حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
تاريخ بيروت 1830 ...2005 ...موضوع مهم وممتع فقط للعقلاء.. - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+---- المنتدى: تـاريخ و ميثولوجيـا (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=7)
+---- الموضوع: تاريخ بيروت 1830 ...2005 ...موضوع مهم وممتع فقط للعقلاء.. (/showthread.php?tid=30847)



تاريخ بيروت 1830 ...2005 ...موضوع مهم وممتع فقط للعقلاء.. - بسام الخوري - 03-09-2005

يوميات مدينة سريعة... على حافة البحر
ربيع جابر الحياة 2005/03/9

جيوش ابراهيم باشا – ابن والي مصر محمد علي باشا الألباني – غادرت بيروت بعد أن قصفت أسوار البلد بوارج التحالف الأوروبي – العثماني. البوارج الانكليزية والنمسوية والعثمانية زرعت قنابلها في حيطان بيروت يوم 11 أيلول (سبتمبر) 1840. بعد هذا القصف (الانذار) تغيرت بلاد الشام. العثمانيون رجعوا الى بيروت. المصريون رحلوا. بيروت 1841 ليست بيروت 1831. اثناء السنوات المصرية تحولت بيروت من بلدة زراعية مسورة تنام على الحافة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط الى مدينة تجارية ذات مرفأ مزدهر. التحول ارتبط بالإصلاحات التي أدخلها الحكم المصري وارتبط بإنشاء الكرنتينا (المحجر الصحي) بمبادرة من القنصل الفرنساوي غيز. إنشاء الكرنتينا سنة 1834 (واضطرار جميع السفن التجارية المحملة ركاباً وبضائع الى المرور ببيروت) حوّل بيروت الى بوابة بلاد الشام على البحر. سرقت بيروت تجارة البحر في شرق المتوسط. بعد خروج المصريين لم تضعف التجارة. الحرير والقطن يخرجان من جبل لبنان وبرّ الشام عبر مرفأ بيروت الى أوروبا. والمنسوجات الانكليزية والاكتشافات الحديثة تجيء من أوروبا الى الشام عبر مرفأ بيروت. المدينة لن تلبث أن تتسع. عساكر الانكليز تنزل فيها. والطلب على البيوت والمساكن يتزايد. أهالي بيروت ينقبون السور المتساقط ويبنون بحجارته بيوتاً.


الحركات

في تلك الحقبة تقع أولى الحروب الأهلية بين الدروز والموارنة في جبل لبنان.
حشود عند جامع محمد الامين في وسط بيروت التجاري. (أ ب)
الحركة الأولى (1841) ثم الثانية (1845) ثم الثالثة (1860) أرسلت قطعان نازحين الى بيروت. سنة 1860 لا تقع الحوادث في جبل لبنان فقط. تحدث مذابح في برّ الشام كله. حوادث دمشق تلك السنة تفضي الى خروج مئات العائلات. قبل ذلك – سنة 1850 – حدث أمر مشابه في حلب. القرن التاسع عشر قرن تجارة وفتن. البحر يتغير. السفن البخارية بانت، تسابق السفن الشراعية. والامبراطورية العثمانية دخلت طور الانهيار. الأعداء والأصدقاء يقرضونها بأنياب قاطعة. مانيه يرسم معارك بحرية. والأوبئة تتنقل بين الضفاف. يبدأ وباء في آسيا فتنقله السفن الى افريقيا وأوروبا بعد أيام. السفن تربط أطراف العالم. فئران أميركا تنزل في استراليا. العالم مساحته مساحة خريطة. وفي قلب الخريطة البحر الأبيض المتوسط. بحر هوميروس وبروديل. وعلى حافة البحر مدن تكبر وتضطرب.

[SIZE=5]بيروت القرن التاسع عشر عرفت الأوبئة والأمراض مثل كل مدن العالم. لكنها لم تعرف حروباً مدمرة. الحروب جرت عند حافة بيروت، في الجبل اللبناني. ووراء الجبل: في السهل أو الوادي أو دمشق أو حلب. نجت بيروت من فتن القرن التاسع عشر. لم تنجُ وحسب. الفتن أفادتها

نجت بيروت من حوادث القرن التاسع عشر. لم تنجُ فقط. حروب الجوار حلت بركة على بيروت. هل صنعت الحروب هذه المدينة؟ بيروت ليست طروادة. وإذا كانت الحرب حلّت عليها بركة في القرن الـ19، فإن القرن الذي أعقبه لم يكن رحيماً.

