التجارب ما يضاهي خبرته الواسعة في الحياة ....اكتفت بالحديث بشكل مقتضب عن بيتها الفقير و عن حياتها القشيبة .
بادرها بالسؤال : مما أنت خائفة آنستي , فأنا لن أؤذيك
أجابته بارتباك : ليس هناك ما يدعو للخوف , لكني لا أعرفك سيدي و أحتاج فقط للوقت لأعرف كيفية محاورتك ..
صمت برهة ..فلم يكن قد توقع ردا كهذا , لم يتوقع أن هذه المخلوقة الصغيرة قد تعرف استراتيجية الحوار أو فنونه . حاول أن يلامس وجنتها بأطراف أنامله و أن يمررها على ثغرها ...أحسّت برغبة الحياة تدب في أوصالها .
أحست بحاجة لأن يحتضنها من ضعفها .لكنها قاومت رغبتها تلك ,ماذا سيظن بها لو ارتمت في أحضانه ..
كانت قد اعتقدت أن تلك المشاعر قد ماتت في داخلها , رغم ثقتها بأنها قادرة على جعله يذوب في عشقها .
لكنها كانت تخاف نفسها , كانت تخاف الآخر ..
عادت إلى مهد أحلامها , تفكر في تلك اللمسات القليلة التي أيقظت فيها أنوثتها ...تلمست قلبها , كان يدق بشدة . نظرت لعينيها في المرآة و اعترفت أن وجهها بات أجمل و أن وجهها المشوه يحتاج للحرق سترميه , لن تحتاجه بعد الآن ستحاول أن تحيى لحظة بلحظة , تريد فقط أن تعيش في سلام أبدي ..هل هذا كثير ؟
ضجيج أنثوي بدأ يثور في جسدها , يطالبها بنداء الحياة في عروقها , يطالبها بعويل الرغبة .
حين كانت مراهقة قتلت فيها تلك الرغبة بشدة و تجاوزتها و ألغتها من قاموس حياتها. بدأ ذاك التناقض الصارخ يقتلها في أن تحيى مشاعرها و أن تعيش وفقا للمبادىء التي نشأت عليها في مجتمعها الشرقي المحافظ . كيف لها أن تجمع بين الاثنين ؟
هل أن تحطيم قيود الخوف إثم ؟
كيف لها أن تخطو صوب فجر الحرية , و قلبها مكبل بحقيقة أنها أنثى و أنها ستجلب العار لنفسها إن تخطت الحدود التي رسمتها لها شرقيتها. أفكارها كانت تذبل في ذاكرتها عندما تغتالها يد الواقع الآثم .
كانت رغبات السنين المكبوتة قد أجّجّت فيها خوفها الهائج من حقيقة أنها أنثى .....
خرجت إلى شرفتها , جعلت الليل يداعب وجهها , جعلت النسيم يلامس شعرها ....يداعبه و يمرر أصابعه بين خصله ...
لطالما آمنت بثقافة الأنامل و بسحر اللمسة الأولى بما تتركه من انطباع في النفوس و من احتراق أبديّ , يبقى متوهجا في أذهاننا حتى الأزل ...كانت لمسته تشبه احتراق الآلهة في قرابين العشق التي تقدم إليها . ..شعرت أن لمسته كانت أجمل قربان حب قدم إليها منذ الأبد لكنها لم تستطع أن تتغلغل لحنايا رجولته كما كانت تحلم دائما برجلها الأول .....الذي سيكون له الحق بأن يكتشف خلجان جسدها ...
تمنت لو أنه معها الآن في هذه اللحظة يحتضنها من الخلف ...هطلت من عينها دمعة لامست خدها , كانت دمعة حائرة تحتاج من يتذوقها , من يلامسه بشفاهه الندية , من يحتضنها بقوة ليل يهاجر ....لكن لم يوجد سوى النسيم الذي غازلها و بقايا قمر يناجي الخمر القابع في عينيها ......
استيقظت صباحا على صوت يدق بشدة على باب منزلها , كان هناك ظل موارب خلف الباب لم تجرؤ على النظر ... , كان وجهها قد ابتلّ بدموع الأمس , فأطلت بشكل واه , و إذ به يقف أمام عتبة منزلها ينتظر حضورها البهيّ , كانت ترتدي ثوب نوم أبيض يغازل سواد عينيها و شعرها الأملس يتدلى على عنقها الخمري ليغطي جزءا من صدرها الغافي تحت وطأة أنفاسها , أذهله جمالها الهادىء , وضعت كفها بشكل لا مبالي على خشب الباب ..حدّق باللون النبيديّ الذي طلت به أظافرها . لم تكن تدري كم يغريه هذا اللون الذي يغطي أناملها الشمعية . انحنى و أمسك كفها و قبله برقة لم تعهدها من قبل , قلّب شفاهه على أناملها , وشد على يدها ...
قلب كفها و قبله من الداخل ...و وضعه بين شفتيه كمن لا يريد ليد هذه الصغيرة أن تفارقه . كانت تقف مذهولة فهي لم تقدم بعد بأية خطوة و هو قام بكل ذلك بلحظة . سحبت يدها منه بهدوء خجل .
فاعتذر قائلا : أعتذر عما بدر مني , اليوم عطلة و أوّد أن نمضيه سوية ...
أرجو أن لا ترفضي ..
صمتت و قالت : أنت لا تدري ...ما....
