حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين ,العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واح - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين ,العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واح (/showthread.php?tid=25308) |
حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين ,العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واح - بسام الخوري - 08-27-2005 العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة GMT 10:00:00 2005 السبت 27 أغسطس . بلال خبيز http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/200...005/8/86365.htm -------------------------------------------------------------------------------- حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين (4 من 5) العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واحد إقرأ أيضا السنية السياسية: الاشتباه الدولي حصون الطوائف: المارونية العائدة الشيعة: السلاح دائماً له حدان وتاريخان بلال خبيز من بيروت: يغالب المرء، وهو ينظر في أحوال الطائفة الدرزية وما آلت إليه أوضاعها في لبنان، الرغبة في ان يعود إلى تفحص تاريخ كراخانات الحرير التي انتشرت في جبل لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وشكلت يومذاك، ركيزة من ركائز اقتصاده الأساسية، وغيرت في طبيعة الأوزان الاقتصادية والسياسية تغييراً هائلاً. ورغم فضل الرجوع إلى تلك المرحلة واهمية التأسيس عليها، إلا ان المناقشة في اوضاع الطائفة الصغيرة التي تتحصن في جبل لبنان، مثلما تبدو حالها اليوم، ليس قليل الدلالات او معدومها. فالطائفة الدرزية بين الطوائف اللبنانية الكبرى، هي الطائفة التي لا يتناسب دورها السياسي الوازن والحاسم مع محدودية حجمها ومواردها. فلا يمكن افتراض ان هذه الطائفة تتغذى من وزنها العددي او مواردها الاقتصادية او الثقافية، حيث ثمة طوائف اخرى، مسيحية على وجه الخصوص، اكبر عدداً واوسع انتشاراً واهم دوراً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لكنها لا تؤدي الدور نفسه الذي تؤديه الطائفة الدرزية في موازين لبنان وعلى مستوى تقرير سياسته. ثمة مقولة شائعة في لبنان تفيد ان الطائفة الدرزية تخسر في السلم ما كانت قد ربحته في الحرب. وكثيراً ما اشار الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط إلى هذه المقولة في معرض اعتراضه على بنية النظام اللبناني. والحق ان مسألة الربح والخسارة التي تجري الإشارة إليها في هذا السياق ليست دقيقة كل الدقة. فنظراً إلى الحجم الفعلي للطائفة لا يبدو ان السلم يغمطها حقوقها. والحق ان لبنان ما بعد تعيين الرئيس إميل لحود رئيساً في دمشق عام 1998، كان يحكم بثلاثة رؤوس لها رابع. اي أن الحكم لم يكن ليستقر إلا على أربع قوائم، تتشكل من الطوائف الفاعلة الأربع التي تؤثر في السياسة اللبنانية. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها آل المر الارثوذكسيون في جبل لبنان لترتيب دور رابع او خامس في متن السياسة اللبنانية إلا ان هذه الجهود اصطدمت دائماً بحواجز صفيقة من الحلفاء والخصوم على حد سواء. المعنى ان وليد جنبلاط منذ الطائف على الأقل كان رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية لم يستطع أحد تجاوزه. بل بدا في بعض الأحيان الرقم الأول وإن كان ذلك لم يدم طويلاً، وهذا ما ظهر بوضوح في 14 شباط وما تلاه من حوادث في لبنان. يستند وليد جنبلاط في تثبيت دور طائفته الراجح إلى اربعة عوامل على الأرجح. الأول جغرافي حيث تنتشر الطائفة في سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة. وتراعي في انتشارها لحمة بين ابنائها ونصرة بعضهم بعضاً. هذا يفترض أن اهل الطائفة في لبنان يملكون احتمال التأثير في الداخل السوري والداخل الفلسطيني. مثلما تملك الطائفة في لبنان ان تستجير بهؤلاء لنصرتها كل حين. لا تعني النصرة بطبيعة الحال ان يجهّز اهل الطائفة جيشاً جراراً للدفاع عن حصون الدرزية اللبنانية، لكن اتصال المدى الدرزي وانتشاره في الدول الثلاث، يؤثر على نحو حاسم في توجهات كتل بشرية يحسب حسابها في كل دولة من هذه الدول. هذا يعني ان التعرض للدروز في لبنان لا يمر سورياً بسهولة ويسر، ويوجب على النظام السوري ان يتحوط لهذا الأمر داخلياً. والأمر نفسه ينسحب على الوضع في اسرائيل. لكن الطائفة من ناحية ثانية وبسبب هذا الانتشار الجغرافي تستطيع ان تخرق أي اجماع وطني إذا لم تُراعَى مصالحها بترتيب علاقات أهلية مع الجوار الدرزي خارج الحدود. لكن اوضاع الطائفة في سوريا ودولة اسرائيل ليست بالأوضاع التي يمكن المراهنة على دورها السياسي، وان لم يكن دورها الأهلي غائباً. لهذا يبدو زعيم الشوف زعيم الدروز في لبنان وجواره. وهذا يفترض ان من يتزعم لواء هذه الطائفة لا تختصر اوراقه بالداخل اللبناني وحسب، بل ايضاً بالجوار الذي لا بد ان يأخذ مصلحة هذه الطائفة في اعتباره. على اي حال فإن الدروز اللبنانيين بقيادة وليد جنبلاط نجحوا في شق هذه المعادلة والبناء عليها اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان، فلم تكن القيادة الاسرائيلية جاهلة بما يدور بين النظام السوري والزعيم الدرزي رغم احكام قبضتها على الشوف وتدبير فتائل لإشعال الحرب الأهلية التي عصفت بالجبل بين المسيحيين والدروز في ثمانينات القرن الماضي. وعلى النحو نفسه، لم يقطع وليد جنبلاط شعرة معاوية مع النظام السوري حتى وهو يصليه أشد العداء اللفظي. والأرجح ان القطيعة تمت من جانب واحد. وان المياه قد تعود إلى مجاريها ببعض الدراية وحسن الفطن. العامل الثاني الذي يجعل هذه الطائفة كبيرة الدور رغم ضآلة عددها، يتعلق بتاريخ لبنان نفسه. فالشراكة المارونية الدرزية هي بانية جبل لبنان الذي نعرفه اليوم، وكانت في أساس نظام القائممقاميتين العثماني. مما يجعل الطائفة التي تستوطن من لبنان وسطه وبعض حدوده مع سوريا واسرائيل في القلب من المعادلة الداخلية، مجاورة لبيروت العاصمة، وتمتلك بسبب موقعها الجغرافي امكانات سياحية واقتصادية قد تؤهلها لدور فاعل على هذا المستوى. العامل الثالث الذي تتغذى منه الطائفة هو تماسكها الشديد وصعوبة التفريق بين قادتها وأهلها. مما يجعلها قوية الشكيمة وحادة الانياب. ومن هذا المنبع تروج في لبنان مقولة ان الدروز ينتصرون في الحروب ويخسرون في السلم. ففي الحرب يقفون وقفة رجل واحد، لكنهم في السلم يعودون أهل طائفة صغيرة العدد محدودة الموارد. لكن الدور الأرجح الذي أدته الطائفة خلال العقود الأخيرة والذي ثبت زعامة ال جنبلاط على الطائفة من دون منازع، هو ارجحيتها في التدخل في الشأن اللبناني العام. اذ يملك وليد جنبلاط دون غيره من سائر زعامات الطوائف شرفاته البالغة الاهمية التي تشرف على المدى اللبناني الأعم، واحياناً العربي والدولي حين تكون الرياح الدولية والعربية مواتية. يمتلك وليد جنبلاط دون غيره من سائر الزعماء تاريخاً يمت بصلة قوية إلى التيارات العلمانية في لبنان. وكان الزعيم الدرزي لزمن خلا رئيساً للحركة الوطنية اللبنانية التي قادها والده كمال جنبلاط ردحاً من الزمن قبل اغتياله. كان الشهيد كمال جنبلاط، زعيماً مميزاً من زعماء لبنان. وكان له وقعه العربي والدولي، و وزنه الراجح في المعادلة اللبنانية. ويمكن القول ان قمقم الطائفة الضيق لم يكن يتسع لقائد وزعيم من قامته. هكذا تنكب الطريق الأصعب محاولاً ان يقود البلد برمته، لا طائفته و حسب. و يمكن اليوم ان يحكم المرء بسهولة ان الفارق الجوهري بين الأب والابن يتصل اتصالاً حثيثاً بهذ الإرث، فالراحل الكبير كان رجل خيارات كبرى، يعتنقها ويقيم فيها. اما الابن اللماح فهو رجل مواقف موجزة، سرعان ما ينجح في تغييرها وتبديلها من دون ان يخسر من شعبيته في صفوف الطائفة. والحق ان الأب كان يصرف من رصيده في الطائفة ليوظفه في حسابه العلماني اليساري، فيما بدا الابن طوال تاريخ تزعمه الطائفة يصرف من رصيد والده العلماني ليوظفه في حساب الطائفة الضيق. وبين الرجلين ثمة الفارق الكبير، فالأب الراحل كان قائداً لحركة وطنية عبرت بين الطوائف والمذاهب والمناطق من دون رادع، متسلحاً بمشروع علماني بالغ التنور في ذلك الحين. ويمكن القول ان تاريخه حافل بالانجازات الكبرى، وقد تكون الحرب الأهلية بعض اخطائه. اما الابن فورث عن ابيه رصيداً علمانياً كبيراً لا يستهان به، لكن معاركه الكبرى كانت في الدفاع عن حياض الطائفة وحدودها، وإذا واتته الظروف في محاولة تحسين شروط مشاركتها في السلطة والثروة اللبنانيتين. خلاصة القول ان جنبلاط الابن أثبت جدارته في زعامة الطائفة لكنه فشل في تزعم البلد، لكن والده اثبت جدارته في تزعم البلد وكان تزعمه لطائفته يتحصل له من فوائد تزعمه للبلد برمته. هكذا لعب الابن في ارث والده، وقد كان في احيان كثيرة مضطراً لذلك اضطراراً، لكنه ثبت زعامته على الطائفة من دون منازع. وحتى اليوم يستطيع جنبلاط الابن ان يتدخل في شؤون اليسار وشجونه، بوصفه واحداً من ورثته، خصوصاً في ظل الأزمة التي يعيشها اليسار اللبناني وتتوالى فصولاً منذ اكثر من عقد ونصف العقد. ومن هذا المصدر يكتسب الزعيم الدرزي قدرته على التدخل في الشؤون العامة. فهو ليس ممثلاً لطائفته وحسب بل هو ايضاً ممثل طائفة العلمانيين التي لا تحدها اي حدود والتي حين تكسب فإنما تكسب من لحم الطوائف كلها من دون تمييز. هذه الطائفة تمتلك احتمالات المستقبل في طبيعة تكوينها، لأنها تستطيع العبور بين كل المناطق والطوائف والمذاهب ولا تقف في وجهها اي حدود. والحال إن مشروعاً يسارياً ناهضاً في البلد في وسعه ان يهدد كل القوى الأخرى من دون أي تمييز. على هذا يستند جنبلاط إلى طائفة مطواعة تحت قيادته، فتارة يكون زعيم العلمانيين الذي لا يشق له غبار، وطوراً هو زعيم الدروز الذي يستوطنون من لبنان القلب والوسط. في اربعينية الشهيد جورج حاوي القائد الشيوعي البارز أبّنه رفيقه وصديقه ورفيق كمال جنبلاط، أمين عام منظمة العمل الشيوعي السيد محسن ابراهيم. قال في تأبينه ما يجب ان يقال في رفيق عزيز وقائد بارز. لكن كلمة ابراهيم لم تكن تأبينية وحسب، ففيها اعاد التذكير بأن روافد اليسار اللبناني كانت ثلاثة: التيار العروبي الذي اقترب من الفكر اليساري يومذاك والذي اقترب من لبنانية ما يمكن ان نناقش اليوم حدودها، بقيادة محسن ابراهيم نفسه، والتيار اليساري اللبنانوي الذي تقرب من العروبة بقيادة جورج حاوي، والتيار العلماني الذي كان يخرج حثيثاً ووئيداً من مذهبيته بقيادة كمال جنبلاط نحو علمانية بلا ضفاف. محسن ابراهيم اضاف ان الحركة الوطنية التي تزعمها الراحل كمال جنبلاط انجزت الكثير واخطأت كثيراً ايضاً، ومن بين اخطائها انها حمّلت البلد، دعماً للمقاومة الفلسطينية، ما لا يطيقه عدالة وانصافاً، وانها على حد تعبيره استسهلت ركوب سفينة الحرب الأهلية طريقاً للتغيير. هذا النقد أثار في الوسط السياسي ضجيجاً ونقاشات لم تهدأ بعد. وكان وليد جنبلاط بين الذي أثارهم الخطاب وبين من ردوا عليه معترضين. وليد جنبلاط قال رداً على ابراهيم: انه لغيرنا ان يتلو فعل الندامة لكننا لن نفعل ذلك بتاريخنا. كأنما خطاب ابراهيم قد اصاب في جنبلاط مقتلين: الأول في تاريخه والثاني في مستقبله. كان وليد حنبلاط يستعمل يساريته وعلمانيته حين يجد الوقت مناسباً لاستعمالهما، ويعود إلى طيهما والسكوت عنهما حين لا تعودان تخدمان مصلحته السياسية. و الحال، إن خطاب محسن ابراهيم ذكره بأن اليسارية والعلمانية ليستا هبة من السماء لآل جنبلاط يتوارثونهما أباً عن جد، وان والده نفسه قد استحقهما جهداً ونضالاً ولم تتحصلا له إرثاً أو مكرمة. وبذا يكون قد اصابه في مستقبله السياسي. ثم اصابه في تاريخه حين اعلن ان الحركة الوطنية بقيادة الثلاثي جنبلاط الأب، حاوي وابراهيم يحفل تاريخهم بانجازات كثيرة، أما الحرب الأهلية فهي من اخطائهم، وليست من انجازاتهم، في حين ان جل انجازات وليد جنبلاط كانت في هذه الحرب، على صهوتها وفي خنادقها الأهلية. وهذا يفترض ان مواليد الحرب يعجزون عن نقد تاريخهم لأن لا تاريخ لهم غيرها يستندون إليه. حدة جنبلاط في الرد على ابراهيم كانت تعني على الأرجح ان الرجل شعر ان بعض امضى اسلحة الطائفة تمثلت في غياب اليسار عن ساحة الفعل، حيث تسنى للزعيم الدرزي ان يستعمله وسمح لآخرين باستعماله. لكن تحديد الحدود التي وضعها محسن ابراهيم بين الطائفية والعلمانية تجعل من الصعب على أهل الطوائف ان يرثوا اليسار في حضوره. وفي هذا الحضور ما يجعل الطائفة التي يتزعمها جنبلاط امام خيارين احلاهما يحتاج لبذل كل جهد ممكن في سبيل تحقيقه. فلا تعود معهما الزعامة إرثاً بل عملاً دؤوباً لا يفلح معه التقلب بين المواقف والخيارات الذي ادمنه الزعيم الدرزي وجعله في متن سياسته طوال السنوات الحالكات التي مرت على البلد. حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين ,العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واح - بسام الخوري - 08-27-2005 حصون الطوائف: المارونية العائدة GMT 6:30:00 2005 الخميس 25 أغسطس . بلال خبيز -------------------------------------------------------------------------------- حصون الطوائف المنيعة (2 من 5) المارونية العائدة إقرأ أيضًا: حصون الطوائف المنيعة (1من5) السنية السياسية: الاشتباه الدولي رجال سورية في لبنان زوال الهيمنة السورية: متى يزيل اللبنانيون أسبابها عدنان عضوم: القضاء في خدمة الطموح(1) جميل السيد: CIA لبنانية تقبض على أحشاء الأنظمة السياسية(2) اسعد حردان: العلماني القوي(3) ناصر قنديل الذي قفز فوق كل الحواجز(4) كريم بقرادوني .. الرجل الثالث (5) غازي كنعان .. المايسترو (6) إيلي الفرزلي.. الولاء غير المشوب بشائبة(7) سليمان فرنجية: الجغرافية تتحكم في التاريخ(8) عبد الرحيم مراد العروبي على طول الخط(9) ميشال المر خط الدفاع الأول(10) سامي الخطيب رجل المراحل الانتقالية(11) إرسلان يطمح لدور أكبر(12) عاصم قانصو السياسة في اوقات الدوام الرسمي(13) اميل لحود: * انتخبه حافظ الاسد قبل انتخابه لبنانيًا(14) *افخاخ المستقبل(15) عمر كرامي: *السوري حاكمًا..المعارض محكومًا(1) *السنية السياسية في ميزان لبنان(2) بلال خبيز: حادثتان في الأسابيع القليلة الماضية حاولتا التأشير والتدليل على واقع الحال في لبنان . الحصار السوري من ناحية أولى، وجلسة مناقشات مجلس النواب من ناحية ثانية. يستطيع اي كان ان يلاحظ ان جلسة مناقشة البيان الوزاري في المجلس النيابي لم تكن على مستوى التحديات. هذا بعض مما درجنا عليه على مدى زمن لا يجدي ان نعد ايامه واسابيعه. لكن الجلسة من جهة أخرى كشفت عن ملامح المعارك المقبلة بين القوى التي تملك زمام المبادرة والقوة اللازمة لافتعال معارك وتثبيت مواقع. طبعاً ليس ثمة من أمل في ترتيب تسوية ما متوازنة وقادرة على الصمود والثبات. لكن ما طرح في المجلس النيابي بدا إلى حد بعيد مفهوماً ومعقولاً اذا ما ادرجناه في اطار عام يتعلق بتثبيت مراكز القوة وتحصينها على نحو يعصى على القوى الأخرى استغلالها. بدأت المناقشات بإثارة موضوعين حساسين على الأقل. الأجهزة الأمنية من جهة أولى والمتعاملين مع العدو الإسرائيلي من جهة ثانية. في الحالين كان نواب "التيار الوطني الحر" من أثار القضيتين على نحو ملتبس وملغز مما أثار اشكالات وسجالات لا تحصى. في حالة المتعاملين مع العدو الإسرائيلي كان الجنرال ميشال عون يستكمل معركة داخل البيت المسيحي. فلم يكن ممكناً ان يمر الموضوع من دون احراج كبير للطرف الأوزن بين اطراف المسيحية السياسية المتحالفة مع اهل السلطة التنفيذية وممثليها. كانت الاحتفالات قد رافقت خروج الدكتور سمير جعج من السجن. احتفالات بدت على نحو لافت كما لو انها اعادة تثبيت اقدام طرف سياسي وميليشيوي إلى هذا الحد او ذاك على ارضه وبين اهله. لم يمر الاحتفال من دون مشكلات أمنية. لكن المشكلات الأمنية لم تكن