بدأ القرن العشرون بحروب وانتهى بحروب. في زمن الحرب العالمية الأولى عرفت البلاد المجاعة ونكبة الجراد. في تلك الحقبة هُدمت بيروت العثمانية القديمة من أجل شق الشوارع العريضة. ورشة الهدم امتدت على مساحة بيروت المسورة. صحيح ان السور تساقط لكن بعض بوابات السور لم يندثر إلا في تلك الورشة الطويلة أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها. الصور الفوتوغرافية الباقية من تلك الحقبة بليغة. تنظر الى البطاقات البريدية التي حملها جنود فرنسيون وانكليز فترى مدينة كاملة تكاد ان تطل من قلب الدمار.


سور المدينة القديمة

بيروت النصف الأول من القرن التاسع عشر محفوظة. كانت مستطيلة. والسور يحاصرها من ثلاث جهات. أما الجهة الرابعة فكانت البحر. البحر سهل أزرق يقع شمال بيروت القديمة. ما زال في مكانه. لكن السور سقط. بيروت القديمة المندثرة ما زالت هنا. كان يقطعها سوق ضيق يمتد من باب السراي (حيث جامع منصور عساف – أو جامع السراي – اليوم) في سورها الشرقي، الى باب ادريس في سورها الغربي. السوق سُميت «الفشخة» (الخطوة) لضيقها. بعد أعمال الهدم اتسعت. سُميت – في حقبة الانتداب الفرنسي على بلادنا – شارع ويغان. شارع ويغان ما زال في مكانه، يقطع بيروت المرممة (بيروت الوسط التجاري) رابطاً ساحة الشهداء (ساحة البرج، أو سهلات البرج) بمنطقة باب إدريس ثم وادي أبو جميل. من هناك، إذا انحرفنا نحو البحر، بلغنا أوتيل فينيسيا وأطلال فندق سان جورج وقرية عين المريسة. بيروت ما زالت صغيرة. كبيرة. لكنها صغيرة. في لحظة تقطعها. والمشي أسرع من السيارة. السيارات تُسبب زحمة. المشي أيسر. اليوم – في هذه الساعات المضطربة - يقدر السائر في سوليدير (وسط بيروت التجاري) أن يدل الغريب الى آثار بيروت العثمانية. الجوامع الباقية مثلاً. جامع السراي. والجامع العمري الكبير. وجامع النوفرة (هذا جامع الأمير منذر التنوخي بناه الأمير في عهد السلطان العثماني مراد الرابع. الجامع الباقي من القرن السادس عشر سُمي «النوفرة» بسبب نوفرة مرمر تتوسط باحته). بيروت القديمة محفوظة. السور الجنوبي كان يمتد بمحاذاة شارع الأمير بشير. السور الغربي بمحاذاة شارع المصارف. السور الشرقي كان يرمي ظلّه عند الغروب على ساحة البرج (الشهداء). أهالي بيروت في ذلك الزمن البعيد كانوا يدفنون موتاهم خارج السور. مقابر الخارجة والمصلى والغرباء كانت تقع في منطقة السهلات. سُميت السهلات لأنها مستوية، سهلة. كانت مزروعة توتاً. وتنحدر نحو البحر. الناس يزرعون التوت لتغذية دودة القزّ. والبحر إذا ارتفع موجه غسل أساسات البيوت ورفع المراكب من الميناء. أين بيروت القديمة؟ هل تختفي الأشياء بتعاقب الأعوام؟ هل تبقى؟ ماذا يحفظ الأمكنة من الاندثار؟ وماذا يحفظ البشر؟


حروب

الحرب العالمية الثانية لم تهدم بيروت. النصف الأول من القرن العشرين كان مقبولاً. ارتفعت عمارات كثيرة عند حافة البحر. ثم تكاثرت العمارات وزحفت نحو شارع الأمير بشير. بانت بنايات شارع المعرض حيث جريدة «الحياة» اليوم. وامتد العمران. التواريخ باقية. منقورة في مداخل العمارات. قبل 1929 (سنة الازمة الاقتصادية العالمية) بُنيت أفخم عمارات شارع فوش (سوق القطن قديماً).