ماتت بقية الكلمات أمام نظراته الدافئة , قال لها : أرجوك لا ترفضي فأنت ......
قاطعته قائلة : أنا ماذا ..
أجابها : أنت تعيدين إليّ الحياة ..
لحقت به بعد أن غيّرت ملابسها , وجدته ينتظرها في الأسفل , تمنت أن يذهبا إلى مكان له روعة الأمس.
ذهبا إلى منزله الصيفي , كان يطل على شاطىء البحر , كما يفضي النسيان إلى أودية الهجر , كان منزلا محاطا بأشجار النخيل , يستطيع المرء أن يحيى فيه أساطير عشق خرافية .
كان الموج يتدفق بشوق لملامسة قدمي الأزل ...وكان السماء تحتضن أفكار الأرض المتناثرة اثر نهار صارخ الضجيج , كان يدخن سيجاره الفاخر بولع ظاهر تمنت لو أنه يبعثرها مثل دخانه المشتت في المكان ...
خرجا لردهة أمام الشاطىء فتنبهت لوجود أرجوحة أطفال صغيرة و ألعاب أخرى متنوعة ...فاستغربت وجودها , تنّبه لشرودها , فقاطع صمتها آنستي : أنا أرمل منذ سنتين , توفيت زوجتي و طفلتي في حادث طائرة مؤلم أثناء سفرها إلى ذويها في الخارج ..
أطبق صمت مؤلم في جو المكان , تساءلت كيف له أن يعيش من بعدهما .
أكمل حديثه قائلا : منذ وفاتهما و أنا معتكف في عملي و في أسفاري للخارج وفقا لما تقتضيه ضرورات الحياة , منذ وفاة زوجتي لم أخرج مع امرأة حتى رأيتك آنستي , هل تسمحين لي أن أناديك باسمك ..
أومأت برأسها : نعم ...
كيف له أن يتحمل فقدهما انه رجل جبار , خاطبت نفسها ...
دخلت إلى ردهة منزله فرأت صورة له و لزوجته و ابنته , و قصاصة من جريدة فيها نبأ وفاتهما اثر تحطم طائرة كان قد احتفظ بها بجوار الصورة العائلية . حزنت لأجله كثيرا و شعرت بتفاهة مصابها أمام مصابه لهذا السبب كان قد قال لها بأنها قد أعادت إليه الحياة ..
خرجا إلى شاطىء المنزل و سارا على شرفات ينتابها الضجر ,حدثته عن ماضيها البسيط و عن أحلامها المعلقة التي كانت سببا في قدومها إلى بلده ..
اقترب منها واحتضنها لأول مرة , شعرت برجولته تطوقها و تحنو عليها , قبّل جبينها ..فابتعدت عنه , لأنها لا تريد أن تغرق في شعور يدمرّها .
لطالما اعتقدت أن أثاثا المنزل يدل على ذوق صاحبه , كان أثاثه صارما أنيقا , كلاسيكيا تتخلله زوايا حميمية , تضفي عليها الإنارة الخافتة نوعا من الدفء . دخلا الى مكتبه الخاص رأت أمامها مكتبة ضخمة أذهلتها , لم تكن تعتقد أن هذا الرجل مثقف لتلك الدرجة.
وجدت في مكتبه موقدا مبنيا من حجر أسود, وضع أمامه سجادة من جلد النمر , و وسادات من ريش النعام كانت قد وضعت بشكل متفرق
أمام الموقد .
ذهبت صوب النافذة تطالع وجه السماء لتنظر إلى بقايا النور في داخلها , كانت تشعر أنه يعيد إليها حاسة الوجود بعد أن كانت تشعر أن لحظة فنائها تقترب و أن غيب الطرقات يبكيها .
احتضنها من الخلف و وضع رأسه على كتفها , لم تكن تبادر بشيء
فقط كانت تستمتع بصمتهما المشرق , كان بينهما معاهدة من السلام النفسي المتبادل و من الاحتياج للآخر . كل منهما كان قد اعترف بذلك الأمر ضمنيا دون أن يبوح به .
تململت قليلا حتى تكسر وطأة الصمت , ابتعد عنها و أمسك بيدها وسارا إلى نار الموقد الغافي في أحضان الزمن .
جلس على سجادته و أجلسها في أحضانه و داعب شعرها و جعلها تغفو على صدره , تماما كما تمنت في الليلة الفائتة .
أضواء النار الخافتة كانت تلقي على وجهه ظلالا شاحبة , و على وجهها سحرا خاصا يزيد من لمعان شعرها .
غفت في أحضانه فترة من الزمن , تحرّك قليلا فقبّل وجهها , لم يكن رجلا وسيما , إنما رجلا بمعنى الكلمة ...بصمته ..بحديثه و بلمساته التي تحرق جسدها ..
حاول أن يقترب بلمساته أكثر فانتفضت في أحضانه و ابتعدت عنه , و فاجأته بقولها : ماذا تظن بي
أجابها : إني متأسف .. إني لا أقصد شيئا , و لا أظن بك سوءا ..
فاجأته بقولها : أرجو أن تعيدني إلى المنزل
عادت إلى غرفتها الصماء , التي لم يخترق وحشتها سوى مواء قطتها التي كانت تئن من الجوع ....أطعمتها و خلدت إلى النوم بعد يوم أرّق جسدها .....
