حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
جذور الأرهاب والمورّثات الثقافية هي بضاعتنا الرمزية وترسانتنا المقدسة - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79) +---- المنتدى: مواضيـع منقــولة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=25) +---- الموضوع: جذور الأرهاب والمورّثات الثقافية هي بضاعتنا الرمزية وترسانتنا المقدسة (/showthread.php?tid=24862) |
جذور الأرهاب والمورّثات الثقافية هي بضاعتنا الرمزية وترسانتنا المقدسة - Jupiter - 09-08-2005 عودنا الاستاذ غسان تويني، في افتتاحياته وفي ندواته، على اثارة القضايا المهمة وربما المصيرية، كما في تناوله مسألة الاستبداد او ظاهرة الارهاب، بما يغني المناقشة براهنية السؤال وجدة الطرح وعقلانية المعالجة. وهذا ما حفزني على العودة مجددا الى مسألة الارهاب التي باتت الشغل الشاغل لنا جميعا، عربا وبشرا، مسلمين واميركيين، فكانت هذه المساهمة في النقاش. الوحش الارهابي يفاجئنا دوما من حيث لا نحتسب، بقدر ما هو نتاج عقولنا وثمرات فكرنا، من حيث لا نعقل. فنحن الذين ربينا التنين ورعيناه في العقول والنفوس، ونحن الذين سوقناه عبر الصحافة والشاشة بعقائدنا ومقدساتنا، بشرائعنا وفتاوينا، بهوياتنا العنصرية واستراتيجياتنا الاصولية القائمة على الاستبعاد والاستئصال. فاذا به يرتد علينا، لكي يضرب ويدمر من غير وازع او حرمة لشيء، بل بانتهاك كل الحرمات والمقدسات. طبعا نحن اليوم نستنكر وندين التفجيرات الارهابية بعد خروج التنين من دهاليز اللاوعي وكواليس الذاكرة. ولكننا نفعل ذلك بعد فوات الاوان، لان ما ينفجر ويدمر، هو ما عملنا او ما نزال نعمل على تنميته وتعهده بأساطيرنا المؤسسة ونصوصا المقدسة، بعقلياتنا الاصطفائية واصنامنا العقائدية، بنماذجنا البائدة ودعواتنا المستحيلة. هنا يكمن جذر المشكلة. فالارهاب هو ثمرة العقول المغلقة، بقدر ما ينبع من عبادة الاصول وتقديس النصوص، او بقدر ما يتغذى من عقدة المماهاة مع الذات وجرثومة التضاد مع الغير، او بقدر ما يجد مسوغاته في ثنائية الايمان والالحاد او في عقلية التكفير التي تقسم الناس بصورة حاسمة بين مؤمن تحترم انسانيته وتراعى حقوقه، وغير مؤمن نتهمه وندينه او نعمل على رفضه واقصائه، وكما يتجسم ذلك في فتاوى الحسبة واحكام الردة التي ازدهرت مع صعود الاصوليات وعودة الدين على المسرح برموزه ورجالاته وترسانته العقائدية وبضاعته الرمزية. لنعترف لكي نعرف كيف نتدبر المشكلة: الارهاب الذي يصدمنا ويرعبنا هو ثمرة اوامرنا الالهية وحكوماتنا الدينية ومرجعياتنا الغيبية وشعاراتنا الاحادية وثوابتنا الابدية، وسوى ذلك من المشاريع الشمولية التي يدعي اصحابها امتلاك مفاتيح الحقيقة المطلقة، لكي يمارسوا الوكالة الحصرية على الهويات والقضايا المصيرية او على القيم العامة والعناوين الوجودية، او لكي يتخذوا نيابة عن الناس، قسرا وزورا، قرارات مصيرية ولكن عبثية بل جهنمية لا تقود الا الى الخراب والتهلكة. وهكذا فما ندينه او نحرمه هو بالذات ثمرة منطق الفتوى وعقلية التقديس والتحريم، وهو ثمرة ثوابت العقيدة ومسلماتها الآخروية ويقينياتها الحجرية وتصنيفاتها الارهابية، بقدر ما هو سعي لأسلمة الحياة والثقافة، بذريعة الادعاء بامتلاك الشرائع الدينية الاجوبة الشافية والنهائية على كل شؤون الحياة المعاصرة وقضاياها ومشكلاتها. الدمار العقلي هذا ما صنعه، خصوصا، الدعاة الجدد الذين احتلوا المنابر والشاشات، منذ ربع قرن، تحت لافتات الحكومات الشرعية والصفات اللاهوتية والمهمات الآلهية. واذا الثمرة ولادة نماذج ثلاثة مسيطرة على ساحات الفكر والعمل: 1 – النموذج الاول هو المفسر المشعوذ الذي يزعم ان كل ما انتجته العقول والتجارب والابحاث، في فروع العلم، من المبادئ والنظريات، ليس بالامر الجديد، لان كتاب الله ينطوي على العلم بكل شيء. وهكذا بدلا من ان يجتهد لكي يعلم "ما لم يعلم"، كما تحض الآية البينة من يمارس حيوية التفكير، نراه يسطو على المعارف المنتجة في الجامعات الغربية الحديثة لكي ينسبها الى القرآن والاسلام. وتلك هي الفضيحة المعرفية والخلقية. 