النصف الثاني من القرن العشرين بدأ بحقبة ازدهار اقتصادي ثم انتهى الى حرب أهلية. حرب 1975 – 1990 أحرقت منذ أعوامها الأولى وسط المدينة التجاري. مجمع اللعازارية مثلاً احترق في أيلول 1975. احترقت الأسواق التجارية. واحترق المرفأ. أكثر من مئة وعشرين ألف انسان قضوا في الحرب.

«اتفاق الطائف» أنهى الحرب اللبنانية. لكن قبل أن تنتهي الحرب الطويلة حدثت أمور لا تحصى. في الثمانينات كان العالم كله يشاهد بيروت على الشاشات الصغيرة. لم تبق دولة في العالم إلا وأرسلت جنوداً الى هذه الأرض. مدينة غريبة بيروت. ماذا يحدث لها في الأعوام الآتية؟


الإنسان ليس حطباً

انتهت الحرب. جُرف الدمار الى البحر. بدأ ترميم المباني. السنوات تتوالى والشوارع تعود نظيفة، تتسع، تُرصف حجارة، تحتشد بالبشر. الإنسان ليس فأراً. ليس الإنسان حطباً. يقع ثم يقوم. إذا لم ينكسر كالجرة يقوم من جديد. إذا انكسر يكون انكسر. ماركوس اوريليوس حَزِن وهو يتأمل جنوده يعبرون النهر. هل ذكر نهر الإلياذة وغضب آخيل؟


مليون

أثناء الصيف الفائت حلّ في بيروت أكثر من مليون سائح. ضاعفوا عدد السكان في المدينة. [SIZE=6](سنة 1860 أيضاً أدى النزوح من الجوار الى مضاعفة سكان المدينة من ثلاثين ألفاً الى ستين ألف نسمة). السائر في شارع المعرض ليلاً كان يسمع اللغات تتشابك كبيت العنكبوت. المطاعم تعج بالزبائن، والضجة ترتفع الى السماء. هذا برج بابل. من سطح بناية فيرجين Virgin («السهلات» قديماً) ترى أنهار الكهرباء تتدفق حول ساحة الشهداء. سيارات لا تُعد. بيروت تكتظ بالسياح، والضحك يعلو. نشاط يتدفق في عروق البلد. حتى سينما سيتي بالاس المهجورة، الباقية بقبتها البيضاوية منخورة بالشظايا من أيام الحرب، حتى السينما المهجورة اتسعت لمعارض فنية ولوحات.

الآن – مطلع الاسبوع الثاني من آذار (مارس) 2005 – تعج سينما سيتي بالاس بالجنود. شاحنات عسكرية تتوزع المساحة من جسر فؤاد شهاب حتى البحر. مساحة بيضاء تمتد وتمتد وتمتد حتى حافة البحر الأزرق.

حول تمثال الشهداء (الذي رُمُم وترك بعض أطرافه مقطوعاً) خيم منصوبة. هذه ليست الخيم التي نصبتها الارساليات الأجنبية للاجئين أبناء الجبل ووادي التيم ودمشق سنة 1860. هذه خيم حديثة. لا تُصنع من القماش فقط. تُصنع من البلاستيك والنايلون أيضاً. العالم يتغير.

هناك صور ورسوم من سنة 1860 نرى فيها ساحة البرج (الشهداء) وقد توزعتها خيم النازحين الهاربين من النار والدم. خيم وحفر كالأوكار ببطن الأرض. هناك صورة لأولاد على حافة خيمة تغطي حفرة: ما يشبه بيتاً محفوراً في أرض السهلات. حيطان التراب تحمي من الريح. لعلها تحمي من البرد.


ماذا يحدث غداً؟

بيروت 2005 هل تعرف بيروت 1860، هل تتذكر بيروت 1840، هل تحتوي بيروت القديمة ذات الأسوار؟

النائمون في العراء، الساهرون الليل في ظل «تمثال الشهداء»، هل يعرفون أسلافهم؟ دم واحد يجري في العروق. وما عرفه الأقدمون نعرفه اليوم. في ساعة السوء نطلب الصحبة. الجماعة حصن وحماية. المهم حفظ الأمل. الصلاة، الصلاة.

كل ساعة قد تكون ساعتك الأخيرة. شربة الماء التي تشربها الآن قد تكون الشربة الأخيرة.