لم تكن تظن يوما أنها ستهوى أنوثتها بتلك الطريقة الطاغية , أن تشعر أنه مرغوب بك من شخص آخر سوى سرّ وجودك و كينونتك .
اهتمامه بك يعزز لديك الرغبة في الحياة . لم يسبق لرجل أن استطاع أن يخاطب قلبها و عقلها سوية , أن تغلغل لأعماق مشاعرها بهذا الشكل من قبل .
كان شوقها يجول في جسدها طوال الليل لمجرد أن تتذكره , كانت تتلمس الأماكن التي مرّ بأنامله على جسدها . لم تجرؤ للآن أن تبادر بأي تصرف . فما كان منها سوى أن تستمتع بذاك الإحساس البريء.
لم يسبق لها أن جربت هذا الإحساس الأنثوي الطاغي ...
استقبلت فجرها الجديد بفرحة عارمة كانت ترقص أمامها , الاستسلام حين أطل وجه الحياة من جديد , كانت تدق أحزانها بكعبها بقوة غجرية تتقن فن الوجود . رغم الفرحة الكبيرة إلا أنها كانت تشعر بتأنيب الضمير لتصرفاتها تلك , لكنها لم تخطىْ .
التقت به مرّة أخرى في حفل شواء لدى أحد أصدقاءه ...لم يكن ممن يحبون أجواء الرقص الغجري الصاخب , لكنه كان ممن يمتهنون أسرار الأنوثة بلمسة واحدة , يضرم فيها نار الشوق على مدى العمر . بقوا مع الساهرين يتبادلون أطراف الحديث , لكنها أرادت أن تزور نار موقده مرة أخرى ..همست إليه بذلك
رحلا باكرا ....كانت تشعر بوشاح رجولته يدثر كتفيها , كانت ذراعاه تضمانها بقوة من يخاف فقد من يحب . كانت تذوب فيه رويدا رويدا و كانت نار الموقد تعيدها إلى الواقع . كانت لمساته تزداد جرأة فابتعدت عنه ..أمسكها و قال لها : استرخي ...
سألته : ماذا تريد أن تفعل ..
بعد مضي الوقت و الشفاه الثائرة التي التهمت بقايا النيران الغافية , شعرت لأول مرة بشيء يتدفق في عروقها بقوة . بشيء لم تكن تدري به , أو تشعره من قبل .
صدمت لما اكتشفته في جسدها من حرائق متأججة ...غفلت في لحظات عن الريح التي كانت تزأر في الخارج , أعادت ترتيب ملابسها و هي خجلة لما حدث و لا تستطيع مواجهة عينيه ..
بادر بالقول : أنا أحبك .. و ما حدث ما هو إلا تعبير عما أكنه لك من مشاعر ..افهمي أن الأمر يقربنا من بعضنا أكثر و لا يؤذي عذريتك ...
كانت الأيام التي تتوالى تزيدها تعلقا به ...كانت تخاف من الآتي , كانت من طريقة تفكير الرجل الشرقي ..هي تدرك أن ما حدث لا يؤذيها , فهي تعرف تلك المعادلة التي تقول أن جسدها ملك لها ...و أن عذريتها ملك للمجتمع و للرجل الذي ستتزوجه يوما ...لذا فهي حريصة على أن تهتك سرّ المحرمات تلك
أتى إليها و في يده باقة ورد وضعها في المزهرية التي تجاور سريرها , حاول أن يقترب منها لكن في أعماقها شيء يتمنى تلك للحظة بشدة , و هناك صوت قوي في عقلها يمنعها من المضي قدما بالاستمتاع باللحظة ...
كانت تخشى أن يهواها لهذا الأمر فقط ...و أن يرميها بعد أن يشبع رغباته . لا تريد أن يحصل لها هذا الأمر , لذا ابتعدت عنه . لا تريد أن يغدو حبهما خطيئة . شعرت بالدوار من أفكارها السوداوية ..فاستجاب لطلبها و ابتعد عنها
قال لها : لن أقترب منك إن لم تكوني تريدين ذلك
أجابته : أرجوا أن تعذر خوفي فأنا لست زوجتك بعد ...و أنا أريد أن أحافظ على نفسي , لا أن أقع في قيد يمنعني من المضي في حياتي قدما.. ..أرجو أن تتفهم الأمر ..
بادرها بالقول : لكن أنا لم أؤذيك ..
أجابته : أدرك ذلك لكني لا أريد أن تتحول قصتنا إلى علاقة شهوانية محورها الجسد ..أرجو أن نترّفع بالحب عن الدونية , و عن آثام الرغبة ...
أكمل حديثه : حبيبتي لك ما تريدين ..لكن فقط دعيني أشعر بك ..
عانقته بحنان و همست في أذنه : احتضني بقوة ..فأنا أشعر بالخوف , لك أن تشعر بي كما تشاء إذا تزوجنا يوما ما
ابتعد عنها فجأة و نظر إليها نظرة مصعوقة كأنها قد وجّهت إليه إهانة ما
قال لها : يتوجب عليّ الرحيل .....اعذريني ..
جلست تفكر بصمت ما الذنب الذي ارتكبته , ماذا فعلت حتّى يغادرها بهذه الطريقة ؟
مضى أسبوع على آخر لقاء لهما لم تكن تدري ماذا حدث بينهما حتى يغضب منها بهذا الشكل ....في مساء أحد الأيام غادرت عملها فوجدته ينتظرها عند الرصيف المحاذي للمقهى , شاهدته إلا أنّها لم تعره اهتماما فهي تحتاج إلى توضيح ما . لحق بها و أمسكها من معصمها ..قائلا : اصعدي إلى السيارة .. ...