2 – النموذج الثاني هو الابله الثقافي الذي اغلق على فكره وسلّم اوراقه الى مرجعه او شيخه او اميره الذي يختم على عقله ويعمل على قولبته، لكي يكون على شاكلة الاوائل من المسلمين فيما كانوا يعتقدونه او يفعلونه، في كل امر وشأن، من مقاس اللحية الى برقع المرأة، ومن نظام الامتثال الى زواج المتعة، ومن حديث الجان الى رجم الشيطان، ومن تهويمات الآخرة الى سيناريوهات الخلق وصور العرش. وهذا النموذج شاهد على ان العرب امة تمارس الاستقالة من التفكير الحي والمثمر، بقدر ما يعتقد دعاتها ان الماضين قد كفونا مشقة التفكير والبحث، اذ عندهم نجد حلولا لكل المشكلات التي يمكن ان نصادفها اليوم، وما علينا الا ان نحذو حذوهم في الفكر والمسلك، والنتيجة لهذه المماهاة المستحيلة اعادة انتاج الماضي عجزا وفقرا او مسخا وتشويها. 3 – النموذج الثالث هو الاصولي الارهابي الذي يدعي انقاذ الامة الاسلامية والبشرية جمعاء، بالعودة الى انماط ونماذج بائدة يستحيل تطبيقها الا بزرع الرعب وزعزعة الامن وسفك الدماء وتدمير معالم الحضارة والعمران. وبما اننا نعيش في الزمن المعلوم، فان الاصولي الارهابي تحول الى مخرب اممي على المسرح الكوني، مشكلا بذلك الوجه الاخر لرئيس المؤمنين، الخليفة الانجيلي، الامبريالي الاميركي، الذي يدعي هو الاخر، بأنه يجسد وحده معاني الايمان والحق والخير او قيم المدنية والحضارة والحرية. مثل هذه الثقة العمياء بالنفس والمعتقد التي تجعل الواحد من البشر يدعي انه وكيل الله او انه صاحب مهمة الهية، هي مصدر من مصادر الارهاب، والمآل هو الاشتغال بالاستبعاد والنفي او الاقصاء والاستئصال للآخر، تطبيعا للشعار القائل: من ليس مثلي فهو عدوي، او اخرب العالم اذا لم يسر حسب مشيئتي. نحن ازاء اصوليتين بل اصوليات متناحرة، تتغذى الواحدة من الاخرى وتسوغها بقدر ما تدعي محاربتها او معارضتها. ولا عجب. فالضد يستدعي ضده ويتجدد به، خاصة في هذا العصر القائم على التواصل والاعتماد المتبادل. الجهل المركب بهذا المعنى ان ابن لادن والزرقاوي والظواهري، وسواهم من امراء الجهاد الاسلامي، في سبيل الله وخدمة الاسلام، لم يأتوا من عالم الغيب، وانما هم ثمرة لشعار تطبيق الحاكمية الالهية او الحكومة الاسلامية او الاحكام الشرعية، اي هم ثمرة ما اشتغل مرشدون ودعاة ووعاظ، كالشعراوي والغزالي والخميني والقرضاوي، طوال عقود لتهيئته واعداده. والحصيلة بناء جيل متشدد ومتطرف وعدواني وانتقامي، يفتش عن سفارة يحتلها، او عن مقر يفجره او عن جسد يمزقه، او عن كاتب يطعنه. هذا ما فعله الذي طعن نجيب محفوظ: ترجمة ما امره به شيخه، اي ما يتوهم انه الاوامر الالهية والشرائع الربانية. وهذا ما يفعله الذين ينظمون مجازر في حق الاطفال في العراق. ومن الشواهد الفاضحة في هذا الخصوص، انه قبل اسبوع من تفجيرات شرم الشيخ، واثناء مناظرة تلفزيونية خصصت لمسألة الارهاب بادارة الاعلامي جمال عنايت، اطلق احد الضيوف من الدعاة الاسلاميين، شعاره بالقول: لا بارك الله في منتجعات شرم الشيخ، لانها تشكل برأيه مرتعا للعراة وبؤرة للفساد. وبعد التفجيرات استضيف الشخص نفسه، وكانت المداخلات من داخل الاستديو ومن خارجه موجهة ضده، على اساس ان الذين ارتكبوا مجزرة شرم الشيخ لم يفعلوا سوى ان طبقوا شعاره بالذات، اي هم تلامذته، تماما كما ان الذي طعن نجيب محفوظ، قد نفذ ما أُمر به بصورة آلية عمياء، بعدما جرى غسل دماغه على يد شيخه الذي يدعي امتلاك مفاتيح الخلاص وصكوك الغفران التي تضمن مقعدا لصاحبها في جنة الفردوس، على ما كان الامر في عصر محاكم التفتيش الارهابية. بالطبع لقد شجب الداعية التفجيرات، ربما مسايرة او خشية من