حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79)
+---- المنتدى: مواضيـع منقــولة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=25)
+---- الموضوع: عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) (/showthread.php?tid=27629)



عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) - skeptic - 06-12-2005


'أري أن المثقفين المبدعين يقفون في حياتنا موقف المتفرج الغريب، ويلزمون الحياد في أهم وأخطر قضاياهم. إنهم يتصرفون مثل المتفرج في المسرح، فيصفقون حين ينال المشهد اعجابهم، ولا يحركون ساكنا في الحالة المعاكسة، وكأن الأمر لا يعنيهم بالدرجة الأولي. بل الأسوأ من ذلك، انني أراهم مستعدين للتصفيق لأي مشهد سواء نال اعجابهم أم لا'

زكي نجيب محمود في 20/4/.1978


صنع الله ابراهيم وعودة الانتلجنتسيا

'الفن معمل بارود'

جماعة الفن والحرية، وهي جماعة من المثقفين والشعراء الرسامين تكونت في بيت الفن في درب اللبانة بالقلعة في أربعينات القرن العشرين.
'لا يراودني شك في أن كل مصري هنا يدرك حجم الكارثة المحيقة بوطننا. وهي لا تقتصر علي التهديد العسكري الاسرائيلي الفعلي لحدودنا الشرقية ولا علي الاملاءات الأمريكية، ولا علي العجز الذي يتبدي في سياسة حكومتنا الخارجية، وإنما تمتد الي كل مناحي حياتنا. لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم. لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب. لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل. تفشي الفساد والنهب ومن يعترض يتعرض للامتهان والضرب والتعذيب. انتزعت القلة المستغلة منا الروح. الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت. لا يستطيع أن يتخلي عن مسئوليته. لن أطالبكم باصدار بيان يستنكر أو يشجب. فلم يعد هذا يجدي. لن أطالبكم بشيء فأنتم أعلم مني بما يجب عمله. كل ما أستطيعه هو أن أشكر مرة أخري أساتذتي الأجلاء الذين شرفوني باختياري للجائزة وأعلن اعتذاري عن عدم قبولها لأنها صادرة من حكومة لا تملك في نظري مصداقية منحها'.
هذه الكلمة التي قالها الروائي صنع الله ابراهيم في حفل منحه جائزة الابداع الروائي العربي وأعلن بمقتضاها رفضه قبول الجائزة البالغ قدرها 100 ألف جنيه، هي ليست مجرد اعلان عن موقف شخصي، ولكنها فعل سياسي بكل معني الكلمة يحمل معني الاحتجاج والمعارضة للنظام السياسي القائم وما يتسم به من استبداد وتخلف وفساد وتبعية. فالكلمة فعل كما يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو. هذا الفعل هو اعلان بعودة الانتلجنتسيا المصرية مرة أخري الي الساحة الوطنية بعد أن كادت تختفي منها تماما نتيجة للقهر المادي والقمع المعنوي الذي يمارس ضدها. تحية الي صنع الله ابراهيم هذا الانتلجنتي الصادق الجسور.


عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) - skeptic - 06-12-2005

صور المثقف في الساحة
المصرية المعاصرة


اكتظت الساحة الثقافية المصرية بالمثقفين المرتبطين بدرجة أو أخري بالسلطة أو بقوي أجنبية، وكادت الانتلجنتسيا المصرية أن تختفي تماما من الساحة. وطفت علي السطح صور متعددة جديدة للمثقفين.
فمن صور الفريق الأول المثقف الأيديولوجي الذي ينظر ويروج لأفكار وسياسات السلطة من خلال الأجهزة الأيديولوجية التابعة للدولة المتصلة بالفكر والثقافة والاعلام. والمثقف السياسي بالوكالة الذي يقوم بمهام سياسية محددة نيابة عن السلطة سواء في الخارج بما يعرف بالدبلوماسية الشعبية كجماعة كوبنهاجن وأنصار التطبيع مع اسرائيل، أو في الداخل بتدجين المثقفين المناضلين وعقد الصفقات معهم التي تشمل فيما تشتمل عليه تسكينهم في وظائف أو أعمال تدر لهم دخلا. وغالبا ما يكون هؤلاء من ذوي خلفية سياسية وتاريخ نضالي سابق يوفر الثقة لهم والعلاقات اللازمة للقيام بالمهام الموكولة اليهم. وأخيرا المثقف البيروقراطي الذي يتولي ادارة أحد الأجهزة الثقافية الحكومية، ومنهم دعاة 'الاستنارة السلطوية' الذين يتكلمون كثيرا عن الاستنارة والديمقراطية وما هم سوي موظفين لدي سلطة استبدادية متخلفة، يهاجمون الدكتاتورية في الخارج (مثل دكتاتورية الطاغية صدام حسين) ويسكتون عن نقد الدكتاتورية في وطنهم.
أما الفريق الآخر المكون من مثقفين مرتبطين بقوي أجنبية أو متأثرين بها ومتلقين لدعمها، فمنهم الليبراليون الجدد دعاة 'العقلانية والواقعية' وأنصار الديمقراطية ولو عن طريق الغزو الأمريكي الذين يدعون أن التغيير والاصلاح لا مناص من أن يأتي من الخارج أو علي الأقل بمؤثر خارجي. وكذلك المثقف العولمي الناشط في مجال منظمات المجتمع المدني الممولة من هيئات حكومية أو أهلية خارجية.


