حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
على شرف حال الطوارىء حفلة صيد لــ 'التخوين' - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: على شرف حال الطوارىء حفلة صيد لــ 'التخوين' (/showthread.php?tid=30334)



على شرف حال الطوارىء حفلة صيد لــ 'التخوين' - arfan - 03-24-2005


:

"انطلق اليوم الاف الطلاب من جامعة دمشق فى مسيرة تأييد للمواقف الوطنية والقومية التى عبر عنها السيد الرئيس بشار الاسد فى خطابه التاريخى امام مجلس الشعب. وتحركت المسيرة من امام كلية الاداب في اتجاه شارع النصر وسط دمشق، وحمل المشاركون صور السيد الرئيس بشار الاسد والاعلام الوطنية واللافتات التى تحمل عبارات التأييد لسياسته الحكيمة ومواقفه المشرفة وطنيا وقوميا."وعبر الطلبة فى هتافاتهم عن الروابط الاخوية بين سوريا ولبنان، منددين بالضغوط والتهديدات الاميركية الهادفة الى التدخل فى شؤون لبنان الداخلية، وخدمة مصالح اسرائيل فى المنطقة.
"وانشد الطلبة النشيد العربى السورى مؤكدين العزم على بذل كل التضحيات فى سبيل حماية الوطن وتحصينه لمواجهة التحديات وتعزيز الاخوة والتعاون مع لبنان الشقيق والعرب جميعا على قاعدة المصالح القومية."واثناء المسيرة الطالبية تصادف وجود مجموعة من المواطنين الذين قاموا بالاعتصام فى شارع النصر للتعبير عن بعض المطالب."وقد تدخلت الشرطة لمنع وقوع اى صدام".

بهذه الصيغة أوردت وكالة "سانا" الرسمية للأنباء خبر مهاجمة طلاب بعثيين لاعتصام احتجاجي على حال الطوارئ التي ترزح الديار السورية تحتها منذ 42 عاما.
"سانا" تكذب، وتعرف انها تكذب، وتعرف أن جميع المعنيين بالخبر، بمن فيهم المشاركون في "مسيرة التأييد"، يعرفون أنها تكذب. فالمسيرة لم تخرج "لتأييد للمواقف الوطنية والقومية التى عبر عنها السيد الرئيس بشار الاسد فى خطابه التاريخى امام مجلس الشعب"، بل لغرض مبيّت وحيد هو استفزاز المحتجين على حال الطوارئ وضربهم. "سانا" تكذب أيضا حين تنسب مرور "مسيرة التأييد" إلى المصادفة؛ وتتصنع جهلا يليق بأخلاقيات الإعلام العقائدي وضوابطه المهنية، حين تتحدث عن مطالب غفل لـ"مجموعة من المواطنين" الغفل بدورهم؛ وهي تكذب كذلك حين تقول إن الشرطة "تدخلت لمنع وقوع اي صدام". "سانا" أيضا لم تشعر بالحاجة إلى شرح شيء لقراء أخبارها المفترضين، الذين قد يتساءلون: لماذا كان من المحتمل أن يقع صدام يتطلب تدخل الشرطة بين "مجموعة من المواطنين الذين قاموا بالاعتصام فى شارع النصر للتعبير عن بعض المطالب"، وبين "المسيرة الطالبية" التي "تصادف" مرورها من هناك؟ و"سانا"، أخيرا، تتجنب ذكر موقع الاعتصام، "قصر العدل"، كي لا تثير تداعيات آثمة في أذهان القراء.لكن إن صدقت "سانا" فإنها تخون نفسها، وهي لا تطابق ذاتها ولا تكون على حقيقتها إلا إن كذبت. "سانا" الحقيقية هي "سانا" التي لا تقول الحقيقة ابدا.