الرأي العام، وربما عن قناعة، وفي هذه الحالة، فانه يكون قد استنكر ما تؤول اليه افكاره ومسلماته العقائدية وهواماته الدينية. وهذا مثال على اننا نجهل مباني آرائنا وبداهات افكارنا التي يمكن ان تقودنا الى حيث ما لا نفكر فيه او لا نريده. انه جهل مركب بالنفس وبالارهاب. هذه مثالات فاضحة تدل على ان الجهاديين هم اكثر انسجاما مع التعليم الذي تلقوه في مدارسهم ومن لدن مشايخهم ومرشديهم. انهم ليسوا فئة منحرفة او ضالة كما نؤثر القول، تهربا من المسؤولية، وانما هم يحاولون تطبيق ما تعلموه من صميم التعاليم وثوابتها. ولذا نراهم يخرجون على اساتذتهم في العقيدة والشريعة، وينقلبون ضد معلميهم ومرشديهم، لكي يتهموهم بالجبن والتراجع، وربما يتهمونهم بالارتداد عن الاسلام الاصولي الصحيح. اما المشايخ والاساتذة فمنهم من يبرر ويبحث عن الذرائع. ومنهم من يسكت علامة الرضى. ومنهم من تصدمه التفجيرات بمآسيها وفظائعها، فيشجب ويدين، غير مدرك بأن ما يدينه هو ثمرة لثقافة دينية جرى تلقينها وبثها ونشرها، عبر الشاشات، ووسائل الاعلام عامة، وهي ثقافة احادية، فقيرة، مغلقة، متحجرة، خرافية، انتقامية، عدوانية، ارهابية. انها ثقافة تنتج الانغلاق والتطرف بقدر ما يفكر اصحابها ويعملون بمفردات التكفير والتبديع والتأثيم للمختلف، ليس فقط في المعتقد والاساسيات، بل ايضا في العرف والهامشيات. في هذا السياق أتأوّل الدعوة التي اطلقها اخيرا امام الجامع الحرام الدكتور عبد الرحمن السديس الى اعداد جيل وسطي معتدل، بمعنى ان ما اعددناه حتى الان هو جيل متشدد متطرف، فطمسنا بسبب النرجسية العقائدية جانبا مضيئا في التراث من مفرداته التوسط، الاعتراف، التقوى، محاسبة الذات، نقد الانسان... فكانت النتيجة ان نفجع بما نفجع به من المصائب والفواجع. آلهة فعلية مرة اخرى ان الوحش الارهابي يتغذى من ثقافتنا، من حيث نعي ونسكت، او من حيث لا نعي ونصدم بكل هذه الدماء والاشلاء. انه بضاعتنا التي ترد الينا عنفا اعمى ومجازر وحشية وارتكابات للأفظع والاشنع، اذ هو ثمرة عقائدنا ومذاهبنا، كما نجد في كتب الاصول ومقررات ائمة المذاهب التي تشحن النفوس وتعبئها بمشاعر العداء والكره، بقدر ما هي حافلة بمفردات التكفير والتبديع والادانة، سواء على مستوى العلاقات بين الديانات، او على مستوى العلاقات بين المذاهب المختلفة داخل الديانة الواحدة. هذه هي "العلبة السوداء" التي تعشش في العقول، بعقدها ومتحجراتها وتهويماتها وخرافاتها وتصنيفاتها العنصرية. لكي تدمر صيغ التعايش بين الناس وتشوه سمعة العرب والمسلمين في العالم. كما يجسدها ويترجمها امراء الجماعات الدينية الذين نصبوا انفسهم وكلاء على سواهم، بقدر ما ادعوا انهم وحدهم من دون سواهم، ينطقون باسم الله ويسيرون على الصراط المستقيم، اي انهم وحدهم يملكون المشروعية في تمثيل الناس والنطق باسمهم بخلع الطابع القدسي والمتعالي والكلي والحتمي والنهائي على تفاسيرهم وتأويلاتهم التي هي اقرب الى التهويم والتشبيح او الى الشعوذة والهذيان. وتلك هي اسلحة الدمار الشمال التي صنعتها ثقافتنا الدينية، على مدى عقود طويلة، كما تجسد ذلك في الوهم القاتل الذي زرعناه في العقول بأننا اهل الله والفرقة الناجية والذين اصطفاهم لكي يختم الوحي على يدهم ويبلغهم آخر ما عنده من رسائل وتعاليم وقرارات. وهكذا لقد صنعنا آلهة، فعلية لا رمزية، لا تهمل ولا تمهل، لا تعفو ولا تغفر، بل تعاقب قبل اليوم الموعود، باستخدام وسائل الرعب وآليات الدمار، لكي تحيل الحياة الى جحيم. هذا المعتقد الذي تتنوع صوره ونسخه هو منبع الارهاب، كما يتجسم في تأله او تأليه شخص يتخذ الناس رهائن له، تحت شعار مقدس يتماهون معه، قد يكون الله او العرق او الوطن او الاشتراكية او حتى الحرية...