![]() |
تحت صنوبر الحزن - ادونيس - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79) +--- الموضوع: تحت صنوبر الحزن - ادونيس (/showthread.php?tid=29284) |
تحت صنوبر الحزن - ادونيس - bassel - 04-28-2005 تحت صنوبر الحزن ادونيس مئة جريح بلا وسادة ، مئة راية بلا سارية ، والفرح يضرب الخنادق والدم أغنيات ورقص . بقليل من العشب الأخضر ، بقليل من الحجارة الأليفة ، بقليل من حكمة المطر ، نحطم أبوابنا العتيقة ، نرفع خيمة الصبر ،.. والبطولة حارس يتحفّز ، والحب ضربة داهمة . للأصابع الذهبية الكسيحة نخلق عظم الرفض ، للأفواه اليتيمة الجائعة ننبش الجذور ، نحرث جبهة الأمير . من هم هؤلاء ؟ ما هي هذه البلاد الحمراء ؟ لا تقيسوا الأرض بالسوط ، لا تزنوا الشعب بالحديد ، الكذب أثداء فارغة ، والعمر أبقى من السوط . بجراحنا الخجولة العاشقة نمحو أسماءك القديمة يا عبودية ، ونرمي أسماءك الجديدة في محارق التمرد . لكننا بلا موت ، فاقسي يا جراحنا المميتة ، واكذبي يا بلاد الخناجر ، ويا شعب القيود استبسل ، إننا الشمس والهواء ، إننا بلا موت . تحت صنوبر الحزن - ادونيس - bassel - 04-28-2005 يا رب ، أيها الهيكل المنور بالعذاب والدمع – بالشعر والدمع ، يا فحل الشمس والأرض ، افتح ولو مرة ، جفونك . هي ذي مرآة ثاكلة ، تمسك ذيل الشارع وتحمل صناديق الفقر – هي ذي في جهنم البغي ، تلدغها أفاعي الطغيان ، ويخبطها فهد المشنقة . هو ذا شعب بلا وجه يقفز تحت المهاميز ، وتثقب عيونه مسامير الجريمة . هي ذي بلاد أجبن من ريشة ، وأذل من عتبة ، تدخل ملكوت الصمت وتمد جبينها للسنابك . يا رب ، يا فحل الشمس والأرض ، علمنا أبجدية الهواء ، أرنا عصفوراً ما ، شجرة ما ،.. دلنا على النور والفضاء . من يعشق دربنا الطويلة حيث الجوع ينعشنا ، وحيث تغذينا الحسرة . من يعشق فراشنا الممزق حيث البطولة زوجة وديعة ، وحيث الموت فريسة وخبز ؟ وها نحن يا رب … في ممرات تحزمها الصاعقة ، في مضايق بلا ظلال ولا ملك ، نمضي إليك عراة ، فاتحين . نغسل عفونة الأرض ، نتزوج الماء ، ونملأ الليالي بصراخ الأشياء الجديدة . أيتها الساعات التي تلبس وجه قايين ، أيتها الأيام الآتية افتحي كتابك لنا . وحدنا في مفارق الموت والحياة – وحدنا ننتظر ، نلمح التعب يمحو سماءنا . ونلمح الشمس تنفسخ في تجاعيد أيدينا . تحت أسناننا الصغيرة تتفتت عروقنا ، لا شيء يمنعنا من المحبة ، لا شيء ينقذنا من القتل ، ووحدهما – القبر والمحبة يفتحان صدريهما لنا . يقتلوننا ؟ يمنعوننا من السير ؟ عبثاً يفعلون . إننا زاحفون عنيدون مقدرون للسير أبداً ، لهذا نحن صارمون ، لهذا نحن معذبون . وفي سيرنا الملتهب تكبر آثارنا ، وتنتفض ،..أجمل من قلعة رهيبة ،.. وأكثر اخضرارا من البحر . لا شيء يجرف أقدامنا ، لا شيء يلجم طريقنا ، لنا بطولة أبطأ من حجرة . ولنا بطولة أسرع من طرفة العين . لسنا كثيرين ، لكن الهواء معنا ، ومعنا الشمس والتراب ،.. نحضن الحرية ونحيا بين الجدران الأربعة لكتاب البطولة . وحين يسلبوننا بيوتنا الألفية ، نبدلها بصخرة جامحة ، يرشح منها الأفق . ونرقد في أيدينا . وإذ نموت نفترش الأرض ، وفي وجوهنا المحبة . لبلادي الأسيرة ألتصق بالموت وأكتب هذه الأغنية . لشعبي الرافع يديه في وجهي أصلي وأكتب هذه الأغنية . أعياد الشجر بعيدة وفي أرض أخرى ، لكن بلادي زهرة لوتس ولؤلؤة . لا رعد ، واليباس يرصد الجذور ، وأنا وأخوتي على المائدة ، نتقاسم بيضة صغيرة – لكن زيفاً يورق في زنودنا اليابسة ، لكن خيطاً من الجوع يربط قلوبنا بسنابل القمح . آه يا رب … من أين أعطيتنا هذه القلوب ؟ وأنت أيها الوطن ، أيها الخيط المشتعل من الحديد والموت ، أية ألوهة ساحرة في وجهك ؟ الرصاص يحصد أيامنا ، وأيامنا طويلة تخطف النفس وتجلس فوق الأشلاء ،.. لكن الخطر نورنا ، وفي الهواء نلتجئ ، وفي الشمس المنارة . أيها العبيد المتوّجون برؤوس الناس ، أيها الأحياء المتعفنون ، لكم نعبر الصاعقة ونمحو بأجفاننا الشوك والوسخ ، لكم ننقذ سفينة الشرف ، نحملها على دمائنا ونمخر بها لجة العمر . وأنت أيها الحب ، أيها التائه المحطم ، يا كعبة نادرة لحجاج نادرين ، أنت هواؤنا وشمسنا ، أنت خبزنا وماؤنا ، في السجن والمقصلة ، في العذاب والتشرد ، في الحياة والموت . تحت صنوبر الحزن وقفت جياد أيامنا ، الفضاء ريشة تحترق ، والطريق خيط راقص من الرعب والفرح . إنها جباهنا العريقة تسقط في حفرة الشمس ، إنها السماء تقطع صحاري وجوهنا . أسميك هاوية ، أيها اليأس ، لكنك لا تسمى . خلف جدرانك المسرعة نقطر دماً ونشتعل . أنت بؤبؤ وشمع ونحن راية ونار ، لكننا رفيقان أبداً ، تخنق أطفالنا الجائعين ، ونخنق ظلامك المفترس . أيها اليأس ، أيها الفاتك البربري ، لن نفترق بعد الآن ، ولن نمشي معاً بعد الآن . فوق صدورنا يرتمي تاريخ القلب ، فوق طريقنا تشمخ كنيسة الروح . نركض ، نتلاقى ، وننادي : الحب والله ، وننادي مسيح الثورة . ويا مسافر بين صخرة الموت ومضيق الحيرة ، كن معنا فراشة عاشقة ، تتآخى مع الفجر ، وتوقظ الوردة الذابلة . واحفظ معنا في جليد أغصانك نسغ الربيع والضوء . للعرب ننفخ بوق النفير ، نكسر أهدابنا قصائد وحباً . لقارتين من الله والعبودية ، نعلو غيوماً ونرتفع مشاعل . نمسك عظام أطفالنا ونضرب يافوخ المستعبد ، نلملم زنودنا المسحوقة ونصفح جبهة العبد . للعرب … آه اتركي سريرك الضيق يا أرواحنا اللجوجة ، مجدك يلتفت ، وقارتان من الله والعبودية في فجيعة وانتظار . وأنت أيها الشعر الذي تكتبه سياط الشرق ويقوده الجليد الأحمر ، أيها الشعر الملطخ بالكذب ، المحمول في نقالة من المال ، والركوع . أيها العلق ابتعد عن العرب ،.. ابتعد عنا . أنت لا تعرف جموعنا المتمردة ، تجهل سر موتها ، تجهل بعثها المنتظر ، أنت أظافر الجرب ، أنت أفيون الضياع . نحمل فقرنا المحب ونسير في جحفل من الجوع ، لكن الروح لؤلؤنا ومنارنا القلب ، وللحرية نولد ونحيا . وأنت انطرح فوق الأنقاض العالية وعطرها وأهنأ بالجيف والبثور ، وغن القشور والسطح . لن تبلغ أعمالنا الخالقة ، لن تكون في فصولنا غير اليباس والصفرة ، ولن تتمشى بقامة الشعر ! تحت صنوبر الحزن - ادونيس - bassel - 04-28-2005 أه من قلبي الطفل ، آه ما أشد إلحاحه ، يضربني لكي اكتب ، ويصرخ : أسرع ! أنت وراء الحياة . أين روحك في أرض الصاعقة ؟ أين هديرك في موكب الينابيع ؟ وأهمس لقلبي الطفل : حول عنقي شفرة الموت ، وربما ضعفت ، لكنني سأغني أبداً ، ولن أخضع ، وسيمضي معي سلاحي إلى القبر . إنني من سلالة لحظة ليست في عقارب الساعة ،.. وليست في أيام الناس . أيتها الرياح المحملة بأغصان العطر ، يا رياحاً بلون لبنان والبحر ، احملي جراحنا المثمرة إلى أشجار المستقبل ، غنيها فوق أسرة الطفولة ، واكتبها على الشرفات والنوافذ . أيتها الرياح الآتية من وراء الجدران ، المحملة بالحرية ، بكلمات يتيمة في زوايا السجون ، أنت إلهنا في معابد الوحدة ، أنت غطاؤنا في جبال التشرد . للحرية نقطع سلاسل التخوم ، يصبغ دمنا وجه سوريا ، وفي ملكوت العقارب المدهون بالسم ، نمسح جباهنا بالحنين والصبر ، ونحيا . باكية بعمر الخليقة تجرح ثدييها في جبال لبنان ، تسأل عن طريق ونجمة وتخبط الأرض . لا رفيق لها غير الأرز والبحر ، لكنها أطول عمراً من الموت ، لكنها أكثر جاذبية من خبز الله ، وأكثر فتنة من جلد العالم . وها بذرة العاصفة ، وها دبيب الرعشة ، فلتسقط الأوراق الصفر ، ولينكسر الغصن الميت ، وفوق تلال الكتب الممزقة ، وفوق أكداس الجباه القتيلة ، لتقرع أجراس البعث . شفق الصنوبر فوق المدينة ، والوطن سفينة تتسلح بالزهر والضوء ، وتبحر صوب الله والطفولة . لا موت ، لا نهاية ، لكن البعث الأبدي ، لكن الجلجلة ! البناء - تاريخ 16 تشرين الثاني 1958 . |