قصر العدالة... المنيف
ربما افترض الداعون الى الاعتصام أن موقع "قصر العدل"، أو بالأحرى المعنى المفترض لهذا الاسم المفخم، هو النقيض التام لحال الطوارئ وأحكامها، وأن من شأن التجمع أمام حصن العدالة ذاك أن يفيئ ببعض الحصانة على معتقلين سابقين ونشطاء سياسيين وكهول وشبان من الجنسين احتشدوا، ليس دونما قلق وهواجس، هناك. سيتكشف هذا أنه محض وهم جديد في سلسلة أوهام السوريين التي لا تنتهي.
لم تنقض دقائق قليلة قبل أن يدهمنا ويطوق حشدنا الملموم مئات من الشبان، هاتفين ملء حناجرهم: بالروح، والدم، نفديك يا بشار؛ الله، سوريا، بشار وبس؛ رافعين أعلام سوريا وصور قائد حزب البعث ورئيس الدولة المفتدى بأرواح الهاتفين ودمائهم.
كان مراسل لقناة "بي بي سي" التلفزيونية البريطانية يعد عدته لتصوير تظاهرتنا الاحتجاجية وتسجيل بضع دقائق من الكلام عنها وعن مناسبتها والمشاركين فيها، وكان من المفترض أن أكون المتكلم. أثناء ذلك، وجدت بضع لحظات لتقمص دور الصحافي والتكلم مع الشبان البعثيين المتضامنين مع قيادتهم، والذين اخذوا في التغلغل بيننا بتحدّ وخشونة منذرتين بالعواقب. قال أحدهم إنهم من اتحاد الطلبة في جامعة دمشق، وأنهم "مع الأسد للدم". شدد المتكلم تشديدا دالا على أنه من مدينة حماة بالذات. قال آخر إنه لبناني ومن "ضيعة طلال سلمان" و"أننا نؤيد السياسة السورية". سألت أحدهم: هل كنتم تعرفون أن اعتصاما للمعارضة ينعقد هنا احتجاجا على دوام حال الطوارئ؟ قال: "لأ، نحن مارّين من هون بالصدفة". وتابع: روحنا لبشار! ومن جديد صدح الهتاف حولنا: ما في خوف ما في خوف، الحجر صار كلاشنيكوف؛ مكتوب على سلاحنا، نفدي الأسد بارواحنا.
زفة الخائن
كنت أدوّن ما أسمعه على ورقة بيدي، وقد أحاطني فداة الروح والدم من كل جانب.
على حين غرة تحول المشهد. طوق أحدهم عنقي بذراعه، كابسا جسمي نحو الأسفل، ورافعا صوته بالهتاف: تفو عليك يا خاين! بينما تواصل هتاف الآخرين: بالروح، بالدم، نفديك يا بشار! وفي اللحظة نفسها تلقيت رفسة على قفاي. سأعرف في ما بعد أن أعضاء من المكتب الإداري للاتحاد الوطني لطلبة سوريا أشاروا الى الطلاب نحوي لتدشين مهمتهم النضالية ضد من أبلغوهم في الليلة السابقة أنهم خونة وعملاء للأميركيين ولإسرائيل. كنت، في الأسبوع الأول من الشهر الأخير من العام الماضي، قد ألقيت محاضرة حول "المسألة الجامعية وقضية الطلاب في سوريا" في منتدى الأتاسي، تحدثت فيها عن احتلال الجامعة وتعطيل وظائفها العلمية والمهنية والمدنية واستتباع الحركة الطالبية، ودعوت إلى جلاء الأمنيين والحزبيين منها وضمان استقلالها وكفالة الحريات الجامعية. وكان أعضاء المكتب الإداري لاتحاد الطلبة التابع للسلطة بين الحضور. وقد اتهمني أحدهم وقتها بقبض المال من جهات خارجية، واقترح ان أساهم ببعض هذا المال في تطوير التعليم العالي الذي انتقدت أحواله. بينما شكك آخر في أحد طالبين معتقلين منذ نيسان من العام الماضي، واستغرب أن يكون لدى شقيقته جهاز هاتف خليوي! ويعتقد أن هذين الشخصين بالذات قد أفرداني لأكون صحن المقبلات الأول في الوجبة القمعية.
