نادي الفكر العربي
The Others - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: قضايا اجتماعيــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=60)
+--- الموضوع: The Others (/showthread.php?tid=30082)

الصفحات: 1 2


The Others - العاقل - 04-02-2005

في قصة - تجسدها فلم يحمل عنوان هذا الموضوع - تحكي اللقاء بين الأنا والآخر. كان الآخر في القصة ، هم الأشباح ، وكانوا بالنسبة لأبطال القصة أشياء يحاك حولها الكثير من الأوهام والخرافات ، كما هو الحال مع أي آخر ، لا نلتقي به . وبعد اللقاء ، تكشفت ، وتعرت الحقائق .. بل ارتفع خيار التعايش ، ليصبح ممكنا ، أو قريبا منه .


أنا أيضا عشت مثل هذه القصة ، مع اختلاف في شخصية الآخر ، الذي لم يكن شبحا أو ميتا ؛ بل كان بشرا مثلنا ، كنت في صغري أسمع الكثير من الروايات ، التي تخرجه من هذه البشرية . وبالأمس ، حصل هذا التلاقي ، وإليكم حكايته .


(1)

كانت الغرفة مظلمة ، ولا يشع فيها إلا نور الجوال عندما استيقظت على صوت رنينه . ملت إليه ، ورددت على المتصل ، دون ان أحرص على تمييز اسمه . كان ، صديقي : سالم * ، قال لي :
- ها ، إلى الحين على الوعد .
أجبته ، بصوت ممتلئ بالنوم :
- إيه ، بعد العشاء ، نتجمع بغرفتي ، ونطلع جميع .
- طيب .. بعد العشاء بعد العشاء ، مع السلامة .
- مع السلامة .

أغلقت الجوال ، ونظرت إلى الساعة في داخله ، كانت تشير إلى منتصف المغرب . بدأت أستعيد علاقتي مع محيطي تدريجي ، وكان أول ما استدعته ذاكرتي ، التي أخبرتني أنني لم أداوم هذا اليوم ، وأخبرتني أنني ظللت نائما منذ الظهر .

خرجت من الغرفة ، وأخذت فوطتي ، وخرجت إلى دورة المياه . غسلت وجهي بالماء ، وطالعته بالمرآة ، وانا أفكر : هل ألبس شماغا ، أم أنه لا حاجة إلى ذلك ؟ انتهيت إلى أني سأسأل إبراهيم ، فهو من القوم وهو اعلم بهم .

مر الوقت عاديا ، وخرجنا من الصلاة ، وتوجهت إلى غرفة سعد ، طرقت على باب غرفته .. فلم أجده . وكنت ، وأنا أعود أدراجي إلى غرفتي ، صادفت زميله في الغرفة ، سلمت عليه وقلت له :
- وين سعد ؟
- ما ادري ، اظنه طالع .
حاولت أن ارسم علامات الجدية على وجهي ، وانا أقول له :
- قل له : إن سلطان وربعه بيروحون للموعد اليوم ، ونبي نحتريه ربع ساعة بس ، وإذا ما جا : ذنبه على جنبه .
كان قد ارتسمت ابتسامة على وجهة ، كعادته ، إذا سمع مني كلمات قصيمية ، ولكني لم أرد ان أخوض معه العادة المتكررة في تبادل الاستهتار باللهجات .. ربتّ على كتفه وقلت :
- يالله باي .


عدت أدراجي ، وحين وصلت الغرفة ، وجدت ابراهيم ينتظرني عند الباب . اعتذرت له ، وفتحت الباب . جلست معه وقلت :
- ابقولك سالفة يا ابراهيم ، كانوا اهلي وحنا صغيرين يقولونه لنا .
ابتسم .. وقال :- تفضل .
اعتدلت في جلستي ، ونظرت في عينيه ، وقلت :
- يوم أنا صغير ، كانوا أهلي يخوفوننا من الشيعة ، كانوا يقولون إن الشيعة يضحكون ويسولوفون مع الواحد ، ولما يثق بهم ، يعزمونه عندهم . ولما يجي عندهم ، يقفل الأبو والأم البيبان ، وياخذون السكاكين اللي يقطعون بهن السمك ، ويدخلون عليه ويقطعونه ...

كنت أشير بيدي على كيفية التقطيع ، وكان هو يضحك من القصة ، اقتربت منه وانا اغمز بعيني قائلا :
- هقوك ، خوياك اللي بنروح لمهم يصيدون سمك ..

