نادي الفكر العربي
موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال (/showthread.php?tid=29860)

الصفحات: 1 2


موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - بسام الخوري - 04-08-2005

موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة والحروب

:97::97::97:

وصية البابا تعكس تعباً وقلقاً بالغين وفكرة التنحي راودته بحلول الألفية
روما - عرفان رشيد الحياة 2005/04/8


حشود المشيعين في باحة القديس بطرس في روما. (أ ف ب)
كشفت وصية البابا يوحنا بولس الثاني التي اعلنها الفاتيكان قبل 24 ساعة على دفنه، ان البابا راودته فكرة التنحي عام 2000. وكتب البابا في الوصية الواقعة في ثماني صفحات: «شاءت العناية الالهية ان اعيش في القرن الصعب الذي انقضى للتو. اتساءل ان لم يكن الوقت حان لأردد مثل سمعان في الكتاب المقدس (يمكنك الآن ان تصرفني يا ربي)».

وكتب البابا وصيته على مراحل، وبدأ بها في الخامس من آذار (مارس)1980، أي قبل تعرّضه لمحاولة الاغتيال الفاشلة على يد التركي محد علي آغا, وانتهى من كتابتها في السادس عشر من أيار (مايو) 2000, ما يعني أن البابا لم يغيّر فيها شيئاً منذ هذا التاريخ.

وتظهر الوثيقة حالاً من القلق التي رافقت حبرية البابا، إذ جاء في الوصية: «آمل ان يساعدني الرب كي اعرف الى متى عليّ ان اكمل المهمة التي دعاني للقيام بها في 16 تشرين الاول (اكتوبر) 1978، وارجوه ان يستدعيني حين يقرر ذلك بنفسه».

واليوم سيصدق المثل القديم «كل الطرق تؤدي إلى روما» فالملايين التي جاءت من كل حدب وصوب جعلت الشرطة تشكو من المدينة لم تعد قادرة على الاستيعاب. طوابير طويلة تمتد لأميال وتنتظر لأكثر من ثمانية عشرة ساعة وقد لا تتاح لها فرصة دخول الكاتدرائية وإلقاء النظرة الأخيرة على البابا يوحنا بولص الثاني.

وقلّما شهد العالم أقوياءه وعظماءه ينحنون أو يجثون أمام جثمان من لم يملك في حياته غير صولجان وكلمة الرب، مثلما حدث في الايام الاخيرة وكما سيحدث اليوم ( الجمعة ) في وداع البابا يوحنا بولس الثاني. وكدليل على عظمة الحدث لم ينتظر رئيس الدولة الأقوى على الإطلاق يوم الجنازة، فبكّر الرئيس الأميركي جورج بوش وصوله إلى روما يوماً كاملاً وحط بطائرته مساء الأربعاء وتوجه في الحال إلى كاتدرائية القديس بطرس ترافقه زوجته لورا بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس ورئيسان سابقان للولايات المتحدة هما والده جورج بوش الأب وبيل كلينتون. جثا بوش ومرافقوه أمام جثمان ذلك الرجل الذي ناقض فكرة الحرب ووصفها بأنها «مغامرة لا رجعة منها» وسعى جاهداً لنزع فتيلها لكنه لم يفلح. وربما كان ذلك الفشل واحداً من الهموم الثقيلة التي سيحملها معه إلى قبره.




موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - بسام الخوري - 04-09-2005

الأربعاء 6/4/2005 : رحل رجل الحوار والسلام .. بقلم : مازن يوسف صباغ



رحل البابا يوحنا بولس الثاني، مخلفاً وراءه ما لا يحصى من المفجوعين في العالم، بمن فيهم آلاف المؤمنين المحزونين المتسمرين أمام نافذته في ساحة القديس بطرس (روما)، حيث نعاه العالم بأسره كرجل مثّل الضمير البشري والرمز الحي للحوار والتآخي والسلام في العالم. ‏

حين تولى قداسته سدة الكرسي الرسولي عام 1978 كالخليفة 263 للقديس بطرس كانت الكنيسة الكاثوليكية التي يرأسها فقدت الكثير من نفوذها، فالعديد من الدول الكاثوليكية، والأوروبية منها بخاصة، كانت قد تحولت إلى دول علمانية تقول بفصل الكنيسة عن الدولة. ‏

لكن هذا كله لم يمنع قداسته من أن يكون أحد أهم الشخصيات التي أثرت في العالم كله خلال الربع المنصرم من القرن الماضي. ‏

فلقد تحول قداسته، الذي أنفق عمره بزيارة أركان العالم الأربعة ناشراً رسالة المحبة والتسامح الديني، إلى شخصية شبه أسطورية، لا بل أصبح رمزاً لكنيسة جديدة للألفية الثالثة. ‏

ربما من الصعب تعداد الصفات التي تميز بها قداسته، فهو أول بابا ينتمي إلى أوروبا الشرقية (بولونيا)، وهو البابا الأول الذي لم يكن إيطالياً منذ 455 عاماً، وهو أكثر الباباوات تطويباً للقديسين والطوباويين، حيث طوب 578 قديساً، بينهم القديسة رفقا والقديس نعمة الله الحرديني من لبنان، إضافة إلى 1378 طوباوياً في مختلف أنحاء العالم، وهو أكثر الباباوات تجوالاً في أرجاء المعمورة، وهو البابا الذي بذل الجهد الأكبر لرأب الصدع بين الكنيستين الكاثوليكية والأرذوكسية خلال زيارته التاريخية إلى اليونان ولقائه مع البطريرك الأرثوذكسي فيها، وعبر إعادته لأيقونة سيدة قازان الأرثوذكسية المقدسة إلى موطنها الأم. ‏

ويتصدر قداسته لائحة أطول البابوات تسنماً لسدة الكرسي الرسولي إلى جانب القديس بطرس والبابا بيوس التاسع، كما أنه يعد من أكثر البابوات نشاطاً في المجال الكنسي، حيث قام برسامة 104 كاردينالاً من بين 117 كاردينالاً يتألف منهم المجمع المقدس الذي سيقوم بانتخاب خليفته، كما قام بسيامة 70 % من الأساقفة الكاثوليك في العالم اليوم، إضافة إلى توجيه 14 رسالة عامة، وعقد 9 مجامع مقدسة (سينودوس) عالمية، الأمر الذي لم يبزه به أي بابا عبر التاريخ، ناهيك عن أن قرابة 600 ألف كاهن وراهب وراهبة كاثوليك في العالم يتبعون للفاتيكان. ‏

لم يكن قداسته يؤمن بأن فصل الكنيسة عن الدولة يعني إلغاء دور الكنيسة في المجتمع، بل كان يؤكد على ضرورة إبداء الكنيسة لرأيها في المسائل الأخلاقية التي يواجهها العالم الحديث، الأمر الذي أدى إلى تأسيس مواقفه الثابتة من المعضلات التي طرحتها الثورة الجنسية في الستينات والثورة العلمية في التسعينات، حيث أكد على أن الإجهاض والموت الرحيم هو «قتل» وأن زواج مثليي الجنس هو «مناف للطبيعة»، وأن «الخلية» هي ملك لله التي لا يجوز للبشر استنساخها. ‏

