حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
زيارة جديدة لأفلام الاخوين رحباني: سفر برلك ...بيّاع الخواتم ..و بنت الحارس - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: فـنــــــــون (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=80) +--- الموضوع: زيارة جديدة لأفلام الاخوين رحباني: سفر برلك ...بيّاع الخواتم ..و بنت الحارس (/showthread.php?tid=28972) |
زيارة جديدة لأفلام الاخوين رحباني: سفر برلك ...بيّاع الخواتم ..و بنت الحارس - بسام الخوري - 05-08-2005 زيارة جديدة لأفلام الاخوين رحباني: كان يا ما كان لبنان... وسوريا الكاتب: محمد سويد المصدر: النهار لا شيء يغلب الحرب إلاّ الشرب (بتصرّف عن سفر برلك ) تعرّفت إلى سفر برلك على شاشة المرحومة غومون بالاس قبل انقضاء النصف الأوّل من سبعينات القرن الآفل. قامت الصالة المغفور لها في مبنى مرتفع بأدراج مثيرة للرهبة. كان مجاوراً لجسر الرينغ ورأس مثلث جمع في طرفيه المتقابلين موقفاً لأوتوبيس جحش الدولة ومقرّاً أثرياً للحزب السوري القومي الاجتماعي اقتلعه الدمار تدريجاً بعدما جرفته ميليشيا الكتائب في مطلع الحرب. فوق جسر الرينغ وتحته، شهدت الفترة اللاحقة لعرض الفيلم اصطفاف بوسطات النقل العام وتأهيلها لتسيير مواكب شعبية في اتجاه شتورة. حملت المواكب أعلاماً لبنانية وسورية وشعارات ترحيب بالزيارة الأولى والأخيرة للرئيس السوري حافظ الأسد المتواعد مع نظيره اللبناني آنذاك سليمان فرنجية على عقد لقاء قمة. كنت دون الخامسة عشرة، ورغم مرور بضعة أعوام على احتفال سفر برلك بتاريخ عرضه الأول في بيروت، استمر تهافت الجمهور على فيلم الأخوين رحباني وفيروز، وعلى نحو منقطع النظير بحسب اللغة المتداولة في أدبيات الإعلان السينمائي في الصحف المحلية. يومها تعلّمت أن الجمهور نوعان، جمهور سياسة وجمهور أفلام، الأول تعبّئه الشعارات والثاني يعبّئه القلب. حين يحوي فيلم ما سرّ خلوده في ذاته ويحضّ على الاختلاف في تفسيره، لا يعود مهدّداً بالنسيان. في وسعه أن يتجاوز عمره وتضحي صوره جزءاً من ألبوم الذاكرة الشخصية لكل مشاهد، ومحطّة في تاريخه أو أقلّه فاصلة في جملة تاريخية مهما عابها نقص النضج وعدم اختمار المعنى. إنها حال كل فيلم يتخطى امتحان الزمن ويستحّق تصنيفه في باب الكلاسيكيات. يا ابنتي يمكن ردّ نجاح سفر برلك وصموده مدى العقود الفائتة، والمقبلة، بجملة أسباب ينفرد مشاهدوه في تقويمها بدءاً من الانتعاش بإطلالة فيروز في دور عدلا وانتهاءً بالوجه البطولي لمقاومة الاحتلال العثماني في حقبته الآيلة إلى الزوال وسط زحف المجاعة وحلول الحرب العالمية الأولى عام 1914. من المؤكد أن إعادة عرض الفيلم لن تخلو من تصفيق الجمهور لبطولات شلّة القبضايات في قيادة أبو أحمد . ومن المؤكد أيضاً أن معاودة مشاهدة الفيلم مراراً لن تخفّف من استحواذ فيروز الشاشة. كان واضحاً استئثار فيروز بكل مشهد داخل الفيلم نفسه. في الربع