خمس أشجار صفراء الزهور

الآخرون خشبة خلاص؟ لعلهم الجحيم أيضاً. المدينة مضطربة. وأهلها يضطربون. تظاهرات. جموع. تظاهرات مضادة. حل الربيع باكراً. شباط (فبراير) لم يكن بارداً. زهور صفراء تتفتح كالنار في خمس أشجار أمام جامع السراي. زهور فاتنة مشعشعة. كم تدوم؟ خرير الماء في نوافير البلدية مسموع. البحر أزرق ساكن كصحن زجاج. لكن الاضطراب بلا نهاية. الواقف بين أصحابه في الطريق يتكلم ويتكلم ويتكلم. كأنه يهذي. ما سرّ الهذيان؟ بعيداً يبين صنين: قممه بيضاء تُكللها الثلوج، لكن ها هي الثلوج بدأت تذوب وتنحـسر عـــن الهضــــاب.

الربيع يتقدم. وعما قريب يحلّ الصيف على بيروت.

هذا الصيف غير الصيف الفائت. سريعة هذه المدينة. سريع هذا العالم. سريع الوقت. سريعة حياتنا. وفي دوامة السرعة، في دوامة الصخب والعنف والتقلبات، نطلب لحظة الهدوء. التوازن، التوازن. وما هو أحسن. ما هو أقل اضطراباً.

الخبز والماء والهواء. الطعام والطبيعة والقراءة. ان تكون الدروب سالكة، أن تظل الدكـاكين مفـــتوحة. أن تمشي ولا تخـــشى السيارات المـــتوقفة لصق الرصيـــف، وعند صناديق النفايات. ألا ترى صفاً من البشر أمام باب الفرن. أن تفرغ الساحات من العساكر. أن ترفع وجهك الى السماء فترى الأزرق الساطع وترى بياض الغيوم وترى اسراب الحمام. سريعة هذه المدينة. والسرعة الشديدة تملأ العينين ظلاماً. كيف نحفظ النور في العيون؟

أمام محل الفلافل ولدان ينظران الى أقراص الفلافل تبرق بالزيت برقاً.

حبّات البندورة الحمراء مصفوفة، والبقدونس الأخضر المفروم يتـــساقط من أصابع بيضاء. الحشد يقطع الطريق. والولدان ينظران الـــى حــبات الفـــلافل الذهــــبية تُـــهرس على الرغيف المفتوح. الطرطور يسيل من فم الابريق ورائحة الطحينة تفوح. نور يلمـــع في العيون. والولدان يفرحان. يأكلان ويشربان ويضحكان.

[SIZE=5]ماذا يحدث لهما غداً؟



تاريخ بيروت 1830 ...2005 ...موضوع مهم وممتع فقط للعقلاء.. - بسام الخوري - 03-16-2005