انفجر ضاحكا .. وقال :
- ايه ، واول ما ندخل عندهم بيذبحونكم .

ضحكنا سوية .. وطرق الباب ، فإذا بسالم يدخل . سلم على ابراهيم ، وجلس ، تبادلا الأسئلة المعتادة . بعدها ، قال لي ابراهيم :
- بيطول سعد وسامي ، ولا بيجون على طول .
- سعد ما اظنه يجي ، وسامي يقول هذاه بالطريق ، بس بيحط لابتوبه بالغرفه وبيجي هنا .

التفت يمنة ويسرة ، ثم قال :
- طيب ، دامهم بيطولون ، ليه ما اروح اجيب مجلة بالسيارة انا جايبها لك .
- جو أهيد ..

قام وخرج من الغرفة ، والتفت على سالم وانا ابتسم :
- أجل نبي نروح للشيعة ، مهوب حرام يا شيخ نؤاكلهم ونشاربهم ..؟
ابتسم بخبث ، وقال :
- الله يستر يا شيخ ، شكلنا على هالروحة محنب راجعين .
- لا ما عليك ، سعد مهب رايح ، وإذا متنا بيكتب عنا رواية .

تكلمنا ، عاد ابراهيم ومعه سامي . كان بيد ابراهيم مجلة ، قال وهو يسلمها إلي :
- هذه المجلة يرأس الشيخ إدارة تحريرها ، وهذا أول عدد لها .

أخذت المجلة وقلبتها ، وتطلعت للعناوين . بعد قليل وضعتها جانبا ، وقمت قائلا :
- يالله ، مشينا .

قاموا ، خرجنا وأغلقت باب الغرفة بالمفتاح ، وتوجهنا إلى مواقف السيارات ، ركبنا السيارة . وخرجنا من سكن الجامعة ، متجهين إلى القطيف .

كانت هذه الزيارة ، بمثابة الإختبار الحقيقي للقناعات التي لا نزال نرددها ، من ضرورة التلاقي مع الآخر ، والتعرف إليه . توجهنا نحن الأربعة ، وكان سائقنا ، إبراهيم ، شيعيا . وكنا متجهين إلى منزل شيخ شيعي .



يتـبع



The Others - العاقل - 04-02-2005

الفرق بين النظافة والإهمال ، الفرق بين الرقي والبساطة ، الفرق بين الازدهار والركود ، بين التطور والجمد . كان هذا كله ، هو الفرق الذي يفاجئك مجرد أن تترك الدمام والجا إلى مناطق الشيعة . قبل شارعين كانت المباني تتسابق للسماء ، والكورنيش متلون بألف لون ولون . وبعدهما : لا شيء ، أو لنقل أنها أشياء عادية .

دخلنا في القطيف ، وجبنا بعض الشوارع ، وصولا إلى بيت داخل حارة . لن البيت أقرب للبيج مخلوطا ببياض . وقف على بابه ثلاثة أشخاص : الشيخ الشيعي بعمامته ، وبجانبه شاب في عمري ، وعن يسار الشيخ كهل قد شاب ذقنه .نزلنا من السيارة ، تجهت إلى الباب بسرعة قبل الآخرين لأنظر للعيون . فالعيون في هذه اللحظات تقول كلاما أكثر من اللسان ، وتوصل ما لا يستطيع اللسان إخفاءه . سلمت على الأول مصافحة ، ثم ملت على الشيخ مصافحا ومقبلا ، وأخيرا صافحت الثالث . وما ان انتهيت ، حتى اتي باقي اصحابي وسلموا ، بعدها قيل لنا ادخلوا . وقف اصحابي بانتظار دخول الأول ، فبادرت داخلا ، ففي مثل هذه اللحظات لا يمكن تفويت أي مشهد ، ولا كلمة او نظرة.

كان حوشا متوسطا ، في الجانب الأيمن منه مزروع والباقي : بلاط ، وكان الباب البني قائم فوق اربعة درجات ، يقف عليها الشيخ الذي سبقنا إلى الداخل . وصلت إليه ، فتح الباب ، ودخلت . كانت الأرضية من الرخام ، بعد ان تخطو بضع خطوات تأتي دورة المياه عن يسارك ، وأمامك مدخل إلى مجلس ينتهي البلاط على أطرافه ليبدأ الموكيت البيجي ، الذي تحيط بأطرافه كنبات ذات لن أقرب للسماوي ، وستارة مخملية الأطراف في صدر الغرفة . وفي الوسط : طاولات صغيرة وضعت فوقها صينيتان ، واحدة فوقها علب ماء معبأة ، وأخرى بيالات الشاي ، وابريق حافظ للحرارة .