الأخير من الفيلم، وتحديداً لوحة العرس المزعوم، يسهل على المتفرّج ملاحظة انحراف نظر الكومبارس في اتجاهها بدلاً من سائر الممثلين وراقصي الدبكة المشاركين في تأدية أغنية عنبية . وفي العودة إلى مشاهد أخرى جمعت فيروز بعاصي الرحباني منتحل دور أبو أحمد ، لم يخف الموسيقي الراحل شرود عيني البطل المقاوم وانقلابه من قبضاي إلى شاعر وديع في صمته جفل قلبه من الإفصاح عن الحب حتى كاد يداري عاطفته مؤثراً مناداة حبيبته يا ابنتي بدل حبيبتي . كأنه اكتوى بلوعة حبّ مستحيل وتوق إلى الاقتراب من ظل امرأة لا يستطيع الإمساك بها. شيءٌ ما تكررت رؤيته بعد أعوام عدة في شريط حفلة الأولمبيا في باريس، حين ترك عاصي الرحباني عصاه تقود الأوركسترا وتاه نظره سارحاً في فيروز الواقفة خلف ظهره على خشبة المسرح. عينه عليها وعينها على الجمهور. من فرط شغفي بالسينما، تعوّدت الخوف من اختفاء المشاهد الأثيرة من أفلام أحببتها، وفي ذلك ما يوحي محاكاة المشهد السينمائي سلوك البشر في مغادرة الأمكنة. لا أخفي أني عمدت فور شروعي أخيراً في مشاهدة سفر برلك للمرة السادسة أو السابعة إلى التأكد من بقاء بعض المشاهد في مكانها. فعلت الشيء نفسه لدى اقتنائي الشريطين الآخرين لفيروز والأخوين رحباني، بيّاع الخواتم و بنت الحارس . وجدت أن الأفلام الثلاثة لم تفارق أمكنتها. ما برح كلّ مشهد في موقعه. وحدها سينما غومون بالاس اقتلعت من جذورها وضاع أثرها في الموكب السيّار للوفود الشعبية المتجهة صوب البقاع ترحيباً بلقاء الرئيس السوري الراحل ونظيره اللبناني الراحل. رحم الله موتانا جميعاً. مذاك تعلّمت أن الذاكرة نوعان، نوع تحفظه الصورة ويتطوّر معها من شريط السينما إلى الأسطوانة الرقميّة، ونوع يلازم ماضيه وتنهبه المواكب السيارة. إنتاج معولم أعدت ترتيب الأفلام بحسب تواريخها وشاهدتها تباعاً. معلومٌ أن عروضها الأولى توالت طوال ازدهار لبنان في عصر هزيمة العرب وعزّ نكستهم، وليس أدلّ على حيوية الأجواء السائدة في لبنان آنذاك من إنتاج الثلاثية الرحبانية السينمائية في سرعة قياسية لا تزيد على أربعة أعوام تقريباً. عام 1965، اقتبس الأخوان رحباني أوبريت بيّاع الخواتم وانضمّا إلى قافلة السينمائيين في رفقة فيروز وإدارة يوسف شاهين. كان الفيلم فريداً في تصوير معظم فصوله داخل اسـتـديو العـصـري - المنتقل إلى رحمة ربّه عن عمره المديد في تخوم مخيّم صبرا قبل تسويته في الأرض بطائرات الاجتياح الإسرائيلي صيف 1982 - وكذلك كان الفيلم زاخر الألوان بديكورات باهرة حرّرتها حيوية حركة الكاميرا من جوّها المسرحي. ربما أسيء تقدير الناحية الفنية في الفيلم حتى في المواقف المعلنة لمخرجه. غالباً ما أعرب يوسف شاهين عن اشمئزازه وعدم رضاه عن النتيجة. بعده، استكمل عاصي ومنصور الرحباني ونجمة أعمالهما فيروز مشوارهم السينمائي مع مخرج مصري آخر وقّع فيلمي سفر برلك المنفى و بنت الحارس في عامي 1967 و1968، وكان اسمه بركات، أو هنري بركات