الانتلجنتسيا ومفهومها
وأصولها التاريخية


ولكن ما هي تلك الانتلجنتسيا التي كادت أن تختفي من الساحة الثقافية والوطنية المصرية في الزمن الراهن، بعد أن ولدت في مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر مع الحركة العرابية وبتأثير جمال الدين الأفغاني، وفي بداية القرن العشرين في المواجهة مع الاحتلال البريطاني وبتأثير الشيخ محمد عبده وأفكاره الحداثية، ثم نضجت وتبلورت في النصف الثاني من أربعينات القرن. وما هو مفهوم هذا المصطلح. لقد استخدمت كلمة 'الانتلجنتسيا' وهذ كلمة روسية الأصل باعتبارها محض مرادف لكلمة المثقفين، إلا أنه بالرجوع للتعريفات التي قيلت عن هذه الكلمة والأصل التاريخي لنشأتها يتعين التفرقة بين هذين اللفظين.
لقد عرٌف أحد الكتاب الروس الانتلجنتسيا بأنهم المثقفون ذوو التفكير النقدي. وعرٌفها آخرون بأنهم المثقفون الذين يقتربون من الشعب ويبتعدون عن السلطة. بل لقد قال أحد الكتاب أن الانتلجنتي (وهي مفرد كلمة الانتلجنتسيا) هو من يفصل من الجامعة لأسباب سياسية ويعمل علي نصرة الشعب. وبتعبير آخر يمكن القول أن الانتلجنتسيا هي شريحة من المثقفين المستقلين عن السلطة، المنشقين عن النظم السياسية المستبدة والملتزمين بالنضال من أجل حرية شعوبهم.
وقد أسهم المفكر والناقد البريطاني الذائع الصيت السير إيزابا برلين أستاذ النظرية الاجتماعية والسياسية وتاريخ الأفكار في جامعة اكسفورد بدراسات هامة عن ظاهرة الانتلجنتسيا والأدباء والنقاد الذين شكلوها، منها دراسته عن ولادة ظاهرة الانتلجنتسيا في روسيا في القرن التاسع عشر وعنوانها 'العقد الفريد' (1838 1848) وهي عن الجيل الأول من الانتلجنتسيا الراديكالية ومؤسسها الناقد الأدبي بيلنسكي والمفكر الراديكالي والأديب الكسندر هيرزن. ودراسته 'روسيا عام 1848' عن تأثير الثورات التي اندلعت في غرب ووسط أوروبا عام 1848 علي المثقفين الروس. ودراسته عن رواية تورجنيف 'الآباء والأبناء' التي تناولت جيل الانتلجنتسيا الثاني والذي أطلق عليهم تورجنيف اسم 'النيهيلست' ثم دراسته عن الجيل الثالث للانتلجنتسيا 'الشعبويون'. وأخيرا دراسته عن 'تولستوي والتنوير'. يقول إيزايا برلين في تعريفه للانتلجنتسيا وتاريخ ظهورها 'الانتلجنتسيا' هي كلمة روسية اخترعت في القرن التاسع عشر، واكتسبت من ذلك الوقت أهمية عالمية. وهذه الظاهرة ونتائجها الأدبية والتاريخية الثورية، هي أكبر مساهمة روسية في الثقافة العالمية. إن مفهوم 'الانتلجنتسيا يجب ألا يخلط مع فكرة المثقفين، ذلك أن أفراد الانتلجنتسيا يرون أن ما يجمعهم ويوحدهم هو شيء أهم من مجرد الاهتمام المشترك بالفكر. انهم ينظرون الي أنفسهم كأفراد في 'طريقة' من طرق الرهينة مكرسة لنشر موقف محدد من الحياة'.
ثم يستطرد قائلا: 'أنه من الصعب الاعتقاد بأن الأدب الروسي في منتصف القرن التاسع عشر وبخاصة الروايات العظيمة التي أبدعت في تلك الحقبة، كان يمكن أن تظهر الي الوجود، إلا في المناخ الخاص الذي شكله هؤلاء الرجال. إن أعمال جوجول وتورجنيف وجنشاروف وتولستوي وديستوفسكي وغيرهم من الروائيين كانت مشبعة بروح ذلك العصر وقضاياه الاجتماعية والتاريخية ومحتواها الأيديولوجي لدرجة أرقي بكثير من الروايات التي أبدعت في الغرب'. كذلك كتب الفيلسوف الروسي نيكولاي بيرداييف وهو من أتباع تولستوي 'إن البحث عن معني الحياة هو الموضوع الرئيسي للأدب الروسي وهو أيضا السبب الحقيقي لوجود الانتلجنتسيا'.



عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) - skeptic - 06-12-2005

الأساس الأخلاقي لظهور الانتلجنتسيا


ويفسر الكاتب والمفكر السياسي بيتر لافروف (1823 1900) الجانب الأخلاقي لأسباب ظهور الانتلجنتسيا قائلا: 'لدي أفراد الانتلجنتسيا شعور دائم بالذنب، بسبب وضعهم المتميز نسبيا في المجتمع، فالأقلية المتعلمة تنمو علي أرضية الأغلبية الكادحة التي تعاني الفقر والحرمان، وتدرك هذه الأقلية أن عمل وكدح الأغلبية هو الذي يوفر للأقلية فرص التعليم والقدرة علي القيام بالعمل الابداعي. وهذا الوضع يؤدي الي ظهور أفراد يتمتعون بحس نقدي مرهف وقدرة علي التضحية بالمصالح الشخصية والمنافع والراحة المادية مما يدفعهم الي محاولة الاندماج في الشعب والاحساس بمشاعره وآلامه وتبني قضاياه. ويرون أن ذلك يحقق لهم الوفاء بالدين الذين يثقل كاهلهم قبل جماهير الشعب. ومع أن رد هذا الدين ما هو إلا التزام أخلاقي نابع من الداخل، إذا لا توجد قوة خارجية تجبر الشخص المتعلم علي العمل من أجل الأغلبية البائسة، فالأمر يبقي مسألة اختيار شخصي'.
إن ما قيل من أن ظاهرة الانتلجنتسيا التي ولدت في روسيا القرن التاسع عشر هي مساهمة كبري في الثقافة العالمية قد تجلي في تشكل انتجلنتسيا عالمية تناضل ضد الامبريالية وسياساتها في استغلال الشعوب والهيمنة عليها، من أعلام المثقفين أمثال الفيلسوف برتراند رسل، وجان بول سارتر صاحب نظرية المثقف الملتزم والأدب الملتزم الذي ساهم في حركات التحرير وبخاصة حركة تحرير الجزائر، وفرانز فانون منظر حركات التحرير الوطني وصاحب كتاب 'المستعبدون في الأرض' والمساهم في حرب التحرير الجزائرية، والمفكر الراحل اقبال أحمد الباكستاني الأصل الذي قضي الشطر الأكبر من حياته يدرس الفكر التحرري في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية ويساهم في حركات التحرير في الجزائر وفلسطين، وإدوارد سعيد وهو غني عن التعريف، وتشومسكي المثقف الأمريكي الشهير عالم اللغويات والمناضل البارز ضد الامبريالية الأمريكية.



عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) - skeptic - 06-12-2005

[CENTER]المثقف المستقل هو المنتج
للثقافة الأصيلة
[/CENTER]
كذلك فإن أهمية فكرة الانتلجنتسيا للشعوب التي تخضع لنظم سياسية متخلفة ومستبدة تكمن في انها رسالة موجهة الي مثقفي هذه البلدان، بأن عليهم التمسك باستقلاليتهم عن السلطة وأن يتلاحموا مع شعوبهم ويدافعوا عن مصالحها وقضاياها، ويتخلوا عن أوهامهم النخبوية وآفات وأدواء المثقفين مثل تضخم الذات والنرجسية المفرطة والرغبة الجامحة في جذب الأضواء والاهتمام بتنمية العلاقات العامة والخاصة كوسيلة للنجاح والشهرة وأن يتركوا هذا الزيف الذي لا طائل منه لا للمجتمع ولا لأنفسهم أيضا. عليهم أن يقفوا بجانب الشعب في محنته التي أنزلتها بهم نظم الحكم المستبد الفاسدة، وأن يتخلوا عن ميوعة المواقف وغموضها وتجنب تناول القضايا الهامة والاهتمام بالموضوعات الهامشية في كتاباتهم للوقوف موقف الحياد أيثارا للسلامة. عليهم أن ينزلوا من أبراجهم العاجية ليسدوا الفجوة التي تفصل بينهم وبين شعوبهم وينهوا عزلتهم التي تتسبب في قلة جمهورهم وعدم انتشار ابداعهم وعزوف الجماهير عنها (لا يتجاوز عدد النسخ المبيعة أو حتي المطبوعة في مصر عادة من الابداعات الروائية والقصصية والشعرية الألف أو الألفين نسخة وتزداد نوعا ما إذا تناولت بعض القضايا الحساسة التي تهم الناس، هذا في بلد يبلغ تعداده 70 مليون نسمة).
إن وجود مثل هؤلاء المثقفين، يخلق المناخ الملائم لازدهار الثقافة والابداع بالرغم من وجود نظم حكم مستبدة ومتخلفة، فالثقافة والابداع الأدبي والفني ينتجه المثقفون والأدباء والفنانون المستقلون، وليست السلطة بمؤسساتها وهيئاتها ولجانها البيروقراطية. وهذا ما أثبتته التجربة الروسية في القرن التاسع عشر، فقد نشأت شريحة من المثقفين ذوي العقلية النقدية المبتعدين عن السلطة والقريبين من الشعب سميت بالانتلجنتسيا، وهو مصطلح انتشر استعماله في كافة أنحاء العالم، واستطاع هؤلاء المثقفون توفير المناخ والبيئة الملائمة لخلق العصر الذهبي للثقافة الروسية في كافة المجالات، وظهرت ألمع الشخصيات المبدعة في التاريخ الروسي بل والعالمي في ظل أسوأ حكم عرفته روسيا وأكثره استبدادا وتخلفا وهو حكم القيصر نيقول الأول (1825 1855) ومن أتي بعده من القياصرة، وكانت المفارقة أن روسيا القيصرية التي كانت تعتبر سجن الشعوب وأكثر بلدان أوروبا تخلفا وجهلا وانحطاطا، ازدهرت فيها الثقافة والابداع الأدبي والفني وأصبحت في طليعة الثقافة والأدب والفن الأوروبي. وقد ظهر خلال تلك الفترة الوجيزة التي لا تزيد عن خمسين عاما من عام 1835 الي 1885 مبدعون عظام ليس علي الصعيد المحلي فحسب بل علي الصعيد العالمي (لقد اعتبر كثير من الأدباء الغربيين البارزين أن رواية 'الحرب والسلام' لتولستوي هي أعظم رواية أبدعت في العالم، بينما أعتبر آخرون أن رواية 'الأخوة كرامازوف' لديستوفكسي أنها هي الأعظم). ففي الشعر ظهر بوشكين ليرمنتوف وفي الرواية والقصة والدراما جوجول وتورجنيف وتولستوي وديستوفسكي واستروفسكي وتشيكوف، وفي الموسيقي والأوبرا والبالية بورودين ومسورسكي ورمسكي كورساكوف وتشايكوفسكي وفي المسرح المخرج ستانسلافسكي وغيرهم. وهذا الازدهار في الثقافة استمر بعد الثورة الاشتراكية الروسية في 1917 حيث ظهر مبدعون كبار أمثال الشاعر ماياكوفسكي والسينمائي إيزنشيتن والمسرحي مايرهولد، ولم ينته هذا الازدهار إلا عندما تم القضاء علي الانتلجنتسيا الروسية، عندما أمسك ستالين بالسلطة و قام بتصفية المعارضة داخل وخارج حزب الثورة وعمل علي تدجين المثقفين وربطهم بالسلطة. وفي رأيي الشخصي أن القضاء علي استقلالية المثقف والثقافة وتصفية الانتلجنتسيا في روسيا في الحقبة الستالينية، لم تؤد الي تدهور الثقافة والابداع الحقيقي فحسب، بل لفشل التجربة الاشتراكية الروسية بكل خصوصياتها أيضا. ولو كانت الانتلجنتسيا الروسية العتيدة لم يتم استئصالها، لربما استطاعت تصحيح مسار التجربة الاشتراكية وزادتها ثراء.
إن هذه التجربة الثرية تكشف بوضوح عن آلية ازدهار الثقافات وانحطاطها، وهي تفند الفكرة الشائعة التي يروج لها بعض الكتاب والنقاد، التي تربط ظاهرة الازدهار والانحطاط في الثقافة والآداب والفنون بتقدم المجتمعات وتخلفها أو بالنظم الحرة والمستبدة. فالازدهار في رأيهم يرتبط بالمجتمعات المتقدمة والنظم الحرة، والانحطاط يرتبط بالمجتمعات المتخلفة والنظم المستبدة. فتاريخ الثقافة والفكر يبين لنا أن ازدهار الثقافة والأدب والفن يرتبط باستقلال وحرية المثقف والمبدع، سواء في مجتمع متقدم ونظام حر أو في مجتمع متخلف ونظام مستبد.
وكذلك انحطاط الثقافة فإنها ترتبط بتبعية المثقف والمبدع سواء كانت التبعية لسلطة سياسية أو عقائدية أو مالية. فالفلسفة والفن الاغريقي انتجا في مجتمع يقر العبودية وروائع شكسبير أبدعت في بلد لم يكن يعرف بعد الديمقراطية، والفن الهابط الذي ينتج في أمريكا هو نتاج مجتمع يخضع بالرغم من تقدمه الفائق وبخاصة في العلم والتكنولوجيا لسطوة المال والتوجه نحو مجتمع دهمائي استهلاكي.



عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) - skeptic - 06-12-2005

المثقفون والانتلجنتسيا في مصر


هذه السطور ليست تأريخا للثقافة والمثقفين في مصر، ولكنها مجرد سطور اقتضتها رؤية ذاتية للمثقفين في مصر في اللحظة الراهنة، أثارتها حادثة الروائي صنع الله ابراهيم. انها ليست سوي لمحة سريعة موجزة لظاهرة المثقفين في مصر الحديثة.. لقد بزغت جماعة المثقفين في نهاية حكم الخديو اسماعيل كفئة اجتماعية تتكون من متعلمين ومبدعين ذوي اهتمام مشترك بالثقافة والفكر نتيجة للسياسة التي اتبعها محمد علي ومن بعده اسماعيل في ادخال التعليم الحديث علي النمط الأوروبي في مصر. وقبل تبلور هذه الفئة الاجتماعية المثقفة، كان قد ظهر من قبل أفراد من المثقفين الكبار من الأزهريين أبرزهم رفاعة الطهطاوي (1801 1873)، ومن قبله الشيح حسن العطار (1766 1835) ومن بعده الشيخ حسن المرصفي (1815 1890). وتميزت هذه الفئة عن غيرها من الفئات والطبقات الاجتماعية بتنوع وتباين أصولها الاجتماعية والاثنية والوطنية والدينية، فمنهم من كان من الاستقراطية، ومنهم من كان من عامة الشعب من الريف والحضر، ومن المصريين والشوام والشركس والأرمن، ومن المسلمين والمسيحيين واليهود. وقد تطورت تلك الفئة من المثقفين التي يجمع بينهم الاهتمام المشترك بالأفكار والثقافة والابداع الأدبي والفني، وظهرت شريحتها المناضلة (الموجة الأولي للانتلجنتسيا المصرية) إبان الانتفاضة العرابية وبتأثير جمال الدين الأفغاني. فمن هؤلاء الانتلجنتسيا محمود سامي باشا البارودي الشاعر المجدد للشعر العربي وهو من الأرستقراطية الشركسية حفيد أحد المماليك ومن رجال الحركة العرابية ورئيس للوزراء خلالها. وقد كتب البارودي في يومياته: 'كان هدفنا هو تحويل مصر الي جمهورية مثل سويسرا. ولكن أدركنا مبكرا أن العلماء (يقصد علماء الدين الأزهريين) ليسوا مستعدين لأن يتقبلوا هذه الفكرة. أنهم متخلفون كثيرا عن زمنهم. ومع ذلك فسوف نحاول..'.
وعبدالله النديم خطيب الانتفاضة العرابية وهو صحفي وشاعر من أصول مصرية ريفية. وأديب اسحاق من الشوام المتمصرين من أسرة مسيحية في دمشق، تلقي تعليمه في بيروت ثم هاجر الي مصر، وقد كان نموذجا للكتاب الثوريين وأكثر أتباع الأفغاني موهبة وأصدر صحيفة اسمها 'مصر'. ويعقوب صنوع المعروف بأبونضارة وهو من عائلة يهودية واشتغل بالصحافة وكتابة المسرحيات والتمثيل، وكان الخديو اسماعيل يسميه 'موليير المصري'، وقد كان من أصدقاء الأفغاني والشيخ محمد عبده، ويعتبر من رواد الصحافة والمسرح في مصر. هؤلاء كانوا بواكير الانتلجنتسيا المصرية، فقد جمعوا بين الثقافة والسياسة بين الابداع الأدبي والفني والنقد السياسي الراديكالي للسلطة الخديوية والتدخل الأجنبي، وكان هناك أيضا علي باشا مبارك المثقف الكبير والمصري الأصيل متعدد المواهب، فهو مهندس تلقي تعليمه في مدرسة البوليتيكنيك الشهيرة في باريس ومؤرخ ومن رجال التعليم الكبار وتبوأ مناصب حكومية كبري، ولكنه يختلف عن الآخرين الذين سبق ذكرهم في أنه لم يقف ناقدا أو معارضا للحاكم طوال حياته، فقد كان بيروقراطيا وتكنوقراطيا بامتياز، فلا يمكن وصفه بأنه من الانتلجنتسيا.