سرت مبتعدا عن التجمع، مسبل اليدين، حريصا كل الحرص على تجنب ما قد يثير ردا عنيفا. ووجدت نفسي محفوفا بموكب من 15 أو عشرين شابا "يدفشونني" امامهم ويسخون برفسات على ظهري، ويطلقون هتافا منغما: تفو عليكم، يا خونة! يا خاين برا برا! خاين! خاين!
كان المشهد الذي شغلت دور الوغد فيه ظهر يوم الخميس، 10/3/2005، لا يشبه شيئا مما سبق ان خبرت من مشاهد القمعية السورية وأيامها. لم يكن الأفظع (فقد خرجت منه من دون أذى جسدي) لكنه كان مختلفا. واختلافه يعود إلى نوعية القائمين به (هواة غير مختصين بالقمع)، وإلى علانيته وعنصر الفرجة (في الشارع وامام "السابلة" بينما يقترن القمع بالسرية دوما)، وإلى الامتزاج الفريد للإيديولوجي والقمعي، أو العقيدي والعنفي، أو للتخوين واللبط فيه. إنه "تجريس" العدو، نظير زفة العريس ونقيضها التام. يشتركان في الفرجة والاستعراض أو "العراضة" بحسب التعبير الشامي. لكن عراضة العريس طقس يضفي أهمية اجتماعية على زواجه، ويلقن العريس أهمية عقد الزواج، ويعلن اعتراف المجتمع به ووضعه تحت رعايته؛ فيما عراضة المجرّس طقس تشهير، يجسم له وللحشد شناعة فعله، بما يجعل من الصعب عليه العودة إلى ارتكابه، وبما يثبت عزله عن المجتمع وإفراده "كالبعير المعبد". الهدف هنا كسر العين، بينما هو هناك رفع الرأس.
لكن التجريس الهارب من أزمنة المماليك إلى شارع دمشقي في ربيع عام 2005 يشترك مع خبرات سابقة لكاتب هذه السطور وألوف غيره في الشعور بالوقوع وانفصال المصير أو انفلات زمامه: لحظة الانفتاح المقلق لهاوية الاحتمالات جميعا.
ولا حاجة إلى القول إني لم أعرف كيف أتصرف حيال هذا الوضع غير المسبوق. الشيء الوحيد الذي كنت حريصا عليه هو تجنب المقاومة. وعلى كل حال، لم اكن محتاجا لانتباه خاص من أجل إبداء هذا الحرص. فقد كان واضحا أن ادنى مقاومة مني ستهيج سعارا قد يكون ساحقا من جانب ذلك الجمع المتعصب، الحريص على نيل رضا "معلميه". فحسن إذلال الخونة سيترجم حظوة وقربا ومنافع من كادر المنظمة البعثية الطالبية، التي يشكل الفشل الدراسي، الحقيقي أو المصطنع، أهم مؤهلات التمديد في مراتبها القيادية.
لا ريب ان مشهد تلك "الجرسة" كان فاتنا ومغويا لمصور اجنبي، قيل إنه مراسل قناة "فوكس نيوز" الأميركية. فقد ركض أمامنا، ثم استدار وأخذ يصورنا دونما حذر. غير أنه لم ينعم بتلك الفرصة الرائعة. فقد انقض عليه رفاقي البعثيون، وانهالوا عليه ضربا، وانتزعوا كاميراته وحطموها.