أجابته : ماذا تريد
قال لها : اصعدي و لنتكلم فيما بعد ..
صعدت بهدوء و بدأ حديثه : حبيبتي الماضي يهشّم النور داخلي , يمزّق ضعفي ...لا أملك سوى النظر إليه بحرقة . أنت لا تدرين ما أعيشه من مشاعر مختلطة , لقد فقدت الأمس و الحاضر و المستقبل ..لقد دخلت إلى حياتي و ملأت فضاء انتظاري بأرجوان عشقك . لقد أزلت عن عينيّ غشاوة الأنواء , منذ أن أبصرتك في المقهى ... لا أدري كيف جدّدت فيّ مشاعر الأمل . رغم ذلك لا أدري لما أصابني ذاك الذهول الواجف حين قلت عندما نتزوج افعل ما تريد , لا أريد أن أتزوج فأنا أخاف أن أفقدك....لقد سبق و أن خسرت من كانوا عالمي ..و لا أريد أن أخسرك الآن ...فأنت حياتي ..
صمتت قليلا و أكملت : أنا لم أطلب الزواج منك , لكن ما بيننا لا يبيح لي أن أدخل في أجزاء الشهوة , أنا رغم غربتي و وحدتي إلا أني أعرف كيف أحافظ على نفسي ..
أجابها : أدرك ذلك , لكن فقط دعيني أشعر أنك أنثى ..
سألته : كيف تريد ذلك ..اعذرني فأنا لن أفرط بنفسي في لحظة هوى ..حتّى لو كنت أعشقك
أجابها : أنا لم أطلب ذلك ..
قاطعته : أنا لا أفهمك حقيقة , و لا أستطيع الاسترخاء بين يديك ..هناك شيء يثور في عقلي كل لحظة يمنعني من أن أكمل الأمر . لن أنساق وراء شهوتي ...افهم هذا الأمر......
أمسك يدها بحنان و مسّد أصابعها بأطراف أنامله و أجابها : أنت محقة فأنت حصيلة مجتمع واه , تكفيك الضغوط النفسية التي تعيشينها في محيطك و في لا وعيك الغائب ..تخبطك بين رغبتك و الحفاظ على نفسك أمر أفهمه و أقدره فيك ..
أمسكت أصابعه و قبّلت أصابع يده الواحد تلو الآخر ...و مررت شفاهها على رسغه ببطء كأنها تحنو على ضعفه .
همس في أذنها : لا أريد أن أفقدك ...
طمأنته بحركة صامتة , فاحتضنها بقوة ..كان يضمها من خوفها ..
رحلا إلى منزله الصيفي ..و دعاها هذه المرّة لزيارة شرفته الزجاجية المطلة على البحر ...كان نور منارة خافت يملأ المكان من الطرف المقابل للشاطىء . كان الموج يغفو في أحضان الزمان و هتافات غريبة يعلو صوتها في مسمعها ..
كانت تتأرجح في ضوء الماضي ..أسندت وجهها على الزجاج و مررت أصابعها عليه , شعرت أنها غادرت الوقت فكانت تتلمس أفكار الزجاج , كانت تشده لنظرات الغد الهاجع و تقف كطفل أمام أحجية الهوى ....فهذا الرجل يتبدى لها كل يوم بصورة مختلفة عن اليوم الذي سبقه ...كان مختلفا عن نمط الرجال الذين قابلته في حياتها .
امتلأت شرفته السرية بلوحات بيضاء لم تكتمل بعد و بلوحات خط ّ فيها القدر أخر دوائره السوداء .كان في زاوية الشرفة لوحة لم ينته من رسمها بعد , لكن حدود الأمل فيها ضيقة . تأملتها بعين متفرسة , كانت تحاول أن تتغلغل لمعانيها .
سرت بانشغاله عنها قليلا , تمنت أن تمسك الفرشاة و أن تكمل لوحته كما تريد ..لكن لا كبرياءها يمنعها ..
لوحاته الأخرى المعلقة في أرجاء الردهة يتخللها ألوان رمادية كلون الغيوم الحزينة , كان هناك بقايا نور تلجّ زواياها الممزقة . إلا أنّ لوحته المعلّقة في زاوية الشرفة كانت قد حيّرتها بألوانها المتناقضة فالأحمر القاني يتخلل سوادها و أطياف قزحية تتوسطها إلا أن منطقة الحزن الذي يتوسطها ماذا كان يقصد به ...هل كان يقصد به قلبه الممزق قد عاد إليه ربيع الحياة...
عاد إليها دون أن تشعر بقربه منها ..ضمّها من الخلف وضع يده على خصرها , و تلّمس انحناءات جسدها العربي الجميل .
فلسفة الجسد لديه تلعب دورا كبيرا في علاقته مع الجنس الآخر . كان يتحسس ظهرها , وضع شفاهه على انحناءات خصرها و بدأ يخبرها بصوت هامس ...حكاية حنين الضوء للعتمة ...فكم من قصص العشق الأسطورية قد بدأت في لحظات الحرمان الجسدي . فكم من الحروب قد نشأت بسبب أنثى , كان يهوى من جسد المرأة تلك الانحناءة لخصرها و التي تعطي ذاك الانطباع الرائع لأنوثتها .
