حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
روايــة «الصمـت والصخـب» نهاد سيريس - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78) +--- الموضوع: روايــة «الصمـت والصخـب» نهاد سيريس (/showthread.php?tid=30070) |
روايــة «الصمـت والصخـب» نهاد سيريس - arfan - 04-02-2005 تبدأ رواية نهاد سيريس «الصمت والصخب» (دار الآداب، 2005) باستيقاظ راويها الكاتب فتحي شين على مكبر الصوت الذي يلقي في الخارج شعراً حماسياً وتعليمات وأغاني وطنية، بينما يردد التلاميذ «عاش عاش»، فهذا هو يوم الذكرى العشرين لوصول الزعيم إلى السلطة، يوم «الضجيج» المشتق من فعلٍ قبيحٍ (ضجّ، يضجّ) لم يجد فتحي شين فعلاً في العربية يدانيه قبحاً. وفتحي يؤثر كلمة الصخب على الضجيج، لكنه يؤكد أنه سيستخدم الكلمتين في (قصته)، وإن كانت الأولى هي التي ستشارك نقيضها الصمت في عنوان الرواية كان لفتحي برنامج أدبي أسبوعي على القناة التلفزيونية الأولى. لكنه لم يذكر الزعيم في برنامجه مرة، حرصاً على أن يبقى كاتباً مستقلاً. وبعد لأيٍ طُلب منه إجراء مسابقة في الشعر والقصة موضوعها الزعيم، فاعتذر، فَطُلب منه أن يستقيل. وباستقالته لجأ إلى الصمت، فيما قرر (وا) إغفال اسمه ومؤلفاته في وسائل الإعلام، وفصلوه من اتحادي الكتاب والصحافيين، وحرضوا الرفاق الكتاب على مهاجمته، وسمّوه الكاتب غير الوطني لأنه بصمته أساء إلى ملهم الأمة وبوصلة الإنسانية: الزعيم الذي جاء به انقلاب عسكري منذ عشرين سنة تسيّد خلالها الحزب الحاكم على البلاد التي لا تسميها الرواية كما لا تحدد زمناً، شأنها شأن جلّ الروايات العربية التي تواتر وتألق اشتغالها على الديكتاتور والديكتاتورية. يرى فتحي أن الصمت حكمة في ظروف بلاده. غير أن معنى آخر للصمت سيأتي في نهاية الرواية. فـ(هم) لا يريدونه صامتاً. والمسؤول الأمني الكبير «هائل» يخيّر فتحي بين العمل معـ(هم) وبين الصمت المطبق: صمت القبر، وليس صمت السجن. وتلك هي أطروحة الرواية التي أُوجزتْ في عنوانها: صمت الفرد اختياراً وإكراهاً إزاء صخب (ضجيج) السلطة. على هذا الصخب استيقظ فتحي، وبه امتلأ زمن الرواية: يوم واحد هو يوم المسيرة، حيث الحشود المتماوجة المتدافعة و»صور الزعيم تتحرك كأمواج البحر فوق رؤوس الجماهير». لكن هذا (الخارج) هو الجحيم نفسه، فالجماهير سمكة كبيرة ومتوحشة بحسب فتحي الذي يخبرنا أنه لا وجود في مسيراتنا إلا لفريق واحد أوحد ومطلق، لذا ينبغي إلغاء كل فردانيات الأفراد الذين يشلون الجمهور: «إن كل فردانية هي خطر محدق بسلطة الزعيم». وكما يليق بالديكتاتورية الثورية العربية بخاصة، يرتدي طلاب المدارس الثانوية في المسيرة «بدلات موحدة شبه عسكرية»، وعلى كل مدينة أن تخرج في يوم معيّن، وما أكثر من يتسللون من المسيرة وبأيديهم صور الزعيم. و»الصخب الذي تصنعه الهتافات ومكبرات الصوت في مسيراتنا ضروري لإلغاء التفكير. والتفكير نقمة. إنه جريمة، بل