في حد ذاتها من دون دلالات سياسية تتخطى حدود التهديد المبطن بالحروب والصراعات المفهومة على خطوط تماس أصلية ديموغرافية وطائفية على نحو لا يرقى إليه الشك. فالعراضات "القواتية" كانت من دون شك احتفالاً سياسياً بعودة "القوات اللبنانية" طرفاً يملك وزناً مؤثراً في الشارع ويستطيع ان يدافع عن حدود منطقته على نحو فاعل. لكن هذه الاحتفالات التي علّمت الحدود المرعية الإجراء بين قوى طائفية تقتسم البلد سلطة وتستعد لتقاسم ثروته، إذا تبقى منها ما يمكن توزيعه، بدت امام اثارة "التيار الوطني الحر" موضوع المتعاملين مع العدو الإسرائيلي كما لو انها تستعد لمعركة داخل الحدود التي حاولت دمغها بشواخص ونقاط علام. فإذ يثار الموضوع بعيد خروج قائد "القوات اللبنانية" من السجن، فإن ذلك يشير على نحو بالغ الرداءة إلى احراج متوقع لقادة "القوات اللبنانية" أمام جمهور مسيحي سيبدأ بمطالبتهم بإثارة هذه القضية الشائكة. والحق ان هذا الجمهور المطالب بإعادة النظر في قضيته يمت بصلات ووشائج سياسية وامنية وعسكرية وثيقة ل"القوات اللبنانية" اكثر مما يتصل ب"التيار الوطني الحر" ويتعالق معه بوشائج مختلفة. ما يعني ان "القوات" ستجد نفسها اسيرة بين حدين، حد الجمهور المطالب بإعادة النظر في قضية هؤلاء وحد التحالفات السياسية التي ترتبط بها، والتي ترفض من جهتها كل بحث في هذا الموضوع. فمثل هذا الطلب الملح والضاغط إذا ما تمت الاستجابة إلى مفاعيله بحجة عفو الله عما مضى، وطي الصفحة الجديدة من فصول الحرب الأهلية الباردة، يجعل انجازات الطوائف الأخرى، الشيعية منها خصوصاً محل أخذ ورد. فكيف والحال هذه يستقيم التحرير وهو امر بالغ الأهمية للشيعة والبلد على حد سواء، بوصفه مكوناً من مكونات هوية البلد اليوم، من دون التشديد على الإنجاز بوصفه ملكاً للبلد وليس جزءاً من حرب أهلية لم تضع اوزارها. غاية الإثارة في هذا المقام ان يتحول "جيش لبنان الجنوبي" فئة اهلية من فئات البلد الأهلية المتحاربة، يستند في حربه وسلمه إلى تحالف مع طرف اقليمي، مثلما يستند خصمه، "حزب الله"، إلى طرف اقليمي آخر. بهذا المعنى يصبح انجاز التحرير مجرد استئناف لحرب اهلية لم تنته فصولها. وفي هذا ما ينزع عن الشيعة بعض اسباب اتصالهم بمباني الدولة اللبنانية ومعنى الوطن وانجاز هويته المطلوب الاتفاق عليها وحمايتها. على هذا يكسب "التيار الوطني الحر" نقطتين بالغتي الأهمية. فهو من جهة اولى يحرج الخصم الداخلي، ويجعله من دون حليف، او يدفعه إلى تجاهل مزاج الشارع المسيحي والجمهور الذي يؤيده فينزع عنه صفة تمثيلية مشكوك في صحتها بموجب ما افرزته الانتخابات الأخيرة. لكن هذا التحليل ينزع، من جهة ثانية، عن "التيار الوطني الحر" حجة اثيرة من حججه على مدى الأسابيع الماضية. حجة عبوره الطوائف واصراره على محاربة الفساد ومطالبته بإصلاح النظام. ليتم بذلك الطرح نزع ورقة التين الأخيرة عن لاطائفية التيار المدعاة، وعن عبوره الطوائف والمناطق حاملاً مشروع اصلاح النظام. ترافقت اثارة موضوع المتعاملين مع العدو الإسرائيلي من جانب "التيار الوطني الحر" وممثليه مع دعوة إلى انصاف الأجهزة الأمنية ومحاولة الدفاع عنها. وقد تلقفت الاطراف المشاركة في السلطة التنفيذية هذه الدعوة وجعلتها حجة في تجديد التهمة إلى الجنرال عون وتياره بالتحالف مع الأجهزة الأمنية التي تعيث في البلد فساداً والتي كانت بحسب منطوق هذه القوى السبب الرئيسي في تردي الأوضاع وووصولها إلى ما وصلت إليه اليوم. لكن هذه الحجة التي تفيد في سجال شعبوي على نحو من الانحاء ليست حجة مناسبة للمواجهة مع التيار. فليس ثمة عاقل يفترض ان في وسع البلد ان يتقدم ويستقر من دون قوى امنية واجهزة فاعلة. والحق ان مثل هذه المعركة التي تخاض ضد الأجهزة الأمنية انما تخاض بوصف هذه الاجهزة ذات توجه سياسي وليس بوصفها غير ضرورية او غير ذات فائدة للبلد وامنه واستقراره. والحال إن الاجهزة الأمنية مقبولة وضرورية إذا ما توافقت توجهاتها مع توجهات القوى المؤثرة في البلد. وحيث ان القوى المؤثرة لا تتفق على سياسة عامة وتختلف في كل التفاصيل، فإن الدور العام المفترض بالقوى الأمنية ان تؤديه يصبح معطلاً على نحو فاضح وخطير. المسألة تتعلق في حقيقة الأمر بأي قوى ولمن تتبع في توجهاتها وسياساتها، واي توجهات تخدم ولصالح اي قوى مؤثرة. وحيث ان التوافق بين القوى المؤثرة في البلد يكاد يبدو مستحيلاً، فإن هذه القوى تصبح معطلة وغير قادرة على الفعل. لكن "التيار الوطني الحر" يغرف من تاريخ خاص ويتجه نحو استعادته حيال القوى الأمنية وطبيعة دورها المقبل. كما لو ان الجنرال وتياره يطمحان لاستعادة دور سبق له ان كان حاسماً ووازناً لهذه القوى. انه بمعنى من المعاني يطالب بأن تعود القوى الأمنية إلى الحاضنة التي نشأت فيها اصلاً. حاضنة المارونية السياسية التي جعلت من الجيش والقوى الأمنية اداة من ادواتها في تثبيت سلطتها وهيمنتها في الجمهورية الأولى. اي عودة القوى إلى الوضعية التي كانت عليها سابقاً والتي كان الراحل كمال جنبلاط لا يكف عن التساؤل عن الكيفية التي يمكن من خلالها اختراق هذا الحصن الماروني بامتياز. والحق ان هذا الحصن تم اختراقه فعلاً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، لكن هذا الاختراق لم يتحول في اي حال من الأحوال إلى اكثر من اختراق أو، في احسن احواله، إلى احتمال استبدال هيمنة بأخرى. فحين يكون الجيش المتحالف مع "حزب الله" في السنوات الماضية هو حجة المعارضين للجزر الأمنية والمطالبين ببسط الدول اللبنانية سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة، وهو ما يتخوف "حزب الله" من احتمال حصوله، ويرفض رفضاً قاطعاً انتشاره في مناطق نفوذه، فهذا يعني بداهة ان هذا الجيش لم ينجز تحوله، ولم يصبح اداة من ادوات تثبيت هيمنة الحزب الأمنية التي كانت ولا تزال بينة في مناطق نفوذه، وكثيراً ما امتدت إلى خارجها خلال السنوات السابقة. والحال إن تعطيل الدور الذي يفترض بالجيش والقوى الامنية ان تقوم به كان الوسيلة الأنسب لتثبيت الوضع على ما هو عليه من تفتت وانقسام، وتعيين حدود وخطوط تماس بين القوى اللبنانية الوازنة. الجيش المهجور واليتيم والذي يبحث عن أب وأم لا يصح ان ينتسب إلا إلى ابوة الدولة الجامعة. والدولة الجامعة بالنسبة إلى "التيار الوطني الحر"، على ما يظهر، هي التي تستعيد جماع قبضتها من تاريخ سابق على الحرب، وتفترض ان الإقرار بجدواه هو سلاح من أسلحة استعادة المارونية السياسية حظوظها في الهيمنة على البلد مرة أخرى. هيمنة تستند هذه المرة إلى الخواء والتفتت وليس إلى مشروع جامع ينضوي تحت إطاره الجميع ويمكن الدفاع عنه. اسلحة "التيار الوطني الحر" وهو يحكم مقاليد تمثيله لمارونية سياسية مستجدة، ليست كلها منزوعة ويطمح إلى استعادتها. فثمة ايضاً وأساساً سلاح من أمضى الأسلحة على المستوى اللبناني العام ما زالت المارونية السياسية في لبنان تمتلك مقاليده او معظمها على الأقل. انه سلاح الهوية اللبنانية الأصيلة والتي كانت ولا تزال تفعل فعلها في السياسة اللبنانية. والحق ان اقفال الحدود البرية مع سوريا على النحو الذي جربته الإدارة السورية سلح هذه الهوية ببعض أعتى اسلحتها وأكثرها قدماً. كانت الحدود المقفلة تعني للبنانيين ان ثمة طريقا واحدا يمكن ان يسلكه لبنان إذا ما قرر الحفاظ على انتماء عروبي ما. هو طريق الانضباط تحت سقف هيمنة سورية مستندة إلى احكام جغرافية جائرة. وهذا في حد ذاته يطرح على بساط البحث مرة أخرى ضرورة التفكير ملياً في سبل الالتفاف والتحايل على جور الجغرافيا واحكامها مما يجعل ظهر البلد ووجهه إلى البحر معاً وجميعاً في آن واحد . لكن الخارج الجائر ما كان يمكنه ان يكون سلاحاً فاعلاً لولا ان البنيان الأصلي للهيمنة المارونية السابقة ما زال يملك بعض أهم مقوماته. فاتصال لبنان بالعالم له بنية تحتية، يحتكر الموارنة معظم مفاتيحها. هذه البنية التحتية هي التي جعلت جولة البطريرك في أميركا وأوروبا ذات