، كما تجسدت المثالات لدى النازية او الستالينية او الماوية او الصهيونية، وكما تتجسد اليوم لدى الجهادية الاسلامية او الانجيلية البروتستنتية. المعادون للتشخيص هذه العلبة هي ما يخشى فتحه ليس فقط الاصوليون، بل الكثيرون من المثقفين الذين صنفوا انفسهم تحت خانة العلمانية والتقدمية والحداثة، فيما هم يخشون المتغيرات في الافكار والمفاهيم حول الهوية والسلطة والحرية والحقيقة والواقع، بقدر ما يتمسكون بالافكار والمواقف التي تقود الى الانسداد والافلاس والتراجع. بل ثمة منهم من يتعامل مع المناهج الفكرية الحديثة الخصبة والفعالة، كالتفكيك، بمثابة فزاعة، على ما هي ردات فعل بعض اميي المعرفة والفلسفة. وهكذا فهم يهتمون بمواجهة الممنوعات من الخارج، ولكنهم يدافعون عما يسهم في انتاجها، بقدر يقاومون محاولة تفكيك الممتنعات كما تتجسد في نماذج الثقافة وانماط التفكير ومصادرات العقل. بذلك يقفون ضد ارادة الفهم والتشخيص، تحليلا وتفكيكا للمآزق والموانع، او كشفا وتعرية للبنى المعيقة والممارسات المعتمة. هذا دأبهم: الوقوع فريسة لهواجس الهوية بقدر ما يغلبون الاعتبارات النضالية على المشاغل المعرفية والصناعة المفهومية. ولا عجب ان ننتقل معهم من عجز الى عجز، ومن استبداد الى آخر، ومن تبعية الى سواها، بل ننتقل من جهل الى جهل، ذلك ان ما ينتج من المفاهيم حول مسألة من المسائل، له طابعه العام وبعده التداولي، وان كان المعطى خاصا وهذا ما يفعله احدنا عندما يحلل ظاهرة الارهاب، بالرجوع الى شواهد عربية او اسلامية: انتاج معرفة حول الارهاب لا تخص العرب وحدهم، بل تعني الناس جميعا، فكيف اذا كانت الامثلة والشواهد متنوعة. فالاحرى، اذا اردنا تشخيص الآفة، على سبيل التعقل والتدبر، فتح ما يراد اغلاقه او تفكيك ما يراد عدم المساس به. فلن ننتظر حتى يزول الغزو او الاستبداد، كيما ندرس ونحلل، على ما يريد لنا حماة الهوية وعشاق العدالة والحرية. وما نتمسك به لم يعد مصدر القوة والتماسك، بل مصنع التفكك والتدهور. واذا كان الغربيون يقترحون اليوم انشاء معاهد لدراسة الكوارث الناجمة عن التطور التكنولوجي والتقدم البشري، فالاحرى ان ننشئ معاهد لدرس الارهاب، بعد ان اتخمنا معاهد ومدارس تخرج اجيالا تتقن لغة الشعوذة والزيف او تجسد ثقافة العداء والموت والخراب. بؤس الفتوى من هنا فان الاتجاه الاسلامي لا يحمل وحده المسؤولية عما يحدث. فالتعالي عن الواقع، ونفي العالم، واستعداء الآخر، والانغلاق على الذات والفكر لانقاذ مقولات مستهلكة او للدفاع عن تهويمات ذاتية او تماهيات اسطورية، هي سمة الفكر الايديولوجي، بمختلف منوعاته الدينية او القومية او المجتمعية. هذا ما يشهد به هذا التحالف الايديولوجي الجديد الذي يجمع الان بين الاسلاميين والقوميين والاشتراكيين على دعم الارهاب ونفي المستجدات من الافكار والمفاهيم بذريعة الدفاع عن المقاومة او مواجهة العولمة والامركة، فيما هم لا يحسنون سوى خدمة من يدعون محاربته. ايا يكن، نحن ندين الارهابيين، ولكننا ننسى او نتناسى الجذر المشترك، الذي يجمعنا بهم، فبعضنا يتحدث عن العقول المغلقة التي تصنع الارهاب، فيما هو يقع فريسة لما ينكره، كما يتجسم ذلك في المحاولات الرامية الى الختم على عقل المرأة والحجر عليها، بالتأكيد على ارتدائها الحجاب، او بدفعها الى ممارسة الزيف باستخدام الباروكة، بدلا من الغطاء في البلدان التي تمنع ارتداءه بوصفه فريضة الهية لا تناقش. والسؤال: لماذا نعترض على الزرقاوي وابن لادن ما دام يتحكم بنا نفس منطق النص المقدس والفريضة الالهية والفتوى الفقهية؟! فالامر الالهي هو هو من حيث مخزونه الارهابي، سواء تعلق بفريضة الحجاب او بمفهوم الكافر او بمحاربة المشرك. الامثلة كثيرة على اننا نحرم القليل او غير المهم لكي نستبيح الكثير والاهم. فقد اقام المسلمون امبراطورية من الجواري التي كانوا يستوردونها من البلدان التي يفتحونها، وهم اليوم يدافعون عن المتعة او يشرعون للمسيار والزواج العرفي، وسوى ذلك من العلاقات المشبوهة، في الغرف المعتمة، فيما يحرمون على ابنة التسع سنوات ان تكشف عن شعرها في مدارس الدولة الفرنسية العلمانية. مع ان المجتمع الفرنسي يتيح للمسلمين بفضائه العمومي من حريات التعبير والتفكير اكثر بكثير مما تتيحه المجتمعات الاسلامية، حتى في القضايا الدينية. ثم نحن نتفنن في التفسير والتخريج للكشف عن الاساليب التي تضرب بها المرأة، كأن نقول بأنه ضرب، ولكنه غير "مبرح"، بذريعة ان القرآن نص على الضرب. نفعل ذلك لكي نشهد على قصورنا وتخلفنا وعجزنا عن استحداث تشريعات جديدة تكسر منطق الفتوى وتنسخ القديم، في حين ان المتاح بل المطلوب هو النسخ والتبديل، على سبيل الخلق والابداع. والابداع ليس بدعة ولا هرطقة، وانما هو تجل لممارسة الوجود على سبيل الاستحقاق والازدهار. ولا حياة من دون نسخ او تبديل. فالديانات والنبوات والتأويلات ينسخ بعضها بعضاً، او يغني بعضها بعضاً، كما هو الشأن في المذاهب السياسية والنظريات الفلسفية. من غير ذلك نختم على عقولنا من حيث لا ندرك، بقدر ما نتمسك بحقائق مطلقة او منزلة، اي بقدر ما ندعي ان الحقيقة الالهية قد ختمت على يدنا، او ان كتبنا تنطوي على العلم بكل شيء.هنا مكمن العلة: الصدوع بالامر واعتقاد فريق من الناس بأن الحق هو الى جانبهم، او انهم صفوة الخلق او خير امة. ولذا نرى الجهاديين يشنون الحرب على العالم ويدكون معالم الحضارة، لكي لا ينكسر حرف او يتغير نص. هذه هي النماذج التي نصدرها للعالم، لكي ترتد علينا. مرة اخرى هذه هي بضاعتنا ردت الينا، بحسب القول المأثور، ومن حيث لا ندري. بهذا المعنى كل من يتهم سواه بالاساءة للدين، هو مشروع ارهابي، كل من يرفع سلاح الردة ويهدد بفتاوى الحسبة، ضد سواه، هو مشروع ارهابي. كل من يلاحق كاتباً او فناناً، بحجة استخدامه او تلحينه الآيات البينات، هو مشروع ارهابي، يصدر عن العقلية ذاتها التي يعمل اصحابها على تفجير المدارس او المطاعم او الملاهي بأجساد الآمنين والابرياء، اذا شئنا كشف البداهات الثاوية وراء الاقوال والمواقف. زيف الدعوى ومع ذلك لا يظنن اننا نطبق شرع الله. انها دعوى كاذبة مزيفة. ذلك اننا نتمسك بالعادات والاعراف المتغيرة، ولكننا نهمل بل ننتهك القيم والمبادئ والاحكام التي تتعلق بالعدل والحق، بقدر ما نسكت على التبذير الفاحش وعلى الظلم واكل الاموال بالباطل، او نشتغل بتغطية اعمال الفساد او تبرير اشكال الاستبداد. من الدعاوى المزيفة ايضاً ان نزعم بأننا نسعى مخلصين الى خدمة دين الله وشريعته. هذه الدعوى تخرقها او تخرمها دوماً الوساوس والهواجس او الشبه والشكوك او الاهواء والاطماع، هذا اذا كان اصحابها صادقين في توجههم ومساعيهم. وان لم يكونوا كذلك، فانهم يستخدمون الترسانة الرمزية للاديان، للفوز بالخيرات والحطام من المكاسب والمناصب والثروات والسلطات. وايا يكن، فالاصل ليس خدمة هذا المعتقد او ذاك. بالعكس، فالعقائد والفرائض والاحكام هي لخدمة الحياة والناس والمجتمعات. وهكذا، فنحن اقمنا الدنيا، لاهوتيين وعلمانيين، ضد فرنسا، لانها تريد منع الحجاب، سواسية مع بقية الرموز الدينية. ولكننا ننسى ان فرنسا حاكمت رئيس وزرائها الاسبق على مال حصل عليه بغير حق، هو بمثابة هدية اكثر مما هو رشوة. وننسى ان شيراك تحدث عن الفريق المتعدد الالوان بعد انتصار المنتخب الفرنسي عام (1998)، وننسى انه يحسن التعايش مع رئيس وزرائه ولو كان خصمه او من الحزب المعارض لحزبه، وننسى انه ذات مرة أتى بنفسه بكرسي لاحد وزرائه الذي لم يجد كرسياً يجلس عليه في مجلس الوزراء. اننا ننسى ذلك، في فرنسا، بقدر ما ننسى عندنا، اننا نمارس التأله، واننا لا نحسن التعايش مع بعضنا كما تشهد تجارب الحكم الفاضحة، كما ننسى اننا نعيش وسط ممالك من الاستبداد وعهود من الفساد. فمن هو اذن اقرب الى ر وح الشرائع او الى مواقف الاول في قضايا العدل والحكم، كعمر بن الخطاب صاحب الشعار القائل: من أين لك هذا؟ أو علي بن ابي طالب صاحب القول: لا تكونن عليهم سبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم؟ بالطبع هو جاك شيراك وليس حماة الهوية وحراس الشريعة او امراء الجهاد. وذلك يكشف زيف الدعوى بالتماهي مع السلف والحفاظ على الخصوصية. فالماضون كانوا قادرين وخلاقين ومنتجين، بقدر ما كانوا سابقين وفاتحين او بناة وصانعين، اما نحن فاننا مغلقون، مقلدون، محافظون، مكبلون، عاجزون، فقراء، بؤساء. واذا كانت الحضارة الاسلامية قد ازدهرت ومارست عالميتها بصورة ايجابية وبناءة وفعالة، فلأن الذين انخرطوا في صناعتها وعملوا على نشرها في ارجاء العالم، قد تعاملوا مع الاصول والهويات، لا بمنطق التقليد والمطابقة او النسخ، بل بمنطق الزحزحة والاحالة او الصرف والتحويل او التبادل والتفاعل او التخطي والعبور، وذلك على سبيل الانتهاك الوجودي الحي والخلاق، للمقدسات والمحرمات والثوابت، على الصعد المعرفية او الفنية او الخلقية او السياسية... نعم اننا نشبه الماضين على الصعيد الايديولوجي لا على الصعيد الوجودي، اي من حيث الحرف والرمز او الشكل والطقس، لا من حيث الارادة الفذة والقدرة الخارقة. ولذا، فان مكافحة الارهاب لا تجدي بأن نردد اقوالاً حول العقول المغلقة، او تقديس التراث، فيما نحن نتمسك بجذر المشكلة، او نمانع من كشف الغطاء عن الداء كما يتجسم في النصوص والاوامر والاحكام والفرائض التي نعتبرها منزلة او مقدسة او نهائية. اننا اذ نغفل ذلك نتعامل مع المشكلة بوصفها الحل، بقدر ما نطرح قضايا نرزح تحتها ولا نفي بمتطلباتها، او بقدر ما نتمسك بنصوص واحكام لا ندرك مدى تداعياتها ومفاعيلها السلبية او المدمرة. مكمن الأزمة هذه النقطة هي مثار النقاش في ما طرحه استاذنا غسان تويني في مسألة الارهاب. ويشبه ان يكون الخلاف حول مسألة الارهاب، نفس الخلاف حول مسألة الاستبداد، واعني بذلك طريقة التعامل مع كتاب "طبائع الاستبداد" للكواكبي، الذي يعتبره الاستاذ غسان المرجع والمعتمد في فهم المسألة وتشخيص الآفة. هذا في حين ان المسألة تتعدى اليوم طبائع الاستبداد"، للبحث في "جذور الاستبداد، كما فعلت في قراءتي النقدية لكتاب "الطبائع" اذ كيف نفسر ان الاستبداد يزداد بعد مائة عام على صدور كتاب الطبائع؟ اذا اردنا تشخيص العلة، فلا مهرب من التطرق الى منابع الاستبداد كما تتمثل في عقلية النص وفي المرجعية الدينية الاسلامية، التي لا يسائلها الكواكبي عن ثوابتها المغلقة، محيلاً مشكلة الاستبداد على اليهودية والمسيحية. بذلك يلقي سلاحه امامها، بوصفها اوامر مطلقة وحقائق نهائية، فيستبد بها بقدر ما يقع أسيراً لأوامرها. لا أريد بذلك ان اجحف بحق الكواكبي الذي تناول المسألة على صعيد معين، بتحليل مظاهر الاستبداد وجوانبه من مداخل مختلفة بما في ذلك الدين. ما نفعله نحن اليوم هو تخطي هذا الصعيد لتناول المسألة على صعيد آخر، في ضوء الاخفاقات والمآزق، بحيث نخضع بالمساءلة والنقد ما نتمسك به وندافع عنه من البداهات والثوابت. كذلك لا اريد ان أظلم الدعاة والعلماء من رجال الدين ذوي العقول المنفتحة، الذين يثرون المناقشة العامة بالاجتهادات العصرية والآراء القيمة او الرؤى والمواقف الايجابية والبناءة. فما احاول تبيانه، وحتى لا نعيد انتاج الازمة، بشكلها الاسوأ، هو ان مكافحة الارهاب، تقتضي تشخيص العلة، لا القفز فوقها، او تفكيك المشكلة لا تمويهها والهروب منها. فلم يعد يكفي او يجدي ان نحارب الارهاب بعقليات تلغمها الامبريالية الدينية والتهويمات اللاهوتية والولاءات العقائدية والغيتوات الطائفية والمزاعم الطهرانية، وكل ما يعمل على اغلاق ما ندعو الى فتحه من الابواب والآفاق، لكي يعيد انتاج التعصب والتشدد والتطرف. وتلك هي المفارقة مرة اخرى في ما نقوله او نصرح به: نحن نتباكى على الدولة والوطن والبلد الصغير، فيما نحن اسهمنا في زعزعة فكرة الوطن واسس التضامن الاجتماعي، بدعم المشاريع الدينية الكبيرة ذات الطابع الشمولي