لكن قداسته لم يكن رجل أخلاق وحسب بل كان رجل سياسة من الطراز الأول، فمن أولى الزيارات التي قام بها قداسته كانت زيارة وطنه الأم بولونيا، والتي كانت أول زيارة يقوم بها بابا روما إلى إحدى الدول الشيوعية، والتي دعم عبرها نقابة التضامن البولونية بقيادة ليخ فاليسا، تلك الحركة التي شكلت بداية الموجة التي أدت بعد عقد من الزمن إلى انهيار جدار برلين والاتحاد السوفيتي. ‏

كان قداسته من أوائل الذين تجاوبوا مع دعوة الرئيس الإيراني محمد خاتمي لحوار الحضارات، كبديل عن مفهوم صراع الحضارات الذي بشر به العديد من الكتاب الغربيين إثر انهيار المعسكر الشيوعي، مؤكداً على وجوب تغليب منطق الحوار على منطق الصراع. ‏

ولعل أبرز الدلائل على عمق إيمان قداسته بهذا المنطق دعوته لمؤتمر سنوي لحوار الأديان، يجتمع فيه رجال الدين من كافة الديانات السماوية في الفاتيكان لإقامة حوار في ما بينهم، ناهيك عن الصداقة المميزة التي كانت تجمعه بالراحل مفتي سورية الشيخ أحمد كفتارو طيب الله ثراه،الذي التقى به مرات عدة في الفاتيكان وفي دمشق. ‏

كان العالم يتطلع إلى رأي قداسته، بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم لتفهم ما يجري، حيث كان يرى الجميع فيه ضميراً إنسانياً حياً، ولم يخيب قداسته آمال الناس بل كانت له مواقفه الواضحة من المذاهب الأيديولوجية والأنماط الاقتصادية والمسائل الاجتماعية ومشكلة العنصرية والقضايا البيئية والثورات الشعبية وحروب الشوارع وسوء التنمية وديون العالم الثالث والأمن ونزع السلاح، ولعل أكثر القضايا التي التزم بها قداسته كانت قضية محاربة الفقر، حيث تبنى جهود الأم تيريزا في الهند كأحد أهم رموز هذه المسألة، الأمر الذي أدى إلى أن يقوم بتطويبها قديسة بعد وفاتها، وكذلك الجهود المبذولة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ‏

ولقد تمثلت أبرز مواقف قداسته السياسية في موقفه تجاه القضية الفلسطينية، فلقد كان قداسته البابا الأول الذي يؤكد على حق الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة، ناهيك عن استقباله للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في الفاتيكان عدة مرات. ‏

ولقد عارض قداسته الحرب على العراق، ورفض أي استخدام لمصطلحات الحرب الدينية التي استخدمها بعضهم في أمريكا، مؤكداً أن الدين محبة وليس معركة، وأنه آن الأوان ليفهم الجميع أنه ليس بالحرب يتحقق السلام، «فلا يوجد أي مبرر أخلاقي لشن أي حرب» وأن «أحداثاً مؤسفة خضت ضمائر الجميع وجعلت الالتزامات الرصينة والعازمة لمصلحة القيم المشتركة أمراً أكثر صعوبة، في غياب التزامات كهذه، ليس من الممكن قهر الحرب أو الإرهاب.» وذلك في لقائه الأخير مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في حزيران 2004. ‏

هذا الموقف الواضح والجريء قد أعطى زخماً جديداً للحركة المناهضة للحرب، والتي نزل الملايين من مؤيديها إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لهذه الحرب، وكان قسم كبير منهم يستلهم موقفه هذا من موقف البابا. ‏

لقد قام الحبر الأعظم بـ 104 رحلة للخارج، زار خلالها 129 بلداً، ولكن لعل أهمها كانت رحلة الحج الألفية الكبرى، والتي قادته إلى كل من فلسطين وسورية ومصر ولبنان والأردن. ‏

ففي رحلته على خطى بولس الرسول في شوارع دمشق، أعلن البابا «إنني أتيت اليوم إلى دمشق حاجاً، لكي أحيي ذكرى حدث جرى هنا، منذ ألفي سنة: وهو حدث اهتداء القديس بولس.» ‏

ومن دمشق عاصمة التسامح الديني أعلن البابا رفضه المطلق لمنطق صراع الحضارات، وأكد على أخوة البشر ووجوب تضامنهم معاً، ففي القداس الاحتفالي الشعبي الكبير الذي أقيم في ملعب العباسيين بمناسبة زيارته التاريخية أعلن البابا في عظة القداس أن التعايش هو واجب ديني على المؤمنين، حيث قال قداسته في عظته: «عليكم، مع جميع مواطنيكم، من دون تمييز وبغض النظر عن انتمائهم، أن تواصلوا بلا هوادة، جهودكم من أجل بناء مجتمع أخوي حقيقي متضامن، يلقى فيه كل واحد احتراماً لكرامته الإنسانية وحقوقه الأساسية. على هذه الأرض المقدسة، المسيحيون والمسلمون... مدعوون للعمل معاً، بثقة وجرأة وسعي لتعجيل موعد يوم فيه يرى كل شعب أن حقوقه المشروعة محترمة، فيستطيع العيش بسلام وتفاهم». ‏

وقد جدد البابا هذه الدعوة خلال زيارته التاريخية لجامع بني أمية الكبير في دمشق، حيث كان أول بابا يزور هذا الجامع التاريخي ذو الأهمية الإسلامية الكبرى، حيث قال في كلمته هناك بعد أدائه صلاة صامتة أمام ضريح النبي يحيى (يوحنا المعمدان): «في الجوامع والكنائس يصوغ المسلمون والمسيحيون هويتهم الدينية وفيها يتلقى الشباب قسماً كبيراً من تربيتهم الدينية. فما مدلول الهوية الذي يلقن للشبيبة المسيحية والإسلامية في الكنائس وفي الجوامع؟ رجائي الحار أن يقدم المسؤولون الروحيون ومعلمو الدين المسلمون والمسيحيون ديانتينا العظيمتين كديانتين ملتزمتين بحوار يسوده الاحترام لا ديانتين متصارعتين، إنه من الأساسي أن يلقن الشباب سبل الاحترام والتفاهم لئلا يسيئوا استعمال الدين نفسه لإثارة الحقد والعنف وتبريرهما، العنف يهدم صورة الخالق في خلائقه، فحذار من اعتباره ثمرة قناعة دينية». ‏

وقد أعرب البابا عن تضامنه مع سورية في حقها في استعادة أرضها، وشجبه للتدمير الذي ألحقه الاحتلال الإسرائيلي ضمنياً، عبر إقامة القداس في كنيسة القنيطرة المحررة التي دمرها هذا الاحتلال، وهي الشاهد الحي على وحشيته وعدم احترامه لمعتقدات الآخرين. ‏