كان يهوى الضوء حين يغازل بشفاهه ثوبا يكشف عري ظهرها . كان يخط توقيعه في أسفل لوحاته بشكل يشبه تلك الانحناءة الجميلة لخصرها ..... هكذا أخبرها .....
كانت تستغرب هوسه الجامح بعلاقة الضوء بجسد الأنثى و ببدء الخليقة , كان يعتقد أن الكون قد تمّ خلقه في لحظة نور , و أنّ بقايا الكائنات خلقت في لحظة إبداع من الإله , حين كان يرسم أولى لوحاته على شاطىء القدر ...
برأيه هكذا بدأت قصة الخلق و أنّ الإله خلق الحب من قطرات العرق التي انسالت من يده حين رفع يده ليبعد عن عينيه وهج أشعة الحياة ...
قطرات عرقه لامست اليابسة فجفت و تقعرّت و بذلك تشكلت أولى ملامح البشر, و من ثم لامس البحر رمال الشاطىء , فتلاطم زبد الموج وداعب بمده و جزره الرمل فشكل بذلك تلك الانحناءات الجميلة لجسد الأنثى ...و أن الرجل تشكل عندما انحسر الموج عن قلب المرأة ..
حين كانت تنصت إليه كانت تشعر بأنه فيلسوف كبير , فلطالما تساءلت لما لا يعرض لوحاته في معارض للرسم ..لكنه كان يؤثر أن تبقى للوحاته خصوصيتها كما لأفكاره ذاك التفرد الغريب ....
كان يرى أن العري قبح......و أن قطع الحرير التي تغطي جسد المرأة هي سر الإغراء ...كان قد رسم امرأة بلا ملامح لكن طريقة تصويره لها و لشعرها الغجري الذي يغطي وسطها , ما أذهلها حقيقة ...شعرت أن نيران الحرائق موصودة في عنقها الذي يتدلى عطشا لعاشق يمتهن سر إشباع رغباتها المكبوتة . بشفاهه التي تتمنى أن تحتضنها . كان يصور الرغبة دائما بطرق جديدة لم يسبق لها أن رأتها في لوحات رسام آخر ..كان يرى بأن لكل قطعة من جسدها حكاية .
مرّ أسبوع على لقاءهما الأخير ...أخبرها أنه قد ينشغل ليومين في عمله . لكنه لم يخبرها أن الأسبوع الأول سيمضي و أن الأسبوع الثاني سوف يتلوه ...
كانت تكره شوقها إليه و فكرة أنها لا تستطيع أن تحيى حياته دونه , لكنها لم تستطيع أن تتحمل قلقها عليه . قررت أن تسأل عنه فلن تستطيع تحمل الوقت الذي يقتات صبرها .
ذهبت إلى منزله الذي يقع في وسط المدينة ..وجدت سيارته في الخارج ...طرقت باب منزله الخشبي , فتح الباب و إذا به يرتدي ثياب النوم و ذقنه غير حليقة .
نظرت إليه باستغراب متسائلة : ما الذي حلّ بك
أجابها ببرود : لا شيء ...أنا بخير تفضلي بالدخول ...
أجابته : لا أريد الدخول فقط أردت الاطمئنان عليك . أنت تبدو بصحة جيدة فاسمح لي بالرحيل , لقد ظننت أن مكروها حلّ بك
استدارت و ابتعدت عنه و كانت تلعن نفسها و تلعن ضعفها الذي أتى بها إليه . لحق بها و هو يسرع الخطى ..
انتظري ...
أمسكها من رسغها لكنها أفلتت من يده و لم تستدر إليه , تابعت سيرها انه كمن سبقه يتخبط في ضعفه , لماذا يتكرر معها الأمر نفسه لكن فقط تتغير الملامح ....
قلت لك انتظري ..
أجابته : ما الذي تريده ..هل تريد الاختباء فابق إذا في مكانك ..لا حاجة لك بي ..
أجابها : أنا لست مختبئا فقط أردت الابتعاد قليلا حتى أرتب أفكاري ....
بادرت بالقول : ترتب أفكارك وأنا من يكون بجانبي ....
أرجوك إني أخاف من تعلقي بك , وان حبي لك يزداد يوما يعد يوم ..إني خائف ..
سألته : تخاف من حبك لي
لا سيدي أنا من يحق له الخوف .فأنا الطرف الضعيف فأنت لك أن ترميني بلحظة و أن تجعل أخرى تحتل مكاني . حقيقة أنا لا أفهمك في ما مضى أخبرتني أني أعدت إليك الحياة و اليوم تخاف من حبك لي ...أنا لا أستطيع فهمك ..اعذرني...
تابعت قولها : ما الذي تريده أن أعلن استسلامي لك و لرغباتك و أن أبيح لك امتلاكي كما تريد فلك أن تأتي إليّ متى شئت و أن تذروني متى شئت ...أنا لا أؤمن بأنصاف الحلول , إما نكون أو لا نكون ..اعذرني ..
أجابها : أرجوك لا تأزمي الأمور , الأمر ليس كما تظنين . فلنبتعد فقطعن بعضنا فترة ....
لم تستطع أن تكمل الحديث . كانت تشعر أن صاعقة تشعر بجسدها , تمنعها من الكلام أو الحراك ...رحلت عنه و تركته واقفا يجر ذيول ضعفه و تقلبه الغريب . و قبل أن تغادر خاطبته :
لا تأت إليّ إلا بعد أن تتأكد من حبك لي