تحديداً. ما بين ستينات القرن العشرين وسبعيناته، فرضت تقاليد الإنتاج المشترك تعدّد جنسيات المشاركين في صنع الأفلام. ومع غزو المنتجين والمخرجين والنجوم المصريين للسينما اللبنانية، سادت اللغة المصرية في حَوْك لغة الحوار وكان اختيار الممثلين مطابقاً لطبيعة الإنتاج المختلط وأشبه بعلامة تجارية لها علاقة بشهادة منشأ الإنتاج أكثر من قصة الفيلم وجغرافيا البلد. في هذا المعنى، تُعدّ الثلاثية الرحبانية من الاستثناءات النادرة في الفترة السالفة، إذ قلما قُيّض لفيلم محلي أن ينطق بلهجته الأصيلة ولو كان أبطاله غير مصريين، ومن الأمثلة الساطعة على ما تقدّم اضطرار المخرج الراحل غاري غارابديان إلى دبلجة حوارات ممثلّي فيلمه الخاص بالقضية الفلسطينية، كلنا فدائيون ، بالمحكية المصرية. حتى في سياق السينما اللبنانية وتاريخها، اتسمت الثلاثية الرحبانية ببعض التصنيف غير المسبوق، فلم يحصل قبل بيّاع الخواتم أن عرف الإنتاج اللبناني نقل أثر مسرحي أو مغنّاة إلى الشاشة الكبيرة، ولم يعرف الفيلم التاريخي حضوره قبل سفر برلك . لا شكّ في أن لعمل الرحابنة وفيروز خصوصيات شعرية وموسيقية وغنائية ساهمت في صون تجربتهم السينمائية من التسوية اللغوية عبر وضعها في عهدة مخرجين مصريين كانا فائقي الإحساس بتحدرهما من أصول عائلية لبنانية. مع ذلك، لا تعتبر التجربة السينمائية الرحبانية صادرة عن أصول لبنانية خالصة. ففي معزل عن الطريقة السائدة قبل خمسة وثلاثين عاماً في تطبيق مبادئ الإنتاج المشترك، قدمت هذه التجربة نفسها نموذجاً مبكّراً للإنتاج المُعَوْلم في أفلام محلية لا تتجاوز همومها دائرة قرية من نسج الخيال، حيث جمعت خبرات مصرية (شاهين، بركات وألفرد بحري مونتير بنت الحارس ) وعراقية (صاحب حدّاد مونتير بيّاع الخواتم ) وفرنسية (أندره دوماج مدير تصوير بيّاع الخواتم وكلود روبان مدير تصوير الفيلمين التاليين) وحُمّضت وطبعت في باريس ولندن وأشرف على إنتاجها المهندس السوري نادر الأتاسي. لا القصة صحيحة ولا الضيعة موجودة يخطئ من يتبنّى الفكرة المتداولة عن الرحابنة بأن أفلامهم رسمت صورة حالمة عن لبنان وجعلته قابلاً للتصديق. يبدّد مجرى الأفلام وهم هذه الصورة، فعلى امتداد ثلاثيتهما السينمائية كتب الأخوان رحباني قصة ضيعة ، ولو توقّف المشاهد عند فاتحة الكلام في بيّاع الخواتم لسمع فيروز تؤكد عبر الغناء وقبل بدء أحداث الفيلم أن لا القصة صحيحة ولا الضيعة موجودة . أصلاً، تشكّل الكذبة جوهر الفيلم: يلفّق مختار الضيعة قصة رجل خارج على العدالة يدعى راجح ويجعل سكان القرية يصدقون وجوده وينسبون إليه السرقة وإثارة القلاقل ويقتنعون بعدم ظهوره إلاّ في وجه المختار. تطرح فرضية الخرافة نفسها في قوة منذ شروع الكاميرا في التسلل إلى قلب القرية ونسيج أهلها. وإذا كانت البنية المسرحية في بيّاع الخواتم تأخذ سرد الحكاية الخرافية في الحسبان، فلا تخلو أسماء القرى الواردة في سفر برلك و بنت الحارس من حسها الخرافي. لست