كنت أول الداخلين ، فسائلت نفسي : هل لديهم عادات معينة في الجلوس في المجالس ؟ وهل أجلس في صدر المجلس بما أني الضيف ؟ اخترت ان اجلس في الطرف ، فجلس بجانبي سامي ، وعن يساري في الصدر جلس سالم ، وبجانبه الشيخ الشيعي ، وبمقابلي جلس الشاب والكهل ، وعن يسار سالم جلس ابراهيم .


الصمت ، وحده كان مرعبا . يزيد من وطأته على القلوب : النظرات الحذرة المترقبة . تلك النظرات التي تريد أن ترى كل شيء ، أن تجعلك كالماء ، تشف ما خلفك . حاول الشيخ قطع هذا الصمت بالتعريف بالموجودين ، أشار على الشاب وقال :

- هذا علي ، طبيب .
والتفت لير وقع الكلمة علينا ، ثم التفت الى الشيخ وقال :
- وهذا خالي حسين .

ولا أذكر هل ذكر وظيفته أم لا . مع سكوته ، يتكلم الصمت ، وكلامه دائما ما يكون حركة يد هنا ، تعديل جلسة هناك ، نظرة تحاول مباغتتك على حين غفلة . حاولت كسر هذا الصمت ، بأن قلت للشيخ :

- ما بغينا نجتمع ، كل يوم باتسر .

ابتسم سالم ، وقال الشيخ وهو يبتسم :
- آسفين ، والله جوني ناس من البحرين امس .
- يعني أهل البحرين أهم منا ؟
ضحك ، وقال :
- هم مو من أهل البحرين ، هم قصمان وسكنوا البحرين .
التفت على سالم وقلت للشيخ :
- هالقصمان ، بكل مكان .

ضحك الشيخ وابتسم الشاب علي ، وعلق ابراهيم :
- عاد بكرة إربعاء ، لازم نروح للبحرين .
التفت إليه وقلت :
- والمباراة ، منتب شايفه ؟
-امزح معك .. صدقت ؟

قال الشيخ :
- هل يتعارض وقت المباراة مع برنامج إضاءات ؟
قلت له :
- المباراة ، عادة ، بعد العشاء .. وإضاءات الساعة 10 ، يعني يمكن يروح عليك آخر الشوط الثاني .
وبعد قليل :
-وش تبي بإضاءات ، تركي الدخيل خاس ، أول صح كانت بدايته قوية . بس الحين يخربط ..
قال سالم :
- الحين أغلب لقاءاته موجهة .
قلت :
- الحين خلاص : يأتمر بأمر الراشد .
سأل الشيخ :
- كيف ؟
قلت :
- إذا كنت تتابع العربية ، وتقرا الشرق الأوسط ، فانت سلمت عقلك للراشد .
وبعد قليل :
- وكمل الناقص ، وشارك بجسد الثقافة حق الدخيل ، خلاص تصير نسخة منهم .
علق سالم ، موجها كلامه للشيخ :
- مشكلة أهل الخبوبية انهم ما يعرفون : يا مطاوعة مطاوعة ، ولا ليبرالية .
تدارك الشيخ قائلا :
- انا اعرف انه من عندكم ، من القصيم ؟
قلت :
- ايه هو من عندنا ، خريج كلية شريعة ، وكان إمام مسجد .
وذكرنا بعض الذي نعرفه عن تركي ، ثم قال سالم :
- الحين هو عاد ليبرالي .
قلت :
- ليبرالي ! ما اظنه ، تركي يعني ذكي هو ما تقدر تعرف منهوله ، بس اللي نجزم به أنه مهب وهابي .

كلمة ( وهابي ) ، التي قلتها ، تسببت في تعديل الشاب والكهل لجلستيهما . وكنت لاحظت ذلك .

دار الكلام بين الشيخ وسالم ، عن أهل الخبوب ، فافاض سالم بالحديث عنهم وعن تعصبهم ، وتحريمهم لكل شيء . فعلقت أنا : بأن التعميم مرفوض ، فبقدر ما فيهم من أحادية وتشدد ، إلا أننا لا ننسى انهم كانوا مصدرا للكثير من المفكرين .

كانت هذه الأحاديث بمثابة جس النبض ، كان الاثنين صامتين ، يراقبون المشهد الذي امامهم . والشيخ ، الذي كان شابا ، ومتبسطا جدا ، كان يتسائل اسئلة عادية ، يتسائلها اهل المناطق المختلفة .

انتقل الحديث عن اللحية ، وتحريمها وتحليلها ، وأن سالم يرى حرمتها فيالوقت الذي أرى أنا فيها أنها معلقة بمخالفة المجوس ، المنتفية في هذا الزمان . وتحدث الشيخ عن رأي الإمامية في المسالة . وسأله سامي : عن النصوص الموجدة عندهم في هذه المسألة .

كانت الحواجز تزول تدريجيا ، وحدة النظرات تخف . ربما استطاع كل منا ، ان يتأكد ان كل من بالمجلس هم بشر . ربما ، وربما أن الأفكار المسبقة التي تعمل عملها حين الإبتعاد والإنكفاء حول الذات ، لا تلبث ان تتحلل وتذوب ، عند اللقاء والتقابل .

سأل الشيخ سامي :
- لماذا دائما أنت صامت .

سامي الذي هو مصري ، يدرس معنا في الجامعة ، أجاب :
- ما عنديش كلام أئوله ، ا تئدر تئول أنا بلئى صعوبة بتجميع الكلام .
قال له الشيخ ممازحا :
- عطنا كلامك وحنا نجمعه لك .
وبعد قليل ، سأله :
- كيف مصر ؟
- طيبة ، انا اصلي درست هنا في السعودية ، وتربيت على مشائخ السعودية ومناهجهم ، بس بالجامعة قرأت كتب الغزالي . كنت أول ما قريت كلام للغزالي ، قلت : الله ! في شيخ بيفكر ؟
اجابه سالم :
- احضر درس العقيدة عن مشايختنا تشوف شلون يتفلسفن فلسفة .
قال ابراهيم :
- اي يتفلسفون ؟ وقاعدة : من تمنطق فقد تزندق .. وين راحت ؟
ضحكت انا عليه ، واجابه سالم :
- إذا بيناقش الشيخ المسائل الخلافية بالعقيدة لازم يتفلسف .
قال ابراهيم :
- انت تقصد علم الكلام ، مو الفلسفة .
قال الشيخ :
- الفلسفة عندنا حنا الامامية .
قاطعه سالم مصرا :
- إلا يتفلسف ، وعلم كلام .
رفعت يدي ، وقلت :
- عشان ما يصير خلاف لغوي بينكم ، قولوا أنه يتكم بعقل .
وافق سالم ، والتفت الشيخ للكهل بنظرة تحمل معنى لم استطع اكتشافه .

قال الشيخ :
- انا ارى ان المشكلة ، في الدرس العقدي . هو السبب في التفارق والتشاحن بين المسلمين ، لو استطعنا تعديله أو تجفيفه من الخلافات السابقة اللي انتهت الآن ، لكان يمكن يكون وسيلة مهمة في الاعتصام بحبل الله .

قلت له بخبث :
- هذه مؤامرة ، أنت تبينا نميع الدين ، ونتعامل مع المبتدعة .
ضحك الجميع ، ثم قام الشيخ واقفا ، وقال :
- نرجع لموضوع المبتدعة بعد العشاء تفضلوا .

اشار بيده إلى باب في المجلس .. وقمنا متجهين للمغسلة ، وبعد ذلك دخلنا غرفة مفروض عليها سفرة ، وفوقها ثلاثة أطباق مقصدرة و" فتوش " وحمص بعض العصائر .


يـــتــبــع


The Others - EBLA - 04-02-2005

أولاً، بستان :97: :97: :97: للعاقل.
وحشتنا كتاباتك ومسلسلاتك الرايقة. (f)

اقتباس:  العاقل   كتب/كتبت  
في قصة - تجسدها فلم يحمل عنوان هذا الموضوع - تحكي اللقاء بين الأنا والآخر. كان الآخر في القصة ، هم الأشباح ، وكانوا بالنسبة لأبطال القصة أشياء يحاك حولها الكثير من الأوهام والخرافات ، كما هو الحال مع أي آخر ، لا نلتقي به . وبعد اللقاء ، تكشفت ، وتعرت الحقائق .. بل ارتفع خيار التعايش ، ليصبح ممكنا ، أو قريبا منه .  

تصحيح بسيط فقط، الآخر في قصة الفيلم هم البشر الحقيقيون. فقد اكتشفت العائلة المسكينة ( الأم والطفلين) أنهم هم الأشباح عندما يخبرهم العمال الجدد كيف ماتوا.

هو من أجمل الأفلام التي حضرتها.
وأتوقع لروايتك أن تكون أجمل.
يللي (بتتكلم بعقل) إنت.

:97:


The Others - قنبر - 04-02-2005

Welcome in Qateef my colleague

:)


The Others - AntiVirus - 04-03-2005

:saint:

تسجيل متابعة!

بكل براءة ...




The Others - ضيف - 04-03-2005

رائع في وصفك ودقة تصويرك وسلاسة سردك
ألف عافية

ومنتب سهل تراك :97:


The Others - العاقل - 04-03-2005

التساؤل الذي تسائلته عند دخولي للمجلس ، تسائلته مرة أخرى عند السفرة : أين أجلس ؟ كنت أول الداخلين إلى غرفة العشاء ، وكان بجانبي علي ، الذي قال :
- ما نبيكم تتركون شي أبد ؟
أجبته والإبتسامة تملئ وجهي :
- ما عليك ، حنا طلاب جامعة ، من زمان ما أكلنا أكل بيت .. ما راح أخليهم يطلعون حتى يقضون عليه .
ابتسم ، واشار بيده أن تفضل ، فتخيرت مكانا وجلست . جاء سامي وجلس إلى جانبي ، أتى بعده ابراهيم وسالم أمامي . والآخرون كانوا يغسلون أيديهم .
نظرت إلى سامي وابراهيم ، وقلت :
- من زمان ما اكلنا اكل بيت ، انا تقريبا لي اكثر من سبعة أسابيع كله على المطاعم .
ابتسم سامي ، وتداركت أنا عندما تذكرت أن ابراهيم يذهب لأهله في الأحساء ما بين فترة وأخرى :
- طبعا بعض الناس ، منتفخين من أكل بيوتهم ، شكلك أنت يا ابراهيم من كثر الأكل كل شهر تفصل ثوب جديد .
قلت هذا وأنا اشير الى جسمه ، تابعت :
- صدز ، ارحم نفسك .. تراك قبل ثلاث شهور بس ، كنت ضعيف ، وش اللي جاك .
اقتربت منه وغمزت بعيني ، وقلت :
- لا تصير متزوج متعة من ورانا ؟
ضحك ابراهيم ، وقال :
- والله شكل الرجيم بيخرب اليوم .
رفعت حاجبيّ ، وقلت :
- ولا أنت يقالك مسوي رجيم ؟ يا شيخ : تضحك على نفسك أنت ...
قاطعني سالم قائلا :
- عاد انا ما ابطيت وانا آكلن أكل بيت .
نظرت إليه بتحديد وقلت :
- خيانة هذي ، من تعرف هنا ؟ ما لك داعي ؟
رن جوال سالم وراح يجيب عليه ، والتفت على سامي قائلا بأسى :
- صفت علينا انا وياك يا سامي ، محرومين من أهلنا .
ونظرت إلى الأكل ، فلاحظت القصدرة ، وكون الحمص مطبق ، فارتفع احتمال ان يكون الأكل من مطعم ليس مطبوخا في البيت . بينما انا اراقب الأكل ، قال سالم وهو يغلق جواله :
- هذا ابوي ، تخيل يدري اني جالسن هالجلسة ، بذمتي يذبحن ...
قاطع كلامه قول الشيخ ، وهو يدخل للغرفة بعد ان انتهى من التغسيل :
- هالمرة جبنا الأكل من مطعم ، المرة الثانية نبي نغديكم غدا بيت .
فتحت فمي باحباط ، وقلت له :
- الحين من اليوم ، احتفل مع العيال على اننا نبي ناكل اكل بيت ، وبالاخير يصير من مطعم .
تبادل الجميع الابتسامات ، ومدت الأيادي لترفع القصادير عن الطعام ، لتتبدى البطاطا والمشاوي من تحته . فتحت انا غطاء الحمص ، وأخذت الملعقة لتناول السلطة ، وبدأنا مسلسل الأكل .

أكد الشيخ مرة أخرى على عدم إبقاء شيء ، قال له سامي :
- لا تخاف ، انا اليوم ما تغديت .
قلت له انا :
- أما انا من عشا امس ما اكلت شي .

حل الصمت ، وبدا الأكل . وبعد فترة قصيرة ، تكلم الكهل ، الذي كان صامتا منذ دخولنا ، أشار على سامي وقال:
- من وين الأخ ؟
أجابه سامي ، اجابة مضطربة :
- من مصر .
ومال الكهل بيده علي وقال :
- والأخ ؟
اجبته انا مستغربا إعادته لسؤال قد تمت الاجابة عليه ، قلت بزهو :
- من بريدة .
قلتها ، بضم الباء .
واشار على سالم ، الذي اجابه نفس اجابتي .

ولكي افتح موضوعا للحوار ، قلت وانا اشير على نفسي :
- الحين أنا سني ، وسامي سني .
ونظرت للشيخ وتابعت :
- هل في فرق بيننا ؟
اجاب الشيخ :
- ماذا تقصد ؟
قلت :
- يعني : هل نظرة الشيعي العادي للسني السعودي هي نظرتهم للسني غير السعودي ؟
اجاب ابراهيم :
- طبعا لا ، السعودي وهابي ، وما نناظره مثل غيره .
وبعد ان بلع لقمة ، قال :
- هذولا ظالميننا ..
وقبل ان يكمل ، رفعت يدي وقلت :
- لحظة لحظة ، لا تقولي ظالمينا . انا ابسألك الحين : انت طلعت بطاقة ، وطلعت رخصة ، ورحت لدوائر حكومية كثيرة ، هل عاملوك معاملة خاصة لأنك شيعي ، اتركنا من هذي هل في ببطاقتك إنك شيعي ، شلون بيعرفون .. ؟
اجاب ابراهيم :
- هذي معك حق ، بس لو ناظرت لجوانب ثانية ..
وكأني حدست ماذا يريد ان يقول ، فقاطعته قائلا :
- صح ، ما نقدر نقول انه ما في اضطهاد ، في اضطهاد من جانبين : التعليم انكم تدرسون مناهجنا ، ومن ناحية المناصب .
قال الكهل :
- والتجنيد ، ما يسمحون ان الشيعي يكون ضمن الجيش .
قلت :
- هذي مستحيل ، لأنك إذا رحت بتقدم أوراقك ما في سؤال بيسئلونك إياه : هل انت شيعي ولا سني ؟
قال :
- مو لازم ، مجرد انه يدري انك من القطيف ، خلاص راح عليك التجنيد .
قال سالم :
- المناصب مو بس الشيعة اهل الحجاز بعد محرومين منها .
قلت له :
- لا ، من قال ؟ وزير الصحة اللي قبل المانع ما كان حجازي ؟
قاطعنا الكهل ، قائلا :
- يا أخ سلطان ، كلامك سليم . الدولة هنا ذكية ، ما في إثبات واحد ممكن من خلاله نثبت إنه حنا نعامل بعنصرية . بس العنصرية تكون موجودة ، عن طريق آخر . خلني اضربلك مثال : لو تتابع الحركة الرياضية هنا عندنا بالقطيف ، تلقى إنه ما عندنا استاد رياضي لانديتنا .
قاطعته انا قائلا :
- غريبة ، أنا اذكر قبل فترة جيت أنا هنا للقطيف ، وشفت استاد باسم الأمير نايف .
نظر للأرض ، ثمر رفع عينيه قائلا :
- هذا حطوه جديد ، قبله ما كان في شي . صحيح بالفترة الأخيرة صار في تغير من ناحية التعامل معنا بس انا اكلمك عن قبل .
قاطعته انا قائلا :
- انا سؤالي محدد : هل العنصرية اللي تتكلمون عنها منصوص عليها أم هي تصرفات فردية ؟ النظام مو مسئول عنها ؟ انتم رحتو لكثير من الدوائر الحكومية دوائر امنية جمارك ..إلخ .
قاطعني الشيخ :
- بالجمارك ياخذون الكتب حقاتنا .
قلت له :
- انا اخذوا مني كتب نزار قباني ...
فضحك الجميع .

امتد النقاش ، وتشعب كثيرا . صار الكهل يتكلم بحرية أكبر . كنت أتلمس في كلامه نوعا من الصدق الذي يثبته كونه بسيطا . فالعلم ، والتعلم ، بقدر ما يكسب الإنسان معرفة ، بقدر ما يجعله يجيد نصب الحواجز والحدود حول نفسه .

تكلم عن كثير من القضايا : عن الوظائف ، عن التعليم . انتهى به الحديث بأن تكلم عن ظلم البلدية . قال :
- تجد مخططين سكنيين ، يفصل بينهما شارعا . هذا المخطط ينتمي لبلدية الدمام ، والآخر لنا . تجد ما يصرف على هذا يختلف كثيرا عن الذي يصرف على ذاك ، والفرق مجرد شارع .

وغرق ، وغرقت معه ، في حديثه عن الكورنيش وسوء تنظيمه ، وعن اختلافه الجذري عن كورنيش الدمام المجاور له . كان في كل مثال يأتي به ، بكل حادثة يرويها ، كان يحكم علي الإنئسار في النظرة التي يريدني أن انظر لها . فهممت بأن اوافقه ، ان أؤيده ، حتى تذكرت ذاك اليوم ، الذي كنت مسافرا فيه إلى تبوك وعرعر والقريات ، خصوصا تبوك .

قلت له :
- انا ما عندي مشكلة بكل اللي تقوله ، موافق عليه . بس هل هذا اللي تتكلم عنه يصير لأنكم شيعة ؟ يعني : لو رحت للشمال ومدن الشمال ، كان قلت : الحمد لله على النعمة اللي حنا فيها . المسألة مسألة بعد وقرب عن المركاز المهمة بالديرة . فالقصيم والقطيف فيهم ازدهار لان الاولى قريبة للرياض والثانية قريبة للدمام . اما المدن البعيدة عن المركاز المهمة ، عن الرياض الدمام جدة مكة المدينة .. ما راح تكون مثل المدن القريبة .

- نعم ، انا موافق ان الاضطهاد ليس منحصرا فينا فقط .
فقلت :
- إذن المسألة مو مسألة : سني وشيعي ، مسألة محافظة على الكرسي ، بأي وسيلة وبأي طريقة ، بايعنا الله ام بايعنا الحجر.

أكد على كلامي ، وأشار إلي بأن آكل . وقبل أن أمد يدي ، إذ بالشيخ يمد إلي خبزة ملفوفة بكباب ، كان قد أعدها إلي . كانت هذه أحرج اللحظات ، أصعبها . أنا بطبيعتي ، لدي مزاج صعب في الأكل ، فهناك قائمة كبيرة من الماكولات حرمتها علي ، كالطماطم ، والبصل. إضافة إلى ذلك فانا فيني حرص أقرب للوسوسة من أكل شيء مفتوح أو قد مدت إليه يد قبلي ، أو أن هناك شخص آخر قد ذاقه قبلي، أو شربه . هذا المزاج تصادم مع إحتمال سوء الفهم . إذ لو رفضت ، لأسيء فهمي . مددت يدي وانا ابتسم ، اخذت الخبزة منه . فتحتها ، وانا اقول :

- لا تصير حاط فيها طماط أو بصل ، تراني ما اكلهم .
ابتسم ، ولما تأكدت أنها لا تحتوي على أي منهما ، أكلتها . وتابعت الأكل .

بعد ذلك ، جرت أحاديث جانبية ، على هامش هذا الموضوع الأساسي . حتى قام الشيخ وقمنا معه .معلنين انتهاء العشاء ، فحمدنا الله ، ودعونا لهم .

وتوجهنا للمغاسل ، عائدين للمجلس مرة أخرى .


يــتــبــع



The Others - ضيف - 04-04-2005

تسجيل متابعة
:97:


The Others - العاقل - 04-20-2005

في الجلسة الأخيرة ، لا تهم الأحاديث التي دارت . لا يهم الأفكار التي تم مناقشتها ، لا يهم الآراء والانطباعات التي خرج بها كل منا . ما يهم ، هو ذلك الجو الودي ، ذلك الجو الذي يتبادر لذهن المتابع له : أن اشخاصه يتعارفون منذ القدم ، ولا يعلم أنهم يحملون على ظهورهم تراثا ، لا يكف على جعل أحدهم يكره الآخر .

تكاثرت المزحات ، أصبح الضحك يشف تماما نقاء القلوب وتصافيها . أصبح الكلام في القضايا الحساسة ، والخانقة ، كالكلام عن الأشياء العادية . أصحابي ، الذي كان أحدهم ، في البداية ، يجلس معتدلا ، منتصبا . أصبح يتبسط كثيرا في جلسته ، وكأنه في بيته . والبحث عن الراحة في الجلوس، يعني أن القلب قد ارتاح .