البعد التاريخي للعلاقة السورية ـ اللبنانية
غسان الإمام
منذ أيام، كنت غافيا أسمع محطة اذاعة فرنسية (اف. ام) فنبهني حوار للمذيع، ويبدو انه من يهود الاعلام الفرنسي، مع شابين يعملان في مؤسسة فرنسية. سألهما المذيع: من أين أنتما؟ قالا: نحن لبنانيان. يمضي المذيع في اسئلة واجوبة كأنها معدة سلفا: ما هي أصول اللبنانيين؟ يجيبان: «اللبنانيون ـ يقصدان الموارنة ـ فينيقيون». ضحكت ورثيت لشهادة زور على التاريخ.
منذ سنين قليلة، سألت «فينيقيا» آخر عن اصل اسم عائلته الطريف. قال لي ريمون اده عميد الفينيقيين الموارنة ان نسبه (إده) يعود الى أدونيس الجد الاكبر للعائلة. لم أضحك. اكتفيت بابتسامة مؤدبة. بالطبع، لم يكن الزعيم الماروني الراحل يقصد ان قرابة ما تجمعه مع الشاعر السوري علي احمد سعيد اسبر الذي اغتصب هو ايضا اسم ادونيس احد ابطال الميثولوجيا الفينيقية، تهربا من عروبته.
للأمانة مع التاريخ والموارنة، اقول ان الفينيقيين سكنوا سواحل تونس واسبانيا وسورية. كانوا مهرة في التجارة والابحار والقرصنة. واتهمهم المؤرخون بجفاء الطبع، وبتقديم اطفالهم قرابين لآلهتهم. كان الفينيقيون من الاقوام السامية التي هاجرت من شبه جزيرة العرب منذ بواكير الألف الثاني قبل الميلاد. وعلى الرغم من ان ملكهم حيرام في صور باع اليهود أرز لبنان لبناء هيكلهم في القدس في زمن سليمان، فقد كانت لغتهم احدى اللغات السامية التي انبثقت عنها العربية (بيت. راس. ميام/مياه...).
لسوء حظ الموارنة، فالتاريخ لا يجمعهم مع الفينيقيين. فر الموارنة السريان من وسط سورية وشمالها الى جبال لبنان في العصر الأموي (اواخر القرن السابع الميلادي) فيما كان الرومان قد سحقوا الفينيقيين في القرن الميلادي الثاني. تعرب الموارنة في اللغة ولم يتأسلموا. فقد كان الامويون متسامحين دينيا مع الاقوام السامية والعربية (الموالي) ومعظمها مسيحي. كان الاضطهاد الديني البيزنطي سببا للجوء الموارنة الى الجبل العالي، وليس الى الساحل (الفينيقي).
لا اريد ان اوغل في التاريخ القديم في هذا المجال الضيق. اكتفي بهذا القدر عن علاقة لبنان بسورية قبل العروبة والاسلام. واضيف ان لبنان في العصور الوسيطة رفدته هجرات قبلية عربية عبر الشام (سورية). بل هناك اليوم اسر مارونية عريقة ذات اصول عربية لا تستطيع انكارها (الجميل. الخازن. شهاب. حبيش. الدحداح...).
في العصر العثماني (1516 ـ 1916) تمتع جبل لبنان، بفعل التدخل الاوروبي، بأشكال الاستقلال الذاتي عن ولاية الشام المحكومة عثمانيا. بعد التنوخيين الذين استكملوا تعريب لبنان، برز المعنيون، فالشهابيون. ثم نظام «القائمقامية» الذين قسم لبنان الى منطقتين مسيحية شمالية، وجنوبية درزية. وانتهى الحكم الذاتي بنظام «المتصرفية» (1861 ـ 1914).
كانت مشاركة زعماء الموارنة ومسيحيي لبنان الواسعة والبارزة في البنى الهيكلية للدولة العربية الفيصلية في سورية (1918 ـ 1920) تتويجا لمساهمة لبنان المسيحي الفاعلة في يقظة الوعي القومي والثقافي للامة العربية منذ بداية القرن التاسع عشر. الاسماء الثقافية واللغوية كثيرة: البستاني ـ اليازجي ـ شميِّل ـ الشدياق ـ زيدان ـ وجبران المهاجر الذي ملأ أدبه بسوريته اكثر مما ملأه بلبنانيته. نجا القوميان العربيان نجيب عازوري وامين الريحاني من ملاحقة الاتراك، لكن حبال المشانق التفت حول أعناق المسيحيين التفافها حول اعناق اخوتهم المسلمين في ساحتي الشهداء ببيروت ودمشق (1915 ـ 1916).
قوض الفرنسيون الدولة السورية المستقلة بالقوة المسلحة في عام 1920، واعلنوا قيام دولة «لبنان الكبير» ضامين اليها ثلاث مناطق سورية: الساحل امتدادا من عكار وطرابلس الى صور مع الجنوب الشيعي، ثم سهل البقاع، لكن السوريين سارعوا الى عقد مؤتمر في جنيف (1921) بزعامة ميشيل لطف الله المسيحي اللبناني المهاجر الى مصر. وشارك في المؤتمر الطرابلسي الشيخ رشيد رضا، والدرزي شكيب ارسلان، والسني رياض الصلح وزعماء فلسطينيون، مطالبين باستقلال سورية التي تضم لبنان وفلسطين، الا ان اتفاق سايكس ـ بيكو كان قد ارتسم على الارض بالقوة.
[SIZE=5]تعود ريمون إده كلما زرته في فندقه الباريسي ان يروي لي مرارا وتكرارا كيف رسم السياسي الفرنسي الكبير كليمنصو لبنان الكبير. قال انه امسك بالقلم الاحمر، وادخل دمشق في خريطة لبنان. ثم قال للبطريرك يوسف حويك وإميل إده (والد ريمون): هل يرضيكم لبنان هكذا؟ يصيح حويك وإده: لا، لا، لا نريد دمشق. هذه مدينة إسلام. إسلام.