كان لمسيحيي المشرق مكانة خاصة عند قداسة البابا، فقد عين أول بطريرك عربي للاتين، هو البطريرك ميشال صباح، وأول رئيس عربي لمجمع الكنائس المشرقية هو الكاردينال موسى داود، وسيم البطاركة البطرك عبد الأحد والبطرك نرسيس بيدروس ورفع البطرك صفير إلى رتبة كاردينال، كما ذكر لبنان في أول كتاب أصدره بعد توليه الكرسي البابوي في 17 تشرين الأول 1978 حيث قال «تتوجه الآن أنظاري إلى لبنان الحبيب، أرض الكتاب المقدس»، كما قال في الإرشاد الرسولي عام 1997 بأن «لبنان هو دور ورسالة». ‏

ولم يقتصر اهتمام البابا على رعيته المشرقيين، بل امتد إلى باقي الطوائف المسيحية المشرقية غير المتحدة مع روما، حيث كانت له لقاءاته مع الأنبا شنودة بطريرك الكرازة المرقصية بابا الإسكندرية للأقباط، وبطاركة إنطاكية وسائر المشرق البطرك هزيم والبطرك زكا والكاثوليكوس أرام كشيشيان. ‏

وهكذا نسج الراحل علاقات مع جميع بطاركة المشرق والزعماء الروحيون المسلمون في مصر وسورية ولبنان وإيران والباكستان... علاقات صداقة وحوار، وخاصة فضيلة شيخ الأزهر. ‏

رحم الله البابا يوحنا بولس الثاني نصير العدالة والحق والفقراء والمهمشين في العالم، والذي قال عقب عودته من دمشق في قداس بالفاتيكان: ‏

لقد تعلمت كثيراً من دمشق ‏







شام



موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - استشهادي المستقبل - 04-09-2005

اخذ هالة ومجدا اكثر من اللزوم


موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - امام عادل - 04-09-2005

AS USUAL YOU MISSED THE POINT


المجد ليس لشخصه

بل للاله الذى يعبده والعقيدة التى يحملها

وهذا ما يهيج الشيطان

الذى يكره كلمات
الخلاص
و الصليب
والفداء




موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - بسام الخوري - 04-09-2005

[SIZE=5]لو كان ذلك صحيحا لكان كل الباباوات شرفاء...هناك باباوات كلاب وارذال بالتاريخ ...فلانحتاج الى عظات ولادروس منك أيها الطائفي ولتتعلم من يوحنا بولص الثاني التسامح والمحبة....

:baby::baby::baby:


موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - الإحصائي - 04-09-2005

أخي الدكتور بسام
(f)(f)(f)(f)(f)(f)
الحمد لله على السلامة.
مع أرق تحياتي.
(f)
أبو برهان.


موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - بسام الخوري - 04-10-2005

الكاتب: المطران جورج خضر المصدر: النهار
لن تكون هذه الاسطر مقال رثاء فقط، فإن غيري كان الافصح وسيكون، ولكن تجاربي مع الحبر الراحل تضطرني الى ابداء تقديري ولئن مزجت اعجابي وصلاتي بشيء من رؤية قارئ ارثوذكسي لمسيرة هذا الذي يرقد الآن في سلام الرب.

لم يذهلني احد بتواضعه كما اذهلني يوحنا بولس الثاني. لقائي الاول له كانت السلاسة فيه تأتي من البابا. جعل نفسه تلميذا في مجمع الفاتيكان الثاني فأظهرت تحفظي عن بعض ما جاء في المجمع متعلقا بفهم الكثلكة والارثوذكسية للكنيسة. كانت تهمه التطلعات والتجاوز الى ما سيقوله الروح للكنائس.

في السينودس لاجل لبنان وقفت خطيبا وانا على بعد عشرين سنتيمترا منه على المنصة وتحدثت عما يفصلنا عن الكنيسة الرومانية. بقي حانيا عنقه ويستمع بهدوء. ثم جمعتنا في شقته على الغداء مائدة لبنانية. وكان على بساطة مغرية واظهر لي مودة جعلتني اقرأ ان بساطة الحياة فيه كانت اقوى من الدور.

حزنت عند آخر استقبال له في خريف السنة 2003 غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع حيث رغب قداسته ان يتحدث الى بطريركنا مرتين خلال يومين اقامهما السيد اغناطيوس في رومية مع صحبه اذ كان البابا يقول جملا قليلة. بعد العشاء قادنا يوحنا بولس الثاني لنصلي امام ايقونة سيدة قازان، تلك التي اعادها الى الكنيسة الروسية اخيرا.

اظن ان اهم ما يلفت في هذا الحبر الكبير انه بقي انسانا وبقي كاهنا ومواجها الدنيا مما تأمله فيها ومما احس به في مطلع شبابه في بلده. لم يطلق ظلم القهر الذي نتجت منه المعتقلات كما لم يتحمل ظلم الرأسمالية المتوحشة. ما عنى لي بالدرجة الاولى انه في الموقفين كان يأتي من ايمانه. التحليل البسيط لخصامه الرأسمالية والماركسية معا هو اننا امام رجل حر.

قلت كان انسانا وهذا لا يكونه احد بتصنع. احب فتاة وهو في الثامنة عشرة وكتب شعرا قرأته في ترجمة فرنسية وكان من عيون الشعر ومارس المسرح قليلا. غير انه بعد اقتباله الكهنوت وفي جديته الرومانية رفض زخرف الكلام ليبقى في حق الانجيل. بشريته في عفويتها جعلته محبا للاطفال. رأيته يلاطفهم بصدق وحنان ولا يرفض ان تقبله افريقية ببساطتها.

غير انه لم يصل الى الانسان الا بعد ان يكون الله قد خطفه في القداس والفروض الاخرى كل صباح. لهذا قلت انه بقي كاهنا وان رعيته هي العالم. هذا من صميم روح الخدمة عند كل رسول. غير ان هذا مرتبط ايضا بدور الاسقف المسكوني ومدلولها انه راعي العالم.



الشأن البابوي دقيق جدا. يعجبك او لا يعجبك ولكنه هام. العمل في الفاتيكان جماعي مهما كانت شخصية البابا قوية. ذلك انه يحترم العلم والمواهب. واللافت أن السلطة الاكثر مركزية في العالم هي اقرب السلطات الى الشورى ولو كان للبابا ان يهمل اي نص تقدمه له. وبات من الواضح في السنتين الاخيرتين او الثلاث من حبريته كان اتكال يوحنا بولس على اعوانه كبيرا. لكن التشاور عنده ما كان يزحزح الثوابت الاخلاقية الموروثة من اسلافه: مكافحة الاجهاض، رفض الجنسية المثلية، التركيز على العائلة وقدسيتها وديمومتها... ما علاقة كل هذا بتبجيله العظيم لشخصية مريم ام المخلص؟ كان يبدو لي احيانا مغاليا في تعابيره المريمية. هل في هذا بعض من خشيته لاهوتيين في كنيسته يؤثرون تعابير "بروتستانتية"؟.