الموجة الثانية


وجاءت الموجة الثانية من المثقفين والانتلجنتسيا في بداية القرن العشرين، بعد هزيمة الانتفاضة العرابية واحتلال القوات البريطانية لمصر عام 1882، وقد تمثلت هذه الموجة في الشيخ محمد عبده وتلامذته وأتباعه، ولقد قيل أن محمد عبده هو أهم مفكر أنجبته مصر الحديثة. ومنذ أن قال الخديو اسماعيل قولته الشهيرة 'إن مصر قد أصبحت الآن قطعة من أوروبا'، بقيت هذه الفكرة مسيطرة علي عقول أغلبية المفكرين في مصر طوال النصف الأول من القرن العشرين. وقد بنيت القومية المصرية الليبرالية علي فكرة وجود حضارة حديثة واحدة، أنجبتها أوروبا الغربية، وأن علي مصر أن تكون جزءا من هذه الحضارة. هذه القضية كانت تشغل فكر محمد عبده وتلامذته ومريديه قاسم أمين ولطفي السيد وسعد زغلول، وظلت موضع اهتمام بعض ممن تبعهم من الكتاب والمفكرين أمثال سلامة موسي وطه حسين، ويمكن سماع أصدائها في كتابات وأقوال كثير من الكتاب حتي هذه الأيام. وقد تركز فكر الشيخ محمد عبده علي محاولة جعل الفكر الاسلامي يتلاءم ويتكيف مع الحضارة الحديثة، وعلي كيفية جعل الشعوب الاسلامية جزءا من العالم الحديث، مع بقائها في ذات الوقت علي اسلامها. وكانت الدعوة الي التعليم هي صيحة كل المصلحين ابتداء من الشيخ محمد عبده ثم من تبعه من تلامذته أمثال قاسم أمين وأحمد لطفي السيد وسعد زغلول. كانوا رجالا آمنوا بالاصلاح وامكان تطوير العقيدة في خطاب أكثر عصرية، وكانوا يؤمنون بامكان تعايش الحداثة داخل الاطار الوطني ومواءمة الدين مع الأساليب العصرية والمتطلبات المحلية. كانوا يتبنون أفكار فيلسوف التنوير الفرنسي كوندورسيه عن فكرة التقدم الدائم للانسانية ودور التعليم والمعرفة في ذلك.
وكانوا يؤمنون بأن التعليم يفضي الي الديمقراطية وأن التقدم الطبيعي سيتيح لهم التخلص من الاحتلال والاستبداد في الوقت المناسب. وأن التعليم يتيح للمرء أن يطور ملكاته ويتيح له استخدام المنطق بدلا من العاطفة، كما يفعل الراديكاليون المتحمسون أمثال مصطفي كامل وأتباعه. هذه النزعة الاصلاحية المعتدلة التي جاءت بعد فشل الانتفاضة العرابية، دعت كرومر الحاكم البريطاني في مصر، أن يطلق عليهم اسم 'الجيروند' تشبيها لهم بالجناح المعتدل في الثورة الفرنسية.
كان أحمد لطفي السيد أبرز أتباع محمد عبده، وقد أصدر صحيفة 'الجريدة' عام 1907 ورأس تحريرها حتي عام 1914، وقد ساهم في اصدارها أعيان من ملاك الأراضي المصريين، وبعد ذلك بستة أشهر قرر مساهمو 'الجريدة' تشكيل حزب سياسي أسموه 'حزب الأمة'.و اتضحت أيديولوجية الحزب من المقالات الافتتاحية التي كان يكتبها لطفي السيد والتي كانت موجهه لطبقة الأعيان المصريين واتسمت 'بالاعتدال' في المطالب الوطنية، كما أظهر استعداد النخبة المثقفة في حزب الأمة لأن تتعاون مع السلطات البريطانية مقابل الوعد بجلاء القوات البريطانية عن مصر. كان أحمد لطفي السيد علمانيا يؤمن بأن الدين يجب أن يقتصر علي الاهتمام بعلاقة الانسان بربه، وأن الحكومة يجب أن تكون علمانية، وأن الانسان في حاجة الي الدين ليمده بعون روحي وبمنهج سلوكي، ولكنه في حاجة الي حكومة ذات طابع علماني قائمة علي مباديء المنفعة، كما نادي بها الفيلسوف والاقتصادي الانجليزي بنتام. وأنه إن كان صحيحا أن المعرفة ليست لها وطن، فإن تزاوج علوم الشرق والغرب هو الوسيلة لاكتسابنا الحضارة، بينما نحافظ في الوقت نفسه علي طابعنا السلوكي الخاص.
كان التعليم هو مفتاح فلسفته أيضا، اقتداء بأستاذه محمد عبده، وطالب لطفي السيد بمستويات عليا التعليم والصحافة، فوضع مبدأ الحرية الأكاديمية في الجامعة عندما تولي بعد ذلك منصب مدير الجامعة، فاستقال مرتين من هذا المنصب، الأولي احتجاجا علي نقل رئيس الوزراء آنذاك اسماعيل صدقي للدكتور طه حسين عميد كلية الآداب لوظيفة بوزارة المعارف دون أخذ رأيه، بسبب كتابه 'في الشعر الجاهلي'، والثانية عندما تقرر انشاء حرس جامعي لقمع اضرابات الطلبة، وإن كان هذان الموقفان التحرريان لم يمنعاه من ترك منصبه كمدير للجامعة مرتين ليصبح وزيرا في حكومات انقلابية يرأسها محمد محمود باشا (رئيس حكومة اليد الحديدية) ضد الدستور والحكومات الوفدية المنتخبة من الشعب مما يضعف مصداقيته الليبرالية.
أما بالنسبة للصحافة فقد اعتبرها لطفي السيد مهنة يمكن أن يطمح لها رجال الأدب وذلك بمحاولته اتخاذ أسلوب أكثر عصرية للكتابة، وبدعوته لأن يكون الصحفي صانعا للرأي العام و معلما للشعب، وليس مجرد كاتب يبيع قلمه لمن يجزل له العطاء.