تابع موكبنا سيره. كان الخائن يسير وسط مجموعة من الوطنيين تفيض منها الشعارات والرفسات معا. انعطف بي المسير يسارا في اول تفرع من الشارع الرئيسي الذي كان مسرح تجريسي. وواصل الرفاق الاحتفاء بي هتافا ورفسا وتشهيرا، وواصل الناس في الشارع الفرجة على الزفة. ثم انعطف المسير، ثانية، يسارا في شارع فرعي مواز لشارع النصر. كنت "أقود" الموكب على هدي غريزة ما. لعلي كنت أتجنب اي مكان مغلق يتجمعون فيه عليّ، وفي الوقت نفسه أي فضاء خال ينفردون فيه بي. ربما كنت أبحث عن بعض الأنس والأمان وسط الناس. قال صديق كان يتابع المشهد إن وجهي كان شاحبا وقد التصقت به ابتسامة صفراء مسمومة.
عدنا إلى شارع النصر. وأمام موقع الاعتصام المفترض صعدت إلى سيارة أجرة، منهزما. غير أن زحام الشارع وضربات المجرسين على نوافذ السيارة، وصراخهم بسائقها: نزّل الخاين! نزّل الخاين! ونظرات سائق التاكسي المسن، دفعتني للنزول من السيارة وسط الزفة من جديد.
لمحت شرطيا على بعد أمتار فاندفعت نحوه طالبا الحماية. لست أدري هل اكتفى حشد المناضلين مني، أم جاءتهم إشارة من "معلميهم" بنهاية الجرسة، أم لجوئي إلى الشرطي، هو ما دفعهم إلى الانفضاض عني. كانت ربع ساعة دهرية قد انقضت، ونال العدو جرسة لائقة. غير بعيد عن موقف الشرطي، وفي مكان لا يتيح له رؤية شيء مما يجري في موقع الاعتصام، كان يقف عقيد او عميد في الشرطة. اتجهت نحوه، وأعلمته باسمي، وقلت له إني كنت أتعرض للضرب من عدد من الأشخاص وأني أحتاج الى حماية. بدا الرجل متضايقا من وجودي واعتداء صوتي على أذنيه، وقال بتعجل: بعدين! بعدين! أعدت عليه ما قلت، جاهدا ان اشرح له أني اتعرض لاعتداء بلا سبب، وأن عليه ان يحميني. كرر الرجل بصبر نافد يوحي أنه منشغل بما هو أهم: بعدين! بعدين! كان من الواضح أن هذه طريقته في "التدخل لمنع وقوع أي صدام".
نصر في ساحة الشهداء
انسحبت ناجيا، مستعيدا زمام نفسي شيئا فشيئا، يرافقني صديق شاب، كان عاجزا كل العجز عن مساعدتي، لكن ربما قدّر أن وجوده قد يفيد إن وقع الأسوأ. أثناء الزفة كنت مفصولا عن العالم، غير دار بما جرى في موقع الاعتصام أمام قصر العدل. وكان المعتصمون قد انسحبوا، وفق ترتيب مسبق لم أكن على علم به، إلى ساحة المرجة أو ساحة الشهداء التي أعدم فيها شهداء 6 ايار عام 1916. بعد دقائق أدركت "مسيرة التأييد" مناورتهم، فـ"تصادف" أن مرت أيضا بساحة الشهداء، وشرع الشبان في القيام بمهامهم النضالية. وفقا لتدبير مبيت كانوا يستفزون الشخص بكلمات من نوع: "يا خاين، يا نذل، يا عميل لبوش، يا عميل لشارون" بحسب ما أورده شاهد عيان في منتدى إلكتروني سوري. كان الغرض دفع العتصمين للرد من أجل تحطيمهم. لم يرد أحد. مع ذلك نال عددا من المعتصمين أذى حقيقي: كسرت كتف أحد الشبان، وسالت دماء من فم شاب آخر، واعتقل ثالث 11 ساعة بين الثانية بعد الظهر والأولى ليلا. فيما نال معتصمون آخرون نصيبا مشابها لما نلته أنا من ركل ورفس وامتهان.