ولكن على رغم ايغاله في الهاجس الكنسي البحت كانت تهمه اوروبا في ما احتسبه لا يزال مسيحيا فيها. واذا صح لي اقتباس تعبير من تراث آخر لقلت انه كان ذا حنين الى جعل اوروبا صورة عن بولونيا. اعني هذا وجود حضور للمسيحية في بنية الدول الغربية بما ينافي العلمانية او التفسير الفرنسي لها. ربما في قلب هذا المنحى الاوروبي تمنى ان تخرج بلاده من الفلك السوفياتي وكان له هذا بدعمه الكبير لمجموعة النقابات التي اتخذت اسم "سوليدارنوسك" (التضامن).

يقتحم الناس في عقر دارهم. يصافح فيديل كاسترو ويتكلم ضد الماركسية في كوبا. رجل اصابته رصاصتان ماذا يخشى؟ ما كان يهمه، حقيقة، كان اقتحام الشعوب المسيحية بالانجيل بعدما باتت مسيحيتها باهتة. اما مع الآخرين فحوار. الفكرة ليست منه. ولدت في مجمع الفاتيكان الثاني الذي تتلمذ عليه كما قال لي. ما من شك ان المسيحية الغربية بما فيها الشق الكاثوليكي خصصت لحوار اليهود حصة الاسد. وفي علم تفسير الكتاب وغير التفسير اقوال كثيرة حولت الغرب عن التراث المسيحي القديم الذي كان يندد باليهودية. تهلل الغرب لما دخل البابا منذ بضع سنوات كنيسا يهوديا في روما. نحن المحافظين على المسيحية القديمة انزعجنا من هذا انزعاجا بالغا.

بقي الحوار مع المسلمين – ما عدا اوساطا اكاديمية في الغرب – لقاء مع شعوب اسلامية وقادتها على المستوى العملي اي على مستوى السلام. على هذا الصعيد لم يكن عند الرجل مشكلة في مخاطبة الجماهير الاسلامية في المغرب ونيجيريا وفي دعوتهم الى جانب ممثلين لكل ديانات الارض الى اسيزي للصلاة. كان يوحنا بولس الثاني مؤمنا بالصلاة من فم اي مؤمن خرجت. اظن اني لست ظالمه لو قلت انه كان يحمل في آن التصلب الكاثوليكي النظري وانفتاح القلب على القلب. الكثلكة منذ بيوس الثاني عشر كانت قد دخلت في مفهوم ان الكنيسة تقوم ايضا خارج كنيسة رومية بما في ذلك الاديان الاخرى.



صلابة كاثوليكية ساطعة في انه ما سمى مرة البروتستانتيين كنيسة مع انه اقام حوارات مع كل "مجموعة بروتستانتية" كما كان يقول، حوارات مؤسساتية نتج منها وثائق كثيرة ومتقدمة ولاسيما مع اللوثيريين.

تقدم كثيرا حواره مع الذين نسميهم اليوم الارثوذكسيين الشرقيين ولاسيما منهم الاقباط والسريان كما توبع الحوار مع كنيسة المشرق (الاشورية). مع هؤلاء جميعا اكدت الكثلكة وحدة الايمان. طبعا اذا اردت الدخول في التفاصيل يدهشك هذا. لكن الواقع ان رومية وضعت نصوصا تؤكد فيها هذه الوحدة. غير ان هذه التأكيدات لم تصل الى نهايتها اعني الوحدة العملية.

مع الارثوذكس تابع البابا الراحل الحوار الذي شرع فيه اسلافه منذ بولس السادس وكانت ذروته في وثيقة البلمند الشهيرة في السنة الـ1993 حيث قيل ان الكثلكة الشرقية l'uniatisme كانت خطأ تاريخيا وما كانت نموذجا للوحدة. غير ان كارثة حلت في آخر اجتماع للجنة المشتركة في بالتيمور (الولايات المتحدة) حيث انقطع الحوار ولم يستطع يوحنا بولس الثاني ان يحقق امله في زيارة روسيا. فقد احست كنيسة موسكو ان الكثلكة تبغي الانتشار على الارض الروسية بعد تأسيس الفاتيكان اربع ابرشيات على التراب الروسي والكاثوليك العائشون في روسيا وجلهم من اصل غريب قليلو العدد جدا.

هناك مظاهر عديدة في اوكرانيا ورومانيا بدت للارثوذكسيين ان ما يسمى حوارا يصطدم بوقائع على الارض اعتبرها ارثوذكسيو تلك البقاع محاولات اقتناص. لكن هذا التوتر لم يمنع كنائس ارثوذكسية مختلفة من ان تستقبل البابا وان تقيم علاقات ثنائية معه. ولعل اهم تلاق ثنائي فيه الكثير من الود ذاك الذي قام بين يوحنا بولس الثاني مع الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية وذروته الخطاب اللاهوتي العميق الذي استقبل به البطريرك اغناطيوس الرابع يوحنا بولس في الكاتدرائية المريمية في دمشق.

ذهب البابا في تطلعاته العظيمة وقلبه الكبير الى الرحمة. قد لا تجيء كل محاسنه مع خليفته ولكنه يبقى وجها كثير البهاء بما فيه من رهبانية حق والم خلاصي وفصحية نيرة. هو لا يزال من بعد احتجابه يدعو ويلح. لقد شد الكاثوليك الى فوق واراد المصالحة بين المسيحية والحضارة. نشأ الرجل محافظا ومات محافظا ولكنه اقتحم الدنيا اقتحام القديسين لها ولم ينم لحظة. لقد ذهب الى الرحمة حاملا سجلا حافلا بالمآثر. رجاؤنا ان ترث كنيسته الغنى الذي كان فيه فيزداد جمالها حتى نطرب له.




موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - بسام الخوري - 04-10-2005

بابا المحبة والتسامح والسلام.. وداعاً


دمشق
صحيفة تشرين
كلمة رئيس التحرير
الاثنين 4 نيسان 2005
د ــ خلف الجراد
بانتقال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الخدور العُلْويّة يكون العالم كلّه فقد شخصيةً ربّانية جسّـدت في دعواتها ومواعظها، وفي نهجها وسلوكها وأفعالها أعظم صور الصبر والإيمان وضرورة حوار الأديان والحضارات، وتضامن الإنسانية جمعاء في وجه الظلم والجبروت والطغيان والحروب.