ضليعاً في أسماء القرى اللبنانية بيد أني أزعم أن قريتَي مشتى الديب و عين الجوز في سفر برلك و كفر غار في بنت الحارس تجاور الخيال ولا تمّت إلى الحقيقة. اللافت في هذين الفيلمين ميل الشقيقين الرحبانيين إلى إطلاق أسماء غير واقعية على مسرح الأحداث في كلّ فيلم وعدم التصرف في أسماء المدن المعروفة أمثال جبيل، بيروت وزحلة. من الجائز أنهما آثرا ترك الأماكن مرتبطة بعالمهما السينمائي وليس بخريطة المناطق اللبنانية ودلالاتها الاجتماعية والطائفية، على غرار تشكّل فصيل المقاومة اللبنانية للاستعمار العثماني من رجال متعددي المذاهب الدينية في زعامة أبو أحمد و الحاج نقولا (أحمد خليفة) و الجن (زياد مكّوك). وحدها الخرافة تحفظ وحدة المشاعر والمكان والانتماء، واختيار الأسماء الخرافية للقرى ينأى بها عن التصنيف والاجتهاد في ردّها إلى واقعها وأصولها. غير أن استهلال قصة بيّاع الخواتم بنفي صحتها ينطوي في المقابل على تهكّم، فمهما تبادر إلى الذهن أن لبنان الجميل اختراع رحبانيّ، يبدو الإيمان في ذلك أبعد من أن يكون يقيناً: على ما جاء في الفاتحة الغنائية لفيروز في بيّاع الخواتم ، بدأت الحكاية بخربشة على الورق خطها شخص في لحظة ضجر وسرعان ما تحولت الخربشة كلمات والكلمات قصّة، لكن لا القصة صحيحة ولا الضيعة موجودة . هكذا، لم تكن الحكاية أكثر من قصة خرافية و كان يا ما كان ضيعة اسمها لبنان. الغرب اللبناني البعيد يقال إن السينمائي الراحل سرجيو ليوني نجح في فرض أبوّته الروحية لأفلام الوسترن الإيطالي لأنه فهم سر الوسترن الهوليوودي وأدرك أن شعبيته ارتكزت على أسس خرافية وكان أبهى تألّقه إطلاقه حدث ذات مرة في الغرب عنواناً لأول أفلامه الكبيرة و حدث ذات مرة في أميركا عنواناً لآخر فيلم ودّع به أميركا وحياته معاً. حدث ذات مرة في أشرطة سرجيو ليوني هي كان يا ما كان في ثلاثية الأخوين رحباني وفيروز، والحق أن طريقة تصوير الأفلام الرحبانية تجعلها أقرب النماذج المحلية تماثلاً بالوسترن أو ما عُرِفَ بسينما الغرب البعيد. في سينما الغرب البعيد أو رعاة البقر ، يدور صراع على أرض وملكية، وتستعر حروب استيطان بين بيض وهنود حمر، ويتناقل الناس أساطير الذهب ويتقاتلون بحثاً عن مخابئه، ويستأثر صحو الطقس والطبيعة بغالبية المناظر، ويفرض إقطاع حضوره وتبرز عائلة ويستقطب أب أبناء متبايني الطباع، وتقع بلدات آمنة تحت رحمة رعاع، وتتقدم شخصية الشريف وتراوح من العجز المطلق إلى المروءة الخالصة، وتخضع الرواية القريبة من الخرافة المتحررة من واقعيتها لمنطق الزمن وواقعيته التاريخية، حيث تلتقي حكايا الأشقياء والماريشالات والفرسان الزرق ودفاع الفرد عن نفسه بمسدسه في رسم لوحة لأميركا ما بعد الحرب الأهلية ومجتمع ما قبل الدولة الحديثة ومؤسساتها القانونية والديموقراطية، وتحتل السكك الحديد واستخدام القطارات حيّزاً أساسياً في احتضار الغرب القديم وتغيّر القوى وحلول النفوذ الاقتصادي محل الصراع على