"ثورة" ضد الدولة
رغم انه لم يخطر على بال منظمي الاعتصام (أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية ومدنية) أن تتم "مواجهة الشعب بالشعب" بحسب عبارة احد البيانات التي صدرت بعد الاعتصام، فإن هذا الأسلوب ليس جديدا بحال. في شباط من العام الماضي كان طلاب بعثيون هم الذين اعتدوا على زملائهم الطلاب الذين كانوا يحتجون على تخلي الدولة عن توظيف متخرجي كليات الهندسة. وفي غير تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني عام 2002 كان يتم عزل المتظاهرين عن الشارع عبر تطويقهم بحشود عالية لصوت من الشبيبيين (أعضاء منظمة "اتحاد شبيبة الثورة" الرديفة لحزب البعث) أو تلاميذ المدارس. وبين اواخر السبعينات وبداية الثمانينات تشكلت ميليشيات حزبية وشبيبية وطالبية وعمالية في سياق عسكرة المجتمع وتجييشه إبان المواجهات الأهلية التي شهدتها تلك المرحلة. ولطالما كان لحزب البعث ذراع عسكرية مستقلة عن الدولة وعن الجيش. وفي أواخر الستينات من القرن المنصرم، كان صلاح جديد يراهن على حزب البعث وعلى منظمة الصاعقة البعثية في الصراع على السلطة مع وزير دفاعه الراحل حافظ الأسد. وفي الأيام الباكرة للحكم البعثي كان للحرس القومي دور مهم في الصراع على السلطة.
يمكن القول إن اللجوء الى أطراف مؤتمنين من خارج الدولة من أجل ممارسة القمع الموثوق به غريزة بعثية اصيلة. ولعل في ذلك ما يدل على عدم الثقة بالدولة بما في ذلك اجهزتها القمعية، وبما في هذه الجيش والشرطة، وحتى المخابرات. وإذا كانت هذه الأخيرة قد نالت سمعة مستحقة في الولاء المطلق وفي إمكان التسخير ضد أي اعتراض اجتماعي، فإن جدارتها بهذه السمعة تناسبت مع نزع صفتها كجهاز من اجهزة الدولة من جهة، ومع إسباغ طابع اهلي عليها او تشريبها به من جهة أخرى. وقد بلغ "نزع الدولية" و"إسباغ الأهلية" على تلك الأجهزة ذروتهما في عقد الثمانينات المظلم.
كانت ثورة البعث عام 1963 ثورة ضد الدولة قبل كل شيء، ضد وجود قواعد وضوابط وعادات وتقاليد مستقرة للحكم. وهذا هو المعنى الحقيقي والوحيد لحال الطوارئ، توأم حكم حزب البعث وشقيقة روحه. فبما هي تعليق مستمر للقانون، ورفض مستمر لمبادئ المسؤولية والمحاسبة، وضمان حصانة مطلقة للسلطة التنفيذية، فإن حال الطوارئ تجسد النفي المستمر للدولة. ومن هذا الباب تمثل استعادة الدولة وتقويتها على حساب تحالف السلطة العارية والروابط الأهلية المضمون الأول لكل تغيير حقيقي في سوريا. هذا مقدم على العدالة وعلى المساواة وعلى الحرية.
الخطير في الأطراف "دون الدوليين" في سوريا، سواء أكانوا روابط اهلية او "منظمات شعبية"، أن منطقهم في مواجهة الاعتراض هو منطق إبادة الخصم واستئصاله جذريا، وهذا منطق لا اثر للسياسة والعقل فيه. والمشترك بين الطرفين هذين اكبر مما يفرقهما: الروابط الأهلية موروثة وليست باختيار، و"المنظمات الشعبية" غير اختيارية بدورها ويقوم مزيج من الإكراه والإغراء بدور نزع المدنية منها. الأولى نتاج سياسي يستبطن أو يفترض نزع السياسة المدنية من المجتمع، والثانية إحدى أدوات نزع السياسة. والجوهري في كليهما هو الولاء وإنتاج علاقات التبعية الشخصية والمحسوبية.