قال الكهل لي :
- هل تتوقع أنه من الممكن أن يأتي اليوم الذي تتصافي فيه القصيم والقطيف ؟
تصنعت أني أتفكر في الأمر ، وقلت كأني وصلت للإجابة :
- بالتأكيد ، إذا تصافت تل ابيب ومكة .
ضحك ، وامتد لنقاش عن اسباب الكره ، وتاريخية العداء ، وتنوعت الآراء وتكاثرت ، ولما فتح موضوع التكفير ، أجاب الكهل :
- أنا أعلم أن هناك أناس من القصيم يكفرونني ، لكن أود أن تنقلون إليهم على لساني ..
اعتدل في جلسته ، وقدم رأسه قليلا ، كأنه يعد نفسه لخطبة :
- قولوا لهم ، أنهم رغم كل هذا الذي يعتقدونه فيّ ، إلا انني أهتم لأجلهم ، وأعنى بشؤونهم . وأنا أعتبرهم مسلمين ، يسوؤني ما يسوؤهم ، ويرضيني ما يرضيهم .

حاولت التخفيف من جدية الموقف ، فقلت للكهل :
- تتوقع بيصدقون ، بيقولون : هذا رافضي ويتقي !
قال الشيخ :
- مشكلة مفهوم التقية هذا .
تابع الكهل :
- أنا عندما أقول هذا الكلام ، لا اريد ردا منهم او أجرا ، إذ أني لم أقم به إلا امتثالا لاوامر ، كـ ( من أصبح ولم يهتم بهم الإسلام ...

وتلا نصين أو ثلاثة ، وتابع كلامه بكل جدية . ركزت في عينيه ، نظرت إليهما تماما . حاولت أن أكتشف مدى صدقه ، أن أرى مالذي يدفعه لأن يقول هذا الكلام . كان يسترسل بتلقائية ، تلقائية بسيطة ، تنطق بها عيناه .

بعد هذا قام الدكتور ، ووزع علينا قطعا من الكنافة ، ثم أتبعها ببيالات مملوءة بالشاي . كان النقاش يدور حول التعايش الممطلوب بين السنة والشيعة ، والإقتراحات . ثم تمدد الكلام ، وتنوعت القضايا ، ومع كل قضية ومع كل نقاش تتفتح المزيد من قنوات اتلواصل والتلاقي .

عندما انشغل الكهل بجواله ، وكان الشيخ يتكلم مع الدكتور ، التفت على سالم قائلا وانا ابتسم :
- شفت طلعوا أوادم مثلنا .
ضحك ، وفهم مغزى كلامي .

انتقلت المواضيع عن نظرة كل منا للآخر قبل التقابل ، تحدث سالم عن بداية دخوله الجامعة ، وأنه جاء محملا بالكراهية ، وانه كان لا يمكن أبدا ان يتعامل أو يجلس أو يكلم شيعيا . قلت أنا :
- اما أنا ، فكنت ما أكل معهم لأنهم راح يتبولون في المأكل والمشرب ، ولا أمشي معهم لأنهم ربما يبصقون على ظلي ليكسبوا أجرا ، ولا أكلمهم ، خشية على عقيدتي .

أكد الشيخ قائلا :
- جاء أردني هنا ، في القطيف ، للعمل. وبعد ان عاش لفترة ، أخبرنا أنه كان يقال له أننا ، الشيعة ، لنا أذيال .
ضج المجلس بالضحك ، قلنا :
- أذيال .. أذيال .
ق
أكد الأمر ، وراح يحكي هذه الاختلاقات . امتدت الاحاديث وتنوعت وتشعبت ، حتى وصلت الساعة إلى الواحدة . حينها قمنا مستأذنين .

خرجنا للخارج ، وفي الشارع ، توقفنا هناك لنبحث مشروع لقاء آخر ، فاتوا بالكاميرات ، والتقطنا مجموعة من الصور مع بعضنا . بعدها ركبنا سيارتنا ، وكان منا النعسان ومنا المتعجب .

خرجنا من القطيف ، في يوم حافل جدا . وعدنا للجامعة .



تمـــت



The Others - خالد - 04-21-2005

اقتباس:  AntiVirus   كتب/كتبت  
:saint:

تسجيل متابعة!

بكل براءة ...


لك دخيلها للبراءة أنا، براءة الأطفال الكبارّ!

علي الطربوش إنك شاركت في الجريمة النكراء المسماة أكل الكباب!