على مدى ستة وعشرين عاماً؛ عمل البابا يوحنا بولس الثاني من أجل السلام، ونشر المحبة المسيحية الخالصة بين شعوب القارات ومجتمعاتها على اختلاف دياناتها وعقائدها ومذاهبها. لم يفرّق بين أبيض وأسود، أو أصفر أو خلاسي؛ بين أوروبي وآسيوي، أو بين كاثوليكي وبروتستانتي أو أرثوذكسي؛ بين مسيحي ومسلم أو بوذي، بل حتى بين مؤمن وغير مؤمن.. فقد كان همّه الأول وهاجسه الأكبر أن تتمازج الرؤى والتطلّعات والتوجّهات الإيمانية بين أبناء الكرة الأرضية، الذين أرهقتهم الحروب والكوارث والمشاحنات والصراعات الدامية ـ المدمّرة. ومن أجل هذه الأهداف النبيلة زار مئة وتسعاً وعشرين دولة؛ من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن أبعد بلد في الشرق الآسيوي أو الأفريقي إلى قارة أوستراليا.. ملتقياً شعوباً وأقواماً يجمعها التطلّع نحو السلام والوئام، والحلم بالعدالة، وتقهقر الظلم، والفقر والحرمان والكراهية والعنصرية.



لم يسعَ لإلغاء الانقسامات في العالم المسيحي فحسب، بل كرّس حياته ونشاطه الاستثنائي الهائل لنشر ثقافة الحوار المسيحي ـ الإسلامي، وخصّص جزءاً أساسياً من وقته لهذه المهمة العظيمة. ‏

فكان الملهم لعشرات الندوات والملتقيات في هذا الاتجاه. وكان قداسته مؤمناً إيماناً قوياً بأهمية وحتمية وضرورة الحوار المسيحي ـ الإسلامي، وأن من أراد أن يخدم الربّ فعليه أيضاً أن يخدم قضية السلام والمحبة والتسامح. ‏

انسجاماً مع مكانته الروحية ـ الكونية، وعقيدته وإيمانه، وقناعاته الراسخة برفض إزهاق النفس البشرية، وقف قداسته ضد الحروب، وعارض بشدّة، وبصورة علنية، الحرب الأميركية على العراق... ولم يبخل بمناشداته الرسمية والدبلوماسية وعظاته بالطلب إلى الرئيس الأميركي جورج بوش تجنّب هذه الحرب المدمّرة، التي حصدت زهاء مئة وخمسين ألف عراقي وأكثر من ألف وخمسمئة جندي أميركي، وأضعافهم من الجرحى والمعوقين.. ومازالت الحصيلة في تزايد مستمر.. إضافة إلى ما خلّفته من دمار وويلات وخراب وفوضى وانتهاكات خطيرة. ‏

وقد وجّه اللوم للسلطات الإسرائيلية المسؤولة عن قتل آلاف المدنيين الأبرياء في أرض المسيح المقدّسة ـ فلسطين. وناشد العالم من الديار المقدّسة التكاتفَ والعملَ الحثيثَ لوقف معاناة الشعب الفلسطيني وآلامه. ‏

ونحن في سورية ـ مهد الحضارات والمحبّة ـ كان لنا شرف استضافة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني لمدة أربعة أيام (ما بين الخامس والتاسع من أيار 2001) واستقباله استقبالاً رسمياً وشعبياً يليق بمكانته الكبيرة؛ حيث ألقى السيد الرئيس بشار الأسد كلمة ترحيبية بقداسة البابا ركّز فيها على دور سورية التاريخي في حماية المسيحية وانتشارها إلى العالم عبر تلامذة المسيح الذين بشّروا بالأخوة والمحبة، كما انتشر منها الإسلام إلى العالم داعياً إلى العدالة والمساواة بين الناس؛ فلا يتميز أحد عن الآخر إلا بالتقوى. وأشار سيادته بفخر إلى حالة الوئام والتحابّ والترابط الاجتماعي والروحي والقيمي التي يتميز بها شعبنا، واعتزازه بجلوس ثمانية بابوات من أبناء سورية على الكرسي البابوي في الفاتيكان. ‏

وقد عبّر السيد الرئيس عن تقديره العالي لزيارة البابا التاريخية لبلدنا سورية مهد الحضارات والديانات السماوية، وثمّن شعبنا بمسلميه ومسيحييه زيارته تلك وما أبداه خلالها من مشاعر إنسانية وروحية وتأثّر شديد باستذكاره مسيرة الرسول بولس الذي تغيرت حياته للأبد على طريق دمشق؛ حيث أبدى تقديره الكبير «للمساهمة العظيمة التي أدتها سورية في تاريخ المسيحية»، و«التأثير الثقافي العظيم الذي قام به الإسلام في سورية... ووصل إلى أبعد شواطئ البحر المتوسط». ‏

وقد أكد قداسته تثمينه العالي لموقف سورية الهادف إلى السلام العادل والشامل، وعبّر عن ضرورة العودة إلى مبادئ الشرعية الدولية وأهمها: منع الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وحق الشعوب في تقرير المصير، وضرورة احترام قرارات هيئة الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف. ‏

رحلت روح قداسة البابا يوحّنا بولس الثاني إلى بارئها، لكنَّ عظمة مواقفه وعمق إيمانه، وصلابة إرادته، وقدراته المعجزة في التضحية ومحبة البشرية جمعاء ، وفي مسامحة من حاولوا قتله، وفي تمسّكه بالفضائل المسيحية السامية، ورفضه لكل أشكال القهر والظلم وقتل النفس، تجعل خسارته كونيةً في شموليتها، هائلة في معناها، وصادمة في مدلولاتها ومغزاها وآثارها. ‏

عزاؤنا مع العالم أن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني ترك خلفه تراثاً دينياً وإيمانياً وإنسانياً عظيماً لابد من أن يشكل معيناً ينهل منه من يخلفه في هذا المقام الكنسي الكبير، إضافة إلى ما نتوقعه من التزام بنهجه القائم على الانفتاح، والمحبة، والتركيز على مسألة الحوار المسيحي ـ الإسلامي، ورفض الحروب، والهيمنة، والتعصب، والأحقاد، والظلم، والعنصرية البغيضة. ‏

فهنيئاً للبابا رحلته السماوية الأخيرة، وعودة روحه إلى مقامها ومستقرّها النهائي، حيث الطمأنينة والسكينة المطلقة على رجاء القيامة الأبدية... والمرتقى إلى الخلود في رحاب الملكوت الأعظم


http://www.tishreen.info/_ech.asp?FileName...220050404024752


موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - بسام الخوري - 04-10-2005

البابا حمل الحرية على أصل الحياة وهبتها...فشكك في فردية وعقلانية «مميتتين»
وضاح شرارة الحياة 2005/04/11

قد يكون اخفاق يوحنا بولس الثاني في تدوين المسيحية مصدراً روحياً من مصادر الحضارة والروح الأوروبيين – في مقدمة الدستور الأوروبي المقترح على دول الاتحاد - من أشد الأمور ايلاماً لحبر الكنيسة الكاثوليكية الراحل، وأدعاها الى التساؤل عن دلالة الاجماع الظاهر الذي حظي به رأس الكنيسة الجامعة في حياته وبعد مماته. ففي خريف 2002 استقبل يوحنا بولس الثاني رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق، فاليري جيسكار ديستان، رئيس الجمعية الأوروبية المندوبة الى صوغ المعاهدة الدستورية، وطلب اليه ادراج الرافد المسيحي، أو اليهودي - المسيحي، في روافد أوروبا المعاصرة، الديموقراطية الليبرالية، ومنابعها التاريخية والحضارية. وغداة ذكرى ولايته السدة منذ خمسة وعشرين عاماً، في أواخر 2003، حض البابا الأوروبيين في رسالته «الكنيسة بأوروبا»، ألا ينسوا ما يدينون به الى قيم المسيحية، وما يقوم من أوروبا مقام اهابها، على رغم المنازعات الكثيرة التي كانت أوروبا مسرحها الأثير ومرآتها الصادقة والقاسية.