:lol2::lol2::lol2::lol2:
الواقع ان انهداما زلزاليا كبيرا حدث بين سورية ولبنان منذ ذلك الحين. فقد انحاز معظم الموارنة والمسيحيين اللبنانيين الى خريطة لبنان الاوروبية، متخلين حتى عن مواصلة المساهمة في رسم خريطة العرب الثقافية واللغوية. غير ان النضال الوطني من اجل الاستقلال والوحدة الثنائية ظل مشتركا خلال العشرينات والثلاثينات بين الجيل القومي الاول في سورية ولبنان. وكان هذا الجيل مؤلفا في لبنان من الزعماء السنة وبعض كبار مثقفي الدروز، وعلى رأسهم الامير شكيب ارسلان جد وليد جنبلاط لأمه.
هذا النضال المشترك ما لبث ان تعرض بدوره الى الانقطاع والانفصال. آثرت البورجوازية والارستقراطية السنية في لبنان التنسيق منذ منتصف الثلاثينات مع الموارنة، من اجل لبنان «سيد مستقل» ـ عن سورية ـ لكن بوجه عربي. كان حضور العروبي رياض الصلح في عداد الوفد السوري الذي عقد معاهدة للاستقلال في باريس آخر مساهمة لبنانية سنية في ذلك النضال المشترك. قبل الزعماء السوريون على مضض ارادة البورجوازية السنية اللبنانية التي مثلتها بشكل خاص أسر بيروتية رفيعة: آل بيهم والداعوق والصلح وسلام، تماما كما قبلوا، بتسامح، سلخ المناطق السورية الثلاث، وضمها الى لبنان.
جسد القبول السوري بهذا الواقع الجغرافي ديمقراطية العلاقة النزيهة والحرة بين البلدين في ذلك العصر النضالي الرومانسي. كان الانفصال محزنا وأليما، لكنه كان واقعيا. كان الموارنة في ذروة قوتهم وحلفهم مع فرنسا بزعامة إميل إده، فيما كانت الحركة الوطنية المارونية بزعامة الشيخ بشارة الخوري مع الاستقلال عن فرنسا، شرط ان ينهي السنة نضالهم المشترك مع سورية.
الواقع الآخر كون زعماء النضال الوطني في سورية قد انشغلوا عن لبنان بانقسامهم الداخلي المرير. عاد الزعيم الاكبر الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في النصف الثاني من الثلاثينات من مصر. كان منفيا ومحكوما بالاعدام لقيادته الثورة السورية (1925 ـ 1927)، عاد ليناصب «الكتلة الوطنية» وزعماءها (جميل مردم وشكري القوتلي وسعد الله الجابري) العداء، رافضا معاهدة الاستقلال المنقوص (1936).
استمال الشهبندر السوريين اليه بفصاحة خطابه، وقوة منطقه، وعمق ثقافته، وطهارة وطنيته الملتهبة. لكن حكومة فيشي الفرنسية الفاشية التي سيطرت على فرنسا وسورية ولبنان بعد الاحتلال النازي، تضايقت من الشهبندر، فدبرت له «مؤامرة اغتيال» واسندت تنفيذها الى الاصولية السنية السورية. كان اغتيال الطبيب الشهبندر (العلماني الكافر)، وهو بملابسه البيضاء في عيادته عام 1940، اول عملية اغتيال ارهابية ترتكبها الاصولية في العالم العربي الحديث.
اضع هذه الفذلكة المختصرة عن البعد التاريخي للعلاقة السورية ـ اللبنانية امام الاجيال الجديدة في البلدين لكي لا تجهل التاريخ السياسي العربي الحديث. لكن هل هذا كل شيء عن تاريخية العلاقة؟
لا، لا بد من استكمال الرواية بالحديث عن الاشتباك المربك في هذه العلاقة بعد الاستقلال، لا سيما في عصر حافظ الاسد، وصولا الى الانسحاب السوري من لبنان في عصر بشار الاسد.



تاريخ بيروت 1830 ...2005 ...موضوع مهم وممتع فقط للعقلاء.. - alexlloyd54 - 03-16-2005

تحية لك يا دكتور بسام

موضوع أكثر من رائع, من شخص متميز.

:9: