حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
عَوْدٌ غيرُ أحمد - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: عَوْدٌ غيرُ أحمد (/showthread.php?tid=27701) |
عَوْدٌ غيرُ أحمد - ابن سوريا - 06-10-2005 عَوْدٌ غيرُ أحمد كشفت الفترة القريبة المنصرمة، وبوضوح ظاهر، تخبط النظام وعدم اتساق تصرفاته، وميله لاستعادة الأساليب القديمة ( والتي لم تغب عن الحياة العامة قط ) في استعمال القوة العارية والمبطنة أو التهديد بهما، لتأمين استمرار الصمت والانصياع لإرادته. فبعد هزيمته السياسية في لبنان، عادت أجهزته الأمنية لتعلن حضورها من جديد على سطح الحياة السياسية في البلاد، في عملية شبه ثأرية من المجتمع ونشطائه الحقوقيين والمثقفين والسياسيين. وقد يكون لانتشار الفضائح والارتكابات، بالأسماء والأرقام، والتي سميت "أخطاء" دور في حمى هذا الانبعاث الفج لأعمال الخطف والتنكيل والاعتقال التي جرت مؤخراً، وبأساليب تذكر بسنوات الثمانينات المريرة. لأن " الأخطاء " المذكورة هي من رتبة الخطايا وربما أكثر، ومن المؤكد أن لها ما بعدها. فهل أراد أصحاب الحملات الجديدة تغيير جهة الاهتمامات، وتوجيه الأنظار إلى جهة أخرى، من خلال عملية هي أشبه " بحجب الشمس بغربال "؟! أم أن الأجهزة التي استمرأت خرق القوانين والاعتداء على حرية المواطنين وهتك الحياة العامة دون أي مساءلة، لم تستطع العيش بدون ذلك، فرجعت إلى عادتها القديمة؟! الاعتقال.. الاعتقال لم تطل فترة الارتياح والأمل التي بعثها إطلاق سراح جميع المواطنين الأكراد الذين تم توقيفهم وسجنهم على خلفية أحداث 12 آذار 2004 في الجزيرة، حيث تم اغتيالها عدة مرات وبأشكال مختلفة. فبعد التهليل الرسمي داخل البلاد وخارجها لقرار السلطة السماح للسفارات السورية في الخارج بتجديد جوازات السفر للمواطنين السوريين لمدة عامين، وبالتالي السماح لهم بالعودة الحرة إلى البلاد، قامت الأجهزة الأمنية باعتقال معظمهم منذ لحظة وصولهم إلى المطارات ومخافر العبور الحدودية. وكأن الدولة الأمنية ( الكريمة ) نصبت فخاً لمواطنيها الذين يشتعلون شوقاً للعودة إلى وطنهم، وتحدوهم الرغبة لفتح صفحة جديدة في حياته. ثم جاء اختطاف وقتل الشيخ محمد معشوق الخزنوي، نائب رئيس مركز دمشق للدراسات الإسلامية، لتقضي على آخر نسمة من الأثر الايجابي للإفراجات الأخيرة. وكائناً من كانت الجهة التي ارتكبت هذه الجريمة النكراء فلن تستطيع السلطة أن تتنصل من مسؤوليتها عن جريمة سياسية بشعة، تحصل في وضح النهار وعن سابق تصميم وترصد. ناهيك عن عشرات المواطنين الذين اعتقلوا في اللاذقية، وأطلق سراحهم من " صناع الحياة " وآخرين في دمشق وريفها على خلفيات مختلفة وبأسباب واهية، تتلخص في الاختلاف عن توجهات النظام والاشتراك بنشاطات غير موجهة منه. كما طالت موجة الاعتقالات المستمرة الناشطين في حقل حقوق الإنسان، أمثال السيد نزار رستناوي والأستاذ محمد رعدون، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في اللاذقية يوم 22 / 5 / 2005. وتكشف هذه الحملة عن وجهها الخطير والمختلف، بأنها تطال هذه المرة هيئات ومنظمات المجتمع المدني، كجمعيات حقوق الإنسان ومراكز البحث والدراسات والمنتديات، بهدف مصادرة المجتمع وإخضاعه كلياً، وترويع الشعب، وإعادة النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي إلى بيت الطاعة، وقطع الطريق على أي تفكير بإصلاح جدي، يجعل فتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد ممكناً. لكن أكبر الحملات وأخطرها تلك التي طالت منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي. المنتدى استطاع المنتدى