والحاح الحبر البولندي على الأوروبيين في الأمر لم يكن وليد الظرف ولا حادثاً طارئاً. فهو ذهب في رسالة راعوية تعود الى مطالع ولايته الحبرية، في اليوم الأخير من 1980، الى تنصيب كيريليس وميتودوس، منصّري البلقان وظواهر «العالم» السلافي (الى قديس ثالث)، «أولياء أوروبا وقديسيها». وبعد نحو سنتين دعا من اسبانيا، من أحد مزارات الكرامات المقصودة والمشهورة، الى كرازة انجيلية أوروبية «تجدد صبغ أوروبا بصبغة الانجيل»، و»تغمسها» (على قول بني تغلب) في روحه ومائه.

فأثارت دعوته انكاراً واسعاً في صفوف «أوروبيين ثقافيين» كثر. وحملها بعضهم على دعوة أو دعوى «ظلامية» تنكص بالأوروبيين الى حال سبقت العمل الثقافي والفلسفي والديني والسياسي الذي سعوا به الى بلوغ «رشد» النفس العسير، أي قيامها بنفسها من غير ضمانة من خارجها، أو من غير أقرانها وأندادها ونظرائها. وزعم منكرو الدعوة البابوية ان «امتياز» أوروبا، وهو امتياز متناقض لأنه يحمل على العمومية ولا يستثني أحداً، هو نصبها الرشد هذا معياراً وغاية أو «فكرة» لا تبلغ، وانما يهتدي بها الجنس البشري و»تربيته».

ولعل جهر البابا البولندي، القادم من ايمان تقليدي راسخ وحرفي، دعوته الانجيلية من مزار عجائبي اسباني، سان – جاك – دو-كومبوستيل، خالطته محافظة شعبية أو عامية شديدة المنافاة للعقلانية والمساواة التنويريين، لعل الجهر بالدعوة من هذا الموضع كان بعض السبب في حذر كثيرين من «حلف» قطبين كاثوليكيين، البولندي والاسباني، أقاما طويلاً على هامش المجرى الأوروبي الديموقراطي والليبرالي (الفردي) العقلاني. والحق ان يوحنا بولس الثاني لم يبدد، طوال الأعوام السبعة والعشرين من حبريته الطويلة والغنية بالحوادث والمواقف، التباساً برز مع خطواته الأولى ولم تطوه آراؤه الأخيرة. وليس هذا جزماً بقابلية الالتباس للحسم والبت، ولا رأياً في «قصور» كارول فويْتيلا، اسم الحبر الذي سماه به والداه وبقي اسمه قبل ارتقائه «عرش بطرس» (على ما يسمي أهل الكثلكة «السدة» الفاتيكانية الرومانية)، عن حسمه.

فحمل الدعوة البابوية الى غمس أوروبا في «الانجيل» (وهو أناجيل وكتب) والروح الانجيلي، على الترجح والالتباس لا يزعم الا الانتباه الى بعض ما حف، ويحف عملاً تاريخياً كبيراً في العالم المعاصر. فشبهة ارتداد رأس الكنيسة الكاثوليكية عن الرشد التنويري، الديموقراطي الليبرالي والعقلاني، يخالفه مخالفة صريحة، بل يكذبه رئيس الأساقفة البولندي الروح في مقاومة البولنديين الطغيان الشيوعي منذ خطوت البابا الجديد الأولى. والنداء الأول الى اطرح الخوف («لا تخافوا»)، مع الاطلالة من نافذة «البيت» البابوي – التي أعاده اليها، في الملأ الأعلى، صاحب خطبة التأبين الأخيرة -، ومعانقة سلفه العنيد والشامخ في سدة الرئاسة الأسقفية البولندية، هذا النداء لم يتوجه على أنفس مكبلة بالاساطير والخرافات، أو رازحة تحت ثقل الوصاية والقصور و»الأموات المنيخين على عقول الأحياء».

فالرسالة البابوية الأولى (في آذار/ مارس 1979) وضعها أسقف روما الجديد على حقوق الانسان. وهي سبقت زيارته البولندية الأولى، في العشر الأول من حزيران (يونيو)، بأقل من ثلاثة أشهر. فلما أطل على جمهور مواطنيه المتجمهرين في ساحات فرصوفيا وغنييزنو وشيستوشوفا وكراكوفيا – ولم ينسَ التعريج على أوشفيتز في طريقه الى زيارة كبير حاخامي روما ايليا تُوَاف في أوائل 1981 – لم يخطئ الشعب البولندي معنى الاهابة الحبرية، الصادرة عن «الابن» العائد، الى ترك الخوف من السلطان الجائر والساحق. فاستيلاء الحزب الشيوعي على بولندا بواسطة الجيش الأحمر الستاليني المتعقبة القوات الألمانية والهتلرية المتراجعة، أدى في رأس ما أدى اليه الى انقطاع بولندا والبولنديين (وشرق أوروبا عموماً) من أوروبا، وخروجها وخروجهم منها. فعلى مثال النازية الألمانية و»القومية – الاجتماعية» وان على وجه مختلف، كانت الشيوعية السوفياتية والروسية «ردة» على التراث الأوروبي التنويري، الديموقراطي الليبرالي (الفردي) والعقلاني، ونقضاً عليه. فزَعَم جهازها الحزبي والسياسي والأمني لنفسه القوة على تمهيد النتؤات والفروق والخلافات والمنازعات الاجتماعية والسياسية والثقافية والأهلية من خارج الجماعات نفسها وبالنيابة عنها، أي بالعنف والتخويف والقسر والافساد. وقضى الجهاز هذا في الخلافات عليه وعلى سياسته، كلها، بالمروق وموالاة طور متخلف وسابق من أطوار التاريخ التي يتوجها ويختمها سلطان الجهاز. ولما كان مصدر الخلاف الأول والأقوى على البيروقراطية البوليسية والحزبية الشيوعية، هو الوطنية (بل القومية) البولندية الملابسة الكنيسة ملابسة شديدة وقديمة، ناصب الحزبُ الشيوعي الكنيسةَ و»شعبها» المؤمن عداءً واضطهاداً لا هوادة فيهما.