الأرض. على هدي الوسترن التقليدي، يحمل سفر برلك ، خصوصاً، أوجه شبه عدة. منذ اللقطة الأولى، يحدد القطار مسار المواجهة بين المحتل العثماني وجماعة أبو أحمد ، وتستحيل رؤية هجوم أبي أحمد ورجاله على الحافلة المحملة جنوداً أتراكاً من دون مقارنتها بمعارك الاستيلاء على الحافلات في أفلام رعاة البقر. حتى أن أبا أحمد ومرافقيه يتماهون في خصال الكاوبوي النبيل وشهامته حين يوصيهم أبو أحمد بعدم استعمال الرصاص، إذ ليس من شيمة القبضاي مبارزة عدوّه ما لم ينازله وجهاً لوجه. تمضي عملية إخراج سفر برلك قدماً في استلهام عالم الوسترن وسحره، فليس فارس السكران (صلاح تيزاني) غريباً عن شخصية تقمصها دين مارتن في ريو برافو مغالباً الحرب بالشرب، ولا تقل لوكاندة الستّ هند شبهاً عن حانات يرتادها الكاوبوي ترويحاً عن النفس، حيث يستبدل الويسكي بالعرق ويحضر طيف المومسات في أسلوب الإيحاء مشفوعاً بنمرة هزّ بطن للراقصة ميرفت، ولا تغيب الخيول والدواب المستعملة في تهريب الحنطة عن المناظر الخارجية فيما تُفْتحُ بؤرة العدسة على وسع الطبيعة الخلابة. إنه الغرب اللبناني البعيد. على سبيل الفكاهة، وفي ما يوحي ما جسّده سرجيو ليوني من إضافة ساخرة ودعابة خاصّة، سميّت أشرطته وسترن سباغيتي . عبر المقاربة نفسها، يطيب لي نعت الفيلم الرحباني بالـ وسترن تبّولة . لا غرو في أن شعر الأخوين رحباني وألحانهما وصوت فيروز أكسبت هذا الوسترن غنائية فريدة صاغت عنصر أدبيته الرومنسية على الشاشة، لكن العنصر الدرامي المكوّن للوسترن يتعدّى سفر برلك ليشمل الفيلمين الرحبانيين الآخرين. أساساً، يقوم العنصر المذكور على حصر الحكاية ووجوهها داخل بلدة بدلاً من نشرها على امتداد بلاد ومساحات شاسعة، فمن ذلك اقترنت شهرة أفلام وسترن عدّة وعناوينها بأسماء بلدات ومطارح أمثال لارامي و تومبستون و أو. كي. كورال و بلاك روك . في ثلاثية الأخوين رحباني وفيروز يُختصَر الفيلم وأبطاله بحكاية بلدة، هي ضيعة وهمية في بيّاع الخواتم ومشتى الديب في سفر برلك وكفر غار في بنت الحارس ، وتختزل نظرية الوسترن نفسها في استناد الأفلام الثلاثة إلى فكرة اهتزاز الأمن واحتكام الناس إلى سلطة اختيارية أو بلدية هي دون مستوى الدولة والمؤسسات. إذا كانت حكاية البلدة استعارة لحكاية لبنان في أفلام الأخوين رحباني، فهذه الأفلام قسّمت لبنان تاريخياً حقبتين، إحداها عثمانية والأخرى معاصرة، ومع أن سيناريو بنت الحارس يفترض وقوعه في إطار معاصر إلاّ أنه يستعيض عن الدولة بمجلس بلدي يشرف عليه رجل مستقيم لا اسم له سوى الرئيس (عاصي الرحباني) ويتألّف أعضاؤه من مجموعة فاسدين قرّروا أن الأمن مستتب في بلدتهم واستغنوا عن خدمات الحارس أبو نجمة (نصري شمس الدين) ومعاونه صالح (عبد الله حمصي). بعد معاودة مشاهدتي للأفلام الثلاثة، حاولت ترتيب حكاية لبنان ووجدت أن القصة بدأت في ضيعة بلا اسم وانتهت في ضيعة يشرف على شؤونها رئيس بلا اسم حمل في ما مضى لقب المقاوم أبو أحمد . ومثلما بدأت القصة باختراع شخصية طريد العدالة راجح، انتهت باختراع فيروز شخصية أبو الكفيّة وتنكّرها في ثيابه زارعةً الرعب في أرجاء البلدة أملاً في إعادة والدها ومعاونه إلى عملهما. على امتداد الأفلام الثلاثة، وسواء في إدائه دور المختار أم الحارس البلدي، يتقدم نصري شمس الدين بشخصية الوارث المحتمل للشريف في عالم الوسترن. ربما عالم الوسترن انقلب اليوم إلى عالم المافيا مع فارق أن عادة اختراع راجح وأبو الكفيّة ما زالت متأصلة وموضع طلب. بروح دعابة عالية انخرط الشقيقان رحباني في نقد هذا العالم البلدة تاركين بعض علامات الاستفهام حوله، فلا تحوي الأفلام الثلاثة ما ينمّ على تكاثره، ذاك أن أبناءه يقدمون على الخطبة عوض الزواج. في بيّاع الخواتم يقتصر الكلام ومشاهد الاحتفال الجماعي على عيد التعارف في موسم الخطبة. وفي سفر برلك ، تقف حياة عدلا (فيروز) معلقة على عودة حبيبها عبدو (إحسان صادق) بعدما اشترى لها خاتم الخطبة وشالها الأزرق الحرير، ولئن مرّ في الفيلم مشهد عرس، فهو عرسٌ مزيّف تم تدبيره لتضليل الأتراك وتمويه عملية تهريب القمح، وتزداد الشواهد تعقيداً في غياب الأم عن أفلام الثلاثية مجتمعة: من بيّاع الخواتم مروراً في سفر برلك وصولاً إلى بنت الحارس ، تعيش فيروز تباعاً مع خالها وجدتها وأبيها ولا يرد أيّ ذكر لأمها أو ما يوضح وجود الأم أو وفاتها أو حتى طلاقها. كان يا ما كان لبنان؟ بل أيضاً لبنان وسوريا. بين سفر برلك و بنت الحارس ، يطلّ رفيق السبيعي تارة في شخصيّة أبو درويش وطوراً في شخصيته الأكثر شيوعاً أبو صيّاح . أبو درويش هو الحليف المقاوم للاحتلال العثماني وأبو صيّاح هو من يستقبل الحارس صالح ويعطيه فرصة عمل في مسرحه بعد تخلّي بلدية كفر غار عن خدماته وسفره إلى دمشق. خلافاً للأدوار اللبنانية وتعدّد وجوهها، بدا أبو صيّاح رمز التمثيل السوري المجسّد في حضور شخصه فحسب وبزيّه العربي. لم تكن ممارسة العلاقات اللبنانية السورية المميزة في حاجة إلى إلقاء درس يومي في تلازم المسارين وتشريع وجودها بشعار. ولدت ثلاثية الأخوين الرحباني وفيروز من طريق المنتج السوري نادر الأتاسي عبر شركته المسجّلة في بيروت تحت اسم فينيسيا وظلّ يحلم في نقل هالة والملك إلى السينما حتى ذهب حلمه سدى. في مشهد من بنت الحارس ، تظهر لافتة دمشق ترحّب بكم . كان ذلك قبل أربعين عاماً، وقبل ظهر الثلثاء 26 نيسان 2005، شهدت القاعدة الجوية في رياق احتفالاً برحيل آخر جندي سوري من لبنان. حدث ذات مرة أن دخلت صالة غومون بالاس وفتحت عيني على سفر برلك ولم أسمع هدير الباصات المصطفة فوق جسر الرينغ استعداداً لرحلتها الطويلة إلى خارج بيروت. كنت تحت الجسر وهدير أصوات الهاتفين بحياة بلدين ورئيسين راحلين. رحم الله موتانا وحفظهم من رجس النسيان. بين الأمس واليوم، تعلّمت أن الذاكرة نوعان، ذاكرة الحياة وذاكرة الرحيل. في كل حال، تبقى الأفلام أكثر خلوداً ويبقى أبو صيّاح أروع أب وأجمل ذكرى |