ثقل هائل على الوضع الداخلي في بداية العقد الحالي. وهذا معنى المطالبات المتكررة بحق المغتربين في الانتخاب وإعادة الاعتبار للبنان المغترب. والحق ان الموارنة يملكون بالرسائل البريدية وحدها والحوالات المصرفية المحولة من المهجر إلى لبنان مفاتيح البنية التحتية لاتصال لبنان بالخارج عبر الدياسبورا اللبنانية المنتشرة في بقاع العالم. هذه الدياسبورا ليست من دون تأثير على كل حال، وليس ثمة من يستطيع ان يجادل في الدور الذي أدته الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة واستراليا وكندا وفرنسا في تحديد الاسس التي تقوم عليها صورة لبنان في الخارج. فكانت هذه الصورة على مدى العقد الماضي صناعة مارونية بامتياز. في بلد أخرجته اسلحة الطوائف طوال العقدين الماضيين من قدرته على تشكيل اكثريات غير عددية تتصل بالدور والموارد والقوى المؤثرة اقتصاداً وثقافة واجتماعاً، يبدو الطموح نحو استعادة تشكيل مثل هذه الأكثريات محفوفاً بكل انواع الأخطار ويهدد البلد في صلب أمنه الأهلي، وخطوط تماسه. الأمر الذي يجعل المرء يحدس ان تشكيل اكثرية ذات موارد وازنة من هذا المرجل الذي يغلي بالانقسامات وينبذ من حوافه واطرافه كل احتمال مشترك بين اللبنانيين، أمر مستحيل لا يمكن المراهنة عليه من دون المغامرة بالبلد جملة وتفصيلاً. http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/200...005/8/85916.htm حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين ,العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واح - بسام الخوري - 08-27-2005 حصون الطوائف المنيعة (1) GMT 4:00:00 2005 الأربعاء 24 أغسطس . بلال خبيز -------------------------------------------------------------------------------- حصون الطوائف المنيعة (1) السنية السياسية: الاشتباه الدولي إقرأ أيضًا: رجال سورية في لبنان زوال الهيمنة السورية: متى يزيل اللبنانيون أسبابها عدنان عضوم: القضاء في خدمة الطموح(1) جميل السيد: CIA لبنانية تقبض على أحشاء الأنظمة السياسية(2) اسعد حردان: العلماني القوي(3) ناصر قنديل الذي قفز فوق كل الحواجز(4) كريم بقرادوني .. الرجل الثالث (5) غازي كنعان .. المايسترو (6) إيلي الفرزلي.. الولاء غير المشوب بشائبة(7) سليمان فرنجية: الجغرافية تتحكم في التاريخ(8) عبد الرحيم مراد العروبي على طول الخط(9) ميشال المر خط الدفاع الأول(10) سامي الخطيب رجل المراحل الانتقالية(11) إرسلان يطمح لدور أكبر(12) عاصم قانصو السياسة في اوقات الدوام الرسمي(13) اميل لحود: * انتخبه حافظ الاسد قبل انتخابه لبنانيًا(14) *افخاخ المستقبل(15) عمر كرامي: *السوري حاكمًا..المعارض محكومًا(1) *السنية السياسية في ميزان لبنان(2) بلال خبيز: كان يوم 14 شباط من العام 2005 تاريخيًا في تاريخ السنية السياسية في لبنان. في ذلك اليوم اغتيل ابرز زعماء البلاد مع عدد من مرافقيه في جريمة تفجير مروعة. كانت لهذا الاغتيال كما يعرف الجميع اثار مروعة على البلاد برمتها. ليس من نافل القول ان الآثار امتدت من الاقتصاد إلى السياسة فالثقافة وصولًا إلى الاجتماع بما يشبه الزلزال. ثمة بعد الحادثة الكبرى ما يمكن اعتباره قطعًا مع تواريخ سابقة، واتجاهات عامة. قطع يكاد يشبه في حدته الانقلابات الحاسمة. خرجت بيروت، بقضها وقضيضها لتشييع الراحل الكبير. هذا الخروج في حد ذاته أثمر نتيجتين كبريين على الأقل. الأولى تمثلت في الاعلان الصريح من الطوائف والمذاهب والقوى السياسية والاجتماعية كافة غيرتها على البلاد وتطلبها العيش فيها، وانضباطها تحت سقف سلمها المهزوز. والثانية تمثلت في الخيبة الكبرى التي أصابت التاريخ السني السياسي في البلاد ومحاولة الطائفة الكبرى مواردا وعددًا الالتفاف على الفجيعة الكبرى والمبادرة المستعجلة إلى ترتيب شؤون البيت اللبناني على وجه السرعة. لم يخل الأمر من ارتباك بيّن على مستوى الأداء السياسي لوجهاء بيت الطائفة الأكبر في لبنان. مثلما لم تخل ردود الفعل على الحدث الجلل من ارتجال كان ولا يزال في غير محله، وإن كان بعضهم ما زال يحاول تثميره في صالح الطائفة ودورها الراجح. في المستوى الأول على المرء ان يسجل ايجابية كبرى يمكن البناء عليها، حيث تداعى اللبنانيون من طوائفهم ومناطقهم كافة للتظاهر في بيروت وتحت العلم. كان في ذلك ما يثبت ان الخلاف مهما قويت وشائجه ومهما تعددت منابعه واصوله، لا يستقيم إلا تحت العلم. فلم يلجأ "حزب الله" الذي تزعم مظاهرة 8 آذار إلى العصيان في المناطق واعلان نفسه خارج سياق السلطة والدولة وأهلها. مثلما ان تظاهره تحت العلم اللبناني ترافق أيضًا مع تشديد من أمينه العام الذي زار وسط بيروت للمرة الأولى في ذلك اليوم، على كون المتظاهرين تحت الرايات اللبنانية في ساحة رياض الصلح، ليسوا كل اللبنانيين وان كان الحشد الهائل يغري الناظر بالقول ان هذا ليس لبنان وحده، بل هو لبنان وبعض سوريا. بل ان هؤلاء، ورغم الأعداد الهائلة التي تصطف وتهتف وتلوح بالأعلام، ليسوا إلا جزءًا من اللبنانيين فيما الجزء الآخر يتظاهر في الساحة الأخرى، في بيروت أيضًا وتحت قبة المسجد الجامع الذي بناه الراحل وتحول مدفنًا له. كان التظاهر الشيعي الحاشد يعلن انه ينتظم تحت حد العلم رمزًا لا محيد عنه، وداخل أسوار المدينة الكبرى تاليًا وأمرًا واقعًا. لكن هذا التظاهر كان يضمر من جهة أخرى ان بيروت التي يمكن الاحتشاد فيها، هي بيروت المدينة المفتوحة لكل القوى، وهي بيروت عاصمة الوطن، حين يكون الوطن وطنًا حقًا. وفي وسعها مهما ضاقت شعارات المتظاهرين أن تستوعب ما يجري وان تحوله في ما يضر المتظاهر ويفيد البلاد، او في أسوأ الاحوال في ما يفيد المتظاهر والبلاد على حد سواء. لكن هذا التظاهر المشهود لم يؤخذ في البلاد على معناه الآنف الذكر. ذلك ان هذا المعنى ما كان له ليستقيم ويصلب عوده إذا لم يؤازره تيار حاشد يمثل ما هو مشترك بين اللبنانيين حقًا وفعلًا. والحال كنا امام مظاهرتين بالغتي الأهمية. الأولى تمثلت في تشييع الرئيس الحريري حيث احتشدت المدينة الأكبر في لبنان تحت راية الاعتراض على الاغتيال الذي يطاول عموم البلاد وليس جهة من جهاته. والثانية عنت من دون كثير لبس وغموض دخول العاصي والخارج والطرفي في المتن تحت العلم، مستظلًا المدينة الأكبر. لكن المظاهرتان سرعان ما انزاحتا عن هذا المعنى إلى معان اخرى بدت في غير صالح البلاد، بما هي بلاد ووطن وكيان. اعقبت المظاهرة الكبرى التي تزعمها "حزب الله" مظاهرة دعا إليها تيار "المستقبل" والقوى السياسية – الطائفية المتحالفة معه على خوض معركة التفلت من قيود الهيمنة السورية الثقيلة على البلاد مقدرات وسياسة وتوجهات. احتشد السنة والموارنة والدروز ومعظم أهل الطوائف الأخرى في مظاهرة حاشدة في 14 اذار، في مطلع الاسبوع الذي اعقب مظاهرة "حزب الله" الحاشدة. تزعم السنة هذا المهرجان الحاشد، وانتظمت الطوائف الأخرى فيه تحت راياتهم وخطابهم. وأثمر التزعم والانتظام هذان نتيجتين بالغتي التأثير في مستقبل لبنان: فمن جهة أولى كان المحتشدون يعترضون على مظاهرة "الوفاء لسورية" التي تستعد للخروج من لبنان، وكانوا يعاودون تحديد خطوط التماس الطائفية بما لا يقبل الجدل والشك، من جهة ثانية. الكثيرون تحدثوا عن اغتيال معاني 14 اذار. لكن أحدًا لم يعلن ما طبيعة هذه المعاني وما كان يجب ان تنتجه حقًا وفعلًا. لكن المرء وهو يستعيد تلك اللحظات الحرجة لا بد أن يلاحظ ان التظاهرة نفسها، هي تتويج اغتيال أي معنى للماضي أو للمستقبل لما سمي ثورة الاستقلال. حيث ان اجتماع عدد من طوائف لبنان تحت راية سنية لا لبس في هويتها، ليس أقل من اعادة ترسيم الحدود الحاسمة بين الطوائف على وجه محدد. كانت المظاهرة مثابة الرد على احتلال "حزب الله" حيزًا من أحياز العاصمة لزمن قصير، قال فيه قولته وأعلن فيه خطابه. ليصار إلى تأكيد ان هذه المدينة لها مراجع وتستند إلى حدود واضحة، وتملك أيضًا خطوط تماس يجب إعادة رسمها وتأكيدها مرة اخرى وأخيرة. وعليه أرادت مظاهرة 14 اذار ان تطرد خصمين من المدينة نفسها، النفوذ السوري من ناحية أولى، واحتمال ان يملأ "حزب الله" ومن معه فراغ هذا النفوذ عنوة وبخلاف رغبة أهل المدينة وناسها ومتنفذيها ووجهائها. الدفاع عن بيروت ليس أمرًا مستغربًا على "تيار المستقبل" ومن يمثل وما يمثل في لبنان. فمشروع الحريري تركز في وسطها التجاري. وعلى هذا الوسط عقدت كل آماله في تحقيق دور حاسم من أدوار السنية السياسية الحديثة التي احتكر رفيق الحريري الأب تمثيلها في بيروت، وأتى اغتياله ليسمح لورثته باحتكار الزعامة على الطائفة السنية في مدنها الكبرى فضلًا عن القرى والأقاليم. والحق إن الاستناد إلى بيروت والدفاع عنها ليس دفاعًا غير مشروع على الإطلاق، لكنه لا يصدر عن هوى حداثوي أصاب الطائفة وزعمائها على حين غرة، ولا يمثل استفاقة على ضرورة تجنب شرور الطائفية، مثلما يحلو للجميع القول في لبنان، وسعي حثيث لتجاوزها نحو تحقيق الهوية الوطنية الجامعة والتي تصهر اللبنانيين في بوتقتها الشاملة. الدفاع عن بيروت في وجه الغزوة التي مثلتها مظاهرة "حزب الله"، هو دفاع عن صفاء المدينة الطائفي، وعن الامتيازات التي يتيحها استمرار هذا الصفاء فاعلًا ومنجزًا ونقيًا للطائفة ودورها في المستوى اللبناني الأعم. تمثل بيروت المدينة الوحيدة التي يمكن ان تحوز شروط المدينة التامة في لبنان. ويغلب على أهلها الأصيلين الانتماء إلى المذهب السني، فضلًا عن مذاهب متعددة أخرى مسيحية واسلامية، ولعل الطائفة الارثوذوكسية ابرزها في مستوى الدور الاقتصادي والتاريخي. لكن ما يميز السنة في لبنان انهم يشكلون غالبية أهل المدن الساحلية الكبرى، من طرابلس إلى صيدا فبيروت، وحتى مدينة صور التي يغلب عليها الجوار والسكن الشيعي. لكن بيروت تمتلك خصائص بالغة الأهمية تميزها عن بقية المدن اللبنانية تمييزًا حاسمًا. فهي العاصمة والمدينة الأكبر، والمركز السياسي والمالي والاقتصادي والإعلامي والثقافي. وفي اختصار شديد، بيروت هي بيضة ميزان لبنان، يبنى على ازدهارها ازدهار البلد وعلى حربها حروبه وعلى سلمها سلمه. فضلًا عن هذا كله إن بيروت من جهة ثانية هي المدينة الاكثر اتساعًا لهجرات اللبنانيين إليها من الأرياف والمدن الأخرى. في طبيعة الحال تنتج من هذا الدور الحاسم والمركزي الذي تؤديه بيروت في المستوى اللبناني الأعم نتائج بالغة الاهمية ينبغي تسجيل أبرزها على نحو دقيق. بيروت هي المركز السياسي، وهذا يعني في ما يعنيه انها تضم السفارات والوزارات ومؤسسات الدولة الأكبر. مع ما يفترض هذا الأمر من انتعاش اقتصادي لأهلها وسكانها. ثم ان بيروت هي المركز المالي، مع ما يعنيه ذلك ايضًا من تركز للثروات داخل حدودها، ثم انها ايضًا المركز الاقتصادي، وذلك يعني ان الخبرات الاقتصادية والعلمية تهاجر إليها من الأرياف والمناطق. فضلًا عن الدور نفسه الذي يعنيه كون المدينة هي المركز الإعلامي والثقافي. هذا كله يفترض أن ممولًا او مستثمرًا يريد الاستثمار في لبنان، سيختار بيروت مقرًا لأعماله. ففيها تتركز الخبرات البشرية، والمدينة نفسها تتمتع بأفضل شروط البنى التحتية في لبنان، وبما ان المؤسسات والدوائر الرسمية تتركز فيها ايضًا فإن المستثمر يفضل ان يباشر معاملاته في أقرب الدوائر إليه، ثم انها مفتوحة على البحر والبر والجو. مطارها هو المطار الوحيد في لبنان، ومرفأها كذلك تقريبًا. والحال إن تركز الاستثمارات من كل نوع في بيروت يعني بداهة ان مالكي عقاراتها يفيدون افادة عظمى من هذا الدور. وقد لاحظ احمد بيضون وهو يرصد بعض التحولات في شارع الحمراء الشهير في بيروت، ان بعض المحلات التجارية في هذا الشارع سرعان ما تتغير وظائفها بسبب الكساد الاقتصادي الذي كان يضرب البلاد. فالمحل نفسه يكون هذا الشهر مختصًا ببيع الهواتف الخليوية، بعدما كان في الشهر الذي سبقه مطعمًا ثم يتحول في الشهر التالي محلًا لبيع الألبسة النسائية. هذا التبدل لا شك انه يعود في اصله واسبابه إلى كساد يصيب التاجر او صاحب المطعم، فيضطره إلى بيع ممتلكاته وحصر خسائره. لكننا في الاحوال كافة نعرف ان صاحب العقار لم يتغير وهو يتسلم ايجار المحل كل شهر من التاجر الذي يتغير بحسب نجاحه او فشله. هذه الملاحظة تعني في أول ما تعنيه ان الرابح الثابت في هذه المعادلة هو مالك العقار الأصلي. والحال إنه من المعبر اقتصاديًا ان يقع المطار في بيروت وليس في بعلبك مثلًا ما يعني ان اهل بعلبك وملاك عقاراتها سيفيدون حكمًا من نشوء مؤسسة على هذا القدر من الأهمية الاقتصادية في مدينتهم. مثلما انه لو استقرت الجامعة الاميركية في الشمال مثلًا لساهمت مساهمة فاعلة في إطلاق حيوية اقتصادية ما بتأثير الجامعة ودورها. والحال إن تركز هذه المرافق جميعها في بيروت ، يجعل معادلة الربح والخسارة جائرة على نحو ما. ثمة ملاك العقارات الرابحون على الدوام، وثمة المستثمرون الذين قد يربحون وقد يخسرون بحسب الشروط الاقتصادية والسياسية التي تخضع لها استثماراتهم. لكن الأمر لا يقتصر على هذه النتيجة البالغة الأهمية وحدها. بل ينبغي النظر إلى المعنى الآخر الذي يعنيه تركز المرافق في بيروت دون غيرها. فالمستثمر الذي ينجح استثماره في هذه المدينة هو مستثمر خسرته منطقته وربحته بيروت. أي أن التاجر الكسرواني الذي تنجح تجارته في بيروت يفيد بيروت وأهلها ويصعب أن يفيد كسروان وأهلها. والحال إن احتكار تمثيل بيروت سياسيًا بالغ الأهمية في المعادلة اللبنانية الداخلية. لأن هذا الاحتكار يشمل في من يشملهم كثيرون من نخبة اهل المناطق والقرى والمدن الأخرى. اي ان السياسة التي تدير بيروت وتدار بموجبها هي سياسة تؤثر على اصحاب البنوك والرساميل والتجار الكبار، وهم تاليًا ينسجون وشائج وصلات وعلاقات وثيقة مع بيروت وزعمائها على نحو لا فكاك منه. فتخسرهم طوائفهم، وهم بعض مواردها البالغة الأهمية وتربحهم بيروت، ومن يمثلها في السياسة والقانون. والمثال نفسه ينسحب على الثقافة والسياحة والإعلام. من هذا المورد بالضبط، تكتسب السنية السياسية ثقلها الراجح في المعادلة السياسية اللبنانية. ومن هذا المورد ايضًا تتلبس المذهبية الطائفية لبوس الحداثة واتصالها بالعصر. وحيث ان القوى الديموقراطية والعلمانية تعاني نحولًا وضعفًا شديدين في اعقاب حرب اهلية اكلت امالها وطموحاتها واحلامها الكبيرة، فإن المستثمر الوحيد لكل الجهد الذي يقع في المشترك بين اللبنانيين اقتصادًا وثقافة واجتماعًا يستثمر في مواجهة القوى الطائفية الأخرى على نحو واضح، ويجعل من السنية السياسية تنجح في استثمار الالتباس بين محليتها الضيقة والدولة الجامعة. في وقت تظهر فيه القوى الطائفية الأخرى كما لو انها طارئة على البلاد وينبغي استئصال شأفتها وكسر شوكتها ليتسنى للدولة الجامعة ان تسود. حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين ,العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واح - بسام الخوري - 08-27-2005 حصون الطوائف (3 من 5) GMT 10:00:00 2005 الجمعة 26 أغسطس . بلال خبيز -------------------------------------------------------------------------------- حصون الطوائف المنيعة (3 من 5) الشيعة: السلاح دائماً له حدان وتاريخان إقرأ أيضًا: حصون الطوائف المنيعة (2من5) المارونية العائدة حصون الطوائف المنيعة (1من5) السنية السياسية: الاشتباه الدولي رجال سورية في لبنان زوال الهيمنة السورية: متى يزيل اللبنانيون أسبابها عدنان عضوم: القضاء في خدمة الطموح(1) جميل السيد: CIA لبنانية تقبض على أحشاء الأنظمة السياسية(2) اسعد حردان: العلماني القوي(3) ناصر قنديل الذي قفز فوق كل الحواجز(4) كريم بقرادوني .. الرجل الثالث (5) غازي كنعان .. المايسترو (6) إيلي الفرزلي.. الولاء غير المشوب بشائبة(7) سليمان فرنجية: الجغرافية تتحكم في التاريخ(8) عبد الرحيم مراد العروبي على طول الخط(9) ميشال المر خط الدفاع الأول(10) سامي الخطيب رجل المراحل الانتقالية(11) إرسلان يطمح لدور أكبر(12) عاصم قانصو السياسة في اوقات الدوام الرسمي(13) اميل لحود: * انتخبه حافظ الاسد قبل انتخابه لبنانيًا(14) *افخاخ المستقبل(15) عمر كرامي: *السوري حاكمًا..المعارض محكومًا(1) *السنية السياسية في ميزان لبنان(2) بلال خبيز من بيروت: لا يختصر حزب الله وسلاحه، موضوع السلاح الشيعي في لبنان. ويعرف اللبنانيون ان سلاح حزب الله المطلوب دولياً ومحلياً نزعه هو الورقة شبه الوحيدة التي يملكها النصاب السياسي الشيعي في مواجهة الطوائف الأخرى. لكن ما يختلف بين سلاح حزب الله كما هو عليه اليوم وسلاح الشيعة مثلما ما كانت عليه احوالهم منذ العقد السادس من القرن العشرين يتعلق بتضخم هذا الدور وتجاوزه الحدود المحلية والأهلية، ليلعب دوراً ممتازاً على المستوى العربي والدولي على حد سواء. على هذا لا يبدو سلاح حزب الله قابلاً للنزع في يسر وسهولة. ويذهب العقيد جوني عبده سفير لبنان السابق في فرنسا وجنيف، والقريب من الرئيس الراحل رفيق الحريري، إلى التصريح لـ "إيلاف" في حديث مع الزميلة ريما زهار، إلى اعتبار مناقشة سلاح حزب الله او البدء بمناقشته أمر لا يستوفي الشروط المنطقية التي تتيح للبنانيين تحقيق نتائج مرضية على هذا المستوى. وبحسب العقيد فإنه من الملح ان يصل اللبنانيون إلى تحقيق صيغة ما تتيح تحصين استقلال لبنان وجعله ناجزاً مما يمنع أو يتصدى لأي خرق اسرائيلي في الأجواء او المياه اللبنانية، فضلاً عن الأرض اللبنانية بطبيعة الحال، وبحسب العقيد دائماً، لا يصح طرح مسألة سلاح حزب الله على الطاولة تمهيداً لنزع سلاحه، إلا مترافقاً مع إنجاز من هذا القبيل. المعضل في ما يطرحه العقيد عبده هو ما يتعلق بدور السلاح الخارجي. أي بدور حزب الله في حماية الحدود وتحرير الأرض من الاحتلال الاسرائيلي، لكنه لا يرى أي مشكلة كبرى في سلاح حزب الله الاهلي، فهذا من الامور التي يسهل على اللبنانيين حلها. طبعاً لا نستطيع ان نقوّل الرجل ما لم يقله. فالسياسة في لبنان تستأخر البحث الجدي والشامل على الدوام، وتحاول حل الإشكالات الملحة ومعالجة الاخطار الداهمة. اي انها سياسة في مهب الخطر. تتحرك وتنشط في مثل هذه اللحظات بالضبط. وقد يكون العقيد يعرف جيداً تعقيدات هذا السلاح، لكنه ايضاً يعرف انه من المفيد، لحلحلة العقد، ان تحل مسائل هذا السلاح الشائكة عقدة عقدة، لئلا تبدو عصية على اي حل. والحق ان سلاح حزب الله المطلوب نزعه اليوم، هو سلاحان. سلاح أهلي بامتياز له نصاب وتاريخ. وسلاح وطني ايضاً بامتياز له ايضاً نصاب وتاريخ. وفي الحالين، لا يعدو ان يكون حزب الله وريث هذين السلاحين دفعة واحدة وعلى نحو لم يتحصل لطرف آخر من قبل. لكن المفارقة البالغة التعبير في هذا المجال تتعلق بكون المطالبين بنزع سلاح حزب الله اليوم من اللبنانيين يستندون إلى مفاعيل القرار 1559، بمعنى ان ما يلح في مسألة هذا السلاح هو بالضبط شقه الوطني بامتياز. في حين ان احداً لا يناقش سلاح حزب الله الأهلي إلا مواربة وعلى غير صراحة او تحديد. المعضل في هذا السلاح هو في طريقة نزعه. فإذا نزع لمصلحة تعطيل دوره الوطني – التحريري، يغامر اللبنانيون في تعطيل أحد أهم مقومات الهوية اللبنانية في العقود السابقة التي دفع اللبنانيون ثمناً غالياً لتحقيقها. لكنهم ايضاً يغامرون في جعل السلاح الأهلي حقاً من حقوق الطائفة لا يستقيم دورها في الشراكة اللبنانية المستجدة إلا بوجوده وامتشاقه والتهديد به، وتالياً حماية حدود الطائفة بواسطة هذا السلاح. والحق انه اجدى للبنانيين ان يناقشوا كيفية نزع السلاح الأهلي بدلاً من مناقشة كيفية نزع السلاح المقاوم. لكن الأمور لا تسير في لبنان مثلما يشتهي البلد في استواءه وطناً لمواطنين من الطوائف والمذاهب كافة. ليست المرة الأولى في تاريخ الشيعة في لبنان التي يطرح موضوع سلاحهم على بساط البحث الأهلي. وعلى كل حال، قد يكون من المفيد مناقشة وتحليل اوضاع الطائفة الشيعية في لبنان وعلاقتها بمباني الدولة اللبنانية واسباب بقائها على اعتابها طوال اكثر من ربع قرن من تاريخ لبنان المستقل. لكن المهم في هذا السياق يتعلق بولادة السلاح. واذ يجمع المؤرخون والسياسيون على تحديد تاريخ للتدخل الشيعي في اصول الصيغة اللبنانية، فإن المرء يستطيع ان يلاحظ من غير كثير جهد، ان محاولة الشيعة السياسية الدخول طرفاً ولو ثانوياً في المعادلة اللبنانية ترافقت مع تسلح وتدريب وتشكيلات شبه عسكرية وميليشيوية في مطلع سبيعنات القرن الماضي. اي في الفترة الزمنية نفسها التي شهدت المحاولة الشيعية الأكثر جدية في الدخول إلى أصل الصيغة اللبنانية. ويستطيع المرء ان يلاحظ ايضاً ان الأبطال هم انفسهم في الصيغتين. فالداعون إلى التسلح بوصف "السلاح زينة الرجال" هم انفسهم الذين دعوا من ناحية أخرى إلى ضرورة المشاركة الفاعلة في الصيغة اللبنانية، وحجز دور راجح لأهل الطائفة في مبانيها. في الإمكان ان نبنى على هذه الملاحظة نتيجتين حاسمتين: أولاهما ان الطائفة الشيعية لم تكن حتى ستينات القرن الماضي قادرة على الدخول في مباني الدولة اللبنانية على أي وجه من الوجوه، واستمرت على هذه الصيغة الحذرة طوال زمن الهيمنة السورية على لبنان. وثانيتهما ان السلاح الشيعي كان وسيلة من الوسائل الحاسمة التي توسلت بها الطائفة ترسيخ حضورها في المعادلة اللبنانية الداخلية. لكن سلاح الطائفة في السبيعنات وطوال زمن الثمانينات من القرن الماضي وحتى اوائل تسعيناته كان سلاحاً أهلياً بامتياز. تقلب في الولاءات والاتجاهات بحسب مصلحة الطائفة التي قُدّمت دائماً على مصلحة الوطن. هذا السلاح كان سلاحاً مهادناً في الحرب الأهلية اللبنانية، وكان على نحو من الانحاء يهدف في ذلك الزمن إلى حجز مقعد في الحرب المقبلة لأهل الطائفة اكثر منه سلاحاً يريد الدخول في مغامرة الحرب الأهلية المنفلتة من عقالها. لكن هذا السلاح ما لبث ان توجه نحو المقاومة الفلسطينية المتحالفة مع الحركة الوطنية، منذ النصف الثاني من السبعينات، معترضاً، أي السلاح الأهلي هذا، على شروط الصراع غير المتكافئ مع اسرائيل الذي كانت الحركة الوطنية اللبنانية تدافع عنه، وتحجز البلد في قمقم هذا الصراع وتستبيح مقدراته وتعلق اجتماعه على مشجبه. استمر السلاح الشيعي سلاحاً فاعلاً على هذا الصعيد، وشهد ذروة تصاعده في بدايات النصف الثاني من الثمانينات، في ما سمي يوم ذاك حرب المخيمات، عندما لجأت حركة "امل" القوة الأبرز بين الجماعات الأهلية الشيعية يوم ذاك إلى شن حرب قاسية وطاحنة على مخيمات بيروت والضاحية الجنوبية، وتم استكمالها في حروب مماثلة على مخيمات الجنوب في ما بعد. والحق ان حركة "أمل" المسلحة، والتي خاضت حروباً طويلة ومريرة ضد تحالف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قبيل الاجتياح الاسرائيلي لجنوب للبنان صيف العام 1982، استقبلت الجيش الاسرائيلي بمزيج من الفتور والحذر في مناطق معينة وببعض الترحيب الخفر في مناطق اخرى، مما كان يعكس يوم ذاك حرج الشيعية السياسية حيال ما يتعلق بدور لبنان الاقليمي والعربي، واقتصار طموحاتها على الدور الاهلي الذي تطمح لتحقيق بعض شروطه. فالسلاح الذي كان فصيحاً ضد المقاومة الفلسطينية، اصابه البكم والعياء ضد اسرائيل. والحق انه تأسيساً على هذين البكم والعياء تسلم حزب الله الذي تشكل في النصف الثاني من الثمانينات زمام المبادرة من حركة أمل، ووجه السلاح وجهة وحيدة نحو اسرائيل، وصولاً إلى استفراده وحيداً بمقاومتها منذ النصف الثاني من التسعينات وحتى التحرير ربيع العام 2000. هذا التأريخ الناقص لتوجهات السلاح الشيعي في لبنان، يريد التنبيه إلى خاصيتين: الأولى ان لسلاح حزب الله اليوم تاريخين: تاريخ أهلي موروث من جراب الطائفة نفسها، وهو سلاح يستطيع أو هو مولج بالدفاع عن الطائفة ومصالحها على المستوى الداخلي. والتاريخ الثاني موروث من الحركة الوطنية اللبنانية وحليفتها المقاومة الفلسطينية، اللتين دعتا إلى اعتبار لبنان طرفاً اساسياً في الصراع العربي الاسرائيلي وكثيراً ما بالغ الطرفان في حصة لبنان من اكلاف هذا الصراع، إلى حد بدا معه انه البلد الوحيد الذي يخوض حروباً عربية - اسرائيلية مستحيلة. لهذه الأسباب يبدو سلاح حزب الله اليوم صعباً على المناقشة وخطيراً على استتباب السلم الأهلي. وتالياً يترجح حزب الله بين سلفين: سلف وطني – قومي - عربي - إسلامي، وسلف اهلي. وعليه ان ينجح في ان يشتق معادلة تحمي الوجهتين. لكن حشر حزب الله في زاوية من الزاويتين بما لا يتيح له المحافظة على هذه المعادلة الصعبة قد يجعل سلاحه سلاحاً أهلياً بامتياز، كليل المخالب ومحفوف الأنياب في وجه التدخلات الاسرائيلية، وطويلها في وجه الطوائف الأخرى وأسلحتها الموروثة والتي تنافسه على كل دور. قد يكون من المفيد التذكير عرضاً ان حزب الله اللبناني، طوال زمن الهيمنة السورية على لبنان، لم يستطع ان يدخل محراب السياسة اللبنانية وان يعتلي منبرها. كان على الدوام خارج المعادلة الداخلية، ومولجاً بتحقيق النصر على العدو الاسرائيلي من دون ان يكون له أي دور فاعل في المسائل الداخلية. والحق انه طوال ذلك الزمن كان دهاقنة السياسة اللبنانية يطردونه من متنها ما ان يوحي او يحاول دخولاً في هذا المتن. ومن غرائب السياسة اللبنانية ومستهجناتها ان الطرف الأقوى محلياً في دعم السياسة السورية لم يتم توزيره في اي من الحكومات التي كانت سوريا تشكلها وتطبخها في عنجر. بل كان على الدوام خارج الصيغة مطروداً من الوسط نحو الاطراف. لكن هذا الحزب شهد أول انتصاراته السياسية على المستوى الداخلي ما ان ارتفعت يد الهيمنة السورية الثقيلة عن رقبة اللبنانيين. فتحول لاعباً اساسياً من لاعبيها مع اول حكومات ما بعد الهيمنة السورية وما زال حتى اليوم. مما لا شك فيه ان تحرر لبنان من الهيمنة السورية على النحو الذي تم، والذي يمكن ان يقال فيه الكثير ذماً وقدحاً، أثمر نتائج بالغة الأهمية على المستوى الداخلي. نتائج هي من الخطورة بمكان، لكنها توضح على نحو لا لبس فيه طبيعة الانقسامات اللبنانية وضرورة ايجاد الصيغ المناسبة لتعايش هذه الانقسامات في وطن واحد موحد. في هذا السياق لم يستطع حزب الله ان يبقى خارج المعادلة الداخلية فسرعان ما تحول طرفاً أهلياً يقود جهة من جهات البلد المتصارعة. وبذلك تخلى عن امتياز وقوعه خارج المدار الأهلي بوصفه حزباً يقاوم اسرائيل، إلى طرف أهلي يدافع عن حصته من الجبنة اللبنانية، و يستثمر سلاحه في هذا الدفاع. خلاصة القول ان حزب الله هو الطرف المؤتمن على سلاح الشيعة السياسية الأمضى في لبنان، وان التفريط في هذا السلاح يشبه التسليم والقبول بدونية الطائفة وضمور دورها على المستوى اللبناني العام. والحق ان الشيعة السياسية في لبنان هي الجهة الوافدة حديثاً على مقومات الهوية اللبنانية، وهي تالياً الجهة الأضعف أسلحة والأقل قدرة على المناورة. لكن هذه الطائفة من جهة ثانية هي الطائفة الأكثر حراكاً اجتماعياً والأشد حيوية على مدى العقود الثلاثة الماضية على اقل تقدير. رغم هذا الغنى الذي تختزنه الطائفة الشيعية بين افرادها، إلا انها لا تستطيع استثمار مواردها على الوجه الأفعل والأمضى. فنخب هذه الطائفة، وبسبب من مركزية بيروت العاصمة، سرعان ما تهجر طائفتها إلى مدى يفترض به ان يكون أوسع وأرحب. لكن الأمر لا يبدو كذلك على الإطلاق. فالاستاذ الجامعي الذي يسكن بيروت ويتحدر من أصول شيعية محكوم بالتعامل سلباً وايجاباً مع ممثلي العاصمة سياسياً واجتماعياً ومذهبياً على حد سواء. وهو لذلك لا ينجح في الدخول في متن مبانيها الاجتماعية والسياسية لكنه ايضاً لا يستطيع العودة إلى زنزانة الطائفة الضيق. والحال يتم بحسب القانون والدستور، وبحسب التوزيع الديموغرافي تعطيل الأدوار السياسية والاجتماعية لهذه النخبة. لتجد نفسها من دون أي دور تقريباً. فهي محشورة بين دورين، إما دور الأجير في المعادلة البيروتية السياسية، وإما دور المنغلق في حدود طائفته في المعادلة الشيعية الصعبة. وعليه فإن سلاح حزب الله هو السلاح الوحيد الذي نقل الطائفة من قمقمها الريفي والطرفي إلى رحاب الهوية اللبنانية الجامعة. لذا يصعب ان يتقبل اهله نزعه بسهولة. خصوصاً ان المطلوب نزعه بموجب القرار الدولي هو هذا الدور بالضبط وليس الدور الأهلي الممتاز الذي يستعد قادة حزب الله للعبه على الصعيد اللبناني الأعم. يبقى انه من الممكن وقد يكون من المرجح ان يضطر حزب الله لتسليم سلاحه تحت ضغط احكام سياسية معقدة. وتالياً تجريد الطائفة من سلاحها الأمضى. هذا يعني ان أحكام الديموغرافيا الشيعية ستعود لتطل برأسها مرة اخرى بوصفها لاعباً اساسياً من لاعبي الساحة اللبنانية. فالطائفة تسيطر بشرياً على اكثر من ثلاثة ارباع الحدود البرية للبنان. وفي حال حشر اهلها وممثليها في القمقم الضيق الذي تقترحه القرارات الدولية ومصالح الجهات الاخرى في البلد، فإن اللعب سيصير على مستوى الديموغرافيا نفسها. اي ان التدخل الخارجي من الجهتين سيجد له معبراً آمناً من القرى الشيعية المنتشرة على الحدود. وإذا ما نزع سلاح حزب الله الوطني وضرب دوره وانجازه الذي يقيد الطائفة اليوم بقيد أكبر من دورها المحلي، فإن اهل الطائفة لا يجدون حرجاً في تطلب التدخل الخارجي من جهتي الحدود. ذلك ان درس الطوائف الذي تعلمناه جيداً من لبنان إلى العراق يفيد انها تستطيع ان تبدل الولاءات بيسر وسهولة ومن دون أي تبكيت ضمير. http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/200...005/8/86121.htm حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين ,العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واح - بسام الخوري - 08-28-2005 العلمانيون: الهجرة نحو الزمن العام GMT 12:00:00 2005 الأحد 28 أغسطس . بلال خبيز -------------------------------------------------------------------------------- حصون الطوائف المنيعة (5 من 5) العلمانيون: الهجرة نحو الزمن العام إقرأ في إيلاف: حصون الطوائف المنيعة: الدرزية السياسية جامعة النقيضين (4 من 5) السنية السياسية: الاشتباه الدولي الشيعة: السلاح دائماً له حدان وتاريخان حصون الطوائف: المارونية العائدة بلال خبيز: ذهبت القراءات السابقة إلى محاولة تبيان التناقض البيّن بين الإدعاءات الدولتية الديموقراطية الحديثة التي تستند إليها مشاريع الطوائف وخطاباتها المتعددة والمتناحرة، والقوى التي تتشكل منها هذه الطوائف وتحتكر النطق باسمها. غني عن القول والتوضيح ان ثمة ما لا يمكن جمعه في ادعاء السنية السياسية إمساكها بأعنة مشاريع التحديث في البلد في مواجهة طوائف أخرى ما قبل تاريخية. وايضاً لا يحتاج المرء كثير جهد ليكتشف ان السلاح الشيعي المقاوم ليس هو كل السلاح الشيعي، وليس أصلاً سلاحهم المستقبلي. كذا فإن الخطاب الجنبلاطي لا يستطيع الصمود طويلاً امام تدقيق من نوع كيف تكون القوة السياسية والأهلية التي يقبع وليد حنبلاط على رأسها ويحتكر زعامتها علمانية ومنغلقة في الوقت نفسه؟ بل كيف يمكن ان يستقيم واقع الحال الدرزي شديد الانغلاق مع ادعاءات علمانية منفتحة على النحو الذي يطلقه وليد جنبلاط في المواسم؟ أما المارونية السياسية فليس من قبيل التجني القول انها استثمرت جهد آخرين مسيحيين ومسلمين في ادعائها انها تمسك بزمام الحداثة والمعاصرة، واتصال لبنان بالعالم على نحو لا ينافسها فيه احد. ليس صعباً والحال هذه ان يرد المرء على هذه الإدعاءات رداً مفحماً. لكن الرد المفحم لا يستقيم وحده علماً ومرجعاً. ثمة قوة غائبة عن الميدان. وفي غيابها يستطيع أي كان ان يستثمر انجازاتها على نحو لا ترغب فيه. وفي غيابها يصعب أن يبنى مشترك بين اللبنانيين، يجعل من الدولة السيدة ممكنة التحقق في ظل جوار يحمل مشاريع تتعدى حدوده. ومثلما ان الدولة الجامعة صعبة التحقق في هذا السياق، فإن اتصال مبانيها بالحداثة يبقى مشوهاً ما لبثت تحتكره طوائف محددة وتبني عليه مشاريعها في مواجهة الطوائف الأخرى ونادراً ما تكون في مصلحة البلد. وحين يجري الحديث عن الفيدرالية من العراق إلى لبنان مروراً بالسودان، يتوجس المرء من ان السبب الداعي إلى تعاظم الحديث فيها وانتشاره المذهل من دون روادع، انما يعود في اصله واساسه إلى غياب المشتركات في ظل الدولة الواحدة. في غياب المشاريع الجامعة، والبرامج السياسية الديموقراطية، لا يجدي الحديث عن توافق او تقاسم او تعايش. والأرجح ان الطوائف المتنازعة تتعايش قسراً لا طوعاً، أما الحديث عن التقاسم ففيه ما فيه من تفتيت لوحدة الدولة الجامعة، وانقلاب عن منجزات الخمسينات والستينات على نحو لا سابق له، على المستوى العربي الأعم. السؤال الملح في لبنان اليوم هو أين يقع هذا التيار الديموقراطي العلماني اليساري، وكيف يسمح من ناحية أخرى بأن تصادر القوى الطائفية منجزاته؟ ربما يجدر بنا ان نتفحص جيداً أوضاع هذا التيار الغائب، والذي يسمح لقوى ما قبل تاريخية ان تتقاسم ارثه من دون ان يحسن الدفاع عن املاكه. المارونية السياسية تدعي وصل لبنان بالعالم. قد يكون هذا صحيحاً على وجه من الأوجه. لكن اتصال لبنان بالعالم له منذ العشرينات عنوان واحد اوحد، يتمثل باتصال تيار علماني يساري بمعظم القوى السياسية والاجتماعية الحية في أرجاء العالم الأربع. في وسعنا ان نستفيض في تعداد مثالب الشيوعية الآفلة. لكن الثابت ان هذه الحركة التي ملأت عالم القرن العشرين، هي بنت اصيلة للحداثة، من جهة أولى، وداعية لا تكل لعقد أعمق أواصر الصلات بين الشعوب في العالم اجمع. وعلى درجة نفسها من الوضوح لا يمكن لعاقل ان ينكر ان اتصال لبنان بموجبات الصراع العربي الاسرائيلي في ستينات القرن الماضي وسبعيناته كان صناعة يسارية وشأناً من شؤون الديموقراطيين. المستجد والطارئ هو السلاح الطائفي في مواجهة اسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية. هذا المستجد ليس شيعياً فحسب، على ما اسلفت المقالات السابقة، إنه ايضاً سني بامتياز، فلم يحدث طوال عمر القوى السنية الأصولية من مصر إلى الجزائر فلبنان فسورية فأفغانستان ان جعلت من القضية الفلسطينية سبباً لحزم عصبها ودافعاً لتجديد خطابها السياسي. المسألة تتعلق إذاً بحق الأبناء في ان يرثوا اباءهم. لكن ورثة اليسار متفرقين شذراً مذراً، ورزقهم يسيب على ابواب الطوائف ويصبح مادة لسجالات في التفرقة لا التوحيد، وفي الفيدرالية والانفصال عن الدولة الجامعة لا في ما هو مشترك تحت سلطة دولة القانون في كل مكان من العالم العربي. يمكن بقليل من الجهد ان يلاحظ المراقب ان أسباب انفصال التيار الديموقراطي في لبنان عن إرثه بالغة التشعب والتعدد، لكن المسألة التي اريد ان ابحث فيها بين هذه المسائل تتعلق بضغط العولمة على بنى الدول الجامعة. فالديموقراطيون في العالم أجمع، وفي العالم الثالث على وجه الخصوص، يعانون اولاً ضغط العولمة وشيوع تقنياتها. ومن نافل القول ان العولمة ولدت مسلحة حتى أسنانها شأنها شأن الدولة من قبل، والحق ان سلاحها كان ماضياً وحاداً وبالغ التأثير في جسد الدولة - الأمة نفسها قبل كل جسد آخر. هذا السلاح فك عقل الدولة - الأمة عن جسمها على نحو لا سابق له، هو نفسه الذي اتاح لهذا الجسد ان يفرز مقاوماته الهاذرة، من قبيل ما نشهده اليوم في العراق وفي مدريد ولندن ونيويورك وفي بيروت والرياض والقاهرة وبغداد. شكلت إطارات العولمة وطناً افتراضياً لكل سكان الأرض القادرين على الدخول في مواطنيته. فالمرء اليوم يستطيع ان يعيش في القاهرة او الرياض ويشتري كتبه وثيابه وأدواته الكهربائية من سنغافورة أو كوالا لامبور من دون ان يتحرك من مكانه، فضلاً عن ذلك هو يستطيع ان يحاضر في علم الاجتماع من بنغلادش لطلاب في نيويورك. والوعود التي تطلقها تقنيات العولمة لا تحصى، إلى حد ان المقبل علينا من تقنيات يتيح لجراح في لوس انجلس ان يعطي توجيهاته لطبيب في غرفة العمليات في دارفور اثناء اجرائه عملية جراحية معقدة. فضلاً عن هذا كله يستطيع المرء اليوم اذا امتلك الادوات والامكانات اللازمة ان يعمل ويتاجر ويعلم من غرفته في شقته عبر العالم من دون اي روادع من اي نوع. هذا يعني من وجه اول ان بعض المناقشات البالغة أهمية تم ترحيلها سلفاً من المكان إلى الزمان. اي ان ال في الأفكار الكبرى لم تعد محلية لبنانية، فقمة ما تصبو إليه المناقشة المحلية في لبنان مثلاً ان تكتشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما أمر تحديد الانقسامات العلمانية التي تنقسم على اساسها المجتمعات شرقاً وغرباً فمتروك للمناقشة على الشبكة، مثلما تترك للمناقشة على الشبكة مهمة تحديد القضايا الأشد إلحاحاً في المناقشة والاهتمام. إذاً لن يكون خبر زيادة الأجور في المملكة العربية السعودية خبراً عالمياً وقضية تستوجب المناقشة على الشبكة، رغم انها تطاول في فوائدها ملايين العرب. وعلى النحو نفسه لا يكون خبر مناقشات مجلس النواب اللبناني أكثر من خبر محلي يقع في المكان ولا يقفز من المكان المحلي الضيق إلى الزمان العالمي الموحد. هذا التبويب النظري يجعل الهجرات من الدولة الجامعة أقوى من ان تحصرها السلطات المحلية بالمطارات والمرافئ والطرق السريعة. والحال فإن كل ما هو محلي ولا ينجح في تجاوز محليته بالعنف او باختراع الصدف المميت احياناً، يصير صناعة محلية. اذاً ليس من قبيل الترف النظري القول ان ثمة في العولمة اتجاها حادا وضاغطا نحو تأسيس رابطة مواطنة عالمية، لا تولي الشؤون المحلية الضيقة، في لبنان او فرنسا مثلاً، اهتماماً يذكر إلا بقدر ما تؤثر هذه الشؤون في الزمن العام وتستطيع ان تستولد الأفكار من ثناياها. الخلاصة ان ثمة هجرة زمنية يقوم بها القادرون على هذه الهجرة من دولهم وبلادهم إلى هذا الفضاء المتسع. وهي هجرة تفترض ان الاهتمام بنوافل الأمور من قبيل مناقشات الشبكة الهاتفية في بيروت او عمان يمكن ان تترك للبيروقراطيين المتبلدين. والحال فإن ما يجري اليوم في كل مكان من العالم هو هجرة النخب زمناً ومكاناً على نحو متواتر نحو انشاء رابطة مواطنة من نوع ما، لا تعبأ بالحدود المحلية ولا تعبر على حواجز الجمارك. في مكان آخر، يذهب الإرهاب الأصولي إلى اثارة الاهتمام العام جاعلاً من المكان المحلي الذي يقع داخل حدود الدول مختبراً لتجاربه على مدى قدرته على اثارة المناقشة العامة. فيكون العنف العاري سبباً للإدانة العامة، ولا يتورع عن قتل الأطفال في جرائم مروعة او تفجير الأنفاق والجسور ليجعل من مثل هذه الحوادث قادرة بفظاعتها ولا معقوليتها على شد الانتباه إليها وتدخيلها في الزمن العام مع أصحابها ومنفذيها. خلاصة هذا الاستطراد الطويل، ان العولمة فرضت هجرة على النخب المحلية وجعلت الشؤون المحلية العامة من اختصاص المواطنين المحليين. والحال ليس غريباً حين تهاجر هذه النخب من مواطنها الأصلية ان تسد فراغ هجرتها تشكيلات ما قبل حديثة وما قبل تاريخية في أحيان كثيرة. الدول الجامعة والسيدة في خطر. لا تحتاج هذه الملاحظة إلى مناقشة كثيرة ، يكفي ان ننظر في الحدود التي نشأت في العراق اليوم لندرك المعنى الكامن وراء هذا الخطر. حيث تبدو الحدود الدولية العراقية مائعة وقابلة لكل انواع الاختراقات، من الأردن إلى الكويت فالسعودية فسورية فتركيا، لكن الحدود بين الأكراد والشيعة والسنة هي حدود حقيقية ويصعب اجتيازها في سهولة. هذا يعني ان الميت في هذه الحال هو الدولة بحدودها الجغرافية والقانونية والحي هو التضامن الأهلي العشائري الذي يجمع الناس في بوتقة صافية متجانسة ويطرد من متنه كل غريب او مخالف، او يدفعه إلى السكون التام. على هذا يصعب على تيار علماني يساري في لبنان، او تركيا او حتى في أي مكان، ان يلم شتات الدولة الجامعة وان يعود إلى مواطنية محلية امام إغراء المواطنة العالمية من جهة وامام ضغط التداخلات المتعولمة من جهة ثانية. الطوائف هي البديل الذي يسبق الدولة زمناً وتاريخاً واجتماعاً. والطوائف ترث ما لا يستطيع التيار العلماني الديموقراطي ان يحافظ عليه. كما لو ان نخب هذا التيار قد تركت أرضاً بوراً وحرقت زرعها ليتسنى للطوائف والقوى الطائفية ان تستثمر هذه الأرض السائبة. |