وحين انعقد المجتمع الفاتيكاني الثاني بروما في منتصف تشرين الأول (أوكتوبر) 1962، وكان باكورة أعمال «المطران» فويتيلا خارج ابرشيته بكراكوفيا وسُلَّمه الى الحبرية من بعد، لم يحضره التشيكي بيران (رئيس أساقفة براغ)، ولا الكاردينال الأوكراني سليبيي، ولا الكاردينال المجري ميندزينتي، ولا الأساقفة الليتوانيون والرومانيون سلادكيفيشيوس وشيبونا فيشيوس وهوسو وبوروس. وكانوا كلهم معتقلين في سجون الجهاز الحاكم «الوطني» أو لاجئين الى السفارة الأميركية في بلدهم (وكانت هذه «غرفة عمليات» معارضات البلدان الشيوعية، بحسب تهمة الأجهزة الحاكمة). واستجابة البولنديين، عمالاً ونقابيين ومثقفين، نداء البابا «الوطني» الى النظر في أمورهم وشؤونهم بأنفسهم، ونفض وصاية الجهاز الحزبي المتسلط عليهم، أدخلت (الاستجابة) البولنديين في التاريخ الأوروبي المعاصر من بابه العريض، وطوت الانقطاع من أوروبا الذي أرادت الشيوعية السوفياتية تثبيته وترسيخه. وكان هذا قرينة على أن التدين بديانة قوامها «الدنيوي» والزمني صرح أو جسم كهنوتي مرتبي ومركزي، لا ينافي المبادرة الحرة والتلقائية الى مقاومة التسلط (والتسليم وجهه السالب والآخر). وقد يكون سنداً للمبادرة هذه، وباعثاً عليها. وكان قرينة على ان ثقافة وطنية راسخة ومشبعة بروح هذه الديانة وتقاليدها، مثل الثقافة البولندية الكاثوليكية، قد تصلح بيئة حية تغذي منازع ديموقراطية وليبرالية وعقلانية.

والحق ان اليقين بتلازم المنزع الايماني، المسيحي وغير المسيحي، والمنزع الى الحرية الروحية والشخصية، كان حادي الحبر الراحل الى معظم مواقفه. وهو قدم من غير شك المنزع الروحي والشخصي الى الحرية والحياة على ما حملته الحداثة الأوروبية على الديموقراطية ونسبته اليها. فنسَبَ الرغبة البولندية، ومن بعدها الرغبات الأوروبية الشرقية والوسطى الأخرى، في الديموقراطية، وفي هوية أوروبية جامعة، الى الإيمان. ولم يفصل الإيمان من هبة الحياة وعطيتها، على ما كان يردد ويكرر من غير كلل ولا ملل. ولم «يطهر» الإيمان أو يخلصه من صوره التي صورته بها وفيها «عجائز نيسابور» (على قول الجويني)، كناية عن الاعتقاد الشعبي والعجائبي.

فكان شعاره الأسقفي، حين سمي اسقفاً في 1958، مريمياً: «لكِ بكلِّيتي» (اذا جازت ترجمة «توتوس تُووس» على هذا النحو). وطوَّب العالم على اسم «عذراء فاطيما» في خريف 1983. وطوب ورسم وسام من القديسين وأصحاب الكرامات والأولياء ومن شفاة المرضى ورعاة الأطفال والخائفين، وملجئي الضعفاء، المئات. ولم يرتب على مراتب خادمة المرضى والزَّمْنى بكلكوتا في الهند، وتلميذة ادموند هوسيرل (أحد كبار فلاسفة القرن الماضي) اللامعة.

وعلى خلاف هذا، ان لم يكن على نقيضه، ارتاب ريبة عميقة في بعض أركان التنوير الأوروبي المحدث، وانتظر حلول أواخر 1998 لينشر على الملأ رسالته الفلسفية في «الإيمان والعقل». فحمّلها تنديده المرير بالفردية والذرائعية والمنطق النفعي والأناني والعقلانية الحسابية التي غلبت على الحداثة، على ما ذهب اليه. ولكنه سبق، في رسائله الكثيرة في النساء والأولاد والأسرة والانجاب والحمل والجوع والعمل والنقابات والمثلية والتعليم والصلاة والحروب الصليبة والمحرقة، الى معارضة «الحق في الحياة» بـ»ثقافة الموت»، على وصفه الاجهاض. وحمل بعض أعظم الخسائر والنكبات والكوارث البشرية على أركان التنوير الأوروبي، وعلى منطقه المضمر. فكان هذا أحد «صلبانه» وصلبان سواد معاصريه.


كاتب لبناني


موضوع مخصص للمقالات المكتوبة عن قداسة البابا الراحل وتعاليمه وأفكاره المعادية للاستبداد والعولمة وال - بسام الخوري - 04-11-2005