خلال السنوات القليلة من عمره أن يقدم نفسه منبراً حراً للثقافة المغايرة. وأفسح في المجال لتجاور الآراء والأفكار المتعددة والمختلفة في حوار وطني بناء، يقوم على اعتراف الجميع بالجميع على قاعدة الحقوق المتساوية وأولها حق الاختلاف. من هنا كان مكاناً لظهور الرأي الآخر والتعبير عنه بامتياز. كما استطاع أن يجذب إليه نخبة من المفكرين والمثقفين والسياسيين والعاملين في الشأن العام عموماً، من داخل البلاد ومن خارجها، يقدمون على منبره رؤاهم واجتهاداتهم في القضايا العامة التي تواجه البلاد. ونجح في استقطاب اهتمام السوريين الذين يقصدونه من مختلف المحافظات في أول كل شهر للمشاركة في نشاطاته الغنية والمتنوعة. لقد أصبح حالة ثقافية، تعرف في طول البلاد وعرضها باسم " المنتدى ". مع ساعات الصباح الأولى ليوم 24 / 5 / 2005، اكتمل اعتقال أعضاء مجلس إدارة المنتدى، وهم السادة: سهير جمال الأتاسي، ناهد بدوية، حسين العودات، حازم النهار، محمد محفوض، جهاد مسوتي، يوسف جهماني، عبد الناصر كحلوس. وكان العضو التاسع في المجلس الأستاذ علي العبد الله قد اعتقل في الخامس عشر من الشهر نفسه. تم الاعتقال على خلفية ندوة أيار التي أقيمت تحت عنوان "الإصلاح في سورية"، وشارك فيها العديد من القوى السياسية والاجتماعية وبينها حزب البعث الحاكم. ولم تكن رسالة الإخوان المسلمين التي تليت في الندوة أكثر من ذريعة، أرادت السلطة أن تستخدمها، لتبرير اعتدائها على المنتدى باعتقال إدارته وكبح حريته، في محاولة مكشوفة لتعطيله وإغلاقه. ومما لاشك فيه، أنه كان لحملة التضامن الكبرى، التي انطلقت سريعاً داخل البلاد وعلى الساحتين العربية والدولية، مع المعتقلين إدارة وأشخاصاً دور حاسم في الضغط على النظام للإفراج عنهم بأسرع ما يمكن. نخص بالذكر البيانات والاعتصامات المحلية، وبيان المثقفين اللبنانيين، والمثقفين الفلسطينيين من الأرض المحتلة، والعديد من جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني في العالم، إلى جانب الجهود الدولية. مما يشير إلى أهمية المنتدى وخطورة الإجراءات التي تمت بالاعتداء عليه. لم يكن المنتدى ثمرة من ثمرات الحراك الوطني العام في السنوات الخمس الماضية فحسب، إنما كان إحدى العلامات المميزة التي بلغها النشاط الاجتماعي في البلاد كفعالية مدنية شعبية مستقلة، تهدف إلى تمكين المجتمع من استعادة زمام المبادرة للتعبير عن إرادته وقواه ومصالحه أمام تغول الدولة ومؤسساتها السلطوية. وكان على الدوام المكان الذي يمكن أن ترى فيه سورية على حقيقتها، تسمع أنينها، وتصغي إلى نبضها، وتبثك آمالها وأحلامها دون زيف أو خوف أو ادعاء. من هنا تأتي أهمية حمايته والدفاع عن دوره ضد كل محاولات التمييع والتجيير والإلغاء، ليبقى منبراً فعلياً للحوار الديمقراطي بين السوريين في جميع مكوناتهم وتياراتهم وأفكارهم، وبيتاً للوطنية السورية الحقة. احتراق الأوهام قدم الشعب السوري والمعارضة الديمقراطية ( بكل طيفها الواسع )، وبشهادة القريب والبعيد، نموذجاً للوطنية والعقلانية قل نظيرها. رغم الحيف الشديد الذي لحق به، والتدمير المتعدد الأشكال الذي تعرض له عل يد السلطة خلال أكثر من أربعة عقود. فأبدى استعداداً عالياً لقبول الرأي الآخر، ورغبة شديدة في الحوار ونبذ العنف والتطرف، وطالبت مختلف الأطراف الاجتماعية والسياسية بإجراء الإصلاح الجذري في سورية، وبالتغيير كمهمة إنقاذية للبلاد. وأعلنت استعدادها للمشاركة في هذا الميدان، وتحمل مسؤولياتها على قاعدة المساواة، لنبذ الماضي وأساليبه والخروج من عقده، لتأسيس سورية الحديثة، دولة مدنية بدستور ديمقراطي عصري، يعيد الشعب إلى موقعه الطبيعي كمصدر للسلطات عبر الانتخابات الحرة والنزيهة. لكن النظام بقي كما يقال: " أذن من طين وأذن من عجين "، يأبى التحول من نظام أمني إلى نظام سياسي، يعترف بحق الشعب في الحرية، وبحق المجتمع ومكوناته من أحزاب وتيارات ومنظمات مجتمع مدني في الشرعية والعلنية واستئناف الحياة الطبيعية في إطار القانون. وتحويل الدولة من دولة حزب، تماهي بين الدولة والسلطة والمجتمع، لتوضع رهناً لإرادة الحاكم واستنسابه، إلى دولة حق وقانون تخص جميع مواطنيها، ويتمتعون فيها بحق المراقبة والنقد والتغيير بالوسائل الدستورية والأساليب القانونية. لقد لفظ الشعب السوري العنف في ممارسة العمل السياسي، ولفظه من أجندته. لكن السلطة وحدها مازالت تحتفظ بهذه "المأثرة" ولا تريد التخلي عنها. وما التصدي لمعتصمي "ساحة المدفع" في 25/5/2005 غير أحد الأدلة، ولن يكون الموت تحت التعذيب والذي يستمر في أقبية المخابرات هذه الأيام آخرها. انتزاع الديمقراطية ما الذي يريده حقاً القائمون على السلطة في البلاد؟! وما الذي يفعلونه غير ترك سورية واقفة أمام مفترق طرق عسير، مغلولة الأيدي بانتظار المجهول؟! تحيط بها الأخطار من كل صوب، لتدفعها نحو الانهيار والفوضى، أو لتفرض عليها تغييراً يأتي محمولاً من الخارج، لا يأخذ في حسبانه مصالح الشعب والوطن. لقد فوتوا فرصاً عديدة لا تعوض، لولوج مسار التغيير الذي تحتاجه سورية وينادي به شعبها، وأعلنته بمختلف الأشكال القوى الحية فيها. لقد برهنوا عن عجزهم وعدم رغبتهم فيه. وبرهن تدهور الأوضاع الداخلية والتطورات العالمية والتغييرات الإقليمية على حتمية النهاية لنظام الشمولية والاستبداد. غير أن النظام الذي فقد القدرة على تجديد نفسه وتلميع صورته وتزيين الأوضاع، مازال أسير الماضي بعلاقاته وعقده وأساليبه، يأبى الاستجابة لنداءات الإصلاح الوطنية، ويقاوم أي توجه نحو ذلك، متمترساً وراء عقلية التسلط وأدوات القمع، وهي آخر ما تبقى من "إنجازات" دولة الاستتباع الأمنية التي بناها في مواجهة الشعب. التغيير في سورية أكثر من حاجة، إنه ضرورة. والمشاركة فيه حق للجميع وواجب عليهم. وهو يتطلب حواراً مفتوحاً بين كل التيارات الفكرية والسياسية في البلاد. وليس لأي حزب أو تيار حق الادعاء بدور استثنائي، وليس لأحد الحق في نبذ الآخر واستبعاده، أو اضطهاده وسلبه حق الوجود والمشاركة في الوطن. فسورية بحاجة إلينا جميعاً. فلننظر إلى التجربة التاريخية لشعبنا بعيون أخرى، ناقدين رؤى الماضي وتجاربه الأليمة في بلادنا وفي العالم أجمع. ولنتطلع إلى المستقبل، ونفتح صفحة جديدة في التاريخ السوري، صفحة ندشنها بحوار وطني شامل، لصوغ عقد اجتماعي بديل، يجسده دستور ديمقراطي، يجعل المواطنة معياراً للانتماء، وتقره جمعية وطنية منتخبة في مناخ التوافق الوطني. لم تبد السلطة اهتماماً بحاجات البلاد، ولا استجابت لتطلعات الشعب وطموحاته للخروج بالبلاد من حالة العطالة إلى بر الأمان. ولم يبق غير الاعتماد على وحدة الشعب وتوافق المعارضة لبناء استراتيجية تغيير مستقلة، جريئة وعملية ومقنعة، تتوجه إلى المجتمع، وتتفاعل مع الجمهور الواسع لتعبئته وتنظيمه، ليأخذ دوره في عملية التغيير. إن استقلال المعارضة وتمتعها بتصميم وإرادة قويين شرط أول لبناء هذه الاستراتيجية. كما أن استعدادها لتقديم التضحيات هو الشرط الأساس لنجاحها. لم يبخل الشعب السوري يوماً بالتضحيات من أجل الحرية والديمقراطية و حماية الاستقلال. كما لم تبخل المعارضة أيضاً خلال أكثر من أربعة عقود من استمرار القمع. وها هي السجون والمنافي وقوائم الضحايا تشهد عل ذلك، وتدل عليه، لمن يعوزه الدليل. "موقع الرأي: من مواد العدد 43" |