خلافا لذلك، ورغم فساد أجهزة الدولة القمعية الأخرى، ورغم اختراقها المحاسيبي و"تأهيلها" (نقيض تمدينها)، فإن ثمة بقايا من منطق الدولة السياسي والعقلاني فيها. فالدولة، كما ينبغي ان نقول ونكرر، هي الفاعل الأكثر عقلانية أو الأقل لا عقلانية، إن داخل المجتمعات أو في العلاقات الدولية. وأقل الدول عقلانية وسياسية، أعقل وأكثر سياسية من كل منظمة اجتماعية أو حزب سياسي، أو بالطبع عشيرة او طائفة. وعناصر "كتيبة حفظ النظام" الحائزون الشهادة الإعدادية والذين يمارسون القمع عن اختصاص (تولوا قمع اعتصام 8 آذار 2004) أكثر عقلانية من طلاب جامعيين يمارسون القمع عن ولاء وعقيدة: يضرب طالب عدوه المفترض كي يرضي "معلمه" ويحسن فرصه في نيل خدمات او امتيازات قد لا تتوافر فرصة أخرى لنيلها (هذا بالطبع يعطي صورة مروعة عن الجامعة والتعليم العالي والجيل الطالبي في سوريا اليوم). إن العقلانية مرتبطة بالاختصاص والمسؤولية وحدودهما، فيما تضيع الحدود والمسؤوليات والاختصاص في قمع لا يتولاه اهله.
والفرق بين الدولة وغيرها، أن عنف الدولة غير شخصي، منزّه مبدئيا من دوافع الحقد والانتقام والثأر والإذلال، ولذلك يمكن أن يكون شرعيا، فيما عنف غير الدولة يثير تلك الدوافع بالذات، ولا يمكن أن يكون شرعيا، إنه مُشاكِل لعنف الحرب الأهلية التي تعني دمار الدولة. على أن الوظيفة القمعية اختلطت على الدوام في سوريا البعثية برغبة في الإذلال لا تنبع من مفهوم الدولة والقوانين، وفي إرادة تحطيم مشخصة لحيوات ما لا يحصى من الناس المشخصين. كان سجن تدمر تجسيدا لعنف كثيف التشخيص، في ممارسيه وفي ضحاياه وفي أساليبه. كان عنفا غير دولتي ومضاد للدولة في آن واحد.
كان اعتصام 10 آذار 2005 في جوهره دفاعا عن الدولة. وكان قمعه حلقة من حلقات الثورة المستمرة ضد الدولة. وبالفعل لا تزال الدولة ووظائفها ومنطقها المؤسسي موضع احتقار فعليا من المركب الأهلي الميليشيوي الممسك بها والمسيطر عليها. ويتناسب الاحتقار مع درجة الدولنة في تلك الوظائف والأجهزة: الشرطة اكثر من الجيش، والجيش أكثر من الأمن، والأمن أكثر من المركب الأهلي الميليشيوي. وكلما صعدنا السلسلة تكون القواعد والروح المؤسسية أضعف، والنزوع المحاسيبي والعقيدي والعنفي أقوى، والعكس بالعكس. بحكم تكوينه و"مدنيته" وقِدمه، جهاز الشرطة "متواطئ" نسبيا مع المؤسسية اكثر من جهاز الأمن، وهذا أكثر من أي ميليشيا. كل ذلك نسبي، ذلك ان نزع المدنية والمؤسسية وإضفاء "الأهلية" والعقيدية هو السمة للنظام المضاد الدولة.
تحوّل الثورة المضادة للدولة، المجتمعات المحكومة إلى حطب يابس. وتقف حاملة عود ثقاب مهددة بتحويل كل شيء إلى رماد .




_ دمشق...
ياسين الحاج صالح