إرث البابا يوحنا بولص الثاني لشعوب الشرق الأوسط
د. بثينة شعبان

لماذا هبّ ملايين البشر من كافة الأديان والأعراق والجنسيات، للمشاركة بتشييع جثمان قداسة البابا يوحنا بولص الثاني إلى مثواه الأخير في الفاتيكان؟
ولماذا أصبح في العقد الأخير أكثر شخصية محببّة في الكون إلى قلوب البشر؟
وكيف حوّل الفاتيكان في عصره من مقر تاريخي لطائفة دينية، إلى محطة أساسية لنشر ثقافة الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، يؤمها ملايين البشر، بمن فيهم الرؤساء والقادة والوزراء والشخصيات الاعتبارية؟
لا شكّ أنّ قداسة البابا كان شخصاً استثنائياً منذ طفولته، فقد كان شاعراً وكاتباً ومسرحياً، تعلـّم لغاتٍ عدة وأتقنها، وكان عليه أن يختار بين المسرح والكنيسة فاختار الكنيسة. وعلى الصعيد الإنساني تعرّض لامتحان صعب في شبابه المبكـّر، حين فقد والدته وأخاه الكبير، وأخذ منذ ذلك الوقت يتأمل معنى «العذاب». وكحبر مقدّس أنجز للكنيسة الكاثوليكية مكانة دبلوماسية وسياسية لم تعهدها منذ عصر النهضة.
حين زار قداسة البابا سورية عام 2001 زار الجامع الأموي، حيث كان المسيحيون والمسلمون يدخلون المعبد في القرن السابع، فيتجه المسلمون إلى اليمين، والمسيحيون إلى الشمال ليصلّوا، وبعد ذلك اتفقوا على بناء كنيسة منفصلة عن الجامع، ولكنّ الكنيسة والجامع ظلاّ متجاورين متحابين في سورية طوال تاريخهما، تعبيراً عن جوهر الثقافة العربية المتمثـّل بالتعايش.
ولأن الأراضي المقدّسة في فلسطين، كانت وما زالت محرومة من عوامل السلام، وتنتشر فيها ثقافة الكراهية والاستيطان والقتل، فقد أبدى اهتماماً خاصاً بها ولذلك كان، مثلنا نحن العرب، يرى أنها يجب أن تكون مثالاً للعيش المشترك بين معتنقي الديانات الثلاث. فصلّى عند حائط المبكى، معتذراً عن الماضي، ولكنـّه أدان جدار الفصل العنصري، وقال إنّ بناءه يدمّر أي أمل بخلق دولة فلسطينية، وأكّد أنّ الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني هو جوهر كل الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وأنّ الحلّ الأساسي يكمن في أن نضمن لكلّ شخص الحقوق الأساسية والكرامة الإنسانية، وأن نؤكد أن كلّ شعب له الحق أن يعيش في أرضه بسيادة وحريـّة، وأن سلامة المسيحيين في الشرق، لا تعني أنّ نحميهم كي يعيشوا في أماكن معزولة و«صافية مسيحياً»، لأن «الجسور» بالنسبة للمسيحيين هي أفضل من «الجدران»، ولأن عيش المجتمعات اعتمد على التفاعل بين المسيحية واليهودية والإسلام. كما عبّر عن قلقه من طرد المسيحيين والمسلمين من القدس، وقال يجب أن يستمر معتنقو الديانات الثلاث بالعمل والصلاة والازدهار في الأراضي المقدّسة.
ثقافة المحبـّة والتعايش والحوار هذه التي اعتنقها قداسة البابا طوال حياته بقناعة عميقة، وبشـّر بها لملايين البشر، هي ذاتها جوهر الثقافة العربية السائدة منذ فجر الإسلام في الشرق الأوسط، ولكنّ ما يهدد المسيحيين والمسلمين والأمن والسلام في الشرق الأوسط اليوم، هي ثقافة «الكراهية» التي يُعبـِّر عنها بعض المتطرفين، من دون أن يلقى الجميع رادعاً متساوياً، سواء من القوى العظمى أو من الأسرة الدولية، بل اقتصرت ردود الفعل على بعضهم دون الآخر. فقد تصاعدت دعوات كبار الحاخامات في إسرائيل لإبادة الفلسطينيين تطبيقاً، كما يدّعي بعض المتطرفين منهم، لأحدى فرائض الدين اليهودي، التي نزلت على نبي الأديان الثلاثة داوود. وزخرت المطبوعات التي توزع في الكنس اليهودية في إسرائيل بالكثير من الفتاوى التي وقـّع عليها كبير الحاخامات، والتي تبيح إبادة الفلسطينيين، وانضمّ لهذه الدعوات الحاخام مردخاي الياهو كبير الحاخاميين الشرقيين في إسرائيل، الذي يعتبر حالياً أكبر مرجعية دينية للحركة الصهيونية الدينية. فقد قال مردخاي إنه «يتوجّب على اليهود إبادة الفلسطينيين، كما طبّق الملك داوود فريضة الإبادة على قوم عمليق، الذين كانوا موجودين في أرض فلسطين، قبل إقامة مملكة اليهود». ونشرت صحيفة «ينبوع الأسبوع»، الناطقة باسم حركة «شاس» الدينية المتطرفة في إسرائيل «نعبـّر عن أسفنا لأننا فوتـّنا على أنفسنا فريضة الإبادة». وأيدت دعوات الإبادة العرقية الصحيفة الناطقة باسم حركة «حباد» اليهودية الأرثوذكسية، وصحيفة «قليل من الضوء» الناطقة باسم حركة «غوش ايمونيم» المتطرّفة، التي تتولى الإشراف على المشاريع الاستيطانية في الضفـّة وقطاع غزّة. وتزامن مع هذا التوجّه العنصري ضدّ الشعب الفلسطيني، التحذير من عمليات إرهابية يهودية محتملة لتدمير المسجد الأقصى، وتغيير طابعه الإسلامي في إصرار ينمّ عن الكراهية لأي وجود غير يهودي في المدينة المقدّسة، كما تزامن مع هذه الدعوات لـ«إبادة» الفلسطينيين ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، عقد اتفاقات لاستقدام هنود إلى فلسطين، ليحلــّوا محلّ الفلسطينيين الذين تعمل آلة الكراهية على قتلهم واقتلاعهم من أرضهم وتهجيرهم، في حملة رسمية منظمة تقوم بها دولة ترعاها الولايات المتحدة. بينما تطالب الإدارة الأمريكية الحالية بتغيير المناهج في البلدان العربية نراها لا تولي اهتماماً لمناهج تدريسية، ومطبوعات إعلامية ومنشورات دينية تنشر ثقافة الإبادة والاستيطان والكراهية بتوقيع كبار الحاخامات في إسرائيل، وثقافة الكراهية هذه تتحول منذ أكثر من عقدين إلى سياسة حقيقية، تُطَبَق من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة على الأرض، فتمارس بفعلها تلك الحكومات القتل والإبادة والعنف والاستيطان وفق حملة حكومية منظمة، تهدف إلى إبادة وجود وحقوق شعب كامل.
هل يستطيع الرئيس بوش، مثلاً، أن يتبنى سياسة البابا يوحنا بولص الثاني، الذي أكّد دوماً على كرامة وحريّة الإنسان باعتبارهما حقّا لكل البشر؟ وهل سيعمل الرئيس بوش وطاقمه الحكومي على ردع هذا الخطر الجسيم المتمثل بسيطرة ثقافة وسياسة الكراهية في إسرائيل، بشكل يهدد وجود شعب بكامله دفع مئات الآلاف منهم حياتهم وحياة أطفالهم من أجل نيل حريته وكرامته واستقلاله؟ إذا أراد الرئيس بوش الانتظار حتى يأذن شارون بالتسوية النهائية، وإذا وافق شارون أنّ التسوية المستقبلية «يجب أن تأخذ الواقع الجديد الناشئ على الأرض بالحسبان، ومن ضمن ذلك جدار الفصل العنصري والمستوطنات الإسرائيلية»، فهذا معناه الحقيقي هوالمشاركة الفعلية في حملة الكراهية والإبادة والتهجير ضدّ الفلسطينيين ومقدساتهم ومباركة استقدام سكان آخرين مكانهم!!
هذا الاصطفاف الحكومي الأمريكي المطلق مع ثقافة الكراهية الإسرائيلية وسياسات التهجير والاستيطان والعنصرية ضدّ الفلسطينيين، هو ما نتذكـّره يومياً في الشرق الأوسط وعبر العالمين العربي والإسلامي وليس الشعارات الرنانة «للحرية» و«الديمقراطية»!
ولكن ما هو الإرث الذي سنتذكـّر البابا يوحنا بولص الثاني به، نحن في الشرق الأوسط؟ إنها مفاهيم محببّة جداً للعرب، لأنها قريبة جداً من ثقافتهم وتاريخهم، بل هي جزء جوهري من تكوينهم الديني الإسلامي والمسيحي على حدٍّ سواء: الحرية والكرامة والتعايش. وهي تقف على عكس ما تطرحه ثقافة الكراهية الوافدة من إسرائيل اليوم، والتي تؤكد على النزاع الديني والتعصب العرقي والتفتيت الطائفي للمنطقة، التي كانت مهداً للديانات السماوية الثلاث والتعايش الجميل بينها.