كان معلقا ما بين الحياة و الموت ...دخلت إلى غرفتها أبقت الضوء مطفأ ..كانت تبكي بحرقة لما كل ذلك يحصل معها . أ لأنها عشقته بصدق . لم هذا التناقض في شخصيته , هو من اقتحم صمت حياتها بعد أن كانت قد نسيت تلك المشاعر .
دلفت إلى شرفتها تلمست حجرها البارد و قطتها تدور حولها و تموء بصوت ضعيف كأنها قد أحست بحزنها ...
تمنت لو تستطيع أن تسحق قلبها . و أن تعفر وجعها بوجه ملائكة الرحيل , لكن ما يمنعها هو من تعيلهم ...
هاهو شرقها يقتل الحلم , يقتل العشق ..آمنت أن قلبها مثلوم بعار الصدق . و أنه خائن لها كما خانها الأمل ..
في تلك الليلة الصماء أعدت سرير النوم الأبدي و استلقت على وهج الروح ..على حرير الذكرى تتصلب المشاعر
قررت أن لا تمضي في حبها له ..و فهو سيدمرها كما حدث لها ذلك من قبل ..
كانت أفكارها تهرع إلى الأزل ... كان حزنها متيقظ بشكل غريب ..خلف قضبان الخوف أوقدت أسئلتها بوهج التمني ,
تمنت لو أن الفجر يمددها على شطآن الخطيئة .. لو أن الليل يركع عند أقدامها بنشوة عابر لا يدنو من قلبها
تمنت لو أنها بقيت فجر ارتحال المعاني تتلون فقط بألوان الحياة الدامية . مكلل بالسواد قلبها ...
كانت تخاطبه في السر لما لا تدعني أدخل ملكوت قلبك , ليعانق الفجر حياتنا ...قررت الابتعاد عنه
لن تمنحه فرصة أن يرميها في مهملات القدر. كانت تتذكر حوار لهب الموقد , كانت تتذكر اللغة التي بدأت بين عينيه وشفاهها , كيف جعلها تدق بجسدها أبواب الأزلية ..
كيف يغدو للحنين بين ذراعيه نكهة أخرى ..كم نادته أن يعيش في قلبها رغم الخوف , ليقطنا في مملكة الشمس و الياسمين , أخبرته أن له في قلبها ألف اشتعال ..
فلم هذا التردد إن كان يحبها ...كانت تتمرد في أحضانه , و تضيء جسده ...لقد اغتال بحضوره الزمن و القدر ..
أخبرها أنها ليست ثوب طهر و إنما وردة من نار ..فلما يبتعد عنها ..
تمنت أن يحملها بين يديه قربانا لحب لا يقرب الشمس ..لكن لا ...هي لا تريد أن تضيع معه
كانت تبكي بحرقة و ألم عندما تتذكر تصرفاته تلك ..
جلس الليل على الحجر الأسود لشرفتها و تلمس يدها . حاول أن يهدئها , تأوهت النجوم لدموعها ..
بكت بحرقة ألمها ..فكم من المرات لامس حزنه قهرها , كم من المرات بكى في أحضانها ضعفه . إذا لما يريد الابتعاد عنها
بدأ المطر يهطل بثقل غريب ..كان ضوء القمر يهمس بعطرها الأنثوي في عبق المكان , و ضوء الفجر بدأ يسرج أخيلة النهار في جسدها . بدأت أنفاس الصباح تعلو ..و تنهدت الأرض لسماع صوت ناي شجي .
سمعت صوت طرق خفيف على باب منزلها ....ما إن أطلت على الباب حتى احتضنها بقوة ...وبلل شفاهه بقربها .
أمطرت عينيه بكحلها العربي . و أخذ يلتقط أنفاسه عن صدرها ...
كانت تبكي بحرقة و قلبها مضرج بالذهول الواجف .....كان غيابه قد جدد جراح الماضي ..
ابتعدت عنه فجأة ..: أرجوك لا تقتل حبي لك ..لا تدعني أختنق ..لا تمزقني بتصرفاتك الأنانية , ذاك الأمس الصامت يهجع في مخيلتي ...ألا يكفيك الأقدار التي أخطأتني و تخطئني ..ماذا تريد بعد , لم يعد للدنيا ذاك البريق , هاهي الحياة ترميني من حافة الذهول . و ها أنت تشاركها قتلي . سيدي لن تحضر شفاهك قداس روحي . لن أصبح جارية لديك , لن أسمح بامتلاكك لي ..و بهجرك لي متى شئت ...وباقترابك مني متى شئت . أرجوك ارحل ...ارحل ...
نظر إليها باستغراب كبير ...كيف تقوى على أن تحادثه بتلك الطريقة ..من أين جلبت تلك القوة على مواجهته و مواجهة ضعفها...
فتح الباب ببطء ورحل ........وعادت الدموع تهطل على وجهها الندي بغزارة ....جثت على ركبتيها في فناء الشرفة البارد .نظرت للضوء الآتي من السماء ....و انحنت تبكي..تبكي .....
بدأت النهاية تتبدّى أمام عينيها ...وعرة ...حادة .. كانت ترى آخرتها في وديان الهجر , كانت ترج الحياة أن تنصفها وأن لا تفتك بها . لامست حجر الشرفة الأسود و عقدت آمالها في أصابعها المتشابكة و صلّت لبقايا الخمر في روحها , غمرها النور ...خرجت من حيرتها , تفقدت حزنها الذي كان يحبو في أرجاء المكان ..أنفاسها المنسية ملأت جدار العشق الواهي
لم تكن تظن يوما أنّ هذا الرجل الصاخب بالحياة مليء بكل هذه التناقضات المدوية . وقفت بشكل واهن ابتسمت لها الشمس ابتسامة شاحبة تطلب منها الصمود أمام رياح الواقع ..
غزلت من حنانا الشمس آمالا جديدة بدأت تعقد منها خيط عرّش على جدران منزلها .....
كانت لا تدري كيف لها أن تقترب من قلبه و هو بتخبطه ذاك يعيدها إلى الوراء آلاف الأميال . كانت لا تدري حقيقة ما يريد . أحزنها الموت الذي استقبل عشقهما ..أحزنها الموكب الذي شيعا فيه جثمان احتراقهما إلى نهر الذبول . ستمزّق جدران صمتها .. أحست برغبة في السر في تلك الطرقات الغريبة ...شعرت أنّها تودعها وكأن وجهها لن يطالع أزقتها مرّة أخرى..
كان الربيع قد اقترب و اعشوشب نيسان الجروح في قلبها لرؤية ياسمين الأرض يتفتح رغم قهر الدنيا له ..ابتسمت لرؤية أزهار تطال أعناقها الضوء ..
رأت أزهارا قديمة وطأت الغربة أجسادها الهشة , فمالت أعناقها لتلامس الأرض بانحناء غريب , كانت ترفض بشدة أن تغدو مثل تلك الأزهار الواهنة .. أما آن لوجه القدر الشاحب أن يرحل عنها ..وأن يغني لعينيها أغنية دافئة ..تذكرّت حوار الموقد الآثم وكيف غنّت لعينيه أغنية عشق قديمة و كيف هدهد خوفها على كتفيه ...لا تريد أن تبقى أسيرة لحبه
قادتها أقدامها إلى منزله الصيفي ...إلى تلك الوردة النارية التي كانوا قد زرعوها يوما في تراب الشوق .
انحنت إليها و لمستها بشغف غريب ..كيف جعلتهما الحياة يلتقيان ..لم تكن قد تنبّهت لوجود أحد في المكان ..
لامست أوراق زهرتهما الآثمة ..كان لونها النبيذي يذكره بلون شفاهها المحترقة بالرغبة
انهمرت دمعة وحيدة على خدها , انسالت تلك الدمعة على أوراق الوردة و استقرت في أحضانها ...كم تمنت لو استقرت كتلك الدمعة في قلبه , لكنه يرفض حقيقة حبه لها ..
استقرت خطوات بعيدة على الأرضية الحجرية للحديقة , كانت قد أيقظتها من شرودها . كان قد انحنى وراءها ..أدارت وجهها إليه فتلمس بقايا دمعتها الحائرة , ارتشف بشفاهه ملوحة شجنها . احتضنها بحنان غريب لم تعهده من قبل ..وقف و مدّ يده إليها . سارا على شاطىء البحر ....
ابتدأ القول : لقد أينعت وردتنا ..
لكنها اكتفت بالصمت كجواب ..فلم تقو على متابعة الحديث , كانت مرهقة كرمل البحر الغافي تحت وطأة هدير الأمواج القادم من الأزل....وقف أمامها يحدق إلى عينيها و إلى وجنتها التي مزقهما الأرق ...
أكمل حديثه : أحبك بطريقة لا أريد أن أجرحك بها...
أشاحت وجهها عنه و اكتفت بالنظر للأمواج التي تتقاذفها الأوهام .. حاول أن يحثها على الكلام ..
أرجوك قولي كلمة ..واحدة ..فقط ..
أجابته و هي تفكر فقط في الرحيل الذي لازم مخيلتها في تلك اللحظة : هل تذكر حفلة الشواء التي حضرناها ؟ . هل تذكر صديقك الذي كان يتوسط المجموعة ..؟..
نعم أتذكره ما به ..
لقد أتى مرة مرتين إلى المقهى في الفترة التي لازمني فيها غيابك عني مدة من الزمن ...
نعم ما به ..
أريد أن أعرف ما هي الصفة التي قدمتني بها إلى أصدقاءك في تلك الليلة ..
أجابها ..: لقد أخبرتهم أنك صديقة فقط و أنك متذوقة للرسم و للفن بشتى ..نواحيه ..
سألته : هل هذا كل شيء ..
استدرك قائلا : لما تسألين ..
أجابته : إنه يريد الزواج بي ..
استغرب .. و أنت ...
سألته : أنا ماذا ..أتسألني ..
أجابها : هو رجل جدير بالاحترام ..و أنت تستحقين كل خير ..
قالت : هل هذا هو رأيك .
تابع حديثه : إني أحبك فوق التصور ..لكني لا أستطيع الزواج بأحد ...هناك شيء في أعماقي يمنعني من الارتباط و التوحد بأحد ..
أجابته ..: أنا لن أتزوج في أرض أنت تقطنها ..
و تابعت قولها : هل هذا هو قرارك ..
أجابها : نعم ...كيف تريدني أن أكون زوجة لرجل ..هو صديقك ؟ . ..كيف تريدني أن أبدأ حياة مبنية على الماضي الماثل في صداقتكما ...سوف أسافر و أبدأ حياة أخرى في أرض لا تعرف وجهي المض


مذكرات على خارطة الشمس \ قصة \ - ابن العرب - 09-24-2005

عزيزتي "داليا"،

تحية طيبة مصحوبة بمشاعر التقدير لهذه القدرة السحرية على استنباط التعابير والجمل والألفاظ وجمعها معاً لتخرج في شكل قصة كاملة متكاملة استمتعت بمتابعة تصويراتك الخلابة لتفاصيلها المختلفة.

اسمحي لي أن أعلق على بعض ما لفت انتباهي في قصتك أعلاه من أمور أعجبتني وأخرى أثارت فيَّ التساؤلات وثالثة ينبغي تطويرها.

أولا، يجب أن أعترف أنَّ عندك من الكلمات والتعابير ما يفيض عن الحاجة للتعبير عن حالة أو موقف أو إحساس، وهذه قدرة لطالما أذهلتني وأهشتني، أنا المحدود الذي لا أجد الكلمات الكافية للتعبير عن فكرة واحدة بجملة واحدة من بضع كلمات.

ثانيا، هنالك أمران يجب أن تعملي عليهما وتبذلي جهداً للتخلص منهما: الاستعمال غير الموقف للفعل "كان" ، وأكتفي بالمثال التالي:

كانت تعمل في مقهى لا يلوح فيه سوى وجوه الأدباء و لشعراء و....
كانت ابنة رجل لا يعرف من الحياة سوى رغيف الخبز اليومي
كان قد توفي و هي لازالت في سرير الأمل
كانت قد أنهت دراستها الجامعية ....
كانت تعمل كساقية في ....
كانت تحاور رجلا آخر كان طاعنا في السن حول ما يريد ارتشافه ..

أما الأمر الثاني فهو الأخطاء الإملائية (لا أقصد المطبعية) والقواعد اللغوية.

ثالثا، في وسط هذا الكم الهائل من الكلمات والألفاظ والتعابير والجمل، تخرج بين الفينة والأخرى "جمل شعرية" وأخرى "حكمية" تثير الدهشة ، بل الحسد والغيرة، مثل:

يبقى للذكرى ندوب في اللا وعي تعود فتبرز على ملامح وجوهنا عند أول مواجهة لنا مع الحرمان .

كما يفضي النسيان إلى أودية الهجر

كان الموج يتدفق بشوق لملامسة قدمي الأزل

أمسك بيدها وسارا إلى نار الموقد الغافي في أحضان الزمن

كانت تستغرب هوسه الجامح بعلاقة الضوء بجسد الأنثى و ببدء الخليقة , كان يعتقد أن الكون قد تمّ خلقه في لحظة نور , و أنّ بقايا الكائنات خلقت في لحظة إبداع من الإله , حين كان يرسم أولى لوحاته على شاطىء القدر ...

تمنت لو أن الفجر يمددها على شطآن الخطيئة .. لو أن الليل يركع عند أقدامها بنشوة عابر لا يدنو من قلبها


رابعا، هناك جمل لم تعطيها حقها من التوضيح فبقيت غامضة لا تدل على مدلول واضح وتستعصي على الفهم، مثل:

نظرت لعينيها في المرآة و اعترفت أن وجهها بات أجمل[COLOR=Red] و أن وجهها المشوه يحتاج للحرق سترميه

كان [COLOR=Red]الضباب يعلو السماء

فالضباب لا يعلو السماء، لربما قصدتِ يعلو الأرض أو العشب أو ما شابه؟؟؟

أن تشعر أنه مرغوب بك من شخص آخر [COLOR=Red]سوى سرّ وجودك و كينونتك

لم أفهم القصد من القول أعلاه.

كان يتحسس ظهرها , [COLOR=Red]وضع شفاهه على انحناءات خصرها

لا أستطيع تخيل الوضع، وأجده غريبا بعض الشيء، لدرجة أنه يخرج القارئ من غمرة الإحساس بالعشق والغرام واللهفة والشوق، في محاولة مستميتة ليفهم العلاقة بين الأيدي التي تلامس الخصر وتتحس تفاصيله، والشفاه التي تزاحم اليدين في محاولة أيضا لتلمس تفاصيل الخصر الجميل النحيف، وفي الوقت عينه يهمس بكلمات لا أظنها ستسمعها فيما شفاهه أقرب إلى قدميها منها إلى آذانها.

أعتقد أنك أخطأت في الطباعة -لربما من العجلة- وأنت قصدتِ أن تكتبي:

كان يتحسس ظهرها , وشفاهه تنسكب على انحناءات عنقها ، وراح يخبرها بصوت هامس ...حكاية حنين الضوء للعتمة ...

خامسا، هناك تعابير "دينية" دمجتها في القصة بصورة جميلة وجاءت لتعبر عن الفكرة المطلوبة بصورة غاية في الروعة:

كم تمنت أن تركع لتعترف أمام مذبح ذاكرتها ؟

ذهبا إلى بحيرة نائية تتخلل الجبال البعيدة و المنحنية كناسك يصلي عند فجر الخطيئة


أخيرا يا عزيزتي، أرجو ألا أكون قد أثقلت عليك. مضمون القصة ومغزاها رائعين جدا. اغتنم الفرصة ما دامت سانحة ولا تبقى أسير الماضي لأنك ستختنق بدون شك.

تحياتي القلبية



مذكرات على خارطة الشمس \ قصة \ - داليا - 09-25-2005

عزيزي ابن العرب
ملا حظاتك في مكانها بالنسبة للتعبير الفعل الماضي الناقص
ثانيا الضباب الذي يعلو السماء هو لهاث العاشقين في غمرة اللقاء
لا أدري هكذا يتسنى لي رؤية الموقف
ثالثا بالنسبة للأخطاء المطبعية أنا ينتابني النزق و المزاجية لدرجة اني لا احبذ معودة التصحيح فاعذرني عزيزي
رأيك موضع تقدير و أتمنى دوام صداقتنا مع أني مقلة هنا
تقبل فائق مودتي



مذكرات على خارطة الشمس \ قصة \ - ابن العرب - 09-25-2005

:97:


مذكرات على خارطة الشمس \ قصة \ - داليا - 09-27-2005

:97:(f):nocomment: