نادي الفكر العربي
الكنعانيون .. - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+---- المنتدى: تـاريخ و ميثولوجيـا (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=7)
+---- الموضوع: الكنعانيون .. (/showthread.php?tid=27574)



الكنعانيون .. - Georgioss - 06-13-2005

الكنعانيون .. من بطن سيناء حتى جبال زاجروس، مرورا بتلة يبوس وجبل الزيتون وأريحا مدينة القمر والجليل إلى قانا مخدع المسيح ، وصور وصيدون وجبيل عش طائر الفينيق ، وأوغاريت، كانوا يصنعون آلهتهم ويبنون معابدهم لغاياتهم الكبرى، من أجل رفعة كنعان وبلاد كنعان راكبة البحار ، ومعاجز الأساطير .

ولم يكن " إيل " كبير الآلهة، إلا الموحد لاتساع الجغرافية ، والواصل ما بين آلهة مصر وآلهة بابل العربيتين.

ولما جاء " بعل " من غيهب ولم يكن سليل آلهة ، ولا من ذوي المكانة المعروفة بالمكان ولا بالزمان ، جاء فاعتلى معبدا في خلسة العتمة، وتولى فصيلا ضلله بالامتيازات والمجون ، فخرت له النفوس الضعيفة وانضمت إليه زمر من فصيلته ، وعاثت فسادا فخربت أرض كنعان مما جعلها لقمة سائغة وسهلة للغزاة والطامعين.

واليوم.. البيت الكنعاني " المقاومة الفلسطينية " هذا المعبد الكنعاني التاريخي، الذي تظلل به كل الفلسطينيين من أقاصي الأرض إلى قريتي "نحف" الجليلية. والذي شيده ذلك العظيم الذي ضيعه قومه "العرب"، زعيم الأمة بلا منازع "جمال عبد الناصر"، في أول قمة عربية عام 1964 ليتطور الأمر إلى ما هو أعلى في وتيرة إيقاعه القومي.

ما كانت الأمة لتنتج معبدا لبعل وكهنته، بل لآلهة من أمثال إيل وعناة، تلك الإلهة التي ضحت بأغلى ما تملك ، بحبيب روحها وعشقها الإلهي من أجل تراب كنعان وشعب كنعان، الإله "مت"، وذبحته بمنجل الحصاد، ثم ذرت دماءه بالمذراة على كل أرض كنعان ، ليعود الخير والنماء بعد القحط والجفاف الذي حل بأرض كنعان نتيجة لعنة الدنس بوجود بعل .. ومع ذلك فان الإله مت لم يمت بل عاد مع الخير والنماء بصورة إله آخر أسمه عليان بعل.

هذا هو المعبد الفلسطيني ... المعبد الكنعاني... الذي قضى على مذبحه آلهة كثيرة... إيمان حجو ويحي عياش وأبو علي مصطفى وأبو محمود ومحمد الدرة وعزالدين القسام وأبو علي أياد وهم ألوف من آلهة المجد الكنعاني، والأسماء لا تنتهي، وإني لأرى كواكب من الشهداء تسير في العرس الفلسطيني، مع ذلك الشفق القادم .. وهو يلوح في أفق مطرز بجدائل الكنعانيات الماجدات.

ولكن .. ومع ذلك لم تكن تلك الآلهة آنذاك متجبرة وحاقدة على شعبها، ولم تسمه العذاب ، ولم تفرط بشبر من أرض كنعان ، بل دائما ما كانت تقاتل وتقاوم الغزاة، متصالحة مع شعبها، لم ينتفض شعب كنعان مرة واحدة ضد آلهته، لأنها لم تكن سوى وسيلة للتقرب إلى ما هو أجدى ، للحفاظ على المعبد الكنعاني.. وليست كآلهة اليوم التي لا تحسن سوى القمع والتنكيل، سوى الفساد والسرقة والمحسوبية.. الاستزلام ولملمة الزعران والقتلة، وتقريب العملاء، الذين يتسيدون اليوم على رقاب الشعب. لم تتعامل آلهة كنعان مع أعدائها، ولم تقدم لهم أو ما يقوي موقفهم ضد الشعب والوطن، كما هؤلاء اليوم الذين يقدمون الإسمنت والحديد لبناء الجدار العازل، أو لمستعمرة أبو غنيم، وبذات الوقت يكذبون حتى مل الكذب منهم وهم يتشدقون بالتمسك بالثوابت، حتى أضحى شعبنا اليوم، كلما سمع معزوفة الثوابت منهم تبشر بالشر لأنه لا يثق بهم، وأن كارثة تلوح بالأفق قادمة ، ويتندرون.. عن ماذا ، اليوم ، سيتنازلون؟

كانت الآلهة والكهنة آنذاك خدم للمعبد وللشعب والوطن، يضحون بأنفسهم وبأغلى ما يملكون، حتى بالكهنوت والربوبية من أجل كنعان وأرض وشعب كنعان، وليس كما كهنة الأصنام وآلهة اليوم، يبيعون الوطن والشعب ، ويضحون بكل شيء من أجل البقاء في السلطة والتمتع بالامتيازات.

إن التمسك بآلهة خرفة ومجنونة هو ضرب من العبث، وإن كان ولا بد .. لتذهب مثل هذه الآلهة إلى جحيم محتم، ولنهدم معبد النار ونبني معبد الحرية بالمقاومة. ليست هذه معابدنا التي قدمنا الأضحيات لتشييدها، إنما هي معابد إلحاد وكفر وزندقة.

وبعد أن ولى زمن الآلهة، فلا آلهة بعد اليوم سوى الشعب إله المعبد الكنعاني المقدس، الذي لا تدنسه كهنة بعل الذي ألحد وباع شعبه للأعداء، وعلم كهنته على الفسق والقتل والمجون والفساد.

مثل سلطة الحكم الذاتي في فلسطين المحتلة، ثلة من العابثين بمصائر شعبنا وقضيتنا، مجاميع من الإمتيازيين اللاهثين وراء مصالحهم الذاتية، أجهزة أمن متعددة الاتجاهات والولاءات، والعملاء يصولون ويجولون ويصطادون المناضلين والمجاهدين، فلا نعرف هذه الأجهزة لمن وماذا تفعل ؟ ما دامت لم تستطع استئصال شأفة هؤلاء العملاء.

وسلطة لم تستطع أن توقف زحف الفساد إلى كل مفاصل السلطة والمؤسسات إذا ما جاز اعتبارها مؤسسات ولو تجاوزا. بل على العكس من ذلك تماما، فإنها تقرب الفاسدين وتبعد الفاضلين، تقرب الزعران وتبعد المناضلين، تقلد الجهلة المسئوليات الجسام وتبعد المثقفين وأصحاب الاختصاصات حتى عن أدنى المواقع. وإذا ما كان من المتحدثين فهو من الأزلام والمرتشين... وإن لم يكن كذلك فهل كان حال السلطة على ما هي عليه الآن؟ وهل كانت الدول المانحة تستنكر على السلطة فسادها؟؟ وإن كنا لا نؤمن بصدقية وحيادية هذه الدول.

أسئلة كثيرة تدور بأذهان أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج وفي كل أماكن الشتات.. تتساءل عن جدوى هذه الآلهة المنصبة، ماذا تفعل وما هو دورها؟ وهي لم تستطع إنجاز ما هو دون الحد الأدنى، لم تنجز الحلم الذي راود الجميع .. حلم التحرير.. أو وَهْم حلم الدولة.. ولا حتى الحلم الأوسلوي البغيض المشؤوم، بتحقيق سلطة حكم ذاتي وليس سلطة وطنية ذات سيادة ولو على أريحا كما كان يرددها كبير آلهتهم وهو في مملكة الفاكهاني.

هذه آلهة هي بنفسها كسرت تمثالها ونصبها.. كسرته بسلوكها الذي لم يؤسف عليه، لأنها خرجت عن سياق شرائع المعبد الكنعاني، ابتعدت عن شعبها فنبذهم الشعب، وما يتراءى للناظر من تهجد ليس سوى أحاييل بعل المنبوذ، الذي أفسق وأفسد تابعيه، بالقوة أتبعهم .. بالمال أفسدهم .. بالرشوة أمسك بمعدهم.. دربهم على ثقافة اللعب والتحايل، واللعب بالبيضة والحجر، فلا تقع البيضة ولا يكسرها الحجر، فن أجاده وحده مع لاعبيه.. ولكنه ما كان يدري أن السحر سينقلب على الساحر..

فما أن ضعف أو وهن /
أو حتى رفضته ممالك الرعاة /
من غزاة وقبائل متناحرة /
حتى انقلبوا عليه /
ونازعتهم شرور الوراثة والتقاسم ..
فتفرقوا شيعا وأحزابا وتوابع ..
كل يمسك بعقب أخيه..
وسادت روح التآمر والتنازع..
فخرجوا من المعبد إلى عراء الفضيحة..
تقابحوا إلى حد الذميمة ..
وكل يمسك بسيف غازٍ من الأغراب ..
تجمعهم رائحة الفضيحة ..
يعلون برفعة الغير ..
تسوقهم رغبات التماهي ..
يشربون الدم نبيذا على موائد الشطار..
حتى غابت دلالات الحيف والعار.
أدخلوا إلههم في كيس من علامات "يهوه"..
أزرق أزرق يميل إلى لون المياه المخزنة في دفاتر "يشوع" ..
من الفرات إلى النيل،
والجواري ترقص طربا على قعقعات طبول الوعود..
بدا صغيرا مقزما
مثل لعبة لم يحسن صنعها..
يرفع يديه في خواء الاحتكار..
تمتمات من ثلة بعل عن كاهن جديد ..
انفعل البعض ..
.. بعد بعل لم يمت
يدخل الغيبة..
مرحلة الستر ..
.. هذا الكاهن أو ذاك..
لا هذا ..
لست معك إنه يبيع سحر المعبد بأبخس الأثمان ..
وقد يبيعنا لهم في سوق العبيد القادم..
.. بل ذاك الكاهن أكثر رزانة ..
لا تتفائل انه أكثر مكرا وتقانه ..
إنه يبيع ماءً عكرا عند انعطافات الجداول
ويهب الأكفان لموتى لم تدفن بعد
... كبير لهذا المعبد
صغير كي يرعاه لنا
نحن نرعاه حتى نكبر
لغط تمتمات ( ت م ت م ا ت )
هنهنات وعنعنات
لكن " إيل " قال قبل المغادرة الأولى
وقبل أن يرفع الستار عن الرحلة الأخيرة
أعطى مفتاح المعبد لطفلين
كانا على الربوة فوق تلة " يبوس "
يجمعان زعترا كأسا لعافية الجد
والرواة قالوا:
أن الولد غاب في أحراش الكرمل
ظهر في الجليل
في قانا
في طور سيناء
لم يصدأ مفتاح معبدنا
في صدره علامات من عشق صبايا الربيع
والزيزفون يتعمشق على الجدائل
بين نيل يتعافى وفرات يتسامى
اليوم يبلغ من عمر الزمن ستة عشر
من فصائل " إيل "
كان يتجول في شوارع المدينة
غادرها على الجدائل الحانية
يذكر شاهد ..
أنه رأى المفتاح يصعد للسماء
وأنه عاد ممهورا بخاتم الأنبياء
تراتيل ضجت بها الكهوف
تعلن جهرا
الطفلة حاملة مفتاح المعبد
والطفل في المعبد يتهجد
يصلي ويتمتم بآيات فصحى
ما عاد لألهة العبث من مرقد
معبد فيه أعراس وحناء
وآلهة من عنبر وفرقد

هذه معابدنا على لسان أطفالنا ترفض هذا الصل ، وتؤكد أنه ما عاد لآلهة متجبرة بيننا من مرقد، بعد أن غدر به الكهنة والآلهة الصغار ، وإنه كلما غاب الآلهة كلما أعطى الشعب أكثر وأبلى بلاءً حسنا، ودليلنا على ذلك ، أنه مع غياب أولهم وإن كان أكبرهم قام طفل من المعبد الكنعاني لم يبلغ بعد الستة عشر ، ليعلم شعب كنعان كيف يكون الفعل عندما تغيب الآلهة وتختبئ الكهنة وبعض الأحبار المختبئين تحت عباءة معبدنا الكنعاني.

ويوقظنا ابن الستة عشر
على اختراق الحواجز
والموانع والجدر
فليس من بعيد علينا المعبد
لو زرعوا الأرض عوازل وعسكر

( من إحدى المجلات )