وتحققت هذه الدعوة فيما بعد عندما مارس أدباء كبار الكتابة الصحفية مثل الدكتور حسين هيكل والعقاد وسلامة موسي والمازني. ولقد لقيت حركة اصلاح الفكر الديني والاسلامي والليبرالية والوطنية العلمانية صدي في الأعمال الأدبية والفكرية في ذلك العصر، وظهرت في المائتي جريدة ومجلة التي كانت تصدر وقتذاك في مصر. وفي أعمال اثنين من خريجي الأزهر بعد ذلك في عشرينات القرن الماضي، هما الشيخ علي عبدالرازق بكتابه 'الاسلام وأصول الحكم' وطه حسين بكتابه 'في الشعر الجاهلي'. وكلا الكتابين أحدثا ثورة وصودرا ولكن مؤلفيهما لم يقتلا أو يعتدي عليهما، وقد عبر كتاب علي عبدالرازق عن اعتقاد كان شائعا بين كثير من المفكرين وصار أكثر تقبلا بعد أن أنهي مصطفي كمال أتاتورك الخلافة في تركيا، وهو أن الرسول عليه السلام بعث ليقيم الدين الحنيف وليس ليؤسس نوعا من الحكومات. وأن العلمانية لا تعني إلحادا وكفرا، بل تعني أن الاسلام دين لا يحتاج أن يكون طرفا في حكومة وأن الحكومة لا دخل لها بالدين. وأن الحاكم ليس حاكما بأمر الله ولكنه حاكم حكمه مؤقت وسلطته مستمدة من الشعب وأن الدين لله والولاء للوطن. تلك الرؤيا الليبرالية لمجتمع اسلامي متطور وعصري وحكومة علمانية، كانت مستمدة من فكر اسلامي مستنير كانت لها الغلبة حتي نهاية عقد العشرينات العقد الفريد للثقافة المصرية وكانت لمفكرين من تلامذة محمد عبده وبتأثير فكر التنوير الفرنسي والليبرالية البريطانية.
وقد نشبت ثورة 1919 ضد الاستعمار البريطاني، واشترك فيها كافة طبقات الشعب بقيادة الانتلجنتسيا الوطنية الليبرالية بزعامة سعد زغلول تلميذ الأفغاني ومحمد عبده. وقد أدي تصاعد الحركة الوطنية الي اتجاه المصريين الي الاهتمام بالصناعة التي كان الأجانب يمسكون بزمامها.
فقام طلعت حرب وشركائه بانشاء بنك مصر وشركاته. وكانت نتائج ذلك ظهور بورجوازية مصرية حضرية وطبقة عاملة جديدة وبورجوازية صغيرة وطنية من صغار التجار والحرفيين وصغار الموظفين ورجال المهن الحرة وبخاصة المحامين والطلبة وتكونت منهم طبقة متوسطة أصبحت عماد الحركة الوطنية. وبدلا من أن تقوم طبقة البورجوازية الوطنية الليبرالية الجديدة الصاعدة، بمنافسة كبار ملاك الأراضي في السلطة والنفوذ، قاموا بالاتحاد معهم والاندماج بهم، فقد استثمر ملاك الأراضي أموالهم في الصناعة والتجارة، كما اقتني رجال الصناعة والتجارة الجدد الأراضي الزراعية الشاسعة وأصبحو هم أيضا من ملاك الأراضي، فمثلا كان شركاء طلعت حرب، فؤاد سلطان ومحمد شعراوي وهم من ملاك الأراضي وجاء رأس مال الصناعة الوطنية المصرية من مكاسب بيع القطن التي كان يحققها كبار ملاك الأراضي. وتشكل ترابطا بين ملاك الأراضي ورجال الصناعة والتجارة واندمج الطرفان فأصبح ملاك الأراضي رجال صناعة وتجارة، وأصبح رجال الصناعة ملاك أراضي ومثال ذلك أن المهندس أحمد عبود الذي أنشأ امبراطورية صناعية في البلد، صار مالكا لخمسة آلاف فدان، وعلي أمين يحيي الذي كان من ملاك الأراضي أصبح مالكا لأكبر دار مصرية لتصدير القطن. كما كان حال عائلات سلطان وشعراوي والشواربي والبدراوي وسراج الدين وغيرهم. وقد أدي هذا الي اجهاض الثورة البروجوازية الصاعدة دون أن تحقق أهدافها كاملة في الحرية والاستقلال الحقيقيين والديمقراطية الراسخة والحداثة، وكما فشل التحديث القسري من أعلي واقتصاد الدولة في حكم محمد علي واسماعيل، فشل التحديث من أسفل واقتصاد السوق الليبرالي تحت حكم ترابط البورجوازية وملاك الأراضي، في اقامة اقتصاد ومجتمع متقدم. كما تفسر الثورة المجهضة غلبة التيار الاصلاحي ثم تحوله الي المهادنة مع سلطة الاحتلال وسلطة الحكم الملكي، والتحول السريع الذي طرأ علي المثقفين ذوي الأيديولوجية الليبرالية واندماجهم في الطبقة الحاكمة الجديدة المكونة من ترابط البورجوازية وملاك الأراضي. وانقسم المثقفون الي فئتين، فئة المثقفين الباشوات الذين اندمجوا في الطبقة الحاكمة وتبنوا قضاياها ودافعوا عن مصالحها، وأصبحوا مثقفين عضويين حسب مصطلح ومفهوم المفكر السياسي الايطالي جرامشي الذي عني بتحليل أوضاع المثقفين والهيمنة الثقافية في المجتمع أمثال لطفي باشا السيد وحسين باشا هيكل، وفئة المثقفين الأفندية التي تتكون من الطلبة وصغار الموظفين والمهنيين، وهذه الفئة الأخيرة، هي الانتلجنتسيا الراديكالية التي تحول الجيل الثاني منها في عقد الثلاثينات الي جناحين أحدهما يميني ويمثله الاخوان المسلمون وحركة أحمد حسين (مصر الفتاة) ذو النزعات الفاشية والتشكيلات شبه العسكرية، مما أدي الي تفاهم ظاهرة الاغتيال السياسي (اغتيال أحمد ماهر والنقراشي والقاضي الخازندار وأمين عثمان وحسن البنا ومحاولة اغتيال النحاس). والآخر يتكون من الشباب الوفدي وعناصر ليبرالية وديمقراطية واشتراكية مثل سلامة موسي وعصام حفني ناصف. وانقسم الفكر المصري في توجهه، الي نزعة غربية تدعو الي الاقتداء بأوروبا وتقليدها وتتكون من سلامة موسي وطه حسين واسماعيل مظهر ومحمود عزمي وحسين فوزي. ونزعة شرقية وسلفية يمثلها حسن البنا وأحمد حسين. ونزعة وسطية توفيقية انتقائية ويمثلها أحمد أمين وتوفيق الحكيم ويحيي حقي تدعو الي الأخذ بالعلم الغربي مع الاحتفاظ بالقيم الروحية الشرقية.


الموجة الثالثة


'بوسعي أن أوثر السلامة بتجنب السياسة ولكنني آمنت بأن ذلك لا يتفق بحال مع احترام العقل وتقديسه السياسية هي الحياة' نجيب محفوظ في روايته 'قلب الليل'.
ثم جاءت الموجه الثالثة في أربعينات القرن الماضي بأجيالها المتعاقبة من مبدعين ومفكرين ونقاد وكتاب ، كان أبرزهم نجيب محفوظ الذي يعكس عالمه الروائي الواقع المصري منذ ثورة 1919 وحتي اليوم بكل ما فيه من تيارات اجتماعية وسياسية وفكرية وبمحتوي أيديولوجي ليبرالي اشتراكي كما تبدي في ملحمياته الثلاثة الكبار ثلاثية بين القصرين والسكرية وقصر الشوق، وأولاد حارتنا، وملحمة الحرافيش في بحثه الدائب عن معني الحياة في صراعات السلطة والدين والمال. وفي رواياته الواقعية والتعبيرية والرمزية، اللص والكلاب والسمان والخريف وثرثرة فوق النيل وميرمار وقلب الليل وليالي ألف ليلة ويوم قتل الزعيم، وكلها مفعمة بالصراعات والدلالات والنقد السياسي. وكذلك في أعماله التي تكشف عن مواقفه وأفكاره السياسية وقناعاته بشكل واضح مثل رحلة ابن فطومة وأمام العرش. والكاتب والناقد لويس عوض الاشتراكي الديمقراطي ذو التوجه والنزعة الغربية. وراشد البراوي المفكر والداعية الاشتراكي.
أما كتيبة الانتلجنتسيا التي ظهرت في نهاية الحرب العالمية الثانية في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي فقد كانت ذات توجه يساري، يربط بين النضال السياسي من أجل الاستقلال والديمقراطية وبين الصراع الطبقي والاجتماعي القائم بين الفلاحين والعمال من جهة وكبار ملاك الأراضي والرأسماليون الكبار من جهة أخري. وتكونت هذه الانتلجنتسيا من الطليعة الوفدية وهي الجناح اليساري الراديكالي المناويء للجناح اليميني بزعامة فؤاد سراج الدين سكرتير عام حزب الوفد آنذاك. وكانت الطليعة الوفدية تتكون من الطلبة والشباب ويتزعمها الدكتور محمد مندور الناقد الأدبي والكاتب السياسي والمحامي والدكتور عزيز فهمي الشاعر الأديب والكاتب السياسي والمحامي ومصطفي موسي زعيم الطلبة الوفديين. وكان محمد مندور الذي لقب بشيخ النقاد هو العقل المفكر للطليعة الوفدية ورئيس تحرير جريدة صوت الأمة الواسعة الانتشار (من الطريف أن باعة الصحف كانوا ينادون كما جرت العادة علي جريدة صوت الأمة بالصياح 'إقرأ مقال الدكتور مندور' بدلا من ذكر اسم الصحيفة نظرا لشعبيته الواسعة). وبجانب الطليعة الوفدية كانت الانتلجنتسيا تضم كوكبه كبيرة من المثقفين والمبدعين والنقاد والأكاديميين والطلبة اليساريين الماركسيين الذين تشكل وعيهم في حلقات الدراسة والنقاش التي انبثقت في ذلك الوقت كبديل للصالونات الأدبية (مثل صالون مي زيادة) التي كان يؤمها الأدباء والمثقفون في العهود السابقة. وكانت هذه الكوكبة من الانتلجنتسيا تستند علي قاعدة شعبية عريضة من الطلبة والعمال بقيادة نضالية هي لجنة الطلبة والعمال التي تكونت في صراعها ضد وزارة اسماعيل صدقي في عام 1946 والتي وصفها المؤرخ البريطاني والترلاكير بقوله 'إن التاريخ لا يعرف مجتمعا لعب فيه الطلبة والمثقفون بصفة عامة دورا طليعيا في الحركة الوطنية كما حدث في مصر'.
تتمثل هذه الكوكبة من الانتلجنتسيا من جيل النصف الثاني من الأربعينات علي سبيل المثال لا الحصر كما تعيها الذاكرة وبدون ترتيب من نعمان عاشور ويوسف ادريس وعبدالرحمن الخميسي وعبدالرحمن الشرقاوي وعلي الراعي وأحمد رشدي صالح ولطيفة الزيات ومحمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس وأنور عبدالملك وأبوسيف يوسف وأحمد صا دق سعد وسعد زهران وصلاح جاهين وفؤاد حداد والمفكر الاسلامي الديمقراطي المستنير خالد محمد خالد والرسام التشكيلي عبدالهادي الجزار الذي سجن في 1949 بسبب لوحته المسماه 'الجوع'. وما تبعهم من أجيال مثل صلاح عبدالصبور وأمل دنقل ونجيب سرور وأحمد عبدالمعطي حجازي وكاتب الدراما ميخائيل رومان وغيرهم. وقد شكلوا ثقافة بديلة يسارية منحازة لمصالح الطبقات الشعبية، نقدية الطابع وتتسم بالاستنارة والعقلانية وظهر بجانب الوعي الوطني والديمقراطي وعيا طبقيا واجتماعيا يدعو للعدالة الاجتماعية. وكان هذا الجيل دعاة تواصل ثقافي وحضاري مع أوروبا، بالرغم من نضالهم ضد الامبريالية الغربية، سيرا علي خطي المفكرين المصريين السابقين الكبار، رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك والشيح محمد عبده ولطفي السيد وحسين هيكل وطه حسين والعقاد الذين كانوا يؤمنون بوحدة الحضارة الانسانية والتراث الانساني. فقد كانوا يرون أنه لا يوجد تناقض بين الأصالة والمعاصرة أو بين الموروث والوافد كما يجب أن يسميها البعض فالحضارة الاسلامية كانت نتاج التفاعل مع الحضارة الفارسية والبيزنطية واليونانية.





عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) - skeptic - 06-12-2005

[CENTER]الانتلجنتسيا والبيروقراطية الثقافية[/CENTER]