والاستراتيجي. والمآل مرة اخرى هو ترجمتها نزاعاً وشرذمة او فقراً وتخلفاً او استبداداً وارهاباً. واذا كان الصحافي البريطاني مارتن وولف يثير مسألة الموقف الذي يمكن ان يقفه المرء من الايديولوجيات الدينية، على ما قرأنا اخيراً في هذه الصفحة من "النهار"، فما تفيده التجارب المريرة، ان الدين، خاصة اليوم، عندما يخرج عن كونه نمط وجود فردي يمارس كتقى او رادع او وازع بين الواحد ونظيره، لكي يعمل كايديولوجية شمولية او يترجم الى مشروع جمعي سياسي او ثقافي، وعلى ما تتأوله او توظفه الاصوليات السائدة، فانه يتحول الى آلة للخراب والهلاك، بقدر ما يفسد العلاقات بين الناس ليس فقط بين الاديان، بل داخل الديانة الواحدة او الطائفة الواحدة. فالتعصب الذي نمارسه ضد الغير، هو فخ ننصبه لانفسنا، سوف نقع فيه عاجلاً ام آجلاً، بهذا المعنى، وجواباً عن تساؤل وولف، لا يتعلق الامر بمعارضة الوسائل التي تستخدمها الاصوليات، دون الاهداف والاسس، لان هذه هي بيت الداء بثوابتها المتحجرة ويقينياتها العمياء. وهكذا فالعلة تكمن في تعاليمنا وتعليمنا ومشاريعنا ومدارسنا واذاعاتنا وشاشاتنا التي تحفر اسس الارهاب في اللاوعي وتشيد صروحه في مباني الفكر والعقيدة، بقدر ما تكمن في كثير من النصوص والنماذج والصور والمحرمات والفرائض التي تصنع حياتنا، لننتج مآزقنا وكوارثنا، من برقع المرأة الى فتاوى الحسبة، ومن التشريع للعبودية الى خلع طابع العصمة على التجارب البشرية، ومن صناعة المؤمن الذي يدمر فكرة الدولة بتبعيته المطلقة للسلف والائمة والمراجع الى الذاكرة الموتورة والهوية المسيجة التي تلغم صيغ التعايش بين فئات المجتمع وقواه، ومن الاسلمة الشاملة للحياة الى خلع الطابع اللاهوتي على الاشخاص والاعمال والمهمات. فضيحة الانسانية أعود بعد هذا الكلام الذي لا يخلو من عنف او جرح يولده منطق التشريح والكشف، الى لغة التعقل والتدبر بحثاً عن الحلول. وما يمكن قوله، على الاقل، هو العمل على فك الوصاية الحصرية على القضايا والقيم والهويات، وكسر منطق الوحدانية في التفسير والتعبير والتمثيل، وذلك بالغاء قاعدة الارتداد، واطلاق حرية الاعتقاد، بفتح الهوية على التعددية المشروعة، تعددية التفسير والتأويل او المنهج والمذهب او المعيار والنموذج او الرأي والصوت او الحزب والمنظمة او القطب والمرجع. على هذا المستوى تبدو الحاجة ماسة وملحة في التجاوز واعادة البناء، سبراً واستغلالاً، كشفاً وتعرية، تخطياً وعبوراً. وهذا ما احاوله من جهتي ومن منطلق حقل عملي، اي ما اصوغه تحت عنوان، استراتيجية العقل التداولي، بمفرداته وقواعده: عقلية المشاركة، سياسة الاعتراف، منهج التوسط، لغة التسوية، التعددية الثقافية، الاعتماد المتبادل، الحاكمية الكوكبية، وسوى ذلك من المفردات التي تسهم في تغذية العناوين الوجودية وتحويل المفاهيم على النحو الذي يعمل على تحويل عقولنا، وتحويل الواقع في آن. مثل هذا التشخيص للمسألة، يحمل على وضع ترسانتنا الرمزية من العقائد والمبادئ والتصنيفات موضع المساءلة والفحص او موضع التشريح والتفكيك:فكيف تتهدد انسانية الانسان فيما تتكاثر البيانات والمؤتمرات والمرافعات حول حقوق الانسان. وكيف يحصل ما يحصل من تراجع واستبداد وظلم ما دامت مبادئنا سامية وقياداتنا ملهمة، وما دام مثقفونا ودعاتنا يجسدون قيم الحرية والعدالة والتقدم؟ بل كيف يحصل ما يحصل من استباحة وانتهاك وفساد ما دمنا نعيش وسط هذا الحشد من المرشدين العقائديين او يقيم بيننا اناس هم خلفاء الله ونوابه ونخبه وحججه وآياته والناطقون باسمه؟ وما دمنا في لبنان، فالسؤال يملي نفسه ايضا: كيف يكون لبنان "وطن الانسان" كما نعتقد بعد كل هذه الاعمال والتجارب الحافلة بالخطف والتعذيب والقتل على الهوية؟ الاحرى ان نعتبر ان انسانيتنا هي التي تنتج ذلك. هذه هي الفضيحة! فبعد دهور من الارشاد والتنوير الفلسفي نصل الى ما وصلنا اليه من الهشاشة والعجز والتردي، عربا ومسلمين وبشرا: السقوط المريع في امتحان الالهيات والخلقيات والمتعاليات. انها ازمة وجودية تطال الدين والحداثة بقدر ما تتجاوز ثنائية الاسلام والغرب، في ضوء هذا الافلاس الوجودي، كما تشهد عليه الاخفاقات والانهيارات التي تجعل الدين يولد امراضه الخطيرة والفتاكة، بقدر ما تجعل الحداثة تصنع اعطالها وكوارثها. الاحرى ان نعيد النظر بالعدة الفكرية والمهمة الوجودية. فما نشكو منه ونفزع، هو مصدر ما نتمسك به او نمارسه او نقدسه، كما يتجسم ذلك في ارادات التآله والقبض والتيقن والتحكم والوصاية والاحتكار والمصادرة، بعقلية الالوهة والقداسة والعصمة والنخبة والبطولة والنجومية، وسوى ذلك من الآفات والادواء البشرية التي اوصلتنا الى مجتمع المخاطرة (اولريش بك)، او الى عقل الكارثة (جان بيار دوبوي)، او الى عصر الطامة (بول فيريليو). انه الداء الاعظم الذي يحول القرية الكونية الى "حالة طوارئ" دائمة عبر انتشار الاعمال الارهابية. بهذا المعنى ما من احد يعرى من منزعه الارهابي او الفاشي الذي تصنعه الموروثات العقائدية، اي "الميمات الثقافية"، التي هي نظائر "الجينات البيولوجية". والفرق بين واحد وآخر، هو ان هناك من يترجم هويته وتراثه او رغبته ومطالبه عنفا وارهابا، وهناك في المقابل من يعمل على معطيات وجوده لترجمتها الى عمل مدني، ديموقراطي، عقلاني او تداولي. مشروعية بشرية جديدة من هنا الحاجة الى التمرس بنقد هوياتنا الثقافية وتفكيك نماذجنا البشرية. فالانسان ليس الضحية بل هو المشكلة، بمركزيته واصطفائيته وشراسته وتكالبه. والرهان هو العمل على بناء مشروعية بشرية جديدة، بتوجهاتها وآفاقها واطرها وقواها وادواتها، بحيث تنفتح الابواب والفرص لاجتراح الحلول والمخارج، التي نتحول بها عما نحن عليه، بقدر ما تتشكل رؤى ومفاهيم وقيم وتوسطات نقتنع معها، بأن ما نقدسه او نتماهى معه او ندافع عنه من القضايا والحقوق والمصالح وسوى ذلك من الشؤون البشرية، انما ينتمي الى عالم التناهي والنقصان والجهل والنسيان والتعارض، بقدر ما هو منسوج مما هو نسبي وعارض او متعدد ومتنوع او هجين ومركب او ملتبس ومتوتر او متغير ومتحول او موقت وعابر. فكيف ونحن نلج في زمن الاشياء والرموز والثقافات العابرة للمجتمعات والقارات! من غير ذلك لا نحسن سوى انتهاك ما ندعو اليه، واستعداء بعضنا البعض، بلغاتنا العنيفة وهوياتنا العنصرية وعقلياتنا الارهابية وانظمتنا الشمولية. مرى اخرى الرهان هو ان نعتقد اننا اقل شأنا بكثير مما ندعي ونتصور. وهذا هو مؤدى مفهوم "الانسان الادنى"، بما يعنيه من التواضع الوجودي والتقى الفكري والعقل التداولي والمنطق التحويلي. بقلم علي حرب جذور الأرهاب والمورّثات الثقافية هي بضاعتنا الرمزية وترسانتنا المقدسة - منى كريم - 09-09-2005 لقد قرأت معظم كتب علي حرب ، و التقيته ذات مرة في مهرجان ثقافي ، له عقلية تدوينية ذكية ، و خطاب شفاهي خافت .. عبر عدة كتب تابع حرب هذا الجذر الإرهابي في العقل العربي ، تناول ثقافة النخبة و هي ثقافة فاسدة ، لأنها ثقافة مغلقة و أنانية وبمثابة قائد سيء للأمة ، فهي بدلاً من أن تؤسس المجتمع ، ترفع يديها مبدية اللاعلاقة بينها و بين المجتمع إنطلاقاً من مصطلح " لست بمصلح إجتماعي " .. هنالك كتاب للقصيمي إسمه "العرب ظاهرة صوتية" يتناول كيفية تتأثر العقلية العربية بالخطاب الشفاهي ، فالعرب ظاهرة صوتية وموروثهم بأكمله صوتي خطابي عالي النبرة ، و هذا هو الأداة التي تقوم بغسل الأدمغة .. الدين ينطق بخطابية شفاهية عالية ... الحكام كذلك ... المجتمع أيضاً .. بينما الأصوات التي تستطيع أن تحول العقول المغلقة إلى أخرى مفتوحة ، فتنزح إلى الخطاب التدويني مما يجعل صوتها مبحوح وغير مسموع للشارع الذي لا يقرأ أبداً .. جوبتر ، تمنيت لو وضعت هذا الموضوع في " فكر حر " لأن هذا القسم لا نراه أبداً إلا بصدفة نادرة .. منى |