خيانة للزعيم». يزور فتحي أمه الأرملة يومياً، والأرملة تحب متابعة المسيرات تلفزيونياً لأنها تجد فيها ما يضحك. أما الأمر الصريح للزعيم فهو أن على من لا تشارك من ربات البيوت في المسيرات، أن يتابعنها على شاشات التلفزيون. لذلك ـ يشرح الراوي ـ يضطر الناس إلى رفع أصوات الأجهزة وترك النوافذ مفتوحة «لكي لا يتهمون (يتهموا) بالوطنية». وها هو فتحي، يقصد مقرّ الأمن العسكري، فإذا بـ»قطعان من الشبان» تثير الشغب، فتسرع إلى فض الاشتباك مجموعات العناصر الأمنية وفرق الحزبيين المسلحين، بينما فتحي يسير عكس التيار، ويتلقى لطمة بمقبض صورة يحملها موظف يرتدي بدلة العمل الزرقاء تنفيذاً لأمر الحزب. ويصادف فتحي معركة أخرى سلاحها صور الزعيم المثبتة على قطع الخشب المعاكس الرقيق. كما يصادف امرأة متحجبة تقع بين أقدام الجحافل، فينقذها ويحملها مع الرجل الطيب إلى المستشفى، فإذا بها ميتة. وفي المستشفى كثيرون سقطوا في المسيرات فداءً للزعيم، فالموت مستحسَن اختناقاً أو دهساً تحت الأقدام في المناسبات الحزبية. ولقد تعرف الى فتحي في المستشفـــى الطبيب ريمــــون الذي يكــــاد يطق «لأنه لا قيمة للبشر»، والذي يسأل عما يمكن أن يُسمى به ما يجري، فيسمي فتحي: سريالية. يقطع فتحي كل حين سرده ليوم المسيرة ليخبر بحدث سابق أو ليقصّ قصة فرعية ما عن نفسه أو عن إحدى الشخصيات. ويأتي أول هذا المألوف في رواية اليوم الواحد في الفصل الثاني الذي يخصّ به أسرته. فوالده كان محامياً ليبرالياً ومشاكساً للحكومة والمعارضة معاً، ينعت الأولى في مقالاته: «حكومة القرود» وينعت الثانية: «المعارضة المعروضة للبيع ـ المعارضة المتوكلة على الله ـ المعارضة العارضة للأزياء»... لكن المقالات توقفت بعد قدوم الزعيم الذي أطاح بأعداء الوالد جميعاً، في الحكومة وفي المعارضة. وهذا الذي صار الحاكم المطلق بدأ عهده بإيقاف جميع الصحف سوى ما يعبر عن حكومته. وإزاء ذلك كتب الأب مقالة ضمّنها ما رسمت زوجته للزعيم كاريكاتيرياً، وأرسل ما كتب إلى الجريدة العتيدة، فأحالت المقالة إلى واحد من أجهزة الاستخبارات، وخضع كاتبها للتحقيق ستة أشهر، ثم زجّ في القبو الاستخباراتي ثلاثة أشهر، ليخرج بعدها محروماً من المرافعات، وليصير المرح الذي كانه عبوساً قمطريراً. ولسميرة شقيقة فتحي قصتها، فهي التي تزوجت تاجراً وعلمته حتى الاهتمام بثيابه. لكن الآية ستنقلب، فيطالب الرجل امرأته بالتشبه به، فتنكفئ إلى «التطنيش». ومثل هذه (الموهبة) هي موهبة الأم في عدم الاهتمام. أما القصة الفرعية المفصلية فهي قصة المسؤول الأمني الكبير (هائل علي حسن). الذي كان العضو المنبوذ في المجلس البلدي لبلدة نائية زارها الزعيم. وإذْ أوشك الزعيم أن يسقط أنقذه هائل، فتبدلت نظرة الجميع له. ودرس الزعيم وجميع رؤساء الأجهزة الأمنية الشريط الذي يصور عثرته، وفيه حركة الإنقاذ المتلبسة جنسياً بشذوذ الزعيم الذي يقيل من كان ظلّه الظليل ويفترض به أن يحميه، ويضم هائل إلى بطانته. وثمة أيضاً قصة لمى معشوقة فتحي التي تزوج زوجها سكرتيرته لأنها ابنة شقيق أحد الرفاق الحزبيين الكبار، فأصرت على الطلاق، وانتقلت للعيش مع فتحي. لكن زوجها ـ رجل الأعمال ـ رفع تقريراً بفتحي سيجر عليه الويل، وفحواه قصة أخرى تبدأ برد فتحي بالكلمة النابية على زوج لمى (طز فيك وفي الحزب)، حيث يُحقق مع المارق الذي يعترف بما اقترف، بينما المحققون لا يعنيهم إلا أن يتأكدوا من قصد الإهانة: الحزب أم الزعيم؟ فإهانة الحزب لا تهم، أما إهانة الزعيم فقد تودي بمقترفها عشرين سنة في السجن. وقد عرفت قضية فتحي هذه بالقضية (طز) وشغلت الأجهزة الأمنية وفروع الحزب ورئيس اتحاد الكتاب الذي راح يحشد الكتاب الرفاق لمهاجمة المجرم. وهكذا صار اسم فتحي في المقر الأمني (أبو طز) وكل محقق صار اسمه (المحقق في طزّ). والراوي يعتذر للقارئ عن تكرار هذه الكلمة، كما يعتذر عن الفصل الإيروتيكي اللاحق الذي يجمعه بلمى بعد عودته من بيت والدته. وفحوى هذا الفصل أن العاشقين يردان عليـ (هم) بالحب، فالضحك والجنس سلاحهما الآن، وقد كان من قبل الكتابة. وهنا ترسل الرواية إشارتها عبر ما يعتقده فتحي الحقيقة: إنها لمى، بينما الحقيقة بالنسبة إليـ (هم) هي الزعيم. على هذا النحو تشتبك القصص الفرعية بسرد فتحي ليومه العظيم لينهض البناء الروائي الذي تنال منه البوليسية في منتهاه ويبدو أنه يفتقر إلى الإقناع، حين يمضي فتحي خلف بطاقته إلى الأمن العسكري وإلى الحزب، وإذا بكل ما صادفه في يومه مدبّر من أجل وقوعه أخيراً بين يدي هائل علي حسن الذي يدبّر زواجه من والدة فتحي، ليظفر بمن يريده الزعيم ألاّ يكون صامتاً، وألا يغرد خارج السرب. وبينما تنصح سميرة شقيقها بالقبول «افعل مثلي. كن غبياً من الأغبياء»، يستنكر فتحي زواج أمه ممن أساء إلى أبيه، بينما الأم تقول: «هذا كان في الماضي». وعلى رغم تمحور الرواية حول راويها، فقد تميز فيها بناء الشخصيات جميعاً، حتى من كان منها عابراً. لكن الامتياز الأكبر كان لشخصية الزعيم، على رغم أنه لا يحضر إلا من خلال الآخرين، وعلى رأسهم: الراوي. وقد كان حضور الزعيم نهزة الراوي لرسم أحوال الحزب والجماهير. فالشعر في هذه البلاد ـ أية بلاد هي ؟ ـ يوجه إلى الجماهير بينما يتوجه النثر الذي يكتبه فتحي إلى الفرد. والشعر يصنع الحماسة ويذيب الشخصية، بحسب فتحي، بينما يصنع النثر العقل والفردانية. لكن مؤلفات فتحي ليست غير أوهام خائن حقير كما نعته الرفيق. وهذا الكاتب الممنوع من الكتابة في الصحف، والذي تمنع كتبه وتحرضه أمه على كتابة رواية جديدة وهي مقبلة على الزواج من المسؤول الأمني، فتحي هذا يعلل لأمه حمل الناس لصور الزعيم بأن على المواطن ألا يرى شيئاً آخر غير وجه الزعيم، وبأن رؤية شخصٍ لا يحمل صورة ولا يهتف، تجعل الزعيم قلقاً. وفتحي يحدثنا عن عهد الزعيم: عهد الصخب الذي تحولت الموسيقى فيه إلى فن وطني ولم تعد فناً للفن منذ قال الزعيم: «على الموسيقى أن تلعب دورها في تحفيز الجماهير»، فتراجعت موسيقى الطرب والموشحات وحلت محلها المارشات العسكرية، وغدا الناي تافهاً ورجعياً لأنه يدفع المستمع إلى التأمل والحزن. ويتأيد مذهب الزعيم بتشايكوفسكي الذي وضع (مارش سلافي) وبيتهوفن الذي وضع السيمفونية البطولية. هكذا بات المسؤولون يترنمون بالمارشات تقليداً لترنم الزعيم بها. ولئن وجب تقديم أغنية عن الحب فينبغي أن تكون عن حب الزعيم. أما أغاني الهجران والفراق والعزال فممنوعة كيلا تفهم في شكل غير وطني، كأن يكون الفراق بين الزعيم والجماهير. وأغاني العشق ينبغي أن تتعلق بالزعيم. أما الأغنية الوحيدة المسموح بها فهي أغنية (سهران لوحدي) التي تبث كل ليلة بعد انتهاء برامج التلفزيون، شريطة أن تظهر صورة الزعيم أثناء بث الأغنية «فالسهر يجب أن يكون من أجل الزعيم ومناجاة طيفه». وبسوى ذلك على المواطنين النوم كي ينهضوا مبكراً إلى العمل في بناء الوطن. هذه السخرية المريرة تبلغ مداها فيما يرى فتحي في بيت لمى من المسيرة على شاشة التلفزيون، حين يلوح شبح الزعيم على شرفة الفندق، فتمد الناس أيديها نحوه ويتعالى صراخها. وكذلك حين يلوح حارس في الشرفة بتمثالٍ للزعيم والجماهير تصرخ. فالزعيم اعتاد ملاعبة جماهيره، كأن يذهب إلى تدشين محطة لتنقية المياه، فإذا بابنه ينزل من القطار بديلاً. أما على الشاشة فهو ذا أحد معاونيه يلوح بموديل له مرتدياً بذلته المغطاة بالنياشين والأوسمة، فيتضاعف هياج الجماهير. وهي ذي بدلة الزعيم يهبط بها حبلها على الجماهير ثم تختفي، ليظهر الزعيم نفسه ويصبح الجنون سيد الكون. وقد توّج الراوي هذا التصوير للزعيم بفقرة تراجع فيها السرد إلى التنظير، وتتعلق بتأليه الملك في الشرق كما تحدث عنه أرسطو، وبما كان لمحاولة الاسكندر أن يتأله، وبما ساق هيجل وحنا أرندت في ذلك. ولئن كان هذا التصريف للتنظير نتأ في الرواية عن سيولة السرد الساخرة، فقد قرنت الرواية إلى السخرية من الكافكاوية قدراً، إذ صورت مقر الحزب حيث تعلم فتحي درسه الأهم عن كيفية إهمال الضجيج، وهو الدرس الذي يعلمه للقارئ: «يكفي أن يرتد الشخص إلى داخله ليستمع إلى صوته الداخلي». من مقر الحزب إلى مقر الأمن العسكري إلى الشارع حيث تهتف الجماهير بما يبدعه مركز الدراسات الخاص بصياغة الشعارات: «ميم ميم يا زعيم. عظيم عظيم يا زعيم..»؛ فإلى حيث تعالج على الكومبيوتر الملصقات والكتيبات المتعلقة بخطب الزعيم وأقواله كما تعالج صوره، فإلى المجموعة المتخصصة بعلم النفس والتربية من الرفاق المفكرين والشعراء الذين يعملون يومياً اثنتي عشرة ساعة في تأليف الشعارات... من كل ذلك ترمي رواية «الصمت والصخب» بالمسألة في صدر المواطن العربي، فيتحدد بالقراءة البلد الذي لم تسمّه الرواية، والزمن الذي لم تحدده، إشارة إلى بلوغ الليل الديكتاتوري المديد مداه، فهل من تالٍ غير ما تلا في العراق مثلاًً؟ نبيل سليمان: الحياة 2/4/2005 |