النظام السياسي في مصر نظام مغلق لا تداول فيه للسلطات ولا تغيير في الأفكار والأفراد، وهو يتسم بالجمود والركود ويعيد انتاج نفسه باستمرار، مما أغرق البلاد والعباد في التدهور والانحلال. وهو يسعي لتجميل صورته بديكور ديمقراطي مزيف وديكور ثقافي تنويري مزيف. وفي سبيل ذلك يسعي الي بقرطة المثقفين بتحويلهم الي موظفين أو شبه موظفين مرتبطين بالسلطة حتي يسهل جعلهم أدوات طيعة في يديه. والثقافة التي تفضلها السلطة هي ثقافة المسلسلات التليفزيونية الميلودرامية التي يسمونها في أمريكا أوبرا الصابون والكوميديا الهابطة، وهي ثقافة رثة تتوافق مع تشكيل مجتمع دهمائي استهلاكي غير منتج.
والبيروقراطية الثقافية المتمثلة في وزارة الثقافة والمجلس الأعلي للثقافة، بمهرجاناتها واحتفالياتها التي لا تنتهي ومبانيها ومكاتبها الأنيقة التي تحتل أجمل المواقع في القاهرة، لم ولن تنتج ثقافة وابداعا أصيلا. وهذه البنية التحتية التي تكلفت وتكلف ملايين الجنيهات والدولارات من كدح هذا الشعب البائس الذي لا يستفيد منها شيئا. وإذا أجرينا مقارنة سريعة وموجزة لحصيلة الثقافة بعد حوالي نصف قرن من انشاء وزارة الثقافة والمجلس الأعلي للثقافة (المجلس الأعلي للفنون والآداب سابقا) وبين حصيلتها في العهود السابقة (عهود الملكية المستبدة المعادية للشعب)، التي لم توجد بها لا وزارة ثقافة ولا مجلس أعلي للثقافة لهالتنا نتيجة المقارنة. ففي ذلك الوقت السالف كان لدينا مثقفون ومبدعون كبار لهم مكانتهم العالية ليس في مصر وحدها ولكن في المنطقة العربية كلها. وكان لدينا انتجلنتسيا مرموقة تجمع بين الثقافة والابداع الأدبي والفني وبين السياسة وتبني قضايا الوطن ومصالح الطبقات الشعبية. كان لدينا في الأدب شوقي وطه حسين والعقاد والمازني وتوفيق الحكيم ثم نجيب محفوظ ويحيي حقي ويوسف ادريس ولويس عوض وصلاح عبدالصبور. وكانت لدينا من المجلات الأدبية والثقافية، مجلة أحمد حسن الزيات 'الرسالة'، ومجلة أحمد أمين 'الثقافة'، ومجلة سلامة موسي 'المجلة الجديدة'، ومجلة اسماعيل مظهر 'العصور الجديدة'، ومجلة طه حسين 'الكاتب المصري'. وكان لدينا في المسرح زكي طليمات ويوسف وهبي وجورج أبيض والريحاني. وكان لدينا في الموسيقي والغناء سيد درويش والقصبجي وزكريا أحمد والسنباطي وعبدالوهاب وأم كلثوم. وفي السينما كانت لمصر دور الريادة في المنطقة العربية كلها وأنتجت مبكرا أفلاما ممتازة مثل فيلم العزيمة للمخرج كمال سليم وتجاوز عدد الأفلام المنتجة في مصر أكثر من مائة فيلم سنويا، فأين هذا من الأزمة التي تعانيها السينما الآن بالرغم من المهرجانات السينمائية التي تقام وتكلف الدولة الكثير. وفي الفن التشكيلي كان هناك محمود مختار وراغب عياد ورمسيس ويونان وفؤاد كامل. وكان عدد الصحف والمجلات الصادرة في مصر في عام 1938 حوالي مائتين باللغة العربية ونحو 65 بلغات أجنبية. ولكل هذا تبوأت مصر مركز الصدارة والريادة الثقافية في المنطقة العربية كلها.
فالثقافة لا تنتجها البنية التحتية التي تكلفت الملايين ولا البنية الفوقية البيروقراطية. الثقافة والابداع الأصيل ينتجه المثقف والمبدع المستقل والمندمج في شعبه والملتزم بقضايا وطنه والمبتعد عن الأخطبوط السلطوي والعنكبوت البيروقراطي.
وهذه ليست دعوة لالغاء المؤسسات الثقافية القائمة اليوم مثل المجلس الأعلي للثقافة وهيئة قصور الثقافة، ولكن المطلوب مقرطة بنية هذه الهيئات وجعلها تعبر عن المثقفين الحقيقيين الذين يجب أن يمسكوا بزمامها وجعل تداول الرئاسات والمناصب مبدأ مقررا، والتخلي عن نظام الوقف الوظيفي مدي الحياة الذي تمارسه السلطة في كافة المناصب الهامة المتسم بالجمود الذي يولد الانحطاط ويتناقض مع الديمقراطية وممارسة المشاركة وتداول السلطة، وبخاصة في مثل هذه المؤسسات التي من المفترض أنها تتكون من الصفوة الثقافية، فمن المستغرب أن من يشرفون علي هذه الهيئات يحتلون مناصبهم سنين عديدة وكأن المثقفين الآخرين قد أصابهم العقم.
وللانصاف يتعين ذكر أن وزارة الثقافة ومصلحة الفنون التي سبقت انشاء الوزارة، قامت بجهد طيب عندما كان يتولي رئاساتها الدكتور ثروت عكاشة ومن قبله فتحي رضوان عندما كان يشرف عليها بعض كبار المثقفين والمبدعين أمثال الدكتور حسين فوزي وأبوبكر خيرت ويحيي حقي ونجيب محفوظ، ثم الدكتورة سهير القلماوي ومحمود أمين العالم وعلي الراعي والدكتور مجدي وهبة وعبدالرحمن الشرقاوي. وقد أسفرت جهودهم في انشاء الكونسرفتوار ومؤسسة السينما وأكاديمية الفنون وقصور الثقافة، وتجلت في النهضة الكبري للمسرح في مصر بل العصر الذهبي للمسرح المصري في الفترة من 1957 الي .1967


[CENTER]قمع المثقف بالمال وتدهور قيمة الكلمة[/CENTER]


السلطة المستبدة تمارس سيطرتها علي الانتلجنتسيا بالقمع، سواء بالقمع المادي السافر المباشر، فقد كان المتبع عند التصادم بين السلطة وأفراد الانتلجنتسيا، أن تلجأ السلطة الي القائهم في السجون والمعتقلات ومصادرة كتبهم ومطبوعاتهم ومجلاتهم وفصلهم من وظائفهم. إلا أنه في العقدين الأخيرين. اتبعت السلطة أسلوبا أكثر دهاء ومكرا، وقد يكون ذلك بتأثير الثورة الديمقراطية العالمية وحركة حقوق الانسان. فبدلا من القمع السافر المادي المباشر، اتخذت سياسة القمع المعنوي الانتقائي بالاحتواء والاغواء والرشوة، وكلفت وزارة الثقافة وأجهزة الدولة الاعلامية بتلك المهمة. واتخذت الغواية أشكالا وصورا عديدة: مناصب ووظائف، مرتبات ومكافآت ومنح وجوائز الدولة، والترجمة والنشر لكتب لا يقرؤها أحد، والتلميع الاعلامي والنجومية والحضور في أجهزة الاعلام والسفريات السياحية لحضور المهرجانات والمؤتمرات والندوات.
وخطورة هذه السياسة علي الثقافة والمثقفين أن القمع المادي قد يؤدي الي اسكات المثقف مؤقتا، ولكنه لا يقتل روحه والهامه ولا ارادته في المقاومة. أما القمع المعنوي بالمال والمنافع المادية فهو يقتل الروح والالهام بل والموهبة ويحول المثقفين الي فرقة هالكة من المرتزقة، وما أتعس الانتلجنتي السابق بعد أن يصبح موظفا لدي السلطة أو ذنبا من أذنابها.
والكلمة وهي سلاح المثقف فقدت قيمتها لدي السلطة. في الماضي كانت السلطة شديدة الحساسية للكلمة، حتي انها كانت تسجن قائلها. أما الآن فقد أصبحت لا تلقي بالا لما يقال أو يكتب نقدا لسياستها ومواقفها. وتكتفي بتجاهلها ومحاولة ادخال قائلها في حظيرة ولي النعم، حتي يفقد مصداقيته.